بحـث
سحابة الكلمات الدلالية
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
هدى من الله | ||||
لولو حسن | ||||
روز | ||||
هنا سيد | ||||
توتى بدر | ||||
fola | ||||
روضة البدر | ||||
ام دهب و مصطفى | ||||
امة الرحمن | ||||
لولا |
تفسير القرآن الكريم الجلالين
صفحة 1 من اصل 4
صفحة 1 من اصل 4 • 1, 2, 3, 4
تفسير القرآن الكريم الجلالين
1. سورة الفاتحة
1. بسم الله الرحمن الرحيم
2. ( الحمد لله ) جملة خبرية قصد بها الثناء على الله بمضمونها على أنه تعالى مالك لجميع الحمد من الخلق أو مستحق لأن يحمدوه ، والله علم على المعبود بحق ( رب العالمين ) أي مالك جميع الخلق من الإنس والجن والملائكة والدواب وغيرهم وكل منها يطلق عليه عالم ، يقال عالم الإنس وعالم الجن إلى غير ذلك ، وغلب في جمعه بالياء والنون أولي العلم على غيرهم وهو من العلامة لأنه علامة على موجده
3. ( الرحمن الرحيم ) أي ذي الرحمة وهي إرادة الخير لأهله
4. ( مَلِكِ يوم الدين ) أي الجزاء وهو يوم القيامة ، وخُصَّ بالذكر لأنه لا ملك ظاهراً فيه لأحد إلا لله تعالى بدليل { لمن الملك اليوم لله } ومن قرأ { مالك } فمعناه مالك الأمر كله في يوم القيامة أو هو موصوف بذلك دائماً { كغافر الذنب } فصح وقوعه صفة لمعرفة
5. ( إياك نعبد وإياك نستعين ) أي نخصك بالعبادة من توحيد وغيره ونطلب المعونة على العبادة وغيرها
6. ( اهدنا الصراط المستقيم ) أي أرشدنا إليه
7. ويبدل منه : ( صراط الذين أنعمت عليهم ) بالهداية ويبدل من الذين بصلته ( غير المغضوب عليهم ) وهم اليهود ( ولا ) غير ( الضالين ) وهم النصارى ، ونكتة البدل إفادة أن المهتدين ليسوا يهوداً ولا نصارى والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً دائماً أبداً ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . [ وعن الشيخ محمود الرنكوسي تفسير ألطف ورد في مختصر تفسير ابن كثير مفاده أن المغضوب عليهم هم الذين عرفوا الحق وخالفوه أما الضالين فلم يهتدوا إلى الحق أصلاً . دار الحديث ]
1. بسم الله الرحمن الرحيم
2. ( الحمد لله ) جملة خبرية قصد بها الثناء على الله بمضمونها على أنه تعالى مالك لجميع الحمد من الخلق أو مستحق لأن يحمدوه ، والله علم على المعبود بحق ( رب العالمين ) أي مالك جميع الخلق من الإنس والجن والملائكة والدواب وغيرهم وكل منها يطلق عليه عالم ، يقال عالم الإنس وعالم الجن إلى غير ذلك ، وغلب في جمعه بالياء والنون أولي العلم على غيرهم وهو من العلامة لأنه علامة على موجده
3. ( الرحمن الرحيم ) أي ذي الرحمة وهي إرادة الخير لأهله
4. ( مَلِكِ يوم الدين ) أي الجزاء وهو يوم القيامة ، وخُصَّ بالذكر لأنه لا ملك ظاهراً فيه لأحد إلا لله تعالى بدليل { لمن الملك اليوم لله } ومن قرأ { مالك } فمعناه مالك الأمر كله في يوم القيامة أو هو موصوف بذلك دائماً { كغافر الذنب } فصح وقوعه صفة لمعرفة
5. ( إياك نعبد وإياك نستعين ) أي نخصك بالعبادة من توحيد وغيره ونطلب المعونة على العبادة وغيرها
6. ( اهدنا الصراط المستقيم ) أي أرشدنا إليه
7. ويبدل منه : ( صراط الذين أنعمت عليهم ) بالهداية ويبدل من الذين بصلته ( غير المغضوب عليهم ) وهم اليهود ( ولا ) غير ( الضالين ) وهم النصارى ، ونكتة البدل إفادة أن المهتدين ليسوا يهوداً ولا نصارى والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً دائماً أبداً ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . [ وعن الشيخ محمود الرنكوسي تفسير ألطف ورد في مختصر تفسير ابن كثير مفاده أن المغضوب عليهم هم الذين عرفوا الحق وخالفوه أما الضالين فلم يهتدوا إلى الحق أصلاً . دار الحديث ]
عدل سابقا من قبل هدى Admin في السبت أغسطس 11, 2012 4:38 pm عدل 2 مرات
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
. سورة البقرة [ مدنية 286 أو 287 آية ]
1. ( الم ) الله أعلم بمراده بذلك
2. ( ذلك ) أي هذا ( الكتاب ) الذي يقرؤه محمد ( لا ريب ) لا شك ( فيه ) أنه من عند الله ، وجملة النفي خبر مبتدؤه ذلك والإشارة به للتعظيم ( هدى ) خبر ثان أي هاد ( للمتقين ) الصائرين إلى التقوى بامتثال الأوامر واجتناب النواهي لاتقائهم بذلك النار
3. ( الذين يؤمنون ) يصدقون ( بالغيب ) بما غاب عنهم من البعث والجنة والنار ( ويقيمون الصلاة ) أي يأتون بها بحقوقها ( ومما رزقناهم ) أعطيناهم ( ينفقون ) في طاعة الله
4. ( والذين يؤمنون بما أنزل إليك ) أي القرآن ( وما أنزل من قبلك ) أي التوراة والإنجيل وغيرهما ( وبالآخرة هم يوقنون ) يعلمون
5. ( أولئك ) الموصوفون بما ذكر ( على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ) الفائزون بالجنة الناجون من النار
6. ( إن الذين كفروا ) كأبي جهل وأبي لهب ونحوهما ( سواء عليهم أأنذرتهم ) بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفا وتسهيلها وإدخال ألف بين المُسَهَّلَة والأخرى وتركه ( أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) لعلم الله منهم ذلك فلا تطمع في إيمانهم ، والإنذار إعلام مع تخويف
7. ( ختم الله على قلوبهم ) طبع عليها واستوثق فلا يدخلها خير ( وعلى سمعهم ) أي مواضعه فلا ينتفعون بما يسمعونه من الحق ( وعلى أبصارهم غشاوة ) غطاء فلا يبصرون الحق ( ولهم عذاب عظيم ) قوي دائم
8. ونزل في المنافقين : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر ) أي يوم القيامة لأنه آخر الأيام ( وما هم بمؤمنين ) روعي فيه معنى من ، وفي ضمير يقول لفظها
9. ( يخادعون الله والذين آمنوا ) بإظهار خلاف ما أبطنوه من الكفر ليدفعوا عنهم أحكامه الدنيوية ( وما يخادعون إلا أنفسهم ) لأن وبال خداعهم راجع إليهم فيفتضحون في الدنيا بإطلاع الله نبيه على ما أبطنوه ويعاقبون في الآخرة ( وما يشعرون ) يعلمون أن خداعهم لأنفسهم والمخادعة هنا من واحد كعاقبت اللص وذكر الله فيها تحسين ، وفي قراءة وما يخدعون
10. ( في قلوبهم مرض ) شك ونفاق فهو يمرض قلوبهم أي يضعفها ( فزادهم الله مرضا ) بما أنزله من القرآن لكفرهم به ( ولهم عذاب أليم ) مؤلم ( بما كانوا يكذبون ) بالتشديد أي نبيَّ الله ، وبالتخفيف أي قولهم آمنا
11. ( وإذا قيل لهم ) أي لهؤلاء ( لا تفسدوا في الأرض ) بالكفر والتعويق عن الإيمان ( قالوا إنما نحن مصلحون ) وليس ما نحن فيه بفساد.
12. قال الله تعالى رداً عليهم : ( ألا ) للتنبيه ( إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) بذلك
13. ( وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس ) أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ( قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ) الجهال أي لا نفعل كفعلهم قال تعالى ردا عليهم: ( ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ) ذلك
14. ( وإذا لقوا ) أصله لقيوا حذفت الضمة للاستثقال ثم الياء لالتقائها ساكنة مع الواو ( الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا ) منهم ورجعوا ( إلى شياطينهم ) رؤسائهم ( قالوا إنا معكم ) في الدين ( إنما نحن مستهزئون ) بهم بإظهار الإيمان
15. ( الله يستهزئ بهم ) يجازيهم باستهزائهم ( ويمدهم ) يمهلهم ( في طغيانهم ) بتجاوزهم الحد في الكفر ( يعمهون ) يترددون تحيرا حال
16. ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ) أي استبدلوها به ( فما ربحت تجارتهم ) أي ما ربحوا فيها بل خسروا لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم ( وما كانوا مهتدين ) فيما فعلوا
17. ( مثلهم ) صفتهم في نفاقهم ( كمثل الذي استوقد ) أوقد ( ناراً ) في ظلمة ( فلما أضاءت ) أنارت ( ما حوله ) فأبصر واستدفأ وأمن ممن يخافه ( ذهب الله بنورهم ) أطفأه ، وجُمع الضمير مراعاة لمعنى الذي ( وتركهم في ظلمات لا يبصرون ) ما حولهم متحيرين عن الطريق خائفين فكذلك هؤلاء أمنوا بإظهار كلمة الإيمان فإذا ماتوا جاءهم الخوف والعذاب
18. هم ( صمٌّ ) عن الحق فلا يسمعونه سماع قبول ( بكمٌ ) خرسٌ عن الخير فلا يقولونه ( عُمْيٌ ) عن طريق الهدى فلا يرونه ( فهم لا يرجعون ) عن الضلالة
19. ( أو ) مثلهم ( كصيِّب ) أي كأصحاب مطر ، وأصله صيوب من صاب يصوب أي ينزل ( من السماء ) السحاب ( فيه ) أي السحاب ( ظلمات ) متكاثفة ( ورعد ) هو الملك الموكل به وقيل صوته ( وبرق ) لمعان صوته الذي يزجره به ( يجعلون ) أي أصحاب الصيب ( أصابعهم ) أي أناملها ( في آذانهم من ) أجل ( الصواعق ) شدة صوت الرعد لئلا يسمعوها ( حذر ) خوف ( الموت ) من سماعها ، كذلك هؤلاء إذا نزل القرآن وفيه ذكر الكفر المشبه بالظلمات والوعيد عليه المشبه بالرعد والحجج والبينة المشبهة بالبرق ، يسدون آذانهم لئلا يسمعوه فيميلوا إلى الإيمان وترك دينهم وهو عندهم موت ( والله محيط بالكافرين ) علما وقدرة فلا يفوتونه
20. ( يكاد ) يقرب ( البرق يخطف أبصارهم ) يأخذها بسرعة ( كلما أضاء لهم مشوا فيه ) أي في ضوئه ( وإذا أظلم عليهم قاموا ) وقفوا ، تمثيل لإزعاج ما في القرآن من الحجج قلوبهم وتصديقهم لما سمعوا فيه مما يحبون ووقوفهم عما يكرهون ( ولو شاء الله لذهب بسمعهم ) بمعنى أسماعهم ( وأبصارهم ) الظاهرة كما ذهب بالباطنة ( إن الله على كل شيء ) شاءه ( قدير ) ومثله إذهاب ما ذكر
21. ( يا أيها الناس ) أي أهل مكة ( اعبدوا ) وحدوا ( ربكم الذي خلقكم ) أنشأكم ولم تكونوا شيئا ( و ) خلق ( الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) بعبادته عقابا ، ولعل في الأصل للترجي ، وفي كلامه تعالى للتحقيق
22. ( الذي جعل ) خلق ( لكم الأرض فراشا ) حال بساطا يفترش لا غاية في الصلابة أو الليونة فلا يمكن الاستقرار عليها ( والسماء بناء ) سقفا ( وأنزل من السماء ماء فأخرج به من ) أنواع ( الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أنداداً ) شركاء في العبادة ( وأنتم تعلمون ) أنه الخالق ولا تخلقون ، ولا يكون إلها إلا من يخلق
23. ( وإن كنتم في ريب ) شك ( مما نزَّلنا على عبدنا ) محمد من القرآن أنه من عند الله ( فأتوا بسورة من مثله ) أي المنزل ومن للبيان أي هي مثله في البلاغة وحسن النظم والإخبار عن الغيب .24. ولما عجزوا عن ذلك قال تعالى ( فإن لم تفعلوا ) ما ذُكر لعجزكم ( ولن تفعلوا ) ذلك أبداً لظهور إعجازه
25. ( وبشر ) أخبر ( الذين آمنوا ) صدقوا بالله ( وعملوا الصالحات ) من الفروض والنوافل ( أن ) أي بأن ( لهم جنات ) حدائق ذات شجر ومساكن ( تجري من تحتها ) أي تحت أشجارها وقصورها ( الأنهار ) أي المياه فيها ، والنهر هو الموضع الذي يجري فيه الماء ينهره أي يحفره وإسناد الجري إليه مَجاز ( كلما رزقوا منها ) أطعموا من تلك الجنات ( من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي ) أي مثل ما ( رزقنا من قبل ) أي قبله في الجنة لتشابه ثمارها بقرينه ( وأتوا به ) أي جيئوا بالرزق ( متشابهاً ) يشبه بعضه بعضاً لوناً ويختلف طعماً ( ولهم فيها أزواج ) من الحور وغيرها ( مطهَّرة ) من الحيض وكل قذر ( وهم فيها خالدون ) ماكثون أبداً لا يفنون ولا يخرجون . ونزل ردَّاً لقول اليهود لمَّا ضرب الله المثل بالذباب في قوله: { وإن يسلبهم الذباب شيئا } والعنكبوت في قوله : { كمثل العنكبوت } ما أراد الله بذكر هذه الأشياء الخسيسة فأنزل الله :
26. ( إن الله لا يستحيي أن يضرب ) يجعل ( مثلاً ) مفعول أول ( ما ) نكرة موصوفة بما بعدها مفعول ثان أي مثل كان أو زائدة لتأكيد الخسة فما بعدها المفعول الثاني ( بعوضةً ) مفرد البعوض وهو صغار البق ( فما فوقها ) أي أكبر منها أي لا يترك بيانه لما فيه من الحكم ( فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه ) أي المثل ( الحق ) الثابت الواقع موقعه ( من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا ) تمييز أي بهذا المثل ، وما استفهام إنكار مبتدأ ، وذا بمعنى الذي بصلته خبره أي: أي فائدة فيه قال تعالى في جوابهم ( يضل به ) أي بهذا المثل ( كثيرا ) عن الحق لكفرهم به ( ويهدي به كثيرا ) من المؤمنين لتصديقهم به ( وما يضل به إلا الفاسقين ) الخارجين عن طاعته
27. ( الذين ) نعت ( ينقضون عهد الله ) ما عهده إليهم في الكتب من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ( من بعد ميثاقه ) توكيده عليهم ( ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ) من الإيمان بالنبي والرحم وغير ذلك وأن بدل من ضمير به ( ويفسدون في الأرض ) بالمعاصي والتعويق عن الإيمان ( أولئك ) الموصوفون بما ذكر ( هم الخاسرون ) لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم
28. ( كيف تكفرون ) يا أهل مكة ( بالله و ) قد ( كنتم أمواتا ) نطفا في الأصلاب ( فأحياكم ) في الأرحام والدنيا بنفخ الروح فيكم ، والاستفهام للتعجب من كفرهم مع قيام البرهان أو للتوبيخ ( ثم يميتكم ) عند انتهاء آجالكم ( ثم يحييكم ) بالبعث ( ثم إليه ترجعون ) تردون بعد البعث فيجازيكم بأعمالكم . وقال دليلا على البعث لما أنكروه:
29. ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض ) أي الأرض وما فيها ( جميعا ) لتنتفعوا به وتعتبروا ( ثم استوى ) بعد خلق الأرض أي قصد ( إلى السماء فسوَّاهن ) الضمير يرجع إلى السماء لأنها في معنى الجملة الآيلة إليه : أي صيرها كما في آية أخرى { فقضاهن } ( سبع سماوات وهو بكل شيء عليم ) مجملاً ومفصلاً ، أفلا تعتبرون أن القادر على خلق ذلك ابتداء وهو أعظم منكم قادرٌ على إعادتكم
30. ( و ) اذكر يا محمد ( إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ) يخلفني في تنفيذ أحكامي فيها وهو آدم ( قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ) بالمعاصي ( ويسفك الدماء ) يريقها بالقتل كما فعل بنو الجان وكانوا فيها فلما أفسدوا أرسل الله عليهم الملائكة فطردوهم إلى الجزائر والجبال ( ونحن نسبح ) متلبسين ( بحمدك ) أي نقول سبحان الله وبحمده ( ونقدس لك ) ننزهك عما لا يليق بك فاللام زائدة والجملة حال أي فنحن أحق بالاستحلاف ( قال ) تعالى ( إني أعلم ما لا تعلمون ) من المصلحة في استخلاف آدم وأن ذريته فيهم المطيع والعاصي فيظهر العدل بينهم ، فقالوا لن يخلق ربنا خلقا أكرم عليه منا ولا أعلم لسبقنا له ورؤيتنا ما لم يره فخلق الله تعالى آدم من أديم الأرض أي وجهها بأن قبض منها قبضة من جميع ألوانها وعجنت بالمياه المختلفة وسواه ونفخ فيه الروح فصار حيواناً حساساً بعد أن كان جماداً
31. ( وعلم آدم الأسماء ) أي أسماء المسميات ( كلها ) بأن ألقى في قلبه علمها ( ثم عرضهم ) أي المسميات وفيه تغليب العقلاء ( على الملائكة فقال ) لهم تبكيتا ( أنبئوني ) أخبروني ( بأسماء هؤلاء ) المسميات ( إن كنتم صادقين ) في أني لا أخلق أعلم منكم أو أنكم أحق بالخلافة ، وجواب الشرط دل عليه ما قبله
32. ( قالوا سبحانك ) تنزيهاً لك عن الاعتراض عليك ( لا علم لنا إلا ما علمتنا ) إياه ( إنك أنت ) تأكيد للكاف ( العليم الحكيم ) الذي لا يخرج شيء عن علمه وحكمته
33. ( قال ) تعالى ( يا آدم أنبئهم ) أي الملائكة ( بأسمائهم ) المسميات فسمّى كل شيء باسمه وذكر حكمته التي خلق لها ( فلما أنبأهم بأسمائهم قال ) تعالى لهم موبخاً ( ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض ) ما غاب فيهما ( وأعلم ما تبدون ) ما تظهرون من قولكم أتجعل فيها الخ ( وما كنتم تكتمون ) تُسِرُّون من قولكم لن يخلق أكرم عليه منا ولا أعلم
34. ( و ) اذكر ( إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) سجود تحيةٍ بالانحناء ( فسجدوا إلا إبليس ) هو أبو الجن كان بين الملائكة ( أبى ) امتنع عن السجود ( واستكبر ) تكبّر عنه وقال : أنا خير منه ( وكان من الكافرين ) في علم الله
35. ( وقلنا يا آدم اسكن أنت ) تأكيد للضمير المستتر ليعطف عليه ( وزوجك ) حواء بالمد وكان خلقها من ضلعه الأيسر ( الجنة وكلا منها ) أكلاً ( رغداً ) واسعاً لا حجر فيه ( حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة ) بالأكل منها وهي الحنطة أو الكرم أو غيرهما ( فتكونا ) فتصيرا ( من الظالمين ) العاصين . [ المُرجَّح عند الشيخ محمود الرنكوسي أن الجنة التي كانا فيها كانت على الأرض وليست هي جنة الخلد ، دار الحديث ]
36. ( فأزلَّهما الشيطان ) إبليس أي أذهبهما ، وفي قراءة { فأزالهما } نحَّاهما ( عنها ) أي الجنة بأن قال لهما : هل أدلكما على شجرة الخلد وقاسمهما بالله أنه لهما لمن الناصحين فأكلا منها ( فأخرجهما مما كانا فيه ) من النعيم ( وقلنا اهبطوا ) إلى الأرض أي أنتما بما اشتملتما عليه من ذريتكما ( بعضكم ) بعض الذرية ( لبعض عدو ) من ظلم بعضكم بعضا ( ولكم في الأرض مستقر ) موضع قرار ( ومتاع ) مما تتمتعون به من نباتها ( إلى حين ) وقت انقضاء آجالكم
37. ( فتلقى آدمُ من ربه كلماتٍ ) ألهمه إياها ، وفي قراءة بنصب آدم ورفع كلمات ، أي جاءه وهي { ربنا ظلمنا أنفسنا } الآية
38. ( قلنا اهبطوا منها ) من الجنة ( جميعا ) كرره ليعطف عليه ( فإمَّا ) فيه إدغام نون إنْ الشرطية في ما الزائدة ( يأتينكم مني هدى ) كتاب ورسول ( فمن تبع هداي ) فآمن بي وعمل بطاعتي ( فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) في الآخرة أن يدخلوا الجنة
39. ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ) كتبنا ( أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) ماكثون أبدا لا يفنون ولا يخرجون
40. ( يا بني إسرائيل ) أولاد يعقوب ( اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ) أي على آبائكم من الإنجاء من فرعون و فلق البحر و تظليل الغمام و غير ذلك بأن تشكروها بطاعتي ( وأوفوا بعهدي ) الذي عهدته إليكم من الإيمان بمحمد ( أوف بعهدكم ) الذي عهدت إليكم من الثواب عليه بدخول الجنة ( وإياي فارهبون ) خافون في ترك الوفاء به دون غيري
41. ( وآمنوا بما أنزلت ) من القرآن ( مصدقا لما معكم ) من التوراة بموافقته له في التوحيد والنبوة ( ولا تكونوا أول كافر به ) من أهل الكتاب لأن خلفكم تبع لكم فإثمهم عليكم ( ولا تشتروا ) تستبدلوا ( بآياتي ) التي في كتابكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم ( ثمنا قليلا ) عرضا يسيرا من الدنيا أي لا تكتموها خوف فوات ما تأخذونه من سلفتكم ( وإياي فاتقون ) خافون في ذلك دون غيري
42. ( ولا تلبسوا ) تخلطوا ( الحق ) الذي أنزلت عليكم ( بالباطل ) الذي تفترونه ولا ( وتكتموا الحق ) نعت محمد ( وأنتم تعلمون ) أنه الحق
43. ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين ) صلّوا مع المصلين محمد وأصحابه ، ونزل في علمائهم وكانوا يقولون لأقربائهم المسلمين اثبتوا على دين محمد فإنه حق
44. ( أتأمرون الناس بالبر ) بالإيمان بمحمد ( وتنسون أنفسكم ) تتركونها فلا تأمرونها به ( وأنتم تتلون الكتاب ) التوراة وفيها الوعيد على مخالفة القول العمل ( أفلا تعقلون ) سوءَ فعلِكم فترجعون ، فجملة النسيان محل الاستفهام الإنكاري
45. ( واستعينوا ) اطلبوا المعونة على أموركم ( بالصبر ) الحبس للنفس على ما تكره ( والصلاة ) أفردها بالذكر تعظيما لشأنها وفي الحديث « كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة » وقيل الخطاب لليهود لما عاقهم عن الإيمان الشره وحب الرياسة فأمروا بالصبر وهو الصوم لأنه يكسر الشهوة ، والصلاة لأنها تورث الخشوع وتنفي الكبر ( وإنها ) أي الصلاة ( لكبيرة ) ثقيلة ( إلا على الخاشعين ) الساكنين إلى الطاعة
46. ( الذين يظنون ) يوقنون ( أنهم ملاقوا ربهم ) بالبعث ( وأنهم إليه راجعون ) في الآخرة فيجازيهم
47. ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ) بالشكر عليها بطاعتي ( وأني فضلتكم ) أي آباءكم ( على العالمين ) عالمي زمانهم [ وعن الشيخ محمود الرنكوسي أن تفضيلهم على العالمين بكثرة الأنبياء فيهم وفي الحديث : « علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل » أي في الكثرة ]
48. ( واتقوا ) خافوا ( يوما لا تجزي ) فيه ( نفس عن نفس شيئاً ) وهو يوم القيامة ( ولا يقبل ) بالتاء والياء ( منها شفاعة ) أي ليس لها شفاعة فتقبل { فما لنا من شافعين } ( ولا يؤخذ منها عدلٌ ) فداءٌ ( ولا هم ينصرون ) يمنعون من عذاب الله
49. ( و ) اذكروا ( إذ نجيناكم ) أي آباءكم ، والخطاب به وبما بعده للموجودين في زمن نبينا بما أنعم الله على آبائهم تذكيراً لهم بنعمة الله تعالى ليؤمنوا ( من آل فرعون يسومونكم ) يذيقونكم ( سوء العذاب ) أشده والجملة حال من ضمير نجيناكم ( يذبحون ) بيان لما قبله ( أبناءكم ) المولودين ( ويستحيون ) يستبقون ( نساءكم ) لقول بعض الكهنة له إن مولوداً يولد في بني إسرائيل يكون سبباً لذهاب ملكك ( وفي ذلكم ) العذاب أو الإنجاء ( بلاء ) ابتلاء أو إنعام ( من ربكم عظيم )
50. ( و ) اذكروا ( إذ فرقنا ) فلقنا ( بكم ) بسببكم ( البحر ) حتى دخلتموه هاربين من عدوكم ( فأنجيناكم ) من الغرق ( وأغرقنا آل فرعون ) قومه معه ( وأنتم تنظرون ) إلى انطباق البحر عليهم
1. ( الم ) الله أعلم بمراده بذلك
2. ( ذلك ) أي هذا ( الكتاب ) الذي يقرؤه محمد ( لا ريب ) لا شك ( فيه ) أنه من عند الله ، وجملة النفي خبر مبتدؤه ذلك والإشارة به للتعظيم ( هدى ) خبر ثان أي هاد ( للمتقين ) الصائرين إلى التقوى بامتثال الأوامر واجتناب النواهي لاتقائهم بذلك النار
3. ( الذين يؤمنون ) يصدقون ( بالغيب ) بما غاب عنهم من البعث والجنة والنار ( ويقيمون الصلاة ) أي يأتون بها بحقوقها ( ومما رزقناهم ) أعطيناهم ( ينفقون ) في طاعة الله
4. ( والذين يؤمنون بما أنزل إليك ) أي القرآن ( وما أنزل من قبلك ) أي التوراة والإنجيل وغيرهما ( وبالآخرة هم يوقنون ) يعلمون
5. ( أولئك ) الموصوفون بما ذكر ( على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ) الفائزون بالجنة الناجون من النار
6. ( إن الذين كفروا ) كأبي جهل وأبي لهب ونحوهما ( سواء عليهم أأنذرتهم ) بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفا وتسهيلها وإدخال ألف بين المُسَهَّلَة والأخرى وتركه ( أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) لعلم الله منهم ذلك فلا تطمع في إيمانهم ، والإنذار إعلام مع تخويف
7. ( ختم الله على قلوبهم ) طبع عليها واستوثق فلا يدخلها خير ( وعلى سمعهم ) أي مواضعه فلا ينتفعون بما يسمعونه من الحق ( وعلى أبصارهم غشاوة ) غطاء فلا يبصرون الحق ( ولهم عذاب عظيم ) قوي دائم
8. ونزل في المنافقين : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر ) أي يوم القيامة لأنه آخر الأيام ( وما هم بمؤمنين ) روعي فيه معنى من ، وفي ضمير يقول لفظها
9. ( يخادعون الله والذين آمنوا ) بإظهار خلاف ما أبطنوه من الكفر ليدفعوا عنهم أحكامه الدنيوية ( وما يخادعون إلا أنفسهم ) لأن وبال خداعهم راجع إليهم فيفتضحون في الدنيا بإطلاع الله نبيه على ما أبطنوه ويعاقبون في الآخرة ( وما يشعرون ) يعلمون أن خداعهم لأنفسهم والمخادعة هنا من واحد كعاقبت اللص وذكر الله فيها تحسين ، وفي قراءة وما يخدعون
10. ( في قلوبهم مرض ) شك ونفاق فهو يمرض قلوبهم أي يضعفها ( فزادهم الله مرضا ) بما أنزله من القرآن لكفرهم به ( ولهم عذاب أليم ) مؤلم ( بما كانوا يكذبون ) بالتشديد أي نبيَّ الله ، وبالتخفيف أي قولهم آمنا
11. ( وإذا قيل لهم ) أي لهؤلاء ( لا تفسدوا في الأرض ) بالكفر والتعويق عن الإيمان ( قالوا إنما نحن مصلحون ) وليس ما نحن فيه بفساد.
12. قال الله تعالى رداً عليهم : ( ألا ) للتنبيه ( إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) بذلك
13. ( وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس ) أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ( قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ) الجهال أي لا نفعل كفعلهم قال تعالى ردا عليهم: ( ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون ) ذلك
14. ( وإذا لقوا ) أصله لقيوا حذفت الضمة للاستثقال ثم الياء لالتقائها ساكنة مع الواو ( الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا ) منهم ورجعوا ( إلى شياطينهم ) رؤسائهم ( قالوا إنا معكم ) في الدين ( إنما نحن مستهزئون ) بهم بإظهار الإيمان
15. ( الله يستهزئ بهم ) يجازيهم باستهزائهم ( ويمدهم ) يمهلهم ( في طغيانهم ) بتجاوزهم الحد في الكفر ( يعمهون ) يترددون تحيرا حال
16. ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ) أي استبدلوها به ( فما ربحت تجارتهم ) أي ما ربحوا فيها بل خسروا لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم ( وما كانوا مهتدين ) فيما فعلوا
17. ( مثلهم ) صفتهم في نفاقهم ( كمثل الذي استوقد ) أوقد ( ناراً ) في ظلمة ( فلما أضاءت ) أنارت ( ما حوله ) فأبصر واستدفأ وأمن ممن يخافه ( ذهب الله بنورهم ) أطفأه ، وجُمع الضمير مراعاة لمعنى الذي ( وتركهم في ظلمات لا يبصرون ) ما حولهم متحيرين عن الطريق خائفين فكذلك هؤلاء أمنوا بإظهار كلمة الإيمان فإذا ماتوا جاءهم الخوف والعذاب
18. هم ( صمٌّ ) عن الحق فلا يسمعونه سماع قبول ( بكمٌ ) خرسٌ عن الخير فلا يقولونه ( عُمْيٌ ) عن طريق الهدى فلا يرونه ( فهم لا يرجعون ) عن الضلالة
19. ( أو ) مثلهم ( كصيِّب ) أي كأصحاب مطر ، وأصله صيوب من صاب يصوب أي ينزل ( من السماء ) السحاب ( فيه ) أي السحاب ( ظلمات ) متكاثفة ( ورعد ) هو الملك الموكل به وقيل صوته ( وبرق ) لمعان صوته الذي يزجره به ( يجعلون ) أي أصحاب الصيب ( أصابعهم ) أي أناملها ( في آذانهم من ) أجل ( الصواعق ) شدة صوت الرعد لئلا يسمعوها ( حذر ) خوف ( الموت ) من سماعها ، كذلك هؤلاء إذا نزل القرآن وفيه ذكر الكفر المشبه بالظلمات والوعيد عليه المشبه بالرعد والحجج والبينة المشبهة بالبرق ، يسدون آذانهم لئلا يسمعوه فيميلوا إلى الإيمان وترك دينهم وهو عندهم موت ( والله محيط بالكافرين ) علما وقدرة فلا يفوتونه
20. ( يكاد ) يقرب ( البرق يخطف أبصارهم ) يأخذها بسرعة ( كلما أضاء لهم مشوا فيه ) أي في ضوئه ( وإذا أظلم عليهم قاموا ) وقفوا ، تمثيل لإزعاج ما في القرآن من الحجج قلوبهم وتصديقهم لما سمعوا فيه مما يحبون ووقوفهم عما يكرهون ( ولو شاء الله لذهب بسمعهم ) بمعنى أسماعهم ( وأبصارهم ) الظاهرة كما ذهب بالباطنة ( إن الله على كل شيء ) شاءه ( قدير ) ومثله إذهاب ما ذكر
21. ( يا أيها الناس ) أي أهل مكة ( اعبدوا ) وحدوا ( ربكم الذي خلقكم ) أنشأكم ولم تكونوا شيئا ( و ) خلق ( الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) بعبادته عقابا ، ولعل في الأصل للترجي ، وفي كلامه تعالى للتحقيق
22. ( الذي جعل ) خلق ( لكم الأرض فراشا ) حال بساطا يفترش لا غاية في الصلابة أو الليونة فلا يمكن الاستقرار عليها ( والسماء بناء ) سقفا ( وأنزل من السماء ماء فأخرج به من ) أنواع ( الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أنداداً ) شركاء في العبادة ( وأنتم تعلمون ) أنه الخالق ولا تخلقون ، ولا يكون إلها إلا من يخلق
23. ( وإن كنتم في ريب ) شك ( مما نزَّلنا على عبدنا ) محمد من القرآن أنه من عند الله ( فأتوا بسورة من مثله ) أي المنزل ومن للبيان أي هي مثله في البلاغة وحسن النظم والإخبار عن الغيب .24. ولما عجزوا عن ذلك قال تعالى ( فإن لم تفعلوا ) ما ذُكر لعجزكم ( ولن تفعلوا ) ذلك أبداً لظهور إعجازه
25. ( وبشر ) أخبر ( الذين آمنوا ) صدقوا بالله ( وعملوا الصالحات ) من الفروض والنوافل ( أن ) أي بأن ( لهم جنات ) حدائق ذات شجر ومساكن ( تجري من تحتها ) أي تحت أشجارها وقصورها ( الأنهار ) أي المياه فيها ، والنهر هو الموضع الذي يجري فيه الماء ينهره أي يحفره وإسناد الجري إليه مَجاز ( كلما رزقوا منها ) أطعموا من تلك الجنات ( من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي ) أي مثل ما ( رزقنا من قبل ) أي قبله في الجنة لتشابه ثمارها بقرينه ( وأتوا به ) أي جيئوا بالرزق ( متشابهاً ) يشبه بعضه بعضاً لوناً ويختلف طعماً ( ولهم فيها أزواج ) من الحور وغيرها ( مطهَّرة ) من الحيض وكل قذر ( وهم فيها خالدون ) ماكثون أبداً لا يفنون ولا يخرجون . ونزل ردَّاً لقول اليهود لمَّا ضرب الله المثل بالذباب في قوله: { وإن يسلبهم الذباب شيئا } والعنكبوت في قوله : { كمثل العنكبوت } ما أراد الله بذكر هذه الأشياء الخسيسة فأنزل الله :
26. ( إن الله لا يستحيي أن يضرب ) يجعل ( مثلاً ) مفعول أول ( ما ) نكرة موصوفة بما بعدها مفعول ثان أي مثل كان أو زائدة لتأكيد الخسة فما بعدها المفعول الثاني ( بعوضةً ) مفرد البعوض وهو صغار البق ( فما فوقها ) أي أكبر منها أي لا يترك بيانه لما فيه من الحكم ( فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه ) أي المثل ( الحق ) الثابت الواقع موقعه ( من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا ) تمييز أي بهذا المثل ، وما استفهام إنكار مبتدأ ، وذا بمعنى الذي بصلته خبره أي: أي فائدة فيه قال تعالى في جوابهم ( يضل به ) أي بهذا المثل ( كثيرا ) عن الحق لكفرهم به ( ويهدي به كثيرا ) من المؤمنين لتصديقهم به ( وما يضل به إلا الفاسقين ) الخارجين عن طاعته
27. ( الذين ) نعت ( ينقضون عهد الله ) ما عهده إليهم في الكتب من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ( من بعد ميثاقه ) توكيده عليهم ( ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ) من الإيمان بالنبي والرحم وغير ذلك وأن بدل من ضمير به ( ويفسدون في الأرض ) بالمعاصي والتعويق عن الإيمان ( أولئك ) الموصوفون بما ذكر ( هم الخاسرون ) لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم
28. ( كيف تكفرون ) يا أهل مكة ( بالله و ) قد ( كنتم أمواتا ) نطفا في الأصلاب ( فأحياكم ) في الأرحام والدنيا بنفخ الروح فيكم ، والاستفهام للتعجب من كفرهم مع قيام البرهان أو للتوبيخ ( ثم يميتكم ) عند انتهاء آجالكم ( ثم يحييكم ) بالبعث ( ثم إليه ترجعون ) تردون بعد البعث فيجازيكم بأعمالكم . وقال دليلا على البعث لما أنكروه:
29. ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض ) أي الأرض وما فيها ( جميعا ) لتنتفعوا به وتعتبروا ( ثم استوى ) بعد خلق الأرض أي قصد ( إلى السماء فسوَّاهن ) الضمير يرجع إلى السماء لأنها في معنى الجملة الآيلة إليه : أي صيرها كما في آية أخرى { فقضاهن } ( سبع سماوات وهو بكل شيء عليم ) مجملاً ومفصلاً ، أفلا تعتبرون أن القادر على خلق ذلك ابتداء وهو أعظم منكم قادرٌ على إعادتكم
30. ( و ) اذكر يا محمد ( إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ) يخلفني في تنفيذ أحكامي فيها وهو آدم ( قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ) بالمعاصي ( ويسفك الدماء ) يريقها بالقتل كما فعل بنو الجان وكانوا فيها فلما أفسدوا أرسل الله عليهم الملائكة فطردوهم إلى الجزائر والجبال ( ونحن نسبح ) متلبسين ( بحمدك ) أي نقول سبحان الله وبحمده ( ونقدس لك ) ننزهك عما لا يليق بك فاللام زائدة والجملة حال أي فنحن أحق بالاستحلاف ( قال ) تعالى ( إني أعلم ما لا تعلمون ) من المصلحة في استخلاف آدم وأن ذريته فيهم المطيع والعاصي فيظهر العدل بينهم ، فقالوا لن يخلق ربنا خلقا أكرم عليه منا ولا أعلم لسبقنا له ورؤيتنا ما لم يره فخلق الله تعالى آدم من أديم الأرض أي وجهها بأن قبض منها قبضة من جميع ألوانها وعجنت بالمياه المختلفة وسواه ونفخ فيه الروح فصار حيواناً حساساً بعد أن كان جماداً
31. ( وعلم آدم الأسماء ) أي أسماء المسميات ( كلها ) بأن ألقى في قلبه علمها ( ثم عرضهم ) أي المسميات وفيه تغليب العقلاء ( على الملائكة فقال ) لهم تبكيتا ( أنبئوني ) أخبروني ( بأسماء هؤلاء ) المسميات ( إن كنتم صادقين ) في أني لا أخلق أعلم منكم أو أنكم أحق بالخلافة ، وجواب الشرط دل عليه ما قبله
32. ( قالوا سبحانك ) تنزيهاً لك عن الاعتراض عليك ( لا علم لنا إلا ما علمتنا ) إياه ( إنك أنت ) تأكيد للكاف ( العليم الحكيم ) الذي لا يخرج شيء عن علمه وحكمته
33. ( قال ) تعالى ( يا آدم أنبئهم ) أي الملائكة ( بأسمائهم ) المسميات فسمّى كل شيء باسمه وذكر حكمته التي خلق لها ( فلما أنبأهم بأسمائهم قال ) تعالى لهم موبخاً ( ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض ) ما غاب فيهما ( وأعلم ما تبدون ) ما تظهرون من قولكم أتجعل فيها الخ ( وما كنتم تكتمون ) تُسِرُّون من قولكم لن يخلق أكرم عليه منا ولا أعلم
34. ( و ) اذكر ( إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) سجود تحيةٍ بالانحناء ( فسجدوا إلا إبليس ) هو أبو الجن كان بين الملائكة ( أبى ) امتنع عن السجود ( واستكبر ) تكبّر عنه وقال : أنا خير منه ( وكان من الكافرين ) في علم الله
35. ( وقلنا يا آدم اسكن أنت ) تأكيد للضمير المستتر ليعطف عليه ( وزوجك ) حواء بالمد وكان خلقها من ضلعه الأيسر ( الجنة وكلا منها ) أكلاً ( رغداً ) واسعاً لا حجر فيه ( حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة ) بالأكل منها وهي الحنطة أو الكرم أو غيرهما ( فتكونا ) فتصيرا ( من الظالمين ) العاصين . [ المُرجَّح عند الشيخ محمود الرنكوسي أن الجنة التي كانا فيها كانت على الأرض وليست هي جنة الخلد ، دار الحديث ]
36. ( فأزلَّهما الشيطان ) إبليس أي أذهبهما ، وفي قراءة { فأزالهما } نحَّاهما ( عنها ) أي الجنة بأن قال لهما : هل أدلكما على شجرة الخلد وقاسمهما بالله أنه لهما لمن الناصحين فأكلا منها ( فأخرجهما مما كانا فيه ) من النعيم ( وقلنا اهبطوا ) إلى الأرض أي أنتما بما اشتملتما عليه من ذريتكما ( بعضكم ) بعض الذرية ( لبعض عدو ) من ظلم بعضكم بعضا ( ولكم في الأرض مستقر ) موضع قرار ( ومتاع ) مما تتمتعون به من نباتها ( إلى حين ) وقت انقضاء آجالكم
37. ( فتلقى آدمُ من ربه كلماتٍ ) ألهمه إياها ، وفي قراءة بنصب آدم ورفع كلمات ، أي جاءه وهي { ربنا ظلمنا أنفسنا } الآية
38. ( قلنا اهبطوا منها ) من الجنة ( جميعا ) كرره ليعطف عليه ( فإمَّا ) فيه إدغام نون إنْ الشرطية في ما الزائدة ( يأتينكم مني هدى ) كتاب ورسول ( فمن تبع هداي ) فآمن بي وعمل بطاعتي ( فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) في الآخرة أن يدخلوا الجنة
39. ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ) كتبنا ( أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) ماكثون أبدا لا يفنون ولا يخرجون
40. ( يا بني إسرائيل ) أولاد يعقوب ( اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ) أي على آبائكم من الإنجاء من فرعون و فلق البحر و تظليل الغمام و غير ذلك بأن تشكروها بطاعتي ( وأوفوا بعهدي ) الذي عهدته إليكم من الإيمان بمحمد ( أوف بعهدكم ) الذي عهدت إليكم من الثواب عليه بدخول الجنة ( وإياي فارهبون ) خافون في ترك الوفاء به دون غيري
41. ( وآمنوا بما أنزلت ) من القرآن ( مصدقا لما معكم ) من التوراة بموافقته له في التوحيد والنبوة ( ولا تكونوا أول كافر به ) من أهل الكتاب لأن خلفكم تبع لكم فإثمهم عليكم ( ولا تشتروا ) تستبدلوا ( بآياتي ) التي في كتابكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم ( ثمنا قليلا ) عرضا يسيرا من الدنيا أي لا تكتموها خوف فوات ما تأخذونه من سلفتكم ( وإياي فاتقون ) خافون في ذلك دون غيري
42. ( ولا تلبسوا ) تخلطوا ( الحق ) الذي أنزلت عليكم ( بالباطل ) الذي تفترونه ولا ( وتكتموا الحق ) نعت محمد ( وأنتم تعلمون ) أنه الحق
43. ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين ) صلّوا مع المصلين محمد وأصحابه ، ونزل في علمائهم وكانوا يقولون لأقربائهم المسلمين اثبتوا على دين محمد فإنه حق
44. ( أتأمرون الناس بالبر ) بالإيمان بمحمد ( وتنسون أنفسكم ) تتركونها فلا تأمرونها به ( وأنتم تتلون الكتاب ) التوراة وفيها الوعيد على مخالفة القول العمل ( أفلا تعقلون ) سوءَ فعلِكم فترجعون ، فجملة النسيان محل الاستفهام الإنكاري
45. ( واستعينوا ) اطلبوا المعونة على أموركم ( بالصبر ) الحبس للنفس على ما تكره ( والصلاة ) أفردها بالذكر تعظيما لشأنها وفي الحديث « كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة » وقيل الخطاب لليهود لما عاقهم عن الإيمان الشره وحب الرياسة فأمروا بالصبر وهو الصوم لأنه يكسر الشهوة ، والصلاة لأنها تورث الخشوع وتنفي الكبر ( وإنها ) أي الصلاة ( لكبيرة ) ثقيلة ( إلا على الخاشعين ) الساكنين إلى الطاعة
46. ( الذين يظنون ) يوقنون ( أنهم ملاقوا ربهم ) بالبعث ( وأنهم إليه راجعون ) في الآخرة فيجازيهم
47. ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ) بالشكر عليها بطاعتي ( وأني فضلتكم ) أي آباءكم ( على العالمين ) عالمي زمانهم [ وعن الشيخ محمود الرنكوسي أن تفضيلهم على العالمين بكثرة الأنبياء فيهم وفي الحديث : « علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل » أي في الكثرة ]
48. ( واتقوا ) خافوا ( يوما لا تجزي ) فيه ( نفس عن نفس شيئاً ) وهو يوم القيامة ( ولا يقبل ) بالتاء والياء ( منها شفاعة ) أي ليس لها شفاعة فتقبل { فما لنا من شافعين } ( ولا يؤخذ منها عدلٌ ) فداءٌ ( ولا هم ينصرون ) يمنعون من عذاب الله
49. ( و ) اذكروا ( إذ نجيناكم ) أي آباءكم ، والخطاب به وبما بعده للموجودين في زمن نبينا بما أنعم الله على آبائهم تذكيراً لهم بنعمة الله تعالى ليؤمنوا ( من آل فرعون يسومونكم ) يذيقونكم ( سوء العذاب ) أشده والجملة حال من ضمير نجيناكم ( يذبحون ) بيان لما قبله ( أبناءكم ) المولودين ( ويستحيون ) يستبقون ( نساءكم ) لقول بعض الكهنة له إن مولوداً يولد في بني إسرائيل يكون سبباً لذهاب ملكك ( وفي ذلكم ) العذاب أو الإنجاء ( بلاء ) ابتلاء أو إنعام ( من ربكم عظيم )
50. ( و ) اذكروا ( إذ فرقنا ) فلقنا ( بكم ) بسببكم ( البحر ) حتى دخلتموه هاربين من عدوكم ( فأنجيناكم ) من الغرق ( وأغرقنا آل فرعون ) قومه معه ( وأنتم تنظرون ) إلى انطباق البحر عليهم
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
تابع سورة البقرة .. تفسير الجلالين
51. ( وإذ واعدنا ) بألف ودونها ( موسى أربعين ليلة ) نعطيه عند انقضائها التوراة لتعملوا بها ( ثم اتخذتم العجل ) الذي صاغه لكم السامريُّ إلها ( من بعده ) أي بعد ذهابه إلى ميعادنا ( وأنتم ظالمون ) باتخاذه لوضعكم العبادة في غير محلها
52. ( ثم عفونا عنكم ) محونا ذنوبكم ( من بعد ذلك ) الاتخاذ ( لعلكم تشكرون ) نعمتنا عليكم
53. ( وإذ آتينا موسى الكتاب ) التوراة ( والفرقان ) عطف تفسير أي الفارق بين الحق والباطل والحلال والحرام ( لعلكم تهتدون ) به من الضلال
54. ( وإذ قال موسى لقومه ) الذين عبدوا العجل ( يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل ) إلها ( فتوبوا إلى بارئكم ) خالقكم من عبادته ( فاقتلوا أنفسكم ) أي ليقتل البريء منكم المجرم ( ذلكم ) القتل ( خير لكم عند بارئكم ) فوفقكم لفعل ذلك وأرسل عليكم سحابة سوداء لئلا يبصر بعضكم بعضا فيرحمه حتى قتل منكم نحو سبعين ألفا ( فتاب عليكم ) قبل توبتكم ( إنه هو التواب الرحيم )
55. ( وإذ قلتم ) وقد خرجتم مع موسى لتعتذروا إلى الله من عبادة العجل وسمعتم كلامه ( يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) عَيانا ( فأخذتكم الصاعقة ) الصيحة فَمُتُّم ( وأنتم تنظرون ) ما حل بكم
56. ( ثم بعثناكم ) أحييناكم ( من بعد موتكم لعلكم تشكرون ) نعمتنا بذلك
57. ( وظللنا عليكم الغمام ) سترناكم بالسحاب الرقيق من حر الشمس في التيه ( وأنزلنا عليكم ) فيه ( المن والسلوى ) هما الترنجبين والطير السماني بتخفيف الميم والقصر وقلنا : ( كلوا من طيبات ما رزقناكم ) ولا تدخروا فكفروا النعمة وادخروا فقطع عنهم ( وما ظلمونا ) بذلك ( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) لأن وباله عليهم
58. ( وإذ قلنا ) لهم بعد خروجهم من التيه ( ادخلوا هذه القرية ) بيت المقدس أو أريحا ( فكلوا منها حيث شئتم رغداً ) واسعاً لا حجْر فيه ( وادخلوا الباب ) أي بابها ( سجدا ) منحنين ( وقولوا ) مسألتنا ( حِطَّة ) أي أن تحط عنا خطايانا ( نغفر ) وفي قراءة بالياء والتاء مبينا للمفعول فيهما ( لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين ) بالطاعة ثوابا
59. ( فبدل الذين ظلموا ) منهم ( قولا غير الذي قيل لهم ) فقالوا : حبة في شعرة ودخلوا يزحفون على أستاههم ( فأنزلنا على الذين ظلموا ) فيه وضع الظاهر موضع المضمر مبالغة في تقبيح شأنهم ( رجزا ) عذابا طاعونا ( من السماء بما كانوا يفسقون ) بسبب فسقهم أي خروجهم عن الطاعة فهلك منهم في ساعة سبعون ألفا أو أقل
60. ( و ) اذكر ( وإذ استسقى موسى ) أي طلب السقيا ( لقومه ) وقد عطشوا في التيه ( فقلنا اضرب بعصاك الحجر ) وهو الذي فر بثوبه ، خفيف مربع كرأس الرجل رخام أو كذان فضربه ( فانفجرت ) انشقت وسالت ( منه اثنتا عشرة عينا ) بعدد الأسباط ( قد علم كل أناس ) سبط منهم ( مشربهم ) موضع شربهم فلا يشركهم فيه غيرهم . وقلنا لهم ( كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) حال مؤكدة لعاملها من عثِى بكسر المثلثة أفسد
61. ( وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام ) أي نوع منه ( واحد ) وهو المن والسلوى ( فادع لنا ربك يخرج لنا ) شيئا ( مما تنبت الأرض من ) للبيان ( بقلها وقثائها وفومها ) حنطتها ( وعدسها وبصلها قال ) لهم موسى ( أتستبدلون الذي هو أدنى ) أخس ( بالذي هو خير ) أشرف أتأخذونه بدله ، والهمزة للإنكار فأبوا أن يرجعوا فدعا الله تعالى ( اهبطوا ) انزلوا ( مصرا ) من الأمصار ( فإن لكم ) فيه ( ما سألتم ) من النبات ( وضربت ) جعلت ( عليهم الذلة ) الذل والهوان ( والمسكنة ) أي أثر الفقر من السكون والخزي فهي لازمة لهم ، وإن كانوا أغنياء لزوم الدرهم المضروب لسكته ( وباؤوا ) رجعوا ( بغضب من الله ذلك ) أي الضرب والغضب ( بأنهم ) أي بسبب أنهم ( كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين ) كزكريا ويحيى ( بغير الحق ) أي ظلما ( ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) يتجاوزون الحد في المعاصي وكرره للتأكيد
62. ( إن الذين آمنوا ) بالأنبياء من قبل ( والذين هادوا ) هم اليهود ( والنصارى والصابئين ) طائفة من اليهود أو النصارى ( من آمن ) منهم ( بالله واليوم الآخر ) في زمن نبينا ( وعمل صالحا ) بشريعته ( فلهم أجرهم ) أي ثواب أعمالهم ( عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) روعي في ضمير آمن وعمل لفظ من وفيما بعد معناها
63. ( و ) اذكر ( إذ أخذنا ميثاقكم ) عهدكم بالعمل بما في التوراة ( و ) قد ( رفعنا فوقكم الطور ) الجبل اقتلعناه من أصله عليكم لما أبيتم قبولها وقلنا ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) بجد واجتهاد ( واذكروا ما فيه ) بالعمل به ( لعلكم تتقون ) النار أو المعاصي
64. ( ثم توليتم ) أعرضتم ( من بعد ذلك ) الميثاق عن الطاعة ( فلولا فضل الله عليكم ورحمته ) لكم بالتوبة أو تأخير العذاب ( لكنتم من الخاسرين ) الهالكين
65. ( ولقد ) لام قسم ( علمتم ) عرفتم ( الذين اعتدوا ) تجاوزوا الحد ( منكم في السبت ) بصيد السمك وقد نهيناهم عنه وهم أهل إيلة ( فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) مبعدين فكانوا وهلكوا بعد ثلاثة أيام
66. ( فجعلناها ) أي تلك العقوبة ( نكالا ) عبرة مانعة من ارتكاب مثل ما عملوا ( لما بين يديها وما خلفها ) أي الأمم التي في زمانها أو بعدها ( وموعظة للمتقين ) الله وخصوا بالذكر لأنهم المنتفعون بخلاف غيرهم
67. ( و ) اذكر ( إذ قال موسى لقومه ) وقد قتل لهم قتيل لا يُدرى قاتله وسألوه أن يدعوَ الله أن يبينه لهم فدعاه ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا ) مهزوءاً بنا حيث تجيبنا بمثل ذلك ( قال أعوذ ) أمتنع ( بالله أن أكون من الجاهلين ) المستهزئين
68. فلما علموا أنه عزم ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ) أي ما سنُّها ؟ ( قال ) موسى ( إنه ) أي الله ( يقول إنها بقرة لا فارض ) مسنة ( ولا بكر ) صغيرة ( عوان ) نصف ( بين ذلك ) المذكور من السنين ( فافعلوا ما تؤمرون ) به من ذبحها
69. ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها ) شديد الصفرة ، ( تسر الناظرين ) إليها بحسنها أي تعجبهم
70. ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ) أسائمة أم عاملة ( إن البقر ) أي جنسه المنعوت بما ذكر ( تشابه علينا ) لكثرته فلم نهتد إلى المقصودة ( وإنا إن شاء الله لمهتدون ) إليها ، وفي الحديث « لو لم يستثنوا لما بُيِّنَت لهم لآخر الأبد »
71. ( قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول ) غير مذللة بالعمل ( تثير الأرض ) تقلبها للزراعة ، والجملة صفة ذلول داخلة في النهي ( ولا تسقي الحرث ) الأرض المهيأة للزراعة ( مسَلَّمة ) من العيوب وآثار العمل ( لا شية ) لون ( فيها ) غير لونها ( قالوا الآن جئت بالحق ) نطقت بالبيان التام فطلبوها فوجدوها عند الفتى البار بأمه فاشتروها بملء مَسكها ذهباً ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ) لغلاء ثمنها وفي الحديث : « لو ذبحوا أي بقرة كانت لأجزأتهم ولكن شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم »
72. ( وإذ قتلتم نفسا فادَّارأتم ) فيه إدغام الدال في التاء أي تخاصمتم وتدافعتم ( فيها والله مخرج ) مظهر ( ما كنتم تكتمون ) من أمرها ، وهذا اعتراض وهو أول القصة
73. ( فقلنا اضربوه ) أي القتيل ( ببعضها ) فضرب بلسانها أو عجب ذنبها فحيي وقال : قتلني فلان وفلان لابني عمه ومات فحُرما الميراث وقُتلا ، قال تعالى : ( كذلك ) الإحياء ( يحيي الله الموتى ويريكم آياته ) دلائل قدرته ( لعلكم تعقلون ) تتدبرون فتعلموا أن القادر على إحياء نفس واحدة قادر على إحياء نفوس كثيرة فتؤمنون
74. ( ثم قست قلوبكم ) أيها اليهود صلبت عن قبول الحق ( من بعد ذلك ) المذكور من إحياء القتيل وما قبله من الآيات ( فهي كالحجارة ) في القسوة ( أو أشد قسوة ) منها ( وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقَّق ) فيه إدغام التاء في الأصل في الشين ( فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط ) ينزل من علو إلى أسفل ( من خشية الله ) وقلوبكم لا تتأثروا ولا تلين ولا تخشع ( وما الله بغافل عما تعملون ) وإنما يؤخركم لوقتكم وفي قراءة بالتحتانية وفيه التفات عن الخطاب
75. ( أفتطمعون ) أيها المؤمنون ( أن يؤمنوا لكم ) أي اليهود ( وقد كان فريق ) طائفة ( منهم ) أحبارهم ( يسمعون كلام الله ) في التوراة ( ثم يحرفونه ) يغيرونه ( من بعد ما عقلوه ) فهموه ( وهم يعلمون ) أنهم مفترون والهمزة للإنكار أي لا تطعموا فلهم سابقة بالكفر
76. ( وإذا لقوا ) أي منافقو اليهود ( الذين آمنوا قالوا آمنا ) بأن محمد صلى الله عليه وسلم نبي وهو المبشر به في كتابنا ( وإذا خلا ) رجع ( بعضهم إلى بعض قالوا ) أي رؤساؤهم الذين لم ينافقوا لمن نافق ( أتحدثونهم ) أي المؤمنين ( بما فتح الله عليكم ) أي عرفكم في التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم ( ليحاجُّوكم ) ليخاصموكم واللام للصيرورة ( به عند ربكم ) في الآخرة ويقيموا عليكم الحجة في ترك اتباعه مع علمكم بصدقه ( أفلا تعقلون ) أنهم يحاجونكم إذا حدثتموهم فتنبهوا
77. قال تعالى: ( أولا يعلمون ) الاستفهام للتقرير والواو الداخل عليها للعطف ( أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ومنهم ) ما يخفون وما يظهرون من ذلك وغيره فيرعَوُوا عن ذلك
78. ( ومنهم ) أي اليهود ( أميون ) عوام ( لا يعلمون الكتاب ) التوراة ( إلا ) لكن ( أمانيَّ ) أكاذيبَ تَلَقَّوها من رؤسائهم فاعتمدوها ( وإن ) ما ( هم ) في جحد نبوة النبي وغيره مما يختلقونه ( إلا يظنون ) ظنا ولا علم لهم
79. ( فويل ) شدة عذاب ( للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) أي مختلقا من عندهم ( ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ) من الدنيا وهم اليهود غيروا صفة النبي في التوراة وآية الرجم وغيرهما وكتبوها على خلاف ما أنزل ( فويل لهم مما كتبت أيديهم ) من المختلق ( وويل لهم مما يكسبون ) من الرُّشا جمع رشوة
80. ( وقالوا ) لما وعدهم النبي النار ( لن تمسنا ) تصيبنا ( النار إلا أياما معدودة ) قليلة أربعين يوما مدة عبادة آبائهم العجل [ وقيل أربعة أيام ] ثم تزول ( قل ) لهم يا محمد ( أتخذتم ) حذفت منه همزة الوصل استغناء بهمزة الاستفهام ( عند الله عهدا ) ميثاقا منه بذلك ( فلن يخلف الله عهده ) به ، لا ( أم ) بل ( تقولون على الله ما لا تعلمون )
81. ( بلى ) تمسكم وتخلدون فيها ( من كسب سيئةً ) شركاً ( وأحاطت به خطيئته ) بالإفراد وبالجمع أي استولت عليه وأحدقت به من كل جانب بأن مات مشركا ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) روعي فيه معنى من
82. ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون )
83. ( و ) اذكر ( إذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ) في التوراة وقلنا ( لا تعبدون ) بالتاء والياء ( إلا الله ) خبر بمعنى النهي ، وقرئ: { لا تعبدوا } ( و ) أحسنوا ( بالوالدين إحسانا ) برا ( وذي القربى ) القرابة عطف على الوالدين ( واليتامى والمساكين وقولوا للناس ) قولاً ( حَسَنا ) من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في شأن محمد والرفق بهم ، وفي قراءة بضم الحاء وسكون السين مصدر وصف فيه مبالغة ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) فقبلتم ذلك ( ثم توليتم ) أعرضتم عن الوفاء به ، فيه التفات عن الغيبة والمراد آباؤهم ( إلا قليلا منكم وأنتم معرضون ) عنه كآبائكم
84. ( وإذ أخذنا ميثاقكم ) وقلنا ( لا تسفكون دماءكم ) تريقونها بقتل بعضكم بعضا ( ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ) لا يخرج بعضكم بعضاً من داره ( ثم أقررتم ) قبلتم ذلك الميثاق ( وأنتم تشهدون ) على أنفسكم
85. ( ثم أنتم ) يا ( هؤلاء تقتلون أنفسكم ) بقتل بعضكم بعضا ( وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظَّاهرون ) فيه إدغام التاء في الأصل في الظاء ، وفي قراءة التخفيف على حذفها تتعاونون ( عليهم بالإثم ) بالمعصية ( والعدوان ) الظلم . ( وإن يأتوكم أسارى ) وفي قراءة أسرى ( تفدوهم ) وفي قراءة: { تفادوهم } تنقذونهم من الأسر بالمال أو غيره وهو مما عهد إليهم ( وهو ) أي الشأن ( محرم عليكم إخراجهم ) متصل بقوله وتخرجون والجملة بينهما اعتراض : أي كما حرم ترك الفداء، وكانت قريظة حالفوا الأوس ، والنضير الخزرج ، فكان كل فريق يقاتل مع حلفائه ويخرب ديارهم ويخرجهم فإذا أسروا فدوهم ، وكانوا إذا سئلوا لم تقاتلونهم وتفدونهم ؟ قالوا أمرنا بالفداء فيقال فلم تقاتلونهم ؟ فيقولون حياء أن تستذل حلفاؤنا . قال تعالى : ( أفتؤمنون ببعض الكتاب ) وهو الفداء ( وتكفرون ببعض ) وهو ترك القتل والإخراج والمظاهرة ( فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي ) هوان وذل ( في الحياة الدنيا ) وقد خزوا بقتل قريظة ونَفيِ النَّضير إلى الشام وضرب الجزية ( ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ) بالياء والتاء
86. ( أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ) بأن آثروها عليها ( فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون ) يمنعون منه
87. ( ولقد آتينا موسى الكتاب ) التوراة ( وقفينا من بعده بالرسل ) أي أتبعناهم رسولاً في إثر رسول ( وآتينا عيسى ابن مريم البينات ) المعجزات كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ( وأيدناه ) قويناه ( بروح القدُس ) من إضافة الموصوف إلى الصفة أي الروح المقدسة جبريل لطهارته يسير معه حيث سار فلم تستقيموا ( أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى ) تحب ( أنفسكم ) من الحق ( استكبرتم ) تكبرتم عن اتباعه جواب كلما وهو محل الاستفهام ، والمراد به التوبيخ ( ففريقا ) منهم ( كذبتم ) كعيسى ( وفريقا تقتلون ) المضارع لحكاية الحال الماضية: أي قتلتم كزكريا ويحيى
88. ( وقالوا ) للنبي استهزاء ( قلوبنا غلف ) جمع أغلف أي مغشاة بأغطية فلا تعي ما تقول قال تعالى: ( بل ) للإضراب ( لعنهم الله ) أبعدهم من رحمته وخذلهم عن القبول ( بكفرهم ) وليس عدم قبولهم لخلل في قلوبهم ( فقليلا ما يؤمنون ) ما زائدة لتأكيد القلة أي: إيمانهم قليل جدا
89. ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم ) من التوراة هو القرآن ( وكانوا من قبل ) قبل مجيئه ( يستفتحون ) يستنصرون ( على الذين كفروا ) يقولون اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث آخر الزمان ( فلما جاءهم ما عرفوا ) من الحق وهو بعثة النبي ( كفروا به ) حسدا وخوفا على الرياسة وجواب لما الأولى ذل عليه جواب الثانية ( فلعنة الله على الكافرين )
90. ( بئسما اشتروا ) باعوا ( به أنفسهم ) أي حظها من الثواب ، وما : نكرة بمعنى شيئا تمييز لفاعل بئس والمخصوص بالذم ( أن يكفروا ) أي كفرهم ( بما أنزل الله ) من القرآن ( بغيا ) مفعول له ليكفروا : أي حسدا على ( أن ينزل الله ) بالتخفيف والتشديد ( من فضله ) الوحي ( على من يشاء ) للرسالة ( من عباده فباؤوا ) رجعوا ( بغضب ) من الله بكفرهم بما أنزل والتنكير للتعظيم ( على غضب ) استحقوه من قبل بتصنيع التوراة والكفر بعيسى ( وللكافرين عذاب مهين ) ذو إهانة
91. ( وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله ) القرآن وغيره ( قالوا نؤمن بما أنزل علينا ) أي التوراة قال تعالى : ( ويكفرون ) الواو للحال ( بما وراءه ) سواه أو بعده من القرآن ( وهو الحق ) حال ( مصدقا ) حال ثانية مؤكدة ( لما معهم قل ) لهم ( فلم تقتلون ) أي قتلتم ( أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ) بالتوراة وقد نهيتم فيها عن قتلهم ، والخطاب للموجودين من زمن نبينا بما فعل آباؤهم لرضاهم به
92. ( ولقد جاءكم موسى بالبينات ) بالمعجزات كالعصا واليد وفلق البحر ( ثم اتخذتم العجل ) إلها ( من بعده ) من بعد ذهابه إلى الميقات ، ( وأنتم ظالمون ) باتخاذه
93. ( وإذ أخذنا ميثاقكم ) على العمل بما في التوراة ( و ) قد ( رفعنا فوقكم الطور ) الجبل حين امتنعتم من قبولها ليسقط عليكم وقلنا ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) بجد واجتهاد ( واسمعوا ) ما تؤمرون به سماع قبول ( قالوا سمعنا ) قولك ( وعصينا ) أمرك ( وأشربوا في قلوبهم العجل ) أي خالط حبه قلوبهم كما يخالط الشراب ( بكفرهم ، قل ) لهم ( بئسما ) شيئا ( يأمركم به إيمانكم ) بالتوراة عبادة العجل ( إن كنتم مؤمنين ) بها كما زعمتم. المعنى لستم بمؤمنين لأن الإيمان لا يأمر بعبادة العجل ، والمراد آباؤهم: أي فكذلك أنتم لستم بمؤمنين بالتوراة وقد كذبتم محمداً ، والإيمان بها لا يأمر بتكذيبه
94. ( قل ) لهم ( إن كانت لكم الدار الآخرة ) أي الجنة ( عند الله خالصة ) خاصة ( من دون الناس ) كما زعمتم ( فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ) تعلق بتمنوا الشرطان على أن الأول قيد في الثاني أي أن صدقتم في زعمكم أنها لكم ومن كانت له يؤثرها والموصل إليها الموت فتمنوه
95. ( ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم ) من كفرهم بالنبي المستلزم لكذبهم ( والله عليم بالظالمين ) الكافرين فيجازيهم
96. ( ولتجِدَنَّهم ) لام قسم ( أحرص الناس على حياة و ) أحرص ( من الذين أشركوا ) المنكرين للبعث عليها لعلمهم بأن مصيرهم النار دون المشركين لإنكارهم له ( يود ) يتمنى ( أحدهم لو يعمر ألف سنة ) لو مصدرية بمعنى أن وهي بصلتها في تأويل مصدر مفعول يود ( وما هو ) أي أحدهم ( بمزحزحه ) مبعده ( من العذاب ) النار ( أن يعمر ) فاعل مزحزحه أي تعميره ( والله بصير بما يعملون ) بالياء والتاء فيجازيهم . وسأل ابن صوريا النبيَّ أو عمرَ عمَّن يأتي بالوحي من الملائكة فقال جبريل فقال هو عدونا يأتي بالعذاب ولو كان ميكائيل لآمنا لأنه يأتي بالخصب والسلم فنزل :
97. ( قل ) لهم ( من كان عدوا لجبريل ) فليمت غيظا ( فإنه نزله ) أي القرآن ( على قلبك بإذن ) بأمر ( الله مصدقا لما بين يديه ) قبله من الكتب ( وهدى ) من الضلالة ( وبشرى ) بالجنة ( للمؤمنين )
98. ( من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل ) بكسر الجيم وفتحها بلا همز وبه بياء ودونها ( وميكال ) عطف على الملائكة من عطف الخاص على العام وفي قراءة ميكائيل بهمزة وياء وفي أخرى بلا ياء ( فإن الله عدو للكافرين ) أوقعه موقع لهم بيانا لحالهم
99. ( ولقد أنزلنا إليك ) يا محمد ( آيات بينات ) أي واضحات حال ، رد لقول ابن صوريا للنبي ما جئتنا بشيء ( وما يكفر بها إلا الفاسقون ) كفروا بها
100. ( أو كلما عاهدوا ) الله ( عهداً ) على الإيمان بالنبي إن خرج ، أو النبي أن لا يعاونوا عليه المشركين ( نبذه ) طرحه ( فريق منهم ) بنقضه ، جواب كلما وهو محل الاستفهام الإنكاري ( بل ) للانتقال ( أكثرهم لا يؤمنون )
51. ( وإذ واعدنا ) بألف ودونها ( موسى أربعين ليلة ) نعطيه عند انقضائها التوراة لتعملوا بها ( ثم اتخذتم العجل ) الذي صاغه لكم السامريُّ إلها ( من بعده ) أي بعد ذهابه إلى ميعادنا ( وأنتم ظالمون ) باتخاذه لوضعكم العبادة في غير محلها
52. ( ثم عفونا عنكم ) محونا ذنوبكم ( من بعد ذلك ) الاتخاذ ( لعلكم تشكرون ) نعمتنا عليكم
53. ( وإذ آتينا موسى الكتاب ) التوراة ( والفرقان ) عطف تفسير أي الفارق بين الحق والباطل والحلال والحرام ( لعلكم تهتدون ) به من الضلال
54. ( وإذ قال موسى لقومه ) الذين عبدوا العجل ( يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل ) إلها ( فتوبوا إلى بارئكم ) خالقكم من عبادته ( فاقتلوا أنفسكم ) أي ليقتل البريء منكم المجرم ( ذلكم ) القتل ( خير لكم عند بارئكم ) فوفقكم لفعل ذلك وأرسل عليكم سحابة سوداء لئلا يبصر بعضكم بعضا فيرحمه حتى قتل منكم نحو سبعين ألفا ( فتاب عليكم ) قبل توبتكم ( إنه هو التواب الرحيم )
55. ( وإذ قلتم ) وقد خرجتم مع موسى لتعتذروا إلى الله من عبادة العجل وسمعتم كلامه ( يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) عَيانا ( فأخذتكم الصاعقة ) الصيحة فَمُتُّم ( وأنتم تنظرون ) ما حل بكم
56. ( ثم بعثناكم ) أحييناكم ( من بعد موتكم لعلكم تشكرون ) نعمتنا بذلك
57. ( وظللنا عليكم الغمام ) سترناكم بالسحاب الرقيق من حر الشمس في التيه ( وأنزلنا عليكم ) فيه ( المن والسلوى ) هما الترنجبين والطير السماني بتخفيف الميم والقصر وقلنا : ( كلوا من طيبات ما رزقناكم ) ولا تدخروا فكفروا النعمة وادخروا فقطع عنهم ( وما ظلمونا ) بذلك ( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) لأن وباله عليهم
58. ( وإذ قلنا ) لهم بعد خروجهم من التيه ( ادخلوا هذه القرية ) بيت المقدس أو أريحا ( فكلوا منها حيث شئتم رغداً ) واسعاً لا حجْر فيه ( وادخلوا الباب ) أي بابها ( سجدا ) منحنين ( وقولوا ) مسألتنا ( حِطَّة ) أي أن تحط عنا خطايانا ( نغفر ) وفي قراءة بالياء والتاء مبينا للمفعول فيهما ( لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين ) بالطاعة ثوابا
59. ( فبدل الذين ظلموا ) منهم ( قولا غير الذي قيل لهم ) فقالوا : حبة في شعرة ودخلوا يزحفون على أستاههم ( فأنزلنا على الذين ظلموا ) فيه وضع الظاهر موضع المضمر مبالغة في تقبيح شأنهم ( رجزا ) عذابا طاعونا ( من السماء بما كانوا يفسقون ) بسبب فسقهم أي خروجهم عن الطاعة فهلك منهم في ساعة سبعون ألفا أو أقل
60. ( و ) اذكر ( وإذ استسقى موسى ) أي طلب السقيا ( لقومه ) وقد عطشوا في التيه ( فقلنا اضرب بعصاك الحجر ) وهو الذي فر بثوبه ، خفيف مربع كرأس الرجل رخام أو كذان فضربه ( فانفجرت ) انشقت وسالت ( منه اثنتا عشرة عينا ) بعدد الأسباط ( قد علم كل أناس ) سبط منهم ( مشربهم ) موضع شربهم فلا يشركهم فيه غيرهم . وقلنا لهم ( كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) حال مؤكدة لعاملها من عثِى بكسر المثلثة أفسد
61. ( وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام ) أي نوع منه ( واحد ) وهو المن والسلوى ( فادع لنا ربك يخرج لنا ) شيئا ( مما تنبت الأرض من ) للبيان ( بقلها وقثائها وفومها ) حنطتها ( وعدسها وبصلها قال ) لهم موسى ( أتستبدلون الذي هو أدنى ) أخس ( بالذي هو خير ) أشرف أتأخذونه بدله ، والهمزة للإنكار فأبوا أن يرجعوا فدعا الله تعالى ( اهبطوا ) انزلوا ( مصرا ) من الأمصار ( فإن لكم ) فيه ( ما سألتم ) من النبات ( وضربت ) جعلت ( عليهم الذلة ) الذل والهوان ( والمسكنة ) أي أثر الفقر من السكون والخزي فهي لازمة لهم ، وإن كانوا أغنياء لزوم الدرهم المضروب لسكته ( وباؤوا ) رجعوا ( بغضب من الله ذلك ) أي الضرب والغضب ( بأنهم ) أي بسبب أنهم ( كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين ) كزكريا ويحيى ( بغير الحق ) أي ظلما ( ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) يتجاوزون الحد في المعاصي وكرره للتأكيد
62. ( إن الذين آمنوا ) بالأنبياء من قبل ( والذين هادوا ) هم اليهود ( والنصارى والصابئين ) طائفة من اليهود أو النصارى ( من آمن ) منهم ( بالله واليوم الآخر ) في زمن نبينا ( وعمل صالحا ) بشريعته ( فلهم أجرهم ) أي ثواب أعمالهم ( عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) روعي في ضمير آمن وعمل لفظ من وفيما بعد معناها
63. ( و ) اذكر ( إذ أخذنا ميثاقكم ) عهدكم بالعمل بما في التوراة ( و ) قد ( رفعنا فوقكم الطور ) الجبل اقتلعناه من أصله عليكم لما أبيتم قبولها وقلنا ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) بجد واجتهاد ( واذكروا ما فيه ) بالعمل به ( لعلكم تتقون ) النار أو المعاصي
64. ( ثم توليتم ) أعرضتم ( من بعد ذلك ) الميثاق عن الطاعة ( فلولا فضل الله عليكم ورحمته ) لكم بالتوبة أو تأخير العذاب ( لكنتم من الخاسرين ) الهالكين
65. ( ولقد ) لام قسم ( علمتم ) عرفتم ( الذين اعتدوا ) تجاوزوا الحد ( منكم في السبت ) بصيد السمك وقد نهيناهم عنه وهم أهل إيلة ( فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) مبعدين فكانوا وهلكوا بعد ثلاثة أيام
66. ( فجعلناها ) أي تلك العقوبة ( نكالا ) عبرة مانعة من ارتكاب مثل ما عملوا ( لما بين يديها وما خلفها ) أي الأمم التي في زمانها أو بعدها ( وموعظة للمتقين ) الله وخصوا بالذكر لأنهم المنتفعون بخلاف غيرهم
67. ( و ) اذكر ( إذ قال موسى لقومه ) وقد قتل لهم قتيل لا يُدرى قاتله وسألوه أن يدعوَ الله أن يبينه لهم فدعاه ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا ) مهزوءاً بنا حيث تجيبنا بمثل ذلك ( قال أعوذ ) أمتنع ( بالله أن أكون من الجاهلين ) المستهزئين
68. فلما علموا أنه عزم ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ) أي ما سنُّها ؟ ( قال ) موسى ( إنه ) أي الله ( يقول إنها بقرة لا فارض ) مسنة ( ولا بكر ) صغيرة ( عوان ) نصف ( بين ذلك ) المذكور من السنين ( فافعلوا ما تؤمرون ) به من ذبحها
69. ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها ) شديد الصفرة ، ( تسر الناظرين ) إليها بحسنها أي تعجبهم
70. ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ) أسائمة أم عاملة ( إن البقر ) أي جنسه المنعوت بما ذكر ( تشابه علينا ) لكثرته فلم نهتد إلى المقصودة ( وإنا إن شاء الله لمهتدون ) إليها ، وفي الحديث « لو لم يستثنوا لما بُيِّنَت لهم لآخر الأبد »
71. ( قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول ) غير مذللة بالعمل ( تثير الأرض ) تقلبها للزراعة ، والجملة صفة ذلول داخلة في النهي ( ولا تسقي الحرث ) الأرض المهيأة للزراعة ( مسَلَّمة ) من العيوب وآثار العمل ( لا شية ) لون ( فيها ) غير لونها ( قالوا الآن جئت بالحق ) نطقت بالبيان التام فطلبوها فوجدوها عند الفتى البار بأمه فاشتروها بملء مَسكها ذهباً ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ) لغلاء ثمنها وفي الحديث : « لو ذبحوا أي بقرة كانت لأجزأتهم ولكن شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم »
72. ( وإذ قتلتم نفسا فادَّارأتم ) فيه إدغام الدال في التاء أي تخاصمتم وتدافعتم ( فيها والله مخرج ) مظهر ( ما كنتم تكتمون ) من أمرها ، وهذا اعتراض وهو أول القصة
73. ( فقلنا اضربوه ) أي القتيل ( ببعضها ) فضرب بلسانها أو عجب ذنبها فحيي وقال : قتلني فلان وفلان لابني عمه ومات فحُرما الميراث وقُتلا ، قال تعالى : ( كذلك ) الإحياء ( يحيي الله الموتى ويريكم آياته ) دلائل قدرته ( لعلكم تعقلون ) تتدبرون فتعلموا أن القادر على إحياء نفس واحدة قادر على إحياء نفوس كثيرة فتؤمنون
74. ( ثم قست قلوبكم ) أيها اليهود صلبت عن قبول الحق ( من بعد ذلك ) المذكور من إحياء القتيل وما قبله من الآيات ( فهي كالحجارة ) في القسوة ( أو أشد قسوة ) منها ( وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقَّق ) فيه إدغام التاء في الأصل في الشين ( فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط ) ينزل من علو إلى أسفل ( من خشية الله ) وقلوبكم لا تتأثروا ولا تلين ولا تخشع ( وما الله بغافل عما تعملون ) وإنما يؤخركم لوقتكم وفي قراءة بالتحتانية وفيه التفات عن الخطاب
75. ( أفتطمعون ) أيها المؤمنون ( أن يؤمنوا لكم ) أي اليهود ( وقد كان فريق ) طائفة ( منهم ) أحبارهم ( يسمعون كلام الله ) في التوراة ( ثم يحرفونه ) يغيرونه ( من بعد ما عقلوه ) فهموه ( وهم يعلمون ) أنهم مفترون والهمزة للإنكار أي لا تطعموا فلهم سابقة بالكفر
76. ( وإذا لقوا ) أي منافقو اليهود ( الذين آمنوا قالوا آمنا ) بأن محمد صلى الله عليه وسلم نبي وهو المبشر به في كتابنا ( وإذا خلا ) رجع ( بعضهم إلى بعض قالوا ) أي رؤساؤهم الذين لم ينافقوا لمن نافق ( أتحدثونهم ) أي المؤمنين ( بما فتح الله عليكم ) أي عرفكم في التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم ( ليحاجُّوكم ) ليخاصموكم واللام للصيرورة ( به عند ربكم ) في الآخرة ويقيموا عليكم الحجة في ترك اتباعه مع علمكم بصدقه ( أفلا تعقلون ) أنهم يحاجونكم إذا حدثتموهم فتنبهوا
77. قال تعالى: ( أولا يعلمون ) الاستفهام للتقرير والواو الداخل عليها للعطف ( أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ومنهم ) ما يخفون وما يظهرون من ذلك وغيره فيرعَوُوا عن ذلك
78. ( ومنهم ) أي اليهود ( أميون ) عوام ( لا يعلمون الكتاب ) التوراة ( إلا ) لكن ( أمانيَّ ) أكاذيبَ تَلَقَّوها من رؤسائهم فاعتمدوها ( وإن ) ما ( هم ) في جحد نبوة النبي وغيره مما يختلقونه ( إلا يظنون ) ظنا ولا علم لهم
79. ( فويل ) شدة عذاب ( للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) أي مختلقا من عندهم ( ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ) من الدنيا وهم اليهود غيروا صفة النبي في التوراة وآية الرجم وغيرهما وكتبوها على خلاف ما أنزل ( فويل لهم مما كتبت أيديهم ) من المختلق ( وويل لهم مما يكسبون ) من الرُّشا جمع رشوة
80. ( وقالوا ) لما وعدهم النبي النار ( لن تمسنا ) تصيبنا ( النار إلا أياما معدودة ) قليلة أربعين يوما مدة عبادة آبائهم العجل [ وقيل أربعة أيام ] ثم تزول ( قل ) لهم يا محمد ( أتخذتم ) حذفت منه همزة الوصل استغناء بهمزة الاستفهام ( عند الله عهدا ) ميثاقا منه بذلك ( فلن يخلف الله عهده ) به ، لا ( أم ) بل ( تقولون على الله ما لا تعلمون )
81. ( بلى ) تمسكم وتخلدون فيها ( من كسب سيئةً ) شركاً ( وأحاطت به خطيئته ) بالإفراد وبالجمع أي استولت عليه وأحدقت به من كل جانب بأن مات مشركا ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) روعي فيه معنى من
82. ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون )
83. ( و ) اذكر ( إذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ) في التوراة وقلنا ( لا تعبدون ) بالتاء والياء ( إلا الله ) خبر بمعنى النهي ، وقرئ: { لا تعبدوا } ( و ) أحسنوا ( بالوالدين إحسانا ) برا ( وذي القربى ) القرابة عطف على الوالدين ( واليتامى والمساكين وقولوا للناس ) قولاً ( حَسَنا ) من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في شأن محمد والرفق بهم ، وفي قراءة بضم الحاء وسكون السين مصدر وصف فيه مبالغة ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) فقبلتم ذلك ( ثم توليتم ) أعرضتم عن الوفاء به ، فيه التفات عن الغيبة والمراد آباؤهم ( إلا قليلا منكم وأنتم معرضون ) عنه كآبائكم
84. ( وإذ أخذنا ميثاقكم ) وقلنا ( لا تسفكون دماءكم ) تريقونها بقتل بعضكم بعضا ( ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ) لا يخرج بعضكم بعضاً من داره ( ثم أقررتم ) قبلتم ذلك الميثاق ( وأنتم تشهدون ) على أنفسكم
85. ( ثم أنتم ) يا ( هؤلاء تقتلون أنفسكم ) بقتل بعضكم بعضا ( وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظَّاهرون ) فيه إدغام التاء في الأصل في الظاء ، وفي قراءة التخفيف على حذفها تتعاونون ( عليهم بالإثم ) بالمعصية ( والعدوان ) الظلم . ( وإن يأتوكم أسارى ) وفي قراءة أسرى ( تفدوهم ) وفي قراءة: { تفادوهم } تنقذونهم من الأسر بالمال أو غيره وهو مما عهد إليهم ( وهو ) أي الشأن ( محرم عليكم إخراجهم ) متصل بقوله وتخرجون والجملة بينهما اعتراض : أي كما حرم ترك الفداء، وكانت قريظة حالفوا الأوس ، والنضير الخزرج ، فكان كل فريق يقاتل مع حلفائه ويخرب ديارهم ويخرجهم فإذا أسروا فدوهم ، وكانوا إذا سئلوا لم تقاتلونهم وتفدونهم ؟ قالوا أمرنا بالفداء فيقال فلم تقاتلونهم ؟ فيقولون حياء أن تستذل حلفاؤنا . قال تعالى : ( أفتؤمنون ببعض الكتاب ) وهو الفداء ( وتكفرون ببعض ) وهو ترك القتل والإخراج والمظاهرة ( فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي ) هوان وذل ( في الحياة الدنيا ) وقد خزوا بقتل قريظة ونَفيِ النَّضير إلى الشام وضرب الجزية ( ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ) بالياء والتاء
86. ( أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ) بأن آثروها عليها ( فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون ) يمنعون منه
87. ( ولقد آتينا موسى الكتاب ) التوراة ( وقفينا من بعده بالرسل ) أي أتبعناهم رسولاً في إثر رسول ( وآتينا عيسى ابن مريم البينات ) المعجزات كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ( وأيدناه ) قويناه ( بروح القدُس ) من إضافة الموصوف إلى الصفة أي الروح المقدسة جبريل لطهارته يسير معه حيث سار فلم تستقيموا ( أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى ) تحب ( أنفسكم ) من الحق ( استكبرتم ) تكبرتم عن اتباعه جواب كلما وهو محل الاستفهام ، والمراد به التوبيخ ( ففريقا ) منهم ( كذبتم ) كعيسى ( وفريقا تقتلون ) المضارع لحكاية الحال الماضية: أي قتلتم كزكريا ويحيى
88. ( وقالوا ) للنبي استهزاء ( قلوبنا غلف ) جمع أغلف أي مغشاة بأغطية فلا تعي ما تقول قال تعالى: ( بل ) للإضراب ( لعنهم الله ) أبعدهم من رحمته وخذلهم عن القبول ( بكفرهم ) وليس عدم قبولهم لخلل في قلوبهم ( فقليلا ما يؤمنون ) ما زائدة لتأكيد القلة أي: إيمانهم قليل جدا
89. ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم ) من التوراة هو القرآن ( وكانوا من قبل ) قبل مجيئه ( يستفتحون ) يستنصرون ( على الذين كفروا ) يقولون اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث آخر الزمان ( فلما جاءهم ما عرفوا ) من الحق وهو بعثة النبي ( كفروا به ) حسدا وخوفا على الرياسة وجواب لما الأولى ذل عليه جواب الثانية ( فلعنة الله على الكافرين )
90. ( بئسما اشتروا ) باعوا ( به أنفسهم ) أي حظها من الثواب ، وما : نكرة بمعنى شيئا تمييز لفاعل بئس والمخصوص بالذم ( أن يكفروا ) أي كفرهم ( بما أنزل الله ) من القرآن ( بغيا ) مفعول له ليكفروا : أي حسدا على ( أن ينزل الله ) بالتخفيف والتشديد ( من فضله ) الوحي ( على من يشاء ) للرسالة ( من عباده فباؤوا ) رجعوا ( بغضب ) من الله بكفرهم بما أنزل والتنكير للتعظيم ( على غضب ) استحقوه من قبل بتصنيع التوراة والكفر بعيسى ( وللكافرين عذاب مهين ) ذو إهانة
91. ( وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله ) القرآن وغيره ( قالوا نؤمن بما أنزل علينا ) أي التوراة قال تعالى : ( ويكفرون ) الواو للحال ( بما وراءه ) سواه أو بعده من القرآن ( وهو الحق ) حال ( مصدقا ) حال ثانية مؤكدة ( لما معهم قل ) لهم ( فلم تقتلون ) أي قتلتم ( أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ) بالتوراة وقد نهيتم فيها عن قتلهم ، والخطاب للموجودين من زمن نبينا بما فعل آباؤهم لرضاهم به
92. ( ولقد جاءكم موسى بالبينات ) بالمعجزات كالعصا واليد وفلق البحر ( ثم اتخذتم العجل ) إلها ( من بعده ) من بعد ذهابه إلى الميقات ، ( وأنتم ظالمون ) باتخاذه
93. ( وإذ أخذنا ميثاقكم ) على العمل بما في التوراة ( و ) قد ( رفعنا فوقكم الطور ) الجبل حين امتنعتم من قبولها ليسقط عليكم وقلنا ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) بجد واجتهاد ( واسمعوا ) ما تؤمرون به سماع قبول ( قالوا سمعنا ) قولك ( وعصينا ) أمرك ( وأشربوا في قلوبهم العجل ) أي خالط حبه قلوبهم كما يخالط الشراب ( بكفرهم ، قل ) لهم ( بئسما ) شيئا ( يأمركم به إيمانكم ) بالتوراة عبادة العجل ( إن كنتم مؤمنين ) بها كما زعمتم. المعنى لستم بمؤمنين لأن الإيمان لا يأمر بعبادة العجل ، والمراد آباؤهم: أي فكذلك أنتم لستم بمؤمنين بالتوراة وقد كذبتم محمداً ، والإيمان بها لا يأمر بتكذيبه
94. ( قل ) لهم ( إن كانت لكم الدار الآخرة ) أي الجنة ( عند الله خالصة ) خاصة ( من دون الناس ) كما زعمتم ( فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ) تعلق بتمنوا الشرطان على أن الأول قيد في الثاني أي أن صدقتم في زعمكم أنها لكم ومن كانت له يؤثرها والموصل إليها الموت فتمنوه
95. ( ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم ) من كفرهم بالنبي المستلزم لكذبهم ( والله عليم بالظالمين ) الكافرين فيجازيهم
96. ( ولتجِدَنَّهم ) لام قسم ( أحرص الناس على حياة و ) أحرص ( من الذين أشركوا ) المنكرين للبعث عليها لعلمهم بأن مصيرهم النار دون المشركين لإنكارهم له ( يود ) يتمنى ( أحدهم لو يعمر ألف سنة ) لو مصدرية بمعنى أن وهي بصلتها في تأويل مصدر مفعول يود ( وما هو ) أي أحدهم ( بمزحزحه ) مبعده ( من العذاب ) النار ( أن يعمر ) فاعل مزحزحه أي تعميره ( والله بصير بما يعملون ) بالياء والتاء فيجازيهم . وسأل ابن صوريا النبيَّ أو عمرَ عمَّن يأتي بالوحي من الملائكة فقال جبريل فقال هو عدونا يأتي بالعذاب ولو كان ميكائيل لآمنا لأنه يأتي بالخصب والسلم فنزل :
97. ( قل ) لهم ( من كان عدوا لجبريل ) فليمت غيظا ( فإنه نزله ) أي القرآن ( على قلبك بإذن ) بأمر ( الله مصدقا لما بين يديه ) قبله من الكتب ( وهدى ) من الضلالة ( وبشرى ) بالجنة ( للمؤمنين )
98. ( من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل ) بكسر الجيم وفتحها بلا همز وبه بياء ودونها ( وميكال ) عطف على الملائكة من عطف الخاص على العام وفي قراءة ميكائيل بهمزة وياء وفي أخرى بلا ياء ( فإن الله عدو للكافرين ) أوقعه موقع لهم بيانا لحالهم
99. ( ولقد أنزلنا إليك ) يا محمد ( آيات بينات ) أي واضحات حال ، رد لقول ابن صوريا للنبي ما جئتنا بشيء ( وما يكفر بها إلا الفاسقون ) كفروا بها
100. ( أو كلما عاهدوا ) الله ( عهداً ) على الإيمان بالنبي إن خرج ، أو النبي أن لا يعاونوا عليه المشركين ( نبذه ) طرحه ( فريق منهم ) بنقضه ، جواب كلما وهو محل الاستفهام الإنكاري ( بل ) للانتقال ( أكثرهم لا يؤمنون )
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
تابع سورة البقرة تفسير الجلالين
101. ( ولما جاءهم رسول من عند الله ) محمد صلى الله عليه وسلم ( مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله ) أي التوراة ( وراء ظهورهم ) أي لم يعملوا بما فيها من الإيمان بالرسول وغيره ( كأنهم لا يعلمون ) ما فيها من أنه نبي حق أو أنها كتاب الله
102. ( واتبعوا ) عطف على نبذ ( ما تتلوا ) أي تلت ( الشياطين على ) عهد ( مُلْك سليمان ) من السحر وكانت دفنتْه تحت كرسيه لما نزع ملكه أو كانت تسترق السمع وتضم إليه أكاذيب وتلقيه إلى الكهنة فيدوِّنونه وفشا ذلك وشاع أن الجن تعلم الغيب فجمع سليمان الكتب ودفنها فلما مات دلت الشياطين عليها الناس فاستخرجوها فوجدوا فيها السحر فقالوا إنما ملككم بهذا فتعلموه فرفضوا كتب أنبيائهم. قال تعالى تبرئة لسليمان وردَّاً على اليهود في قولهم انظروا إلى محمد يذكر سليمان في الأنبياء وما كان إلا ساحراً : ( وما كفر سليمان ) أي لم يعمل السحر لأنه كفر ( ولكنَّ ) بالتشديد والتخفيف ( الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ) الجملة حال من ضمير كفروا ( و ) يعلمونهم ( ما أنزل على المَلَكين ) أي ألهماه من السحر وقرئ بكسر اللام الكائنين ( ببابل ) بلد في سواد العراق ( هاروت وماروت ) بدل أو عطف بيان للملكين ، قال ابن عباس : هما ساحران كانا يعلمان السحر وقيل ملكان أنزلا لتعليمه ابتلاء من الله للناس ( وما يعلمان من ) زائدة ( أحد حتى يقولا ) له نصحاً ( إنما نحن فتنة ) بلية من الله إلى الناس ليمتحنهم بتعليمه فمن تعلمه كفر ومن تركه فهو مؤمن ( فلا تكفر ) بتعلمه فإن أبى إلا التعلم علماه ( فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ) بأن يبغض كلا إلى الآخر ( وما هم ) أي السحرة ( بضارِّين به ) بالسحر ( من ) زائدة ( أحد إلا بإذن الله ) بإرادته ( ويتعلمون ما يضرهم ) في الآخرة ( ولا ينفعهم ) وهو السحر ( ولقد ) لام قسم ( علموا ) أي اليهود ( لمن ) لام ابتداء معلقة لما قبلها ومن موصولة ( اشتراه ) اختاره أو استبدله بكتاب الله ( ما له في الآخرة من خلاق ) نصيب في الجنة ( ولبئس ما ) شيئا ( شروا ) باعوا ( به أنفسهم ) أي الشارين : أي حظها من الآخرة إن تعلموه حيث أوجب لهم النار ( لو كانوا يعلمون ) حقيقة ما يصيرون إليه من العذاب ما تعلموه
103. ( ولو أنهم ) أي اليهود ( آمنوا ) بالنبي والقرآن ( واتَّقَوا ) عقاب الله بترك معاصيه كالسحر ، وجواب لو محذوف: أي لأثيبوا دل عليه ( لمثوبة ) ثواب ، وهو مبتدأ واللام فيه للقسم ( من عند الله خير ) خبره مما شروا به أنفسهم ( لو كانوا يعلمون ) أنه خير لما آثروه عليه
104. ( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا ) للنبي ( راعِنا ) أمر من المراعاة وكانوا يقولون له ذلك وهي بلغة اليهود سب من الرعونة فسروا بذلك وخاطبوا بها النبي فنهى المؤمنون عنها ( وقولوا ) بدلها ( انظرنا ) أي انظر إلينا ( واسمعوا ) ما تؤمرون به سماع قبول ( وللكافرين عذاب أليم ) مؤلم هو النار
105. ( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين ) من العرب عطف على أهل الكتاب ، ومِن للبيان ( أن ينزل عليكم من ) زائدة ( خير ) وحي ( من ربكم ) حسدا لكم ( والله يختص برحمته ) نبوته ( من يشاء والله ذو الفضل العظيم )
106. ولما طمع الكفار في النسخ وقالوا إن محمدا يأمر أصحابه اليوم بأمر وينهى عنه غدا نزل: ( ما ) شرطية ( نَنَسخ من آية ) نزل حكمها: إما مع لفظها أو لا. وفي قراءة بضم النون من أنسخ: أي نأمرك أو جبريل بنسخها ( أو نَنْسأها ) نؤخرها فلا ننزل حكمها ونرفع تلاوتها أو نؤخرها في اللوح المحفوظ وفي قراءة بلا همز في النسيان { نُنْسِها } : أي ننسكها ، أي نمحها من قلبك وجواب الشرط ( نأت بخير منها ) أنفع للعباد في السهولة أو كثرة الأجر ( أو مثلها ) في التكليف والثواب ( ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير ) ومنه النسخ والتبديل ، والاستفهام للتقرير
107. ( ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض ) يفعل ما يشاء ( وما لكم من دون الله ) من غيره ( من ) زائدة ( ولي ) يحفظكم ( ولا نصير ) يمنع عذابه إن أتاكم ، ونزل لما سأله أهل مكة أن يوسعها ويجعل الصفا ذهباً
108. ( أم ) بل أ ( تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى ) أي سأله قومه ( من قبل ) من قولهم : أرِنا الله جهرة وغير ذلك ( ومن يتبدل الكفر بالإيمان ) أي يأخذه بدله بترك النظر في الآيات البينات واقتراح غيرها ( فقد ضل سواء السبيل ) أخطأ الطريق الحق والسواء في الأصل الوسط
109. ( ود كثير من أهل الكتاب لو ) مصدرية ( يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا ) مفعول له كائناً ( من عند أنفسهم ) أي حملتهم عليه أنفسهم الخبيثة ( من بعد ما تبين لهم ) في التوراة ( الحق ) في شأن النبي ( فاعفوا ) عنهم أي اتركوهم ( واصفحوا ) أعرضوا فلا تجازوهم ( حتى يأتي الله بأمره ) فيهم من القتال ( إن الله على كل شيء قدير )
110. ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير ) طاعة كصلة وصدقة ( تجدوه ) أي ثوابه ( عند الله إن الله بما تعملون بصير ) فيجازيكم به
111. ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا ) جمع هائد ( أو نصارى ) قال ذلك يهود المدينة ونصارى نجران لما تناظروا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم أي قال اليهود لن يدخلها إلا اليهود وقال النصارى لن يدخلها إلا النصارى ( تلك ) القولة ( أمانيهم ) شهواتهم الباطلة ( قل ) لهم ( هاتوا برهانكم ) حججكم على ذلك ( إن كنتم صادقين ) فيه
112. ( بلى ) يدخل الجنة غيرهم ( من أسلم وجهه لله ) أي انقاد لأمره وخص الوجه لأنه أشرف الأعضاء فغيره أولى ( وهو محسن ) موحد ( فله أجره عند ربه ) أي ثواب عمله الجنة ( ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) في الآخرة
113. ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء ) مُعْتدٍّ به وكفرت بعيسى ( وقالت النصارى ليست اليهود على شيء ) معتد به وكفرت بموسى ( وهم ) أي الفريقان ( يتلون الكتاب ) المنزل عليهم ، وفي كتاب اليهود تصديق عيسى ، وفي كتاب النصارى تصديق موسى والجملة حال ( كذلك ) كما قال هؤلاء ( قال الذين لا يعلمون ) أي المشركون من العرب وغيرهم ( مثل قولهم ) بيان لمعنى ذلك: أي قالوا لكل ذي دين ليسوا على شيء ( فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) من أمر الدين فيُدخِل المحقَّ الجنةَ والمبطل النار
114. ( ومن أظلم ) أي لا أحد أظلم ( ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ) بالصلاة والتسبيح ( وسعى في خرابها ) بالهدم أو التعطيل ، نزلت إخباراً عن الروم الذين خربوا بيت المقدس أو في المشركين لما صدوا النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية عن البيت ( أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ) خبر بمعنى الأمر أي أخيفوهم بالجهاد فلا يدخلها أحدٌ آمناً0 ( لهم في الدنيا خزي ) هوان بالقتل والسبي والجزية ( ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) هو النار
115. ونزل لما طعن اليهود في نسخ القبلة أو في صلاة النافلة على الراحلة في السفر حيثما توجهت ( ولله المشرق والمغرب ) أي الأرض كلها لأنهما ناحيتاها ( فأين ما تولوا ) وجوهكم في الصلاة بأمره ( فثم ) هناك ( وجه الله ) قبلته التي رضيها ( إن الله واسع ) يسع فضله كل شيء ( عليم ) بتدبير خلقه
116. ( وقالوا ) بواو وبدونها اليهود والنصارى ومن زعم أن الملائكة بنات الله ( اتخذ الله ولداً ) قال تعالى ( سبحانه ) تنزيها له عنه ( بل له ما في السماوات والأرض ) ملكاً وخلقاً وعبيداً والملكية تنافي الولادة وعبر بما تغليباً لما لا يعقل ( كل له قانتون ) مطيعون كل بما يراد منه وفيه تغليب العاقل
117. ( بديع السماوات والأرض ) موجدهم لا على مثال سبق ( وإذا قضى ) أراد ( أمراً ) أي إيجاده ( فإنما يقول له كن فيكون ) أي فهو يكون ، وفي قراءة بالنصب جواباً للأمر
118. ( وقال الذين لا يعلمون ) أي كفار مكة للنبي صلى الله عليه وسلم ( لولا ) هلا ( يكلمنا الله ) أنك رسوله ( أو تأتينا آية ) مما اقترحناه على صدقك ( كذلك ) كما قال هؤلاء ( قال الذين من قبلهم ) من كفار الأمم الماضية لأنبيائهم ( مثل قولهم ) من التعنت وطلب الآيات ( تشابهت قلوبهم ) في الكفر والعناد ، فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ( قد بينا الآيات لقوم يوقنون ) يعلمون أنها آيات فيؤمنون فاقتراحُ آيةٍ معها تعنُّت
119. ( إنا أرسلناك ) يا محمد ( بالحق ) بالهدى ( بشيراً ) من أجاب إليه بالجنة ( ونذيراً ) من لم يجب إليه بالنار ( ولا تُسْأَلُ عن أصحاب الجحيم ) النار ، أي الكفار ما لهم لم يؤمنوا إنما عليك البلاغ ، وفي قراءة بجزم تسألْ نهياً
120. ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) دينهم ( قل إن هدى الله ) أي الإسلام ( هو الهدى ) وما عداه ضلال ( ولئن ) لام قسم ( اتبعت أهواءهم ) التي يدعونك إليها فرضاً ( بعد الذي جاءك من العلم ) الوحي من الله ( ما لك من الله من ولي ) يحفظك ( ولا نصير ) يمنعك منه
121. ( الذين آتيناهم الكتاب ) مبتدأ ( يتلونه حق تلاوته ) أي يقرؤونه كما أنزل ، والجملة حال وحقَّ نصبٌ على المصدر والخبر ( أولئك يؤمنون به ) نزلت في جماعة قدموا من الحبشة وأسلموا ( ومن يكفر به ) أي بالكتاب المؤتى بأن يحرفه ( فأولئك هم الخاسرون ) لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم
122. ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين ) تقدم مثله
123. ( واتقوا ) خافوا ( يوما لا تجزي ) تغني ( نفس عن نفس ) فيه ( شيئا ولا يقبل منها عدل ) فداء ( ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون ) يمنعون من عذاب الله
124. ( و ) اذكر ( إذ ابتلى ) اختبر ( إبراهيمَ ) وفي قراءة إبراهام ( ربُّه بكلمات ) بأوامر ونواه كلفه بها ، قيل هي مناسك الحج ، وقيل المضمضة والاستنشاق والسواك وقص الشارب وفرق الشعر وقلم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة والختان والاستنجاء ( فأتمهن ) أداهن تامات ( قال ) تعالى له ( إني جاعلك للناس إماما ) قدوة في الدين ( قال ومن ذريتي ) أولادي اجعل أئمة ( قال لا ينال عهديْ ) بالإمامة ( الظالمين ) الكافرين منهم دل على أنه ينال غير الظالم
125. ( وإذ جعلنا البيت ) الكعبة ( مثابة للناس ) مرجعا يثوبون إليه من كل جانب ( وأمنا ) مأمنا لهم من الظلم والإغارات الواقعة في غيره ، كان الرجل يلقى قاتل أبيه فيه فلا يهيجه ( واتخِذوا ) أيها الناس ( من مقام إبراهيم ) هو الحجر الذي قام عليه عند بناء البيت ( مصلَّى ) مكان صلاة بأن تصلوا خلفه ركعتي الطواف ، وفي قراءة بفتح الخاء خبر ( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل ) أمرناهما ( أن ) أي بأن ( طهرا بيتي ) من الأوثان ( للطائفين والعاكفين ) المقيمين فيه ( والركع السجود ) جمع راكع وساجد المصلين
126. ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا ) المكان ( بلداً آمناً ) ذا أمن ، وقد أجاب الله دعاءه فجعله حرما لا يسفك فيه دم إنسان ولا يظلم فيه أحد ولا يصاد صيده ولا يختلى خلاه ( وارزق أهله من الثمرات ) وقد فعل بنقل الطائف من الشام إليه وكان أقفر لا زرع فيه ولا ماء ( من آمن منهم بالله واليوم الآخر ) بدل من أهله وخصهم بالدعاء لهم موافقة لقوله لا ينال عهدي الظالمين ( قال ) تعالى ( و ) أرزق ( من كفر فأمتِّعه ) بالتشديد والتخفيف في الدنيا بالرزق ( قليلاً ) مدة حياته ( ثم أضطره ) ألجِئه في الآخرة ( إلى عذاب النار ) فلا يجد عنها محيصا ( وبئس المصير ) المرجع هي
127. ( و ) اذكر ( إذ يرفع إبراهيم القواعد ) الأسس أو الجدر ( من البيت ) يبنيه ، متعلق بيرفع ( وإسماعيل ) عطف على إبراهيم ، يقولان ( ربنا تقبل منا ) بناءنا ( إنك أنت السميع ) للقول ( العليم ) بالفعل
128. ( ربنا واجعلنا مسلمين ) منقادين ( لك و ) اجعل ( من ذريتنا ) أولادنا ( أمة ) جماعة ( مسلمة لك ) ومن للتبعيض ، وأتى به لتقدم قوله لا ينال عهدي الظالمين ( وأرنا ) علمنا ( مناسكنا ) شرائع عبادتنا أو حجنا ( وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ) سألاه التوبة مع عصمتهما تواضعاً وتعليماً لذريتهما
129. ( ربنا وابعث فيهم ) أي أهل البيت ( رسولاً منهم ) من أنفسهم ، وقد أجاب الله دعاءه بمحمد صلى الله عليه وسلم ( يتلو عليهم آياتك ) القرآن ( ويعلمهم الكتاب ) القرآن ( والحكمة ) أي ما فيه من الأحكام ( ويزكيهم ) يطهرهم من الشرك ( إنك أنت العزيز ) الغالب ( الحكيم ) في صنعه
130. ( ومن ) أي لا ( يرغب عن ملة إبراهيم ) فيتركها ( إلا من سفه نفسه ) جهل أنها مخلوقة لله يجب عليها عبادته أو استخف بها وامتهنها ( ولقد اصطفيناه ) اخترناه ( في الدنيا ) بالرسالة والخلة ( وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) الذين لهم الدرجات العلى
131. واذكر ( إذ قال له ربه أسلم ) انقد لله وأخلص له دينك ( قال أسلمت لرب العالمين )
132. ( ووصَّى ) وفي قراءة أوصى ( بها ) بالملة ( إبراهيمُ بنيه ويعقوبُ ) بنيه قال: ( يا بني إن الله اصطفى لكم الدين ) دين الإسلام ( فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) نهى عن ترك الإسلام وأمر بالثبات عليه إلى مصادفة الموت
133. ولما قال اليهود للنبي ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية نزل: ( أم كنتم شهداء ) حضورا ( إذ حضر يعقوبَ الموتُ إذ ) بدل من إذ قبله ( قال لبنيه ما تعبدون من بعدي ) بعد موتي ( قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ) عدُّ إسماعيلَ من الآباء تغليب ، ولأن العم بمنزلة الأب ( إلها واحدا ) بدل من إلهك ( ونحن له مسلمون ) وأم بمعنى همزة الإنكار أي لم تحضروه وقت موته فكيف تنسبون إليه ما لا يليق به
134. ( تلك ) مبتدأ والإشارة إلى إبراهيم ويعقوب وبنيهما وأُنِّث لتأنيث خبره ( أمة قد خلت ) سلفت ( لها ما كسبت ) من العمل أي جزاؤه استئناف ( ولكم ) الخطاب لليهود ( ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ) كما لا يسألون عن عملكم والجملة تأكيد لما قبلها
135. ( وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ) أو للتفصيل وقائل الأول يهود المدينة والثاني نصارى نجران ( قل ) لهم ( بل ) نتبع ( ملة إبراهيم حنيفا ) حال من إبراهيم مائلاً عن الأديان كلها إلى الدين القيم ( وما كان من المشركين
136. ( قولوا ) خطاب للمؤمنين ( آمنا بالله وما أنزل إلينا ) من القرآن ( وما أنزل إلى إبراهيم ) من الصحف العشر ( وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ) أولاده ( وما أوتي موسى ) من التوراة ( وعيسى ) من الإنجيل ( وما أوتي النبيون من ربهم ) من الكتب والآيات ( لا نفرق بين أحد منهم ) فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كاليهود والنصارى ( ونحن له مسلمون )
137. ( فإن آمنوا ) أي اليهود والنصارى ( بمثل ) مثل ، والباء زائدة ( ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا ) عن الإيمان به ( فإنما هم في شقاق ) خلاف معكم ( فسيكفيكهم الله ) يا محمد شقاقهم ( وهو السميع ) لأقوالهم ( العليم ) بأحوالهم ، وقد كفاه إياهم بقتل قريظة ونفي النضير وضرب الجزية عليهم
138. ( صبغةَ الله ) مصدر مؤكد لآمنا ونصبه بفعل مقدر ، أي صبغنا الله والمراد بها دينه الذي فطر الناس عليه لظهور أثره على صاحبه كالصبغ في الثوب ( ومن ) أي لا أحد ( أحسن من الله صبغة ) تمييز ( ونحن له عابدون ) قال اليهود للمسلمين: نحن أهل الكتاب الأول وقبلتنا أقدم ولم تكن الأنبياء من العرب ولو كان محمد نبيا لكان منا فنزل:
139. ( قل ) لهم ( أتحاجُّوننا ) تخاصمونا ( في الله ) أن اصطفى نبيا من العرب ( وهو ربنا وربكم ) فله أن يصطفي من يشاء ( ولنا أعمالنا ) نجازى بها ( ولكم أعمالكم ) تجازون بها فلا يبعد أن يكون في أعمالنا ما نستحق به الإكرام ( ونحن له مخلصون ) الدين والعمل دونكم فنحن أولى بالإصطفاء والهمزة للإنكار والجمل الثلاث أحوال
140. ( أم ) بل أ ( تقولون ) بالتاء والياء ( إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل ) لهم ( أأنتم أعلم أم الله ) أي الله أعلم ، وقد برأ منها إبراهيم بقوله { ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا } والمذكورون معه تبع له ( ومن أظلم ممن كتم ) أخفى عن الناس ( شهادة عنده ) كائنة ( من الله ) أي لا أحد أظلم منه وهم اليهود كتموا شهادة الله في التوراة لإبراهيم بالحنيفية ( وما الله بغافل عما تعملون ) تهديد لهم
141. ( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ) تقدم مثله
142. ( سيقول السفهاء ) الجهال ( من الناس ) اليهود والمشركين ( ما ولاهم ) أيُّ شيء صرف النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ( عن قبلتهم التي كانوا عليها ) على استقبالها في الصلاة وهي بيت المقدس ، والإتيان بالسين الدالة على الاستقبال من الإخبار بالغيب ( قل لله المشرق والمغرب ) أي الجهات كلها فيأمر بالتوجه إلى أي جهة شاء لا اعتراض عليه ( يهدي من يشاء ) هدايته ( إلى صراط ) طريق ( مستقيم ) دين الإسلام أي ومنهم أنتم دل على هذا:
143. ( وكذلك ) كما هديناكم إليه ( جعلناكم ) يا أمة محمد ( أمة وسطا ) خياراً عدولاً ( لتكونوا شهداء على الناس ) يوم القيامة أن رسلهم بلغتهم ( ويكون الرسول عليكم شهيدا ) أنه بلغكم ( وما جعلنا ) صيرنا ( القبلة ) لك الآن الجهة ( التي كنت عليها ) أولا وهي الكعبة وكان صلى الله عليه وسلم يصلي إليها فلما هاجر أمر باستقبال بيت المقدس تألفا لليهود فصلى إليه ستة أو سبعة عشر شهرا ثم حول ( إلا لنعلم ) علم ظهور ( من يتبع الرسول ) فيصدقه ( ممن ينقلب على عقبيه ) أي يرجع إلى الكفر شكا في الدين وظنا أن النبي صلى الله عليه وسلم في حيرة من أمره وقد ارتد لذلك جماعة ( وإن ) مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي: وإنها ( كانت ) أي التولية إليها ( لكبيرة ) شاقة على الناس ( إلا على الذين هدى الله ) منهم ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) أي صلاتكم إلى بيت المقدس بل يثيبكم عليه لأن سبب نزولها السؤال عمن مات قبل التحويل ( إن الله بالناس ) المؤمنين ( لرؤوف رحيم ) في عدم إضاعة أعمالهم ، والرأفة شدة الرحمة وقدم الأبلغ للفاصلة
144. ( قد ) للتحقيق ( نرى تقلب ) تصرف ( وجهك في ) جهة ( السماء ) متطلعاً إلى الوحي ومتشوقا للأمر باستقبال الكعبة وكان يود ذلك لأنها قبلة إبراهيم ولأنه أدعى إلى إسلام العرب ( فلنولينك ) نحولنك ( قبلة ترضاها ) تحبها ( فول وجهك ) استقبل في الصلاة ( شطر ) نحو ( المسجد الحرام ) أي الكعبة ( وحيث ما كنتم ) خطاب للأمة ( فولوا وجوهكم ) في الصلاة ( شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه ) أي التولي إلى الكعبة ( الحق ) الثابت ( من ربهم ) لما في كتبهم من نعت النبي صلى الله عليه وسلم من أنه يتحول إليها ( وما الله بغافل عما تعملون ) بالتاء أيها المؤمنون من امتثال أمره وبالياء أي اليهود من إنكار أمر القبلة
145. ( ولئن ) لام القسم ( أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ) على صدقك في أمر القبلة ( ما تبعوا ) أي لا يتبعون ( قبلتك ) عناداً ( وما أنت بتابع قبلتهم ) قطع لطمعه في إسلامهم وطمعهم في عوده إليها ( وما بعضهم بتابع قبلة بعض ) أي اليهود قبلة النصارى وبالعكس ( ولئن اتبعت أهواءهم ) التي يدعونك إليها ( من بعد ما جاءك من العلم ) الوحي ( إنك إذا ) إن اتبعتهم فرضا ( لمن الظالمين )
146. ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه ) أي محمدا ( كما يعرفون أبناءهم ) بنعته في كتبهم قال ابن سلام: لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني ومعرفتي لمحمد أشد ( وإن فريقا منهم ليكتمون الحق ) نعته ( وهم يعلمون ) هذا الذي أنت عليه
147. ( الحقُّ ) كائن ( من ربك فلا تكونن من الممتَرين ) الشاكين فيه أي من هذا النوع فهو أبلغ من لا تمتر
148. ( ولكل ) من الأمم ( وجهة ) قبلة ( هو مولِّيها ) وجهه في صلاته ، وفي قراءة مُوَلاها ( فاستبقوا الخيرات ) بادروا إلى الطاعات وقبولها ( أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن ) يجمعكم يوم القيامة فيجازيكم بأعمالكم ( إن الله على كل شيء قدير )
149. ( ومن حيث خرجت ) لسفر ( فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون ) بالتاء والياء تقدم مثله ، وكرره لبيان تساوي حكم السفر وغيره
150. ( ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) كرره للتأكيد ( لئلا يكون للناس ) اليهود أو المشركين ( عليكم حجة ) أي مجادلة في التولي إلى غيره لتنتفي مجادلتهم لكم من قول اليهود يجحد ديننا ويتبع قبلتنا ، وقول المشركين يدَّعي ملة إبراهيم ويخالف قبلته ( إلا الذين ظلموا منهم ) بالعناد فإنهم يقولون ما تحول إليها إلا ميلا إلى دين آبائه والاستثناء متصل والمعنى: لا يكون لأحد عليكم كلام إلا كلام هؤلاء ( فلا تخشوهم ) تخافوا جدالهم في التولي إليها ( واخشوني ) بامتثال أمري ( ولأتم ) عطف على لئلا يكون ( نعمتي عليكم ) بالهداية إلى معالم دينكم ( ولعلكم تهتدون ) إلى الحق
101. ( ولما جاءهم رسول من عند الله ) محمد صلى الله عليه وسلم ( مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله ) أي التوراة ( وراء ظهورهم ) أي لم يعملوا بما فيها من الإيمان بالرسول وغيره ( كأنهم لا يعلمون ) ما فيها من أنه نبي حق أو أنها كتاب الله
102. ( واتبعوا ) عطف على نبذ ( ما تتلوا ) أي تلت ( الشياطين على ) عهد ( مُلْك سليمان ) من السحر وكانت دفنتْه تحت كرسيه لما نزع ملكه أو كانت تسترق السمع وتضم إليه أكاذيب وتلقيه إلى الكهنة فيدوِّنونه وفشا ذلك وشاع أن الجن تعلم الغيب فجمع سليمان الكتب ودفنها فلما مات دلت الشياطين عليها الناس فاستخرجوها فوجدوا فيها السحر فقالوا إنما ملككم بهذا فتعلموه فرفضوا كتب أنبيائهم. قال تعالى تبرئة لسليمان وردَّاً على اليهود في قولهم انظروا إلى محمد يذكر سليمان في الأنبياء وما كان إلا ساحراً : ( وما كفر سليمان ) أي لم يعمل السحر لأنه كفر ( ولكنَّ ) بالتشديد والتخفيف ( الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ) الجملة حال من ضمير كفروا ( و ) يعلمونهم ( ما أنزل على المَلَكين ) أي ألهماه من السحر وقرئ بكسر اللام الكائنين ( ببابل ) بلد في سواد العراق ( هاروت وماروت ) بدل أو عطف بيان للملكين ، قال ابن عباس : هما ساحران كانا يعلمان السحر وقيل ملكان أنزلا لتعليمه ابتلاء من الله للناس ( وما يعلمان من ) زائدة ( أحد حتى يقولا ) له نصحاً ( إنما نحن فتنة ) بلية من الله إلى الناس ليمتحنهم بتعليمه فمن تعلمه كفر ومن تركه فهو مؤمن ( فلا تكفر ) بتعلمه فإن أبى إلا التعلم علماه ( فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ) بأن يبغض كلا إلى الآخر ( وما هم ) أي السحرة ( بضارِّين به ) بالسحر ( من ) زائدة ( أحد إلا بإذن الله ) بإرادته ( ويتعلمون ما يضرهم ) في الآخرة ( ولا ينفعهم ) وهو السحر ( ولقد ) لام قسم ( علموا ) أي اليهود ( لمن ) لام ابتداء معلقة لما قبلها ومن موصولة ( اشتراه ) اختاره أو استبدله بكتاب الله ( ما له في الآخرة من خلاق ) نصيب في الجنة ( ولبئس ما ) شيئا ( شروا ) باعوا ( به أنفسهم ) أي الشارين : أي حظها من الآخرة إن تعلموه حيث أوجب لهم النار ( لو كانوا يعلمون ) حقيقة ما يصيرون إليه من العذاب ما تعلموه
103. ( ولو أنهم ) أي اليهود ( آمنوا ) بالنبي والقرآن ( واتَّقَوا ) عقاب الله بترك معاصيه كالسحر ، وجواب لو محذوف: أي لأثيبوا دل عليه ( لمثوبة ) ثواب ، وهو مبتدأ واللام فيه للقسم ( من عند الله خير ) خبره مما شروا به أنفسهم ( لو كانوا يعلمون ) أنه خير لما آثروه عليه
104. ( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا ) للنبي ( راعِنا ) أمر من المراعاة وكانوا يقولون له ذلك وهي بلغة اليهود سب من الرعونة فسروا بذلك وخاطبوا بها النبي فنهى المؤمنون عنها ( وقولوا ) بدلها ( انظرنا ) أي انظر إلينا ( واسمعوا ) ما تؤمرون به سماع قبول ( وللكافرين عذاب أليم ) مؤلم هو النار
105. ( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين ) من العرب عطف على أهل الكتاب ، ومِن للبيان ( أن ينزل عليكم من ) زائدة ( خير ) وحي ( من ربكم ) حسدا لكم ( والله يختص برحمته ) نبوته ( من يشاء والله ذو الفضل العظيم )
106. ولما طمع الكفار في النسخ وقالوا إن محمدا يأمر أصحابه اليوم بأمر وينهى عنه غدا نزل: ( ما ) شرطية ( نَنَسخ من آية ) نزل حكمها: إما مع لفظها أو لا. وفي قراءة بضم النون من أنسخ: أي نأمرك أو جبريل بنسخها ( أو نَنْسأها ) نؤخرها فلا ننزل حكمها ونرفع تلاوتها أو نؤخرها في اللوح المحفوظ وفي قراءة بلا همز في النسيان { نُنْسِها } : أي ننسكها ، أي نمحها من قلبك وجواب الشرط ( نأت بخير منها ) أنفع للعباد في السهولة أو كثرة الأجر ( أو مثلها ) في التكليف والثواب ( ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير ) ومنه النسخ والتبديل ، والاستفهام للتقرير
107. ( ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض ) يفعل ما يشاء ( وما لكم من دون الله ) من غيره ( من ) زائدة ( ولي ) يحفظكم ( ولا نصير ) يمنع عذابه إن أتاكم ، ونزل لما سأله أهل مكة أن يوسعها ويجعل الصفا ذهباً
108. ( أم ) بل أ ( تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى ) أي سأله قومه ( من قبل ) من قولهم : أرِنا الله جهرة وغير ذلك ( ومن يتبدل الكفر بالإيمان ) أي يأخذه بدله بترك النظر في الآيات البينات واقتراح غيرها ( فقد ضل سواء السبيل ) أخطأ الطريق الحق والسواء في الأصل الوسط
109. ( ود كثير من أهل الكتاب لو ) مصدرية ( يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا ) مفعول له كائناً ( من عند أنفسهم ) أي حملتهم عليه أنفسهم الخبيثة ( من بعد ما تبين لهم ) في التوراة ( الحق ) في شأن النبي ( فاعفوا ) عنهم أي اتركوهم ( واصفحوا ) أعرضوا فلا تجازوهم ( حتى يأتي الله بأمره ) فيهم من القتال ( إن الله على كل شيء قدير )
110. ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير ) طاعة كصلة وصدقة ( تجدوه ) أي ثوابه ( عند الله إن الله بما تعملون بصير ) فيجازيكم به
111. ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا ) جمع هائد ( أو نصارى ) قال ذلك يهود المدينة ونصارى نجران لما تناظروا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم أي قال اليهود لن يدخلها إلا اليهود وقال النصارى لن يدخلها إلا النصارى ( تلك ) القولة ( أمانيهم ) شهواتهم الباطلة ( قل ) لهم ( هاتوا برهانكم ) حججكم على ذلك ( إن كنتم صادقين ) فيه
112. ( بلى ) يدخل الجنة غيرهم ( من أسلم وجهه لله ) أي انقاد لأمره وخص الوجه لأنه أشرف الأعضاء فغيره أولى ( وهو محسن ) موحد ( فله أجره عند ربه ) أي ثواب عمله الجنة ( ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) في الآخرة
113. ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء ) مُعْتدٍّ به وكفرت بعيسى ( وقالت النصارى ليست اليهود على شيء ) معتد به وكفرت بموسى ( وهم ) أي الفريقان ( يتلون الكتاب ) المنزل عليهم ، وفي كتاب اليهود تصديق عيسى ، وفي كتاب النصارى تصديق موسى والجملة حال ( كذلك ) كما قال هؤلاء ( قال الذين لا يعلمون ) أي المشركون من العرب وغيرهم ( مثل قولهم ) بيان لمعنى ذلك: أي قالوا لكل ذي دين ليسوا على شيء ( فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) من أمر الدين فيُدخِل المحقَّ الجنةَ والمبطل النار
114. ( ومن أظلم ) أي لا أحد أظلم ( ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ) بالصلاة والتسبيح ( وسعى في خرابها ) بالهدم أو التعطيل ، نزلت إخباراً عن الروم الذين خربوا بيت المقدس أو في المشركين لما صدوا النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية عن البيت ( أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ) خبر بمعنى الأمر أي أخيفوهم بالجهاد فلا يدخلها أحدٌ آمناً0 ( لهم في الدنيا خزي ) هوان بالقتل والسبي والجزية ( ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) هو النار
115. ونزل لما طعن اليهود في نسخ القبلة أو في صلاة النافلة على الراحلة في السفر حيثما توجهت ( ولله المشرق والمغرب ) أي الأرض كلها لأنهما ناحيتاها ( فأين ما تولوا ) وجوهكم في الصلاة بأمره ( فثم ) هناك ( وجه الله ) قبلته التي رضيها ( إن الله واسع ) يسع فضله كل شيء ( عليم ) بتدبير خلقه
116. ( وقالوا ) بواو وبدونها اليهود والنصارى ومن زعم أن الملائكة بنات الله ( اتخذ الله ولداً ) قال تعالى ( سبحانه ) تنزيها له عنه ( بل له ما في السماوات والأرض ) ملكاً وخلقاً وعبيداً والملكية تنافي الولادة وعبر بما تغليباً لما لا يعقل ( كل له قانتون ) مطيعون كل بما يراد منه وفيه تغليب العاقل
117. ( بديع السماوات والأرض ) موجدهم لا على مثال سبق ( وإذا قضى ) أراد ( أمراً ) أي إيجاده ( فإنما يقول له كن فيكون ) أي فهو يكون ، وفي قراءة بالنصب جواباً للأمر
118. ( وقال الذين لا يعلمون ) أي كفار مكة للنبي صلى الله عليه وسلم ( لولا ) هلا ( يكلمنا الله ) أنك رسوله ( أو تأتينا آية ) مما اقترحناه على صدقك ( كذلك ) كما قال هؤلاء ( قال الذين من قبلهم ) من كفار الأمم الماضية لأنبيائهم ( مثل قولهم ) من التعنت وطلب الآيات ( تشابهت قلوبهم ) في الكفر والعناد ، فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ( قد بينا الآيات لقوم يوقنون ) يعلمون أنها آيات فيؤمنون فاقتراحُ آيةٍ معها تعنُّت
119. ( إنا أرسلناك ) يا محمد ( بالحق ) بالهدى ( بشيراً ) من أجاب إليه بالجنة ( ونذيراً ) من لم يجب إليه بالنار ( ولا تُسْأَلُ عن أصحاب الجحيم ) النار ، أي الكفار ما لهم لم يؤمنوا إنما عليك البلاغ ، وفي قراءة بجزم تسألْ نهياً
120. ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) دينهم ( قل إن هدى الله ) أي الإسلام ( هو الهدى ) وما عداه ضلال ( ولئن ) لام قسم ( اتبعت أهواءهم ) التي يدعونك إليها فرضاً ( بعد الذي جاءك من العلم ) الوحي من الله ( ما لك من الله من ولي ) يحفظك ( ولا نصير ) يمنعك منه
121. ( الذين آتيناهم الكتاب ) مبتدأ ( يتلونه حق تلاوته ) أي يقرؤونه كما أنزل ، والجملة حال وحقَّ نصبٌ على المصدر والخبر ( أولئك يؤمنون به ) نزلت في جماعة قدموا من الحبشة وأسلموا ( ومن يكفر به ) أي بالكتاب المؤتى بأن يحرفه ( فأولئك هم الخاسرون ) لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم
122. ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين ) تقدم مثله
123. ( واتقوا ) خافوا ( يوما لا تجزي ) تغني ( نفس عن نفس ) فيه ( شيئا ولا يقبل منها عدل ) فداء ( ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون ) يمنعون من عذاب الله
124. ( و ) اذكر ( إذ ابتلى ) اختبر ( إبراهيمَ ) وفي قراءة إبراهام ( ربُّه بكلمات ) بأوامر ونواه كلفه بها ، قيل هي مناسك الحج ، وقيل المضمضة والاستنشاق والسواك وقص الشارب وفرق الشعر وقلم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة والختان والاستنجاء ( فأتمهن ) أداهن تامات ( قال ) تعالى له ( إني جاعلك للناس إماما ) قدوة في الدين ( قال ومن ذريتي ) أولادي اجعل أئمة ( قال لا ينال عهديْ ) بالإمامة ( الظالمين ) الكافرين منهم دل على أنه ينال غير الظالم
125. ( وإذ جعلنا البيت ) الكعبة ( مثابة للناس ) مرجعا يثوبون إليه من كل جانب ( وأمنا ) مأمنا لهم من الظلم والإغارات الواقعة في غيره ، كان الرجل يلقى قاتل أبيه فيه فلا يهيجه ( واتخِذوا ) أيها الناس ( من مقام إبراهيم ) هو الحجر الذي قام عليه عند بناء البيت ( مصلَّى ) مكان صلاة بأن تصلوا خلفه ركعتي الطواف ، وفي قراءة بفتح الخاء خبر ( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل ) أمرناهما ( أن ) أي بأن ( طهرا بيتي ) من الأوثان ( للطائفين والعاكفين ) المقيمين فيه ( والركع السجود ) جمع راكع وساجد المصلين
126. ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا ) المكان ( بلداً آمناً ) ذا أمن ، وقد أجاب الله دعاءه فجعله حرما لا يسفك فيه دم إنسان ولا يظلم فيه أحد ولا يصاد صيده ولا يختلى خلاه ( وارزق أهله من الثمرات ) وقد فعل بنقل الطائف من الشام إليه وكان أقفر لا زرع فيه ولا ماء ( من آمن منهم بالله واليوم الآخر ) بدل من أهله وخصهم بالدعاء لهم موافقة لقوله لا ينال عهدي الظالمين ( قال ) تعالى ( و ) أرزق ( من كفر فأمتِّعه ) بالتشديد والتخفيف في الدنيا بالرزق ( قليلاً ) مدة حياته ( ثم أضطره ) ألجِئه في الآخرة ( إلى عذاب النار ) فلا يجد عنها محيصا ( وبئس المصير ) المرجع هي
127. ( و ) اذكر ( إذ يرفع إبراهيم القواعد ) الأسس أو الجدر ( من البيت ) يبنيه ، متعلق بيرفع ( وإسماعيل ) عطف على إبراهيم ، يقولان ( ربنا تقبل منا ) بناءنا ( إنك أنت السميع ) للقول ( العليم ) بالفعل
128. ( ربنا واجعلنا مسلمين ) منقادين ( لك و ) اجعل ( من ذريتنا ) أولادنا ( أمة ) جماعة ( مسلمة لك ) ومن للتبعيض ، وأتى به لتقدم قوله لا ينال عهدي الظالمين ( وأرنا ) علمنا ( مناسكنا ) شرائع عبادتنا أو حجنا ( وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ) سألاه التوبة مع عصمتهما تواضعاً وتعليماً لذريتهما
129. ( ربنا وابعث فيهم ) أي أهل البيت ( رسولاً منهم ) من أنفسهم ، وقد أجاب الله دعاءه بمحمد صلى الله عليه وسلم ( يتلو عليهم آياتك ) القرآن ( ويعلمهم الكتاب ) القرآن ( والحكمة ) أي ما فيه من الأحكام ( ويزكيهم ) يطهرهم من الشرك ( إنك أنت العزيز ) الغالب ( الحكيم ) في صنعه
130. ( ومن ) أي لا ( يرغب عن ملة إبراهيم ) فيتركها ( إلا من سفه نفسه ) جهل أنها مخلوقة لله يجب عليها عبادته أو استخف بها وامتهنها ( ولقد اصطفيناه ) اخترناه ( في الدنيا ) بالرسالة والخلة ( وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) الذين لهم الدرجات العلى
131. واذكر ( إذ قال له ربه أسلم ) انقد لله وأخلص له دينك ( قال أسلمت لرب العالمين )
132. ( ووصَّى ) وفي قراءة أوصى ( بها ) بالملة ( إبراهيمُ بنيه ويعقوبُ ) بنيه قال: ( يا بني إن الله اصطفى لكم الدين ) دين الإسلام ( فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) نهى عن ترك الإسلام وأمر بالثبات عليه إلى مصادفة الموت
133. ولما قال اليهود للنبي ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية نزل: ( أم كنتم شهداء ) حضورا ( إذ حضر يعقوبَ الموتُ إذ ) بدل من إذ قبله ( قال لبنيه ما تعبدون من بعدي ) بعد موتي ( قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ) عدُّ إسماعيلَ من الآباء تغليب ، ولأن العم بمنزلة الأب ( إلها واحدا ) بدل من إلهك ( ونحن له مسلمون ) وأم بمعنى همزة الإنكار أي لم تحضروه وقت موته فكيف تنسبون إليه ما لا يليق به
134. ( تلك ) مبتدأ والإشارة إلى إبراهيم ويعقوب وبنيهما وأُنِّث لتأنيث خبره ( أمة قد خلت ) سلفت ( لها ما كسبت ) من العمل أي جزاؤه استئناف ( ولكم ) الخطاب لليهود ( ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ) كما لا يسألون عن عملكم والجملة تأكيد لما قبلها
135. ( وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ) أو للتفصيل وقائل الأول يهود المدينة والثاني نصارى نجران ( قل ) لهم ( بل ) نتبع ( ملة إبراهيم حنيفا ) حال من إبراهيم مائلاً عن الأديان كلها إلى الدين القيم ( وما كان من المشركين
136. ( قولوا ) خطاب للمؤمنين ( آمنا بالله وما أنزل إلينا ) من القرآن ( وما أنزل إلى إبراهيم ) من الصحف العشر ( وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ) أولاده ( وما أوتي موسى ) من التوراة ( وعيسى ) من الإنجيل ( وما أوتي النبيون من ربهم ) من الكتب والآيات ( لا نفرق بين أحد منهم ) فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كاليهود والنصارى ( ونحن له مسلمون )
137. ( فإن آمنوا ) أي اليهود والنصارى ( بمثل ) مثل ، والباء زائدة ( ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا ) عن الإيمان به ( فإنما هم في شقاق ) خلاف معكم ( فسيكفيكهم الله ) يا محمد شقاقهم ( وهو السميع ) لأقوالهم ( العليم ) بأحوالهم ، وقد كفاه إياهم بقتل قريظة ونفي النضير وضرب الجزية عليهم
138. ( صبغةَ الله ) مصدر مؤكد لآمنا ونصبه بفعل مقدر ، أي صبغنا الله والمراد بها دينه الذي فطر الناس عليه لظهور أثره على صاحبه كالصبغ في الثوب ( ومن ) أي لا أحد ( أحسن من الله صبغة ) تمييز ( ونحن له عابدون ) قال اليهود للمسلمين: نحن أهل الكتاب الأول وقبلتنا أقدم ولم تكن الأنبياء من العرب ولو كان محمد نبيا لكان منا فنزل:
139. ( قل ) لهم ( أتحاجُّوننا ) تخاصمونا ( في الله ) أن اصطفى نبيا من العرب ( وهو ربنا وربكم ) فله أن يصطفي من يشاء ( ولنا أعمالنا ) نجازى بها ( ولكم أعمالكم ) تجازون بها فلا يبعد أن يكون في أعمالنا ما نستحق به الإكرام ( ونحن له مخلصون ) الدين والعمل دونكم فنحن أولى بالإصطفاء والهمزة للإنكار والجمل الثلاث أحوال
140. ( أم ) بل أ ( تقولون ) بالتاء والياء ( إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل ) لهم ( أأنتم أعلم أم الله ) أي الله أعلم ، وقد برأ منها إبراهيم بقوله { ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا } والمذكورون معه تبع له ( ومن أظلم ممن كتم ) أخفى عن الناس ( شهادة عنده ) كائنة ( من الله ) أي لا أحد أظلم منه وهم اليهود كتموا شهادة الله في التوراة لإبراهيم بالحنيفية ( وما الله بغافل عما تعملون ) تهديد لهم
141. ( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ) تقدم مثله
142. ( سيقول السفهاء ) الجهال ( من الناس ) اليهود والمشركين ( ما ولاهم ) أيُّ شيء صرف النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ( عن قبلتهم التي كانوا عليها ) على استقبالها في الصلاة وهي بيت المقدس ، والإتيان بالسين الدالة على الاستقبال من الإخبار بالغيب ( قل لله المشرق والمغرب ) أي الجهات كلها فيأمر بالتوجه إلى أي جهة شاء لا اعتراض عليه ( يهدي من يشاء ) هدايته ( إلى صراط ) طريق ( مستقيم ) دين الإسلام أي ومنهم أنتم دل على هذا:
143. ( وكذلك ) كما هديناكم إليه ( جعلناكم ) يا أمة محمد ( أمة وسطا ) خياراً عدولاً ( لتكونوا شهداء على الناس ) يوم القيامة أن رسلهم بلغتهم ( ويكون الرسول عليكم شهيدا ) أنه بلغكم ( وما جعلنا ) صيرنا ( القبلة ) لك الآن الجهة ( التي كنت عليها ) أولا وهي الكعبة وكان صلى الله عليه وسلم يصلي إليها فلما هاجر أمر باستقبال بيت المقدس تألفا لليهود فصلى إليه ستة أو سبعة عشر شهرا ثم حول ( إلا لنعلم ) علم ظهور ( من يتبع الرسول ) فيصدقه ( ممن ينقلب على عقبيه ) أي يرجع إلى الكفر شكا في الدين وظنا أن النبي صلى الله عليه وسلم في حيرة من أمره وقد ارتد لذلك جماعة ( وإن ) مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي: وإنها ( كانت ) أي التولية إليها ( لكبيرة ) شاقة على الناس ( إلا على الذين هدى الله ) منهم ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) أي صلاتكم إلى بيت المقدس بل يثيبكم عليه لأن سبب نزولها السؤال عمن مات قبل التحويل ( إن الله بالناس ) المؤمنين ( لرؤوف رحيم ) في عدم إضاعة أعمالهم ، والرأفة شدة الرحمة وقدم الأبلغ للفاصلة
144. ( قد ) للتحقيق ( نرى تقلب ) تصرف ( وجهك في ) جهة ( السماء ) متطلعاً إلى الوحي ومتشوقا للأمر باستقبال الكعبة وكان يود ذلك لأنها قبلة إبراهيم ولأنه أدعى إلى إسلام العرب ( فلنولينك ) نحولنك ( قبلة ترضاها ) تحبها ( فول وجهك ) استقبل في الصلاة ( شطر ) نحو ( المسجد الحرام ) أي الكعبة ( وحيث ما كنتم ) خطاب للأمة ( فولوا وجوهكم ) في الصلاة ( شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه ) أي التولي إلى الكعبة ( الحق ) الثابت ( من ربهم ) لما في كتبهم من نعت النبي صلى الله عليه وسلم من أنه يتحول إليها ( وما الله بغافل عما تعملون ) بالتاء أيها المؤمنون من امتثال أمره وبالياء أي اليهود من إنكار أمر القبلة
145. ( ولئن ) لام القسم ( أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ) على صدقك في أمر القبلة ( ما تبعوا ) أي لا يتبعون ( قبلتك ) عناداً ( وما أنت بتابع قبلتهم ) قطع لطمعه في إسلامهم وطمعهم في عوده إليها ( وما بعضهم بتابع قبلة بعض ) أي اليهود قبلة النصارى وبالعكس ( ولئن اتبعت أهواءهم ) التي يدعونك إليها ( من بعد ما جاءك من العلم ) الوحي ( إنك إذا ) إن اتبعتهم فرضا ( لمن الظالمين )
146. ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه ) أي محمدا ( كما يعرفون أبناءهم ) بنعته في كتبهم قال ابن سلام: لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني ومعرفتي لمحمد أشد ( وإن فريقا منهم ليكتمون الحق ) نعته ( وهم يعلمون ) هذا الذي أنت عليه
147. ( الحقُّ ) كائن ( من ربك فلا تكونن من الممتَرين ) الشاكين فيه أي من هذا النوع فهو أبلغ من لا تمتر
148. ( ولكل ) من الأمم ( وجهة ) قبلة ( هو مولِّيها ) وجهه في صلاته ، وفي قراءة مُوَلاها ( فاستبقوا الخيرات ) بادروا إلى الطاعات وقبولها ( أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن ) يجمعكم يوم القيامة فيجازيكم بأعمالكم ( إن الله على كل شيء قدير )
149. ( ومن حيث خرجت ) لسفر ( فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون ) بالتاء والياء تقدم مثله ، وكرره لبيان تساوي حكم السفر وغيره
150. ( ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) كرره للتأكيد ( لئلا يكون للناس ) اليهود أو المشركين ( عليكم حجة ) أي مجادلة في التولي إلى غيره لتنتفي مجادلتهم لكم من قول اليهود يجحد ديننا ويتبع قبلتنا ، وقول المشركين يدَّعي ملة إبراهيم ويخالف قبلته ( إلا الذين ظلموا منهم ) بالعناد فإنهم يقولون ما تحول إليها إلا ميلا إلى دين آبائه والاستثناء متصل والمعنى: لا يكون لأحد عليكم كلام إلا كلام هؤلاء ( فلا تخشوهم ) تخافوا جدالهم في التولي إليها ( واخشوني ) بامتثال أمري ( ولأتم ) عطف على لئلا يكون ( نعمتي عليكم ) بالهداية إلى معالم دينكم ( ولعلكم تهتدون ) إلى الحق
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
تابع سورة البقرة تفسير الجلالين
151. ( كما أرسلنا ) متعلق بأتم أي إتماما كإتمامها بإرسالنا ( فيكم رسولا منكم ) محمدا صلى الله عليه وسلم ( يتلو عليكم آياتنا ) القرآن ( ويزكيكم ) يطهركم من الشرك ( ويعلمكم الكتاب ) القرآن ( والحكمة ) ما فيه من الأحكام ( ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون )
152. ( فاذكروني ) بالصلاة والتسبيح ونحوه ( أذكركم ) قيل معناه أجازيكم ، وفي الحديث عن الله « من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خيرٍ من ملئه » ( واشكروا لي ) نعمتي بالطاعة ( ولا تكفرون ) بالمعصية
153. ( يا أيها الذين آمنوا استعينوا ) على الآخرة ( بالصبر ) على الطاعة والبلاء ( والصلاة ) خصها بالذكر لتكررها وعظمها ( إن الله مع الصابرين ) بالعون
154. ( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله ) هم ( أموات بل ) هم ( أحياء ) أرواحهم في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت لحديث بذلك ( ولكن لا تشعرون ) تعلمون ما هم فيه
155. ( ولنبلونكم بشيء من الخوف ) للعدو ( والجوع ) القحط ( ونقص من الأموال ) بالهلاك ( والأنفس ) بالقتل والموت والأمراض ( والثمرات ) بالجوائح ، أي لنختبرنكم فننظر أتصبرون أم لا ( وبشر الصابرين ) على البلاء بالجنة
156. وهم ( الذين إذا أصابتهم مصيبة ) بلاء ( قالوا إنا لله ) ملكا وعبيدا يفعل بنا ما يشاء ( وإنا إليه راجعون ) في الآخرة فيجازينا ، وفي الحديث « من استرجع عند المصيبة آجره الله فيها وأخلف الله عليه خيرا » وفيه أن مصباح النبي صلى الله عليه وسلم طفئ فاسترجع فقالت عائشة: إنما هذا مصباح فقال: « كل ما أساء المؤمن فهو مصيبة » رواه أبو داود في مراسيله
157. ( أولئك عليهم صلوات ) مغفرة ( من ربهم ورحمة ) نعمة ( وأولئك هم المهتدون ) إلى الصواب
158. ( إن الصفا والمروة ) جبلان بمكة ( من شعائر الله ) أعلام دينه جمع شعيرة ( فمن حج البيت أو اعتمر ) أي تلبس بالحج أو العمرة ، وأصلهما القصد والزيارة ( فلا جناح عليه ) إثم عليه ( أن يطَّوف ) فيه إدغام التاء في الأصل في الطاء ( بهما ) بأن يسعى بينهما سبعا ، نزلت لما كره المسلمون ذلك لأن أهل الجاهلية كانوا يطوفون بهما وعليهما صنمان يمسحونهما ، وعن ابن عباس أن السعي غير فرض لما أفاده رفع الإثم من التخيير وقال الشافعي وغيره ركن ، وبين صلى الله عليه وسلم فريضته بقوله « إن الله كتب عليكم السعي » رواه البيهقي وغيره وقال « ابدؤوا بما بدأ الله به » يعني الصفا. رواه مسلم ( ومن تطوع ) وفي قراءة بالتحتية وتشديد الطاء مجزوما وفيه إدغام التاء فيها { يطَّوعْ } ( خيرا ) أي بخير ، أي عمل ما لم يجب عليه من طواف وغيره ( فإن الله شاكر ) لعمله بالإثابة عليه ( عليم ) به
159. ونزل في اليهود: ( إن الذين يكتمون ) الناس ( ما أنزلنا من البينات والهدى ) كآية الرجم ونعت محمد صلى الله عليه وسلم ( من بعد ما بيناه للناس في الكتاب ) التوراة ( أولئك يلعنهم الله ) يبعدهم من رحمته ( ويلعنهم اللاعنون ) الملائكة والمؤمنون أو كل شيء بالدعاء عليهم باللعنة
160. ( إلا الذين تابوا ) رجعوا عن ذلك ( وأصلحوا ) عملهم ( وبينوا ) ما كتموا ( فأولئك أتوب عليهم ) أقبل توبتهم ( وأنا التواب الرحيم ) بالمؤمنين
161. ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار ) حال ( أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) أي هم مستحقون ذلك في الدنيا والآخرة. والناس قيل: عام. وقيل: المؤمنون
162. ( خالدين فيها ) أي اللعنة والنار المدلول بها عليها ( لا يخفف عنهم العذاب ) طرفة عين ( ولا هم ينظرون ) يمهلون لتوبة أو لمعذرة
163. ونزل لما قالوا صف لنا ربك: ( وإلهكم ) المستحق للعبادة منكم ( إله واحد ) لا نظير له في ذاته ولا في صفاته ( لا إله إلا هو ) هو ( الرحمن الرحيم ) وطلبوا آية على ذلك فنزل:
164. ( إن في خلق السماوات والأرض ) وما فيهما من العجائب ( واختلاف الليل والنهار ) بالذهاب والمجيء والزيادة والنقصان ( والفلك ) السفن ( التي تجري في البحر ) ولا ترسب موقرة ( بما ينفع الناس ) من التجارات والحمل ( وما أنزل الله من السماء من ماء ) مطر ( فأحيا به الأرض ) بالنبات ( بعد موتها ) يبسها ( وبث ) فرق ونشر به ( فيها من كل دابة ) لأنهم ينمون بالخصب الكائن عنه ( وتصريف الرياح ) تقليبها جنوبا وشمالا حارة وباردة ( والسحاب ) الغيم ( المسخر ) المذلل بأمر الله تعالى يسير إلى حيث شاء الله ( بين السماء والأرض ) بلا علاقة ( لآيات ) دالات على وحدانيته تعالى ( لقوم يعقلون ) يتدبرون
165. ( ومن الناس من يتخذ من دون الله ) أي غيره ( أندادا ) أصناما ( يحبونهم ) بالتعظيم والخضوع ( كحب الله ) أي كحبهم له ( والذين آمنوا أشدُّ حبا لله ) من حبهم للأنداد لأنهم لا يعدلون عنه بحال ما ، والكفار يعدلون في الشدة إلى الله. ( ولو ترى ) تبصر يا محمد ( الذين ظلموا ) باتخاذ الأنداد ( إذ يرون ) بالبناء للفاعل والمفعول يبصرون ( العذاب ) لرأيت أمرا عظيما وإذ بمعنى إذا ( أن ) أي لأن ( القوة ) القدرة والغلبة ( لله جميعا ) حال ( وأن الله شديد العذاب ) وفي قراءة { يرى } والفاعل ضمير السامع ، وقيل الذين ظلموا فهي بمعنى يعلم وأن وما بعدها سدت مسد المفعولين وجواب لو محذوف والمعنى لو علموا في الدنيا شدة عذاب الله وأن القدرة لله وحده وقت معاينتهم له وهو يوم القيامة لما اتخذوا من دونه أندادا
166. ( إذ ) بدل من إذ قبله ( تبرأ الذين اتُّبِعوا ) أي الرؤساء ( من الذين اتَّبَعوا ) أي أنكروا إضلالهم وقد ( و ) قد ( رأَوا العذاب وتقطعت ) عطف على تبرأ ( بهم ) عنهم ( الأسباب ) الوصل التي كانت بينهم في الدنيا من الأرحام والمودة
167. ( وقال الذين اتَّبعوا لو أن لنا كرة ) رجعة إلى الدنيا ( فنتبرأ منهم ) أي المتبوعين ( كما تبرؤوا منا ) اليوم ولو للتمني ونتبرأ جوابه ( كذلك ) أي كما أراهم شدة عذابه وتبرأ بعضهم من بعض ( يريهم الله أعمالهم ) السيئة ( حسرات ) حال ندامات ( عليهم وما هم بخارجين من النار ) بعد دخولها
168. ونزل فيمن حرم السوائب ونحوها: ( يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً ) حال ( طيباً ) صفة مؤكدة أي مستلذاً ( ولا تتبعوا خطوات ) طرق ( الشيطان ) أي تزيينه ( إنه لكم عدو مبين ) بين العداوة
169. ( إنما يأمركم بالسوء ) الإثم ( والفحشاء ) القبيح شرعا ( وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) من تحريم ما لم يحرم وغيره
170. ( وإذا قيل لهم ) أي الكفار ( اتبعوا ما أنزل الله ) من التوحيد وتحليل الطيبات ( قالوا ) لا ( بل نتبع ما ألفينا ) وجدنا ( عليه آباءنا ) من عبادة الأصنام وتحريم السوائب والبحائر. قال تعالى: ( أ ) يتبعونهم ( ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ) من أمر الدين ( ولا يهتدون ) إلى الحق والهمزة للإنكار
171. ( ومثل ) صفة ( الذين كفروا ) ومن يدعوهم إلى الهدى ( كمثل الذي ينعق ) يصوت ( بما لا يسمع إلا دعاء ونداء ) أي صوتا ولا يفهم معناه أي في سماع الموعظة وعدم تدبرها كالبهائم تسمع صوت راعيها ولا تفهمه ، هم ( صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) الموعظة
172. ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ) حلالات ( ما رزقناكم واشكروا لله ) على ما أحل لكم ( إن كنتم إياه تعبدون
173. ( إنما حَرَّم عليكم الميتة ) أي أكلها إذ الكلام فيه وكذا ما بعدها وهي ما لم يذك شرعا ، وألحق بها بالسنة ما أبين من حي وخص منها السمك والجراد ( والدم ) أي المسفوح كما في الأنعام ( ولحم الخنزير ) خص اللحم لأنه معظم المقصود وغيره تبع له ( وما أهل به لغير الله ) أي ذبح على اسم غيره والإهلال رفع الصوت وكانوا يرفعونه عند الذبح لآلهتهم ( فمن اضطر ) أي ألجأته الضرورة إلى أكل شيء مما ذكر فأكله ( غير باغ ) خارج على المسلمين ( ولا عاد ) متعد عليهم بقطع الطريق ( فلا إثم عليه ) في أكله ( إن الله غفور ) لأوليائه ( رحيم ) بأهل طاعته حيث وسع لهم في ذلك ، وخرج الباغي والعادي ويلحق بهما كل عاص بسفره كالآبق والمكَّاس فلا يحل لهم أكل شيء من ذلك ما لم يتوبوا وعليه الشافعي
174. ( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ) المشتمل على نعت محمد صلى الله عليه وسلم وهم اليهود ( ويشترون به ثمنا قليلا ) من الدنيا يأخذونه بدله من سفلتهم فلا يظهرونه خوف فوته عليهم ( أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ) لأنها مآلهم ( ولا يكلمهم الله يوم القيامة ) غضبا عليهم ( ولا يزكيهم ) يطهرهم من دنس الذنوب ( ولهم عذاب أليم ) مؤلم هو النار
175. ( أولئك الذين اشترَوا الضلالة بالهدى ) أخذوها بدله في الدنيا ( والعذاب بالمغفرة ) المعدة لهم في الآخرة لو لم يكتموا ( فما أصبرهم على النار ) أي ما أشد صبرهم ، وهو تعجيب للمؤمنين من ارتكابهم موجباتهم من غير مبالاة وإلا فأيُّ صبرٍ لهم
176. ( ذلك ) الذي ذكر من أكلهم النار وما بعده ( بأن ) بسبب أن ( الله نزل الكتاب بالحق ) متعلق بنزل فاختلفوا فيه حيث آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه بكتمه ( وإن الذين اختلفوا في الكتاب ) بذلك وهم اليهود وقيل المشركون في القرآن حيث قال بعضهم شعر وبعضهم سحر وبعضهم كهانة ( لفي شقاق ) خلاف ( بعيد ) عن الحق
177. ( ليس البرَّ أن تولوا وجوهكم ) في الصلاة ( قبل المشرق والمغرب ) نزل رداً على اليهود والنصارى حيث زعموا ذلك ( ولكن البرَّ ) أي ذا البر وقرئ بفتح الباء أي البار ( من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب ) أي الكتب ( والنبيين وآتى المال على ) مع ( حبه ) له ( ذوي القربى ) القرابة ( واليتامى والمساكين وابن السبيل ) المسافر ( والسائلين ) الطالبين ( وفي ) فك ( الرقاب ) المكاتبين والأسرى ( وأقام الصلاة وآتى الزكاة ) المفروضة وما قبله في التطوع ( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ) الله أو الناس ( والصابرين ) نصب على المدح ( في البأساء ) شدة الفقر ( والضراء ) المرض ( وحين البأس ) وقت شدة القتال في سبيل الله ( أولئك ) الموصوفون بما ذكر ( الذين صدقوا ) في إيمانهم أو ادعاء البر ( وأولئك هم المتقون ) الله
178. ( يا أيها الذين آمنوا كتب ) فرض ( عليكم القصاص ) المماثلة ( في القتلى ) وصفاً وفعلاً ( الحُرُّ ) يقتل ( بالحر ) ولا يقتل بالعبد ( والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ) وبينت السنة أن الذكر يقتل بها وأنه تعتبر المماثلة في الدين فلا يُقتَل مسلمٌ ولو عبدا بكافر ولو حرا ( فمن عفي له ) من القاتلين ( من ) دم ( أخيه ) المقتول ( شيء ) بأن ترك القصاص منه ، وتنكير شيء يفيد سقوط القصاص بالعفو عن بعضه ومن بعض الورثة ، وفي ذكر أخيه تعطف داع إلى العفو وإيذان بأن القتل لا يقطع أخوة الإيمان ومن مبتدأ شرطية أو موصولة والخبر ( فاتباع ) أي فعلى العافي اتباع للقاتل ( بالمعروف ) بأن يطالبه بالدية بلا عنف ، وترتيب الاتباع على العفو يفيد أن الواجب أحدهما وهو أحد قولي الشافعي والثاني الواجب القصاص والدية بدل عنه فلو عفا ولم يسمها فلا شيء ورجح ( و ) على القاتل ( أداء ) الدية ( إليه ) أي العافي وهو الوارث ( بإحسان ) بلا مطل ولا نجس ( ذلك ) الحكم المذكور من جواز القصاص والعفو عنه على الدية ( تخفيف ) تسهيل ( من ربكم ) عليكم ( ورحمة ) بكم حيث وسع في ذلك ولم يحتم واحدا منهما كما حتم على اليهود القصاص وعلى النصارى الدية ( فمن اعتدى ) ظلم القاتل بأن قتله ( بعد ذلك ) أي العفو ( فله عذاب أليم ) مؤلم في الآخرة بالنار أو في الدنيا بالقتل
179. ( ولكم في القصاص حياة ) أي بقاء عظيم ( يا أولي الألباب ) ذوي العقول لأن القاتل إذا علم أنه يقتل ارتدع فأحيا نفسه ومن أراد قتله فشرع ( لعلكم تتقون ) القتل مخافة القود
180. ( كُتب ) فرض ( عليكم إذا حضر أحدَكم الموتُ ) أي أسبابه ( إن ترك خيراً ) مالا ( الوصيَّة ) مرفوع بكتب ومتعلق بإذا إن كانت ظرفية ودال على جوابها إن كانت شرطية وجواب إن أي فليوص ( للوالدين والأقربين بالمعروف ) بالعدل بأن لا يزيد على الثلث ولا يفضل الغني ( حقاً ) مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله ( على المتقين ) الله. وهذا منسوخ بآية الميراث وبحديث: « لا وصية لوارث » رواه الترمذي
181. ( فمن بدّله ) أي الإيصاء من شاهد ووصي ( بعد ما سمعه ) علمه ( فإنما إثمه ) أي الإيصاء المبدل ( على الذين يبدلونه ) فيه إقامة الظاهر مقام المضمر ( إن الله سميع ) لقول الموصي ( عليم ) بفعل الوصي فمجاز عليه
182. ( فمن خاف من مُوصٍ ) مخففا ومثقلا ( جَنَفا ) ميلا عن الحق خطأ ( أو إثما ) بأن تعمد ذلك بالزيادة على الثلث أو تخصيص غني مثلا ( فأصلح بينهم ) بين الموصي والموصى له بالأمر بالعدل ( فلا إثم عليه ) في ذلك ( إن الله غفور رحيم )
183. ( يا أيها الذين آمنوا كُتب ) فرض ( عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) من الأمم ( لعلكم تتقون ) المعاصي فإنه يكسر الشهوة التي هي مبدؤها
184. ( أياماً ) نصب بالصيام أو يصوموا مقدرا ( معدودات ) أي قلائل أو مؤقتات بعدد معلوم وهي رمضان كما سيأتي ، وقلّله تسهيلا على المكلفين ( فمن كان منكم ) حين شهوده ( مريضاً أو على سفر ) أي مسافر سفر القصر وأجهده الصوم في الحالين فأفطر ( فعدة ) فعليه عدة ما أفطر ( من أيام أخر ) يصومها بدله يصومها بدله ( وعلى الذين ) لا ( يطيقونه ) لكبر أو مرض لا يرجى بُرْؤه ( فدية ) هي ( طعام مسكين ) أي قدر ما يأكله في يومه وهو مُدٌّ من غالب قوت البلد لكل يوم ، وفي قراءة بإضافة فدية وهي للبيان وقيل لا غير مقدرة وكانوا مخيرين في صدر الإسلام بين الصوم والفدية ثم نسخ بتعيين الصوم بقوله من شهد منكم الشهر فليصمه ، قال ابن عباس: إلا الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفا على الولد فإنها باقية بلا نسخ في حقهما ( فمن تطوع خيرا ) بالزيادة على القدر المذكور في الفدية ( فهو ) أي التطوع ( خير له ، وأن تصوموا ) مبتدأ خبره ( خير لكم ) من الإفطار والفدية ( إن كنتم تعلمون ) أنه خير لكم فافعلوه
185. تلك الأيام ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، منه ( هدى ) حال هاديا من الضلالة ( للناس وبينات ) آيات واضحات ( من الهدى ) مما يهدي إلى الحق من الأحكام ( و ) من ( الفرقان ) بما يفرق بين الحق والباطل ( فمن شهد ) حضر ( منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) تقدم مثله وكرر لئلا يتوهم نسخه بتعميم من شهد ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ولذا أباح لكم الفطر في المرض والسفر ولكون ذلك في معنى العلة أيضا للأمر بالصوم عطف عليه ( ولتكْمِلوا ) بالتخفيف والتشديد ( العدة ) أي عدة صوم رمضان ( ولتكبروا الله ) عند إكمالها ( على ما هداكم ) أرشدكم لمعالم دينه ( ولعلكم تشكرون ) الله على ذلك
186. وسأل جماعة النبي صلى الله عليه وسلم: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه ، فنزل: ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ) منهم بعلمي فأخبرهم بذلك ( أجيب دعوة الداع إذا دعان ) بإنالته ما سأل ( فليستجيبوا لي ) دعائي بالطاعة ( وليؤمنوا ) يداوموا على الإيمان ( بي لعلهم يرشدون ) يهتدون
187. ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث ) بمعنى الإفضاء ( إلى نسائكم ) بالجماع ، نزل نسخا لما كان في صدر الإسلام على تحريمه وتحريم الأكل والشرب بعد العشاء ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) كناية عن تعانقهما أو احتياج كل منهما إلى صاحبه ( علم الله أنكم كنتم تختانون ) تخونون ( أنفسكم ) بالجماع ليلة الصيام ، وقع ذلك لعمر وغيره واعتذروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( فتاب عليكم ) قبل توبتكم ( وعفا عنكم فالآن ) إذ أحل لكم ( باشروهن ) جامعوهن. ( وابتغوا ) اطلبوا ( ما كتب الله لكم ) أي أباحه من الجماع أو قدَّره من الولد ( وكلوا واشربوا ) الليل كله ( حتى يتبين ) يظهر ( لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ) أي الصادق بيان للخيط الأبيض وبيان الأسود محذوف أي من الليل شبه ما يبدو من البياض وما يمتد معه من الغبش بخيطين أبيض وأسود في الامتداد ( ثم أتموا الصيام ) من الفجر ( إلى الليل ) أي إلى دخوله بغروب الشمس ( ولا تباشروهن ) أي نساءكم ( وأنتم عاكفون ) مقيمون بنية الاعتكاف ( في المساجد ) متعلق بعاكفون ، نهي لمن كان يخرج وهو معتكف فيجامع امرأته ويعود ( تلك ) الأحكام المذكورة ( حدود الله ) حدها لعباده ليقفوا عندها ( فلا تقربوها ) أبلغ من لا تعتدوها المعبر به في آية أخرى ( كذلك ) كما بين لكم ما ذكر ( يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون ) محارمه
188. ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم ) أي يأكل بعضكم مال بعض ( بالباطل ) الحرام شرعا كالسرقة والغصب ولا ( و ) لا ( تدلوا ) تلقوا ( بها ) أي بحكومتها أو بالأموال رشوة ( إلى الحكام لتأكلوا ) بالتحاكم ( فريقا ) طائفة ( من أموال الناس ) متلبسين ( بالإثم وأنتم تعلمون ) أنكم مبطلون
189. ( يسألونك ) يا محمد ( عن الأهلة ) جمع هلال ، لم تبدو دقيقة ثم تزيد حتى تمتلئ نورا ثم تعود كما بدت ولا تكون على حالة واحدة كالشمس ( قل ) لهم ( هي مواقيت ) جمع ميقات ( للناس ) يعلمون بها أوقات زرعهم ومتاجرهم وعدد نسائهم وصيامهم وإفطارهم ( والحج ) عطف على الناس أي يعلم بها وقته فلو استمرت على حالة لم يعرف ذلك ( وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ) في الإحرام بأن تنقبوا فيها نقبا تدخلون منه وتخرجون وتتركوا الباب وكانوا يفعلون ذلك ويزعمونه برا ( ولكن البر ) أي ذا البر ( من اتقى ) الله بترك مخالفته ( وأتوا البيوت من أبوابها ) في الإحرام ( واتقوا الله لعلكم تفلحون ) تفوزون
190. ولما صُدَّ صلى الله عليه وسلم عن البيت عام الحديبية وصالح الكفار على أن يعود العام القابل ويخلوا له مكة ثلاثة أيام وتجهز لعمرة القضاء وخافوا أن لا تفي قريش ويقاتلوهم وكره المسلمون قتالهم في الحرم والإحرام والشهر الحرام نزل ( وقاتلوا في سبيل الله ) أي لإعلاء دينه ( الذين يقاتلونكم ) الكفار ( ولا تعتدوا ) عليهم بالابتداء بالقتال ( إن الله لا يحب المعتدين ) المتجاوزين ما حد لهم ، وهذا منسوخ بآية براءة أوبقوله:
191. ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) وجدتموهم ( وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ) أي من مكة وقد فعل بهم ذلك عام الفتح ( والفتنة ) الشرك منهم ( أشد ) أعظم ( من القتل ) لهم في الحرم أو الإحرام الذي استعظمتموه ( ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام ) أي في الحرم ( حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم ) فيه ( فاقتلوهم ) فيه ، وفي قراءة بلا ألف في الأفعال الثلاثة ( كذلك ) القتل والإخراج ( جزاء الكافرين )
192. ( فإن انتهوا ) عن الكفر وأسلموا ( فإن الله غفور ) لهم ( رحيم ) بهم
193. ( وقاتلوهم حتى لا تكون ) توجد ( فتنة ) شرك ( ويكون الدين ) العبادة ( لله ) وحده لا يعبد سواه ( فإن انتهوا ) عن الشرك فلا تعتدوا عليهم دل على هذا ( فلا عدوان ) اعتداء بقتل أو غيره ( إلا على الظالمين ) ومن انتهى فليس بظالم فلا عدوان عليه
194. ( الشهر الحرام ) المحرم مقابل ( بالشهر الحرام ) فكما قاتلوكم فيه فاقتلوهم في مثله رد لاستعظام المسلمين ذلك ( والحُرُمات ) جمع حُرمة ما يجب احترامه ( قصاص ) أي يقتص بمثلها إذا انتكهت ( فمن اعتدى عليكم ) بالقتال في الحرم أو الإحرام أو الشهر الحرام ( فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) سمى مقابلته اعتداء لشبهها بالمقابل به في الصورة ( واتقوا الله ) في الانتصار وترك الاعتداء ( واعلموا أن الله مع المتقين ) بالعون والنصر
195. ( وأنفقوا في سبيل الله ) طاعته بالجهاد وغيره ( ولا تلقوا بأيديكم ) أي أنفسكم والباء زائدة ( إلى التهلكة ) الهلاك بالإمساك عن النفقة في الجهاد أو تركه لأنه يقوي العدو عليكم ( وأحسنوا ) بالنفقة وغيرها ( إن الله يحب المحسنين ) أي يثيبهم
196. ( وأتموا الحج والعمرة لله ) أدوهما بحقوقهما ( فإن أُحصِرتم ) منعتم عن إتمامها بعدو ( فما استيسر ) تيسر ( من الهدي ) عليكم وهو شاة ( ولا تحلقوا رؤوسكم ) أي لا تتحللوا ( حتى يبلغ الهدي ) المذكور ( محله ) حيث يحل ذبحه وهو مكان الإحصار عند الشافعي فيذبح فيه بنية التحلل ويُفَرَّق على مساكينه ويحلق وبه يحصل التحلل ( فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه ) كقمل وصداع فحلق في الإحرام ( ففدية ) عليه ( من صيام ) الثلاثة أيام ( أو صدقة ) بثلاثة آصع من غالب قوت البلد على ستة مساكين ( أو نسك ) أي ذبح شاة وأو للتخيير وألحق به من حلق لغير عذر لأنه أولى بالكفارة ، وكذا من استمتع بغير الخلق كالطيب واللبس والدهن لعذر أو غيره ( فإذا أمنتم ) العدو بأن ذهب أو لم يكن ( فمن تمتع ) استمتع ( بالعمرة ) أي بسبب فراغه منها بمحظورات الإحرام ( إلى الحج ) أي إلى الإحرام به بأن يكون أحرم بها في أشهره ( فما استيسر ) تيسر ( من الهدي ) عليه وهو شاة يذبحها بعد الإحرام به والأفضل يوم النحر ( فمن لم يجد ) الهدي لفقده أو فقد ثمنه ( فصيام ) أي فعليه صيام ( ثلاثة أيام في الحج ) أي في حال الإحرام به فيجب حينئذ أن يحرم قبل السابع من ذي الحجة والأفضل قبل السادس لكراهة صوم يوم عرفة ولا يجوز صومها أيام التشريق على أصح قولي الشافعي ( وسبعة إذا رجعتم ) إلى وطنكم مكة أو غيرها وقيل إذا فرغتم من أعمال الحج وفيه التفات عن الغيبة ( تلك عشَرَة كاملة ) جملة تأكيد لما قبلها. ( ذلك ) الحكم المذكور من وجوب الهدي أو الصيام على من تمتع ( لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ) بأن لم يكونوا على دون مرحلتين من الحرم عند الشافعي فإن كان فلا دمَ عليه ولا صيام وإن تمتع. وفي ذكر الأهل إشعار باشتراط الاستيطان ، فلو أقام قبل أشهر الحج ولم يستوطن أو تمتع فعليه ذلك وهو أحد وجهين عند الشافعي والثاني لا ، والأهل كناية عن النفس وألحق بالمتمتع فيما ذكر بالسنة القارن وهو من أحرم بالعمرة والحج معا أو يدخل الحج عليها قبل الطواف ( واتقوا الله ) فيما يأمركم به وينهاكم عنه ( واعلموا أن الله شديد العقاب ) لمن خالفه
197. ( الحج ) وقته ( أشهر معلومات ) شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة وقيل كله ( فمن فرض ) على نفسه ( فيهن الحج ) بالإحرام به ( فلا رفثٌ ) جماعٌ فيه ( ولا فسوقٌ ) معاصٍ ( ولا جدالَ ) خصامٌ ( في الحج ) وفي قراءة بفتح الأوَّلَين ، والمراد في الثلاثة النهي ( وما تفعلوا من خير ) كصدقة ( يعلمه الله ) فيجازيكم به ، ونزل في أهل اليمن وكانوا يحجون بلا زاد فيكونون كَلاً على الناس: ( وتزودوا ) ما يبلغكم لسفركم ( فإن خير الزاد التقوى ) ما يتقي به سؤال الناس وغيره ( واتقون يا أولي الألباب ) ذوي العقول
198. ( ليس عليكم جناح ) في ( أن تبتغوا ) تطلبوا ( فضلاً ) رزقا ( من ربكم ) بالتجارة في الحج نزل رداً لكراهتهم ذلك ( فإذا أفضتم ) دفعتم ( من عرفات ) بعد الوقوف بها ( فاذكروا الله ) بعد المبيت بمزدلفة بالتلبية والتهليل والدعاء ( عند المشعر الحرام ) هو جبل في آخر المزدلفة يقال له قُزَح وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم وقف به يذكر الله ويدعو حتى أسفر جدّا. رواه مسلم ( واذكروه كما هداكم ) لمعالم دينه ومناسك حجه والكاف للتعليل ( وإن ) مخففة ( كنتم من قبله ) قبل هداه ( لمن الضالين )
199. ( ثم أفيضوا ) يا قريش ( من حيث أفاض الناس ) أي من عرفة بأن تقفوا بها معهم وكانوا يقفون بالمزدلفة ترفعا عن الوقوف معهم وثم للترتيب في الذكر ( واستغفروا الله ) من ذنوبكم ( إن الله غفور ) للمؤمنين ( رحيم ) بهم
200. ( فإذا قضيتم ) أديتم ( مناسككم ) عبادات حجكم بأن رميتم جمرة العقبة وطفتم واستقررتم بمنى ( فاذكروا الله ) بالتكبير والثناء ( كذكركم آباءكم ) كما كنتم تذكرونهم عند فراغ حجكم بالمفاخرة ( أو أشدَ ذكراً ) من ذكركم إياهم ، ونصب أشدَ على الحال من ذكر المنصوب باذكروا إذ لو تأخر عنه لكان صفة له ( فمن الناس من يقول ربنا آتنا ) نصيباً ( في الدنيا ) فيؤتاه فيها ( وما له في الآخرة من خلاق ) نصيب
151. ( كما أرسلنا ) متعلق بأتم أي إتماما كإتمامها بإرسالنا ( فيكم رسولا منكم ) محمدا صلى الله عليه وسلم ( يتلو عليكم آياتنا ) القرآن ( ويزكيكم ) يطهركم من الشرك ( ويعلمكم الكتاب ) القرآن ( والحكمة ) ما فيه من الأحكام ( ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون )
152. ( فاذكروني ) بالصلاة والتسبيح ونحوه ( أذكركم ) قيل معناه أجازيكم ، وفي الحديث عن الله « من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خيرٍ من ملئه » ( واشكروا لي ) نعمتي بالطاعة ( ولا تكفرون ) بالمعصية
153. ( يا أيها الذين آمنوا استعينوا ) على الآخرة ( بالصبر ) على الطاعة والبلاء ( والصلاة ) خصها بالذكر لتكررها وعظمها ( إن الله مع الصابرين ) بالعون
154. ( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله ) هم ( أموات بل ) هم ( أحياء ) أرواحهم في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت لحديث بذلك ( ولكن لا تشعرون ) تعلمون ما هم فيه
155. ( ولنبلونكم بشيء من الخوف ) للعدو ( والجوع ) القحط ( ونقص من الأموال ) بالهلاك ( والأنفس ) بالقتل والموت والأمراض ( والثمرات ) بالجوائح ، أي لنختبرنكم فننظر أتصبرون أم لا ( وبشر الصابرين ) على البلاء بالجنة
156. وهم ( الذين إذا أصابتهم مصيبة ) بلاء ( قالوا إنا لله ) ملكا وعبيدا يفعل بنا ما يشاء ( وإنا إليه راجعون ) في الآخرة فيجازينا ، وفي الحديث « من استرجع عند المصيبة آجره الله فيها وأخلف الله عليه خيرا » وفيه أن مصباح النبي صلى الله عليه وسلم طفئ فاسترجع فقالت عائشة: إنما هذا مصباح فقال: « كل ما أساء المؤمن فهو مصيبة » رواه أبو داود في مراسيله
157. ( أولئك عليهم صلوات ) مغفرة ( من ربهم ورحمة ) نعمة ( وأولئك هم المهتدون ) إلى الصواب
158. ( إن الصفا والمروة ) جبلان بمكة ( من شعائر الله ) أعلام دينه جمع شعيرة ( فمن حج البيت أو اعتمر ) أي تلبس بالحج أو العمرة ، وأصلهما القصد والزيارة ( فلا جناح عليه ) إثم عليه ( أن يطَّوف ) فيه إدغام التاء في الأصل في الطاء ( بهما ) بأن يسعى بينهما سبعا ، نزلت لما كره المسلمون ذلك لأن أهل الجاهلية كانوا يطوفون بهما وعليهما صنمان يمسحونهما ، وعن ابن عباس أن السعي غير فرض لما أفاده رفع الإثم من التخيير وقال الشافعي وغيره ركن ، وبين صلى الله عليه وسلم فريضته بقوله « إن الله كتب عليكم السعي » رواه البيهقي وغيره وقال « ابدؤوا بما بدأ الله به » يعني الصفا. رواه مسلم ( ومن تطوع ) وفي قراءة بالتحتية وتشديد الطاء مجزوما وفيه إدغام التاء فيها { يطَّوعْ } ( خيرا ) أي بخير ، أي عمل ما لم يجب عليه من طواف وغيره ( فإن الله شاكر ) لعمله بالإثابة عليه ( عليم ) به
159. ونزل في اليهود: ( إن الذين يكتمون ) الناس ( ما أنزلنا من البينات والهدى ) كآية الرجم ونعت محمد صلى الله عليه وسلم ( من بعد ما بيناه للناس في الكتاب ) التوراة ( أولئك يلعنهم الله ) يبعدهم من رحمته ( ويلعنهم اللاعنون ) الملائكة والمؤمنون أو كل شيء بالدعاء عليهم باللعنة
160. ( إلا الذين تابوا ) رجعوا عن ذلك ( وأصلحوا ) عملهم ( وبينوا ) ما كتموا ( فأولئك أتوب عليهم ) أقبل توبتهم ( وأنا التواب الرحيم ) بالمؤمنين
161. ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار ) حال ( أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) أي هم مستحقون ذلك في الدنيا والآخرة. والناس قيل: عام. وقيل: المؤمنون
162. ( خالدين فيها ) أي اللعنة والنار المدلول بها عليها ( لا يخفف عنهم العذاب ) طرفة عين ( ولا هم ينظرون ) يمهلون لتوبة أو لمعذرة
163. ونزل لما قالوا صف لنا ربك: ( وإلهكم ) المستحق للعبادة منكم ( إله واحد ) لا نظير له في ذاته ولا في صفاته ( لا إله إلا هو ) هو ( الرحمن الرحيم ) وطلبوا آية على ذلك فنزل:
164. ( إن في خلق السماوات والأرض ) وما فيهما من العجائب ( واختلاف الليل والنهار ) بالذهاب والمجيء والزيادة والنقصان ( والفلك ) السفن ( التي تجري في البحر ) ولا ترسب موقرة ( بما ينفع الناس ) من التجارات والحمل ( وما أنزل الله من السماء من ماء ) مطر ( فأحيا به الأرض ) بالنبات ( بعد موتها ) يبسها ( وبث ) فرق ونشر به ( فيها من كل دابة ) لأنهم ينمون بالخصب الكائن عنه ( وتصريف الرياح ) تقليبها جنوبا وشمالا حارة وباردة ( والسحاب ) الغيم ( المسخر ) المذلل بأمر الله تعالى يسير إلى حيث شاء الله ( بين السماء والأرض ) بلا علاقة ( لآيات ) دالات على وحدانيته تعالى ( لقوم يعقلون ) يتدبرون
165. ( ومن الناس من يتخذ من دون الله ) أي غيره ( أندادا ) أصناما ( يحبونهم ) بالتعظيم والخضوع ( كحب الله ) أي كحبهم له ( والذين آمنوا أشدُّ حبا لله ) من حبهم للأنداد لأنهم لا يعدلون عنه بحال ما ، والكفار يعدلون في الشدة إلى الله. ( ولو ترى ) تبصر يا محمد ( الذين ظلموا ) باتخاذ الأنداد ( إذ يرون ) بالبناء للفاعل والمفعول يبصرون ( العذاب ) لرأيت أمرا عظيما وإذ بمعنى إذا ( أن ) أي لأن ( القوة ) القدرة والغلبة ( لله جميعا ) حال ( وأن الله شديد العذاب ) وفي قراءة { يرى } والفاعل ضمير السامع ، وقيل الذين ظلموا فهي بمعنى يعلم وأن وما بعدها سدت مسد المفعولين وجواب لو محذوف والمعنى لو علموا في الدنيا شدة عذاب الله وأن القدرة لله وحده وقت معاينتهم له وهو يوم القيامة لما اتخذوا من دونه أندادا
166. ( إذ ) بدل من إذ قبله ( تبرأ الذين اتُّبِعوا ) أي الرؤساء ( من الذين اتَّبَعوا ) أي أنكروا إضلالهم وقد ( و ) قد ( رأَوا العذاب وتقطعت ) عطف على تبرأ ( بهم ) عنهم ( الأسباب ) الوصل التي كانت بينهم في الدنيا من الأرحام والمودة
167. ( وقال الذين اتَّبعوا لو أن لنا كرة ) رجعة إلى الدنيا ( فنتبرأ منهم ) أي المتبوعين ( كما تبرؤوا منا ) اليوم ولو للتمني ونتبرأ جوابه ( كذلك ) أي كما أراهم شدة عذابه وتبرأ بعضهم من بعض ( يريهم الله أعمالهم ) السيئة ( حسرات ) حال ندامات ( عليهم وما هم بخارجين من النار ) بعد دخولها
168. ونزل فيمن حرم السوائب ونحوها: ( يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً ) حال ( طيباً ) صفة مؤكدة أي مستلذاً ( ولا تتبعوا خطوات ) طرق ( الشيطان ) أي تزيينه ( إنه لكم عدو مبين ) بين العداوة
169. ( إنما يأمركم بالسوء ) الإثم ( والفحشاء ) القبيح شرعا ( وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) من تحريم ما لم يحرم وغيره
170. ( وإذا قيل لهم ) أي الكفار ( اتبعوا ما أنزل الله ) من التوحيد وتحليل الطيبات ( قالوا ) لا ( بل نتبع ما ألفينا ) وجدنا ( عليه آباءنا ) من عبادة الأصنام وتحريم السوائب والبحائر. قال تعالى: ( أ ) يتبعونهم ( ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ) من أمر الدين ( ولا يهتدون ) إلى الحق والهمزة للإنكار
171. ( ومثل ) صفة ( الذين كفروا ) ومن يدعوهم إلى الهدى ( كمثل الذي ينعق ) يصوت ( بما لا يسمع إلا دعاء ونداء ) أي صوتا ولا يفهم معناه أي في سماع الموعظة وعدم تدبرها كالبهائم تسمع صوت راعيها ولا تفهمه ، هم ( صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) الموعظة
172. ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ) حلالات ( ما رزقناكم واشكروا لله ) على ما أحل لكم ( إن كنتم إياه تعبدون
173. ( إنما حَرَّم عليكم الميتة ) أي أكلها إذ الكلام فيه وكذا ما بعدها وهي ما لم يذك شرعا ، وألحق بها بالسنة ما أبين من حي وخص منها السمك والجراد ( والدم ) أي المسفوح كما في الأنعام ( ولحم الخنزير ) خص اللحم لأنه معظم المقصود وغيره تبع له ( وما أهل به لغير الله ) أي ذبح على اسم غيره والإهلال رفع الصوت وكانوا يرفعونه عند الذبح لآلهتهم ( فمن اضطر ) أي ألجأته الضرورة إلى أكل شيء مما ذكر فأكله ( غير باغ ) خارج على المسلمين ( ولا عاد ) متعد عليهم بقطع الطريق ( فلا إثم عليه ) في أكله ( إن الله غفور ) لأوليائه ( رحيم ) بأهل طاعته حيث وسع لهم في ذلك ، وخرج الباغي والعادي ويلحق بهما كل عاص بسفره كالآبق والمكَّاس فلا يحل لهم أكل شيء من ذلك ما لم يتوبوا وعليه الشافعي
174. ( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ) المشتمل على نعت محمد صلى الله عليه وسلم وهم اليهود ( ويشترون به ثمنا قليلا ) من الدنيا يأخذونه بدله من سفلتهم فلا يظهرونه خوف فوته عليهم ( أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ) لأنها مآلهم ( ولا يكلمهم الله يوم القيامة ) غضبا عليهم ( ولا يزكيهم ) يطهرهم من دنس الذنوب ( ولهم عذاب أليم ) مؤلم هو النار
175. ( أولئك الذين اشترَوا الضلالة بالهدى ) أخذوها بدله في الدنيا ( والعذاب بالمغفرة ) المعدة لهم في الآخرة لو لم يكتموا ( فما أصبرهم على النار ) أي ما أشد صبرهم ، وهو تعجيب للمؤمنين من ارتكابهم موجباتهم من غير مبالاة وإلا فأيُّ صبرٍ لهم
176. ( ذلك ) الذي ذكر من أكلهم النار وما بعده ( بأن ) بسبب أن ( الله نزل الكتاب بالحق ) متعلق بنزل فاختلفوا فيه حيث آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه بكتمه ( وإن الذين اختلفوا في الكتاب ) بذلك وهم اليهود وقيل المشركون في القرآن حيث قال بعضهم شعر وبعضهم سحر وبعضهم كهانة ( لفي شقاق ) خلاف ( بعيد ) عن الحق
177. ( ليس البرَّ أن تولوا وجوهكم ) في الصلاة ( قبل المشرق والمغرب ) نزل رداً على اليهود والنصارى حيث زعموا ذلك ( ولكن البرَّ ) أي ذا البر وقرئ بفتح الباء أي البار ( من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب ) أي الكتب ( والنبيين وآتى المال على ) مع ( حبه ) له ( ذوي القربى ) القرابة ( واليتامى والمساكين وابن السبيل ) المسافر ( والسائلين ) الطالبين ( وفي ) فك ( الرقاب ) المكاتبين والأسرى ( وأقام الصلاة وآتى الزكاة ) المفروضة وما قبله في التطوع ( والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ) الله أو الناس ( والصابرين ) نصب على المدح ( في البأساء ) شدة الفقر ( والضراء ) المرض ( وحين البأس ) وقت شدة القتال في سبيل الله ( أولئك ) الموصوفون بما ذكر ( الذين صدقوا ) في إيمانهم أو ادعاء البر ( وأولئك هم المتقون ) الله
178. ( يا أيها الذين آمنوا كتب ) فرض ( عليكم القصاص ) المماثلة ( في القتلى ) وصفاً وفعلاً ( الحُرُّ ) يقتل ( بالحر ) ولا يقتل بالعبد ( والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ) وبينت السنة أن الذكر يقتل بها وأنه تعتبر المماثلة في الدين فلا يُقتَل مسلمٌ ولو عبدا بكافر ولو حرا ( فمن عفي له ) من القاتلين ( من ) دم ( أخيه ) المقتول ( شيء ) بأن ترك القصاص منه ، وتنكير شيء يفيد سقوط القصاص بالعفو عن بعضه ومن بعض الورثة ، وفي ذكر أخيه تعطف داع إلى العفو وإيذان بأن القتل لا يقطع أخوة الإيمان ومن مبتدأ شرطية أو موصولة والخبر ( فاتباع ) أي فعلى العافي اتباع للقاتل ( بالمعروف ) بأن يطالبه بالدية بلا عنف ، وترتيب الاتباع على العفو يفيد أن الواجب أحدهما وهو أحد قولي الشافعي والثاني الواجب القصاص والدية بدل عنه فلو عفا ولم يسمها فلا شيء ورجح ( و ) على القاتل ( أداء ) الدية ( إليه ) أي العافي وهو الوارث ( بإحسان ) بلا مطل ولا نجس ( ذلك ) الحكم المذكور من جواز القصاص والعفو عنه على الدية ( تخفيف ) تسهيل ( من ربكم ) عليكم ( ورحمة ) بكم حيث وسع في ذلك ولم يحتم واحدا منهما كما حتم على اليهود القصاص وعلى النصارى الدية ( فمن اعتدى ) ظلم القاتل بأن قتله ( بعد ذلك ) أي العفو ( فله عذاب أليم ) مؤلم في الآخرة بالنار أو في الدنيا بالقتل
179. ( ولكم في القصاص حياة ) أي بقاء عظيم ( يا أولي الألباب ) ذوي العقول لأن القاتل إذا علم أنه يقتل ارتدع فأحيا نفسه ومن أراد قتله فشرع ( لعلكم تتقون ) القتل مخافة القود
180. ( كُتب ) فرض ( عليكم إذا حضر أحدَكم الموتُ ) أي أسبابه ( إن ترك خيراً ) مالا ( الوصيَّة ) مرفوع بكتب ومتعلق بإذا إن كانت ظرفية ودال على جوابها إن كانت شرطية وجواب إن أي فليوص ( للوالدين والأقربين بالمعروف ) بالعدل بأن لا يزيد على الثلث ولا يفضل الغني ( حقاً ) مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله ( على المتقين ) الله. وهذا منسوخ بآية الميراث وبحديث: « لا وصية لوارث » رواه الترمذي
181. ( فمن بدّله ) أي الإيصاء من شاهد ووصي ( بعد ما سمعه ) علمه ( فإنما إثمه ) أي الإيصاء المبدل ( على الذين يبدلونه ) فيه إقامة الظاهر مقام المضمر ( إن الله سميع ) لقول الموصي ( عليم ) بفعل الوصي فمجاز عليه
182. ( فمن خاف من مُوصٍ ) مخففا ومثقلا ( جَنَفا ) ميلا عن الحق خطأ ( أو إثما ) بأن تعمد ذلك بالزيادة على الثلث أو تخصيص غني مثلا ( فأصلح بينهم ) بين الموصي والموصى له بالأمر بالعدل ( فلا إثم عليه ) في ذلك ( إن الله غفور رحيم )
183. ( يا أيها الذين آمنوا كُتب ) فرض ( عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) من الأمم ( لعلكم تتقون ) المعاصي فإنه يكسر الشهوة التي هي مبدؤها
184. ( أياماً ) نصب بالصيام أو يصوموا مقدرا ( معدودات ) أي قلائل أو مؤقتات بعدد معلوم وهي رمضان كما سيأتي ، وقلّله تسهيلا على المكلفين ( فمن كان منكم ) حين شهوده ( مريضاً أو على سفر ) أي مسافر سفر القصر وأجهده الصوم في الحالين فأفطر ( فعدة ) فعليه عدة ما أفطر ( من أيام أخر ) يصومها بدله يصومها بدله ( وعلى الذين ) لا ( يطيقونه ) لكبر أو مرض لا يرجى بُرْؤه ( فدية ) هي ( طعام مسكين ) أي قدر ما يأكله في يومه وهو مُدٌّ من غالب قوت البلد لكل يوم ، وفي قراءة بإضافة فدية وهي للبيان وقيل لا غير مقدرة وكانوا مخيرين في صدر الإسلام بين الصوم والفدية ثم نسخ بتعيين الصوم بقوله من شهد منكم الشهر فليصمه ، قال ابن عباس: إلا الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفا على الولد فإنها باقية بلا نسخ في حقهما ( فمن تطوع خيرا ) بالزيادة على القدر المذكور في الفدية ( فهو ) أي التطوع ( خير له ، وأن تصوموا ) مبتدأ خبره ( خير لكم ) من الإفطار والفدية ( إن كنتم تعلمون ) أنه خير لكم فافعلوه
185. تلك الأيام ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، منه ( هدى ) حال هاديا من الضلالة ( للناس وبينات ) آيات واضحات ( من الهدى ) مما يهدي إلى الحق من الأحكام ( و ) من ( الفرقان ) بما يفرق بين الحق والباطل ( فمن شهد ) حضر ( منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) تقدم مثله وكرر لئلا يتوهم نسخه بتعميم من شهد ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ولذا أباح لكم الفطر في المرض والسفر ولكون ذلك في معنى العلة أيضا للأمر بالصوم عطف عليه ( ولتكْمِلوا ) بالتخفيف والتشديد ( العدة ) أي عدة صوم رمضان ( ولتكبروا الله ) عند إكمالها ( على ما هداكم ) أرشدكم لمعالم دينه ( ولعلكم تشكرون ) الله على ذلك
186. وسأل جماعة النبي صلى الله عليه وسلم: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه ، فنزل: ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ) منهم بعلمي فأخبرهم بذلك ( أجيب دعوة الداع إذا دعان ) بإنالته ما سأل ( فليستجيبوا لي ) دعائي بالطاعة ( وليؤمنوا ) يداوموا على الإيمان ( بي لعلهم يرشدون ) يهتدون
187. ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث ) بمعنى الإفضاء ( إلى نسائكم ) بالجماع ، نزل نسخا لما كان في صدر الإسلام على تحريمه وتحريم الأكل والشرب بعد العشاء ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) كناية عن تعانقهما أو احتياج كل منهما إلى صاحبه ( علم الله أنكم كنتم تختانون ) تخونون ( أنفسكم ) بالجماع ليلة الصيام ، وقع ذلك لعمر وغيره واعتذروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( فتاب عليكم ) قبل توبتكم ( وعفا عنكم فالآن ) إذ أحل لكم ( باشروهن ) جامعوهن. ( وابتغوا ) اطلبوا ( ما كتب الله لكم ) أي أباحه من الجماع أو قدَّره من الولد ( وكلوا واشربوا ) الليل كله ( حتى يتبين ) يظهر ( لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ) أي الصادق بيان للخيط الأبيض وبيان الأسود محذوف أي من الليل شبه ما يبدو من البياض وما يمتد معه من الغبش بخيطين أبيض وأسود في الامتداد ( ثم أتموا الصيام ) من الفجر ( إلى الليل ) أي إلى دخوله بغروب الشمس ( ولا تباشروهن ) أي نساءكم ( وأنتم عاكفون ) مقيمون بنية الاعتكاف ( في المساجد ) متعلق بعاكفون ، نهي لمن كان يخرج وهو معتكف فيجامع امرأته ويعود ( تلك ) الأحكام المذكورة ( حدود الله ) حدها لعباده ليقفوا عندها ( فلا تقربوها ) أبلغ من لا تعتدوها المعبر به في آية أخرى ( كذلك ) كما بين لكم ما ذكر ( يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون ) محارمه
188. ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم ) أي يأكل بعضكم مال بعض ( بالباطل ) الحرام شرعا كالسرقة والغصب ولا ( و ) لا ( تدلوا ) تلقوا ( بها ) أي بحكومتها أو بالأموال رشوة ( إلى الحكام لتأكلوا ) بالتحاكم ( فريقا ) طائفة ( من أموال الناس ) متلبسين ( بالإثم وأنتم تعلمون ) أنكم مبطلون
189. ( يسألونك ) يا محمد ( عن الأهلة ) جمع هلال ، لم تبدو دقيقة ثم تزيد حتى تمتلئ نورا ثم تعود كما بدت ولا تكون على حالة واحدة كالشمس ( قل ) لهم ( هي مواقيت ) جمع ميقات ( للناس ) يعلمون بها أوقات زرعهم ومتاجرهم وعدد نسائهم وصيامهم وإفطارهم ( والحج ) عطف على الناس أي يعلم بها وقته فلو استمرت على حالة لم يعرف ذلك ( وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ) في الإحرام بأن تنقبوا فيها نقبا تدخلون منه وتخرجون وتتركوا الباب وكانوا يفعلون ذلك ويزعمونه برا ( ولكن البر ) أي ذا البر ( من اتقى ) الله بترك مخالفته ( وأتوا البيوت من أبوابها ) في الإحرام ( واتقوا الله لعلكم تفلحون ) تفوزون
190. ولما صُدَّ صلى الله عليه وسلم عن البيت عام الحديبية وصالح الكفار على أن يعود العام القابل ويخلوا له مكة ثلاثة أيام وتجهز لعمرة القضاء وخافوا أن لا تفي قريش ويقاتلوهم وكره المسلمون قتالهم في الحرم والإحرام والشهر الحرام نزل ( وقاتلوا في سبيل الله ) أي لإعلاء دينه ( الذين يقاتلونكم ) الكفار ( ولا تعتدوا ) عليهم بالابتداء بالقتال ( إن الله لا يحب المعتدين ) المتجاوزين ما حد لهم ، وهذا منسوخ بآية براءة أوبقوله:
191. ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) وجدتموهم ( وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ) أي من مكة وقد فعل بهم ذلك عام الفتح ( والفتنة ) الشرك منهم ( أشد ) أعظم ( من القتل ) لهم في الحرم أو الإحرام الذي استعظمتموه ( ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام ) أي في الحرم ( حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم ) فيه ( فاقتلوهم ) فيه ، وفي قراءة بلا ألف في الأفعال الثلاثة ( كذلك ) القتل والإخراج ( جزاء الكافرين )
192. ( فإن انتهوا ) عن الكفر وأسلموا ( فإن الله غفور ) لهم ( رحيم ) بهم
193. ( وقاتلوهم حتى لا تكون ) توجد ( فتنة ) شرك ( ويكون الدين ) العبادة ( لله ) وحده لا يعبد سواه ( فإن انتهوا ) عن الشرك فلا تعتدوا عليهم دل على هذا ( فلا عدوان ) اعتداء بقتل أو غيره ( إلا على الظالمين ) ومن انتهى فليس بظالم فلا عدوان عليه
194. ( الشهر الحرام ) المحرم مقابل ( بالشهر الحرام ) فكما قاتلوكم فيه فاقتلوهم في مثله رد لاستعظام المسلمين ذلك ( والحُرُمات ) جمع حُرمة ما يجب احترامه ( قصاص ) أي يقتص بمثلها إذا انتكهت ( فمن اعتدى عليكم ) بالقتال في الحرم أو الإحرام أو الشهر الحرام ( فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) سمى مقابلته اعتداء لشبهها بالمقابل به في الصورة ( واتقوا الله ) في الانتصار وترك الاعتداء ( واعلموا أن الله مع المتقين ) بالعون والنصر
195. ( وأنفقوا في سبيل الله ) طاعته بالجهاد وغيره ( ولا تلقوا بأيديكم ) أي أنفسكم والباء زائدة ( إلى التهلكة ) الهلاك بالإمساك عن النفقة في الجهاد أو تركه لأنه يقوي العدو عليكم ( وأحسنوا ) بالنفقة وغيرها ( إن الله يحب المحسنين ) أي يثيبهم
196. ( وأتموا الحج والعمرة لله ) أدوهما بحقوقهما ( فإن أُحصِرتم ) منعتم عن إتمامها بعدو ( فما استيسر ) تيسر ( من الهدي ) عليكم وهو شاة ( ولا تحلقوا رؤوسكم ) أي لا تتحللوا ( حتى يبلغ الهدي ) المذكور ( محله ) حيث يحل ذبحه وهو مكان الإحصار عند الشافعي فيذبح فيه بنية التحلل ويُفَرَّق على مساكينه ويحلق وبه يحصل التحلل ( فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه ) كقمل وصداع فحلق في الإحرام ( ففدية ) عليه ( من صيام ) الثلاثة أيام ( أو صدقة ) بثلاثة آصع من غالب قوت البلد على ستة مساكين ( أو نسك ) أي ذبح شاة وأو للتخيير وألحق به من حلق لغير عذر لأنه أولى بالكفارة ، وكذا من استمتع بغير الخلق كالطيب واللبس والدهن لعذر أو غيره ( فإذا أمنتم ) العدو بأن ذهب أو لم يكن ( فمن تمتع ) استمتع ( بالعمرة ) أي بسبب فراغه منها بمحظورات الإحرام ( إلى الحج ) أي إلى الإحرام به بأن يكون أحرم بها في أشهره ( فما استيسر ) تيسر ( من الهدي ) عليه وهو شاة يذبحها بعد الإحرام به والأفضل يوم النحر ( فمن لم يجد ) الهدي لفقده أو فقد ثمنه ( فصيام ) أي فعليه صيام ( ثلاثة أيام في الحج ) أي في حال الإحرام به فيجب حينئذ أن يحرم قبل السابع من ذي الحجة والأفضل قبل السادس لكراهة صوم يوم عرفة ولا يجوز صومها أيام التشريق على أصح قولي الشافعي ( وسبعة إذا رجعتم ) إلى وطنكم مكة أو غيرها وقيل إذا فرغتم من أعمال الحج وفيه التفات عن الغيبة ( تلك عشَرَة كاملة ) جملة تأكيد لما قبلها. ( ذلك ) الحكم المذكور من وجوب الهدي أو الصيام على من تمتع ( لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ) بأن لم يكونوا على دون مرحلتين من الحرم عند الشافعي فإن كان فلا دمَ عليه ولا صيام وإن تمتع. وفي ذكر الأهل إشعار باشتراط الاستيطان ، فلو أقام قبل أشهر الحج ولم يستوطن أو تمتع فعليه ذلك وهو أحد وجهين عند الشافعي والثاني لا ، والأهل كناية عن النفس وألحق بالمتمتع فيما ذكر بالسنة القارن وهو من أحرم بالعمرة والحج معا أو يدخل الحج عليها قبل الطواف ( واتقوا الله ) فيما يأمركم به وينهاكم عنه ( واعلموا أن الله شديد العقاب ) لمن خالفه
197. ( الحج ) وقته ( أشهر معلومات ) شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة وقيل كله ( فمن فرض ) على نفسه ( فيهن الحج ) بالإحرام به ( فلا رفثٌ ) جماعٌ فيه ( ولا فسوقٌ ) معاصٍ ( ولا جدالَ ) خصامٌ ( في الحج ) وفي قراءة بفتح الأوَّلَين ، والمراد في الثلاثة النهي ( وما تفعلوا من خير ) كصدقة ( يعلمه الله ) فيجازيكم به ، ونزل في أهل اليمن وكانوا يحجون بلا زاد فيكونون كَلاً على الناس: ( وتزودوا ) ما يبلغكم لسفركم ( فإن خير الزاد التقوى ) ما يتقي به سؤال الناس وغيره ( واتقون يا أولي الألباب ) ذوي العقول
198. ( ليس عليكم جناح ) في ( أن تبتغوا ) تطلبوا ( فضلاً ) رزقا ( من ربكم ) بالتجارة في الحج نزل رداً لكراهتهم ذلك ( فإذا أفضتم ) دفعتم ( من عرفات ) بعد الوقوف بها ( فاذكروا الله ) بعد المبيت بمزدلفة بالتلبية والتهليل والدعاء ( عند المشعر الحرام ) هو جبل في آخر المزدلفة يقال له قُزَح وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم وقف به يذكر الله ويدعو حتى أسفر جدّا. رواه مسلم ( واذكروه كما هداكم ) لمعالم دينه ومناسك حجه والكاف للتعليل ( وإن ) مخففة ( كنتم من قبله ) قبل هداه ( لمن الضالين )
199. ( ثم أفيضوا ) يا قريش ( من حيث أفاض الناس ) أي من عرفة بأن تقفوا بها معهم وكانوا يقفون بالمزدلفة ترفعا عن الوقوف معهم وثم للترتيب في الذكر ( واستغفروا الله ) من ذنوبكم ( إن الله غفور ) للمؤمنين ( رحيم ) بهم
200. ( فإذا قضيتم ) أديتم ( مناسككم ) عبادات حجكم بأن رميتم جمرة العقبة وطفتم واستقررتم بمنى ( فاذكروا الله ) بالتكبير والثناء ( كذكركم آباءكم ) كما كنتم تذكرونهم عند فراغ حجكم بالمفاخرة ( أو أشدَ ذكراً ) من ذكركم إياهم ، ونصب أشدَ على الحال من ذكر المنصوب باذكروا إذ لو تأخر عنه لكان صفة له ( فمن الناس من يقول ربنا آتنا ) نصيباً ( في الدنيا ) فيؤتاه فيها ( وما له في الآخرة من خلاق ) نصيب
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
تابع سورة البقرة تفسير الجلالين
201. ( ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة ) نعمة ( وفي الآخرة حسنة ) هي الجنة ( وقنا عذاب النار ) بعدم دخولها وهذا بيان لما كان عليه المشركون ولحال المؤمنين والقصد به الحث على طلب خير الدارين كما وعد بالثواب عليه بقوله:
202. ( أولئك لهم نصيب ) ثواب ( مـ ) ن أجل ( ما كسبوا ) عملوا من الحج والدعاء ( والله سريع الحساب ) يحاسب الخلق كلهم في قدر نصف نهار من أيام الدنيا لحديثٍ بذلك
203. ( واذكروا الله ) بالتكبير عند رمي الجمرات ( في أيام معدودات ) أي أيام التشريق الثلاثة ( فمن تعجل ) أي استعجل بالنفر من مِنى ( في يومين ) أي في ثاني أيام التشريق بعد رمي جماره ( فلا إثم عليه ) بالتعجيل ( ومن تأخر ) بها حتى بات ليلة الثالث ورمى جماره ( فلا إثم عليه ) بذلك أي هم مخيرون في ذلك ونفي الإثم ( لمن اتقى ) الله في حجه لأنه الحاج في الحقيقة ( واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون ) في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم
204. ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ) ولا يعجبك في الآخرة لمخالفته لاعتقاده ( ويشهد الله على ما في قلبه ) أنه موافق لقوله ( وهو ألد الخصام ) شديد الخصومة لك ولأتباعك لعداوته لك وهو الأخنس بن شريق كان منافقاً حلوَ الكلام للنبي صلى الله عليه وسلم يحلف أنه مؤمن ومحب له فيدنى مجلسَه فأكذبه الله في ذلك ومرَّ بزرعٍ وحُمُرٍ لبعض المسلمين فأحرقه وعقرها ليلاً كما قال تعالى:
205. ( وإذا تولى ) انصرف عنك ( سعى ) مشى ( في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل ) من جملة الفساد ( والله لا يحب الفساد ) أي لا يرضى به
206. ( وإذا قيل له اتق الله ) في فعلك ( أخذته العزة ) حملته الأنفة والحمية على العمل ( بالإثم ) الذي أمر باتقائه ( فحسبه ) كافيه ( جهنم ولبئس المهاد ) الفراش هي
207. ( ومن الناس من يشري ) يبيع ( نفسه ) أي يبذلها في طاعة الله ( ابتغاء ) طلب ( مرضات الله ) رضاه ، وهو صهيب لما آذاه المشركون هاجر إلى المدينة وترك لهم ماله ( والله رؤوف بالعباد ) حيث أرشدهم لما فيه رضاه
208. ونزل في عبد الله بن سلام وأصحابه لما عظَّموا السبت وكرهوا الإبل بعد الإسلام ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السَّلم ) بفتح السين وكسرها الإسلام ( كافة ) حال من السلم أي في جميع شرائعه ( ولا تتبعوا خطوات ) طرق ( الشيطان ) أي تزيينه بالتفريق ( إنه لكم عدو مبين ) بين العداوة
209. ( فإن زللتم ) ملتم عن الدخول في جميعه ( من بعد ما جاءتكم البينات ) الحجج الظاهرة على أنه حق ( فاعلموا أن الله عزيز ) لا يعجزه شيء عن انتقامه منكم ( حكيم ) في صنعه
210. ( هل ) ما ( ينظرون ) ينتظر التاركون الدخول فيه الدخول فيه ( إلا أن يأتيهم الله ) أي أمره كقوله أو يأتي أمر ربك أي عذابه ( في ظلل ) جمع ظلة ( من الغمام ) السحاب ( والملائكة وقضي الأمر ) تم أمر هلاكهم ( وإلى الله تَرجِع الأمور ) بالبناء للمفعول والفاعل في الآخرة فيجازي كلا بعمله
211. ( سل ) يا محمد ( بني إسرائيل ) تبكيتاً ( كم آتيناهم ) كم استفهامية معلقة سل عن المفعول الثاني وهي ثاني مفعول آتينا ومميزها ( من آية بينة ) ظاهرة كفلق البحر وإنزال المن والسلوى فبدلوها كفرا ( ومن يبدل نعمة الله ) أي ما أنعم به عليه من الآيات لأنها سبب الهداية ( من بعد ما جاءته ) كفراً ( فإن الله شديد العقاب ) له
212. ( زُين للذين كفروا ) من أهل مكة ( الحياة الدنيا ) بالتمويه فأحبوها ( و ) هم ( يسخرون من الذين آمنوا ) لفقرهم كبلال وعمار وصهيب أي يستهزئون بهم ويتعالون عليهم بالمال ( والذين اتقوا ) الشرك وهم هؤلاء ( فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب ) أي رزقاً واسعاً في الآخرة أو الدنيا بأن يملك المسخور منهم أموال الساخرين ورقابهم
213. ( كان الناس أمة واحدة ) على الإيمان فاختلفوا بأن آمن بعض وكفر بعض ( فبعث الله النبيين ) إليهم ( مبشرين ) من آمن بالجنة ( ومنذرين ) من كفر بالنار ( وأنزل معهم الكتاب ) بمعنى الكتب ( بالحق ) متعلق بأنزل ( ليحكم ) به ( بين الناس فيما اختلفوا فيه ) من الدين ( وما اختلف فيه ) أي الدين ( إلا الذين أوتوه ) أي الكتاب فآمن بعض وكفر بعض ( من بعد ما جاءتهم البينات ) الحجج الظاهرة على التوحيد ، ومِن متعلقة بـ اختلف وهي وما بعدها مقدم على الاستثناء في المعنى ( بغياً ) من الكافرين ( بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من ) للبيان ( الحق بإذنه ) بإرادته ( والله يهدي من يشاء ) هدايته ( إلى صراط مستقيم ) طريق الحق
214. ونزل في جهد أصاب المسلمين ( أم ) بل أ ( حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما ) لم ( يأتكم مثل ) شبه ما أتى ( الذين خلوا من قبلكم ) من المؤمنين من المِحَن فتصبروا كما صبروا ( مستهم ) جملة مستأنفة مبينة ما قبلها ( البأساء ) شدة الفقر ( والضراء ) المرض ( وزُلزلوا ) أزعجوا بأنواع البلاء ( حتى يقولَ ) بالنصب والرفع أي قال ( الرسول والذين آمنوا معه ) استبطاء للنصر لتناهي الشدة عليهم ( متى ) يأتي ( نصر الله ) الذي وُعِدناه فأُجيبوا من قبل الله ( ألا إن نصر الله قريب ) إتيانه
215. ( يسألونك ) يا محمد ( ماذا ينفقون ) أي الذي ينفقونه ، والسائل عمرو بن الجموح وكان شيخا ذا مال فسأل صلى الله عليه وسلم عما ينفق وعلى من ينفق ( قل ) لهم ( ما أنفقتم من خير ) بيانٌ لما شامل للقليل والكثير وفيه بيان المنفق الذي هو أحد شقي السؤال وأجاب عن المصرف الذي هو الشق الآخر بقوله: ( فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل ) أي هم أولى به ( وما تفعلوا من خير ) إنفاق أو غيره ( فإن الله به عليم ) فمجاز عليه
216. ( كتب ) فرض ( عليكم القتال ) للكفار ( وهو كره ) مكروه ( لكم ) طبعا لمشقته ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ) لميل النفس إلى الشهوات الموجبة ونفورها عن التكليفات الموجبة لسعادتها فلعل لكم في القتال وإن كرهتموه خيراً لأن فيه إما الظفر والغنيمة أو الشهادة والأجر وفي تركه وإن أحببتموه شرا لأن فيه الذل والفقر وحرمان الأجر ( والله يعلم ) ما هو خير لكم ( وأنتم لا تعلمون ) ذلك فبادروا إلى ما يأمركم به
217. وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم أول سراياه وعليها عبد الله بن جحش فقاتلوا المشركين وقتلوا ابن الحضرمي آخر يوم من جمادى الآخرة والتبس عليهم برجب فعيرهم الكفار باستحلاله فنزل: ( يسألونك عن الشهر الحرام ) المُحرَّم ( قتال فيه ) بدل اشتمال ( قل ) لهم ( قتال فيه كبير ) عظيم وزرا مبتدأ وخبر ( وصد ) مبتدأ منع للناس ( عن سبيل الله ) دينه ( وكفر به ) بالله ( و ) صد عن ( المسجد الحرام ) أي مكة ( وإخراج أهله منه ) وهم النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون وخبر المبتدأ ( أكبر ) أعظم وزرا ( عند الله ) من القتال فيه ( والفتنة ) الشرك منكم ( أكبر من القتل ) لكم فيه ( ولا يزالون ) أي الكفار ( يقاتلونكم ) أيها المؤمنون ( حتى ) كي ( يردوكم عن دينكم ) إلى الكفر ( إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت ) بطلت ( أعمالهم ) الصالحة ( في الدنيا والآخرة ) فلا اعتداد بها ولا ثواب عليها والتقيد بالموت عليه يفيد أنه لو رجع إلى الإسلام لم يبطل عمله فيثاب عليه ولا يعيده كالحج مثلا وعليه الشافعي ( وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
218. ولما ظن السرية أنهم إن سلموا من الإثم فلا يحصل لهم أجر نزل ( إن الذين آمنوا والذين هاجروا ) فارقوا أوطانهم ( وجاهدوا في سبيل الله ) لإعلاء دينه ( أولئك يرجون رحمة الله ) ثوابه ( والله غفور ) للمؤمنين ( رحيم ) بهم
219. ( يسألونك عن الخمر والميسر ) القمار ما حكمهما ( قل ) لهم ( فيهما ) أي في تعاطيهما ( إثم كبير ) عظيم ، وفي قراءة بالمثلثة { كثير } لما يحصل بسببهما من المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش ( ومنافع للناس ) باللذة والفرح في الخمر وإصابة المال بلا كد في الميسر ( وإثمهما ) أي ما ينشأ عنهم من المفاسد ( أكبر ) أعظم ( من نفعهما ) ولما نزلت شربها قوم وامتنع عنها آخرون إلى أن حرمتها آية المائدة ( ويسألونك ماذا ينفقون ) أي ما قدره ( قل ) أنفقوا ( العفوَ ) أي الفاضل عن الحاجة ولا تنفقوا ما تحتاجون إليه وتضيعوا أنفسكم ، وفي قراءة بالرفع بتقدير هو ( كذلك ) أي كما بين لكم ما ذكر ( يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون )
220. ( في ) أمر ( الدنيا والآخرة ) فتأخذون بالأصلح لكم فيهما ( ويسألونك عن اليتامى ) وما يلقونه من الحرج في شأنهم فإن واكلوهم يأثموا وإن عزلوا ما لهم من أموالهم وصنعوا لهم طعاما وحدهم فحرج ( قل إصلاح لهم ) في أموالهم بتنميتها ومداخلتكم ( خير ) من ترك ذلك ( وإن تخالطوهم ) أي تخلطوا نفقتكم بنقتهم ( فإخوانكم ) أي فهم إخوانكم في الدين ومن شأن الأخ أن يخالط أخاه أي فلكم ذلك ( والله يعلم المفسد ) لأموالهم بمخالطته ( من المصلح ) بها فيجازي كلا منهما ( ولو شاء الله لأعنتكم ) لضيق عليكم بتحريم المخالطة ( إن الله عزيز ) غالب على أمره ( حكيم ) في صنعه
221. ( ولا تَنكِحوا ) تتزوجوا أيها المسلمون ( المشركات ) أي الكافرات ( حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ) حرة لأن سبب نزولها العيب على من تزوج أمة وترغيبه في نكاح حرة مشركة ( ولو أعجبتكم ) لجمالها ومالها وهذا مخصوص بغير الكتابيات بآية { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب } ( ولا تُنكِحوا ) تُزوِّجوا ( المشركين ) أي الكفار المؤمنات ( حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ) لماله وجماله ( أولئك ) أي أهل الشرك ( يدعون إلى النار ) بدعائهم إلى العمل الموجب لها فلا تليق مناكحتهم ( والله يدعو ) على لسان رسله ( إلى الجنة والمغفرة ) أي العمل الموجب لهما ( بإذنه ) بإرادته فتجب إجابته بتزويج أوليائه ( ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون ) يتعظون
222. ( ويسألونك عن المحيض ) أي الحيض أو مكانه ماذا يفعل بالنساء فيه ( قل هو أذى ) قذر أو محله ( فاعتزلوا النساء ) اتركوا وطأهن ( في المحيض ) أي وقته أو مكانه ( ولا تقربوهن ) بالجماع ( حتى يطَّهَّرن ) بسكون الطاء وتشديدها والهاء وفيه إدغام التاء في الأصل في الطاء أي يغتسلن بعد انقطاعه ( فإذا تطهرن فأتوهن ) بالجماع ( من حيث أمركم الله ) بتجنبه في الحيض وهو القبل ولا تعدوه إلى غيره ( إن الله يحب ) يثيب ويكرم ( التوابين ) من الذنوب ( ويحب المتطهرين ) من الأقذار
223. ( نساؤكم حرث لكم ) أي محل زرعكم الولد ( فأتوا حرثكم ) أي محله وهو القبل ( أنَّى ) كيف ( شئتم ) من قيام وقعود واضطجاع وإقبال وإدبار ونزل ردا لقول اليهود: من أتى امرأته في قبلها أي من جهة دبرها جاء الولد أحول ( وقدموا لأنفسكم ) العمل الصالح كالتسمية عند الجماع ( واتقوا الله ) في أمره ونهيه ( واعلموا أنكم ملاقوه ) بالبعث فيجازيكم بأعمالكم ( وبشر المؤمنين ) الذين اتقوه بالجنة
224. ( ولا تجعلوا الله ) أي الحلف به ( عرضة ) علة مانعة ( لأيمانكم ) أي نصباً لها بأن تكثروا الحلف به ( أن ) لا ( تبروا وتتقوا ) فتكره اليمين على ذلك ويسن فيه الحنث ويكفِّر بخلافها على فعل البر ونحوه فهي طاعة ( وتصلحوا بين الناس ) المعنى لا تمتنعوا من فعل ما ذكر من البر ونحوه إذا حلفتم عليه بل ائتوه وكفروا لأن سبب نزولها الامتناع من ذلك ( والله سميع ) لأقوالكم ( عليم ) بأحوالكم
225. ( لا يؤاخذكم الله باللغو ) الكائن ( في أيمانكم ) وهو ما يسبق إليه اللسان من غير قصد الحلف نحو والله ، وبلى والله ، فلا إثم عليه ولا كفارة ( ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ) أي قصدته من الإيمان إذا حنثتم ( والله غفور ) لما كان من اللغو ( حليم ) بتأخير العقوبة عن مستحقها
226. ( للذين يؤلون من نسائهم ) أي يحلفون أن لا يجامعوهن ( تربُّص ) انتظار ( أربعة أشهر فإن فاؤوا ) رجعوا فيها أو بعدها عن اليمين إلى الوطء ( فإن الله غفور ) لهم ما أتوه من ضرر المرأة بالحلف ( رحيم ) بهم
227. ( وإن عزموا الطلاق ) أي عليه بأن لم يفيئوا فليوقِعوه ( فإن الله سميع ) لقولهم ( عليم ) بعزمهم المعنى ليس لهم بعد تربص ما ذكر إلا الفيئة أو الطلاق
228. ( والمطلقات يتربصن ) أي لينتظرن ( بأنفسهن ) عن النكاح ( ثلاثة قروء ) تمضي من حين الطلاق ، جمع قَرْء بفتح القاف وهو الطهر أو الحيض قولان وهذا في المدخول بهن أما غيرهن فلا عدة عليهن لقوله { فما لكم عليهن من عدة } وفي غير الآيسة والصغيرة فعدتهن ثلاثة أشهر والحوامل فعدتهن أن يضعن حملهن كما في سورة الطلاق والإماء فعدتهن قَرءان بالسنة ( ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ) من الولد والحيض ( إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن ) أزواجهن ( أحق بردهن ) بمراجعتهن ولو أَبَين ( في ذلك ) أي في زمن التربص ( إن أرادوا إصلاحا ) بينهما لا إضرار المرأة ، وهو تحريض على قصده لا شرط لجواز الرجعة وهذا في الطلاق وأحق لا تفضيل فيه إذ لا حق لغيرهم من نكاحهن في العدة ( ولهن ) على الأزواج ( مثل الذي ) لهم ( عليهن ) من الحقوق ( بالمعروف ) شرعا من حسن العشرة وترك الإضرار ونحو ذلك ( وللرجال عليهن درجة ) فضيلة في الحق من وجوب طاعتهن لهم لما ساقوه من المهر والإنفاق ( والله عزيز ) في ملكه ( حكيم ) فيما دبره لخلقه
229. ( الطلاق ) أي التطليق الذي يراجع بعده ( مرتان ) أي اثنتان ( فإمساك ) أي فعليكم إمساكهن بعده بأن تراجعوهن ( بمعروف ) من غير ضرار ( أو تسريح ) أي إرسال لهن ( بإحسان ولا يحل لكم ) أيها الأزواج ( أن تأخذوا مما آتيتموهن ) من المهور ( شيئا ) إذا طلقتموهن ( إلا أن يخافا ) أي الزوجان ( أ ) ن ( لا يقيما حدود الله ) أي أن لا يأتيا بما حده لهما من الحقوق وفي قراءة { يُخافا } بالبناء للمفعول فأن لا يقيما بدل اشتمال من الضمير فيه وقرئ بالفوقانية في الفعلين ( فإن خفتم أ ) ن ( لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما ) ( فيما افتدت به ) نفسهما من المال ليطلقها أي لا حرج على الزوج في أخذه ولا الزوجة في بذله ( تلك ) الأحكام المذكورة ( حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون )
230. ( فإن طلقها ) الزوج بعد الثنتين ( فلا تحل له من بعد ) أي بعد الطلقة الثالثة ( حتى تنكح ) تتزوج ( زوجا غيره ) ويطأَها كما في الحديث رواه الشيخان ( فإن طلقها ) أي الزوج الثاني ( فلا جناح عليهما ) أي الزوجة والزوج الأول ( أن يتراجعا ) إلى النكاح بعد انقضاء العدة ( إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك ) المذكورات ( حدود الله يبينها لقوم يعلمون ) يتدبرون
231. ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن ) قاربن انقضاء عدتهن ( فأمسكوهن ) بأن تراجعوهن ( بمعروف ) من غير ضرر ( أو سرحوهن بمعروف ) اتركوهن حتى تنتهي عدتهن ( ولا تمسكوهن ) بالرجعة ( ضراراً ) مفعول لأجله ( لتعتدوا ) عليهن بالإلجاء إلى الافتداء والتطليق وتطويل الحبس ( ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ) بتعريضها إلى عذاب الله ( ولا تتخذوا آيات الله هزواً ) مهزوءاً بها بمخالفتها ( واذكروا نعمة الله عليكم ) بالإسلام ( وما أنزل عليكم من الكتاب ) القرآن ( والحكمة ) ما فيه من الأحكام ( يعظكم به ) بأن تشكروها بالعمل به ( واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم ) ولا يخفى عليه شيء
232. ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن ) انقضت عدتهن ( فلا تعضُلوهن ) خطاب للأولياء أي تمنعوهن من ( أن ينكحن أزواجهن ) المطلقين لهن لأن سبب نزولها أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها فأراد أن يراجعها فمنعها معقل بن يسار كما رواه الحاكم ( إذا تراضوا ) أي الأزواج والنساء ( بينهم بالمعروف ) شرعا ( ذلك ) النهي عن العضل ( يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ) لأنه المنتفع به ( ذلكم ) أي ترك العضل ( أزكى ) خير ( لكم وأطهر ) لكم ولهم لما يخشى على الزوجين من الريبة بسبب العلاقة بينهما ( والله يعلم ) ما فيه المصلحة ( وأنتم لا تعلمون ) ذلك فاتبعوا أوامره
233. ( والوالدات يرضعن ) أي ليرضعن ( أولادهن حولين ) عامين ( كاملين ) صفة مؤكدة ، ذلك ( لمن أراد أن يتم الرضاعة ) ولا زيادة عليه ( وعلى المولود له ) أي الأب ( رزقهن ) إطعام الوالدات ( وكسوتهن ) على الإرضاع إذا كن مطلقات ( بالمعروف ) بقدر طاقته ( لا تكلف نفس إلا وسعها ) طاقتها ( لا تضار والدة بولدها ) أي بسببه بأن تكره على إرضاعه إذا امتنعت ( ولا ) يضار ( مولود له بولده ) أي بسببه بأن يكلف فوق طاقته وإضافة الولد إلى كل منهما في الموضعين للاستعطاف ( وعلى الوارث ) أي وارث الأب وهو الصبي أي على وَلِّيه في ماله ( مثل ذلك ) الذي على الأب للوالدة من الرزق والكسوة ( فإن أرادا ) أي الوالدان ( فصالا ) فطاما له قبل الحولين صادرا ( عن تراض ) اتفاق ( منهما وتشاور ) بينهما لتظهر مصلحة الصبي فيه ( فلا جناح عليهما ) في ذلك ( وإن أردتم ) خطاب للآباء ( أن تسترضعوا أولادكم ) مراضع غير الوالدات ( فلا جناح عليكم ) فيه ( إذا سلمتم ) إليهن ( ما آتيتم ) أي أردتم إيتاءه لهن من الأجرة ( بالمعروف ) بالجميل كطيب النفس ( واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير ) لا يخفى عليه شيء منه
234. ( والذين يتوفون ) يموتون ( منكم ويذرون ) يتركون ( أزواجاً يتربصن ) أي ليتربصن ( بأنفسهن ) بعدهم عن النكاح ( أربعة أشهر وعشرا ) من الليالي وهذا في غير الحوامل وأما الحوامل فعدتهن أن يضعن حملهن بآية الطلاق والأمة على النصف من ذلك بالسنة ( فإذا بلغن أجلهن ) انقضت مدة تربصهن ( فلا جناح عليكم ) أيها الأولياء ( فيما فعلن في أنفسهن ) من التزين والتعرض للخطاب ( بالمعروف ) شرعا ( والله بما تعملون خبير ) عالم بباطنه كظاهره
235. ( ولا جناح عليكم فيما عرَّضتم ) لوحتم ( به من خطبة النساء ) المتوفى عنهن أزواجهن في العدة كقول الإنسان مثلا: إنك لجميلة ، ومن يجد مثلك ، ورب راغب فيك ( أو أكننتم ) أضمرتم ( في أنفسكم ) من قصد نكاحهن ( علم الله أنكم ستذكرونهن ) بالخطبة ولا تصبرون عنهن فأباح لكم التعريض ( ولكن لا تواعدوهن سرا ) أي نكاحا ( إلا ) لكن ( أن تقولوا قولا معروفا ) أي ما عرف شرعا من التعريض فلكم ذلك ( ولا تعزموا عقدة النكاح ) أي على عقده ( حتى يبلغ الكتاب ) أي المكتوب من العدة ( أجله ) بأن تنتهي ( واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم ) من العزم وغيره ( فاحذروه ) أن يعاقبكم إذا عزمتم ( واعلموا أن الله غفور ) لمن يحذره ( حليم ) بتأخير العقوبة عن مستحقها
236. ( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تَمَسوهن ) وفي قراءة { تُماسُّوهنَّ } أي تجامعوهن ( أو ) لم ( تفرضوا لهن فريضة ) مهرا ، وما مصدرية ظرفية أي لا تبعة عليكم237. ( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ) يجب لهن ويرجع لكم النصف ( إلا ) لكن ( أن يعفون ) أي الزوجات فيتركنه ( أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ) وهو الزوج فيترك لها الكل ، وعن ابن عباس: الولي إذا كانت محجورة فلا حرج في ذلك ( وأن تعفوا ) مبتدأ خبره ( أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم ) أي أن يتفضل بعضكم على بعض ( إن الله بما تعملون بصير ) فيجازيكم به
238. ( حافظوا على الصلوات ) الخمس بأدائها في أوقاتها ( والصلاة الوسطى ) هي العصر أو الصبح أو الظهر أو غيرها أقوال وأفردها بالذكر لفضلها ( وقوموا لله ) في الصلاة ( قانتين ) قيل مطيعين لقوله صلى الله عليه وسلم: « كل قنوت في القرآن فهو طاعة » رواه أحمد وغيره ، وقيل ساكتين لحديث زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ، رواه الشيخان
239. ( فإن خفتم ) من عدو أو سيل أو سبع ( فرجالاً ) جمع راجل أي مشاة صلوا ( أو ركبانا ) جمع راكب أي كيف أمكن مستقبلي القبلة أو غيرها ويومئ بالركوع والسجود ( فإذا أمنتم ) من الخوف ( فاذكروا الله ) أي صلوا ( كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ) قبل تعليمه من فرائضها وحقوقها والكاف بمعنى مثل وما مصدرية أو موصولة
240. ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً ) فليوصوا ( وصيةً ) وفي قراءة بالرفع أي عليهم ( لأزواجهم ) وليعطوهن ( متاعاً ) ما يتمتعن به من النفقة والكسوة ( إلى ) تمام ( الحول ) من موتهم الواجب عليهن تربصه ( غير إخراج ) حال أي غير مخرجات من مسكنهن ( فإن خرجن ) بأنفسهن ( فلا جناح عليكم ) يا أولياء الميت ( في ما فعلن في أنفسهن من معروف ) شرعا كالتزين وترك الإحداد وقطع النفقة عنها ( والله عزيز ) في ملكه ( حكيم ) في صنعه ، والوصية المذكورة منسوخة بآية الميراث وتربص الحول بآية أربعة أشهرٍ وعشراً السابقة المتأخرة في النزول ، والسُكنى ثابتة لها عند الشافعي رحمه الله
241. ( وللمطلقات متاع ) يعطينه ( بالمعروف ) بقدر الإمكان ( حقا ) نصب بفعله المقدر ( على المتقين ) الله تعالى كرره ليعم الممسوسة أيضا إذ الآية السابقة في غيرها
242. ( كذلك ) كما يبين لكم ما ذكر ( يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون ) تتدبرون
243. ( ألم تر ) استفهام تعجب وتشويق إلى استماع ما بعده أي ينته علمك ( إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف ) أربعة أوثمانية أو عشرة أو ثلاثون أو أربعون أو سبعون ألفا ( حذر الموت ) مفعول له وهم قوم من بني إسرائيل وقع الطاعون ببلادهم ففروا ( فقال لهم الله موتوا ) فماتوا ( ثم أحياهم ) بعد ثمانية أيام أو أكثر بدعاء نبيهم حِزْقيل بكسر المهملة والقاف وسكون الزاي [ وهو نبي الله ذي الكفل ] فعاشوا دهرا عليهم أثر الموت لا يلبسون ثوبا إلا عاد كالكفن واستمرت في أسباطهم ( إن الله لذو فضل على الناس ) ومنه إحياء هؤلاء ( ولكن أكثر الناس ) وهم الكفار ( لا يشكرون ) والقصد من ذكر خبر هؤلاء تشجيع المؤمنين على القتال ولذا عطف عليه
244. ( وقاتلوا في سبيل الله ) أي لإعلاء دينه ( واعلموا أن الله سميع ) لأقوالكم ( عليم ) بأحوالكم فمجازيكم
245. ( من ذا الذي يقرض الله ) بإنفاق ماله في سبيل الله ( قرضاً حسناً ) بأن ينفقه لله عز وجل عن طيب قلب ( فيضاعفَه ) وفي قراءة { فيضعِّفه } بالتشديد ( له أضعافا كثيرة ) من عشر إلى أكثر من سبعمائة كما سيأتي ( والله يقبض ) يمسك الرزق عمن يشاء ابتلاء ( ويبسط ) يوسعه لمن يشاء امتحانا ( وإليه ترجعون ) في الآخرة بالبعث فيجازيكم بأعمالكم
246. ( ألم تر إلى الملأ ) الجماعة ( من بني إسرائيل من بعد ) موت ( موسى ) أي إلى قصتهم وخبرهم ( إذ قالوا لنبي لهم ) هو شمويل ( ابعث ) أقم ( لنا ملِكا نقاتل ) معه ( في سبيل الله ) تنتظم به كلمتنا ونرجع إليه ( قال ) النبي لهم ( هل عسيتم ) بالفتح والكسر ( إن كتب عليكم القتال أ ) ن ( لا تقاتلوا ) خبر عسى والاستفهام لتقرير التوقيع بها ( قالوا وما لنا أ ) ن ( لا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ) بسببهم وقتلهم وقد فعل بهم ذلك قوم جالوت أي لا مانع منه مع وجود مقتضيه ، قال تعالى: ( فلما كتب عليهم القتال تولوا ) عنه وجبنوا ( إلا قليلا منهم ) وهم الذين عبروا النهر مع طالوت كما سيأتي ( والله عليم بالظالمين ) فمجازيهم وسأل النبيُّ إرسالَ ملكٍ فأجابه إلى إرسال طالوت
247. ( وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملِكاً قالوا أنى ) كيف ( يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ) لأنه ليس من سبط المملكة ولا النبوة وكان دباغا أو راعيا ( ولم يؤت سعة من المال ) يستعين بها على إقامة الملك ( قال ) النبي لهم ( إن الله اصطفاه ) اختاره للملك ( عليكم وزاده بسطة ) سعة ( في العلم والجسم ) وكان أعلم بني إسرائيل يومئذ وأجملهم وأتمهم خلقا ( والله يؤتي ملكه من يشاء ) إيتاءه لا اعتراض عليه ( والله واسع ) فضله ( عليم ) بمن هو أهل له
248. ( وقال لهم نبيهم ) لما طلبوا منه آية على ملكه ( إن آية مُلْكِه أن يأتيكم التابوت ) الصندوق كان فيه صور الأنبياء أنزله الله على آدم واستمر إليهم فغلبهم العمالقة عليه وأخذوه وكانوا يستفتحون به على عدوهم ويقدمونه في القتال ويسكنون إليه كما قال تعالى ( فيه سكينة ) طمأنينة لقلوبكم ( من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون ) وهي نعلا موسى وعصاه وعمامة هارون وقفيز من المن الذي كان ينزل عليهم ورضاض من الألواح ( تحمله الملائكة ) حال من فاعل يأتيكم ( إن في ذلك لآية لكم ) على ملكه ( إن كنتم مؤمنين ) فحملته الملائكة بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت فأقروا بملكه وتسارعوا إلى الجهاد فاختار من شبابهم سبعين ألفا
249. ( فلما فصل ) خرج ( طالوت بالجنود ) من بيت المقدس وكان الحر شديدا وطلبوا منه الماء ( قال إن الله مبتليكم ) مختبركم ( بنهَر ) ليظهر المطيع منكم والعاصي وهو بين الأردن وفلسطين ( فمن شرب منه ) أي من ماءه ( فليس مني ) أي من أتباعي ( ومن لم يطعمه ) يذقه ( فإنه مني إلا من اغترف غُرفة ) بالفتح والضم ( بيده ) فاكتفى بها ولم يزد عليها فإنه مني ( فشربوا منه ) فلما وافوه بكثرة ( إلا قليلاً منهم ) فاقتصروا على الغرفة روي أنها كفتهم لشربهم ودوابهم وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ( فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه ) وهم الذين اقتصروا على الغرفة ( قالوا ) أي الذين شربوا ( لا طاقة ) قوة ( لنا اليوم بجالوت وجنوده ) أي بقتالهم وجبنوا ولم يجاوزوه ( قال الذين يظنون ) يوقنون ( أنهم ملاقوا الله ) بالبعث وهم الذين جاوزوه ( كم ) خبرية بمعنى كثير ( من فئة ) جماعة ( قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ) بإرادته ( والله مع الصابرين ) بالعون والنصر
250. ( ولما برزوا لجالوت وجنوده ) أي ظهروا لقتالهم وتصافوا ( قالوا ربنا أفرغ ) أصبب ( علينا صبرا وثبت أقدامنا ) بتقوية قلوبنا على الجهاد ( وانصرنا على القوم الكافرين )
251. ( فهزموهم ) كسروهم ( بإذن الله ) بإرادته ( وقتل داود ) وكان في عسكر طالوت ( جالوت وآتاه ) أي داود ( الله الملك ) في بني إسرائيل ( والحكمة ) النبوة بعد موت شمويل وطالوت ولم يجتمعا لأحد قبله ( وعلمه مما يشاء ) كصنعة الدروع ومنطق الطير ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ) بدل بعض من الناس ( ببعض لفسدت الأرض ) بغلبة المشركين وقتل المسلمين وتخريب المساجد ( ولكن الله ذو فضل على العالمين ) فدفع بعضهم ببعض
252. ( تلك ) هذه الآيات ( آيات الله نتلوها ) نقصها ( عليك ) يا محمد ( بالحق ) بالصدق ( وإنك لمن المرسلين ) التأكيد بإن وغيرها رداً لقول الكفار له لست مرسلا
253. ( تلك ) مبتدأ ( الرسل ) صفة أو خبر ( فضلنا بعضهم على بعض ) بتخصيصه بمنقبة ليست بغيره ( منهم من كلم اللهُ ) كموسى ( ورفع بعضهم ) أي محمداً صلى الله عليه وسلم ( درجات ) على غيره بعموم الدعوة وختْم النبوة وتفضيل أمته على سائر الأمم والمعجزات المتكاثرة والخصائص العديدة ( وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه ) قويناه ( بروح القُدُس ) جبريل يسير معه حيث سار ( ولو شاء الله ) لهدى الناس جميعا ( ما اقتتل الذين من بعدهم ) بعد الرسل أي أممهم ( من بعد ما جاءتهم البينات ) لاختلافهم وتضليل بعضهم بعضا ( ولكن اختلفوا ) لمشيئته ذلك ( فمنهم من آمن ) ثبت على إيمانه ( ومنهم من كفر ) كالنصارى بعد المسيح ( ولو شاء الله ما اقتتلوا ) تأكيد ( ولكن الله يفعل ما يريد ) من توفيق من شاء وخذلان من شاء
254. ( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم ) زكاته ( من قبل أن يأتي يوم لا بيعَ ) فداء ( فيه ولا خُلَّةَ ) صداقة تنفع ( ولا شفاعةَ ) بغير إذنه وهو يوم القيامة ، وفي قراءة برفع الثلاثة ( والكافرون ) بالله أو بما فرض عليهم ( هم الظالمون ) لوضعهم أمر الله في غير محله
255. ( الله لا إله ) أي لا معبود بحق في الوجود ( إلا هو الحي ) الدائم بالبقاء ( القيوم ) المبالغ في القيام بتدبير خلقه ( لا تأخذه سِنةٌ ) نعاس ( ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض ) ملكا وخلقا وعبيدا ( من ذا الذي ) أي لا أحد ( يشفع عنده إلا بإذنه ) له فيها ( يعلم ما بين أيديهم ) أي الخلق ( وما خلفهم ) أي من أمر الدنيا والآخرة ( ولا يحيطون بشيء من علمه ) أي لا يعلمون شيئا من معلوماته ( إلا بما شاء ) أن يعلمهم به منها بإخبار الرسل ( وسع كرسيه السماواتِ والأرضَ ) قيل أحاط علمه بهما وقيل الكرسي نفسه مشتمل عليهما لعظمته ، لحديث: « ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس » . ( ولا يؤوده ) يثقله ( حفظهما ) أي السماوات والأرض ( وهو العلي ) فوق خلقه بالقهر ( العظيم ) الكبير
256. ( لا إكراه في الدين ) على الدخول فيه ( قد تبين الرشد من الغي ) أي ظهر بالآيات البينات أن الإيمان رشد والكفر غي نزلت فيمن كان له من الأنصار أولاد أراد أن يكرههم على الإسلام ( فمن يكفر بالطاغوت ) الشيطان أو الأصنام وهو يطلق على المفرد والجمع ( ويؤمن بالله فقد استمسك ) تمسك ( بالعروة الوثقى ) بالعقد المحكم ( لا انفصام ) انقطاع ( لها والله سميع ) بما يقال ( عليم ) بما يفعل
257. ( الله ولي ) ناصر ( الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات ) الكفر ( إلى النور ) الإيمان ( والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ) ذكر الإخراج إما في مقابلة قوله { يخرجهم من الظلمات } أو في كل من أمن بالنبي قبل بعثته من اليهود ثم كفر به ( أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
258. ( ألم تر إلى الذي حاجَّ ) جادل ( إبراهيم في ربه ) لـ ( أن آتاه الله الملك ) أي حمله بطره بنعمة الله على ذلك وهو نمرود ( إذ ) بدل من حاجَّ ( قال إبراهيم ) لما قال له من ربك الذي تدعونا إليه ، ( ربيَّ الذي يحيي ويميت ) أي يخلق الحياة والموت في الأجساد ( قال ) هو ( أنا أحيي وأميت ) بالقتل والعفو عنه ودعا برجلين فقتل أحدهما وترك الآخر ، فلما رآه غبياً ( قال إبراهيم ) منتقلا إلى حجة أوضح منها ( فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها ) أنت ( من المغرب فبهت الذي كفر ) تحير ودهش ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) بالكفر إلى محجة الاحتجاج
259. ( أو ) رأيت ( كالذي ) الكاف زائدة ( مر على قرية ) هي بيت المقدس راكبا على حمار ومعه سلة تين وقدح عصير وهو عزير ( وهي خاوية ) ساقطة ( على عروشها ) سقوطها لما خربها بُخْتُنَصَّر ( قال أنى ) كيف ( يحيي هذه الله بعد موتها ) استعظاماً لقدرته تعالى ( فأماته الله ) وألبثه ( مائة عام ثم بعثه ) أحياه ليريه كيفية ذلك ( قال ) تعالى له ( كم لبثت ) مكثت هنا ( قال لبثت يوماً أو بعض يوم ) لأنه نام أول النهار فقبض وأُحيي عند الغروب فظن أنه يوم النوم ( قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك ) التين ( وشرابك ) العصير ( لم يتسنَّه ) لم يتغير مع طول الزمان ، والهاء قيل أصل من سانهت وقيل للسكت من سانيت وفي قراءة بحذفها ( وانظر إلى حمارك ) كيف هو فرآه ميتا وعظامه بيض تلوح! فعلنا ذلك لتعلم ( ولنجعلك آية ) على البعث ( للناس وانظر إلى العظام ) من حمارك ( كيف نُنشزها ) نحييها بضم النون وقرئ بفتحها من أنشز ونشز لغتان وفي قراءة { ننشرها } بالراء نحركها ونرفعها ( ثم نكسوها لحماً ) فنظر إليها وقد تركبت وكسيت لحما ونفخ فيه الروح ونهق ( فلما تبين له ) ذلك بالمشاهدة ( قال أعلم ) علم مشاهدة ( أن الله على كل شيء قدير ) وفي قراءة { اعْلَمْ } أمر من الله له
260. ( و ) اذكر ( إذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال ) تعالى له ( أولم تؤمن ) بقدرتي على الإحياء ، سأله مع علمه بإيمانه بذلك ليجيبه بما أجاب فيعلم السامعون غرضه ( قال بلى ) آمنت ( ولكن ) سألتك ( ليطمئن ) يسكن ( قلبي ) بالمعاينة المضمومة إلى الاستدلال ( قال فخذ أربعة من الطير فصِرهن إليك ) بكسر الصاد وضمها ، أملهن إليك وقطعهن واخلط لحمهن وريشهن ( ثم اجعل على كل جبل ) من جبال أرضك ( منهن جزءاً ثم ادعهن ) إليك ( يأتينك سعيا ) سريعا ( واعلم أن الله عزيز ) لا يعجزه شيء ( حكيم ) في صنعه فأخذ طاووسا ونسرا وغرابا وديكا وفعل بهن ما ذكر وأمسك رؤوسهن عنده ودعاهن فتطايرت الأجزاء إلى بعضها حتى تكاملت ثم أقبلت إلى رؤوسها
261. ( مثل ) صفة نفقات ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ) أي طاعته ( كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) فكذلك نفقاتهم تضاعفت لسبعمائة ضعف ( والله يضاعف ) أكثر من ذلك ( لمن يشاء والله واسع ) فضله ( عليم ) بمن يستحق المضاعفة
262. ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منَّا ) على المنفق عليه بقولهم مثلا: قد أحسنت إليه وجبرت حاله ( ولا أذى ) له بذكر ذلك إلى من لا يحب وقوفه عليه ونحوه ( لهم أجرهم ) ثواب إنفاقهم ( عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) في الآخرة
263. ( قول معروف ) كلام حسن ورد على السائل جميل ( ومغفرة ) له في إلحاحه ( خير من صدقة يتبعها أذى ) بالمن وتعيير له بالسؤال ( والله غني ) عن صدقة العباد ( حليم ) بتأخير العقوبة عن المان والمؤذي
264. ( يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم ) أي أجورها ( بالمن والأذى ) إبطالاً ( كالذي ) أي كإبطال نفقة الذي ( ينفق ماله رئاء الناس ) مرائياً لهم ( ولا يؤمن بالله واليوم الآخر ) هو المنافق ( فمثله كمثل صفوان ) حجر أملس ( عليه تراب فأصابه وابل ) مطر شديد ( فتركه صلداً ) صلباً أملس لا شيء عليه ( لا يقدرون ) استئناف لبيان مثل المنافق المنفق رئاء الناس وجمع الضمير باعتبار معنى الذي ( على شيء مما كسبوا ) عملوا أي لا يجدون له ثوابا في الآخرة كما لا يوجد على الصفوان شيء من التراب الذي كان عليه لإذهاب المطر له ( والله لا يهدي القوم الكافرين )
265. ( ومثل ) نفقات ( الذين ينفقون أموالهم ابتغاء ) طلب ( مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم ) أي تحقيقا للثواب عليه بخلاف المنافقين الذين لا يرجونه لإنكارهم له ومن ابتدائية ( كمثل جنة ) بستان ( برُبوة ) بضم الراء وفتحها مكان مرتفع مستو ( أصابها وابل ) [ مطر غزير ] ( فآتت ) أعطت ( أكْلها ) بضم الكاف وسكونها ثمرها ( ضعفين ) مثلي ما يثمر غيرها ( فإن لم يصبها وابل فطلٌّ ) مطر خفيف يصيبها ويكفيها لارتفاعها ، المعنى: تثمر وتزكو كثر المطر أم قل فكذلك نفقات من ذكر تزكو عند الله كثرت أم قلت ( والله بما تعملون بصير ) فيجازيكم به
266. ( أيود ) أيحب ( أحدكم أن تكون له جنة ) بستان ( من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها ) ثمر ( من كل الثمرات و ) قد ( أصابه الكبر ) فضعف من الكبر عن الكسب ( وله ذرية ضعفاء ) أولاد صغار لا يقدرون عليه ( فأصابها إعصار ) ريح شديدة ( فيه نار فاحترقت ) ففقدها أحوج ما كان إليها وبقي هو وأولاده عجزة متحيرين لا حيلة لهم وهذا تمثيل لنفقة المرائي والمان في ذهابها وعدم نفعها أحوج ما يكون إليها في الآخرة والاستفهام بمعنى النفي ، وعن ابن عباس هو الرجل عمل بالطاعات ثم بعث له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أحرق أعماله ( كذلك ) كما بين ما ذكر ( يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون ) فتعتبرون
267. ( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا ) أي زكوا ( من طيبات ) جياد ( ما كسبتم ) من المال ( ومـ ) ـن طيبات ( ما أخرجنا لكم من الأرض ) من الحبوب والثمار ( ولا تيمموا ) تقصدوا ( الخبيث ) الرديء ( منه ) أي المذكور ( تنفقونـ ) ـه في الزكاة ، حال من ضمير تيمموا ( ولستم بآخذيه ) أي الخبيث لو أعطيتموه في حقوقكم ( إلا أن تغمضوا فيه ) بالتساهل وغض البصر فكيف تؤدون منه حق الله ( واعلموا أن الله غني ) عن نفقاتكم ( حميد ) محمود على كل حال
268. ( الشيطان يعدكم الفقر ) يخوفكم به إن تصدقتم فتمسكوا ( ويأمركم بالفحشاء ) البخل ومنع الزكاة ( والله يعدكم ) على الإنفاق ( مغفرة منه ) لذنوبكم ( وفضلا ) رزقا خلفا منه ( والله واسع ) فضله ( عليم ) بالمنفق
269. ( يؤتي الحكمة ) أي العلم النافع المؤدي إلى العمل ( من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) لمصيره إلى السعادة الأبدية ( وما يذَّكر ) فيه إدغام التاء في الأصل في الذال يتعظ ( إلا أولوا الألباب ) أصحاب العقول
270. ( وما أنفقتم من نفقة ) أديتم من زكاة أو صدقة ( أو نذرتم من نذر ) فوفيتم به ( فإن الله يعلمه ) فيجازيكم عليه ( وما للظالمين ) بمنع الزكاة والنذر أو بوضع الإنفاق في غير محله من معاصي الله ( من أنصار ) مانعين لهم من عذابه
271. ( إن تبدوا ) تظهروا ( الصدقات ) أي النوافل ( فنعمَّا هي ) أي نعم شيئا إبداؤها ( وإن تخفوها ) تسروها ( وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ) من إبدائها وإيتائها الأغنياء أما صدقة الفرض فالأفضل إظهارها ليقتدى به ولئلا يتهم وإيتاؤها الفقراء متعين ( ويُكَفِّرْ ) بالياء والنون مجزوما بالعطف على محل فهو ومرفوعا على الاستئناف ( عنكم من ) بعض ( سيئاتكم والله بما تعملون خبير ) عالم بباطنه كظاهره لا يخفى عليه شيء منه
272. ولما منع صلى الله عليه وسلم من التصدق على المشركين ليسلموا نزل: ( ليس عليك هداهم ) أي الناس إلى الدخول في الإسلام إنما عليك البلاغ ( ولكن الله يهدي من يشاء ) هدايته إلى الدخول فيه ( وما تنفقوا من خير ) مال ( فلأنفسكم ) لأن ثوابه لها ( وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله ) أي ثوابه لا غيره من أعراض الدنيا خبر بمعنى النهي ( وما تنفقوا من خير يوف إليكم ) جزاؤه ( وأنتم لا تظلمون ) تنقصون منه شيئا والجملتان تأكيد للأولى
273. ( للفقراء ) خبر مبتدأ محذوف أي الصدقات ( الذين أحصروا في سبيل الله ) أي حبسوا أنفسهم على الجهاد ، نزلت في أهل الصفة وهم أربعمائة من المهاجرين أرصدوا لتعلم القرآن والخروج مع السرايا ( لا يستطيعون ضربا ) سفراً ( في الأرض ) للتجارة والمعاش لشغلهم عنه بالجهاد ( يحسبهم الجاهل ) بحالهم ( أغنياء من التعفف ) أي لتعففهم عن السؤال وتركه ( تعرفهم ) يا مخاطب ( بسيماهم ) علامتهم من التواضع وأثر الجهد ( لا يسألون الناس ) شيئاً فيلحفون ( إلحافا ) أي لا سؤال لهم أصلا فلا يقع منهم إلحاف وهو الإلحاح ( وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم ) فمجاز عليه
274. ( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )
275. ( الذين يأكلون الربا ) أي يأخذونه وهو الزيادة في المعاملة بالنقود والمطعومات في القدر أو الأجل ( لا يقومون ) من قبورهم ( إلا ) قياما ( كما يقوم الذي يتخبطه ) يصرعه ( الشيطان من المَسِّ ) الجنون ، متعلق بيقومون ( ذلك ) الذي نزل بهم ( بأنهم ) بسبب أنهم ( قالوا إنما البيع مثل الربا ) في الجواز وهذا من عكس التشبيه مبالغة فقال تعالى ردا عليهم ( وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه ) بلغه ( موعظة ) وعظ ( من ربه فانتهى ) عن أكله ( فله ما سلف ) قبل النهي أي لا يسترد منه ( وأمره ) في العفو عنه ( إلى الله ومن عاد ) إلى أكله مشبها له بالبيع في الحل ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
276. ( يمحق الله الربا ) ينقصه ويذهب بركته ( ويربي الصدقات ) يزيدها وينميها ويضاعف ثوابها ( والله لا يحب كل كفار ) بتحليل الربا ( أثيم ) فاجر بأكله أي يعاقبه
277. ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )
278. ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ) اتركوا ( ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ) صادقين في إيمانكم فإن من شأن المؤمن امتثال أمر الله تعالى ، نزلت لما طالب بعض الصحابة بعد النهي بربا كان لهم من قبل
279. ( فإن لم تفعلوا ) ما أمرتم به ( فأذنوا ) اعلموا ( بحرب من الله ورسوله ) لكم فيه تهديد شديد لهم ولما نزلت قالوا لا يد لنا بحربه ( وإن تبتم ) رجعتم عنه ( فلكم رؤوس ) أصول ( أموالكم لا تَظلِمون ) بزيادة ( ولا تُظلَمون ) بنقص
280. ( وإن كان ) وقع غريم ( ذو عسرة فنَظِرة ) له أي عليكم تأخيره ( إلى ميسَرة ) بفتح السين وضمها أي وقت يسر ( وأن تصَّدقوا ) بالتشديد على إدغام التاء في الأصل في الصاد وبالتخفيف على حذفها أي تتصدقوا على المعسر بالإبراء ( خير لكم إن كنتم تعلمون ) أنه خير فافعلوه وفي الحديث « من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله » رواه مسلم
281. ( واتقوا يوما تُرجَعون ) بالبناء للمفعول تردون وللفاعل تسيرون ( فيه إلى الله ) هو يوم القيامة ( ثم توفى ) فيه ( كل نفس ) جزاء ( ما كسبت ) عملت من خير وشر ( وهم لا يظلمون ) بنقص حسنة أو زيادة سيئة
282. ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم ) تعاملتم ( بدين ) كسلم وقرض ( إلى أجل مسمى ) معلوم ( فاكتبوه ) استيثاقا ودفعا للنزاع ( وليكتب ) كتاب الدين ( بينكم كاتب بالعدل ) بالحق في كتابته لا يزيد في المال والأجل ولا ينقص ( ولا يأب ) يمتنع ( كاتب ) من ( أن يكتب ) إذ دعي إليها ( كما علمه الله ) أي فضله بالكتابة فلا يبخل بها ، والكاف متعلقة بيأب ( فليكتب ) تأكيد ( وليُملل ) يمل الكاتب ( الذي عليه الحق ) الدين لأنه المشهود عليه فيقر ليعلم ما عليه ( وليتق الله ربه ) في إملائه ( ولا يبخس ) ينقص ( منه ) أي الحق ( شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها ) مبذراً ( أو ضعيفا ) عن الإملاء لصغر أو كبر ( أو لا يستطيع أن يمل هو ) لخرس أو جهل باللغة أو نحو ذلك ( فليملل وليه ) متولي أمره من والد ووصي وقيم ومترجم ( بالعدل واستشهدوا ) أشهدوا على الدين ( شهيدين ) شاهدين ( من رجالكم ) أي بالغي المسلمين الأحرار ( فإن لم يكونا ) أي الشهيدان ( رجلين فرجل وامرأتان ) يشهدون ( ممن ترضون من الشهداء ) لدينه وعدالته وتعدد النساء لأجل ( أن تضل ) تنسى ( إحداهما ) الشهادة لنقص عقلهن وضبطهن ( فتذكِّر ) بالتخفيف والتشديد ( إحداهما ) الذاكرة ( الأخرى ) الناسية ، وجملة الإذكار محل العلة أي لتذكر إن ضلت ودخلت على الضلال لأنه سببه وفي قراءة بكسر { إن } شرطية ورفع تذكر استئناف جوابه ( ولا يأب الشهداء إذا ما ) زائدة ( دعوا ) إلى تحمل الشهادة وأدائها ( ولا تسأموا ) تملوا من ( أن تكتبوه ) أي ما شهدتم عليه من الحق لكثرة وقوع ذلك ( صغيرا ) كان ( أو كبيرا ) قليلا أو كثيرا ( إلى أجله ) وقت حلوله حال من الهاء في تكتبوه ( ذلكم ) أي الكتب ( أقسط ) أعدل ( عند الله وأقوم للشهادة ) أي أعون على إقامتها لأنه يذكرها ( وأدنى ) أقرب إلى ( أ ) ن ( لا ترتابوا ) تشكوا في قدر الحق والأجل ( إلا أن تكون ) تقع ( تجارةٌ حاضرةٌ ) وفي قراءة بالنصب فتكون ناقصة واسمها ضمير التجارة ( تديرونها بينكم ) أي تقبضونها ولا أجل فيها ( فليس عليكم جناح ) في ( أ ) ن ( لا تكتبوها ) والمراد بها المتجر فيه ( وأشهدوا إذا تبايعتم ) عليه فإنه أدفع للاختلاف وهذا وما قبله أمر ندب ( ولا يضار كاتب ولا شهيد ) صاحب الحق ومن عليه بتحريف أو امتناع من الشهادة أو الكتابة ولا يضرهما صاحب الحق بتكليفهما ما لا يليق في الكتابة والشهادة ( وإن تفعلوا ) ما نهيتم عنه ( فإنه فسوق ) خروج عن الطاعة لا حق ( بكم واتقوا الله ) في أمره ونهيه ( ويعلمكم الله ) مصالح أموركم حال مقدرة أو مستأنف ( والله بكل شيء عليم )
283. ( وإن كنتم على سفر ) أي مسافرين وتداينتم ( ولم تجدوا كاتبا فرُهُنٌ ) وفي قراءة { فرِهان } جمع رَهْن ( مقبوضة ) تستوثقون بها ، وبينت السنة جواز الرهن في الحضر ووجود الكاتب فالتقيد بما ذكر لأن التوثيق فيه أشد وأفاد قوله مقبوضة اشتراط القبض في الرهن والاكتفاء به من المرتهن ووكيله ( فإن أمن بعضكم بعضا ) أي الدائن المدين على حقه فلم يرتهن ( فليؤد الذي اؤتمن ) أي المدين ( أمانته ) دينه ( وليتق الله ربه ) في أدائه ( ولا تكتموا الشهادة ) إذا دعيتم لإقامتها ( ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ) خص بالذكر لأنه محل الشهادة ولأنه إذا أثم تبعه غيره فيعاقب عليه معاقبة الآثمين ( والله بما تعملون عليم ) لا يخفى عليه شيء منه
284. ( لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ) تظهروا ( ما في أنفسكم ) من السوء والعزم عليه ( أو تخفوه ) تسروه ( يحاسبكم ) يخبركم ( به الله ) يوم القيامة ( فيغفر لمن يشاء ) المغفرة له ( ويعذب من يشاء ) تعذيبه والفعلان بالجزم عطف على جواب الشرط والرفع أي فهو ( والله على كل شيء قدير ) ومنه محاسبتكم وجزاؤكم
285. ( آمن ) صدق ( الرسول ) محمد صلى الله عليه وسلم ( بما أنزل إليه من ربه ) من القرآن ( والمؤمنون ) عطف عليه ( كلٌ ) تنوينه عوض عن المضاف إليه ( آمن بالله وملائكته وكتبه ) بالجمع والإفراد ( ورسله ) يقولون ( لا نفرق بين أحد من رسله ) فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعل اليهود والنصارى ( وقالوا سمعنا ) أي ما أمرنا به سماع قبول ( وأطعنا ) نسألك ( غفرانك ربنا وإليك المصير ) المرجع بالبعث ، ولما نزلت الآية التي قبلها شكا المؤمنون من الوسوسة وشق عليهم المحاسبة بها فنزل:
286. ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) أي ما تسعه قدرتها ( لها ما كسبت ) من الخير أي ثوابه ( وعليها ما اكتسبت ) من الشر أي وزره ولا يؤاخذ أحد بذنب أحد ولا بما لم يكسبه مما وسوست به نفسه ، قولوا ( ربنا لا تؤاخذنا ) بالعقاب ( إن نسينا أو أخطأنا ) تركنا الصواب لا عن عمد كما آخذت به من قبلنا وقد رفع الله ذلك عن هذه الأمة كما ورد في الحديث فسؤاله اعتراف بنعمة الله ( ربنا ولا تحمل علينا إصرا ) أمرا يثقل علينا حمله ( كما حملته على الذين من قبلنا ) أي بني إسرائيل من قتل النفس في التوبة وإخراج ربع المال في الزكاة وقرض موضع النجاسة ( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة ) قوة ( لنا به ) من التكاليف والبلاء ( واعف عنا ) امح ذنوبنا ( واغفر لنا وارحمنا ) في الرحمة زيادة على المغفرة ( أنت مولانا ) سيدنا ومتولي أمورنا ( فانصرنا على القوم الكافرين ) بإقامة الحجة والغلبة في قتالهم فإن من شأن المولى أن ينصر مواليه على الأعداء ، وفي الحديث « لما نزلت هذا الآية فقرأها صلى الله عليه وسلم قيل له عقب كل كلمة قد فعلت » .
201. ( ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة ) نعمة ( وفي الآخرة حسنة ) هي الجنة ( وقنا عذاب النار ) بعدم دخولها وهذا بيان لما كان عليه المشركون ولحال المؤمنين والقصد به الحث على طلب خير الدارين كما وعد بالثواب عليه بقوله:
202. ( أولئك لهم نصيب ) ثواب ( مـ ) ن أجل ( ما كسبوا ) عملوا من الحج والدعاء ( والله سريع الحساب ) يحاسب الخلق كلهم في قدر نصف نهار من أيام الدنيا لحديثٍ بذلك
203. ( واذكروا الله ) بالتكبير عند رمي الجمرات ( في أيام معدودات ) أي أيام التشريق الثلاثة ( فمن تعجل ) أي استعجل بالنفر من مِنى ( في يومين ) أي في ثاني أيام التشريق بعد رمي جماره ( فلا إثم عليه ) بالتعجيل ( ومن تأخر ) بها حتى بات ليلة الثالث ورمى جماره ( فلا إثم عليه ) بذلك أي هم مخيرون في ذلك ونفي الإثم ( لمن اتقى ) الله في حجه لأنه الحاج في الحقيقة ( واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون ) في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم
204. ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ) ولا يعجبك في الآخرة لمخالفته لاعتقاده ( ويشهد الله على ما في قلبه ) أنه موافق لقوله ( وهو ألد الخصام ) شديد الخصومة لك ولأتباعك لعداوته لك وهو الأخنس بن شريق كان منافقاً حلوَ الكلام للنبي صلى الله عليه وسلم يحلف أنه مؤمن ومحب له فيدنى مجلسَه فأكذبه الله في ذلك ومرَّ بزرعٍ وحُمُرٍ لبعض المسلمين فأحرقه وعقرها ليلاً كما قال تعالى:
205. ( وإذا تولى ) انصرف عنك ( سعى ) مشى ( في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل ) من جملة الفساد ( والله لا يحب الفساد ) أي لا يرضى به
206. ( وإذا قيل له اتق الله ) في فعلك ( أخذته العزة ) حملته الأنفة والحمية على العمل ( بالإثم ) الذي أمر باتقائه ( فحسبه ) كافيه ( جهنم ولبئس المهاد ) الفراش هي
207. ( ومن الناس من يشري ) يبيع ( نفسه ) أي يبذلها في طاعة الله ( ابتغاء ) طلب ( مرضات الله ) رضاه ، وهو صهيب لما آذاه المشركون هاجر إلى المدينة وترك لهم ماله ( والله رؤوف بالعباد ) حيث أرشدهم لما فيه رضاه
208. ونزل في عبد الله بن سلام وأصحابه لما عظَّموا السبت وكرهوا الإبل بعد الإسلام ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السَّلم ) بفتح السين وكسرها الإسلام ( كافة ) حال من السلم أي في جميع شرائعه ( ولا تتبعوا خطوات ) طرق ( الشيطان ) أي تزيينه بالتفريق ( إنه لكم عدو مبين ) بين العداوة
209. ( فإن زللتم ) ملتم عن الدخول في جميعه ( من بعد ما جاءتكم البينات ) الحجج الظاهرة على أنه حق ( فاعلموا أن الله عزيز ) لا يعجزه شيء عن انتقامه منكم ( حكيم ) في صنعه
210. ( هل ) ما ( ينظرون ) ينتظر التاركون الدخول فيه الدخول فيه ( إلا أن يأتيهم الله ) أي أمره كقوله أو يأتي أمر ربك أي عذابه ( في ظلل ) جمع ظلة ( من الغمام ) السحاب ( والملائكة وقضي الأمر ) تم أمر هلاكهم ( وإلى الله تَرجِع الأمور ) بالبناء للمفعول والفاعل في الآخرة فيجازي كلا بعمله
211. ( سل ) يا محمد ( بني إسرائيل ) تبكيتاً ( كم آتيناهم ) كم استفهامية معلقة سل عن المفعول الثاني وهي ثاني مفعول آتينا ومميزها ( من آية بينة ) ظاهرة كفلق البحر وإنزال المن والسلوى فبدلوها كفرا ( ومن يبدل نعمة الله ) أي ما أنعم به عليه من الآيات لأنها سبب الهداية ( من بعد ما جاءته ) كفراً ( فإن الله شديد العقاب ) له
212. ( زُين للذين كفروا ) من أهل مكة ( الحياة الدنيا ) بالتمويه فأحبوها ( و ) هم ( يسخرون من الذين آمنوا ) لفقرهم كبلال وعمار وصهيب أي يستهزئون بهم ويتعالون عليهم بالمال ( والذين اتقوا ) الشرك وهم هؤلاء ( فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب ) أي رزقاً واسعاً في الآخرة أو الدنيا بأن يملك المسخور منهم أموال الساخرين ورقابهم
213. ( كان الناس أمة واحدة ) على الإيمان فاختلفوا بأن آمن بعض وكفر بعض ( فبعث الله النبيين ) إليهم ( مبشرين ) من آمن بالجنة ( ومنذرين ) من كفر بالنار ( وأنزل معهم الكتاب ) بمعنى الكتب ( بالحق ) متعلق بأنزل ( ليحكم ) به ( بين الناس فيما اختلفوا فيه ) من الدين ( وما اختلف فيه ) أي الدين ( إلا الذين أوتوه ) أي الكتاب فآمن بعض وكفر بعض ( من بعد ما جاءتهم البينات ) الحجج الظاهرة على التوحيد ، ومِن متعلقة بـ اختلف وهي وما بعدها مقدم على الاستثناء في المعنى ( بغياً ) من الكافرين ( بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من ) للبيان ( الحق بإذنه ) بإرادته ( والله يهدي من يشاء ) هدايته ( إلى صراط مستقيم ) طريق الحق
214. ونزل في جهد أصاب المسلمين ( أم ) بل أ ( حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما ) لم ( يأتكم مثل ) شبه ما أتى ( الذين خلوا من قبلكم ) من المؤمنين من المِحَن فتصبروا كما صبروا ( مستهم ) جملة مستأنفة مبينة ما قبلها ( البأساء ) شدة الفقر ( والضراء ) المرض ( وزُلزلوا ) أزعجوا بأنواع البلاء ( حتى يقولَ ) بالنصب والرفع أي قال ( الرسول والذين آمنوا معه ) استبطاء للنصر لتناهي الشدة عليهم ( متى ) يأتي ( نصر الله ) الذي وُعِدناه فأُجيبوا من قبل الله ( ألا إن نصر الله قريب ) إتيانه
215. ( يسألونك ) يا محمد ( ماذا ينفقون ) أي الذي ينفقونه ، والسائل عمرو بن الجموح وكان شيخا ذا مال فسأل صلى الله عليه وسلم عما ينفق وعلى من ينفق ( قل ) لهم ( ما أنفقتم من خير ) بيانٌ لما شامل للقليل والكثير وفيه بيان المنفق الذي هو أحد شقي السؤال وأجاب عن المصرف الذي هو الشق الآخر بقوله: ( فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل ) أي هم أولى به ( وما تفعلوا من خير ) إنفاق أو غيره ( فإن الله به عليم ) فمجاز عليه
216. ( كتب ) فرض ( عليكم القتال ) للكفار ( وهو كره ) مكروه ( لكم ) طبعا لمشقته ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ) لميل النفس إلى الشهوات الموجبة ونفورها عن التكليفات الموجبة لسعادتها فلعل لكم في القتال وإن كرهتموه خيراً لأن فيه إما الظفر والغنيمة أو الشهادة والأجر وفي تركه وإن أحببتموه شرا لأن فيه الذل والفقر وحرمان الأجر ( والله يعلم ) ما هو خير لكم ( وأنتم لا تعلمون ) ذلك فبادروا إلى ما يأمركم به
217. وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم أول سراياه وعليها عبد الله بن جحش فقاتلوا المشركين وقتلوا ابن الحضرمي آخر يوم من جمادى الآخرة والتبس عليهم برجب فعيرهم الكفار باستحلاله فنزل: ( يسألونك عن الشهر الحرام ) المُحرَّم ( قتال فيه ) بدل اشتمال ( قل ) لهم ( قتال فيه كبير ) عظيم وزرا مبتدأ وخبر ( وصد ) مبتدأ منع للناس ( عن سبيل الله ) دينه ( وكفر به ) بالله ( و ) صد عن ( المسجد الحرام ) أي مكة ( وإخراج أهله منه ) وهم النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون وخبر المبتدأ ( أكبر ) أعظم وزرا ( عند الله ) من القتال فيه ( والفتنة ) الشرك منكم ( أكبر من القتل ) لكم فيه ( ولا يزالون ) أي الكفار ( يقاتلونكم ) أيها المؤمنون ( حتى ) كي ( يردوكم عن دينكم ) إلى الكفر ( إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت ) بطلت ( أعمالهم ) الصالحة ( في الدنيا والآخرة ) فلا اعتداد بها ولا ثواب عليها والتقيد بالموت عليه يفيد أنه لو رجع إلى الإسلام لم يبطل عمله فيثاب عليه ولا يعيده كالحج مثلا وعليه الشافعي ( وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
218. ولما ظن السرية أنهم إن سلموا من الإثم فلا يحصل لهم أجر نزل ( إن الذين آمنوا والذين هاجروا ) فارقوا أوطانهم ( وجاهدوا في سبيل الله ) لإعلاء دينه ( أولئك يرجون رحمة الله ) ثوابه ( والله غفور ) للمؤمنين ( رحيم ) بهم
219. ( يسألونك عن الخمر والميسر ) القمار ما حكمهما ( قل ) لهم ( فيهما ) أي في تعاطيهما ( إثم كبير ) عظيم ، وفي قراءة بالمثلثة { كثير } لما يحصل بسببهما من المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش ( ومنافع للناس ) باللذة والفرح في الخمر وإصابة المال بلا كد في الميسر ( وإثمهما ) أي ما ينشأ عنهم من المفاسد ( أكبر ) أعظم ( من نفعهما ) ولما نزلت شربها قوم وامتنع عنها آخرون إلى أن حرمتها آية المائدة ( ويسألونك ماذا ينفقون ) أي ما قدره ( قل ) أنفقوا ( العفوَ ) أي الفاضل عن الحاجة ولا تنفقوا ما تحتاجون إليه وتضيعوا أنفسكم ، وفي قراءة بالرفع بتقدير هو ( كذلك ) أي كما بين لكم ما ذكر ( يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون )
220. ( في ) أمر ( الدنيا والآخرة ) فتأخذون بالأصلح لكم فيهما ( ويسألونك عن اليتامى ) وما يلقونه من الحرج في شأنهم فإن واكلوهم يأثموا وإن عزلوا ما لهم من أموالهم وصنعوا لهم طعاما وحدهم فحرج ( قل إصلاح لهم ) في أموالهم بتنميتها ومداخلتكم ( خير ) من ترك ذلك ( وإن تخالطوهم ) أي تخلطوا نفقتكم بنقتهم ( فإخوانكم ) أي فهم إخوانكم في الدين ومن شأن الأخ أن يخالط أخاه أي فلكم ذلك ( والله يعلم المفسد ) لأموالهم بمخالطته ( من المصلح ) بها فيجازي كلا منهما ( ولو شاء الله لأعنتكم ) لضيق عليكم بتحريم المخالطة ( إن الله عزيز ) غالب على أمره ( حكيم ) في صنعه
221. ( ولا تَنكِحوا ) تتزوجوا أيها المسلمون ( المشركات ) أي الكافرات ( حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ) حرة لأن سبب نزولها العيب على من تزوج أمة وترغيبه في نكاح حرة مشركة ( ولو أعجبتكم ) لجمالها ومالها وهذا مخصوص بغير الكتابيات بآية { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب } ( ولا تُنكِحوا ) تُزوِّجوا ( المشركين ) أي الكفار المؤمنات ( حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ) لماله وجماله ( أولئك ) أي أهل الشرك ( يدعون إلى النار ) بدعائهم إلى العمل الموجب لها فلا تليق مناكحتهم ( والله يدعو ) على لسان رسله ( إلى الجنة والمغفرة ) أي العمل الموجب لهما ( بإذنه ) بإرادته فتجب إجابته بتزويج أوليائه ( ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون ) يتعظون
222. ( ويسألونك عن المحيض ) أي الحيض أو مكانه ماذا يفعل بالنساء فيه ( قل هو أذى ) قذر أو محله ( فاعتزلوا النساء ) اتركوا وطأهن ( في المحيض ) أي وقته أو مكانه ( ولا تقربوهن ) بالجماع ( حتى يطَّهَّرن ) بسكون الطاء وتشديدها والهاء وفيه إدغام التاء في الأصل في الطاء أي يغتسلن بعد انقطاعه ( فإذا تطهرن فأتوهن ) بالجماع ( من حيث أمركم الله ) بتجنبه في الحيض وهو القبل ولا تعدوه إلى غيره ( إن الله يحب ) يثيب ويكرم ( التوابين ) من الذنوب ( ويحب المتطهرين ) من الأقذار
223. ( نساؤكم حرث لكم ) أي محل زرعكم الولد ( فأتوا حرثكم ) أي محله وهو القبل ( أنَّى ) كيف ( شئتم ) من قيام وقعود واضطجاع وإقبال وإدبار ونزل ردا لقول اليهود: من أتى امرأته في قبلها أي من جهة دبرها جاء الولد أحول ( وقدموا لأنفسكم ) العمل الصالح كالتسمية عند الجماع ( واتقوا الله ) في أمره ونهيه ( واعلموا أنكم ملاقوه ) بالبعث فيجازيكم بأعمالكم ( وبشر المؤمنين ) الذين اتقوه بالجنة
224. ( ولا تجعلوا الله ) أي الحلف به ( عرضة ) علة مانعة ( لأيمانكم ) أي نصباً لها بأن تكثروا الحلف به ( أن ) لا ( تبروا وتتقوا ) فتكره اليمين على ذلك ويسن فيه الحنث ويكفِّر بخلافها على فعل البر ونحوه فهي طاعة ( وتصلحوا بين الناس ) المعنى لا تمتنعوا من فعل ما ذكر من البر ونحوه إذا حلفتم عليه بل ائتوه وكفروا لأن سبب نزولها الامتناع من ذلك ( والله سميع ) لأقوالكم ( عليم ) بأحوالكم
225. ( لا يؤاخذكم الله باللغو ) الكائن ( في أيمانكم ) وهو ما يسبق إليه اللسان من غير قصد الحلف نحو والله ، وبلى والله ، فلا إثم عليه ولا كفارة ( ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ) أي قصدته من الإيمان إذا حنثتم ( والله غفور ) لما كان من اللغو ( حليم ) بتأخير العقوبة عن مستحقها
226. ( للذين يؤلون من نسائهم ) أي يحلفون أن لا يجامعوهن ( تربُّص ) انتظار ( أربعة أشهر فإن فاؤوا ) رجعوا فيها أو بعدها عن اليمين إلى الوطء ( فإن الله غفور ) لهم ما أتوه من ضرر المرأة بالحلف ( رحيم ) بهم
227. ( وإن عزموا الطلاق ) أي عليه بأن لم يفيئوا فليوقِعوه ( فإن الله سميع ) لقولهم ( عليم ) بعزمهم المعنى ليس لهم بعد تربص ما ذكر إلا الفيئة أو الطلاق
228. ( والمطلقات يتربصن ) أي لينتظرن ( بأنفسهن ) عن النكاح ( ثلاثة قروء ) تمضي من حين الطلاق ، جمع قَرْء بفتح القاف وهو الطهر أو الحيض قولان وهذا في المدخول بهن أما غيرهن فلا عدة عليهن لقوله { فما لكم عليهن من عدة } وفي غير الآيسة والصغيرة فعدتهن ثلاثة أشهر والحوامل فعدتهن أن يضعن حملهن كما في سورة الطلاق والإماء فعدتهن قَرءان بالسنة ( ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ) من الولد والحيض ( إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن ) أزواجهن ( أحق بردهن ) بمراجعتهن ولو أَبَين ( في ذلك ) أي في زمن التربص ( إن أرادوا إصلاحا ) بينهما لا إضرار المرأة ، وهو تحريض على قصده لا شرط لجواز الرجعة وهذا في الطلاق وأحق لا تفضيل فيه إذ لا حق لغيرهم من نكاحهن في العدة ( ولهن ) على الأزواج ( مثل الذي ) لهم ( عليهن ) من الحقوق ( بالمعروف ) شرعا من حسن العشرة وترك الإضرار ونحو ذلك ( وللرجال عليهن درجة ) فضيلة في الحق من وجوب طاعتهن لهم لما ساقوه من المهر والإنفاق ( والله عزيز ) في ملكه ( حكيم ) فيما دبره لخلقه
229. ( الطلاق ) أي التطليق الذي يراجع بعده ( مرتان ) أي اثنتان ( فإمساك ) أي فعليكم إمساكهن بعده بأن تراجعوهن ( بمعروف ) من غير ضرار ( أو تسريح ) أي إرسال لهن ( بإحسان ولا يحل لكم ) أيها الأزواج ( أن تأخذوا مما آتيتموهن ) من المهور ( شيئا ) إذا طلقتموهن ( إلا أن يخافا ) أي الزوجان ( أ ) ن ( لا يقيما حدود الله ) أي أن لا يأتيا بما حده لهما من الحقوق وفي قراءة { يُخافا } بالبناء للمفعول فأن لا يقيما بدل اشتمال من الضمير فيه وقرئ بالفوقانية في الفعلين ( فإن خفتم أ ) ن ( لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما ) ( فيما افتدت به ) نفسهما من المال ليطلقها أي لا حرج على الزوج في أخذه ولا الزوجة في بذله ( تلك ) الأحكام المذكورة ( حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون )
230. ( فإن طلقها ) الزوج بعد الثنتين ( فلا تحل له من بعد ) أي بعد الطلقة الثالثة ( حتى تنكح ) تتزوج ( زوجا غيره ) ويطأَها كما في الحديث رواه الشيخان ( فإن طلقها ) أي الزوج الثاني ( فلا جناح عليهما ) أي الزوجة والزوج الأول ( أن يتراجعا ) إلى النكاح بعد انقضاء العدة ( إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك ) المذكورات ( حدود الله يبينها لقوم يعلمون ) يتدبرون
231. ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن ) قاربن انقضاء عدتهن ( فأمسكوهن ) بأن تراجعوهن ( بمعروف ) من غير ضرر ( أو سرحوهن بمعروف ) اتركوهن حتى تنتهي عدتهن ( ولا تمسكوهن ) بالرجعة ( ضراراً ) مفعول لأجله ( لتعتدوا ) عليهن بالإلجاء إلى الافتداء والتطليق وتطويل الحبس ( ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ) بتعريضها إلى عذاب الله ( ولا تتخذوا آيات الله هزواً ) مهزوءاً بها بمخالفتها ( واذكروا نعمة الله عليكم ) بالإسلام ( وما أنزل عليكم من الكتاب ) القرآن ( والحكمة ) ما فيه من الأحكام ( يعظكم به ) بأن تشكروها بالعمل به ( واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم ) ولا يخفى عليه شيء
232. ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن ) انقضت عدتهن ( فلا تعضُلوهن ) خطاب للأولياء أي تمنعوهن من ( أن ينكحن أزواجهن ) المطلقين لهن لأن سبب نزولها أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها فأراد أن يراجعها فمنعها معقل بن يسار كما رواه الحاكم ( إذا تراضوا ) أي الأزواج والنساء ( بينهم بالمعروف ) شرعا ( ذلك ) النهي عن العضل ( يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ) لأنه المنتفع به ( ذلكم ) أي ترك العضل ( أزكى ) خير ( لكم وأطهر ) لكم ولهم لما يخشى على الزوجين من الريبة بسبب العلاقة بينهما ( والله يعلم ) ما فيه المصلحة ( وأنتم لا تعلمون ) ذلك فاتبعوا أوامره
233. ( والوالدات يرضعن ) أي ليرضعن ( أولادهن حولين ) عامين ( كاملين ) صفة مؤكدة ، ذلك ( لمن أراد أن يتم الرضاعة ) ولا زيادة عليه ( وعلى المولود له ) أي الأب ( رزقهن ) إطعام الوالدات ( وكسوتهن ) على الإرضاع إذا كن مطلقات ( بالمعروف ) بقدر طاقته ( لا تكلف نفس إلا وسعها ) طاقتها ( لا تضار والدة بولدها ) أي بسببه بأن تكره على إرضاعه إذا امتنعت ( ولا ) يضار ( مولود له بولده ) أي بسببه بأن يكلف فوق طاقته وإضافة الولد إلى كل منهما في الموضعين للاستعطاف ( وعلى الوارث ) أي وارث الأب وهو الصبي أي على وَلِّيه في ماله ( مثل ذلك ) الذي على الأب للوالدة من الرزق والكسوة ( فإن أرادا ) أي الوالدان ( فصالا ) فطاما له قبل الحولين صادرا ( عن تراض ) اتفاق ( منهما وتشاور ) بينهما لتظهر مصلحة الصبي فيه ( فلا جناح عليهما ) في ذلك ( وإن أردتم ) خطاب للآباء ( أن تسترضعوا أولادكم ) مراضع غير الوالدات ( فلا جناح عليكم ) فيه ( إذا سلمتم ) إليهن ( ما آتيتم ) أي أردتم إيتاءه لهن من الأجرة ( بالمعروف ) بالجميل كطيب النفس ( واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير ) لا يخفى عليه شيء منه
234. ( والذين يتوفون ) يموتون ( منكم ويذرون ) يتركون ( أزواجاً يتربصن ) أي ليتربصن ( بأنفسهن ) بعدهم عن النكاح ( أربعة أشهر وعشرا ) من الليالي وهذا في غير الحوامل وأما الحوامل فعدتهن أن يضعن حملهن بآية الطلاق والأمة على النصف من ذلك بالسنة ( فإذا بلغن أجلهن ) انقضت مدة تربصهن ( فلا جناح عليكم ) أيها الأولياء ( فيما فعلن في أنفسهن ) من التزين والتعرض للخطاب ( بالمعروف ) شرعا ( والله بما تعملون خبير ) عالم بباطنه كظاهره
235. ( ولا جناح عليكم فيما عرَّضتم ) لوحتم ( به من خطبة النساء ) المتوفى عنهن أزواجهن في العدة كقول الإنسان مثلا: إنك لجميلة ، ومن يجد مثلك ، ورب راغب فيك ( أو أكننتم ) أضمرتم ( في أنفسكم ) من قصد نكاحهن ( علم الله أنكم ستذكرونهن ) بالخطبة ولا تصبرون عنهن فأباح لكم التعريض ( ولكن لا تواعدوهن سرا ) أي نكاحا ( إلا ) لكن ( أن تقولوا قولا معروفا ) أي ما عرف شرعا من التعريض فلكم ذلك ( ولا تعزموا عقدة النكاح ) أي على عقده ( حتى يبلغ الكتاب ) أي المكتوب من العدة ( أجله ) بأن تنتهي ( واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم ) من العزم وغيره ( فاحذروه ) أن يعاقبكم إذا عزمتم ( واعلموا أن الله غفور ) لمن يحذره ( حليم ) بتأخير العقوبة عن مستحقها
236. ( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تَمَسوهن ) وفي قراءة { تُماسُّوهنَّ } أي تجامعوهن ( أو ) لم ( تفرضوا لهن فريضة ) مهرا ، وما مصدرية ظرفية أي لا تبعة عليكم237. ( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ) يجب لهن ويرجع لكم النصف ( إلا ) لكن ( أن يعفون ) أي الزوجات فيتركنه ( أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ) وهو الزوج فيترك لها الكل ، وعن ابن عباس: الولي إذا كانت محجورة فلا حرج في ذلك ( وأن تعفوا ) مبتدأ خبره ( أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم ) أي أن يتفضل بعضكم على بعض ( إن الله بما تعملون بصير ) فيجازيكم به
238. ( حافظوا على الصلوات ) الخمس بأدائها في أوقاتها ( والصلاة الوسطى ) هي العصر أو الصبح أو الظهر أو غيرها أقوال وأفردها بالذكر لفضلها ( وقوموا لله ) في الصلاة ( قانتين ) قيل مطيعين لقوله صلى الله عليه وسلم: « كل قنوت في القرآن فهو طاعة » رواه أحمد وغيره ، وقيل ساكتين لحديث زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ، رواه الشيخان
239. ( فإن خفتم ) من عدو أو سيل أو سبع ( فرجالاً ) جمع راجل أي مشاة صلوا ( أو ركبانا ) جمع راكب أي كيف أمكن مستقبلي القبلة أو غيرها ويومئ بالركوع والسجود ( فإذا أمنتم ) من الخوف ( فاذكروا الله ) أي صلوا ( كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ) قبل تعليمه من فرائضها وحقوقها والكاف بمعنى مثل وما مصدرية أو موصولة
240. ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً ) فليوصوا ( وصيةً ) وفي قراءة بالرفع أي عليهم ( لأزواجهم ) وليعطوهن ( متاعاً ) ما يتمتعن به من النفقة والكسوة ( إلى ) تمام ( الحول ) من موتهم الواجب عليهن تربصه ( غير إخراج ) حال أي غير مخرجات من مسكنهن ( فإن خرجن ) بأنفسهن ( فلا جناح عليكم ) يا أولياء الميت ( في ما فعلن في أنفسهن من معروف ) شرعا كالتزين وترك الإحداد وقطع النفقة عنها ( والله عزيز ) في ملكه ( حكيم ) في صنعه ، والوصية المذكورة منسوخة بآية الميراث وتربص الحول بآية أربعة أشهرٍ وعشراً السابقة المتأخرة في النزول ، والسُكنى ثابتة لها عند الشافعي رحمه الله
241. ( وللمطلقات متاع ) يعطينه ( بالمعروف ) بقدر الإمكان ( حقا ) نصب بفعله المقدر ( على المتقين ) الله تعالى كرره ليعم الممسوسة أيضا إذ الآية السابقة في غيرها
242. ( كذلك ) كما يبين لكم ما ذكر ( يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون ) تتدبرون
243. ( ألم تر ) استفهام تعجب وتشويق إلى استماع ما بعده أي ينته علمك ( إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف ) أربعة أوثمانية أو عشرة أو ثلاثون أو أربعون أو سبعون ألفا ( حذر الموت ) مفعول له وهم قوم من بني إسرائيل وقع الطاعون ببلادهم ففروا ( فقال لهم الله موتوا ) فماتوا ( ثم أحياهم ) بعد ثمانية أيام أو أكثر بدعاء نبيهم حِزْقيل بكسر المهملة والقاف وسكون الزاي [ وهو نبي الله ذي الكفل ] فعاشوا دهرا عليهم أثر الموت لا يلبسون ثوبا إلا عاد كالكفن واستمرت في أسباطهم ( إن الله لذو فضل على الناس ) ومنه إحياء هؤلاء ( ولكن أكثر الناس ) وهم الكفار ( لا يشكرون ) والقصد من ذكر خبر هؤلاء تشجيع المؤمنين على القتال ولذا عطف عليه
244. ( وقاتلوا في سبيل الله ) أي لإعلاء دينه ( واعلموا أن الله سميع ) لأقوالكم ( عليم ) بأحوالكم فمجازيكم
245. ( من ذا الذي يقرض الله ) بإنفاق ماله في سبيل الله ( قرضاً حسناً ) بأن ينفقه لله عز وجل عن طيب قلب ( فيضاعفَه ) وفي قراءة { فيضعِّفه } بالتشديد ( له أضعافا كثيرة ) من عشر إلى أكثر من سبعمائة كما سيأتي ( والله يقبض ) يمسك الرزق عمن يشاء ابتلاء ( ويبسط ) يوسعه لمن يشاء امتحانا ( وإليه ترجعون ) في الآخرة بالبعث فيجازيكم بأعمالكم
246. ( ألم تر إلى الملأ ) الجماعة ( من بني إسرائيل من بعد ) موت ( موسى ) أي إلى قصتهم وخبرهم ( إذ قالوا لنبي لهم ) هو شمويل ( ابعث ) أقم ( لنا ملِكا نقاتل ) معه ( في سبيل الله ) تنتظم به كلمتنا ونرجع إليه ( قال ) النبي لهم ( هل عسيتم ) بالفتح والكسر ( إن كتب عليكم القتال أ ) ن ( لا تقاتلوا ) خبر عسى والاستفهام لتقرير التوقيع بها ( قالوا وما لنا أ ) ن ( لا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ) بسببهم وقتلهم وقد فعل بهم ذلك قوم جالوت أي لا مانع منه مع وجود مقتضيه ، قال تعالى: ( فلما كتب عليهم القتال تولوا ) عنه وجبنوا ( إلا قليلا منهم ) وهم الذين عبروا النهر مع طالوت كما سيأتي ( والله عليم بالظالمين ) فمجازيهم وسأل النبيُّ إرسالَ ملكٍ فأجابه إلى إرسال طالوت
247. ( وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملِكاً قالوا أنى ) كيف ( يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ) لأنه ليس من سبط المملكة ولا النبوة وكان دباغا أو راعيا ( ولم يؤت سعة من المال ) يستعين بها على إقامة الملك ( قال ) النبي لهم ( إن الله اصطفاه ) اختاره للملك ( عليكم وزاده بسطة ) سعة ( في العلم والجسم ) وكان أعلم بني إسرائيل يومئذ وأجملهم وأتمهم خلقا ( والله يؤتي ملكه من يشاء ) إيتاءه لا اعتراض عليه ( والله واسع ) فضله ( عليم ) بمن هو أهل له
248. ( وقال لهم نبيهم ) لما طلبوا منه آية على ملكه ( إن آية مُلْكِه أن يأتيكم التابوت ) الصندوق كان فيه صور الأنبياء أنزله الله على آدم واستمر إليهم فغلبهم العمالقة عليه وأخذوه وكانوا يستفتحون به على عدوهم ويقدمونه في القتال ويسكنون إليه كما قال تعالى ( فيه سكينة ) طمأنينة لقلوبكم ( من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون ) وهي نعلا موسى وعصاه وعمامة هارون وقفيز من المن الذي كان ينزل عليهم ورضاض من الألواح ( تحمله الملائكة ) حال من فاعل يأتيكم ( إن في ذلك لآية لكم ) على ملكه ( إن كنتم مؤمنين ) فحملته الملائكة بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت فأقروا بملكه وتسارعوا إلى الجهاد فاختار من شبابهم سبعين ألفا
249. ( فلما فصل ) خرج ( طالوت بالجنود ) من بيت المقدس وكان الحر شديدا وطلبوا منه الماء ( قال إن الله مبتليكم ) مختبركم ( بنهَر ) ليظهر المطيع منكم والعاصي وهو بين الأردن وفلسطين ( فمن شرب منه ) أي من ماءه ( فليس مني ) أي من أتباعي ( ومن لم يطعمه ) يذقه ( فإنه مني إلا من اغترف غُرفة ) بالفتح والضم ( بيده ) فاكتفى بها ولم يزد عليها فإنه مني ( فشربوا منه ) فلما وافوه بكثرة ( إلا قليلاً منهم ) فاقتصروا على الغرفة روي أنها كفتهم لشربهم ودوابهم وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ( فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه ) وهم الذين اقتصروا على الغرفة ( قالوا ) أي الذين شربوا ( لا طاقة ) قوة ( لنا اليوم بجالوت وجنوده ) أي بقتالهم وجبنوا ولم يجاوزوه ( قال الذين يظنون ) يوقنون ( أنهم ملاقوا الله ) بالبعث وهم الذين جاوزوه ( كم ) خبرية بمعنى كثير ( من فئة ) جماعة ( قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ) بإرادته ( والله مع الصابرين ) بالعون والنصر
250. ( ولما برزوا لجالوت وجنوده ) أي ظهروا لقتالهم وتصافوا ( قالوا ربنا أفرغ ) أصبب ( علينا صبرا وثبت أقدامنا ) بتقوية قلوبنا على الجهاد ( وانصرنا على القوم الكافرين )
251. ( فهزموهم ) كسروهم ( بإذن الله ) بإرادته ( وقتل داود ) وكان في عسكر طالوت ( جالوت وآتاه ) أي داود ( الله الملك ) في بني إسرائيل ( والحكمة ) النبوة بعد موت شمويل وطالوت ولم يجتمعا لأحد قبله ( وعلمه مما يشاء ) كصنعة الدروع ومنطق الطير ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ) بدل بعض من الناس ( ببعض لفسدت الأرض ) بغلبة المشركين وقتل المسلمين وتخريب المساجد ( ولكن الله ذو فضل على العالمين ) فدفع بعضهم ببعض
252. ( تلك ) هذه الآيات ( آيات الله نتلوها ) نقصها ( عليك ) يا محمد ( بالحق ) بالصدق ( وإنك لمن المرسلين ) التأكيد بإن وغيرها رداً لقول الكفار له لست مرسلا
253. ( تلك ) مبتدأ ( الرسل ) صفة أو خبر ( فضلنا بعضهم على بعض ) بتخصيصه بمنقبة ليست بغيره ( منهم من كلم اللهُ ) كموسى ( ورفع بعضهم ) أي محمداً صلى الله عليه وسلم ( درجات ) على غيره بعموم الدعوة وختْم النبوة وتفضيل أمته على سائر الأمم والمعجزات المتكاثرة والخصائص العديدة ( وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه ) قويناه ( بروح القُدُس ) جبريل يسير معه حيث سار ( ولو شاء الله ) لهدى الناس جميعا ( ما اقتتل الذين من بعدهم ) بعد الرسل أي أممهم ( من بعد ما جاءتهم البينات ) لاختلافهم وتضليل بعضهم بعضا ( ولكن اختلفوا ) لمشيئته ذلك ( فمنهم من آمن ) ثبت على إيمانه ( ومنهم من كفر ) كالنصارى بعد المسيح ( ولو شاء الله ما اقتتلوا ) تأكيد ( ولكن الله يفعل ما يريد ) من توفيق من شاء وخذلان من شاء
254. ( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم ) زكاته ( من قبل أن يأتي يوم لا بيعَ ) فداء ( فيه ولا خُلَّةَ ) صداقة تنفع ( ولا شفاعةَ ) بغير إذنه وهو يوم القيامة ، وفي قراءة برفع الثلاثة ( والكافرون ) بالله أو بما فرض عليهم ( هم الظالمون ) لوضعهم أمر الله في غير محله
255. ( الله لا إله ) أي لا معبود بحق في الوجود ( إلا هو الحي ) الدائم بالبقاء ( القيوم ) المبالغ في القيام بتدبير خلقه ( لا تأخذه سِنةٌ ) نعاس ( ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض ) ملكا وخلقا وعبيدا ( من ذا الذي ) أي لا أحد ( يشفع عنده إلا بإذنه ) له فيها ( يعلم ما بين أيديهم ) أي الخلق ( وما خلفهم ) أي من أمر الدنيا والآخرة ( ولا يحيطون بشيء من علمه ) أي لا يعلمون شيئا من معلوماته ( إلا بما شاء ) أن يعلمهم به منها بإخبار الرسل ( وسع كرسيه السماواتِ والأرضَ ) قيل أحاط علمه بهما وقيل الكرسي نفسه مشتمل عليهما لعظمته ، لحديث: « ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس » . ( ولا يؤوده ) يثقله ( حفظهما ) أي السماوات والأرض ( وهو العلي ) فوق خلقه بالقهر ( العظيم ) الكبير
256. ( لا إكراه في الدين ) على الدخول فيه ( قد تبين الرشد من الغي ) أي ظهر بالآيات البينات أن الإيمان رشد والكفر غي نزلت فيمن كان له من الأنصار أولاد أراد أن يكرههم على الإسلام ( فمن يكفر بالطاغوت ) الشيطان أو الأصنام وهو يطلق على المفرد والجمع ( ويؤمن بالله فقد استمسك ) تمسك ( بالعروة الوثقى ) بالعقد المحكم ( لا انفصام ) انقطاع ( لها والله سميع ) بما يقال ( عليم ) بما يفعل
257. ( الله ولي ) ناصر ( الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات ) الكفر ( إلى النور ) الإيمان ( والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ) ذكر الإخراج إما في مقابلة قوله { يخرجهم من الظلمات } أو في كل من أمن بالنبي قبل بعثته من اليهود ثم كفر به ( أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
258. ( ألم تر إلى الذي حاجَّ ) جادل ( إبراهيم في ربه ) لـ ( أن آتاه الله الملك ) أي حمله بطره بنعمة الله على ذلك وهو نمرود ( إذ ) بدل من حاجَّ ( قال إبراهيم ) لما قال له من ربك الذي تدعونا إليه ، ( ربيَّ الذي يحيي ويميت ) أي يخلق الحياة والموت في الأجساد ( قال ) هو ( أنا أحيي وأميت ) بالقتل والعفو عنه ودعا برجلين فقتل أحدهما وترك الآخر ، فلما رآه غبياً ( قال إبراهيم ) منتقلا إلى حجة أوضح منها ( فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها ) أنت ( من المغرب فبهت الذي كفر ) تحير ودهش ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) بالكفر إلى محجة الاحتجاج
259. ( أو ) رأيت ( كالذي ) الكاف زائدة ( مر على قرية ) هي بيت المقدس راكبا على حمار ومعه سلة تين وقدح عصير وهو عزير ( وهي خاوية ) ساقطة ( على عروشها ) سقوطها لما خربها بُخْتُنَصَّر ( قال أنى ) كيف ( يحيي هذه الله بعد موتها ) استعظاماً لقدرته تعالى ( فأماته الله ) وألبثه ( مائة عام ثم بعثه ) أحياه ليريه كيفية ذلك ( قال ) تعالى له ( كم لبثت ) مكثت هنا ( قال لبثت يوماً أو بعض يوم ) لأنه نام أول النهار فقبض وأُحيي عند الغروب فظن أنه يوم النوم ( قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك ) التين ( وشرابك ) العصير ( لم يتسنَّه ) لم يتغير مع طول الزمان ، والهاء قيل أصل من سانهت وقيل للسكت من سانيت وفي قراءة بحذفها ( وانظر إلى حمارك ) كيف هو فرآه ميتا وعظامه بيض تلوح! فعلنا ذلك لتعلم ( ولنجعلك آية ) على البعث ( للناس وانظر إلى العظام ) من حمارك ( كيف نُنشزها ) نحييها بضم النون وقرئ بفتحها من أنشز ونشز لغتان وفي قراءة { ننشرها } بالراء نحركها ونرفعها ( ثم نكسوها لحماً ) فنظر إليها وقد تركبت وكسيت لحما ونفخ فيه الروح ونهق ( فلما تبين له ) ذلك بالمشاهدة ( قال أعلم ) علم مشاهدة ( أن الله على كل شيء قدير ) وفي قراءة { اعْلَمْ } أمر من الله له
260. ( و ) اذكر ( إذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال ) تعالى له ( أولم تؤمن ) بقدرتي على الإحياء ، سأله مع علمه بإيمانه بذلك ليجيبه بما أجاب فيعلم السامعون غرضه ( قال بلى ) آمنت ( ولكن ) سألتك ( ليطمئن ) يسكن ( قلبي ) بالمعاينة المضمومة إلى الاستدلال ( قال فخذ أربعة من الطير فصِرهن إليك ) بكسر الصاد وضمها ، أملهن إليك وقطعهن واخلط لحمهن وريشهن ( ثم اجعل على كل جبل ) من جبال أرضك ( منهن جزءاً ثم ادعهن ) إليك ( يأتينك سعيا ) سريعا ( واعلم أن الله عزيز ) لا يعجزه شيء ( حكيم ) في صنعه فأخذ طاووسا ونسرا وغرابا وديكا وفعل بهن ما ذكر وأمسك رؤوسهن عنده ودعاهن فتطايرت الأجزاء إلى بعضها حتى تكاملت ثم أقبلت إلى رؤوسها
261. ( مثل ) صفة نفقات ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ) أي طاعته ( كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) فكذلك نفقاتهم تضاعفت لسبعمائة ضعف ( والله يضاعف ) أكثر من ذلك ( لمن يشاء والله واسع ) فضله ( عليم ) بمن يستحق المضاعفة
262. ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منَّا ) على المنفق عليه بقولهم مثلا: قد أحسنت إليه وجبرت حاله ( ولا أذى ) له بذكر ذلك إلى من لا يحب وقوفه عليه ونحوه ( لهم أجرهم ) ثواب إنفاقهم ( عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) في الآخرة
263. ( قول معروف ) كلام حسن ورد على السائل جميل ( ومغفرة ) له في إلحاحه ( خير من صدقة يتبعها أذى ) بالمن وتعيير له بالسؤال ( والله غني ) عن صدقة العباد ( حليم ) بتأخير العقوبة عن المان والمؤذي
264. ( يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم ) أي أجورها ( بالمن والأذى ) إبطالاً ( كالذي ) أي كإبطال نفقة الذي ( ينفق ماله رئاء الناس ) مرائياً لهم ( ولا يؤمن بالله واليوم الآخر ) هو المنافق ( فمثله كمثل صفوان ) حجر أملس ( عليه تراب فأصابه وابل ) مطر شديد ( فتركه صلداً ) صلباً أملس لا شيء عليه ( لا يقدرون ) استئناف لبيان مثل المنافق المنفق رئاء الناس وجمع الضمير باعتبار معنى الذي ( على شيء مما كسبوا ) عملوا أي لا يجدون له ثوابا في الآخرة كما لا يوجد على الصفوان شيء من التراب الذي كان عليه لإذهاب المطر له ( والله لا يهدي القوم الكافرين )
265. ( ومثل ) نفقات ( الذين ينفقون أموالهم ابتغاء ) طلب ( مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم ) أي تحقيقا للثواب عليه بخلاف المنافقين الذين لا يرجونه لإنكارهم له ومن ابتدائية ( كمثل جنة ) بستان ( برُبوة ) بضم الراء وفتحها مكان مرتفع مستو ( أصابها وابل ) [ مطر غزير ] ( فآتت ) أعطت ( أكْلها ) بضم الكاف وسكونها ثمرها ( ضعفين ) مثلي ما يثمر غيرها ( فإن لم يصبها وابل فطلٌّ ) مطر خفيف يصيبها ويكفيها لارتفاعها ، المعنى: تثمر وتزكو كثر المطر أم قل فكذلك نفقات من ذكر تزكو عند الله كثرت أم قلت ( والله بما تعملون بصير ) فيجازيكم به
266. ( أيود ) أيحب ( أحدكم أن تكون له جنة ) بستان ( من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها ) ثمر ( من كل الثمرات و ) قد ( أصابه الكبر ) فضعف من الكبر عن الكسب ( وله ذرية ضعفاء ) أولاد صغار لا يقدرون عليه ( فأصابها إعصار ) ريح شديدة ( فيه نار فاحترقت ) ففقدها أحوج ما كان إليها وبقي هو وأولاده عجزة متحيرين لا حيلة لهم وهذا تمثيل لنفقة المرائي والمان في ذهابها وعدم نفعها أحوج ما يكون إليها في الآخرة والاستفهام بمعنى النفي ، وعن ابن عباس هو الرجل عمل بالطاعات ثم بعث له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أحرق أعماله ( كذلك ) كما بين ما ذكر ( يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون ) فتعتبرون
267. ( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا ) أي زكوا ( من طيبات ) جياد ( ما كسبتم ) من المال ( ومـ ) ـن طيبات ( ما أخرجنا لكم من الأرض ) من الحبوب والثمار ( ولا تيمموا ) تقصدوا ( الخبيث ) الرديء ( منه ) أي المذكور ( تنفقونـ ) ـه في الزكاة ، حال من ضمير تيمموا ( ولستم بآخذيه ) أي الخبيث لو أعطيتموه في حقوقكم ( إلا أن تغمضوا فيه ) بالتساهل وغض البصر فكيف تؤدون منه حق الله ( واعلموا أن الله غني ) عن نفقاتكم ( حميد ) محمود على كل حال
268. ( الشيطان يعدكم الفقر ) يخوفكم به إن تصدقتم فتمسكوا ( ويأمركم بالفحشاء ) البخل ومنع الزكاة ( والله يعدكم ) على الإنفاق ( مغفرة منه ) لذنوبكم ( وفضلا ) رزقا خلفا منه ( والله واسع ) فضله ( عليم ) بالمنفق
269. ( يؤتي الحكمة ) أي العلم النافع المؤدي إلى العمل ( من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) لمصيره إلى السعادة الأبدية ( وما يذَّكر ) فيه إدغام التاء في الأصل في الذال يتعظ ( إلا أولوا الألباب ) أصحاب العقول
270. ( وما أنفقتم من نفقة ) أديتم من زكاة أو صدقة ( أو نذرتم من نذر ) فوفيتم به ( فإن الله يعلمه ) فيجازيكم عليه ( وما للظالمين ) بمنع الزكاة والنذر أو بوضع الإنفاق في غير محله من معاصي الله ( من أنصار ) مانعين لهم من عذابه
271. ( إن تبدوا ) تظهروا ( الصدقات ) أي النوافل ( فنعمَّا هي ) أي نعم شيئا إبداؤها ( وإن تخفوها ) تسروها ( وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ) من إبدائها وإيتائها الأغنياء أما صدقة الفرض فالأفضل إظهارها ليقتدى به ولئلا يتهم وإيتاؤها الفقراء متعين ( ويُكَفِّرْ ) بالياء والنون مجزوما بالعطف على محل فهو ومرفوعا على الاستئناف ( عنكم من ) بعض ( سيئاتكم والله بما تعملون خبير ) عالم بباطنه كظاهره لا يخفى عليه شيء منه
272. ولما منع صلى الله عليه وسلم من التصدق على المشركين ليسلموا نزل: ( ليس عليك هداهم ) أي الناس إلى الدخول في الإسلام إنما عليك البلاغ ( ولكن الله يهدي من يشاء ) هدايته إلى الدخول فيه ( وما تنفقوا من خير ) مال ( فلأنفسكم ) لأن ثوابه لها ( وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله ) أي ثوابه لا غيره من أعراض الدنيا خبر بمعنى النهي ( وما تنفقوا من خير يوف إليكم ) جزاؤه ( وأنتم لا تظلمون ) تنقصون منه شيئا والجملتان تأكيد للأولى
273. ( للفقراء ) خبر مبتدأ محذوف أي الصدقات ( الذين أحصروا في سبيل الله ) أي حبسوا أنفسهم على الجهاد ، نزلت في أهل الصفة وهم أربعمائة من المهاجرين أرصدوا لتعلم القرآن والخروج مع السرايا ( لا يستطيعون ضربا ) سفراً ( في الأرض ) للتجارة والمعاش لشغلهم عنه بالجهاد ( يحسبهم الجاهل ) بحالهم ( أغنياء من التعفف ) أي لتعففهم عن السؤال وتركه ( تعرفهم ) يا مخاطب ( بسيماهم ) علامتهم من التواضع وأثر الجهد ( لا يسألون الناس ) شيئاً فيلحفون ( إلحافا ) أي لا سؤال لهم أصلا فلا يقع منهم إلحاف وهو الإلحاح ( وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم ) فمجاز عليه
274. ( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )
275. ( الذين يأكلون الربا ) أي يأخذونه وهو الزيادة في المعاملة بالنقود والمطعومات في القدر أو الأجل ( لا يقومون ) من قبورهم ( إلا ) قياما ( كما يقوم الذي يتخبطه ) يصرعه ( الشيطان من المَسِّ ) الجنون ، متعلق بيقومون ( ذلك ) الذي نزل بهم ( بأنهم ) بسبب أنهم ( قالوا إنما البيع مثل الربا ) في الجواز وهذا من عكس التشبيه مبالغة فقال تعالى ردا عليهم ( وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه ) بلغه ( موعظة ) وعظ ( من ربه فانتهى ) عن أكله ( فله ما سلف ) قبل النهي أي لا يسترد منه ( وأمره ) في العفو عنه ( إلى الله ومن عاد ) إلى أكله مشبها له بالبيع في الحل ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
276. ( يمحق الله الربا ) ينقصه ويذهب بركته ( ويربي الصدقات ) يزيدها وينميها ويضاعف ثوابها ( والله لا يحب كل كفار ) بتحليل الربا ( أثيم ) فاجر بأكله أي يعاقبه
277. ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )
278. ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ) اتركوا ( ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ) صادقين في إيمانكم فإن من شأن المؤمن امتثال أمر الله تعالى ، نزلت لما طالب بعض الصحابة بعد النهي بربا كان لهم من قبل
279. ( فإن لم تفعلوا ) ما أمرتم به ( فأذنوا ) اعلموا ( بحرب من الله ورسوله ) لكم فيه تهديد شديد لهم ولما نزلت قالوا لا يد لنا بحربه ( وإن تبتم ) رجعتم عنه ( فلكم رؤوس ) أصول ( أموالكم لا تَظلِمون ) بزيادة ( ولا تُظلَمون ) بنقص
280. ( وإن كان ) وقع غريم ( ذو عسرة فنَظِرة ) له أي عليكم تأخيره ( إلى ميسَرة ) بفتح السين وضمها أي وقت يسر ( وأن تصَّدقوا ) بالتشديد على إدغام التاء في الأصل في الصاد وبالتخفيف على حذفها أي تتصدقوا على المعسر بالإبراء ( خير لكم إن كنتم تعلمون ) أنه خير فافعلوه وفي الحديث « من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله » رواه مسلم
281. ( واتقوا يوما تُرجَعون ) بالبناء للمفعول تردون وللفاعل تسيرون ( فيه إلى الله ) هو يوم القيامة ( ثم توفى ) فيه ( كل نفس ) جزاء ( ما كسبت ) عملت من خير وشر ( وهم لا يظلمون ) بنقص حسنة أو زيادة سيئة
282. ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم ) تعاملتم ( بدين ) كسلم وقرض ( إلى أجل مسمى ) معلوم ( فاكتبوه ) استيثاقا ودفعا للنزاع ( وليكتب ) كتاب الدين ( بينكم كاتب بالعدل ) بالحق في كتابته لا يزيد في المال والأجل ولا ينقص ( ولا يأب ) يمتنع ( كاتب ) من ( أن يكتب ) إذ دعي إليها ( كما علمه الله ) أي فضله بالكتابة فلا يبخل بها ، والكاف متعلقة بيأب ( فليكتب ) تأكيد ( وليُملل ) يمل الكاتب ( الذي عليه الحق ) الدين لأنه المشهود عليه فيقر ليعلم ما عليه ( وليتق الله ربه ) في إملائه ( ولا يبخس ) ينقص ( منه ) أي الحق ( شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها ) مبذراً ( أو ضعيفا ) عن الإملاء لصغر أو كبر ( أو لا يستطيع أن يمل هو ) لخرس أو جهل باللغة أو نحو ذلك ( فليملل وليه ) متولي أمره من والد ووصي وقيم ومترجم ( بالعدل واستشهدوا ) أشهدوا على الدين ( شهيدين ) شاهدين ( من رجالكم ) أي بالغي المسلمين الأحرار ( فإن لم يكونا ) أي الشهيدان ( رجلين فرجل وامرأتان ) يشهدون ( ممن ترضون من الشهداء ) لدينه وعدالته وتعدد النساء لأجل ( أن تضل ) تنسى ( إحداهما ) الشهادة لنقص عقلهن وضبطهن ( فتذكِّر ) بالتخفيف والتشديد ( إحداهما ) الذاكرة ( الأخرى ) الناسية ، وجملة الإذكار محل العلة أي لتذكر إن ضلت ودخلت على الضلال لأنه سببه وفي قراءة بكسر { إن } شرطية ورفع تذكر استئناف جوابه ( ولا يأب الشهداء إذا ما ) زائدة ( دعوا ) إلى تحمل الشهادة وأدائها ( ولا تسأموا ) تملوا من ( أن تكتبوه ) أي ما شهدتم عليه من الحق لكثرة وقوع ذلك ( صغيرا ) كان ( أو كبيرا ) قليلا أو كثيرا ( إلى أجله ) وقت حلوله حال من الهاء في تكتبوه ( ذلكم ) أي الكتب ( أقسط ) أعدل ( عند الله وأقوم للشهادة ) أي أعون على إقامتها لأنه يذكرها ( وأدنى ) أقرب إلى ( أ ) ن ( لا ترتابوا ) تشكوا في قدر الحق والأجل ( إلا أن تكون ) تقع ( تجارةٌ حاضرةٌ ) وفي قراءة بالنصب فتكون ناقصة واسمها ضمير التجارة ( تديرونها بينكم ) أي تقبضونها ولا أجل فيها ( فليس عليكم جناح ) في ( أ ) ن ( لا تكتبوها ) والمراد بها المتجر فيه ( وأشهدوا إذا تبايعتم ) عليه فإنه أدفع للاختلاف وهذا وما قبله أمر ندب ( ولا يضار كاتب ولا شهيد ) صاحب الحق ومن عليه بتحريف أو امتناع من الشهادة أو الكتابة ولا يضرهما صاحب الحق بتكليفهما ما لا يليق في الكتابة والشهادة ( وإن تفعلوا ) ما نهيتم عنه ( فإنه فسوق ) خروج عن الطاعة لا حق ( بكم واتقوا الله ) في أمره ونهيه ( ويعلمكم الله ) مصالح أموركم حال مقدرة أو مستأنف ( والله بكل شيء عليم )
283. ( وإن كنتم على سفر ) أي مسافرين وتداينتم ( ولم تجدوا كاتبا فرُهُنٌ ) وفي قراءة { فرِهان } جمع رَهْن ( مقبوضة ) تستوثقون بها ، وبينت السنة جواز الرهن في الحضر ووجود الكاتب فالتقيد بما ذكر لأن التوثيق فيه أشد وأفاد قوله مقبوضة اشتراط القبض في الرهن والاكتفاء به من المرتهن ووكيله ( فإن أمن بعضكم بعضا ) أي الدائن المدين على حقه فلم يرتهن ( فليؤد الذي اؤتمن ) أي المدين ( أمانته ) دينه ( وليتق الله ربه ) في أدائه ( ولا تكتموا الشهادة ) إذا دعيتم لإقامتها ( ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ) خص بالذكر لأنه محل الشهادة ولأنه إذا أثم تبعه غيره فيعاقب عليه معاقبة الآثمين ( والله بما تعملون عليم ) لا يخفى عليه شيء منه
284. ( لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ) تظهروا ( ما في أنفسكم ) من السوء والعزم عليه ( أو تخفوه ) تسروه ( يحاسبكم ) يخبركم ( به الله ) يوم القيامة ( فيغفر لمن يشاء ) المغفرة له ( ويعذب من يشاء ) تعذيبه والفعلان بالجزم عطف على جواب الشرط والرفع أي فهو ( والله على كل شيء قدير ) ومنه محاسبتكم وجزاؤكم
285. ( آمن ) صدق ( الرسول ) محمد صلى الله عليه وسلم ( بما أنزل إليه من ربه ) من القرآن ( والمؤمنون ) عطف عليه ( كلٌ ) تنوينه عوض عن المضاف إليه ( آمن بالله وملائكته وكتبه ) بالجمع والإفراد ( ورسله ) يقولون ( لا نفرق بين أحد من رسله ) فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعل اليهود والنصارى ( وقالوا سمعنا ) أي ما أمرنا به سماع قبول ( وأطعنا ) نسألك ( غفرانك ربنا وإليك المصير ) المرجع بالبعث ، ولما نزلت الآية التي قبلها شكا المؤمنون من الوسوسة وشق عليهم المحاسبة بها فنزل:
286. ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) أي ما تسعه قدرتها ( لها ما كسبت ) من الخير أي ثوابه ( وعليها ما اكتسبت ) من الشر أي وزره ولا يؤاخذ أحد بذنب أحد ولا بما لم يكسبه مما وسوست به نفسه ، قولوا ( ربنا لا تؤاخذنا ) بالعقاب ( إن نسينا أو أخطأنا ) تركنا الصواب لا عن عمد كما آخذت به من قبلنا وقد رفع الله ذلك عن هذه الأمة كما ورد في الحديث فسؤاله اعتراف بنعمة الله ( ربنا ولا تحمل علينا إصرا ) أمرا يثقل علينا حمله ( كما حملته على الذين من قبلنا ) أي بني إسرائيل من قتل النفس في التوبة وإخراج ربع المال في الزكاة وقرض موضع النجاسة ( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة ) قوة ( لنا به ) من التكاليف والبلاء ( واعف عنا ) امح ذنوبنا ( واغفر لنا وارحمنا ) في الرحمة زيادة على المغفرة ( أنت مولانا ) سيدنا ومتولي أمورنا ( فانصرنا على القوم الكافرين ) بإقامة الحجة والغلبة في قتالهم فإن من شأن المولى أن ينصر مواليه على الأعداء ، وفي الحديث « لما نزلت هذا الآية فقرأها صلى الله عليه وسلم قيل له عقب كل كلمة قد فعلت » .
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
3. سورة آل عمران [ مدنية وآياتها 199 أو 200 آية ، نزلت بعد الأنفال ]
1. ( الم ) الله أعلم بمراده بذلك
2. ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم )
3. ( نزَّل عليك ) يا محمد ( الكتاب ) القرآن ملتبسا ( بالحق ) بالصدق في أخباره ( مصدقا لما بين يديه ) قبله من الكتب ( وأنزل التوراة والإنجيل )
4. ( من قبل ) أي قبل تنزيله ( هدى ) حال بمعنى هادين من الضلالة ( للناس ) ممن تبعهما ، وعبّر فيهما بأنزل وفي القرآن بنزّل المقتضي للتكرير لأنهما أنزلا دفعة واحدة بخلافه ( وأنزل الفرقان ) بمعنى الكتب الفارقة بين الحق والباطل وذكره بعد ذكر الثلاثة ليعم ما عداها ( إن الذين كفروا بآيات الله ) القرآن وغيره ( لهم عذاب شديد والله عزيز ) غالب على أمره فلا يمنعه شيء من إنجاز وعده ووعيده ( ذو انتقام ) عقوبة شديدة ممن عصاه لا يقدر على مثلها أحد
5. ( إن الله لا يخفى عليه شيء ) كائن ( في الأرض ولا في السماء ) لعلمه بما يقع في العالم من كلي وجزئي وخصهما بالذكر لأن الحس لا يتجاوزهما
6. ( هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ) من ذكورة وأنوثة وبياض وسواد وغير ذلك ( لا إله إلا هو العزيز ) في ملكه ( الحكيم ) في صنعه
7. ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ) واضحات الدلالة ( هن أم الكتاب ) أصله المعتمد عليه في الأحكام ( وأخر متشابهات ) لا تفهم معانيها كأوائل السور وجعله كله محكما في قوله { أحكمت آياته } بمعنى أيه ليس فيه عيب ، ومتشابها في قوله { كتابا متشابها } بمعنى أنه يشبه بعضه بعضا في الحسن والصدق ( فأما الذين في قلوبهم زيغ ) ميل عن الحق ( فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء ) طلب ( الفتنة ) لجهالهم بوقوعهم في الشبهات واللبس ( وابتغاء تأويله ) تفسيره ( وما يعلم تأويله ) تفسيره ( إلا الله ) وحده ( والراسخون ) الثابتون المتمكنون ( في العلم ) مبتدأ خبره ( يقولون آمنا به ) أي بالمتشابه أنه من عند الله ولا نعلم معناه ( كل ) من المحكم والمتشابه ( من عند ربنا وما يذَّكر ) بإدغام التاء في الأصل في الذال أي يتعظ ( إلا أولوا الألباب ) أصحاب العقول ويقولون أيضا إذا رأوا من يتبعه:
8. ( ربنا لا تزغ قلوبنا ) تملها عن الحق بابتغاء تأويله الذي لا يليق بنا كما أزغت قلوب أولئك ( بعد إذ هديتنا ) أرشدتنا إليه ( وهب لنا من لدنك ) من عندك ( رحمة ) تثبيتا ( إنك أنت الوهاب )
9. يا ( ربنا إنك جامع الناس ) تجمعهم ( ليوم ) أي في يوم ( لا ريب ) لا شك ( فيه ) هو يوم القيامة فتجازيهم بأعمالهم كما وعدت بذلك ( إن الله لا يخلف الميعاد ) موعده بالبعث فيه التفات عن الخطاب ويحتمل أن يكون من كلامه تعالى والغرض من الدعاء بذلك بيان أن همهم أمر الآخرة ولذلك سألوا الثبات على الهداية لينالوا ثوابها ، روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: « تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات } إلى آخرها ، وقال فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم » وروى الطبراني في الكبير عن أبي موسى الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « ما أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال وذكر منها أن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله وليس يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلى أولوا الألباب » الحديث
10. ( إن الذين كفروا لن تغني ) تدفع ( عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله ) أي عذابه ( شيئا وأولئك هم وَقود النار ) بفتح الواو ما توقد به
11. دأبهم ( كدأب ) كعادة ( آل فرعون والذين من قبلهم ) من الأمم كعاد وثمود ( كذبوا بآياتنا فأخذهم الله ) أهلكهم ( بذنوبهم ) والجملة مفسرة لما قبلها ( والله شديد العقاب ) ونزل لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم اليهود بالإسلام بعد مرجعه من بدر فقالوا له لا يغرنك أنك قتلت نفرا من قريش أغمارا لا يعرفون القتال:
12. ( قل ) يا محمد ( للذين كفروا ) من اليهود ( ستغلبون ) بالتاء والياء في الدنيا بالقتل والأسر وضرب الجزية وقد وقع ذلك ( وتحشرون ) بالوجهين في الآخرة ( إلى جهنم ) فتدخلونها ( وبئس المهاد ) الفراش هي
13. ( قد كان لكم آية ) عبرة وذكر الفعل للفصل ( في فئتين ) فرقتين ( التقتا ) يوم بدر للقتال ( فئة تقاتل في سبيل الله ) أي طاعته وهم النبي وأصحابه وكانوا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا معهم فرسان وست أدرع وثمانية سيوف وأكثرهم رجال ( وأخرى كافرة يرونهم ) أي الكفار ( مثليهم ) أي المسلمين أي أكثر منهم وكانوا نحو ألف ( رأي العين ) أي رؤية ظاهرة معاينة وقد نصرهم الله مع قلتهم ( والله يؤيد ) يقوي ( بنصره من يشاء إن في ذلك ) المذكور ( لعبرة لأولي الأبصار ) لذوي البصائر أفلا تعتبرون بذلك فتؤمنوا
14. ( زين للناس حب الشهوات ) ما تشتهيه النفس وتدعو إليه ، زينها الله ابتلاء أو الشيطان ( من النساء والبنين والقناطير ) الأموال الكثيرة ( المقنطرة ) المجمعة ( من الذهب والفضة والخيل المسومة ) الحسان ( والأنعام ) أي الإبل والبقر والغنم ( والحرث ) الزرع ( ذلك ) المذكور ( متاع الحياة الدنيا ) يتمتع به فيها ثم يفنى ( والله عنده حسن المآب ) المرجع وهو الجنة فينبغي الرغبة فيه دون غيره
15. ( قل ) يا محمد لقومك ( أؤنبئكم ) أخبركم ( بخير من ذلكم ) المذكور من الشهوات استفهام تقرير ( للذين اتقوا ) الشرك ( عند ربهم ) خبر مبتدؤه ( جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين ) أي مقدرين الخلود ( فيها ) إذا دخلوها ( وأزواج مطهرة ) من الحيض وغيره مما يستقذر ( ورِضوان ) بكسر أوله وضمه لغتان أي رضاً كثيراً ( من الله والله بصير ) عالم ( بالعباد ) فيجازي كلا منهم بعمله
16. ( الذين ) نعت أو بدل من الذين قبله ( يقولون ) يا ( ربنا إننا آمنا ) صدقنا بك وبرسولك ( فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار )
17. ( الصابرين ) على الطاعة وعن المعصية نعت ( والصادقين ) في الإيمان ( والقانتين ) المطيعين لله ( والمنفقين ) المتصدقين ( والمستغفرين ) الله بأن يقولوا اللهم اغفر لنا ( بالأسحار ) أواخر الليل خصت بالذكر لأنها وقت الغفلة ولذة النوم
18. ( شهد الله ) بين لخلقه بالدلائل والآيات ( أنه لا إله ) أي لا معبود في الوجود بحق ( إلا هو و ) شهد بذلك ( الملائكة ) بالإقرار ( وأولوا العلم ) من الأنبياء والمؤمنين بالإعتقاد واللفظ ( قائما ) بتدبير مصنوعاته ونصبه على الحال والعامل فيها معنى أي تفرد ( بالقسط ) بالعدل ( لا إله إلا هو ) كرره تأكيدا ( العزيز ) في ملكه ( الحكيم ) في صنعه
19. ( إن الدين ) المرضي ( عند الله ) هو ( الإسلام ) أي الشرع المبعوث به الرسل المبني على التوحيد وفي قراءة بفتح { أن } بدل من أنه الخ بدل اشتمال ( وما اختلف الذين أوتوا الكتاب ) اليهود والنصارى في الدين بأن وحد بعض وكفر بعض ( إلا من بعد ما جاءهم العلم ) بالتوحيد ( بغيا ) من الكافرين ( بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب ) أي المجازاة له
20. ( فإن حاجوك ) خاصمك الكفار يا محمد في الدين ( فقل ) لهم ( أسلمت وجهي لله ) انقدت له أنا ( ومن اتبعن ) وخص الوجه بالذكر لشرفه فغيره أولى ( وقل للذين أوتوا الكتاب ) اليهود والنصارى ( والأميين ) مشركي العرب ( أأسلمتم ) أي أسلموا ( فإن أسلموا فقد اهتدوا ) من الضلال ( وإن تولوا ) عن الإسلام ( فإنما عليك البلاغ ) التبليغ للرسالة ( والله بصير بالعباد ) فيجازيهم بأعمالهم وهذا قبل الأمر بالقتال
21. ( إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون ) وفي قراءة { يقاتلون } ( النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط ) بالعدل ( من الناس ) وهم اليهود روي أنهم قتلوا ثلاثة وأربعين نبيا فنهاهم مائة وسبعون من عبادهم فقتلوهم من يومهم ( فبشرهم ) أعلمهم ( بعذاب أليم ) مؤلم وذكر البشارة تهكم بهم ودخلت الفاء في خبر إن لشبه اسمهما الموصول بالشرط
22. ( أولئك الذين حبطت ) بطلت ( أعمالهم ) ما عملوا من خير كصدقة وصلة رحم ( في الدنيا والآخرة ) فلا اعتداد بها لعدم شرطها ( وما لهم من ناصرين ) مانعين من العذاب
23. ( ألم تر ) تنظر ( إلى الذين أوتوا نصيبا ) حظا ( من الكتاب ) التوراة ( يدعون ) حال ( إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ) عن قبول حكمه نزل في اليهود زنى منهم اثنان فتحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحكم عليهما بالرجم فأبوا فجيء بالتوراة فوجد فيها فرجما فغضبوا
24. ( ذلك ) التولي والإعراض ( بأنهم قالوا ) أي بسبب قولهم ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ) أربعين يوما مدة عبادة آبائهم العجل ثم تزول عنهم ( وغرهم في دينهم ) متعلق بقوله ( ما كانوا يفترون ) من قولهم ذلك
25. ( فكيف ) حالهم ( إذا جمعناهم ليوم ) أي في يوم ( لا ريب ) لا شك ( فيه ) هو يوم القيامة ( ووفيت كل نفس ) من أهل الكتاب وغيرهم جزاء ( ما كسبت ) عملت من خير وشر ( وهم ) أي الناس ( لا يظلمون ) بنقص حسنة أو زيادة سيئة
26. ونزلت لما وعد صلى الله عليه وسلم أمته ملك فارس والروم فقال المنافقون هيهات: ( قل اللهم ) يا الله ( مالك الملك تؤتي ) تعطي ( الملك من تشاء ) من خلقك ( وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء ) بإيتائه ( وتذل من تشاء ) بنزعه منه ( بيدك ) بقدرتك ( الخير ) أي والشر ( إنك على كل شيء قدير )
27. ( تولج ) تدخل ( الليل في النهار وتولج النهار ) تدخله ( في الليل ) فيزيد كل منهما بما نقص من الآخر ( وتخرج الحي من الميت ) كالإنسان والطائر من النطفة والبيضة ( وتخرج الميت ) كالنطفة والبيضة ( من الحي وترزق من تشاء بغير حساب ) أي رزقا واسعا
28. ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء ) يوالونهم ( من دون ) أي غير ( المؤمنين ومن يفعل ذلك ) أي يواليهم ( فليس من ) دين ( الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ) مصدر تقيته أي تخافوا مخافة فلكم موالاتهم باللسان دون القلب وهذا قبل عزة الإسلام ويجري فيمن هو في بلد ليس قويا فيها ( ويحذركم ) يخوفكم ( الله نفسه ) أن يغضب عليكم إن واليتموهم ( وإلى الله المصير ) المرجع فيجازيكم
29. ( قل ) لهم ( إن تخفوا ما في صدوركم ) قلوبكم من موالاتهم ( أو تبدوه ) تظهروه ( يعلمه الله و ) هو ( يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير ) ومنه تعذيب من والاهم
30. اذكر ( يوم تجد كل نفس ما عملتـ ) ـه ( من خير محضراً وما عملتـ ) ـه ( من سوء ) مبتدأ خبره ( تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ) غاية في نهاية البعد فلا يصل إليها ( ويحذركم الله نفسه ) كرر للتأكيد ( والله رؤوف بالعباد )
31. ونزل لما قالوا ما نعبد الأصنام إلا حبا لله ليقربونا إليه ( قل ) لهم يا محمد ( إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) بمعنى أن يثيبكم ( ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور ) لمن اتبعني ما سلف منه قبل ذلك ( رحيم ) به
32. ( قل ) لهم ( أطيعوا الله والرسول ) فيما يأمركم به من التوحيد ( فإن تولوا ) أعرضوا عن الطاعة ( فإن الله لا يحب الكافرين ) فيه إقامة الظاهر مقام المضمر أي لا يحبهم بمعنى أنه يعاقبهم
33. ( إن الله اصطفى ) اختار ( آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران ) بمعنى أنفسهما ( على العالمين ) بجعل الأنبياء من نسلهم
34. ( ذرية بعضها من ) ولد ( بعض ) منهم ( والله سميع عليم )
35. اذكر ( إذ قالت امرأة عمران ) حنة لما أسنت واشتاقت للولد فدعت الله وأحست بالحمل يا ( رب إني نذرت ) أن أجعل ( لك ما في بطني محرراً ) عتيقاً خالصاً من شواغل الدنيا لخدمة بيتك المقدس ( فتقبل مني إنك أنت السميع ) للدعاء ( العليم ) بالنيات ، وهلك عمران وهي حامل
36. ( فلما وضعتها ) ولدتها جارية وكانت ترجو أن يكون غلاما إذ لم يكن يحرر إلا الغلمان ( قالت ) معتذرة يا ( رب إني وضعتها أنثى والله أعلم ) أي عالم ( بما وضعتْ ) جملة اعتراض من كلامه تعالى وفي قراءة بضم التاء ( وليس الذكر ) الذي طلبت ( كالأنثى ) التي وهبت لأنه يقصد للخدمة وهي لا تصلح لضعفها وعورتها وما يعتريها من الحيض ونحوه ( وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها ) أولادها ( من الشيطان الرجيم ) المطرود في الحديث « ما من مولود يولد إلا مسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا إلا مريم وابنها » رواه الشيخان
37. ( فتقبلها ربها ) أي قبل مريم من أمها ( بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا ) أنشأها بخلق حسن فكانت تنبت في اليوم كما ينبت المولود في العام وأتت بها أمها الأحبار سَدَنة بيت المقدس فقالت: دونكم هذه النذيرة فتنافسوا فيها لأنها بنت إمامهم فقال زكريا أنا أحق بها لأن خالتها عندي فقالوا لا حتى نقترع فانطلقوا وهم تسعة وعشرون إلى نهر الأردن وألقوا أقلامهم على أن من ثبت قلمه في الماء وصعد أولى بها فثبت قلم زكريا فأخذها وبنى لها غرفة في المسجد بسلم لا يصعد إليها غيره وكان يأتيها بأكلها وشربها ودهنها فيجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف كما قال تعالى ( وكفَلَها زكرياءُ ) ضمها إليه وفي قراءة بالتشديد ونصب زكريا ممدودا ومقصورا والفاعل الله ( كلما دخل عليها زكريا المحراب ) الغرفة وهي أشرف المجالس ( وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى ) من أين ( لك هذا قالت ) وهي صغيرة ( هو من عند الله ) يأتيني به من الجنة ( إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) رزقا واسعا بلا تبعة
38. ( هنالك ) أي لما رأى زكريا ذلك وعلم أن القادر على الإتيان بالشيء في غير حينه قادر على الإتيان بالولد على الكبر وكان أهل بيته انقرضوا ( دعا زكريا ربه ) لما دخل المحراب للصلاة جوف الليل ( قال رب هب لي من لدنك ) من عندك ( ذرية طيبة ) ولدا صالحا ( إنك سميع ) مجيب ( الدعاء )
39. ( فنادته الملائكة ) أي جبريل ( وهو قائم يصلي في المحراب ) أي المسجد ( أن ) أي بأن وفي قراءة بالكسر بتقدير القول ( الله يُبَشِّرك ) مثقلا ومخففا ( بيحيى مصدقا بكلمة ) كائنة ( من الله ) أي بعيسى أنه روح الله وسمي كلمة لأنه خلق بكلمة كن ( وسيدا ) متبوعا ( وحصورا ) ممنوعا من النساء ( ونبيا من الصالحين ) روي أنه لم يعمل خطيئة ولم يهم بها
40. ( قال رب أنى ) كيف ( يكون لي غلام ) ولد ( وقد بلغني الكبر ) أي بلغت نهاية السن مائة وعشرين سنة ( وامرأتي عاقر ) بلغت ثمان وتسعين سنة ( قال ) الأمر ( كذلك ) من خلق الله غلاما منكما ( الله يفعل ما يشاء ) لا يعجزه عنه شيء ولإظهار هذه القدرة العظيمة ألهمه السؤال ليجاب بها ولما تاقت نفسه إلى سرعة المبشر به
41. ( قال رب اجعل لي آية ) أي علامة على حمل امرأتي ( قال آيتك ) عليه ( أ ) ن ( لا تكلم الناس ) أي تمتنع من كلامهم بخلاف ذكر الله تعالى ( ثلاثة أيام ) أي بلياليها ( إلا رمزا ) إشارة ( واذكر ربك كثيرا وسبح ) صل ( بالعشي والإبكار ) أواخر النهار وأوائله
42. ( و ) اذكر ( إذ قالت الملائكة ) أي جبريل ( يا مريم إن الله اصطفاك ) اختارك ( وطهرك ) من مسيس الرجال ( واصطفاك على نساء العالمين ) أي أهل زمانك
43. ( يا مريم اقنتي لربك ) أطيعيه ( واسجدي واركعي مع الراكعين ) أي صلي مع المصلين
44. ( ذلك ) المذكور من أمر زكريا ومريم ( من أنباء الغيب ) أخبار ما غاب عنك ( نوحيه إليك ) يا محمد ( وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم ) في الماء يقترعون ليظهر لهم ( أيهم يكفل ) يربّي ( مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ) في كفالتها فتعرف ذلك فتخبر به وإنما عرفته من جهة الوحي
45. ( إذ قالت الملائكة ) أي جبريل ( يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه ) أي ولد ( اسمه المسيح عيسى ابن مريم ) خاطبها بنسبته إليها تنبيها على أنها تلده بلا أب إذ عادة الرجال نسبتهم إلى آبائهم ( وجيهاً ) ذا جاه ( في الدنيا ) بالنبوة ( والآخرة ) بالشفاعة والدرجات العلا ( ومن المقربين ) عند الله
46. ( ويكلم الناس في المهد ) أي طفلا قبل وقت الكلام ( وكهلاً ومن الصالحين )
47. ( قالت رب أنّى ) كيف ( يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ) بتزوج ولا غيره ( قال ) الأمر ( كذلك ) من خلق ولد منك بلا أب ( الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً ) أراد خلقه ( فإنما يقول له كن فيكون ) أي فهو يكون
48. ( ونعلِّمه ) بالنون والياء ( الكتاب ) الخط ( والحكمة والتوراة والإنجيل )
49. ( و ) نجعله ( رسولاً إلى بني إسرائيل ) في الصبا أو بعد البلوغ فنفخ جبريل في جيب درعها فحملت ، وكان من أمرها ما ذكر في سورة مريم فلما بعثه الله إلى بني إسرائيل قال لهم: إني رسول الله إليكم ( أني ) أي بأني ( قد جئتكم بآية ) علامة على صدقي ( من ربكم ) هي ( أني ) وفي قراءة بالكسر استئنافا ( أخلق ) أصور ( لكم من الطين كهيئة الطير ) فالكاف اسم مفعول ( فأنفخ فيه ) الضمير للكاف ( فيكون طيراً ) وفي قراءة طائر ( بإذن الله ) بإرادته فخلق لهم الخفاش لأنه أكمل الطير خلقا فكان يطير وهم ينظرونه فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتا ليتميز فعل المخلوق من فعل الخالق وهو الله تعالى وليعلم أن الكمال لله ( وأبرِّئ ) أشفى ( الأكمه ) الذي ولد أعمى ( والأبرص ) وخُصا بالذكر لأنهما داءا إعياء وكان بعثه في زمن الطب فأبرأ في يوم خمسين ألفا بالدعاء بشرط الإيمان ( وأحيي الموتى بإذن الله ) كرره لنفي توهم الألوهية فيه فأحيا عازر صديقا له وابن العجوز وابنة العاشر فعاشوا وولد لهم ، وسام بن نوح ومات في الحال ( وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون ) تخبئون ( في بيوتكم ) مما لم أعاينه فكان يخبر الشخص بما أكل وبما يأكل بعد ( إن في ذلك ) المذكور ( لآية لكم إن كنتم مؤمنين )
50. ( و ) جئتكم ( مصدقا لما بين يدي ) قبلي ( من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ) فيها فأحل لهم من السمك والطير ما لا صيصة له وقيل أحل الجميع فبعض بمعنى كل ( وجئتكم بآية من ربكم ) كرّره تأكيداً وليبني عليه ( فاتقوا الله وأطيعون ) فيما آمركم به من توحيد الله وطاعته
51. ( إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا ) الذي آمركم به ( صراط ) طريق ( مستقيم ) فكذبوه ولم يؤمنوا به
52. ( فلما أحس ) علم ( عيسى منهم الكفر ) وأرادوا قتله ( قال من أنصاري ) أعواني ذاهباً ( إلى الله ) لأنصر دينه ( قال الحواريون نحن أنصار الله ) أعوان دينه وهم أصفياء عيسى أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا من الحور وهو البياض الخالص وقيل كانوا قصّارين يحورون الثياب أي يبيّضونها ( آمنا ) صدقنا ( بالله واشهد ) يا عيسى ( بأنا مسلمون )
53. ( ربنا آمنا بما أنزلت ) من الإنجيل ( واتبعنا الرسول ) عيسى ( فاكتبنا مع الشاهدين ) لك بالوحدانية ولرسولك بالصدق
54. قال تعالى: ( ومكروا ) أي كفار بني إسرائيل بعيسى إذ وكّلوا به من يقتله غيلة ( ومكر الله ) بهم بأن ألقى شبه عيسى على من قصد قتله فقتلوه ورفع عيسى إلى السماء ( والله خير الماكرين ) أعلمهم به
55. اذكر ( إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ) قابضك ( ورافعك إلي ) إلي من الدنيا من غير موت ( ومطهرك ) مبعدك ( من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك ) صدّقوا بنبوتك من المسلمين والنصارى ( فوق الذين كفروا ) بك وهم اليهود يعلونهم بالحجة والسيف ( إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون ) من أمر الدين
56. ( فأما الذين كفروا فأعذبهم عذاباً شديداً في الدنيا ) بالقتل والسبي والجزية ( والآخرة ) بالنار ( وما لهم من ناصرين ) مانعين منه
57. ( وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفِّيهم ) بالياء والنون ( أجورهم والله لا يحب الظالمين ) أي يعاقبهم ، روي أن الله تعالى أرسل إليه سحابة فرفعته فتعلقت به أمه وبكت فقال لها إن القيامة تجمعنا وكان ذلك ليلة القدر ببيت المقدس وله ثلاث وثلاثون سنة ، وعاشت أمه بعده ست سنين وروى الشيخان حديث « أنه ينزل قرب الساعة ويحكم بشريعة نبينا ويقتل الدجال والخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية » وفي حديث مسلم أنه يمكث سبع سنين وفي حديث عن أبي داود الطيالسي أربعين سنة ويتوفى ويصلى عليه فيحتمل أن المراد مجموع لبثه في الأرض قبل الرفع وبعده
58. ( ذلك ) المذكور من أمر عيسى ( نتلوه ) نقصه ( عليك ) يا محمد ( من الآيات ) حال من الهاء في نتلوه وعامله ما في ذلك من معنى الإشارة ( والذكر الحكيم ) المحكم أي القرآن
59. ( إن مثل عيسى ) شأنه الغريب ( عند الله كمثل آدم ) كشأنه في خلقه من غير أم ولا أب وهو من تشبيه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم وأوقع في النفس ( خلقه من تراب ثم قال له كن ) بشراً ( فيكون ) أي فكان وكذلك عيسى قال له كن من غير أب فكان
60. ( الحق من ربك ) خبر مبتدأ محذوف أي أمر عيسى ( فلا تكن من الممترين ) الشاكين فيه
61. ( فمن حاجك ) جادلك من النصارى ( فيه من بعد ما جاءك من العلم ) بأمره ( فقل ) لهم ( تعالَوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) فنجمعهم ( ثم نبتهل ) نتضرع في الدعاء ( فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) بأن نقول: اللهم العن الكاذب في شأن عيسى وقد دعا صلى الله عليه وسلم وفد نجران لذلك لما حاجوه به فقالوا: حتى ننظر في أمرنا ثم نأتيك فقال ذو رأيهم: لقد عرفتم نبوته وأنه ما باهل قوم نبيا إلا هلكوا فوادعوا الرجل وانصرفوا فأتوا الرسول صلى الله عليه وسلم وقد خرج ومعه الحسن والحسين وفاطمة وعلي وقال لهم: إذا دعوت فأمِّنوا فأبوا أن يلاعنوا وصالحوه على الجزية رواه أبو نُعيم ، وعن ابن عباس قال: لو خرج الذين يباهلون لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا ، وروي: لو خرجوا لاحترقوا
62. ( إن هذا ) المذكور ( لهو القصص ) الخبر ( الحق ) الذي لا شك فيه ( وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز ) في ملكه ( الحكيم ) في صنعه
63. ( فإن تولوا ) أعرضوا عن الإيمان ( فإن الله عليم بالمفسدين ) فيجازيهم وفيه وضع الظاهر موضع المضمر
64. ( قل يا أهل الكتاب ) اليهود والنصارى ( تعالَوا إلى كلمةٍ سواءٍ ) مصدر بمعنى مستو أمرها ( بيننا وبينكم ) هي ( أ ) ن ( لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله ) كما اتخذتم الأحبار والرهبان ( فإن تولوا ) أعرضوا عن التوحيد ( فقولوا ) أنتم لهم ( اشهدوا بأنا مسلمون ) موحدون
65. ونزل لما قال اليهود: إبراهيم يهودي ونحن على دينه ، وقالت النصارى كذلك: ( يا أهل الكتاب لم تحاجُّون ) تخاصمون ( في إبراهيم ) بزعمكم أنه على دينكم ( وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده ) بزمن طويل وبعد نزولهما حدثت اليهودية والنصرانية ( أفلا تعقلون ) بطلان قولكم
66. ( ها ) للتنبيه ( أنتم ) مبتدأ يا ( هؤلاء ) والخبر ( حاججتم فيما لكم به علم ) من أمر موسى وعيسى وزعمكم أنكم من دينهما ( فلم تحاجُّون فيما ليس لكم به علم ) من شأن إبراهيم ( والله يعلم ) شأنه ( وأنتم لا تعلمون ) قال تعالى تبرئة لإبراهيم:
67. ( ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً ) مائلاً عن الأديان كلها إلى الدين القيم ( مسلماً ) موحداً ( وما كان من المشركين )
68. ( إن أولى الناس ) أحقهم ( بإبراهيم للذين اتبعوه ) في زمانه ( وهذا النبي ) محمد لموافقته له في أكثر شرعه ( والذين آمنوا ) من أمته فهم الذين ينبغي أن يقولوا نحن على دينه لا أنتم ( والله ولي المؤمنين ) ناصرهم وحافظهم
69. ونزل لما دعا اليهود معاذاً وحذيفةَ وعماراً إلى دينهم: ( ودّت طائفة من أهل الكتاب لو يُضلُّونكم وما يُضلُّون إلا أنفسهم ) لأن إثم إضلالهم عليهم والمؤمنون لا يطيعونهم فيه ( وما يشعرون ) بذلك
70. ( يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله ) القرآن المشتمل على نعت محمد صلى الله عليه وسلم ( وأنتم تشهدون ) تعلمون أنه حق
71. ( يا أهل الكتاب لم تلبسون ) تخلطون ( الحق بالباطل ) بالتحريف والتزوير ( وتكتمون الحق ) أي نعت النبي ( وأنتم تعلمون ) أنه حق
72. ( وقالت طائفة من أهل الكتاب ) اليهود لبعضهم ( آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا ) أي القرآن ( وجه النهار ) أوله ( واكفروا ) به ( آخره لعلهم ) أي المؤمنين ( يرجعون ) عن دينهم إذ يقولون ما رجع هؤلاء عنه بعد دخولهم فيه وهم أولو علم إلا لعلمهم بطلانه
73. وقالوا أيضا ( ولا تؤمنوا ) تصدقوا ( إلا لمن ) اللام زائدة ( تبع ) وافق ( دينكم ) قال تعالى: ( قل ) لهم يا محمد ( إن الهدى هدى الله ) الذي هو الإسلام وما عداه ضلال ، والجملة إعتراض ( أن ) أي بأن ( يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ) من الكتاب والحكمة والفضائل ، وأن مفعول تؤمنوا ، والمستثنى منه أحد قدم عليه المستثنى المعنى: لا تقروا بأن أحدا يؤتى ذلك إلا لمن اتبع دينكم ( أو ) بأن ( يحاجوكم ) أي المؤمنون يغلبوكم ( عند ربكم ) يوم القيامة لأنكم أصح دينا ، وفي قراءة: أأن بهمزة التوبيخ أي إيتاء أحد مثله تقرون به قال تعالى: ( قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ) فمن أين لكم أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ( والله واسع ) كثير الفضل ( عليم ) بمن هو أهله
74. ( يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم )
75. ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار ) أي بمال كثير ( يؤده إليك ) لأمانته كعبد الله بن سلام أودعه رجل ألفا ومائتي أوقية ذهباً فأداها إليه ( ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك ) لخيانته ( إلا ما دمت عليه قائما ) لا تفارقه فمتى فارقته أنكره ككعب بن الأشرف استودعه قرشي ديناراً فجحده ( ذلك ) أي ترك الأداء ( بأنهم قالوا ) بسبب قولهم ( ليس علينا في الأميين ) أي العرب ( سبيل ) أي إثم لاستحلالهم ظلم من خالف دينهم ونسبوه إليه تعالى ، قال تعالى ( ويقولون على الله الكذب ) في نسبة ذلك إليه ( وهم يعلمون )
76. ( بلى ) عليهم فيه سبيل ( من أوفى بعهده ) الذي عاهد عليه أو بعهد الله إليه من أداء الأمانة وغيره ( واتقى ) الله بترك المعاصي وعمل الطاعات ( فإن الله يحب المتقين ) فيه وضع الظاهر موضع المضمر أي يحبهم بمعنى يثيبهم
77. ونزل في اليهود لما بدلوا نعت النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الله إليهم في التوراة وفيمن حلف كاذباً في دعوى أو في بيع سلعة: ( إن الذين يشترون ) يستبدلون ( بعهد الله ) إليهم في الإيمان بالنبي وأداء الأمانة ( وأيمانهم ) حلفهم به تعالى كاذبين ( ثمنا قليلا ) من الدنيا ( أولئك لا خلاق ) نصيب ( لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ) غضبا ( ولا ينظر إليهم ) يرحمهم ( يوم القيامة ولا يزكيهم ) يطهرهم ( ولهم عذاب أليم ) مؤلم
78. ( وإن منهم ) أي أهل الكتاب ( لفريقاً ) طائفة ككعب بن الأشرف ( يلوُون ألسنتهم بالكتاب ) أي يعطفونها بقراءته عن المنزل إلى ما حرفوه من نعت النبي صلى الله عليه وسلم ونحوه ( لتحسبوه ) أي المحرَّف ( من الكتاب ) الذي أنزله الله ( وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ) أنهم كاذبون
79. ونزل لما قال نصارى نجران إن عيسى أمرهم أن يتخذوه رباً ولما طلب بعض المسلمين السجود له صلى الله عليه وسلم ( ما كان ) ينبغي ( لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم ) أي الفهم للشريعة ( والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن ) يقول ( كونوا ربانيين ) علماء عاملين منسوبين إلى الرب بزيادة ألف ونون تفخيما ( بما كنتم تَعْلَمون ) بالتخفيف والتشديد ( الكتاب وبما كنتم تدرسون ) أي بسبب ذلك فإن فائدته أن تعملوا
80. ( ولا يأمرُكم ) بالرفع استئنافا أي الله ، والنصب عطفاً على يقول أي البشر ( أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ) كما اتخذت الصابئة الملائكة واليهود عزيراً والنصارى عيسى ( أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ) لا ينبغي له هذا
81. ( و ) اذكر ( إذ ) حين ( أخذ الله ميثاق النبيين ) عهدهم ( لَما ) بفتح اللام للابتداء وتوكيد معنى القسم الذي في أخذ الميثاق وكسرها متعلقة بأخذ وما موصولة على الوجهين أي للذي ( آتيتكم ) إياه ، وفي قراءةٍ { آتيناكم } ( من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم ) من الكتاب والحكمة وهو محمد صلى الله عليه وسلم ( لتؤمنن به ولتنصرنه ) جواب القسم إن أدركتموه وأممهم تبع لهم في ذلك ( قال ) تعالى لهم ( أأقررتم ) بذلك ( وأخذتم ) قبلتم ( على ذلكم إصري ) عهدي ( قالوا أقررنا قال فاشهدوا ) على أنفسكم وأتباعكم بذلك ( وأنا معكم من الشاهدين ) عليكم وعليهم
82. ( فمن تولى ) أعرض ( بعد ذلك ) الميثاق ( فأولئك هم الفاسقون )
83. ( أفغير دين الله يبغون ) بالياء والتاء أي المتولون ( وله أسلم ) انقاد ( من في السماوات والأرض طوعاً ) بلا إباء ( وكرهاً ) بالسيف ومعاينة ما يلجئ إليه ( وإليه تُرجعون ) بالتاء والياء والهمزة في أول الآية للإنكار
84. ( قل ) لهم يا محمد ( آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ) أولاده ( وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ) بالتصديق والتكذيب ( ونحن له مسلمون ) مخلصون في العبادة. ونزل فيمن ارتد ولحق بالكفار:
85. ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) لمصيره إلى النار المؤيدة عليه
86. ( كيف ) أي لا ( يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا ) أي شهادتهم ( أن الرسول حق و ) قد ( جاءهم البينات ) الحجج الظاهرات على صدق النبي ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) أي الكافرين
87. ( أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين )
88. ( خالدين فيها ) أي اللعنة أو النار المدلول بها عليها ( لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون ) يمهلون
89. ( إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا ) عملهم ( فإن الله غفور ) لهم ( رحيم ) بهم
90. ونزل في اليهود ( إن الذين كفروا ) بعيسى ( بعد إيمانهم ) بموسى ( ثم ازدادوا كفراً ) بمحمد ( لن تقبل توبتهم ) إذا غرغروا أو ماتوا كفارا ( وأولئك هم الضالون )
91. ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ) مقدار ما يملؤها ( ذهباً ولو افتدى به ) أدخل الفاء في خبر إن لشبه الذين بالشرط وإيذاناً بتسبب عدم القبول عن الموت على الكفر ( أولئك لهم عذاب أليم ) مؤلم ( وما لهم من ناصرين ) مانعين منه
92. ( لن تنالوا البر ) أي ثوابه وهو الجنة ( حتى تنفقوا ) تَصَّدَّقوا ( مما تحبون ) من أموالكم ( وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم ) فيجازي عليه
93. ونزل لما قال اليهود إنك تزعم أنك على ملة إبراهيم وكان لا يأكل لحوم الإبل وألبانها: ( كلُّ الطعام كان حِلاً ) حلالاً ( لبني إسرائيل إلا ما حرَّم إسرائيل ) يعقوب ( على نفسه ) وهو الإبل لما حصل له عرق النسا بالفتح والقصر فنذر إن شفي لا يأكلها فحُرِّم عليه ( من قبل أن تنزل التوراة ) وذلك بعد إبراهيم ولم تكن على عهده حراما كما زعموا ( قل ) لهم ( فأتوا بالتوراة فاتلوها ) ليتبين صدق قولكم ( إن كنتم صادقين ) فيه فبهتوا ولم يأتوا بها قال تعالى:
94. ( فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك ) أي ظهور الحجة بأن التحريم إنما كان من جهة يعقوب لا على عهد إبراهيم ( فأولئك هم الظالمون ) المتجاوزون الحق إلى الباطل
95. ( قل صدق الله ) في هذا كجميع ما أخبر به ( فاتبعوا ملة إبراهيم ) التي أنا عليها ( حنيفاً ) مائلاً عن كل دين إلى الإسلام ( وما كان من المشركين )
96. ونزل لما قالوا قبلتنا قبل قبلتكم ( إن أول بيت وضع ) مُتعَبدَّاً ( للناس ) في الأرض ( للذي ببكة ) بالباء لغة في مكة سميت بذلك لأنها تَبُكُّ أعناق الجبابرة أي تدقها ، بناه الملائكة قبل خلق آدم ووضع بعده الأقصى وبينهما أربعون سنة كما في حديث الصحيحين وفي حديث « أنه أول ما ظهر على وجه الماء عند خلق السماوات والأرض زبدة بيضاء فدحيت الأرض من تحته » ( مباركاً ) حال من الذي أي ذا بركة ( وهدى للعالمين ) لأنه قبلتهم
97. ( فيه آيات بينات ) منها ( مقام إبراهيم ) أي الحجر الذي قام عليه عند بناء البيت فأثر قدماه فيه وبقي إلى الآن مع تطاول الزمان وتداول الأيدي عليه ومنها تضعيف الحسنات فيه وأن الطير لا يعلوه ( ومن دخله كان آمنا ) لا يتعرض إليه بقتل أو ظلم أو غير ذلك ( ولله على الناس حِجُّ البيت ) واجب بكسر الحاء وفتحها لغتان في مصدر حج قصد ويبدل من الناس ( من استطاع إليه سبيلاً ) طريقاً فسَّرَه صلى الله عليه وسلم بالزاد والراحلة رواه الحاكم وغيره ( ومن كفر ) بالله أو بما فرضه من الحج ( فإن الله غني عن العالمين ) الإنس والجن والملائكة وعن عبادتهم
98. ( قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله ) القرآن ( والله شهيد على ما تعملون ) فيجازيكم عليه
99. ( قل يا أهل الكتاب لم تصدون ) تصرفون ( عن سبيل الله ) أي دينه ( من آمن ) بتكذيبكم النبي وكتم نعمته ( تبغونها ) أي تطلبون السبيل ( عِوَجاً ) مصدر بمعنى معوجة أي مائلة عن الحق ( وأنتم شهداء ) عالمون بأن الدين المرضي القيم دين الإسلام كما في كتابكم ( وما الله بغافل عما تعملون ) من الكفر والتكذيب وإنما يؤخركم إلى وقتكم ليجازيكم
100. ونزل لما مر بعض اليهود على الأوس والخزرج وغاظهم تألفهم فذكروهم بما كان بينهم في الجاهلية من الفتن فتشاجروا وكادوا يقتتلون: ( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين )
101. ( وكيف تكفرون ) استفهام تعجب وتوبيخ ( وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم ) يتمسك ( بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم )
102. ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ) بأن يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى فقالوا يا رسول الله و من يقوى على هذا فنسخ بقوله تعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } ( ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) موحدون
103. ( واعتصموا ) تمسكوا ( بحبل الله ) أي دينه ( جميعا ولا تفرقوا ) بعد الإسلام ( واذكروا نعمة الله ) إنعامه ( عليكم ) يا معشر الأوس والخزرج ( إذ كنتم ) قبل الإسلام ( أعداءً فألف ) جمع ( بين قلوبكم ) بالإسلام ( فأصبحتم ) فصرتم ( بنعمته إخواناً ) في الدين والولاية ( وكنتم على شفا ) طرف ( حفرة من النار ) ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلا أن تموتوا كفاراً ( فأنقذكم منها ) بالإيمان ( كذلك ) كما بين لكم ما ذكر ( يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون )
104. ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ) الإسلام ( ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك ) الداعون الآمرون الناهون ( هم المفلحون ) الفائزون ، ومن للتبعيض لأن ما ذكر فرض كفاية لا يلزم كل الأمة ولا يليق بكل أحد كالجاهل. وقيل زائدة أي لتكونوا أمة.
105. ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا ) عن دينهم ( واختلفوا ) فيه ( من بعد ما جاءهم البينات ) وهم اليهود والنصارى ( وأولئك لهم عذاب عظيم )
106. ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ) أي يوم القيامة ( فأما الذين اسودت وجوههم ) وهم الكافرون فيلقون في النار ويقال لهم توبيخا ( أكفرتم بعد إيمانكم ) يوم أخذ الميثاق ( فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون )
107. ( وأما الذين ابيضت وجوههم ) وهم المؤمنون ( ففي رحمة الله ) أي جنته ( هم فيها خالدون )
108. ( تلك ) أي هذه الآيات ( آيات الله نتلوها عليك ) يا محمد ( بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين ) بأن يأخذهم بغير جرم
109. ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ) مُلكاً وخلقاً وعبيداً ( وإلى الله تُرجع ) تصير ( الأمور )
110. ( كنتم ) يا أمة محمد في علم الله تعالى ( خير أمة أخرجت ) أظهرت ( للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان ) الإيمان ( خيراً لهم منهم المؤمنون ) كعبد الله بن سلام رضي الله عنه وأصحابه ( وأكثرهم الفاسقون ) الكافرون
111. ( لن يضروكم ) أي اليهود يا معشر المسلمين بشيء ( إلا أذى ) باللسان من سب ووعيد ( وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ) منهزمين ( ثم لا ينصرون ) عليكم بل لكم النصر عليهم
112. ( ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا ) حيثما وجدوا فلا عز لهم ولا اعتصام ( إلا ) كائنين ( بحبل من الله وحبل من الناس ) المؤمنين وهو عهدهم إليهم بالأمان على أداء الجزية أي لا عصمة لهم غير ذلك ( وباؤوا ) رجعوا ( بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم ) أي بسبب أنهم ( كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك ) تأكيد ( بما عصوا ) أمر الله ( وكانوا يعتدون ) يتجاوزون الحلال إلى الحرام
113. ( ليسوا ) أي أهل الكتاب ( سواء ) مستوين ( من أهل الكتاب أمة قائمة ) مستقيمة ثابتة على الحق كعبد الله بن سلام رضي الله عنه وعن أصحابه ( يتلون آيات الله آناء الليل ) أي في ساعاته ( وهم يسجدون ) يصلون ، حال.
114. ( يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك ) الموصوفون بما ذكر الله ( من الصالحين ) ومنهم من ليسوا كذلك وليسوا من الصالحين
115. ( وما تفعلوا ) بالتاء أيتها الأمة والياء أي الأمة القائمة ( من خير فلن تكفروه ) بالوجهين أي يعدموا ثوابه بل يجازون عليه ( والله عليم بالمتقين )
116. ( إن الذين كفروا لن تغني ) تدفع ( عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله ) أي من عذابه ( شيئاً ) وخصهما بالذكر لأن الإنسان يدفع عن نفسه تارة بفداء المال وتارة بالاستعانة بالأولاد ( وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
117. ( مثل ) صفة ( ما ينفقون ) أي الكفار ( في هذه الحياة الدنيا ) في عداوة النبي من صدقة ونحوها ( كمثل ريح فيها صِرٌّ ) حر أو برد شديد ( أصابت حرث ) زرع ( قوم ظلموا أنفسهم ) بالكفر والمعصية ( فأهلكته ) فلم ينتفعوا به فكذلك نفقاتهم ذاهبة لا ينتفعون بها ( وما ظلمهم الله ) بضياع نفقاتهم ( ولكن أنفسهم يظلمون ) بالكفر الموجب لضياعها
118. ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بِطانة ) أصفياء تطلعونهم على سركم ( من دونكم ) أي غيركم من اليهود والنصارى والمنافقين ( لا يألونكم خبالا ) نصب بنزع الخافض أي لا يقصرون لكم في الفساد ( وَدُّوا ) تمنوا ( ما عنتُّم ) أي عنتكم وهو شدة الضرر ( قد بدت ) ظهرت ( البغضاء ) العداوة لكم ( من أفواههم ) بالوقيعة فيكم وإطلاع المشركين على سركم ( وما تخفي صدورهم ) من العداوة ( أكبر قد بينا لكم الآيات ) على عداوتهم ( إن كنتم تعقلون ) ذلك فلا توالوهم
119. ( ها ) للتنبيه ( أنتم ) يا ( أولاء ) المؤمنين ( تحبونهم ) لقرابتهم منكم وصداقتهم ( ولا يحبونكم ) لمخالفتهم لكم في الدين ( وتؤمنون بالكتاب كله ) أي بالكتب كلها ولا يؤمنون بكتابكم ( وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل ) أطراف الأصابع ( من الغيظ ) شدة الغضب لما يرون من ائتلافكم ، ويعبر عن شدة الغضب بعض الأنامل مجازا وإن لم يكن ثم عض ( قل موتوا بغيظكم ) أي ابقوا عليه إلى الموت فلن تروا ما يسركم ( إن الله عليم بذات الصدور ) بما في القلوب ومنه ما يضمره هؤلاء
120. ( إن تمسسكم ) تصبكم ( حسنة ) نعمة كنصر وغنيمة ( تسؤهم ) تحزنهم ( وإن تصبكم سيئة ) كهزيمة وجدب ( يفرحوا بها ) وجملة الشرط متصلة بالشرط قبل وما بينهما اعتراض والمعنى أنهم متناهون في عداوتكم فلم توالوهم فاجتنبوهم ( وإن تصبروا ) على أذاهم ( وتتقوا ) الله في موالاتهم وغيرها ( لا يَضِرْكم ) بكسر الضاد وسكون الراء وضمها وتشديدها ( كيدهم شيئا إن الله بما يعملون ) بالياء والتاء ( محيط ) عالم فيجازيهم به
121. ( و ) اذكر يا محمد ( إذ غدوت من أهلك ) من المدينة ( تبوئ ) تنزل ( المؤمنين مقاعد ) مراكز يقفون فيها ( للقتال والله سميع ) لأقوالكم ( عليم ) بأحوالكم ، وهو يوم أُحد خرج النبي صلى الله عليه وسلم بألف أو إلا خمسين رجلاً والمشركون ثلاثة آلاف ونزل بالشعب يوم السبت سابع شوال سنة ثلاثة من الهجرة وجعل ظهره وعسكره إلى أحد وسوى صفوفهم وأجلس جيشاً من الرماة وأمر عليهم عبد الله بن جبير بسفح الجبل وقال: أنضحوا عنا بالنبل لا يأتوا من ورائنا ولا تبرحوا غلبنا أو نصرنا
122. ( إذ ) بدل من إذ قبله ( همت ) بنو سلِمة وبنو حارثة جناحا العسكر ( طائفتان منكم أن تفشلا ) تجبنا عن القتال وترجعا لما رجع عبد الله بن أبي المنافق وأصحابه وقال: علام نقتل أنفسنا وأولادنا وقال لأبي جابر السلمي القائل له أنشدكم الله في نبيكم وأنفسكم: لو نعلم قتالا لاتبعناكم فثبتهما الله ولم ينصرفا ( والله وليهما ) ناصرهما ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) ليثقوا به دون غيره
123. ونزل لما هزموا تذكيراً لهم بنعمة الله: ( ولقد نصركم الله ببدر ) موضع بين مكة والمدينة ( وأنتم أذلة ) بقلة العدد والسلاح ( فاتقوا الله لعلكم تشكرون ) نعمه
124. ( إذ ) ظرف لنصركم ( تقول للمؤمنين ) توعدهم تطمينا ( ألن يكفيكم أن يمدكم ) يعينكم ( ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة مُنْزَلين ) بالتخفيف والتشديد
125. ( بلى ) يكفيكم ذلك ، وفي الأنفال بألْف لأنه أمدهم أولا بها ثم صارت ثلاثة ثم صارت خمسة كما قال تعالى ( إن تصبروا ) على لقاء العدو ( وتتقوا ) الله في المخالفة ( ويأتوكم ) أي المشركون ( من فورهم ) وقتهم ( هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوِّمين ) بكسر الواو وفتحها أي معلَّمين وقد صبروا وأنجز الله وعده بأن قاتلت معهم الملائكة على خيل بلق عليهم عمائم صفر أو بيض أرسلوها بين أكتافهم
126. ( وما جعله الله ) أي الإمداد ( إلا بشرى لكم ) بالنصر ( ولتطمئن ) تسكن ( قلوبكم به ) فلا تجزع من كثرة العدو وقلتكم ( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) يؤتيه من يشاء وليس بكثرة الجند
127. ( ليقطع ) متعلق بنَصَرَكم أي ليهلك ( طرفاً من الذين كفروا ) بالقتل والأسر ( أو يكبتهم ) يذلهم بالهزيمة ( فينقلبوا ) يرجعوا ( خائبين ) لم ينالوا ما راموه
128. ولما كسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم وشج وجهه يوم أحد وقال: « كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم » نزلت: ( ليس لك من الأمر شيء ) بل الأمر لله فاصبر ( أو ) بمعنى إلى أن ( يتوب عليهم ) بالإسلام ( أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) بالكفر
129. ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ) ملكاً وخلقاً وعبيداً ( يغفر لمن يشاء ) المغفرة له ( ويعذب من يشاء ) تعذيبه ( والله غفور ) لأوليائه ( رحيم ) بأهل طاعته
130. ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة ) بألف و دونها بأن تزيدوا في المال عند حلول الأجل وتؤخروا الطلب ( واتقوا الله ) بتركه ( لعلكم تفلحون ) تفوزون
131. ( واتقوا النار التي أعدت للكافرين ) أن تعذبوا بها
132. ( وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون )
133. ( وسارعوا ) بواو ودونها ( إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض ) أي كعرضهما لو وصلت إحداهما بالأخرى ، والعرض السعة ( أعدت للمتقين ) الله بعمل الطاعات وترك المعاصي
134. ( الذين ينفقون ) في طاعة الله ( في السراء والضراء ) اليسر والعسر ( والكاظمين الغيظ ) الكافين عن إمضائه مع القدرة ( والعافين عن الناس ) ممن ظلمهم أي التاركين عقوبتهم ( والله يحب المحسنين ) بهذه الأفعال ، أي يثيبهم
135. ( والذين إذا فعلوا فاحشة ) ذنباً قبيحاً كالزنا ( أو ظلموا أنفسهم ) بما دونه كالقبلة ( ذكروا الله ) أي وعيده ( فاستغفروا لذنوبهم ومن ) أي لا ( يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا ) يداوموا ( على ما فعلوا ) بل أقلعوا عنه ( وهم يعلمون ) أن الذي أتوه معصية
136. ( أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ) حال مقدرة ، أي مقدرين الخلود فيها إذا دخلوها ( ونعم أجر العاملين ) بالطاعة هذا الأجر
137. ونزل في هزيمة أحد: ( قد خلت ) مضت ( من قبلكم سنن ) طرائق في الكفار بإمهالهم ثم أخذهم ( فسيروا ) أيها المؤمنون ( في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) الرسل أي آخر أمرهم من الهلاك فلا تحزنوا لغلبتهم فأنا أمهلهم لوقتهم
138. ( هذا ) القرآن ( بيان للناس ) كلهم ( وهدى ) من الضلالة ( وموعظة للمتقين ) منهم
139. ( ولا تهنوا ) تضعفوا عن قتال الكفار ( ولا تحزنوا ) على ما أصابكم بأحد ( وأنتم الأعلون ) بالغلبة عليهم ( إن كنتم مؤمنين ) حقاً وجوابه دل عليه مجموع ما قبله
140. ( إن يمسسكم ) يصبكم بأُحُد ( قَرح ) بفتح القاف وضمها: جهد من جرح ونحوه ( فقد مس القوم ) الكفار ( قرح مثله ) ببدر ( وتلك الأيام نداولها ) نصرفها ( بين الناس ) يوما لفرقة ويوما لأخرى ليتعظوا ( وليعلم الله ) علم ظهور ( الذين آمنوا ) أخلصوا في إيمانهم من غيرهم ( ويتخذ منكم شهداء ) يكرمهم بالشهادة ( والله لا يحب الظالمين ) الكافرين أي يعاقبهم وما ينعم به عليهم استدراج
141. ( وليمحص الله الذين آمنوا ) يطهرهم من الذنوب بما يصيبهم ( ويمحق ) يهلك ( الكافرين )
142. ( أم ) بل أ ( حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما ) لم ( يعلم الله الذين جاهدوا منكم ) علم ظهور ( ويعلم الصابرين ) في الشدائد
143. ( ولقد كنتم تمنَّون ) فيه حذف إحدى التاءين في الأصل ( الموت من قبل أن تلقوه ) حيث قلتم: ليت لنا يوما كيوم بدر لننال ما نال شهداؤه ( فقد رأيتموه ) أي سببه الحرب ( وأنتم تنظرون ) أي بصراء تتأملون الحال كيف هي فلم انهزمتم ؟ ونزل في هزيمتهم لما أشيع أن النبي قتل وقال لهم المنافقون إن كان قتل فارجعوا إلى دينكم:
144. ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل ) كغيره ( انقلبتم على أعقابكم ) رجعتم إلى الكفر ، والجملة الأخيرة محل الاستفهام الإنكاري أي ما كان معبودا فترجعوا ( ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا ) وإنما يضر نفسه ( وسيجزي الله الشاكرين ) نعمه بالثبات
145. ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله ) بقضائه ( كتاباً ) مصدر أي: كتب الله ذلك ( مؤجلاً ) مؤقتاً لا يتقدم ولا يتأخر فلم انهزمتم! والهزيمة لا تدفع الموت والثبات لا يقطع الحياة ( ومن يرد ) بعمله ( ثواب الدنيا ) أي جزاءه منها ( نؤته منها ) ما قسم له ولاحظ له في الآخرة ( ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها ) أي من ثوابها ( وسنجزي الشاكرين )
146. ( وكأين ) كم ( من نبي قاتل ) وفي قراءة { قتل } والفاعل ضميره ( معه ) خبر مبتدؤه ( رِبِّيُون كثير ) جموع كثيرة ( فما وهنوا ) جبنوا ( لما أصابهم في سبيل الله ) من الجراد وقتل أنبيائهم وأصحابهم ( وما ضعفوا ) عن الجهاد ( وما استكانوا ) خضعوا لعدوهم كما فعلتم حين قيل قتل النبي ( والله يحب الصابرين ) على البلاء أي يثيبهم
147. ( وما كان قولهم ) عند قتل نبيهم مع ثباتهم وصبرهم ( إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا ) تجاوزنا الحد ( في أمرنا ) إيذاناً بأن ما أصابهم لسوء فعلهم وهضماً لأنفسهم ( وثبت أقدامنا ) بالقوة على الجهاد ( وانصرنا على القوم الكافرين )
148. ( فآتاهم الله ثواب الدنيا ) النصر والغنيمة ( وحسن ثواب الآخرة ) أي الجنة ، وحسنه التفضيل فوق الاستحقاق ( والله يحب المحسنين )
149. ( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا ) فيما يأمرونكم به ( يردوكم ) إلى الكفر ( على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين )
1. ( الم ) الله أعلم بمراده بذلك
2. ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم )
3. ( نزَّل عليك ) يا محمد ( الكتاب ) القرآن ملتبسا ( بالحق ) بالصدق في أخباره ( مصدقا لما بين يديه ) قبله من الكتب ( وأنزل التوراة والإنجيل )
4. ( من قبل ) أي قبل تنزيله ( هدى ) حال بمعنى هادين من الضلالة ( للناس ) ممن تبعهما ، وعبّر فيهما بأنزل وفي القرآن بنزّل المقتضي للتكرير لأنهما أنزلا دفعة واحدة بخلافه ( وأنزل الفرقان ) بمعنى الكتب الفارقة بين الحق والباطل وذكره بعد ذكر الثلاثة ليعم ما عداها ( إن الذين كفروا بآيات الله ) القرآن وغيره ( لهم عذاب شديد والله عزيز ) غالب على أمره فلا يمنعه شيء من إنجاز وعده ووعيده ( ذو انتقام ) عقوبة شديدة ممن عصاه لا يقدر على مثلها أحد
5. ( إن الله لا يخفى عليه شيء ) كائن ( في الأرض ولا في السماء ) لعلمه بما يقع في العالم من كلي وجزئي وخصهما بالذكر لأن الحس لا يتجاوزهما
6. ( هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ) من ذكورة وأنوثة وبياض وسواد وغير ذلك ( لا إله إلا هو العزيز ) في ملكه ( الحكيم ) في صنعه
7. ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ) واضحات الدلالة ( هن أم الكتاب ) أصله المعتمد عليه في الأحكام ( وأخر متشابهات ) لا تفهم معانيها كأوائل السور وجعله كله محكما في قوله { أحكمت آياته } بمعنى أيه ليس فيه عيب ، ومتشابها في قوله { كتابا متشابها } بمعنى أنه يشبه بعضه بعضا في الحسن والصدق ( فأما الذين في قلوبهم زيغ ) ميل عن الحق ( فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء ) طلب ( الفتنة ) لجهالهم بوقوعهم في الشبهات واللبس ( وابتغاء تأويله ) تفسيره ( وما يعلم تأويله ) تفسيره ( إلا الله ) وحده ( والراسخون ) الثابتون المتمكنون ( في العلم ) مبتدأ خبره ( يقولون آمنا به ) أي بالمتشابه أنه من عند الله ولا نعلم معناه ( كل ) من المحكم والمتشابه ( من عند ربنا وما يذَّكر ) بإدغام التاء في الأصل في الذال أي يتعظ ( إلا أولوا الألباب ) أصحاب العقول ويقولون أيضا إذا رأوا من يتبعه:
8. ( ربنا لا تزغ قلوبنا ) تملها عن الحق بابتغاء تأويله الذي لا يليق بنا كما أزغت قلوب أولئك ( بعد إذ هديتنا ) أرشدتنا إليه ( وهب لنا من لدنك ) من عندك ( رحمة ) تثبيتا ( إنك أنت الوهاب )
9. يا ( ربنا إنك جامع الناس ) تجمعهم ( ليوم ) أي في يوم ( لا ريب ) لا شك ( فيه ) هو يوم القيامة فتجازيهم بأعمالهم كما وعدت بذلك ( إن الله لا يخلف الميعاد ) موعده بالبعث فيه التفات عن الخطاب ويحتمل أن يكون من كلامه تعالى والغرض من الدعاء بذلك بيان أن همهم أمر الآخرة ولذلك سألوا الثبات على الهداية لينالوا ثوابها ، روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: « تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات } إلى آخرها ، وقال فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم » وروى الطبراني في الكبير عن أبي موسى الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « ما أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال وذكر منها أن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله وليس يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلى أولوا الألباب » الحديث
10. ( إن الذين كفروا لن تغني ) تدفع ( عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله ) أي عذابه ( شيئا وأولئك هم وَقود النار ) بفتح الواو ما توقد به
11. دأبهم ( كدأب ) كعادة ( آل فرعون والذين من قبلهم ) من الأمم كعاد وثمود ( كذبوا بآياتنا فأخذهم الله ) أهلكهم ( بذنوبهم ) والجملة مفسرة لما قبلها ( والله شديد العقاب ) ونزل لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم اليهود بالإسلام بعد مرجعه من بدر فقالوا له لا يغرنك أنك قتلت نفرا من قريش أغمارا لا يعرفون القتال:
12. ( قل ) يا محمد ( للذين كفروا ) من اليهود ( ستغلبون ) بالتاء والياء في الدنيا بالقتل والأسر وضرب الجزية وقد وقع ذلك ( وتحشرون ) بالوجهين في الآخرة ( إلى جهنم ) فتدخلونها ( وبئس المهاد ) الفراش هي
13. ( قد كان لكم آية ) عبرة وذكر الفعل للفصل ( في فئتين ) فرقتين ( التقتا ) يوم بدر للقتال ( فئة تقاتل في سبيل الله ) أي طاعته وهم النبي وأصحابه وكانوا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا معهم فرسان وست أدرع وثمانية سيوف وأكثرهم رجال ( وأخرى كافرة يرونهم ) أي الكفار ( مثليهم ) أي المسلمين أي أكثر منهم وكانوا نحو ألف ( رأي العين ) أي رؤية ظاهرة معاينة وقد نصرهم الله مع قلتهم ( والله يؤيد ) يقوي ( بنصره من يشاء إن في ذلك ) المذكور ( لعبرة لأولي الأبصار ) لذوي البصائر أفلا تعتبرون بذلك فتؤمنوا
14. ( زين للناس حب الشهوات ) ما تشتهيه النفس وتدعو إليه ، زينها الله ابتلاء أو الشيطان ( من النساء والبنين والقناطير ) الأموال الكثيرة ( المقنطرة ) المجمعة ( من الذهب والفضة والخيل المسومة ) الحسان ( والأنعام ) أي الإبل والبقر والغنم ( والحرث ) الزرع ( ذلك ) المذكور ( متاع الحياة الدنيا ) يتمتع به فيها ثم يفنى ( والله عنده حسن المآب ) المرجع وهو الجنة فينبغي الرغبة فيه دون غيره
15. ( قل ) يا محمد لقومك ( أؤنبئكم ) أخبركم ( بخير من ذلكم ) المذكور من الشهوات استفهام تقرير ( للذين اتقوا ) الشرك ( عند ربهم ) خبر مبتدؤه ( جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين ) أي مقدرين الخلود ( فيها ) إذا دخلوها ( وأزواج مطهرة ) من الحيض وغيره مما يستقذر ( ورِضوان ) بكسر أوله وضمه لغتان أي رضاً كثيراً ( من الله والله بصير ) عالم ( بالعباد ) فيجازي كلا منهم بعمله
16. ( الذين ) نعت أو بدل من الذين قبله ( يقولون ) يا ( ربنا إننا آمنا ) صدقنا بك وبرسولك ( فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار )
17. ( الصابرين ) على الطاعة وعن المعصية نعت ( والصادقين ) في الإيمان ( والقانتين ) المطيعين لله ( والمنفقين ) المتصدقين ( والمستغفرين ) الله بأن يقولوا اللهم اغفر لنا ( بالأسحار ) أواخر الليل خصت بالذكر لأنها وقت الغفلة ولذة النوم
18. ( شهد الله ) بين لخلقه بالدلائل والآيات ( أنه لا إله ) أي لا معبود في الوجود بحق ( إلا هو و ) شهد بذلك ( الملائكة ) بالإقرار ( وأولوا العلم ) من الأنبياء والمؤمنين بالإعتقاد واللفظ ( قائما ) بتدبير مصنوعاته ونصبه على الحال والعامل فيها معنى أي تفرد ( بالقسط ) بالعدل ( لا إله إلا هو ) كرره تأكيدا ( العزيز ) في ملكه ( الحكيم ) في صنعه
19. ( إن الدين ) المرضي ( عند الله ) هو ( الإسلام ) أي الشرع المبعوث به الرسل المبني على التوحيد وفي قراءة بفتح { أن } بدل من أنه الخ بدل اشتمال ( وما اختلف الذين أوتوا الكتاب ) اليهود والنصارى في الدين بأن وحد بعض وكفر بعض ( إلا من بعد ما جاءهم العلم ) بالتوحيد ( بغيا ) من الكافرين ( بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب ) أي المجازاة له
20. ( فإن حاجوك ) خاصمك الكفار يا محمد في الدين ( فقل ) لهم ( أسلمت وجهي لله ) انقدت له أنا ( ومن اتبعن ) وخص الوجه بالذكر لشرفه فغيره أولى ( وقل للذين أوتوا الكتاب ) اليهود والنصارى ( والأميين ) مشركي العرب ( أأسلمتم ) أي أسلموا ( فإن أسلموا فقد اهتدوا ) من الضلال ( وإن تولوا ) عن الإسلام ( فإنما عليك البلاغ ) التبليغ للرسالة ( والله بصير بالعباد ) فيجازيهم بأعمالهم وهذا قبل الأمر بالقتال
21. ( إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون ) وفي قراءة { يقاتلون } ( النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط ) بالعدل ( من الناس ) وهم اليهود روي أنهم قتلوا ثلاثة وأربعين نبيا فنهاهم مائة وسبعون من عبادهم فقتلوهم من يومهم ( فبشرهم ) أعلمهم ( بعذاب أليم ) مؤلم وذكر البشارة تهكم بهم ودخلت الفاء في خبر إن لشبه اسمهما الموصول بالشرط
22. ( أولئك الذين حبطت ) بطلت ( أعمالهم ) ما عملوا من خير كصدقة وصلة رحم ( في الدنيا والآخرة ) فلا اعتداد بها لعدم شرطها ( وما لهم من ناصرين ) مانعين من العذاب
23. ( ألم تر ) تنظر ( إلى الذين أوتوا نصيبا ) حظا ( من الكتاب ) التوراة ( يدعون ) حال ( إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ) عن قبول حكمه نزل في اليهود زنى منهم اثنان فتحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحكم عليهما بالرجم فأبوا فجيء بالتوراة فوجد فيها فرجما فغضبوا
24. ( ذلك ) التولي والإعراض ( بأنهم قالوا ) أي بسبب قولهم ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ) أربعين يوما مدة عبادة آبائهم العجل ثم تزول عنهم ( وغرهم في دينهم ) متعلق بقوله ( ما كانوا يفترون ) من قولهم ذلك
25. ( فكيف ) حالهم ( إذا جمعناهم ليوم ) أي في يوم ( لا ريب ) لا شك ( فيه ) هو يوم القيامة ( ووفيت كل نفس ) من أهل الكتاب وغيرهم جزاء ( ما كسبت ) عملت من خير وشر ( وهم ) أي الناس ( لا يظلمون ) بنقص حسنة أو زيادة سيئة
26. ونزلت لما وعد صلى الله عليه وسلم أمته ملك فارس والروم فقال المنافقون هيهات: ( قل اللهم ) يا الله ( مالك الملك تؤتي ) تعطي ( الملك من تشاء ) من خلقك ( وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء ) بإيتائه ( وتذل من تشاء ) بنزعه منه ( بيدك ) بقدرتك ( الخير ) أي والشر ( إنك على كل شيء قدير )
27. ( تولج ) تدخل ( الليل في النهار وتولج النهار ) تدخله ( في الليل ) فيزيد كل منهما بما نقص من الآخر ( وتخرج الحي من الميت ) كالإنسان والطائر من النطفة والبيضة ( وتخرج الميت ) كالنطفة والبيضة ( من الحي وترزق من تشاء بغير حساب ) أي رزقا واسعا
28. ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء ) يوالونهم ( من دون ) أي غير ( المؤمنين ومن يفعل ذلك ) أي يواليهم ( فليس من ) دين ( الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ) مصدر تقيته أي تخافوا مخافة فلكم موالاتهم باللسان دون القلب وهذا قبل عزة الإسلام ويجري فيمن هو في بلد ليس قويا فيها ( ويحذركم ) يخوفكم ( الله نفسه ) أن يغضب عليكم إن واليتموهم ( وإلى الله المصير ) المرجع فيجازيكم
29. ( قل ) لهم ( إن تخفوا ما في صدوركم ) قلوبكم من موالاتهم ( أو تبدوه ) تظهروه ( يعلمه الله و ) هو ( يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير ) ومنه تعذيب من والاهم
30. اذكر ( يوم تجد كل نفس ما عملتـ ) ـه ( من خير محضراً وما عملتـ ) ـه ( من سوء ) مبتدأ خبره ( تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ) غاية في نهاية البعد فلا يصل إليها ( ويحذركم الله نفسه ) كرر للتأكيد ( والله رؤوف بالعباد )
31. ونزل لما قالوا ما نعبد الأصنام إلا حبا لله ليقربونا إليه ( قل ) لهم يا محمد ( إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) بمعنى أن يثيبكم ( ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور ) لمن اتبعني ما سلف منه قبل ذلك ( رحيم ) به
32. ( قل ) لهم ( أطيعوا الله والرسول ) فيما يأمركم به من التوحيد ( فإن تولوا ) أعرضوا عن الطاعة ( فإن الله لا يحب الكافرين ) فيه إقامة الظاهر مقام المضمر أي لا يحبهم بمعنى أنه يعاقبهم
33. ( إن الله اصطفى ) اختار ( آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران ) بمعنى أنفسهما ( على العالمين ) بجعل الأنبياء من نسلهم
34. ( ذرية بعضها من ) ولد ( بعض ) منهم ( والله سميع عليم )
35. اذكر ( إذ قالت امرأة عمران ) حنة لما أسنت واشتاقت للولد فدعت الله وأحست بالحمل يا ( رب إني نذرت ) أن أجعل ( لك ما في بطني محرراً ) عتيقاً خالصاً من شواغل الدنيا لخدمة بيتك المقدس ( فتقبل مني إنك أنت السميع ) للدعاء ( العليم ) بالنيات ، وهلك عمران وهي حامل
36. ( فلما وضعتها ) ولدتها جارية وكانت ترجو أن يكون غلاما إذ لم يكن يحرر إلا الغلمان ( قالت ) معتذرة يا ( رب إني وضعتها أنثى والله أعلم ) أي عالم ( بما وضعتْ ) جملة اعتراض من كلامه تعالى وفي قراءة بضم التاء ( وليس الذكر ) الذي طلبت ( كالأنثى ) التي وهبت لأنه يقصد للخدمة وهي لا تصلح لضعفها وعورتها وما يعتريها من الحيض ونحوه ( وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها ) أولادها ( من الشيطان الرجيم ) المطرود في الحديث « ما من مولود يولد إلا مسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا إلا مريم وابنها » رواه الشيخان
37. ( فتقبلها ربها ) أي قبل مريم من أمها ( بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا ) أنشأها بخلق حسن فكانت تنبت في اليوم كما ينبت المولود في العام وأتت بها أمها الأحبار سَدَنة بيت المقدس فقالت: دونكم هذه النذيرة فتنافسوا فيها لأنها بنت إمامهم فقال زكريا أنا أحق بها لأن خالتها عندي فقالوا لا حتى نقترع فانطلقوا وهم تسعة وعشرون إلى نهر الأردن وألقوا أقلامهم على أن من ثبت قلمه في الماء وصعد أولى بها فثبت قلم زكريا فأخذها وبنى لها غرفة في المسجد بسلم لا يصعد إليها غيره وكان يأتيها بأكلها وشربها ودهنها فيجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف كما قال تعالى ( وكفَلَها زكرياءُ ) ضمها إليه وفي قراءة بالتشديد ونصب زكريا ممدودا ومقصورا والفاعل الله ( كلما دخل عليها زكريا المحراب ) الغرفة وهي أشرف المجالس ( وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى ) من أين ( لك هذا قالت ) وهي صغيرة ( هو من عند الله ) يأتيني به من الجنة ( إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) رزقا واسعا بلا تبعة
38. ( هنالك ) أي لما رأى زكريا ذلك وعلم أن القادر على الإتيان بالشيء في غير حينه قادر على الإتيان بالولد على الكبر وكان أهل بيته انقرضوا ( دعا زكريا ربه ) لما دخل المحراب للصلاة جوف الليل ( قال رب هب لي من لدنك ) من عندك ( ذرية طيبة ) ولدا صالحا ( إنك سميع ) مجيب ( الدعاء )
39. ( فنادته الملائكة ) أي جبريل ( وهو قائم يصلي في المحراب ) أي المسجد ( أن ) أي بأن وفي قراءة بالكسر بتقدير القول ( الله يُبَشِّرك ) مثقلا ومخففا ( بيحيى مصدقا بكلمة ) كائنة ( من الله ) أي بعيسى أنه روح الله وسمي كلمة لأنه خلق بكلمة كن ( وسيدا ) متبوعا ( وحصورا ) ممنوعا من النساء ( ونبيا من الصالحين ) روي أنه لم يعمل خطيئة ولم يهم بها
40. ( قال رب أنى ) كيف ( يكون لي غلام ) ولد ( وقد بلغني الكبر ) أي بلغت نهاية السن مائة وعشرين سنة ( وامرأتي عاقر ) بلغت ثمان وتسعين سنة ( قال ) الأمر ( كذلك ) من خلق الله غلاما منكما ( الله يفعل ما يشاء ) لا يعجزه عنه شيء ولإظهار هذه القدرة العظيمة ألهمه السؤال ليجاب بها ولما تاقت نفسه إلى سرعة المبشر به
41. ( قال رب اجعل لي آية ) أي علامة على حمل امرأتي ( قال آيتك ) عليه ( أ ) ن ( لا تكلم الناس ) أي تمتنع من كلامهم بخلاف ذكر الله تعالى ( ثلاثة أيام ) أي بلياليها ( إلا رمزا ) إشارة ( واذكر ربك كثيرا وسبح ) صل ( بالعشي والإبكار ) أواخر النهار وأوائله
42. ( و ) اذكر ( إذ قالت الملائكة ) أي جبريل ( يا مريم إن الله اصطفاك ) اختارك ( وطهرك ) من مسيس الرجال ( واصطفاك على نساء العالمين ) أي أهل زمانك
43. ( يا مريم اقنتي لربك ) أطيعيه ( واسجدي واركعي مع الراكعين ) أي صلي مع المصلين
44. ( ذلك ) المذكور من أمر زكريا ومريم ( من أنباء الغيب ) أخبار ما غاب عنك ( نوحيه إليك ) يا محمد ( وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم ) في الماء يقترعون ليظهر لهم ( أيهم يكفل ) يربّي ( مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ) في كفالتها فتعرف ذلك فتخبر به وإنما عرفته من جهة الوحي
45. ( إذ قالت الملائكة ) أي جبريل ( يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه ) أي ولد ( اسمه المسيح عيسى ابن مريم ) خاطبها بنسبته إليها تنبيها على أنها تلده بلا أب إذ عادة الرجال نسبتهم إلى آبائهم ( وجيهاً ) ذا جاه ( في الدنيا ) بالنبوة ( والآخرة ) بالشفاعة والدرجات العلا ( ومن المقربين ) عند الله
46. ( ويكلم الناس في المهد ) أي طفلا قبل وقت الكلام ( وكهلاً ومن الصالحين )
47. ( قالت رب أنّى ) كيف ( يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ) بتزوج ولا غيره ( قال ) الأمر ( كذلك ) من خلق ولد منك بلا أب ( الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً ) أراد خلقه ( فإنما يقول له كن فيكون ) أي فهو يكون
48. ( ونعلِّمه ) بالنون والياء ( الكتاب ) الخط ( والحكمة والتوراة والإنجيل )
49. ( و ) نجعله ( رسولاً إلى بني إسرائيل ) في الصبا أو بعد البلوغ فنفخ جبريل في جيب درعها فحملت ، وكان من أمرها ما ذكر في سورة مريم فلما بعثه الله إلى بني إسرائيل قال لهم: إني رسول الله إليكم ( أني ) أي بأني ( قد جئتكم بآية ) علامة على صدقي ( من ربكم ) هي ( أني ) وفي قراءة بالكسر استئنافا ( أخلق ) أصور ( لكم من الطين كهيئة الطير ) فالكاف اسم مفعول ( فأنفخ فيه ) الضمير للكاف ( فيكون طيراً ) وفي قراءة طائر ( بإذن الله ) بإرادته فخلق لهم الخفاش لأنه أكمل الطير خلقا فكان يطير وهم ينظرونه فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتا ليتميز فعل المخلوق من فعل الخالق وهو الله تعالى وليعلم أن الكمال لله ( وأبرِّئ ) أشفى ( الأكمه ) الذي ولد أعمى ( والأبرص ) وخُصا بالذكر لأنهما داءا إعياء وكان بعثه في زمن الطب فأبرأ في يوم خمسين ألفا بالدعاء بشرط الإيمان ( وأحيي الموتى بإذن الله ) كرره لنفي توهم الألوهية فيه فأحيا عازر صديقا له وابن العجوز وابنة العاشر فعاشوا وولد لهم ، وسام بن نوح ومات في الحال ( وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون ) تخبئون ( في بيوتكم ) مما لم أعاينه فكان يخبر الشخص بما أكل وبما يأكل بعد ( إن في ذلك ) المذكور ( لآية لكم إن كنتم مؤمنين )
50. ( و ) جئتكم ( مصدقا لما بين يدي ) قبلي ( من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ) فيها فأحل لهم من السمك والطير ما لا صيصة له وقيل أحل الجميع فبعض بمعنى كل ( وجئتكم بآية من ربكم ) كرّره تأكيداً وليبني عليه ( فاتقوا الله وأطيعون ) فيما آمركم به من توحيد الله وطاعته
51. ( إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا ) الذي آمركم به ( صراط ) طريق ( مستقيم ) فكذبوه ولم يؤمنوا به
52. ( فلما أحس ) علم ( عيسى منهم الكفر ) وأرادوا قتله ( قال من أنصاري ) أعواني ذاهباً ( إلى الله ) لأنصر دينه ( قال الحواريون نحن أنصار الله ) أعوان دينه وهم أصفياء عيسى أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا من الحور وهو البياض الخالص وقيل كانوا قصّارين يحورون الثياب أي يبيّضونها ( آمنا ) صدقنا ( بالله واشهد ) يا عيسى ( بأنا مسلمون )
53. ( ربنا آمنا بما أنزلت ) من الإنجيل ( واتبعنا الرسول ) عيسى ( فاكتبنا مع الشاهدين ) لك بالوحدانية ولرسولك بالصدق
54. قال تعالى: ( ومكروا ) أي كفار بني إسرائيل بعيسى إذ وكّلوا به من يقتله غيلة ( ومكر الله ) بهم بأن ألقى شبه عيسى على من قصد قتله فقتلوه ورفع عيسى إلى السماء ( والله خير الماكرين ) أعلمهم به
55. اذكر ( إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ) قابضك ( ورافعك إلي ) إلي من الدنيا من غير موت ( ومطهرك ) مبعدك ( من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك ) صدّقوا بنبوتك من المسلمين والنصارى ( فوق الذين كفروا ) بك وهم اليهود يعلونهم بالحجة والسيف ( إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون ) من أمر الدين
56. ( فأما الذين كفروا فأعذبهم عذاباً شديداً في الدنيا ) بالقتل والسبي والجزية ( والآخرة ) بالنار ( وما لهم من ناصرين ) مانعين منه
57. ( وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفِّيهم ) بالياء والنون ( أجورهم والله لا يحب الظالمين ) أي يعاقبهم ، روي أن الله تعالى أرسل إليه سحابة فرفعته فتعلقت به أمه وبكت فقال لها إن القيامة تجمعنا وكان ذلك ليلة القدر ببيت المقدس وله ثلاث وثلاثون سنة ، وعاشت أمه بعده ست سنين وروى الشيخان حديث « أنه ينزل قرب الساعة ويحكم بشريعة نبينا ويقتل الدجال والخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية » وفي حديث مسلم أنه يمكث سبع سنين وفي حديث عن أبي داود الطيالسي أربعين سنة ويتوفى ويصلى عليه فيحتمل أن المراد مجموع لبثه في الأرض قبل الرفع وبعده
58. ( ذلك ) المذكور من أمر عيسى ( نتلوه ) نقصه ( عليك ) يا محمد ( من الآيات ) حال من الهاء في نتلوه وعامله ما في ذلك من معنى الإشارة ( والذكر الحكيم ) المحكم أي القرآن
59. ( إن مثل عيسى ) شأنه الغريب ( عند الله كمثل آدم ) كشأنه في خلقه من غير أم ولا أب وهو من تشبيه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم وأوقع في النفس ( خلقه من تراب ثم قال له كن ) بشراً ( فيكون ) أي فكان وكذلك عيسى قال له كن من غير أب فكان
60. ( الحق من ربك ) خبر مبتدأ محذوف أي أمر عيسى ( فلا تكن من الممترين ) الشاكين فيه
61. ( فمن حاجك ) جادلك من النصارى ( فيه من بعد ما جاءك من العلم ) بأمره ( فقل ) لهم ( تعالَوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) فنجمعهم ( ثم نبتهل ) نتضرع في الدعاء ( فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) بأن نقول: اللهم العن الكاذب في شأن عيسى وقد دعا صلى الله عليه وسلم وفد نجران لذلك لما حاجوه به فقالوا: حتى ننظر في أمرنا ثم نأتيك فقال ذو رأيهم: لقد عرفتم نبوته وأنه ما باهل قوم نبيا إلا هلكوا فوادعوا الرجل وانصرفوا فأتوا الرسول صلى الله عليه وسلم وقد خرج ومعه الحسن والحسين وفاطمة وعلي وقال لهم: إذا دعوت فأمِّنوا فأبوا أن يلاعنوا وصالحوه على الجزية رواه أبو نُعيم ، وعن ابن عباس قال: لو خرج الذين يباهلون لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا ، وروي: لو خرجوا لاحترقوا
62. ( إن هذا ) المذكور ( لهو القصص ) الخبر ( الحق ) الذي لا شك فيه ( وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز ) في ملكه ( الحكيم ) في صنعه
63. ( فإن تولوا ) أعرضوا عن الإيمان ( فإن الله عليم بالمفسدين ) فيجازيهم وفيه وضع الظاهر موضع المضمر
64. ( قل يا أهل الكتاب ) اليهود والنصارى ( تعالَوا إلى كلمةٍ سواءٍ ) مصدر بمعنى مستو أمرها ( بيننا وبينكم ) هي ( أ ) ن ( لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله ) كما اتخذتم الأحبار والرهبان ( فإن تولوا ) أعرضوا عن التوحيد ( فقولوا ) أنتم لهم ( اشهدوا بأنا مسلمون ) موحدون
65. ونزل لما قال اليهود: إبراهيم يهودي ونحن على دينه ، وقالت النصارى كذلك: ( يا أهل الكتاب لم تحاجُّون ) تخاصمون ( في إبراهيم ) بزعمكم أنه على دينكم ( وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده ) بزمن طويل وبعد نزولهما حدثت اليهودية والنصرانية ( أفلا تعقلون ) بطلان قولكم
66. ( ها ) للتنبيه ( أنتم ) مبتدأ يا ( هؤلاء ) والخبر ( حاججتم فيما لكم به علم ) من أمر موسى وعيسى وزعمكم أنكم من دينهما ( فلم تحاجُّون فيما ليس لكم به علم ) من شأن إبراهيم ( والله يعلم ) شأنه ( وأنتم لا تعلمون ) قال تعالى تبرئة لإبراهيم:
67. ( ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً ) مائلاً عن الأديان كلها إلى الدين القيم ( مسلماً ) موحداً ( وما كان من المشركين )
68. ( إن أولى الناس ) أحقهم ( بإبراهيم للذين اتبعوه ) في زمانه ( وهذا النبي ) محمد لموافقته له في أكثر شرعه ( والذين آمنوا ) من أمته فهم الذين ينبغي أن يقولوا نحن على دينه لا أنتم ( والله ولي المؤمنين ) ناصرهم وحافظهم
69. ونزل لما دعا اليهود معاذاً وحذيفةَ وعماراً إلى دينهم: ( ودّت طائفة من أهل الكتاب لو يُضلُّونكم وما يُضلُّون إلا أنفسهم ) لأن إثم إضلالهم عليهم والمؤمنون لا يطيعونهم فيه ( وما يشعرون ) بذلك
70. ( يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله ) القرآن المشتمل على نعت محمد صلى الله عليه وسلم ( وأنتم تشهدون ) تعلمون أنه حق
71. ( يا أهل الكتاب لم تلبسون ) تخلطون ( الحق بالباطل ) بالتحريف والتزوير ( وتكتمون الحق ) أي نعت النبي ( وأنتم تعلمون ) أنه حق
72. ( وقالت طائفة من أهل الكتاب ) اليهود لبعضهم ( آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا ) أي القرآن ( وجه النهار ) أوله ( واكفروا ) به ( آخره لعلهم ) أي المؤمنين ( يرجعون ) عن دينهم إذ يقولون ما رجع هؤلاء عنه بعد دخولهم فيه وهم أولو علم إلا لعلمهم بطلانه
73. وقالوا أيضا ( ولا تؤمنوا ) تصدقوا ( إلا لمن ) اللام زائدة ( تبع ) وافق ( دينكم ) قال تعالى: ( قل ) لهم يا محمد ( إن الهدى هدى الله ) الذي هو الإسلام وما عداه ضلال ، والجملة إعتراض ( أن ) أي بأن ( يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ) من الكتاب والحكمة والفضائل ، وأن مفعول تؤمنوا ، والمستثنى منه أحد قدم عليه المستثنى المعنى: لا تقروا بأن أحدا يؤتى ذلك إلا لمن اتبع دينكم ( أو ) بأن ( يحاجوكم ) أي المؤمنون يغلبوكم ( عند ربكم ) يوم القيامة لأنكم أصح دينا ، وفي قراءة: أأن بهمزة التوبيخ أي إيتاء أحد مثله تقرون به قال تعالى: ( قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ) فمن أين لكم أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ( والله واسع ) كثير الفضل ( عليم ) بمن هو أهله
74. ( يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم )
75. ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار ) أي بمال كثير ( يؤده إليك ) لأمانته كعبد الله بن سلام أودعه رجل ألفا ومائتي أوقية ذهباً فأداها إليه ( ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك ) لخيانته ( إلا ما دمت عليه قائما ) لا تفارقه فمتى فارقته أنكره ككعب بن الأشرف استودعه قرشي ديناراً فجحده ( ذلك ) أي ترك الأداء ( بأنهم قالوا ) بسبب قولهم ( ليس علينا في الأميين ) أي العرب ( سبيل ) أي إثم لاستحلالهم ظلم من خالف دينهم ونسبوه إليه تعالى ، قال تعالى ( ويقولون على الله الكذب ) في نسبة ذلك إليه ( وهم يعلمون )
76. ( بلى ) عليهم فيه سبيل ( من أوفى بعهده ) الذي عاهد عليه أو بعهد الله إليه من أداء الأمانة وغيره ( واتقى ) الله بترك المعاصي وعمل الطاعات ( فإن الله يحب المتقين ) فيه وضع الظاهر موضع المضمر أي يحبهم بمعنى يثيبهم
77. ونزل في اليهود لما بدلوا نعت النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الله إليهم في التوراة وفيمن حلف كاذباً في دعوى أو في بيع سلعة: ( إن الذين يشترون ) يستبدلون ( بعهد الله ) إليهم في الإيمان بالنبي وأداء الأمانة ( وأيمانهم ) حلفهم به تعالى كاذبين ( ثمنا قليلا ) من الدنيا ( أولئك لا خلاق ) نصيب ( لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ) غضبا ( ولا ينظر إليهم ) يرحمهم ( يوم القيامة ولا يزكيهم ) يطهرهم ( ولهم عذاب أليم ) مؤلم
78. ( وإن منهم ) أي أهل الكتاب ( لفريقاً ) طائفة ككعب بن الأشرف ( يلوُون ألسنتهم بالكتاب ) أي يعطفونها بقراءته عن المنزل إلى ما حرفوه من نعت النبي صلى الله عليه وسلم ونحوه ( لتحسبوه ) أي المحرَّف ( من الكتاب ) الذي أنزله الله ( وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ) أنهم كاذبون
79. ونزل لما قال نصارى نجران إن عيسى أمرهم أن يتخذوه رباً ولما طلب بعض المسلمين السجود له صلى الله عليه وسلم ( ما كان ) ينبغي ( لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم ) أي الفهم للشريعة ( والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن ) يقول ( كونوا ربانيين ) علماء عاملين منسوبين إلى الرب بزيادة ألف ونون تفخيما ( بما كنتم تَعْلَمون ) بالتخفيف والتشديد ( الكتاب وبما كنتم تدرسون ) أي بسبب ذلك فإن فائدته أن تعملوا
80. ( ولا يأمرُكم ) بالرفع استئنافا أي الله ، والنصب عطفاً على يقول أي البشر ( أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ) كما اتخذت الصابئة الملائكة واليهود عزيراً والنصارى عيسى ( أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ) لا ينبغي له هذا
81. ( و ) اذكر ( إذ ) حين ( أخذ الله ميثاق النبيين ) عهدهم ( لَما ) بفتح اللام للابتداء وتوكيد معنى القسم الذي في أخذ الميثاق وكسرها متعلقة بأخذ وما موصولة على الوجهين أي للذي ( آتيتكم ) إياه ، وفي قراءةٍ { آتيناكم } ( من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم ) من الكتاب والحكمة وهو محمد صلى الله عليه وسلم ( لتؤمنن به ولتنصرنه ) جواب القسم إن أدركتموه وأممهم تبع لهم في ذلك ( قال ) تعالى لهم ( أأقررتم ) بذلك ( وأخذتم ) قبلتم ( على ذلكم إصري ) عهدي ( قالوا أقررنا قال فاشهدوا ) على أنفسكم وأتباعكم بذلك ( وأنا معكم من الشاهدين ) عليكم وعليهم
82. ( فمن تولى ) أعرض ( بعد ذلك ) الميثاق ( فأولئك هم الفاسقون )
83. ( أفغير دين الله يبغون ) بالياء والتاء أي المتولون ( وله أسلم ) انقاد ( من في السماوات والأرض طوعاً ) بلا إباء ( وكرهاً ) بالسيف ومعاينة ما يلجئ إليه ( وإليه تُرجعون ) بالتاء والياء والهمزة في أول الآية للإنكار
84. ( قل ) لهم يا محمد ( آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ) أولاده ( وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ) بالتصديق والتكذيب ( ونحن له مسلمون ) مخلصون في العبادة. ونزل فيمن ارتد ولحق بالكفار:
85. ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) لمصيره إلى النار المؤيدة عليه
86. ( كيف ) أي لا ( يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا ) أي شهادتهم ( أن الرسول حق و ) قد ( جاءهم البينات ) الحجج الظاهرات على صدق النبي ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) أي الكافرين
87. ( أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين )
88. ( خالدين فيها ) أي اللعنة أو النار المدلول بها عليها ( لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون ) يمهلون
89. ( إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا ) عملهم ( فإن الله غفور ) لهم ( رحيم ) بهم
90. ونزل في اليهود ( إن الذين كفروا ) بعيسى ( بعد إيمانهم ) بموسى ( ثم ازدادوا كفراً ) بمحمد ( لن تقبل توبتهم ) إذا غرغروا أو ماتوا كفارا ( وأولئك هم الضالون )
91. ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ) مقدار ما يملؤها ( ذهباً ولو افتدى به ) أدخل الفاء في خبر إن لشبه الذين بالشرط وإيذاناً بتسبب عدم القبول عن الموت على الكفر ( أولئك لهم عذاب أليم ) مؤلم ( وما لهم من ناصرين ) مانعين منه
92. ( لن تنالوا البر ) أي ثوابه وهو الجنة ( حتى تنفقوا ) تَصَّدَّقوا ( مما تحبون ) من أموالكم ( وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم ) فيجازي عليه
93. ونزل لما قال اليهود إنك تزعم أنك على ملة إبراهيم وكان لا يأكل لحوم الإبل وألبانها: ( كلُّ الطعام كان حِلاً ) حلالاً ( لبني إسرائيل إلا ما حرَّم إسرائيل ) يعقوب ( على نفسه ) وهو الإبل لما حصل له عرق النسا بالفتح والقصر فنذر إن شفي لا يأكلها فحُرِّم عليه ( من قبل أن تنزل التوراة ) وذلك بعد إبراهيم ولم تكن على عهده حراما كما زعموا ( قل ) لهم ( فأتوا بالتوراة فاتلوها ) ليتبين صدق قولكم ( إن كنتم صادقين ) فيه فبهتوا ولم يأتوا بها قال تعالى:
94. ( فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك ) أي ظهور الحجة بأن التحريم إنما كان من جهة يعقوب لا على عهد إبراهيم ( فأولئك هم الظالمون ) المتجاوزون الحق إلى الباطل
95. ( قل صدق الله ) في هذا كجميع ما أخبر به ( فاتبعوا ملة إبراهيم ) التي أنا عليها ( حنيفاً ) مائلاً عن كل دين إلى الإسلام ( وما كان من المشركين )
96. ونزل لما قالوا قبلتنا قبل قبلتكم ( إن أول بيت وضع ) مُتعَبدَّاً ( للناس ) في الأرض ( للذي ببكة ) بالباء لغة في مكة سميت بذلك لأنها تَبُكُّ أعناق الجبابرة أي تدقها ، بناه الملائكة قبل خلق آدم ووضع بعده الأقصى وبينهما أربعون سنة كما في حديث الصحيحين وفي حديث « أنه أول ما ظهر على وجه الماء عند خلق السماوات والأرض زبدة بيضاء فدحيت الأرض من تحته » ( مباركاً ) حال من الذي أي ذا بركة ( وهدى للعالمين ) لأنه قبلتهم
97. ( فيه آيات بينات ) منها ( مقام إبراهيم ) أي الحجر الذي قام عليه عند بناء البيت فأثر قدماه فيه وبقي إلى الآن مع تطاول الزمان وتداول الأيدي عليه ومنها تضعيف الحسنات فيه وأن الطير لا يعلوه ( ومن دخله كان آمنا ) لا يتعرض إليه بقتل أو ظلم أو غير ذلك ( ولله على الناس حِجُّ البيت ) واجب بكسر الحاء وفتحها لغتان في مصدر حج قصد ويبدل من الناس ( من استطاع إليه سبيلاً ) طريقاً فسَّرَه صلى الله عليه وسلم بالزاد والراحلة رواه الحاكم وغيره ( ومن كفر ) بالله أو بما فرضه من الحج ( فإن الله غني عن العالمين ) الإنس والجن والملائكة وعن عبادتهم
98. ( قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله ) القرآن ( والله شهيد على ما تعملون ) فيجازيكم عليه
99. ( قل يا أهل الكتاب لم تصدون ) تصرفون ( عن سبيل الله ) أي دينه ( من آمن ) بتكذيبكم النبي وكتم نعمته ( تبغونها ) أي تطلبون السبيل ( عِوَجاً ) مصدر بمعنى معوجة أي مائلة عن الحق ( وأنتم شهداء ) عالمون بأن الدين المرضي القيم دين الإسلام كما في كتابكم ( وما الله بغافل عما تعملون ) من الكفر والتكذيب وإنما يؤخركم إلى وقتكم ليجازيكم
100. ونزل لما مر بعض اليهود على الأوس والخزرج وغاظهم تألفهم فذكروهم بما كان بينهم في الجاهلية من الفتن فتشاجروا وكادوا يقتتلون: ( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين )
101. ( وكيف تكفرون ) استفهام تعجب وتوبيخ ( وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم ) يتمسك ( بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم )
102. ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ) بأن يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى فقالوا يا رسول الله و من يقوى على هذا فنسخ بقوله تعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } ( ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) موحدون
103. ( واعتصموا ) تمسكوا ( بحبل الله ) أي دينه ( جميعا ولا تفرقوا ) بعد الإسلام ( واذكروا نعمة الله ) إنعامه ( عليكم ) يا معشر الأوس والخزرج ( إذ كنتم ) قبل الإسلام ( أعداءً فألف ) جمع ( بين قلوبكم ) بالإسلام ( فأصبحتم ) فصرتم ( بنعمته إخواناً ) في الدين والولاية ( وكنتم على شفا ) طرف ( حفرة من النار ) ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلا أن تموتوا كفاراً ( فأنقذكم منها ) بالإيمان ( كذلك ) كما بين لكم ما ذكر ( يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون )
104. ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ) الإسلام ( ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك ) الداعون الآمرون الناهون ( هم المفلحون ) الفائزون ، ومن للتبعيض لأن ما ذكر فرض كفاية لا يلزم كل الأمة ولا يليق بكل أحد كالجاهل. وقيل زائدة أي لتكونوا أمة.
105. ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا ) عن دينهم ( واختلفوا ) فيه ( من بعد ما جاءهم البينات ) وهم اليهود والنصارى ( وأولئك لهم عذاب عظيم )
106. ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ) أي يوم القيامة ( فأما الذين اسودت وجوههم ) وهم الكافرون فيلقون في النار ويقال لهم توبيخا ( أكفرتم بعد إيمانكم ) يوم أخذ الميثاق ( فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون )
107. ( وأما الذين ابيضت وجوههم ) وهم المؤمنون ( ففي رحمة الله ) أي جنته ( هم فيها خالدون )
108. ( تلك ) أي هذه الآيات ( آيات الله نتلوها عليك ) يا محمد ( بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين ) بأن يأخذهم بغير جرم
109. ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ) مُلكاً وخلقاً وعبيداً ( وإلى الله تُرجع ) تصير ( الأمور )
110. ( كنتم ) يا أمة محمد في علم الله تعالى ( خير أمة أخرجت ) أظهرت ( للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان ) الإيمان ( خيراً لهم منهم المؤمنون ) كعبد الله بن سلام رضي الله عنه وأصحابه ( وأكثرهم الفاسقون ) الكافرون
111. ( لن يضروكم ) أي اليهود يا معشر المسلمين بشيء ( إلا أذى ) باللسان من سب ووعيد ( وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ) منهزمين ( ثم لا ينصرون ) عليكم بل لكم النصر عليهم
112. ( ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا ) حيثما وجدوا فلا عز لهم ولا اعتصام ( إلا ) كائنين ( بحبل من الله وحبل من الناس ) المؤمنين وهو عهدهم إليهم بالأمان على أداء الجزية أي لا عصمة لهم غير ذلك ( وباؤوا ) رجعوا ( بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم ) أي بسبب أنهم ( كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك ) تأكيد ( بما عصوا ) أمر الله ( وكانوا يعتدون ) يتجاوزون الحلال إلى الحرام
113. ( ليسوا ) أي أهل الكتاب ( سواء ) مستوين ( من أهل الكتاب أمة قائمة ) مستقيمة ثابتة على الحق كعبد الله بن سلام رضي الله عنه وعن أصحابه ( يتلون آيات الله آناء الليل ) أي في ساعاته ( وهم يسجدون ) يصلون ، حال.
114. ( يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك ) الموصوفون بما ذكر الله ( من الصالحين ) ومنهم من ليسوا كذلك وليسوا من الصالحين
115. ( وما تفعلوا ) بالتاء أيتها الأمة والياء أي الأمة القائمة ( من خير فلن تكفروه ) بالوجهين أي يعدموا ثوابه بل يجازون عليه ( والله عليم بالمتقين )
116. ( إن الذين كفروا لن تغني ) تدفع ( عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله ) أي من عذابه ( شيئاً ) وخصهما بالذكر لأن الإنسان يدفع عن نفسه تارة بفداء المال وتارة بالاستعانة بالأولاد ( وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
117. ( مثل ) صفة ( ما ينفقون ) أي الكفار ( في هذه الحياة الدنيا ) في عداوة النبي من صدقة ونحوها ( كمثل ريح فيها صِرٌّ ) حر أو برد شديد ( أصابت حرث ) زرع ( قوم ظلموا أنفسهم ) بالكفر والمعصية ( فأهلكته ) فلم ينتفعوا به فكذلك نفقاتهم ذاهبة لا ينتفعون بها ( وما ظلمهم الله ) بضياع نفقاتهم ( ولكن أنفسهم يظلمون ) بالكفر الموجب لضياعها
118. ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بِطانة ) أصفياء تطلعونهم على سركم ( من دونكم ) أي غيركم من اليهود والنصارى والمنافقين ( لا يألونكم خبالا ) نصب بنزع الخافض أي لا يقصرون لكم في الفساد ( وَدُّوا ) تمنوا ( ما عنتُّم ) أي عنتكم وهو شدة الضرر ( قد بدت ) ظهرت ( البغضاء ) العداوة لكم ( من أفواههم ) بالوقيعة فيكم وإطلاع المشركين على سركم ( وما تخفي صدورهم ) من العداوة ( أكبر قد بينا لكم الآيات ) على عداوتهم ( إن كنتم تعقلون ) ذلك فلا توالوهم
119. ( ها ) للتنبيه ( أنتم ) يا ( أولاء ) المؤمنين ( تحبونهم ) لقرابتهم منكم وصداقتهم ( ولا يحبونكم ) لمخالفتهم لكم في الدين ( وتؤمنون بالكتاب كله ) أي بالكتب كلها ولا يؤمنون بكتابكم ( وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل ) أطراف الأصابع ( من الغيظ ) شدة الغضب لما يرون من ائتلافكم ، ويعبر عن شدة الغضب بعض الأنامل مجازا وإن لم يكن ثم عض ( قل موتوا بغيظكم ) أي ابقوا عليه إلى الموت فلن تروا ما يسركم ( إن الله عليم بذات الصدور ) بما في القلوب ومنه ما يضمره هؤلاء
120. ( إن تمسسكم ) تصبكم ( حسنة ) نعمة كنصر وغنيمة ( تسؤهم ) تحزنهم ( وإن تصبكم سيئة ) كهزيمة وجدب ( يفرحوا بها ) وجملة الشرط متصلة بالشرط قبل وما بينهما اعتراض والمعنى أنهم متناهون في عداوتكم فلم توالوهم فاجتنبوهم ( وإن تصبروا ) على أذاهم ( وتتقوا ) الله في موالاتهم وغيرها ( لا يَضِرْكم ) بكسر الضاد وسكون الراء وضمها وتشديدها ( كيدهم شيئا إن الله بما يعملون ) بالياء والتاء ( محيط ) عالم فيجازيهم به
121. ( و ) اذكر يا محمد ( إذ غدوت من أهلك ) من المدينة ( تبوئ ) تنزل ( المؤمنين مقاعد ) مراكز يقفون فيها ( للقتال والله سميع ) لأقوالكم ( عليم ) بأحوالكم ، وهو يوم أُحد خرج النبي صلى الله عليه وسلم بألف أو إلا خمسين رجلاً والمشركون ثلاثة آلاف ونزل بالشعب يوم السبت سابع شوال سنة ثلاثة من الهجرة وجعل ظهره وعسكره إلى أحد وسوى صفوفهم وأجلس جيشاً من الرماة وأمر عليهم عبد الله بن جبير بسفح الجبل وقال: أنضحوا عنا بالنبل لا يأتوا من ورائنا ولا تبرحوا غلبنا أو نصرنا
122. ( إذ ) بدل من إذ قبله ( همت ) بنو سلِمة وبنو حارثة جناحا العسكر ( طائفتان منكم أن تفشلا ) تجبنا عن القتال وترجعا لما رجع عبد الله بن أبي المنافق وأصحابه وقال: علام نقتل أنفسنا وأولادنا وقال لأبي جابر السلمي القائل له أنشدكم الله في نبيكم وأنفسكم: لو نعلم قتالا لاتبعناكم فثبتهما الله ولم ينصرفا ( والله وليهما ) ناصرهما ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) ليثقوا به دون غيره
123. ونزل لما هزموا تذكيراً لهم بنعمة الله: ( ولقد نصركم الله ببدر ) موضع بين مكة والمدينة ( وأنتم أذلة ) بقلة العدد والسلاح ( فاتقوا الله لعلكم تشكرون ) نعمه
124. ( إذ ) ظرف لنصركم ( تقول للمؤمنين ) توعدهم تطمينا ( ألن يكفيكم أن يمدكم ) يعينكم ( ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة مُنْزَلين ) بالتخفيف والتشديد
125. ( بلى ) يكفيكم ذلك ، وفي الأنفال بألْف لأنه أمدهم أولا بها ثم صارت ثلاثة ثم صارت خمسة كما قال تعالى ( إن تصبروا ) على لقاء العدو ( وتتقوا ) الله في المخالفة ( ويأتوكم ) أي المشركون ( من فورهم ) وقتهم ( هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوِّمين ) بكسر الواو وفتحها أي معلَّمين وقد صبروا وأنجز الله وعده بأن قاتلت معهم الملائكة على خيل بلق عليهم عمائم صفر أو بيض أرسلوها بين أكتافهم
126. ( وما جعله الله ) أي الإمداد ( إلا بشرى لكم ) بالنصر ( ولتطمئن ) تسكن ( قلوبكم به ) فلا تجزع من كثرة العدو وقلتكم ( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) يؤتيه من يشاء وليس بكثرة الجند
127. ( ليقطع ) متعلق بنَصَرَكم أي ليهلك ( طرفاً من الذين كفروا ) بالقتل والأسر ( أو يكبتهم ) يذلهم بالهزيمة ( فينقلبوا ) يرجعوا ( خائبين ) لم ينالوا ما راموه
128. ولما كسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم وشج وجهه يوم أحد وقال: « كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم » نزلت: ( ليس لك من الأمر شيء ) بل الأمر لله فاصبر ( أو ) بمعنى إلى أن ( يتوب عليهم ) بالإسلام ( أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) بالكفر
129. ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ) ملكاً وخلقاً وعبيداً ( يغفر لمن يشاء ) المغفرة له ( ويعذب من يشاء ) تعذيبه ( والله غفور ) لأوليائه ( رحيم ) بأهل طاعته
130. ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة ) بألف و دونها بأن تزيدوا في المال عند حلول الأجل وتؤخروا الطلب ( واتقوا الله ) بتركه ( لعلكم تفلحون ) تفوزون
131. ( واتقوا النار التي أعدت للكافرين ) أن تعذبوا بها
132. ( وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون )
133. ( وسارعوا ) بواو ودونها ( إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض ) أي كعرضهما لو وصلت إحداهما بالأخرى ، والعرض السعة ( أعدت للمتقين ) الله بعمل الطاعات وترك المعاصي
134. ( الذين ينفقون ) في طاعة الله ( في السراء والضراء ) اليسر والعسر ( والكاظمين الغيظ ) الكافين عن إمضائه مع القدرة ( والعافين عن الناس ) ممن ظلمهم أي التاركين عقوبتهم ( والله يحب المحسنين ) بهذه الأفعال ، أي يثيبهم
135. ( والذين إذا فعلوا فاحشة ) ذنباً قبيحاً كالزنا ( أو ظلموا أنفسهم ) بما دونه كالقبلة ( ذكروا الله ) أي وعيده ( فاستغفروا لذنوبهم ومن ) أي لا ( يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا ) يداوموا ( على ما فعلوا ) بل أقلعوا عنه ( وهم يعلمون ) أن الذي أتوه معصية
136. ( أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ) حال مقدرة ، أي مقدرين الخلود فيها إذا دخلوها ( ونعم أجر العاملين ) بالطاعة هذا الأجر
137. ونزل في هزيمة أحد: ( قد خلت ) مضت ( من قبلكم سنن ) طرائق في الكفار بإمهالهم ثم أخذهم ( فسيروا ) أيها المؤمنون ( في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) الرسل أي آخر أمرهم من الهلاك فلا تحزنوا لغلبتهم فأنا أمهلهم لوقتهم
138. ( هذا ) القرآن ( بيان للناس ) كلهم ( وهدى ) من الضلالة ( وموعظة للمتقين ) منهم
139. ( ولا تهنوا ) تضعفوا عن قتال الكفار ( ولا تحزنوا ) على ما أصابكم بأحد ( وأنتم الأعلون ) بالغلبة عليهم ( إن كنتم مؤمنين ) حقاً وجوابه دل عليه مجموع ما قبله
140. ( إن يمسسكم ) يصبكم بأُحُد ( قَرح ) بفتح القاف وضمها: جهد من جرح ونحوه ( فقد مس القوم ) الكفار ( قرح مثله ) ببدر ( وتلك الأيام نداولها ) نصرفها ( بين الناس ) يوما لفرقة ويوما لأخرى ليتعظوا ( وليعلم الله ) علم ظهور ( الذين آمنوا ) أخلصوا في إيمانهم من غيرهم ( ويتخذ منكم شهداء ) يكرمهم بالشهادة ( والله لا يحب الظالمين ) الكافرين أي يعاقبهم وما ينعم به عليهم استدراج
141. ( وليمحص الله الذين آمنوا ) يطهرهم من الذنوب بما يصيبهم ( ويمحق ) يهلك ( الكافرين )
142. ( أم ) بل أ ( حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما ) لم ( يعلم الله الذين جاهدوا منكم ) علم ظهور ( ويعلم الصابرين ) في الشدائد
143. ( ولقد كنتم تمنَّون ) فيه حذف إحدى التاءين في الأصل ( الموت من قبل أن تلقوه ) حيث قلتم: ليت لنا يوما كيوم بدر لننال ما نال شهداؤه ( فقد رأيتموه ) أي سببه الحرب ( وأنتم تنظرون ) أي بصراء تتأملون الحال كيف هي فلم انهزمتم ؟ ونزل في هزيمتهم لما أشيع أن النبي قتل وقال لهم المنافقون إن كان قتل فارجعوا إلى دينكم:
144. ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل ) كغيره ( انقلبتم على أعقابكم ) رجعتم إلى الكفر ، والجملة الأخيرة محل الاستفهام الإنكاري أي ما كان معبودا فترجعوا ( ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا ) وإنما يضر نفسه ( وسيجزي الله الشاكرين ) نعمه بالثبات
145. ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله ) بقضائه ( كتاباً ) مصدر أي: كتب الله ذلك ( مؤجلاً ) مؤقتاً لا يتقدم ولا يتأخر فلم انهزمتم! والهزيمة لا تدفع الموت والثبات لا يقطع الحياة ( ومن يرد ) بعمله ( ثواب الدنيا ) أي جزاءه منها ( نؤته منها ) ما قسم له ولاحظ له في الآخرة ( ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها ) أي من ثوابها ( وسنجزي الشاكرين )
146. ( وكأين ) كم ( من نبي قاتل ) وفي قراءة { قتل } والفاعل ضميره ( معه ) خبر مبتدؤه ( رِبِّيُون كثير ) جموع كثيرة ( فما وهنوا ) جبنوا ( لما أصابهم في سبيل الله ) من الجراد وقتل أنبيائهم وأصحابهم ( وما ضعفوا ) عن الجهاد ( وما استكانوا ) خضعوا لعدوهم كما فعلتم حين قيل قتل النبي ( والله يحب الصابرين ) على البلاء أي يثيبهم
147. ( وما كان قولهم ) عند قتل نبيهم مع ثباتهم وصبرهم ( إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا ) تجاوزنا الحد ( في أمرنا ) إيذاناً بأن ما أصابهم لسوء فعلهم وهضماً لأنفسهم ( وثبت أقدامنا ) بالقوة على الجهاد ( وانصرنا على القوم الكافرين )
148. ( فآتاهم الله ثواب الدنيا ) النصر والغنيمة ( وحسن ثواب الآخرة ) أي الجنة ، وحسنه التفضيل فوق الاستحقاق ( والله يحب المحسنين )
149. ( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا ) فيما يأمرونكم به ( يردوكم ) إلى الكفر ( على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين )
عدل سابقا من قبل هدى Admin في السبت أغسطس 11, 2012 4:35 pm عدل 1 مرات
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
تابع سورة آل عمران تفسير الجلالين
150. ( بل الله مولاكم ) ناصركم ( وهو خير الناصرين ) فأطيعوه دونهم
151. ( سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعْب ) بسكون العين وضمها الخوف ، وقد عزموا بعد ارتحالهم من أحد على العود واستئصال المسلمين فرعبوا ولم يرجعوا ( بما أشركوا ) بسبب إشراكهم ( بالله ما لم ينزل به سلطانا ) حجة على عبادته وهو الأصنام ( ومأواهم النار وبئس مثوى ) مأوى ( الظالمين ) الكافرين هي
152. ( ولقد صدقكم الله وعده ) إياكم بالنصر ( إذ تحسونهم ) تقتلونهم ( بإذنه ) بإرادته ( حتى إذا فشلتم ) جبنتم عن القتال ( وتنازعتم ) اختلفتم ( في الأمر ) أي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمقام في سفح الجبل للرمي فقال بعضكم: نذهب فقد نصر أصحابنا ، وبعضكم: لا نخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم ( وعصيتم ) أمره فتركتم المركز لطلب الغنيمة ( من بعد ما أراكم ) الله ( ما تحبون ) من النصر وجواب إذا دل عليه ما قبله أي منعكم نصره ( منكم من يريد الدنيا ) فترك المركز للغنيمة ( ومنكم من يريد الآخرة ) فثبت به حتى قتل كعبد الله بن جبير وأصحابه ( ثم صرفكم ) عطف على جواب إذا المقدر ، رَدَّكم بالهزيمة ( عنهم ) أي الكفار ( ليبتليكم ) ليمتحنكم فيظهر المخلص من غيره ( ولقد عفا عنكم ) ما ارتكبتموه ( والله ذو فضل على المؤمنين ) بالعفو
153. اذكروا ( إذ تصعدون ) تبعدون في الأرض هاربين ( ولا تلوون ) تعرجون ( على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم ) أي من ورائكم يقول: إليَّ عباد الله ( فأثابكم ) فجازاكم ( غمَّا ) بالهزيمة ( بغمٍّ ) بسبب غمكم للرسول بالمخالفة وقيل الباء بمعنى على ، أي مضاعفا على غم فوت الغنيمة ( لكيلا ) متعلق بعفا أو بأثابكم ( تحزنوا على ما فاتكم ) من الغنيمة ( ولا ما أصابكم ) من القتل والهزيمة ( والله خبير بما تعملون )
154. ( ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنةً ) أمناً ( نعاساً ) بدل ( يغشى ) بالياء والتاء ( طائفةً منكم ) وهم المؤمنون فكانوا يميدون تحت الحجف وتسقط السيوف منهم ( وطائفةٌ قد أهمتهم أنفسهم ) أي حملتهم على الهم فلا رغبة لهم إلا نجاتها دون النبي وأصحابه فلم يناموا وهم المنافقون ( يظنون بالله ) ظناً ( غير ) الظن ( الحق ظن ) أي كظن ( الجاهلية ) حيث اعتقدوا أن النبي قتل أو لا ينصر ( يقولون هل ) ما ( لنا من الأمر ) أي النصر الذي وعدناه ( من ) زائدة ( شيء قل ) لهم ( إن الأمر كله ) بالنصب توكيداً والرفع مبتدأ وخبره ( لله ) أي القضاء له يفعل ما يشاء ( يخفون في أنفسهم ما لا يبدون ) يظهرون ( لك يقولون ) بيان لما قبله ( لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا ) أي لو كان الاختيار إلينا لم نخرج فلم نقتل لكن أخرجنا كرها ( قل ) لهم ( لوكنتم في بيوتكم ) وفيكم من كتب الله عليه القتل ( لبرز ) خرج ( الذين كتب ) قضي ( عليهم القتل ) منكم ( الى مضاجعهم ) مصارعهم فيقتلوا ولم ينجهم قعودهم لأن قضاءه تعالى كائن لا محالة ( و ) فعل ما فعل بأحد ( ليبتلي ) يختبر ( الله ما في صدوركم ) قلوبكم من الإخلاص والنفاق ( وليمحص ) يميز ( ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور ) بما في القلوب لا يخفى عليه شيء وإنما يبتلي ليظهر للناس
155. ( إن الذين تولوا منكم ) عن القتال ( يوم التقى الجمعان ) جمع المسلمين وجمع الكفار بأحد وهم المسلمون إلا اثنى عشر رجلاً ( إنما استزلهم ) أزلهم ( الشيطان ) بوسوسته ( ببعض ما كسبوا ) من الذنوب وهو مخالفة أمر النبي ( ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور ) للمؤمنين ( حليم ) لا يعجل على العصاة
156. ( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا ) أي المنافقين ( وقالوا لإخوانهم ) أي في شأنهم ( إذا ضربوا ) سافروا ( في الأرض ) فماتوا ( أو كانوا غُزَّىً ) جمع غاز ، فقتلوا ( لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ) أي لا تقولوا كقولهم ( ليجعل الله ذلك ) القول في عاقبة أمرهم ( حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت ) فلا يمنع عن الموت قعود ( والله بما تعملون ) بالتاء والياء ( بصير ) فيجازيكم به
157. ( ولئن ) لام قسم ( قتلتم في سبيل الله ) أي الجهاد ( أو مُتم ) بضم الميم وكسرها من مات يموت أتاكم الموت فيه ( لمغفرة ) كائنة ( من الله ) لذنوبكم ( ورحمة ) منه لكم على ذلك واللام ومدخولها جواب القسم وهي موضع الفعل مبتدأ خبره ( خير مما تجمعون ) من الدنيا بالتاء والياء
158. ( ولئن ) لام قسم ( مُتم ) بالوجهين ( أو قتلتم ) في الجهاد وغيره ( لإلى الله ) لا إلى غيره ( تحشرون ) في الآخرة فيجازيكم
159. ( فبما رحمة من الله لنت ) يا محمد ( لهم ) أي سهلت أخلاقك إذ خالفوك ( ولو كنت فظاً ) سيِّء الأخلاق ( غليظ القلب ) جافيا فأغلظت لهم ( لانفضوا ) تفرقوا ( من حولك فاعف ) تجاوز ( عنهم ) ما أتوه ( واستغفر لهم ) ذنبهم حتى أغفر لهم ( وشاورهم ) استخرج آراءهم ( في الأمر ) أي شأنك من الحرب وغيره تطييبا لقلوبهم وليستن بك وكان صلى الله عليه وسلم كثير المشاورة لهم ( فإذا عزمت ) على إمضاء ما تريد بعد المشاورة ( فتوكل على الله ) ثق بعد المشاورة ( إن الله يحب المتوكلين ) عليه
160. ( إن ينصركم الله ) يعنكم على عدوكم كيوم بدر ( فلا غالب لكم وإن يخذلكم ) يترك نصركم كيوم أحد ( فمن ذا الذي ينصركم من بعده ) أي بعد خذلانه أي لا ناصر لكم ( وعلى الله ) لا غيره ( فليتوكل ) ليثق ( المؤمنون )
161. ونزلت لما فقدت قطيفة حمراء يوم أحد فقال بعض الناس: لعل النبي أخذها ( وما كان ) ما ينبغي ( لنبي أن يَغُل ) يخون في الغنيمة فلا تظنوا به ذلك ، وفي قراءة بالبناء للمفعول أن ينسب إلى الغلول ( ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ) حاملاً له على عنقه ( ثم توفى كل نفس ) الغال وغيره جزاء ( ما كسبت ) عملت ( وهم لا يظلمون ) شيئا
162. ( أفمن اتبع رضوان الله ) فأطاع ولم يغل ( كمن باء ) رجع ( بسخط من الله ) لمعصيته وغلوله ( ومأواه جهنم وبئس المصير ) أي المرجع ؟ والجواب: لا
163. ( هم درجات ) أي أصحاب درجات ( عند الله ) أي مختلفو المنازل فلمن اتبع رضوانه الثواب ولمن باء بسخطه العقاب ( والله بصير بما يعملون ) فيجازيهم به
164. ( لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم ) أي عربيا مثلهم ليفهموا عنه ويشرفوا به لا ملكاً ولا أعجمياً ( يتلو عليهم آياته ) القرآن ( ويزكيهم ) يطهرهم من الذنوب ( ويعلمهم الكتاب ) القرآن ( والحكمة ) السنة ( وإن ) مخففة أي إنهم ( كانوا من قبل ) أي قبل بعثه ( لفي ضلال مبين ) بيِّن
165. ( أو لما أصابتكم مصيبة ) بأحد بقتل سبعين منكم ( قد أصبتم مثليها ) ببدر بقتل سبعين وأسر سبعين منهم ( قلتم ) متعجبين ( أنى ) من أين لنا ( هذا ) الخذلان ونحن مسلمون ورسول الله فينا ، الجملة الأخيرة محل الاستفهام الإنكاري ( قل ) لهم ( هو من عند أنفسكم ) لأنكم تركتم المركز فخذلتم ( إن الله على كل شيء قدير ) ومنه النصر ومنعه وقد جازاكم بخلافكم
166. ( وما أصابكم يوم التقى الجمعان ) بأحد ( فبإذن الله ) بإرادته ( وليعلم ) الله علم ظهور ( المؤمنين ) حقاً
167. ( وليعلم الذين نافقوا و ) الذين ( قيل لهم ) لما انصرفوا عن القتال وهم عبد الله بن أبي وأصحابه ( تعالوا قاتلوا في سبيل الله ) أعداءه ( أو ادفعوا ) عنا القوم بتكثير سوادكم إن لم تقاتلوا ( قالوا لو نعلم ) نحسن ( قتالاً لاتبعناكم ) قال تعالى تكذيبا لهم: ( هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان ) بما أظهروا من خذلانهم للمؤمنين وكانوا قبل أقرب إلى الإيمان من حيث الظاهر ( يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ) ولو علموا قتالاً لم يتبعوكم ( والله أعلم بما يكتمون ) من النفاق
168. ( الذين ) بدل من الذين قبله أو نعت ( قالوا لإخوانهم ) في الدين ( و ) قد ( قعدوا ) عن الجهاد ( لو أطاعونا ) أي شهداء أحد أو إخواننا في القعود ( ما قتلوا قل ) لهم ( فادرؤوا ) ادفعوا ( عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ) في أن القعود ينجي منه
169. ونزل في الشهداء: ( ولا تحسبن الذين قتلوا ) بالتخفيف والتشديد ( في سبيل الله ) أي لأجل دينه ( أمواتاً بل ) هم ( أحياء عند ربهم ) أرواحهم في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت كما ورد في الحديث ( يرزقون ) يأكلون من ثمار الجنة
170. ( فرحين ) حال من ضمير يرزقون ( بما آتاهم الله من فضله و ) هم ( ويستبشرون ) يفرحون ( بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ) من إخوانهم المؤمنين ويبدل من الذين ( أ ) ن أي بأن ( لاخوف عليهم ) أي الذين لم يلحقوا بهم ( ولا هم يحزنون ) في الآخرة المعنى يفرحون بأمنهم وفرحهم
171. ( يستبشرون بنعمة ) ثواب ( من الله وفضل ) زيادة عليه ( وأن ) بالفتح عطفا على نعمة وبالكسر استئنافا ( الله لا يضيع أجر المؤمنين ) بل يأجرهم
172. ( الذين ) مبتدأ ( استجابوا لله والرسول ) دعاءه بالخروج للقتال لما أراد أبو سفيان وأصحابه العود وتواعدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه سوق بدر العام المقبل من يوم أحد ( من بعد ما أصابهم القرح ) بأحد وخبر المبتدأ ( للذين أحسنوا منهم ) بطاعته ( واتقوا ) مخالفته ( أجر عظيم ) هو الجنة
173. ( الذين ) بدل من الذين قبله أو نعت ( قال لهم الناس ) أي نعيم بن مسعود الأشجعي ( إن الناس ) أبا سفيان وأصحابه ( قد جمعوا لكم ) الجموع ليستأصلوكم ( فاخشوهم ) ولا تأتوهم ( فزادهم ) ذلك القول ( إيماناً ) تصديقاً بالله ويقيناً ( وقالوا حسبنا الله ) كافينا أمرهم ( ونعم الوكيل ) المفوض إليه الأمر هو ، وخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فوافوا سوق بدر وألقى الله الرعب في قلب أبي سفيان وأصحابه فلم يأتوا وكان معهم تجارات فباعوا وربحوا قال الله تعالى:
174. ( فانقلبوا ) رجعوا من بدر ( بنعمة من الله وفضل ) بسلامة وربح ( لم يمسسهم سوء ) من قتل أو جرح ( واتبعوا رضوان الله ) بطاعته وطاعة رسوله في الخروج ( والله ذو فضل عظيم ) على أهل طاعته
175. ( إنما ذلكم ) أي القائل لكم إن الناس الخ ( الشيطان يخوفـِّ ) ـكم ( أولياءه ) الكفار ( فلا تخافوهم وخافون ) في ترك أمري ( إن كنتم مؤمنين ) حقا
176. ( ولا يُحزِنك ) بضم الياء وكسر الزاي و بفتحها و ضم الزاي من حزنه لغة في أحزنه ( الذين يسارعون في الكفر ) يقعون فيه سريعاً بنصرته وهم أهل مكة أو المنافقون أي لا تهتم لكفرهم ( إنهم لن يضروا الله شيئا ) بفعلهم وإنما يضرون أنفسهم ( يريد الله ألا يجعل لهم حظاً ) نصيباً ( في الآخرة ) أي الجنة فلذلك خذلهم الله ( ولهم عذاب عظيم ) في النار
177. ( إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان ) أي أخذوه بدله ( لن يضروا الله ) بكفرهم ( شيئا ولهم عذاب أليم ) مؤلم
178. ( ولا يحسبن ) بالياء والتاء ( الذين كفروا أنما نملي ) أي إملاءنا ( لهم ) بتطويل الأعمار وتأخيرهم ( خير لأنفسهم ) وأن ومعمولاها سدت مسد المفعولين في قراءة التحتانية ومسد الثاني في الأخرى ( إنما نملي ) نمهل ( لهم ليزدادوا إثما ) بكثرة المعاصي ( ولهم عذاب مهين ) ذو إهانة في الآخرة
179. ( ما كان الله ليذر ) ليترك ( المؤمنين على ما أنتم ) أيها الناس ( عليه ) من اختلاط المخلص بغيره ( حتى يميز ) بالتخفيف والتشديد يفصل ( الخبيث ) المنافق ( من الطيب ) المؤمن بالتكاليف الشاقة المبينة لذلك ففعل ذلك يوم أحد ( وما كان الله ليطلعكم على الغيب ) فتعرفوا المنافق من غيره قبل التمييز ( ولكن الله يجتبي ) يختار ( من رسله من يشاء ) فيطلعه على غيبه كما أطلع النبي صلى الله عليه وسلم على حال المنافقين ( فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا ) النفاق ( فلكم أجر عظيم )
180. ( ولا يحسبن ) بالياء والتاء ( الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله ) أي بزكاته ( هو ) أي بخلهم ( خيراً لهم ) مفعول ثان والضمير للفصل والأول بخلهم مقدراً قبل الموصول على الفوقانية وقبل الضمير على التحتانية ( بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به ) أي بزكاته من المال ( يوم القيامة ) بأن يجعل حية في عنقه تنهشه كما ورد في الحديث ( ولله ميراث السماوات والأرض ) يرثهما بعد فناء أهلهما ( والله بما تعملون ) بالتاء والياء ( خبير ) فيجازيكم به
181. ( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ) وهم اليهود قالوه لما نزل { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا } وقالوا: لو كان غنيا ما استقرضنا ( سنكتب ) نأمر بكتب ( ما قالوا ) في صحائف أعمالهم ليجازوا عليه ، وفي قراءةٍ { سيُكْتَب } بالياء مبنياً للمفعول ( و ) نكتب ( قتلَهم ) بالنصب والرفع ( الأنبياء بغير حق ونقول ) بالنون والياء أي الله لهم في الآخرة على لسان الملائكة ( ذوقوا عذاب الحريق ) النار
182. ويقال لهم إذا ألقوا فيها: ( ذلك ) العذاب ( بما قدمت أيديكم ) عبر بها عن الإنسان لأن أكثر الأفعال تزاول بها ( وأن الله ليس بظلام ) أي بذي ظلم ( للعبيد ) فيعذبهم بغير ذنب
183. ( الذين ) نعت للذين قبله ( قالوا ) لمحمد ( إن الله ) قد ( عهد إلينا ) في التوراة ( ألا نؤمن لرسول ) نصدقه ( حتى يأتينا بقربان تأكله النار ) فلا نؤمن لك حتى يأتينا به وهو ما يتقرب به إلى الله من نعم وغيرها فإن قبل جاءت نار بيضاء من السماء فأحرقته وإلا بقي مكانه ، وعهد إلى بني إسرائيل ذلك إلا في المسيح ومحمد قال تعالى: ( قل ) لهم توبيخا ( قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات ) بالمعجزات ( وبالذي قلتم ) كزكريا ويحيى فقتلتموهم والخطاب لمن في زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإن كان الفعل لأجدادهم لرضاهم به ( فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ) في أنكم تؤمنون عند الإتيان به
184. ( فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤوا بالبينات ) المعجزات ( والزبر ) كصحف إبراهيم ( والكتاب ) وفي قراءة بإثبات الباء فيهما ( المنير ) الواضح هو التوراة والإنجيل فاصبر كما صبروا
185. ( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم ) جزاء أعمالكم ( يوم القيامة فمن زحزح ) بعد ( عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ) نال غاية مطلوبة ( وما الحياة الدنيا ) أي العيش فيها ( إلا متاع الغرور ) الباطل يتمتع به قليلا ثم يفنى
186. ( لتبلون ) حذف منه نون الرفع لتوالي النونات والواو ضمير الجمع لالتقاء الساكنين ، لتختبرن ( في أموالكم ) بالفرائض فيها والجوائح ( وأنفسكم ) بالعبادات والبلاء ( ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) اليهود والنصارى ( ومن الذين أشركوا ) من العرب ( أذى كثيرا ) من السب والطعن والتشبيب بنسائكم ( وإن تصبروا ) على ذلك ( وتتقوا ) الله ( فإن ذلك من عزم الأمور ) أي من معزوماتها التي يعزم عليها لوجوبها
187. ( و ) اذكر ( إذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ) أي العهد عليهم في التوراة ( ليبيننه ) أي الكتاب ( للناس ولا يكتمونه ) أي الكتاب بالياء والتاء بالفعلين ( فنبذوه ) طرحوا الميثاق ( وراء ظهورهم ) فلم يعملوا به ( واشتروا به ) أخذوا بدله ( ثمنا قليلا ) من الدنيا من سفلتهم برياستهم في العلم فكتموه خوف فوته عليهم ( فبئس ما يشترون ) شراؤهم هذا
188. ( لا تحسبن ) بالتاء والياء ( الذين يفرحون بما أتوا ) فعلوا في إضلال الناس ( ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ) من التمسك بالحق وهم على ضلال ( فلا تحسبنهم ) بالوجهين تأكيد ( بمفازة ) بمكان ينجون فيه ( من العذاب ) من الآخرة بل هم في مكان يعذبون فيه وهو جهنم ( ولهم عذاب أليم ) مؤلم فيها ، ومفعولا يحسب الأولى دل عليهما مفعولا الثانية على قراءة التحتانية وعلى الفوقانية حذف الثاني فقط
189. ( ولله ملك السماوات والأرض ) خزائن المطر والرزق والنبات وغيرها ( والله على كل شيء قدير ) ومنه تعذيب الكافرين وإنجاء المؤمنين
190. ( إن في خلق السماوات والأرض ) وما فيهما في العجائب ( واختلاف الليل والنهار ) بالمجيء والذهاب والزيادة والنقصان ( لآيات ) دلالات على قدرته تعالى ( لأولي الألباب ) لذوي العقول
191. ( الذين ) نعت لما قبله أو بدل ( يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ) مضطجعين أي في كل حال ، وعن ابن عباس يصلون كذلك حسب الطاقة ( ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ) ليستدلوا به على قدرة صانعهما يقولون ( ربنا ما خلقت هذا ) الخلق الذي نراه ( باطلاً ) حال ، عبثاً بل دليلاً على كمال قدرتك ( سبحانك ) تنزيها لك عن العبث ( فقنا عذاب النار )
192. ( ربنا إنك من تدخل النار ) للخلود فيها ( فقد أخزيته ) أهنته ( وما للظالمين ) الكافرين ، فيه وضع الظاهر موضع المضمر إشعارا بتخصيص الخزي بهم ( من ) زائدة ( أنصار ) يمنعونهم من عذاب الله تعالى
193. ( ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي ) يدعو الناس ( للإيمان ) أي إليه وهو محمد أو القرآن ( أن ) أي بأن ( آمنوا بربكم فآمنا ) به ( ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر ) غطِّ ( عنا سيئاتنا ) فلا تظهرها بالعقاب عليها ( وتوفنا ) اقبض أرواحنا ( مع ) في جملة ( الأبرار ) الأنبياء الصالحين
194. ( ربنا وآتنا ) أعطنا ( ما وعدتنا ) به ( على ) ألسنة ( رسلك ) من الرحمة والفضل ، وسؤالهم ذلك وإن كان وعده تعالى لا يخلف سؤال أن يجعلهم من مستحقيه لأنهم لم يتيقنوا استحقاقهم له وتكرير ربنا مبالغة في التضرع ( ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ) الوعد بالبعث والجزاء
195. ( فاستجاب لهم ربهم ) دعاءهم ( أني ) أي بأني ( لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم ) كائن ( من بعض ) أي الذكور من الاناث وبالعكس ، والجملة مؤكدة لما قبلها أي هم سواء في المجازاة بالأعمال وترك تضييعها ، نزلت لما قالت أم سلمة: يا رسول الله إني لا أسمع ذكر النساء بالهجرة بشيء ( فالذين هاجروا ) من مكة إلى المدينة ( وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي ) ديني ( وقاتلوا ) الكفار ( وقتلوا ) بالتخفيف والتشديد ، وفي قراءة بتقديمه ( لأكفرن عنهم سيئاتهم ) أسترها بالمغفرة ( ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً ) مصدر من معنى لأكفرن مؤكد له ( من عند الله ) فيه التفات عن التكلم ( والله عنده حسن الثواب ) الجزاء
196. ونزل لما قال المسلمون: أعداء الله فيما نرى من الخير ونحن في الجهد: ( لا يغرنك تقلب الذين كفروا ) تصرفهم ( في البلاد ) بالتجارة والكسب
197. هو ( متاع قليل ) يتمتعون به يسيراً في الدنيا ويفنى ( ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ) الفراش هي
198. ( لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين ) أي مقدرين بالخلود ( فيها نزلاً ) وهو ما يعدُّ للضيف ، ونصبه على الحال من جنات والعامل فيها معنى الظرف ( من عند الله وما عند الله ) من الثواب ( خير للأبرار ) من متاع الدنيا
199. ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله ) كعبد الله بن سلام وأصحابه والنجاشي ( وما أنزل إليكم ) أي القرآن ( وما أنزل إليهم ) أي التوراة والإنجيل ( خاشعين ) حال من ضمير يؤمن مراعى فيه معنى من أي: متواضعين ( لله لا يشترون بآيات الله ) التي عندهم في التوراة والإنجيل من بعث النبي صلى الله عليه وسلم ( ثمنا قليلا ) من الدنيا بأن يكتموها خوفا على الرياسة كفعل غيرهم من اليهود ( أولئك لهم أجرهم ) ثواب أعمالهم ( عند ربهم ) يؤتونه مرتين كما في القصص ( إن الله سريع الحساب ) يحاسب الخلق في قدر نصف نهار من أيام الدنيا
200. ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا ) على الطاعات والمصائب وعن المعاصي ( وصابروا ) الكفار فلا يكونوا أشد صبرا منكم ( ورابطوا ) أقيموا على الجهاد ( واتقوا الله ) في جميع أحوالكم ( لعلكم تفلحون ) تفوزون بالجنة وتنجون من النار
150. ( بل الله مولاكم ) ناصركم ( وهو خير الناصرين ) فأطيعوه دونهم
151. ( سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعْب ) بسكون العين وضمها الخوف ، وقد عزموا بعد ارتحالهم من أحد على العود واستئصال المسلمين فرعبوا ولم يرجعوا ( بما أشركوا ) بسبب إشراكهم ( بالله ما لم ينزل به سلطانا ) حجة على عبادته وهو الأصنام ( ومأواهم النار وبئس مثوى ) مأوى ( الظالمين ) الكافرين هي
152. ( ولقد صدقكم الله وعده ) إياكم بالنصر ( إذ تحسونهم ) تقتلونهم ( بإذنه ) بإرادته ( حتى إذا فشلتم ) جبنتم عن القتال ( وتنازعتم ) اختلفتم ( في الأمر ) أي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالمقام في سفح الجبل للرمي فقال بعضكم: نذهب فقد نصر أصحابنا ، وبعضكم: لا نخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم ( وعصيتم ) أمره فتركتم المركز لطلب الغنيمة ( من بعد ما أراكم ) الله ( ما تحبون ) من النصر وجواب إذا دل عليه ما قبله أي منعكم نصره ( منكم من يريد الدنيا ) فترك المركز للغنيمة ( ومنكم من يريد الآخرة ) فثبت به حتى قتل كعبد الله بن جبير وأصحابه ( ثم صرفكم ) عطف على جواب إذا المقدر ، رَدَّكم بالهزيمة ( عنهم ) أي الكفار ( ليبتليكم ) ليمتحنكم فيظهر المخلص من غيره ( ولقد عفا عنكم ) ما ارتكبتموه ( والله ذو فضل على المؤمنين ) بالعفو
153. اذكروا ( إذ تصعدون ) تبعدون في الأرض هاربين ( ولا تلوون ) تعرجون ( على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم ) أي من ورائكم يقول: إليَّ عباد الله ( فأثابكم ) فجازاكم ( غمَّا ) بالهزيمة ( بغمٍّ ) بسبب غمكم للرسول بالمخالفة وقيل الباء بمعنى على ، أي مضاعفا على غم فوت الغنيمة ( لكيلا ) متعلق بعفا أو بأثابكم ( تحزنوا على ما فاتكم ) من الغنيمة ( ولا ما أصابكم ) من القتل والهزيمة ( والله خبير بما تعملون )
154. ( ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنةً ) أمناً ( نعاساً ) بدل ( يغشى ) بالياء والتاء ( طائفةً منكم ) وهم المؤمنون فكانوا يميدون تحت الحجف وتسقط السيوف منهم ( وطائفةٌ قد أهمتهم أنفسهم ) أي حملتهم على الهم فلا رغبة لهم إلا نجاتها دون النبي وأصحابه فلم يناموا وهم المنافقون ( يظنون بالله ) ظناً ( غير ) الظن ( الحق ظن ) أي كظن ( الجاهلية ) حيث اعتقدوا أن النبي قتل أو لا ينصر ( يقولون هل ) ما ( لنا من الأمر ) أي النصر الذي وعدناه ( من ) زائدة ( شيء قل ) لهم ( إن الأمر كله ) بالنصب توكيداً والرفع مبتدأ وخبره ( لله ) أي القضاء له يفعل ما يشاء ( يخفون في أنفسهم ما لا يبدون ) يظهرون ( لك يقولون ) بيان لما قبله ( لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا ) أي لو كان الاختيار إلينا لم نخرج فلم نقتل لكن أخرجنا كرها ( قل ) لهم ( لوكنتم في بيوتكم ) وفيكم من كتب الله عليه القتل ( لبرز ) خرج ( الذين كتب ) قضي ( عليهم القتل ) منكم ( الى مضاجعهم ) مصارعهم فيقتلوا ولم ينجهم قعودهم لأن قضاءه تعالى كائن لا محالة ( و ) فعل ما فعل بأحد ( ليبتلي ) يختبر ( الله ما في صدوركم ) قلوبكم من الإخلاص والنفاق ( وليمحص ) يميز ( ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور ) بما في القلوب لا يخفى عليه شيء وإنما يبتلي ليظهر للناس
155. ( إن الذين تولوا منكم ) عن القتال ( يوم التقى الجمعان ) جمع المسلمين وجمع الكفار بأحد وهم المسلمون إلا اثنى عشر رجلاً ( إنما استزلهم ) أزلهم ( الشيطان ) بوسوسته ( ببعض ما كسبوا ) من الذنوب وهو مخالفة أمر النبي ( ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور ) للمؤمنين ( حليم ) لا يعجل على العصاة
156. ( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا ) أي المنافقين ( وقالوا لإخوانهم ) أي في شأنهم ( إذا ضربوا ) سافروا ( في الأرض ) فماتوا ( أو كانوا غُزَّىً ) جمع غاز ، فقتلوا ( لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ) أي لا تقولوا كقولهم ( ليجعل الله ذلك ) القول في عاقبة أمرهم ( حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت ) فلا يمنع عن الموت قعود ( والله بما تعملون ) بالتاء والياء ( بصير ) فيجازيكم به
157. ( ولئن ) لام قسم ( قتلتم في سبيل الله ) أي الجهاد ( أو مُتم ) بضم الميم وكسرها من مات يموت أتاكم الموت فيه ( لمغفرة ) كائنة ( من الله ) لذنوبكم ( ورحمة ) منه لكم على ذلك واللام ومدخولها جواب القسم وهي موضع الفعل مبتدأ خبره ( خير مما تجمعون ) من الدنيا بالتاء والياء
158. ( ولئن ) لام قسم ( مُتم ) بالوجهين ( أو قتلتم ) في الجهاد وغيره ( لإلى الله ) لا إلى غيره ( تحشرون ) في الآخرة فيجازيكم
159. ( فبما رحمة من الله لنت ) يا محمد ( لهم ) أي سهلت أخلاقك إذ خالفوك ( ولو كنت فظاً ) سيِّء الأخلاق ( غليظ القلب ) جافيا فأغلظت لهم ( لانفضوا ) تفرقوا ( من حولك فاعف ) تجاوز ( عنهم ) ما أتوه ( واستغفر لهم ) ذنبهم حتى أغفر لهم ( وشاورهم ) استخرج آراءهم ( في الأمر ) أي شأنك من الحرب وغيره تطييبا لقلوبهم وليستن بك وكان صلى الله عليه وسلم كثير المشاورة لهم ( فإذا عزمت ) على إمضاء ما تريد بعد المشاورة ( فتوكل على الله ) ثق بعد المشاورة ( إن الله يحب المتوكلين ) عليه
160. ( إن ينصركم الله ) يعنكم على عدوكم كيوم بدر ( فلا غالب لكم وإن يخذلكم ) يترك نصركم كيوم أحد ( فمن ذا الذي ينصركم من بعده ) أي بعد خذلانه أي لا ناصر لكم ( وعلى الله ) لا غيره ( فليتوكل ) ليثق ( المؤمنون )
161. ونزلت لما فقدت قطيفة حمراء يوم أحد فقال بعض الناس: لعل النبي أخذها ( وما كان ) ما ينبغي ( لنبي أن يَغُل ) يخون في الغنيمة فلا تظنوا به ذلك ، وفي قراءة بالبناء للمفعول أن ينسب إلى الغلول ( ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ) حاملاً له على عنقه ( ثم توفى كل نفس ) الغال وغيره جزاء ( ما كسبت ) عملت ( وهم لا يظلمون ) شيئا
162. ( أفمن اتبع رضوان الله ) فأطاع ولم يغل ( كمن باء ) رجع ( بسخط من الله ) لمعصيته وغلوله ( ومأواه جهنم وبئس المصير ) أي المرجع ؟ والجواب: لا
163. ( هم درجات ) أي أصحاب درجات ( عند الله ) أي مختلفو المنازل فلمن اتبع رضوانه الثواب ولمن باء بسخطه العقاب ( والله بصير بما يعملون ) فيجازيهم به
164. ( لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم ) أي عربيا مثلهم ليفهموا عنه ويشرفوا به لا ملكاً ولا أعجمياً ( يتلو عليهم آياته ) القرآن ( ويزكيهم ) يطهرهم من الذنوب ( ويعلمهم الكتاب ) القرآن ( والحكمة ) السنة ( وإن ) مخففة أي إنهم ( كانوا من قبل ) أي قبل بعثه ( لفي ضلال مبين ) بيِّن
165. ( أو لما أصابتكم مصيبة ) بأحد بقتل سبعين منكم ( قد أصبتم مثليها ) ببدر بقتل سبعين وأسر سبعين منهم ( قلتم ) متعجبين ( أنى ) من أين لنا ( هذا ) الخذلان ونحن مسلمون ورسول الله فينا ، الجملة الأخيرة محل الاستفهام الإنكاري ( قل ) لهم ( هو من عند أنفسكم ) لأنكم تركتم المركز فخذلتم ( إن الله على كل شيء قدير ) ومنه النصر ومنعه وقد جازاكم بخلافكم
166. ( وما أصابكم يوم التقى الجمعان ) بأحد ( فبإذن الله ) بإرادته ( وليعلم ) الله علم ظهور ( المؤمنين ) حقاً
167. ( وليعلم الذين نافقوا و ) الذين ( قيل لهم ) لما انصرفوا عن القتال وهم عبد الله بن أبي وأصحابه ( تعالوا قاتلوا في سبيل الله ) أعداءه ( أو ادفعوا ) عنا القوم بتكثير سوادكم إن لم تقاتلوا ( قالوا لو نعلم ) نحسن ( قتالاً لاتبعناكم ) قال تعالى تكذيبا لهم: ( هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان ) بما أظهروا من خذلانهم للمؤمنين وكانوا قبل أقرب إلى الإيمان من حيث الظاهر ( يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ) ولو علموا قتالاً لم يتبعوكم ( والله أعلم بما يكتمون ) من النفاق
168. ( الذين ) بدل من الذين قبله أو نعت ( قالوا لإخوانهم ) في الدين ( و ) قد ( قعدوا ) عن الجهاد ( لو أطاعونا ) أي شهداء أحد أو إخواننا في القعود ( ما قتلوا قل ) لهم ( فادرؤوا ) ادفعوا ( عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ) في أن القعود ينجي منه
169. ونزل في الشهداء: ( ولا تحسبن الذين قتلوا ) بالتخفيف والتشديد ( في سبيل الله ) أي لأجل دينه ( أمواتاً بل ) هم ( أحياء عند ربهم ) أرواحهم في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت كما ورد في الحديث ( يرزقون ) يأكلون من ثمار الجنة
170. ( فرحين ) حال من ضمير يرزقون ( بما آتاهم الله من فضله و ) هم ( ويستبشرون ) يفرحون ( بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ) من إخوانهم المؤمنين ويبدل من الذين ( أ ) ن أي بأن ( لاخوف عليهم ) أي الذين لم يلحقوا بهم ( ولا هم يحزنون ) في الآخرة المعنى يفرحون بأمنهم وفرحهم
171. ( يستبشرون بنعمة ) ثواب ( من الله وفضل ) زيادة عليه ( وأن ) بالفتح عطفا على نعمة وبالكسر استئنافا ( الله لا يضيع أجر المؤمنين ) بل يأجرهم
172. ( الذين ) مبتدأ ( استجابوا لله والرسول ) دعاءه بالخروج للقتال لما أراد أبو سفيان وأصحابه العود وتواعدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه سوق بدر العام المقبل من يوم أحد ( من بعد ما أصابهم القرح ) بأحد وخبر المبتدأ ( للذين أحسنوا منهم ) بطاعته ( واتقوا ) مخالفته ( أجر عظيم ) هو الجنة
173. ( الذين ) بدل من الذين قبله أو نعت ( قال لهم الناس ) أي نعيم بن مسعود الأشجعي ( إن الناس ) أبا سفيان وأصحابه ( قد جمعوا لكم ) الجموع ليستأصلوكم ( فاخشوهم ) ولا تأتوهم ( فزادهم ) ذلك القول ( إيماناً ) تصديقاً بالله ويقيناً ( وقالوا حسبنا الله ) كافينا أمرهم ( ونعم الوكيل ) المفوض إليه الأمر هو ، وخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فوافوا سوق بدر وألقى الله الرعب في قلب أبي سفيان وأصحابه فلم يأتوا وكان معهم تجارات فباعوا وربحوا قال الله تعالى:
174. ( فانقلبوا ) رجعوا من بدر ( بنعمة من الله وفضل ) بسلامة وربح ( لم يمسسهم سوء ) من قتل أو جرح ( واتبعوا رضوان الله ) بطاعته وطاعة رسوله في الخروج ( والله ذو فضل عظيم ) على أهل طاعته
175. ( إنما ذلكم ) أي القائل لكم إن الناس الخ ( الشيطان يخوفـِّ ) ـكم ( أولياءه ) الكفار ( فلا تخافوهم وخافون ) في ترك أمري ( إن كنتم مؤمنين ) حقا
176. ( ولا يُحزِنك ) بضم الياء وكسر الزاي و بفتحها و ضم الزاي من حزنه لغة في أحزنه ( الذين يسارعون في الكفر ) يقعون فيه سريعاً بنصرته وهم أهل مكة أو المنافقون أي لا تهتم لكفرهم ( إنهم لن يضروا الله شيئا ) بفعلهم وإنما يضرون أنفسهم ( يريد الله ألا يجعل لهم حظاً ) نصيباً ( في الآخرة ) أي الجنة فلذلك خذلهم الله ( ولهم عذاب عظيم ) في النار
177. ( إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان ) أي أخذوه بدله ( لن يضروا الله ) بكفرهم ( شيئا ولهم عذاب أليم ) مؤلم
178. ( ولا يحسبن ) بالياء والتاء ( الذين كفروا أنما نملي ) أي إملاءنا ( لهم ) بتطويل الأعمار وتأخيرهم ( خير لأنفسهم ) وأن ومعمولاها سدت مسد المفعولين في قراءة التحتانية ومسد الثاني في الأخرى ( إنما نملي ) نمهل ( لهم ليزدادوا إثما ) بكثرة المعاصي ( ولهم عذاب مهين ) ذو إهانة في الآخرة
179. ( ما كان الله ليذر ) ليترك ( المؤمنين على ما أنتم ) أيها الناس ( عليه ) من اختلاط المخلص بغيره ( حتى يميز ) بالتخفيف والتشديد يفصل ( الخبيث ) المنافق ( من الطيب ) المؤمن بالتكاليف الشاقة المبينة لذلك ففعل ذلك يوم أحد ( وما كان الله ليطلعكم على الغيب ) فتعرفوا المنافق من غيره قبل التمييز ( ولكن الله يجتبي ) يختار ( من رسله من يشاء ) فيطلعه على غيبه كما أطلع النبي صلى الله عليه وسلم على حال المنافقين ( فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا ) النفاق ( فلكم أجر عظيم )
180. ( ولا يحسبن ) بالياء والتاء ( الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله ) أي بزكاته ( هو ) أي بخلهم ( خيراً لهم ) مفعول ثان والضمير للفصل والأول بخلهم مقدراً قبل الموصول على الفوقانية وقبل الضمير على التحتانية ( بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به ) أي بزكاته من المال ( يوم القيامة ) بأن يجعل حية في عنقه تنهشه كما ورد في الحديث ( ولله ميراث السماوات والأرض ) يرثهما بعد فناء أهلهما ( والله بما تعملون ) بالتاء والياء ( خبير ) فيجازيكم به
181. ( لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء ) وهم اليهود قالوه لما نزل { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا } وقالوا: لو كان غنيا ما استقرضنا ( سنكتب ) نأمر بكتب ( ما قالوا ) في صحائف أعمالهم ليجازوا عليه ، وفي قراءةٍ { سيُكْتَب } بالياء مبنياً للمفعول ( و ) نكتب ( قتلَهم ) بالنصب والرفع ( الأنبياء بغير حق ونقول ) بالنون والياء أي الله لهم في الآخرة على لسان الملائكة ( ذوقوا عذاب الحريق ) النار
182. ويقال لهم إذا ألقوا فيها: ( ذلك ) العذاب ( بما قدمت أيديكم ) عبر بها عن الإنسان لأن أكثر الأفعال تزاول بها ( وأن الله ليس بظلام ) أي بذي ظلم ( للعبيد ) فيعذبهم بغير ذنب
183. ( الذين ) نعت للذين قبله ( قالوا ) لمحمد ( إن الله ) قد ( عهد إلينا ) في التوراة ( ألا نؤمن لرسول ) نصدقه ( حتى يأتينا بقربان تأكله النار ) فلا نؤمن لك حتى يأتينا به وهو ما يتقرب به إلى الله من نعم وغيرها فإن قبل جاءت نار بيضاء من السماء فأحرقته وإلا بقي مكانه ، وعهد إلى بني إسرائيل ذلك إلا في المسيح ومحمد قال تعالى: ( قل ) لهم توبيخا ( قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات ) بالمعجزات ( وبالذي قلتم ) كزكريا ويحيى فقتلتموهم والخطاب لمن في زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإن كان الفعل لأجدادهم لرضاهم به ( فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ) في أنكم تؤمنون عند الإتيان به
184. ( فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤوا بالبينات ) المعجزات ( والزبر ) كصحف إبراهيم ( والكتاب ) وفي قراءة بإثبات الباء فيهما ( المنير ) الواضح هو التوراة والإنجيل فاصبر كما صبروا
185. ( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم ) جزاء أعمالكم ( يوم القيامة فمن زحزح ) بعد ( عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ) نال غاية مطلوبة ( وما الحياة الدنيا ) أي العيش فيها ( إلا متاع الغرور ) الباطل يتمتع به قليلا ثم يفنى
186. ( لتبلون ) حذف منه نون الرفع لتوالي النونات والواو ضمير الجمع لالتقاء الساكنين ، لتختبرن ( في أموالكم ) بالفرائض فيها والجوائح ( وأنفسكم ) بالعبادات والبلاء ( ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) اليهود والنصارى ( ومن الذين أشركوا ) من العرب ( أذى كثيرا ) من السب والطعن والتشبيب بنسائكم ( وإن تصبروا ) على ذلك ( وتتقوا ) الله ( فإن ذلك من عزم الأمور ) أي من معزوماتها التي يعزم عليها لوجوبها
187. ( و ) اذكر ( إذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ) أي العهد عليهم في التوراة ( ليبيننه ) أي الكتاب ( للناس ولا يكتمونه ) أي الكتاب بالياء والتاء بالفعلين ( فنبذوه ) طرحوا الميثاق ( وراء ظهورهم ) فلم يعملوا به ( واشتروا به ) أخذوا بدله ( ثمنا قليلا ) من الدنيا من سفلتهم برياستهم في العلم فكتموه خوف فوته عليهم ( فبئس ما يشترون ) شراؤهم هذا
188. ( لا تحسبن ) بالتاء والياء ( الذين يفرحون بما أتوا ) فعلوا في إضلال الناس ( ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ) من التمسك بالحق وهم على ضلال ( فلا تحسبنهم ) بالوجهين تأكيد ( بمفازة ) بمكان ينجون فيه ( من العذاب ) من الآخرة بل هم في مكان يعذبون فيه وهو جهنم ( ولهم عذاب أليم ) مؤلم فيها ، ومفعولا يحسب الأولى دل عليهما مفعولا الثانية على قراءة التحتانية وعلى الفوقانية حذف الثاني فقط
189. ( ولله ملك السماوات والأرض ) خزائن المطر والرزق والنبات وغيرها ( والله على كل شيء قدير ) ومنه تعذيب الكافرين وإنجاء المؤمنين
190. ( إن في خلق السماوات والأرض ) وما فيهما في العجائب ( واختلاف الليل والنهار ) بالمجيء والذهاب والزيادة والنقصان ( لآيات ) دلالات على قدرته تعالى ( لأولي الألباب ) لذوي العقول
191. ( الذين ) نعت لما قبله أو بدل ( يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ) مضطجعين أي في كل حال ، وعن ابن عباس يصلون كذلك حسب الطاقة ( ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ) ليستدلوا به على قدرة صانعهما يقولون ( ربنا ما خلقت هذا ) الخلق الذي نراه ( باطلاً ) حال ، عبثاً بل دليلاً على كمال قدرتك ( سبحانك ) تنزيها لك عن العبث ( فقنا عذاب النار )
192. ( ربنا إنك من تدخل النار ) للخلود فيها ( فقد أخزيته ) أهنته ( وما للظالمين ) الكافرين ، فيه وضع الظاهر موضع المضمر إشعارا بتخصيص الخزي بهم ( من ) زائدة ( أنصار ) يمنعونهم من عذاب الله تعالى
193. ( ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي ) يدعو الناس ( للإيمان ) أي إليه وهو محمد أو القرآن ( أن ) أي بأن ( آمنوا بربكم فآمنا ) به ( ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر ) غطِّ ( عنا سيئاتنا ) فلا تظهرها بالعقاب عليها ( وتوفنا ) اقبض أرواحنا ( مع ) في جملة ( الأبرار ) الأنبياء الصالحين
194. ( ربنا وآتنا ) أعطنا ( ما وعدتنا ) به ( على ) ألسنة ( رسلك ) من الرحمة والفضل ، وسؤالهم ذلك وإن كان وعده تعالى لا يخلف سؤال أن يجعلهم من مستحقيه لأنهم لم يتيقنوا استحقاقهم له وتكرير ربنا مبالغة في التضرع ( ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ) الوعد بالبعث والجزاء
195. ( فاستجاب لهم ربهم ) دعاءهم ( أني ) أي بأني ( لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم ) كائن ( من بعض ) أي الذكور من الاناث وبالعكس ، والجملة مؤكدة لما قبلها أي هم سواء في المجازاة بالأعمال وترك تضييعها ، نزلت لما قالت أم سلمة: يا رسول الله إني لا أسمع ذكر النساء بالهجرة بشيء ( فالذين هاجروا ) من مكة إلى المدينة ( وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي ) ديني ( وقاتلوا ) الكفار ( وقتلوا ) بالتخفيف والتشديد ، وفي قراءة بتقديمه ( لأكفرن عنهم سيئاتهم ) أسترها بالمغفرة ( ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً ) مصدر من معنى لأكفرن مؤكد له ( من عند الله ) فيه التفات عن التكلم ( والله عنده حسن الثواب ) الجزاء
196. ونزل لما قال المسلمون: أعداء الله فيما نرى من الخير ونحن في الجهد: ( لا يغرنك تقلب الذين كفروا ) تصرفهم ( في البلاد ) بالتجارة والكسب
197. هو ( متاع قليل ) يتمتعون به يسيراً في الدنيا ويفنى ( ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ) الفراش هي
198. ( لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين ) أي مقدرين بالخلود ( فيها نزلاً ) وهو ما يعدُّ للضيف ، ونصبه على الحال من جنات والعامل فيها معنى الظرف ( من عند الله وما عند الله ) من الثواب ( خير للأبرار ) من متاع الدنيا
199. ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله ) كعبد الله بن سلام وأصحابه والنجاشي ( وما أنزل إليكم ) أي القرآن ( وما أنزل إليهم ) أي التوراة والإنجيل ( خاشعين ) حال من ضمير يؤمن مراعى فيه معنى من أي: متواضعين ( لله لا يشترون بآيات الله ) التي عندهم في التوراة والإنجيل من بعث النبي صلى الله عليه وسلم ( ثمنا قليلا ) من الدنيا بأن يكتموها خوفا على الرياسة كفعل غيرهم من اليهود ( أولئك لهم أجرهم ) ثواب أعمالهم ( عند ربهم ) يؤتونه مرتين كما في القصص ( إن الله سريع الحساب ) يحاسب الخلق في قدر نصف نهار من أيام الدنيا
200. ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا ) على الطاعات والمصائب وعن المعاصي ( وصابروا ) الكفار فلا يكونوا أشد صبرا منكم ( ورابطوا ) أقيموا على الجهاد ( واتقوا الله ) في جميع أحوالكم ( لعلكم تفلحون ) تفوزون بالجنة وتنجون من النار
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
4 . سورة النساء [ مدنية وآياتها 176 أو 177 نزلت بعد الممتحنة ]
1. ( يا أيها الناس ) أي أهل مكة ( اتقوا ربكم ) أي عقابه بأن تطيعوه ( الذي خلقكم من نفس واحدة ) آدم ( وخلق منها زوجها ) حواء بالمد من ضلع من أضلاعه اليسرى ( وبث ) فرق ونشر ( منهما ) من آدم وحواء ( رجالاً كثيراً ونساء ) كثيرة ( واتقوا الله الذي تَسَّاءلون ) فيه إدغام التاء في الأصل في السين ، وفي قراءة بالتخفيف بحذفها أي تتساءلون ( به ) فيما بينكم حيث يقول بعضكم لبعض: أسألك بالله وأنشدك بالله ( و ) اتقوا ( الأرحام ) أن تقطعوها ، وفي قراءة بالجر عطفا على الضمير في به وكانوا يتناشدون بالرحم ( إن الله كان عليكم رقيبا ) حافظا لأعمالكم فيجازيكم بها ، أي لم يزل متصفا بذلك
2. ونزل في يتيم طلب من وليه ماله فمنعه: ( وآتوا اليتامى ) الصغار الذين لا أب لهم ( أموالهم ) إذا بلغوا ( ولا تتبدلوا الخبيث ) الحرام ( بالطيب ) الحلال أي تأخذوه بدله كما تفعلون من أخذ الجيد من مال اليتيم وجعل الرديء من مالكم مكانه ( ولا تأكلوا أموالَهم ) مضمومةً ( إلى أموالكم إنه ) أي أكلها ( كان حُوباً ) ذنباً ( كبيراً ) عظيماً
3. ولما نزلت تحرَّجوا من ولاية اليتامى وكان فيهم من تحته العشر أو الثمان من الأزواج فلا يعدل بينهن فنزل: ( وإن خفتم أ ) ن ( لا تقسطوا ) تعدلوا ( في اليتامى ) فتحرَّجتم من أمرهم فخافوا أيضا أن لا تعدلوا بين النساء إذا نكحتموهن ( فانكحوا ) تزوجوا ( ما ) بمعنى من ( طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) أي اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا ولا تزيدوا على ذلك ( فإن خفتم أ ) ن ( لا تعدلوا ) فيهن بالنفقة والقسم ( فواحدة ) انكحوها ( أو ) اقتصروا على ( ما ملكت أيمانكم ) من الإماء إذ ليس لهم من الحقوق ما للزوجات ( ذلك ) أي نكاح الأربع فقط أو الواحدة أو التسري ( أدنى ) أقرب إلى ( ألا تعولوا ) تجوروا
4. ( وآتوا ) أعطوا ( النساء صَدُقاتهن ) جمع صدُقة ، مهورهن ( نِحلةً ) مصدر ، عطية عن طيب نفس ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً ) تمييز محول عن الفاعل ، أي طابت أنفسهن لكم عن شيء من الصِداق فوهبنه لكم ( فكلوه هنيئاً ) طيباً ( مريئاً ) محمود العاقبة لا ضرر فيه عليكم في الآخرة ، نزلت رداً على من كرَّه ذلك
5. ( ولا تؤتوا ) أيها الأولياء ( السفهاء ) المبذرين من الرجال والنساء والصبيان ( أموالكم ) أي أموالهم التي في أيديكم ( التي جعل الله لكم قياماً ) مصدر قام ، أي تقوم بمعاشكم وصلاح أولادكم فيضعوها في غير وجهها ، وفي قراءة { قِيَماً } جمع قيمة ، ما تُقَوَّمُ به الأمتعة ( وارزقوهم فيها ) أطعموهم منها ( واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفاً ) عُدوهم عِدة جميلة بإعطائهم أموالهم إذا رشدوا
6. ( وابتلوا ) اختبروا ( اليتامى ) قبل البلوغ في دينهم وتصرفهم في أحوالهم ( حتى إذا بلغوا النكاح ) أي صاروا أهلاً له بالاحتلام أو السن وهو استكمال خمسة عشر سنة عند الشافعي ( فإن آنستم ) أبصرتم ( منهم رُشْداً ) صلاحاً في دينهم ومالهم ( فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها ) أيها الأولياء ( إسرافا ) بغير حق حال ( وبداراً ) أي مبادرين إلى إنفاقها مخافة ( أن يكبروا ) رشداء فيلزمكم تسليمها إليهم ( ومن كان ) من الأولياء ( غنياً فليستعفف ) أي يعف عن مال اليتيم ويمتنع من أكله ( ومن كان فقيراً فليأكل ) منه ( بالمعروف ) بقدر أجرة عمله ( فإذا دفعتم إليهم ) أي إلى اليتامى ( أموالهم فأشهدوا عليهم ) أنهم تسلموها وبرئتم لئلا يقع اختلاف فترجعوا إلى البينة ، وهذا الأمر إرشاد ( وكفى بالله ) الباء زائدة ( حسيباً ) حافظاً لأعمال خلقه ومحاسبهم
7. ونزل رداً لما كان عليه الجاهلية من عدم توريث النساء والصغار: ( للرجال ) الأولاد والأقرباء ( نصيبٌ ) حظٌ ( مما ترك الوالدان والأقربون ) المتوفون ( وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه ) أي المال ( أو كثر ) جعله الله ( نصيباً مفروضاً ) مقطوعاً بتسليمه إليهم
8. ( وإذا حضر القسمة ) للميراث ( أولوا القربى ) ذوو القرابة ممن لا يرث ( واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ) شيئاً قبل القسمة ( وقولوا ) أيها الأولياء ( لهم ) إذا كان الورثة صغاراً ( قولاً معروفاً ) جميلاً بأن تعتذروا إليهم أنكم لا تملكونه وأنه للصغار وهذا قيل إنه منسوخ وقيل لا ولكن تهاون الناس في تركه وعليه فهو ندب ، وعن ابن عباس واجب
9. ( وليخش ) أي ليخف على اليتامى ( الذين لو تركوا ) أي قاربوا أن يتركوا ( من خلفهم ) أي بعد موتهم ( ذريةً ضعافاً ) أولاداً صغاراً ( خافوا عليهم ) الضياع ( فليتقوا الله ) في أمر اليتامى وليأتوا إليهم ما يحبون أن يفعل بذريتهم من بعدهم ( وليقولوا ) لمن حضرته الوفاة ( قولاً سديداً ) صواباً بأن يأمروه أن يتصدق بدون ثلثه ويدع الباقي لورثته ولا يتركهم عالة
10. ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً ) بغير حق ( إنما يأكلون في بطونهم ) أي ملأها ( ناراً ) لأنه يؤول إليها ( وسيَصْلَون ) بالبناء للفاعل والمفعول يدخلون ( سعيرا ) نارا شديدة يحترقون فيها
11. ( يوصيكم ) يأمركم ( الله في ) شأن ( أولادكم ) بما يذكر ( للذكر ) منهم ( مثل حظ ) نصيب ( الأنثيين ) إذا اجتمعتا معه فله نصف المال ولهما النصف فإن كان معه واحدة فلها الثلث وله الثلثان وإن انفرد حاز المال ( فإن كن ) أي الأولاد ( نساءً ) فقط ( فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك ) الميت وكذا الاثنتان لأنه للأختين بقوله { فلهما الثلثان مما ترك } فهما أولى ولأن البنت تستحق الثلث مع الذكر فمع الأنثى أولى { وفوق } قيل صلة وقيل لدفع توهم زيادة النصيب بزيادة العدد لما فهم استحقاق البنتين الثلثين من جعل الثلث للواحدة مع الذكر ( وإن كانت ) المولودة ( واحدةً ) وفي قراءة بالرفع فكان تامة ( فلها النصف ولأبويه ) أي الميت ويبدل منهما ( لكل واحد منهما السدُس مما ترك إن كان له ولد ) ذكر أو أنثى ونكتة البدل إفادة أنهما لا يشتركان فيه وألحق بالولد ولد الابن وبالأب الجد ( فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه ) فقط أو مع زوج ( فلأمه ) بضم الهمزة وكسرها فرارا من الانتقال من ضمة إلى كسرة لثقله في الموضعين ( الثلُث ) أي ثلث المال أو ما يبقى بعد الزوج والباقي للأب ( فإن كان له إخوة ) أي اثنان فصاعدا ذكورا أو إناثا ( فلأمه السدُس ) والباقي للأب ولا شيء للأخوة وإرث من ذكر ما ذكر ( من بعد ) تنفيذ ( وصية يوصي ) بالبناء للفاعل والمفعول ( بها أو ) قضاء ( دين ) عليه وتقديم الوصية على الدين وإن كانت مؤخرة عنه في الوفاء للاهتمام بها ( آباؤكم وأبناؤكم ) مبتدأ خبره ( لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ) في الدنيا والآخرة فظانٌّ أن ابنه أنفع له فيعطيه الميراث فيكون الأب أنفع وبالعكس وإنما العالم بذلك هو الله ففرض لكم الميراث ( فريضة من الله إن الله كان عليما ) بخلقه ( حكيما ) فيما دبره لهم أي لم يزل متصفا بذلك
12. ( ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد ) منكم أو من غيركم ( فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ) وألحق بالولد في ذلك ولد الابن بالاجماع ( ولهن ) أي الزوجات تعددن أو لا ( الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد ) منهن أو من غيرهن ( فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين ) وولد الابن في ذلك كالولد إجماعا ( وإن كان رجل يورث ) صفة والخبر ( كلالة ) أي لا والد له ولا ولد ( أو امرأة ) تورث كلالة ( وله ) أي للمورث كلالة ( أخ أو أخت ) أي من أم وقرأ به ابن مسعود وغيره ( فلكل واحد منهما السدس ) مما ترك ( فإن كانوا ) أي الإخوة والأخوات من الأم ( أكثر من ذلك ) أي من واحد ( فهم شركاء في الثلث ) يستوي فيه ذكرهم وأنثاهم ( من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار ) حال من ضمير يوصى أي غير مدخل الضرر على الورثة بأن يوصي بأكثر من الثلث ( وصية ) مصدر مؤكد ليوصيكم ( من الله والله عليم ) بما دبره لخلقه من الفرائض ( حليم ) بتأخير العقوبة عمن خالفه ، وخصت السنة توريث من ذكر بمن ليس فيه مانع من قتل أو اختلاف دين أو رق
13. ( تلك ) الأحكام المذكورة من أمر اليتامى وما بعده ( حدود الله ) شرائعه التي حدها لعباده ليعملوا بها ولا يتعدوها ( ومن يطع الله ورسوله ) فيما حكم به ( يدخله ) بالياء والنون التفاتاً ( جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم )
14. ( ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ) بالوجهين ( ناراً خالداً فيها وله ) فيها ( عذاب مهين ) ذو إهانة روعي في الضمائر في الآيتين لفظ { من } وفي { خالدين } معناها
15. ( واللاتي يأتين الفاحشة ) الزنا [ وعن الشيخ محمود الرنكوسي أن المراد بها السحاق لأن الآيات الواردة في عقوبة الزنا أتت في سورة النور. دار الحديث ] ( من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ) أي من رجالكم المسلمين ( فإن شهدوا ) عليهن بها ( فأمسكوهن ) احبسوهن ( في البيوت ) وامنعوهن من مخالطة الناس ( حتى يتوفاهن الموت ) أي ملائكته ( أو ) إلى أن ( يجعل الله لهن سبيلاً ) طريقاً إلى الخروج منها ، أمروا بذلك أول الإسلام ثم جعل لهن سبيلاً بجلد البكر مائة وتغريبها عاما ورجم المحصنة ، وفي الحديث لما بيَّن الحد قال: « خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا » رواه مسلم
16. ( واللّذان ) بتخفيف النون وتشديدها ( يأتيانها ) أي الفاحشة الزنا أو اللواط ( منكم ) أي الرجال ( فآذوهما ) بالسب والضرب بالنعال ( فإن تابا ) منها ( وأصلحا ) العمل ( فأعرضوا عنهما ) ولا تؤذوهما ( إن الله كان توابا ) على من تاب ( رحيما ) به ، وهذا منسوخ بالحد إن أريد بها الزنا وكذا إن أريد بها اللواط عند الشافعي لكن المفعول به لا يرجم عنده وإن كان محصنا بل يجلد ويغرب وإرادة اللواط أظهر بدليل تثنية الضمير والأول قال أراد الزاني والزانية ويرده تبيينهما بمن المتصلة بضمير الرجال واشتراكهما في الأذى والتوبة والإعراض وهو مخصوص بالرجال لما تقدم في النساء من الحبس
17. ( إنما التوبة على الله ) أي التي كتب على نفسه قبولها بفضله ( للذين يعملون السوء ) المعصية ( بجهالة ) حال أي جاهلين إذ عصوا ربهم ( ثم يتوبون من ) زمن ( قريب ) قبل أن يغرغروا ( فأولئك يتوب الله عليهم ) يقبل توبتهم ( وكان الله عليماً ) بخلقه ( حكيماً ) في صنعه بهم
18. ( وليست التوبة للذين يعملون السيئات ) الذنوب ( حتى إذا حضر أحدهم الموت ) وأخذ في النزع ( قال ) عند مشاهدة ما هو فيه ( إني تبت الآن ) فلا ينفعه ذلك ولا يقبل منه ( ولا الذين يموتون وهم كفار ) إذا تابوا في الآخرة عند معاينة العذاب لا تقبل منهم ( أولئك أعتدنا ) أعددنا ( لهم عذابا أليما ) مؤلما
19. ( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء ) أي ذاتهن ( كَرها ) بالفتح والضم لغتان ، أي مكرهيهن على ذلك كانوا في الجاهلية يرثون نساء أقربائهم فإن شاءوا تزوجوهن بلا صداق أو زوجوها وأخذوا صداقها أو عضلوها حتى تفتدي بما ورثته أو تموت فيرثوها فنهوا عن ذلك ( ولا ) أن ( تعضُلوهن ) أي تمنعوا أزواجكم عن نكاح غيركم بإمساكهن ولا رغبة لكم فيهن ضراراً ( لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ) من المهر ( إلا أن يأتين بفاحشة مُبَيَّنة ) بفتح الياء وكسرها ، أي بِيْنَتْ أو هي بينة ، أي زنا أو نشوز فلكم أن تضاروهن حتى يفتدين منكم ويختلعن ( وعاشروهن بالمعروف ) أي بالإجمال في القول والنفقة والمبيت ( فإن كرهتموهن ) فاصبروا ( فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) ولعله يجعل فيهن ذلك بأن يرزقكم منهن ولدا صالحا
20. ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج ) أي أخذ بدلها بأن طلقتموها ( و ) قد ( آتيتم إحداهن ) أي الزوجات ( قنطارا ) مالا كثيرا صداقا ( فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا ) ظلما ( وإثما مبينا ) بينا ، ونصبهما على الحال
21. والاستفهام للتوبيخ وللإنكار في قوله: ( وكيف تأخذونه ) أي بأي وجه ( وقد أفضى ) وصل ( بعضكم إلى بعض ) بالجماع المقرر للمهر ( وأخذن منكم ميثاقا ) عهدا ( غليظا ) شديدا وهو ما أمر الله به من إمساكهن بمعروف أو تسريحهن بإحسان
22. ( ولا تنكحوا ما ) بمعنى من ( نكح آباؤكم من النساء إلا ) لكن ( ما قد سلف ) من فعلكم ذلك فإنه معفو عنه ( إنه ) أي نكاحهن ( كان فاحشة ) قبيحا ( ومقتا ) سببا للمقت من الله وهو أشد البغض ( وساء ) بئس ( سبيلاً ) طريقاً ذلك
23. ( حُرِّمَت عليكم أمهاتكم ) أن تنكحوهن وشملت الجدات من قبل الأب أو الأم ( وبناتكم ) وشملت الأولاد وإن سفلن ( وأخواتكم ) من جهة الأب أو الأم ( وعماتكم ) أي أخوات آبائكم وأجدادكم ( وخالاتكم ) أي أخوات أمهاتكم وجداتكم ( وبنات الأخ وبنات الأخت ) ويدخل فيهن أولادهم ( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ) قبل استكمال الحولين خمس رضعات كما بينه الحديث ( وأخواتكم من الرضاعة ) ويلحق بذلك بالسنة البنات منها وهن من أرضعتهن موطوأته والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت منها لحديث: « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » . رواه البخاري ومسلم. ( وأمهات نسائكم وربائبكم ) جمع ربيبة وهي بنت الزوجة من غيره ( اللاتي في حجوركم ) تربونها صفة موافقة للغالب فلا مفهوم لها ( من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ) أي جامعتموهن ( فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ) في نكاح بناتهن إذا فارقتموهن ( وحلائل ) أزواج ( أبنائكم الذين من أصلابكم ) بخلاف من تبنيتموهم فلكم نكاح حلائلهم ( وأن تجمعوا بين الأختين ) من نسب أو رضاع بالنكاح ويلحق بهما بالسنة بينها وبين عمتها أو خالتها ويجوز نكاح كل واحدة على الانفراد وملكهما معاً ويطأ واحدة ( إلا ) لكن ( ما قد سلف ) في الجاهلية من نكاحهم بعض ما ذكر فلا جناح عليكم فيه ( إن الله كان غفوراً ) لما سلف منكم قبل النهي ( رحيما ) بكم في ذلك
24. ( و ) حرمت عليكم ( المحصنات ) أي ذوات الأزواج ( من النساء ) أن تنكحوهن قبل مفارقة أزواجهن حرائر مسلمات كن أو لا ( إلا ما ملكت أيمانكم ) من الإماء بالسبي فلكم وطؤهن وإن كان لهن أزواج في دار الحرب بعد الاستبراء ( كتاب الله ) نصب على المصدر أي كتب ذلك ( عليكم وأحل ) بالبناء للفاعل والمفعول ( لكم ما وراء ذلكم ) أي سوى ما حرم عليكم من النساء ( أن تبتغوا ) تطلبوا النساء ( بأموالكم ) بصداق أو ثمن ( محصنين ) متزوجين ( غير مسافحين ) زانين ( فما ) فمن ( استمتعتم ) تمتعتم ( به منهن ) ممن تزوجتم بالوطء ( فآتوهن أجورهن ) مهورهن التي فرضتم لهن ( فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم ) أنتم وهنَّ ( به من بعد الفريضة ) من حطها أو بعضها أو زيادة عليها ( إن الله كان عليما ) بخلقه ( حكيما ) فيما دبره لهم
25. ( ومن لم يستطع منكم طولا ) أي غنى ( أن ينكح المحصنات ) الحرائر ( المؤمنات ) هو جري على الغالب فلا مفهوم له ( فمن ما ملكت أيمانكم ) ينكح ( من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم ) فاكتفوا بظاهره وكلوا السرائر إليه فإنه العالم بتفضيلها ورب أمة تفضل حرة فيه وهذا تأنيس بنكاح الإماء ( بعضكم من ) أي أنتم وهن سواء في الدين فلا تستنكفوا من نكاحهن ( فانكحوهن بإذن أهلهن ) مواليهن ( وآتوهن ) أعطوهن ( أجورهن ) مهورهن ( بالمعروف ) من غير مطل ونقص ( محصنات ) عفائف حال ( غير مسافحات ) زانيات جهراً ( ولا متخذات أخدان ) أخلاء يزنون بهن سراً ( فإذا أُحصن ) زُوِّجْن وفي قراءة { أحصنَّ } بالبناء للفاعل تزوجن ( فإن أتين بفاحشة ) زنا ( فعليهن نصف ما على المحصنات ) الحرائر الأبكار إذا زنين ( من العذاب ) الحد فيجلدن خمسين ويغربن نصف سنة ويقاس عليهن العبيد ولم يجعل الإحصان شرطا لوجوب الحد لإفادة أنه لا رجم عليهن أصلا ( ذلك ) أي نكاح المملوكات عند عدم الطول ( لمن خشي ) خاف ( العنت ) الزنا ، وأصله المشقة ، سمي به الزنا لأنه سببها بالحد في الدنيا والعقوبة في الآخرة ( منكم ) بخلاف من لا يخافه من الأحرار فلا يحل له نكاحها وكذا من استطاع طول حرة وعليه الشافعي وخرج بقوله { من فتياتكم المؤمناتِ } : الكافراتُ ، فلا يحل له نكاحها ولو عدم وخاف ( وأن تصبروا ) عن نكاح المملوكات ( خير لكم ) لئلا يصير الولد رقيقا ( والله غفور رحيم ) بالتوسعة في ذلك
26. ( يريد الله ليبين لكم ) شرائع دينكم ومصالح أمركم ( ويهديكم سنن ) طرائق ( الذين من قبلكم ) من الأنبياء في التحليل والتحريم فتتبعوهم ( ويتوب عليكم ) يرجع بكم عن معصيته التي كنتم عليها إلى طاعته ( والله عليم ) بكم ( حكيم ) فيما دبره لكم
27. ( والله يريد أن يتوب عليكم ) كرره ليبني عليه ( ويريد الذين يتبعون الشهوات ) اليهود والنصارى أو المجوس أو الزناة ( أن تميلوا ميلا عظيما ) تعدلوا عن الحق بارتكاب ما حرم عليكم فتكونوا مثلهم
28. ( يريد الله أن يخفف عنكم ) يسهل عليكم أحكام الشرع ( وخلق الإنسان ضعيفا ) لا يصبر عن النساء والشهوات
29. ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) بالحرام في الشرع كالربا والغصب ( إلا ) لكن ( أن تكون ) تقع ( تجارةٌ ) وفي قراءة بالنصب ، أن تكون الأموال أموال تجارة صادرة ( عن تراض منكم ) وطيب نفس فلكم أن تأكلوها ( ولا تقتلوا أنفسكم ) بارتكاب ما يؤدي إلى هلاكها أيا كان في الدنيا أو الآخرة بقرينة ( إن الله كان بكم رحيما ) في منعه لكم من ذلك
30. ( ومن يفعل ذلك ) أي ما نهي عنه ( عدوانا ) تجاوزا للحلال حال ( وظلما ) تأكيد ( فسوف نصليه ) ندخله ( نارا ) يحترق فيها ( وكان ذلك على الله يسيرا ) هينا
31. ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ) وهي ما ورد عليها وعيد كالقتل والزنا والسرقة ، وعن ابن عباس: « هي إلى السبعمائة أقرب » . ( نكفر عنكم سيئاتكم ) الصغائر بالطاعات ( وندخلكم مُدخلا ) بضم الميم وفتحها أي إدخالا أو موضعا ( كريما ) هو الجنة
32. ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ) من جهة الدنيا أو الدين لئلا يؤدي إلى التحاسد والتباغض ( للرجال نصيب ) ثواب ( مما اكتسبوا ) بسبب ما عملوا من الجهاد وغيره ( وللنساء نصيب مما اكتسبن ) من طاعة أزواجهن وحفظ فروجهن ، نزلت لما قالت أم سلمة: ليتنا كنا رجالا فجاهدنا وكان لنا مثل أجر الرجال ( واسألوا ) بهمزة ودونها ( الله من فضله ) ما احتجتم إليه يعطكم ( إن الله كان بكل شيء عليما ) ومنه محل الفضل وسؤالكم
33. ( ولكل ) من الرجال والنساء ( جعلنا موالي ) عصبة يعطون ( مما ترك الوالدان والأقربون ) لهم من المال ( والذين عاقدت ) بألف ودونها ( أيمانكم ) جمع يمين بمعنى القسم أو اليد الحلفاء الذين عاهدتموهم في الجاهلية على النصرة والإرث ( فآتوهم ) الآن ( نصيبهم ) حظوظهم من الميراث وهو السدس ( إن الله كان على كل شيء شهيدا ) مطلعا ومنه حالكم ، وهذا منسوخ بقوله { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض }
34. ( الرجال قوامون ) مسلطون ( على النساء ) يؤدبونهن ويأخذون على أيديهن ( بما فضل الله بعضهم على بعض ) أي بتفضيله لهم عليهن بالعلم والعقل والولاية وغير ذلك ( وبما أنفقوا ) عليهن ( من أموالهم فالصالحات ) منهن ( قانتات ) مطيعات لأزواجهن ( حافظات للغيب ) أي لفروجهن وغيرها في غيبة أزواجهن ( بما حفظ ) لهن ( الله ) حيث أوصى عليهن الأزواج ( واللاتي تخافون نشوزهن ) عصيانهن لكم بأن ظهرت أمارته ( فعظوهن ) فخوفوهن الله ( واهجروهن في المضاجع ) اعتزلوا إلى فراش آخر إن أظهرن النشوز ( واضربوهن ) ضربا غير مبرح إن لم يرجعن بالهجران ( فإن أطعنكم ) فيما يراد منهن ( فلا تبغوا ) تطلبوا ( عليهن سبيلا ) طريقا إلى ضربهن ظلما ( إن الله كان عليا كبيرا ) فاحذروه أن يعاقبكم إن ظلمتوهن
35. ( وإن خفتم ) علمتم ( شقاق ) خلاف ( بينهما ) بين الزوجين ، والإضافة للاتساع أي شقاقا بينهما ( فابعثوا ) إليهما برضاهما ( حكما ) رجلا عدلا ( من أهله ) أقاربه ( وحكما من أهلها ) ويوكل الزوج حكمه في طلاق وقبول عوض عليه وتوكل هي حكمها في الاختلاع فيجتهدان ويأمران الظالم بالرجوع أو يفرِّقان إن رأياه ، قال تعالى: ( إن يريدا ) أي الحكمان ( إصلاحا يوفق الله بينهما ) بين الزوجين أي يقدرهما على ما هو الطاعة من إصلاح أو فراق ( إن الله كان عليما ) بكل شيء ( خبيرا ) بالبواطن كالظواهر
36. ( واعبدوا الله ) وحده ( ولا تشركوا به شيئا و ) أحسنوا ( بالوالدين إحسانا ) برا ولين جانب ( وبذي القربى ) القرابة ( واليتامى والمساكين والجار ذي القربى ) القريب منك في الجوار أو النسب ( والجار الجنب ) البعيد عنك في الجوار أو النسب ( والصاحب بالجنب ) الرفيق في سفر أو صناعة وقيل الزوجة ( وابن السبيل ) المنقطع في سفره ( وما ملكت أيمانكم ) من الأرقاء ( إن الله لا يحب من كان مختالا ) متكبرا ( فخورا ) على الناس بما أوتي
37. ( الذين ) مبتدأ ( يبخلون ) بما يجب عليهم ( ويأمرون الناس بالبخل ) به ( ويكتمون ما آتاهم الله من فضله ) من العلم والمال وهم اليهود ، وخبر المبتدأ لهم وعيد شديد ( وأعتدنا للكافرين ) بذلك وبغيره ( عذابا مهينا ) ذا إهانة
38. ( والذين ) عطف على الذين قبله ( ينفقون أموالهم رئاء الناس ) مرائين لهم ( ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) كالمنافقين وأهل مكة ( ومن يكن الشيطان له قرينا ) صاحبا يعمل بأمره كهؤلاء ( فساء ) بئس ( قرينا ) هو
39. ( وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله ) أيْ أيُّ ضرر عليهم في ذلك والاستفهام للإنكار ولو مصدرية أي لا ضرر فيه وإنما الضرر فيما هم عليه ( وكان الله بهم عليما ) فيجازيهم بما عملوا
40. ( إن الله لا يظلم ) أحدا ( مثقال ) وزن ( ذرة ) أصغر نملة بأن ينقصها من حسناته أو يزيدها في سيئاته ( وإن تك ) الذرة ( حسنةً ) من مؤمن ، وفي قراءة بالرفع فكان تامة ( يضاعفها ) من عشر إلى أكثر من سبعمائة وفي قراءة { يضعِّفها } بالتشديد ( ويؤت من لدنه ) من عنده مع المضاعفة ( أجرا عظيما ) لا يقدره أحد
41. ( فكيف ) حال الكفار ( إذا جئنا من كل أمة بشهيد ) يشهد عليها وهو نبيها ( وجئنا بك ) يا محمد ( على هؤلاء شهيدا )
42. ( يومئذ ) يوم المجيء ( يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو ) أي أن ( تُسَوَّى ) بالبناء للمفعول والفاعل مع حذف إحدى التاءين في الأصل ، ومع إدغامها في السين { تَسَّوَّى } أي تتسوى ( بهم الأرض ) بأن يكونوا ترابا مثلها لعظم هوله كما في آية أخرى: { ويقول الكافرين يا ليتني كنت ترابا } ( ولا يكتمون الله حديثا ) عما عملوه وفي وقت آخر يكتمونه ويقولون والله ربنا ما كنا مشركين
43. ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة ) أي لا تُصَلُّوا ( وأنتم سكارى ) من الشراب لأن سبب نزولها صلاة جماعة في حالة سكر ( حتى تعلموا ما تقولون ) بأن تصحوا ( ولا جنبا ) بإيلاج أو إنزال ، ونصبه على الحال وهو يطلق على المفرد وغيره ( إلا عابري ) مجتازي ( سبيل ) طريق أي مسافرين ( حتى تغتسلوا ) فلكم أن تصلوا واستثناء المسافر لأن له حكما آخر سيأتي ، وقيل المراد النهي عن قربان مواضع الصلاة أي المساجد إلى عبورها من غير مكث ( وإن كنتم مرضى ) مرضاً يضره الماء ( أو على سفر ) أي مسافرين وأنتم جنب أو محدثون ( أو جاء أحد منكم من الغائط ) هو المكان المعد لقضاء الحاجة أي أحدث ( أو لامستم النساء ) وفي قراءة { لمستم } بلا ألف وكلاهما بمعنى اللمس هو الجس باليد ، قاله ابن عمر وعليه الشافعي وألحق به الجس بباقي البشرة ، وعن ابن عباس هو الجماع ( فلم تجدوا ماء ) تتطهرون به للصلاة بعد الطلب والتفتيش وهو راجع إلى ماعدا المرضى ( فتيمموا ) اقصدوا بعد دخول الوقت ( صعيدا طيبا ) ترابا طاهرا فاضربوا به ضربتين ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ) مع المرفقين منه ، ومَسَحَ يتعدى بنفسه وبالحرف ( إن الله كان عفوا غفورا )
44. ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا ) حظا ( من الكتاب ) وهم اليهود ( يشترون الضلالة ) بالهدى ( ويريدون أن تضلوا السبيل ) تخطئوا الطريق لتكونوا مثلهم
45. ( والله أعلم بأعدائكم ) منكم فيخبركم بهم لتجتنبوهم ( وكفى بالله وليا ) حافظا لكم منهم ( وكفى بالله نصيرا ) مانعا لكم من كيدهم
46. ( من الذين هادوا ) قوم ( يحرفون ) يغيرون ( الكلم ) الذي أنزل الله في التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم ( عن مواضعه ) التي وضع عليها ( ويقولون ) للنبي صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم بشيء ( سمعنا ) قولك ( وعصينا ) أمرك ( واسمع غير مسمع ) حال بمعنى الدعاء أي لا سمعت ( و ) يقولون له ( راعنا ) وقد نهى عن خطابه بها وهي كلمة سب بلغتهم ( ليَّا ) تحريفا ( بألسنتهم وطعنا ) قدحا ( في الدين ) الإسلام ( ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا ) بدل وعصينا ( واسمع ) فقط ( وانظرنا ) انظر إلينا بدل راعنا ( لكان خيرا لهم ) مما قالوه ( وأقوم ) أعدل منه ( ولكن لعنهم الله ) أبعدهم عن رحمته ( بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ) منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه
47. ( يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا ) من القرآن ( مصدقا لما معكم ) من التوراة ( من قبل أن نطمس وجوها ) نمحو ما فيها من العين والأنف والحاجب ( فنردها على أدبارها ) فنجعلها كالأقفاء لوحا واحدا ( أو نلعنهم ) نمسخهم قردة ( كما لعنا ) مسحنا ( أصحاب السبت ) منهم ( وكان أمر الله ) قضاؤه ( مفعولا ) ولما نزلت أسلم عبد الله بن سلام فقيل كان وعيدا بشرط فلما أسلم بعضهم رفع وقيل يكون طمس ومسخ قبل قيام الساعة
48. ( إن الله لا يغفر أن يشرك ) أي الإشراك ( به ويغفر ما دون ) سوى ( ذلك ) من الذنوب ( لمن يشاء ) المغفرة له بأن يدخله الجنة بلا عذاب ومن شاء عذبه من المؤمنين بذنوبه ثم يدخله الجنة ( ومن يشرك بالله فقد افترى إثما ) ذنبا ( عظيما ) كبيرا
49. ( ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ) وهم اليهود حيث قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه أي ليس الأمر بتزكيتهم أنفسهم ( بل الله يزكي ) يطهر ( من يشاء ) بالإيمان ( ولا يظلمون ) ينقصون من أعمالهم ( فتيلا ) قدر قشرة النواة
50. ( انظر ) متعجبا ( كيف يفترون على الله الكذب ) بذلك ( وكفى به إثما مبينا ) بينا
51. ونزل في كعب بن الأشرف ونحوه من علماء اليهود لما قدموا مكة وشاهدوا قتلى بدر وحرضوا المشركين على الأخذ بثأرهم ومحاربة النبي صلى الله عليه وسلم ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ) ضمان لقريش ( ويقولون للذين كفروا ) أبي سفيان وأصحابه حين قالوا لهم أنحن أهدى سبيلا ونحن ولاة نسقي الحاج ونقري الضيف ونفك العاني ونفعل أم محمد وقد خالف دين آبائه وقطع الرحم وفارق الحرم ( هؤلاء ) أي أنتم ( أهدى من الذين آمنوا سبيلاً ) أقوم طريقا
52. ( أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً ) مانعا من عذابه
53. ( أم ) بل أ ( لهم نصيب من الملك ) أي ليس لهم شيء منه ولو كان ( فإذا لا يؤتون الناس نقيرا ) أي شيئا تافها قدر النقرة في ظهر النواة لفرط بخلهم
54. ( أم ) بل ( يحسدون الناس ) أي النبي صلى الله عليه وسلم ( على ما آتاهم الله من فضله ) من النبوة وكثرة النساء أي يتمنون زواله عنه ويقولون لو كان نبيا لاشتغل عن النساء ( فقد آتينا آل إبراهيم ) جده كموسى وداود وسليمان ( الكتاب والحكمة ) والنبوة ( وآتيناهم ملكاً عظيماً ) فكان لداود تسع وتسعون امرأة ولسليمان ألف ما بين حرة وسرية
55. ( فمنهم من آمن به ) بمحمد صلى الله عليه وسلم ( ومنهم من صد ) أعرض ( عنه ) فلم يؤمن ( وكفى بجهنم سعيرا ) عذاباً لمن لا يؤمن
56. ( إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ) تدخلهم ( نارا ) يحترقون فيها ( كلما نضجت ) فيها احترقت ( جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ) بأن تعاد إلى حالها الأول غير محترقة ( ليذوقوا العذاب ) ليقاسوا شدته ( إن الله كان عزيزا ) لا يعجزه شيء ( حكيما ) في خلقه
57. ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة ) من الحيض وكل قذر ( وندخلهم ظلاً ظليلاً ) دائما لا تنسخه شمس وهو ظل الجنة
58. ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات ) أي ما ائتمن عليه من الحقوق ( إلى أهلها ) نزلت لما أخذ عليٌّ رضي الله عنه مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة الحجبي سادنها قسرا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح ومنعه وقال: لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برده إليه وقال: هاك خالدة تالدة. فعجب من ذلك فقرأ له عليٌّ الآية فأسلم وأعطاه عند موته لأخيه شيبة فبقي في ولده ، والآية وإن وردت على سبب خاص فعمومها معتبر بقرينة الجمع ( وإذا حكمتم بين الناس ) يأمركم ( أن تحكموا بالعدل إن الله نعمَّا ) فيه إدغام ميم نعمَ في ما النكرة الموصوفة أي نعم شيئاً ( يعظكم به ) تأدية الأمانة والحكم بالعدل ( إن الله كان سميعا ) لما يقال ( بصيرا ) بما يفعل
59. ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي ) وأصحاب ( الأمر ) أو الولاة ( منكم ) إذا أمروكم بطاعة الله ورسوله ( فإن تنازعتم ) اختلفتم ( في شيء فردوه إلى الله ) أي إلى كتابه ( والرسول ) مدة حياته وبعده إلى سنته أي اكشفوا عليه منهما ( إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك ) أي الرد إليهما ( خير ) لكم من التنازع والقول بالرأي ( وأحسن تأويلا ) مآلا
60. ونزل لما اختصم يهودي ومنافق فدعا المنافق إلى كعب بن الأشرف ليحكم بينهما ودعا اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتياه فقضى لليهودي فلم يرض المنافق ، وأتيا عمر فذكر اليهودي ذلك فقال للمنافق أكذلك قال نعم فقتله ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ) الكثير الطغيان وهو كعب بن الأشرف ( وقد أمروا أن يكفروا به ) ولا يوالوه ( ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا ) عن الحق
61. ( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله ) في القرآن من الحكم ( وإلى الرسول ) ليحكم بينكم ( رأيت المنافقين يصدون ) يعرضون ( عنك ) إلى غيرك ( صدودا )
62. ( فكيف ) يصنعون ( إذا أصابتهم مصيبة ) عقوبة ( بما قدمت أيديهم ) من الكفر والمعاصي أي أيقدرون على الإعراض والفرار منها لا ( ثم جاؤوك ) معطوف على يصدون ( يحلفون بالله إن ) ما ( أردنا ) بالمحاكمة إلى غيرك ( إلا إحسانا ) صلحا ( وتوفيقا ) تأليفا بين الخصمين بالتقريب في الحكم دون الحمل على مُرِّ الحق
63. ( أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم ) من النفاق وكذبهم في عذرهم ( فأعرضْ عنهم ) بالصفح ( وعظهم ) خوفهم الله ( وقل لهم في ) شأن ( أنفسهم قولا بليغا ) مؤثرا فيهم ، أي ازجرهم ليرجعوا عن كفرهم
64. ( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع ) فيما يأمر به ويحكم ( بإذن الله ) بأمره لا ليعصى ويخالف ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ) بتحاكمهم إلى الطاغوت ( جاؤوك ) تائبين ( فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول ) فيه التفات عن الخطاب تفخيما لشأنه ( لوجدوا الله توابا ) عليهم ( رحيما ) بهم
65. ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر ) اختلط ( بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا ) ضيقا أو شكا ( مما قضيت ) به ( ويسلموا ) ينقادوا لحكمك ( تسليما ) من غير معارضة
66. ( ولو أنا كتبنا عليهم أن ) مفسرة ( اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ) كما كتبنا على بني إسرائيل ( ما فعلوه ) أي المكتوب عليهم ( إلا قليلٌ ) بالرفع على البدل والنصب على الاستثناء ( منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به ) من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ( لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا ) تحقيقا لإيمانهم
67. ( وإذاً ) أي لو تثبتوا ( لآتيناهم من لدنا ) من عندنا ( أجرا عظيما ) هو الجنة
68. ( ولهديناهم صراطا مستقيما ) قال بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم كيف نراك في الجنة وأنت في الدرجات العلى ونحن أسفل منك فنزل
69. ( ومن يطع الله والرسول ) فيما أمر به ( فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين ) أفاضل أصحاب الأنبياء لمبالغتهم في الصدق والتصديق ( والشهداء ) القتلى في سبيل الله ( والصالحين ) غير من ذكر ( وحسن أولئك رفيقا ) رفقاء في الجنة بأن يستمتع فيها برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم وإن كان مقرهم في الدرجات العالية بالنسبة إلى غيرهم
70. ( ذلك ) أي كونهم مع من ذكر مبتدأ خبره ( الفضل من الله ) تفضل به عليهم لا أنهم نالوه بطاعاتهم ( وكفى بالله عليما ) بثواب الآخرة ، أي فثقوا بما أخبركم به { ولا ينبئك مثل خبير }
71. ( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم ) من عدوكم ، أي احترزوا منه وتيقظوا له ( فانفروا ) انهضوا إلى قتاله ( ثبات ) متفرقين سرية بعد أخرى ( أو انفروا جميعا ) مجتمعين
72. ( وإن منكم لمن ليبطئن ) ليتأخرن عن القتال كعبد الله بن أبي المنافق وأصحابه وجعله منهم من حيث الظاهر واللام في الفعل للقسم ( فإن أصابتكم مصيبة ) كقتل وهزيمة ( قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا ) حاضراً فأصاب
73. ( ولئن ) لام قسم ( أصابكم فضل من الله ) كفتح وغنيمة ( ليقولَّن ) نادماً ( كأن ) مخففة واسمها محذوف أي كأنه ( لم تكن ) بالياء والتاء ( بينكم وبينه مودة ) معرفة وصداقة وهذا راجع إلى قوله قد أنعم الله علي اعترض به بين القول ومقوله وهو ( يا ) للتنبيه ( ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما ) آخذ حظا وافرا من الغنيمة
74. قال تعالى: ( فليقاتل في سبيل الله ) لإعلاء دينه ( الذين يشرون ) يبيعون ( الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل ) يستشهد ( أو يغلب ) يظفر بعدوه ( فسوف نؤتيه أجرا عظيما ) ثوابا جزيلا
75. ( وما لكم لا تقاتلون ) استفهام توبيخ ، أي لا مانع لكم من القتال ( في سبيل الله و ) في تخليص ( المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ) الذين حبسهم الكفار عن الهجرة وآذوهم ، قال ابن عباس رضي الله عنه: كنت أنا وأمي منهم. ( الذين يقولون ) داعين يا ( ربنا أخرجنا من هذه القرية ) مكة ( الظالم أهلها ) بالكفر ( واجعل لنا من لدنك ) من عندك ( وليا ) يتولى أمورنا ( واجعل لنا من لدنك نصيرا ) يمنعنا منهم ، وقد استجاب الله دعاءهم فيسر لبعضهم الخروج وبقي بعضهم إلى أن فتحت مكة وولَّى صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد فأنصف مظلومهم من ظالمهم
76. ( الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت ) الشيطان ( فقاتلوا أولياء الشيطان ) أنصار دينه تغلبوهم لقوتكم بالله ( إن كيد الشيطان ) بالمؤمنين ( كان ضعيفا ) واهيا لا يقاوم كيد الله بالكافرين
77. ( ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم ) عن قتال الكفار لما طلبوه بمكة لأذى الكفار لهم وهم جماعة من الصحابة ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب ) فرض ( عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون ) يخافون ( الناس ) الكفار أي عذابهم بالقتل ( كخشية ) هم عذاب ( الله أو أشد خشية ) من خشيتهم له ، ونصب أشد على الحال وجواب ( لما ) دل عليه إذا وما بعدها أي فاجأتهم الخشية ( وقالوا ) جزعا من الموت ( ربنا لم كتبت علينا القتال لولا ) هلا ( أخرتنا إلى أجل قريب قل ) لهم ( متاع الدنيا ) ما يتمتع به فيها أو الاستمتاع بها ( قليل ) آيل إلى الفناء ( والآخرة ) أي الجنة ( خير لمن اتقى ) عقاب الله بترك معصيته ( ولا تظلمون ) بالتاء والياء ، تنقصون من أعمالكم ( فتيلا ) قدر قشرة النواة فجاهدوا
78. ( أين ما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج ) حصون ( مشيدة ) مرتفعة فلا تخشوا القتال خوف الموت ( وإن تصبهم ) أي اليهود ( حسنة ) خصب وسعة ( يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة ) جدب وبلاء كما حصل لهم عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ( يقولوا هذه من عندك ) يا محمد أي بشؤمك ( قل ) لهم ( كل ) من الحسنة والسيئة ( من عند الله ) من قبله ( فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون ) أي يقاربون أن يفهموا ( حديثا ) يلقى إليهم ، وما استفهام تعجيب من فرط جهلهم ونفي مقاربة الفعل أشد من نفيه
79. ( ما أصابك ) أيها الإنسان ( من حسنة ) خير ( فمن الله ) أتتك فضلاً منه ( وما أصابك من سيئة ) بلية ( فمن نفسك ) أتتك حيث ارتكبت ما يستوجبها من الذنوب ( وأرسلناك ) يا محمد ( للناس رسولا ) حال مؤكدة ( وكفى بالله شهيدا ) على رسالتك
80. ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى ) أعرض عن طاعتك فلا يهمنك ( فما أرسلناك عليهم حفيظا ) حافظا لأعمالهم بل نذيرا وإلينا أمرهم فنجازيهم وهذا قبل الأمر بالقتال
81. ( ويقولون ) أي المنافقون إذا جاؤوك أمرنا ( طاعة ) لك ( فإذا برزوا ) خرجوا ( من عندك بَيَّتْ طائفة منهم ) بإدغام التاء في الطاء وتركه أي أضمرت ( غير الذي تقول ) لك في حضورك من الطاعة أي عصيانك ( والله يكتب ) يأمر بكتب ( ما يبيتون ) في صحائفهم ليجازوا عليه ( فأعرض عنهم ) بالصفح ( وتوكل على الله ) ثق به فإنه كافيك ( وكفى بالله وكيلا ) مفوضا إليه
82. ( أفلا يتدبرون ) يتأملون ( القرآن ) وما فيه من المعاني البديعة ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) تناقضا في معانيه وتباين في نظمه
83. ( وإذا جاءهم أمر ) عن سرايا النبي صلى الله عليه وسلم بما حصل لهم ( من الأمن ) بالنصر ( أو الخوف ) بالهزيمة ( أذاعوا به ) أفشوه نزل في جماعة من المنافقين أو في ضعفاء المؤمنين كانوا يفعلون ذلك فتضعف قلوب المؤمنين ويتأذى النبي ( ولو ردوه ) أي الخبر ( إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم ) أي ذوي الرأي من أكابر الصحابة ، أي لو سكتوا عنه حتى يخبروا به ( لعلمه ) هل هو مما ينبغي أي يذاع أو لا ( الذين يستنبطونه ) يتبعونه ويطلبون علمه وهم المذيعون ( منهم ) من الرسول وأولي الأمر ( ولولا فضل الله عليكم ) بالإسلام ( ورحمته ) لكم بالقرآن ( لاتبعتم الشيطان ) فيما يأمركم به من الفواحش ( إلا قليلا )
84. ( فقاتل ) يا محمد ( في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ) فلا تهتم بتخلفهم عنك ، المعنى: قاتل ولو وحدك فإنك موعود بالنصر ( وحرض المؤمنين ) حثهم على القتال ورغبهم فيه ( عسى الله أن يكف بأس ) حرب ( الذين كفروا والله أشد بأسا ) منهم ( وأشد تنكيلا ) تعذيبا منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « والذي نفسي بيده لأخرجن ولو وحدي » فخرج بسبعين راكبا إلى بدر الصغرى فكف الله بأس الكفار بإلقاء الرعب في قلوبهم ومنع أبي سفيان عن الخروج كما تقدم في آل عمران
85. ( من يشفع ) بين الناس ( شفاعة حسنة ) موافقة للشرع ( يكن له نصيب ) من الأجر ( منها ) بسببها ( ومن يشفع شفاعة سيئة ) مخالفة له ( يكن له كفل ) نصيب من الوزر ( منها ) بسببها ( وكان الله على كل شيء مقيتا ) مقتدرا فيجازي كل أحد بما عمل
86. ( وإذا حييتم بتحية ) كأن قيل لكم سلام عليكم ( فحيوا ) المحيي ( بأحسن منها ) بأن تقولوا له: عليك السلام ورحمة الله وبركاته ( أو ردوها ) بأن تقولوا له كما قال أي الواجب أحدهما والأول أفضل ( إن الله كان على كل شيء حسيبا ) محاسبا فيجازي عليه ومنه رد السلام ، وخصت السنة الكافر والمبتدع والفاسق والمُسَلِّم على قاضي الحاجة ومن في الحمام والآكل فلا يجب الرد عليهم بل يكره في غير الأخير ويقال للكافر: وعليك
87. ( الله لا إله إلا هو ) والله ( ليجمعنكم ) من قبوركم ( إلى ) في ( يوم القيامة لا ريب ) لا شك ( فيه ومن ) أي لا أحد ( أصدق من الله حديثا ) قولا
88. ولما رجع ناس من أحد اختلف الناس فيهم فقال فريق نقتلهم وقال فريق لا فنزل ( فما لكم ) شأنكم صرتم ( في المنافقين فئتين ) فرقتين ( والله أركسهم ) ردهم ( بما كسبوا ) من الكفر والمعاصي ( أتريدون أن تهدوا من أضلـ ) ـه ( الله ) أي تعدوهم من جملة المهتدين ، والاستفهام في الموضعين للإنكار ( ومن يضللـ ) ـه ( الله فلن تجد له سبيلا ) طريقا إلى الهدى
89. ( ودوا ) تمنوا ( لو تكفرون كما كفروا فتكونون ) أنتم وهم ( سواء ) في الكفر ( فلا تتخذوا منهم أولياء ) توالونهم وإن أظهروا الإيمان ( حتى يهاجروا في سبيل الله ) هجرة صحيحة تحقق إيمانهم ( فإن تولوا ) وأقاموا على ما هم عليه ( فخذوهم ) بالأسر ( واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ) توالونه ( ولا نصيرا ) تنتصرون به على عدوكم
90. ( إلا الذين يصلون ) يلجؤون ( إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ) عهد بالأمان لهم ولمن وصل إليهم كما عاهد النبي صلى الله عليه وسلم هلال بن عويمر الأسلمي ( أو ) الذين ( جاؤوكم ) وقد ( حصرت ) ضاقت ( صدورهم ) عن ( أن يقاتلوكم ) مع قومهم ( أو يقاتلوا قومهم ) معكم أي ممسكين عن قتالكم فلا تتعرضوا إليهم بأخذ ولا قتل ، وهذا وما بعده منسوخ بآية السيف ( ولو شاء الله ) تسليطهم عليكم ( لسلطهم عليكم ) بأن يقوي قلوبهم ( فلقاتلوكم ) ولكنه لم يشأه فألقى في قلوبهم الرعب ( فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم ) الصلح أي انقادوا ( فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ) طريقا بالأخذ والقتل
91. ( ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ) بإظهار الإيمان عندكم ( ويأمنوا قومهم ) بالكفر إذا رجعوا إليهم وهم أسد وغطفان ( كل ما ردوا إلى ) دعوا إلى الشرك ( الفتنة أركسوا ) وقعوا أشد وقوع ( فيها فإن لم يعتزلوكم ) بترك قتالكم ( و ) لم ( يلقوا إليكم السلم و ) لم ( يكفوا ) عنكم ( أيديهم ) بالأسر ( فخذوهم واقتلوهم حيث ) وجدتموهم ( ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا ) برهانا بينا ظاهرا على قتلهم وسبيهم لغدرهم
92. ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا ) أي ما ينبغي أن يصدر منه قتل له ( إلا خطأ ) مخطئا في قتله من غير قصد ( ومن قتل مؤمنا خطأ ) بأن قصد رمي غيره كصيد أو شجرة فأصابه أو ضربه بما لا يقتل غالبا ( فتحرير ) عتق ( رقبة ) نسمة ( مؤمنة ) عليه ( ودية مسلمة ) مؤداة ( إلى أهله ) أي ورثة المقتول ( إلا أن يصدقوا ) يتصدقوا عليه بها بأن يعفوا عنها ، وبينت السنة أنها مئة من الإبل عشرون بنت مخاض وكذا بنات لبون وبنو لبون وحقاق وجذاع وأنها على عاقلة القاتل وهم عصبته في الأصل والفرع موزعة عليهم على ثلاث سنين على الغني منهم نصف دينار والمتوسط ربع كل سنة فإن لم يفوا فمن بيت المال فإن تعذر فعلى الجاني ( فإن كان ) المقتول ( من قوم عدو ) حرب ( لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ) على قاتله كفارة ولا دية تسلم إلى أهله لحرابتهم ( وإن كان ) المقتول ( من قوم بينكم وبينهم ميثاق ) عهد كأهل الذمة ( فدية ) له ( مسلمة إلى أهله ) وهي ثلث دية المؤمن إن كان يهوديا أو نصرانيا وثلثا عشرها إن كان مجوسيا ( وتحرير رقبة مؤمنة ) على قاتله ( فمن لم يجد ) الرقبة بأن فقدها وما يحصلها به ( فصيام شهرين متتابعين ) عليه كفارة ، ولم يذكر الله تعالى الانتقال إلى الطعام كالظهار وبه أخذ الشافعي في أصح قوليه ( توبة من الله ) مصدر منصوب بفعله المقدر ( وكان الله عليما ) بخلقه ( حكيما ) فيما دبره لهم
93. ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) بأن يقصد قتله بما يقتل غالبا بإيمانه ( فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه ) أبعده من رحمته ( وأعد له عذابا عظيما ) في النار وهذا مؤول بمن يستحله أو بأن هذا جزاؤه إن جوزي ، ولا بدع في خلف الوعيد لقوله { ويغفر ما دون ذلك لم يشاء } وعلى ابن عباس أنها على ظاهرها وأنها ناسخة لغيرها من آيات المغفرة وبينت آية البقرة أن قاتل العمد يقتل به وأن عليه الدية إن عفي عنه وسبق قدَرُها ، وبينت السنة أن بين العمد والخطأ قتلا يسمى شبه العمد وهو أن يقتله بما لا يقتل غالبا فلا قصاص فيه بل دية كالعمد في الصفة والخطأ في التأجيل والحمل وهو والعمد أولى بالكفارة من الخطأ
94. ونزل لما مر نفر من الصحابة برجل من بني سليم وهو يسوق غنما فسلم عليهم فقالوا ما سلم علينا إلا تقية ، فقتلوه واستاقوا غنمه ( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم ) سافرتم للجهاد ( في سبيل الله فتبينوا ) وفي قراءة { فتثبتوا } في الموضعين ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام ) بألف أو دونها أي التحية أو الانقياد بكلمة الشهادة التي هي أمارة على الإسلام ( لست مؤمنا ) وأنما قلت هذا تقية لنفسك ومالك فتقتلوه ( تبتغون ) تطلبون لذلك ( عرض الحياة الدنيا ) متاعها من الغنيمة ( فعند الله مغانم كثيرة ) تغنيكم عن قتل مثله لماله ( كذلك كنتم من قبل ) تعصم دماؤكم وأموالكم بمجرد قولكم الشهادة ( فمن الله عليكم ) بالاشتهار بالإيمان والاستقامة ( فتبينوا ) أن تقتلوا مؤمنا وافعلوا بالداخل في الإسلام كما فعل بكم ( إن الله كان بما تعملون خبيرا ) فيجازيكم به
95. ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) عن الجهاد ( غير أولي الضرر ) بالرفع صفة والنصب استثناء من زمانة أو عمى ونحوه ( والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين ) لضرر ( درجة ) فضيلة لاستوائهما في النية وزيادة المجاهدين بالمباشرة ( وكلا ) من الفريقين ( وعد الله الحسنى ) الجنة ( وفضل الله المجاهدين على القاعدين ) لغير ضرر ( أجرا عظيما )
96. ( درجات منه ) منازل بعضها فوق بعض من الكرامة ( ومغفرة ورحمة ) منصوبان بفعلهما المقدر ( وكان الله غفورا ) لأوليائه ( رحيما ) بأهل طاعته ونزل في جماعة أسلموا ولم يهاجروا فقتلوا يوم بدر مع الكفار
97. ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ) بالمقام مع الكفار وترك الهجرة ( قالوا ) لهم موبخين ( فيم كنتم ) أي شيء كنتم في أمر دينكم ( قالوا ) معتذرين ( كنا مستضعفين ) عاجزين عن إقامة الدين ( في الأرض ) أرض مكة ( قالوا ) لهم توبيخا ( ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ) من أرض الكفر إلى بلد آخر كما فعل غيركم قال الله تعالى ( فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ) هي
98. ( إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ) الذين ( لا يستطيعون حيلة ) لا قوة لهم على الهجرة ولا نفقة ( ولا يهتدون سبيلا ) طريقا إلى أرض الهجرة
99. ( فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا )
100. ( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما ) مهاجرا ( كثيرا وسعة ) في الرزق ( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت ) في الطريق كما وقع لجندع بن ضمرة الليثي ( فقد وقع ) ثبت ( أجره على الله وكان الله غفورا رحيما )
1. ( يا أيها الناس ) أي أهل مكة ( اتقوا ربكم ) أي عقابه بأن تطيعوه ( الذي خلقكم من نفس واحدة ) آدم ( وخلق منها زوجها ) حواء بالمد من ضلع من أضلاعه اليسرى ( وبث ) فرق ونشر ( منهما ) من آدم وحواء ( رجالاً كثيراً ونساء ) كثيرة ( واتقوا الله الذي تَسَّاءلون ) فيه إدغام التاء في الأصل في السين ، وفي قراءة بالتخفيف بحذفها أي تتساءلون ( به ) فيما بينكم حيث يقول بعضكم لبعض: أسألك بالله وأنشدك بالله ( و ) اتقوا ( الأرحام ) أن تقطعوها ، وفي قراءة بالجر عطفا على الضمير في به وكانوا يتناشدون بالرحم ( إن الله كان عليكم رقيبا ) حافظا لأعمالكم فيجازيكم بها ، أي لم يزل متصفا بذلك
2. ونزل في يتيم طلب من وليه ماله فمنعه: ( وآتوا اليتامى ) الصغار الذين لا أب لهم ( أموالهم ) إذا بلغوا ( ولا تتبدلوا الخبيث ) الحرام ( بالطيب ) الحلال أي تأخذوه بدله كما تفعلون من أخذ الجيد من مال اليتيم وجعل الرديء من مالكم مكانه ( ولا تأكلوا أموالَهم ) مضمومةً ( إلى أموالكم إنه ) أي أكلها ( كان حُوباً ) ذنباً ( كبيراً ) عظيماً
3. ولما نزلت تحرَّجوا من ولاية اليتامى وكان فيهم من تحته العشر أو الثمان من الأزواج فلا يعدل بينهن فنزل: ( وإن خفتم أ ) ن ( لا تقسطوا ) تعدلوا ( في اليتامى ) فتحرَّجتم من أمرهم فخافوا أيضا أن لا تعدلوا بين النساء إذا نكحتموهن ( فانكحوا ) تزوجوا ( ما ) بمعنى من ( طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) أي اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا ولا تزيدوا على ذلك ( فإن خفتم أ ) ن ( لا تعدلوا ) فيهن بالنفقة والقسم ( فواحدة ) انكحوها ( أو ) اقتصروا على ( ما ملكت أيمانكم ) من الإماء إذ ليس لهم من الحقوق ما للزوجات ( ذلك ) أي نكاح الأربع فقط أو الواحدة أو التسري ( أدنى ) أقرب إلى ( ألا تعولوا ) تجوروا
4. ( وآتوا ) أعطوا ( النساء صَدُقاتهن ) جمع صدُقة ، مهورهن ( نِحلةً ) مصدر ، عطية عن طيب نفس ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً ) تمييز محول عن الفاعل ، أي طابت أنفسهن لكم عن شيء من الصِداق فوهبنه لكم ( فكلوه هنيئاً ) طيباً ( مريئاً ) محمود العاقبة لا ضرر فيه عليكم في الآخرة ، نزلت رداً على من كرَّه ذلك
5. ( ولا تؤتوا ) أيها الأولياء ( السفهاء ) المبذرين من الرجال والنساء والصبيان ( أموالكم ) أي أموالهم التي في أيديكم ( التي جعل الله لكم قياماً ) مصدر قام ، أي تقوم بمعاشكم وصلاح أولادكم فيضعوها في غير وجهها ، وفي قراءة { قِيَماً } جمع قيمة ، ما تُقَوَّمُ به الأمتعة ( وارزقوهم فيها ) أطعموهم منها ( واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفاً ) عُدوهم عِدة جميلة بإعطائهم أموالهم إذا رشدوا
6. ( وابتلوا ) اختبروا ( اليتامى ) قبل البلوغ في دينهم وتصرفهم في أحوالهم ( حتى إذا بلغوا النكاح ) أي صاروا أهلاً له بالاحتلام أو السن وهو استكمال خمسة عشر سنة عند الشافعي ( فإن آنستم ) أبصرتم ( منهم رُشْداً ) صلاحاً في دينهم ومالهم ( فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها ) أيها الأولياء ( إسرافا ) بغير حق حال ( وبداراً ) أي مبادرين إلى إنفاقها مخافة ( أن يكبروا ) رشداء فيلزمكم تسليمها إليهم ( ومن كان ) من الأولياء ( غنياً فليستعفف ) أي يعف عن مال اليتيم ويمتنع من أكله ( ومن كان فقيراً فليأكل ) منه ( بالمعروف ) بقدر أجرة عمله ( فإذا دفعتم إليهم ) أي إلى اليتامى ( أموالهم فأشهدوا عليهم ) أنهم تسلموها وبرئتم لئلا يقع اختلاف فترجعوا إلى البينة ، وهذا الأمر إرشاد ( وكفى بالله ) الباء زائدة ( حسيباً ) حافظاً لأعمال خلقه ومحاسبهم
7. ونزل رداً لما كان عليه الجاهلية من عدم توريث النساء والصغار: ( للرجال ) الأولاد والأقرباء ( نصيبٌ ) حظٌ ( مما ترك الوالدان والأقربون ) المتوفون ( وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه ) أي المال ( أو كثر ) جعله الله ( نصيباً مفروضاً ) مقطوعاً بتسليمه إليهم
8. ( وإذا حضر القسمة ) للميراث ( أولوا القربى ) ذوو القرابة ممن لا يرث ( واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ) شيئاً قبل القسمة ( وقولوا ) أيها الأولياء ( لهم ) إذا كان الورثة صغاراً ( قولاً معروفاً ) جميلاً بأن تعتذروا إليهم أنكم لا تملكونه وأنه للصغار وهذا قيل إنه منسوخ وقيل لا ولكن تهاون الناس في تركه وعليه فهو ندب ، وعن ابن عباس واجب
9. ( وليخش ) أي ليخف على اليتامى ( الذين لو تركوا ) أي قاربوا أن يتركوا ( من خلفهم ) أي بعد موتهم ( ذريةً ضعافاً ) أولاداً صغاراً ( خافوا عليهم ) الضياع ( فليتقوا الله ) في أمر اليتامى وليأتوا إليهم ما يحبون أن يفعل بذريتهم من بعدهم ( وليقولوا ) لمن حضرته الوفاة ( قولاً سديداً ) صواباً بأن يأمروه أن يتصدق بدون ثلثه ويدع الباقي لورثته ولا يتركهم عالة
10. ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً ) بغير حق ( إنما يأكلون في بطونهم ) أي ملأها ( ناراً ) لأنه يؤول إليها ( وسيَصْلَون ) بالبناء للفاعل والمفعول يدخلون ( سعيرا ) نارا شديدة يحترقون فيها
11. ( يوصيكم ) يأمركم ( الله في ) شأن ( أولادكم ) بما يذكر ( للذكر ) منهم ( مثل حظ ) نصيب ( الأنثيين ) إذا اجتمعتا معه فله نصف المال ولهما النصف فإن كان معه واحدة فلها الثلث وله الثلثان وإن انفرد حاز المال ( فإن كن ) أي الأولاد ( نساءً ) فقط ( فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك ) الميت وكذا الاثنتان لأنه للأختين بقوله { فلهما الثلثان مما ترك } فهما أولى ولأن البنت تستحق الثلث مع الذكر فمع الأنثى أولى { وفوق } قيل صلة وقيل لدفع توهم زيادة النصيب بزيادة العدد لما فهم استحقاق البنتين الثلثين من جعل الثلث للواحدة مع الذكر ( وإن كانت ) المولودة ( واحدةً ) وفي قراءة بالرفع فكان تامة ( فلها النصف ولأبويه ) أي الميت ويبدل منهما ( لكل واحد منهما السدُس مما ترك إن كان له ولد ) ذكر أو أنثى ونكتة البدل إفادة أنهما لا يشتركان فيه وألحق بالولد ولد الابن وبالأب الجد ( فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه ) فقط أو مع زوج ( فلأمه ) بضم الهمزة وكسرها فرارا من الانتقال من ضمة إلى كسرة لثقله في الموضعين ( الثلُث ) أي ثلث المال أو ما يبقى بعد الزوج والباقي للأب ( فإن كان له إخوة ) أي اثنان فصاعدا ذكورا أو إناثا ( فلأمه السدُس ) والباقي للأب ولا شيء للأخوة وإرث من ذكر ما ذكر ( من بعد ) تنفيذ ( وصية يوصي ) بالبناء للفاعل والمفعول ( بها أو ) قضاء ( دين ) عليه وتقديم الوصية على الدين وإن كانت مؤخرة عنه في الوفاء للاهتمام بها ( آباؤكم وأبناؤكم ) مبتدأ خبره ( لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ) في الدنيا والآخرة فظانٌّ أن ابنه أنفع له فيعطيه الميراث فيكون الأب أنفع وبالعكس وإنما العالم بذلك هو الله ففرض لكم الميراث ( فريضة من الله إن الله كان عليما ) بخلقه ( حكيما ) فيما دبره لهم أي لم يزل متصفا بذلك
12. ( ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد ) منكم أو من غيركم ( فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ) وألحق بالولد في ذلك ولد الابن بالاجماع ( ولهن ) أي الزوجات تعددن أو لا ( الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد ) منهن أو من غيرهن ( فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين ) وولد الابن في ذلك كالولد إجماعا ( وإن كان رجل يورث ) صفة والخبر ( كلالة ) أي لا والد له ولا ولد ( أو امرأة ) تورث كلالة ( وله ) أي للمورث كلالة ( أخ أو أخت ) أي من أم وقرأ به ابن مسعود وغيره ( فلكل واحد منهما السدس ) مما ترك ( فإن كانوا ) أي الإخوة والأخوات من الأم ( أكثر من ذلك ) أي من واحد ( فهم شركاء في الثلث ) يستوي فيه ذكرهم وأنثاهم ( من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار ) حال من ضمير يوصى أي غير مدخل الضرر على الورثة بأن يوصي بأكثر من الثلث ( وصية ) مصدر مؤكد ليوصيكم ( من الله والله عليم ) بما دبره لخلقه من الفرائض ( حليم ) بتأخير العقوبة عمن خالفه ، وخصت السنة توريث من ذكر بمن ليس فيه مانع من قتل أو اختلاف دين أو رق
13. ( تلك ) الأحكام المذكورة من أمر اليتامى وما بعده ( حدود الله ) شرائعه التي حدها لعباده ليعملوا بها ولا يتعدوها ( ومن يطع الله ورسوله ) فيما حكم به ( يدخله ) بالياء والنون التفاتاً ( جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم )
14. ( ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ) بالوجهين ( ناراً خالداً فيها وله ) فيها ( عذاب مهين ) ذو إهانة روعي في الضمائر في الآيتين لفظ { من } وفي { خالدين } معناها
15. ( واللاتي يأتين الفاحشة ) الزنا [ وعن الشيخ محمود الرنكوسي أن المراد بها السحاق لأن الآيات الواردة في عقوبة الزنا أتت في سورة النور. دار الحديث ] ( من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ) أي من رجالكم المسلمين ( فإن شهدوا ) عليهن بها ( فأمسكوهن ) احبسوهن ( في البيوت ) وامنعوهن من مخالطة الناس ( حتى يتوفاهن الموت ) أي ملائكته ( أو ) إلى أن ( يجعل الله لهن سبيلاً ) طريقاً إلى الخروج منها ، أمروا بذلك أول الإسلام ثم جعل لهن سبيلاً بجلد البكر مائة وتغريبها عاما ورجم المحصنة ، وفي الحديث لما بيَّن الحد قال: « خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا » رواه مسلم
16. ( واللّذان ) بتخفيف النون وتشديدها ( يأتيانها ) أي الفاحشة الزنا أو اللواط ( منكم ) أي الرجال ( فآذوهما ) بالسب والضرب بالنعال ( فإن تابا ) منها ( وأصلحا ) العمل ( فأعرضوا عنهما ) ولا تؤذوهما ( إن الله كان توابا ) على من تاب ( رحيما ) به ، وهذا منسوخ بالحد إن أريد بها الزنا وكذا إن أريد بها اللواط عند الشافعي لكن المفعول به لا يرجم عنده وإن كان محصنا بل يجلد ويغرب وإرادة اللواط أظهر بدليل تثنية الضمير والأول قال أراد الزاني والزانية ويرده تبيينهما بمن المتصلة بضمير الرجال واشتراكهما في الأذى والتوبة والإعراض وهو مخصوص بالرجال لما تقدم في النساء من الحبس
17. ( إنما التوبة على الله ) أي التي كتب على نفسه قبولها بفضله ( للذين يعملون السوء ) المعصية ( بجهالة ) حال أي جاهلين إذ عصوا ربهم ( ثم يتوبون من ) زمن ( قريب ) قبل أن يغرغروا ( فأولئك يتوب الله عليهم ) يقبل توبتهم ( وكان الله عليماً ) بخلقه ( حكيماً ) في صنعه بهم
18. ( وليست التوبة للذين يعملون السيئات ) الذنوب ( حتى إذا حضر أحدهم الموت ) وأخذ في النزع ( قال ) عند مشاهدة ما هو فيه ( إني تبت الآن ) فلا ينفعه ذلك ولا يقبل منه ( ولا الذين يموتون وهم كفار ) إذا تابوا في الآخرة عند معاينة العذاب لا تقبل منهم ( أولئك أعتدنا ) أعددنا ( لهم عذابا أليما ) مؤلما
19. ( يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء ) أي ذاتهن ( كَرها ) بالفتح والضم لغتان ، أي مكرهيهن على ذلك كانوا في الجاهلية يرثون نساء أقربائهم فإن شاءوا تزوجوهن بلا صداق أو زوجوها وأخذوا صداقها أو عضلوها حتى تفتدي بما ورثته أو تموت فيرثوها فنهوا عن ذلك ( ولا ) أن ( تعضُلوهن ) أي تمنعوا أزواجكم عن نكاح غيركم بإمساكهن ولا رغبة لكم فيهن ضراراً ( لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ) من المهر ( إلا أن يأتين بفاحشة مُبَيَّنة ) بفتح الياء وكسرها ، أي بِيْنَتْ أو هي بينة ، أي زنا أو نشوز فلكم أن تضاروهن حتى يفتدين منكم ويختلعن ( وعاشروهن بالمعروف ) أي بالإجمال في القول والنفقة والمبيت ( فإن كرهتموهن ) فاصبروا ( فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) ولعله يجعل فيهن ذلك بأن يرزقكم منهن ولدا صالحا
20. ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج ) أي أخذ بدلها بأن طلقتموها ( و ) قد ( آتيتم إحداهن ) أي الزوجات ( قنطارا ) مالا كثيرا صداقا ( فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا ) ظلما ( وإثما مبينا ) بينا ، ونصبهما على الحال
21. والاستفهام للتوبيخ وللإنكار في قوله: ( وكيف تأخذونه ) أي بأي وجه ( وقد أفضى ) وصل ( بعضكم إلى بعض ) بالجماع المقرر للمهر ( وأخذن منكم ميثاقا ) عهدا ( غليظا ) شديدا وهو ما أمر الله به من إمساكهن بمعروف أو تسريحهن بإحسان
22. ( ولا تنكحوا ما ) بمعنى من ( نكح آباؤكم من النساء إلا ) لكن ( ما قد سلف ) من فعلكم ذلك فإنه معفو عنه ( إنه ) أي نكاحهن ( كان فاحشة ) قبيحا ( ومقتا ) سببا للمقت من الله وهو أشد البغض ( وساء ) بئس ( سبيلاً ) طريقاً ذلك
23. ( حُرِّمَت عليكم أمهاتكم ) أن تنكحوهن وشملت الجدات من قبل الأب أو الأم ( وبناتكم ) وشملت الأولاد وإن سفلن ( وأخواتكم ) من جهة الأب أو الأم ( وعماتكم ) أي أخوات آبائكم وأجدادكم ( وخالاتكم ) أي أخوات أمهاتكم وجداتكم ( وبنات الأخ وبنات الأخت ) ويدخل فيهن أولادهم ( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ) قبل استكمال الحولين خمس رضعات كما بينه الحديث ( وأخواتكم من الرضاعة ) ويلحق بذلك بالسنة البنات منها وهن من أرضعتهن موطوأته والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت منها لحديث: « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » . رواه البخاري ومسلم. ( وأمهات نسائكم وربائبكم ) جمع ربيبة وهي بنت الزوجة من غيره ( اللاتي في حجوركم ) تربونها صفة موافقة للغالب فلا مفهوم لها ( من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ) أي جامعتموهن ( فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ) في نكاح بناتهن إذا فارقتموهن ( وحلائل ) أزواج ( أبنائكم الذين من أصلابكم ) بخلاف من تبنيتموهم فلكم نكاح حلائلهم ( وأن تجمعوا بين الأختين ) من نسب أو رضاع بالنكاح ويلحق بهما بالسنة بينها وبين عمتها أو خالتها ويجوز نكاح كل واحدة على الانفراد وملكهما معاً ويطأ واحدة ( إلا ) لكن ( ما قد سلف ) في الجاهلية من نكاحهم بعض ما ذكر فلا جناح عليكم فيه ( إن الله كان غفوراً ) لما سلف منكم قبل النهي ( رحيما ) بكم في ذلك
24. ( و ) حرمت عليكم ( المحصنات ) أي ذوات الأزواج ( من النساء ) أن تنكحوهن قبل مفارقة أزواجهن حرائر مسلمات كن أو لا ( إلا ما ملكت أيمانكم ) من الإماء بالسبي فلكم وطؤهن وإن كان لهن أزواج في دار الحرب بعد الاستبراء ( كتاب الله ) نصب على المصدر أي كتب ذلك ( عليكم وأحل ) بالبناء للفاعل والمفعول ( لكم ما وراء ذلكم ) أي سوى ما حرم عليكم من النساء ( أن تبتغوا ) تطلبوا النساء ( بأموالكم ) بصداق أو ثمن ( محصنين ) متزوجين ( غير مسافحين ) زانين ( فما ) فمن ( استمتعتم ) تمتعتم ( به منهن ) ممن تزوجتم بالوطء ( فآتوهن أجورهن ) مهورهن التي فرضتم لهن ( فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم ) أنتم وهنَّ ( به من بعد الفريضة ) من حطها أو بعضها أو زيادة عليها ( إن الله كان عليما ) بخلقه ( حكيما ) فيما دبره لهم
25. ( ومن لم يستطع منكم طولا ) أي غنى ( أن ينكح المحصنات ) الحرائر ( المؤمنات ) هو جري على الغالب فلا مفهوم له ( فمن ما ملكت أيمانكم ) ينكح ( من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم ) فاكتفوا بظاهره وكلوا السرائر إليه فإنه العالم بتفضيلها ورب أمة تفضل حرة فيه وهذا تأنيس بنكاح الإماء ( بعضكم من ) أي أنتم وهن سواء في الدين فلا تستنكفوا من نكاحهن ( فانكحوهن بإذن أهلهن ) مواليهن ( وآتوهن ) أعطوهن ( أجورهن ) مهورهن ( بالمعروف ) من غير مطل ونقص ( محصنات ) عفائف حال ( غير مسافحات ) زانيات جهراً ( ولا متخذات أخدان ) أخلاء يزنون بهن سراً ( فإذا أُحصن ) زُوِّجْن وفي قراءة { أحصنَّ } بالبناء للفاعل تزوجن ( فإن أتين بفاحشة ) زنا ( فعليهن نصف ما على المحصنات ) الحرائر الأبكار إذا زنين ( من العذاب ) الحد فيجلدن خمسين ويغربن نصف سنة ويقاس عليهن العبيد ولم يجعل الإحصان شرطا لوجوب الحد لإفادة أنه لا رجم عليهن أصلا ( ذلك ) أي نكاح المملوكات عند عدم الطول ( لمن خشي ) خاف ( العنت ) الزنا ، وأصله المشقة ، سمي به الزنا لأنه سببها بالحد في الدنيا والعقوبة في الآخرة ( منكم ) بخلاف من لا يخافه من الأحرار فلا يحل له نكاحها وكذا من استطاع طول حرة وعليه الشافعي وخرج بقوله { من فتياتكم المؤمناتِ } : الكافراتُ ، فلا يحل له نكاحها ولو عدم وخاف ( وأن تصبروا ) عن نكاح المملوكات ( خير لكم ) لئلا يصير الولد رقيقا ( والله غفور رحيم ) بالتوسعة في ذلك
26. ( يريد الله ليبين لكم ) شرائع دينكم ومصالح أمركم ( ويهديكم سنن ) طرائق ( الذين من قبلكم ) من الأنبياء في التحليل والتحريم فتتبعوهم ( ويتوب عليكم ) يرجع بكم عن معصيته التي كنتم عليها إلى طاعته ( والله عليم ) بكم ( حكيم ) فيما دبره لكم
27. ( والله يريد أن يتوب عليكم ) كرره ليبني عليه ( ويريد الذين يتبعون الشهوات ) اليهود والنصارى أو المجوس أو الزناة ( أن تميلوا ميلا عظيما ) تعدلوا عن الحق بارتكاب ما حرم عليكم فتكونوا مثلهم
28. ( يريد الله أن يخفف عنكم ) يسهل عليكم أحكام الشرع ( وخلق الإنسان ضعيفا ) لا يصبر عن النساء والشهوات
29. ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) بالحرام في الشرع كالربا والغصب ( إلا ) لكن ( أن تكون ) تقع ( تجارةٌ ) وفي قراءة بالنصب ، أن تكون الأموال أموال تجارة صادرة ( عن تراض منكم ) وطيب نفس فلكم أن تأكلوها ( ولا تقتلوا أنفسكم ) بارتكاب ما يؤدي إلى هلاكها أيا كان في الدنيا أو الآخرة بقرينة ( إن الله كان بكم رحيما ) في منعه لكم من ذلك
30. ( ومن يفعل ذلك ) أي ما نهي عنه ( عدوانا ) تجاوزا للحلال حال ( وظلما ) تأكيد ( فسوف نصليه ) ندخله ( نارا ) يحترق فيها ( وكان ذلك على الله يسيرا ) هينا
31. ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ) وهي ما ورد عليها وعيد كالقتل والزنا والسرقة ، وعن ابن عباس: « هي إلى السبعمائة أقرب » . ( نكفر عنكم سيئاتكم ) الصغائر بالطاعات ( وندخلكم مُدخلا ) بضم الميم وفتحها أي إدخالا أو موضعا ( كريما ) هو الجنة
32. ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ) من جهة الدنيا أو الدين لئلا يؤدي إلى التحاسد والتباغض ( للرجال نصيب ) ثواب ( مما اكتسبوا ) بسبب ما عملوا من الجهاد وغيره ( وللنساء نصيب مما اكتسبن ) من طاعة أزواجهن وحفظ فروجهن ، نزلت لما قالت أم سلمة: ليتنا كنا رجالا فجاهدنا وكان لنا مثل أجر الرجال ( واسألوا ) بهمزة ودونها ( الله من فضله ) ما احتجتم إليه يعطكم ( إن الله كان بكل شيء عليما ) ومنه محل الفضل وسؤالكم
33. ( ولكل ) من الرجال والنساء ( جعلنا موالي ) عصبة يعطون ( مما ترك الوالدان والأقربون ) لهم من المال ( والذين عاقدت ) بألف ودونها ( أيمانكم ) جمع يمين بمعنى القسم أو اليد الحلفاء الذين عاهدتموهم في الجاهلية على النصرة والإرث ( فآتوهم ) الآن ( نصيبهم ) حظوظهم من الميراث وهو السدس ( إن الله كان على كل شيء شهيدا ) مطلعا ومنه حالكم ، وهذا منسوخ بقوله { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض }
34. ( الرجال قوامون ) مسلطون ( على النساء ) يؤدبونهن ويأخذون على أيديهن ( بما فضل الله بعضهم على بعض ) أي بتفضيله لهم عليهن بالعلم والعقل والولاية وغير ذلك ( وبما أنفقوا ) عليهن ( من أموالهم فالصالحات ) منهن ( قانتات ) مطيعات لأزواجهن ( حافظات للغيب ) أي لفروجهن وغيرها في غيبة أزواجهن ( بما حفظ ) لهن ( الله ) حيث أوصى عليهن الأزواج ( واللاتي تخافون نشوزهن ) عصيانهن لكم بأن ظهرت أمارته ( فعظوهن ) فخوفوهن الله ( واهجروهن في المضاجع ) اعتزلوا إلى فراش آخر إن أظهرن النشوز ( واضربوهن ) ضربا غير مبرح إن لم يرجعن بالهجران ( فإن أطعنكم ) فيما يراد منهن ( فلا تبغوا ) تطلبوا ( عليهن سبيلا ) طريقا إلى ضربهن ظلما ( إن الله كان عليا كبيرا ) فاحذروه أن يعاقبكم إن ظلمتوهن
35. ( وإن خفتم ) علمتم ( شقاق ) خلاف ( بينهما ) بين الزوجين ، والإضافة للاتساع أي شقاقا بينهما ( فابعثوا ) إليهما برضاهما ( حكما ) رجلا عدلا ( من أهله ) أقاربه ( وحكما من أهلها ) ويوكل الزوج حكمه في طلاق وقبول عوض عليه وتوكل هي حكمها في الاختلاع فيجتهدان ويأمران الظالم بالرجوع أو يفرِّقان إن رأياه ، قال تعالى: ( إن يريدا ) أي الحكمان ( إصلاحا يوفق الله بينهما ) بين الزوجين أي يقدرهما على ما هو الطاعة من إصلاح أو فراق ( إن الله كان عليما ) بكل شيء ( خبيرا ) بالبواطن كالظواهر
36. ( واعبدوا الله ) وحده ( ولا تشركوا به شيئا و ) أحسنوا ( بالوالدين إحسانا ) برا ولين جانب ( وبذي القربى ) القرابة ( واليتامى والمساكين والجار ذي القربى ) القريب منك في الجوار أو النسب ( والجار الجنب ) البعيد عنك في الجوار أو النسب ( والصاحب بالجنب ) الرفيق في سفر أو صناعة وقيل الزوجة ( وابن السبيل ) المنقطع في سفره ( وما ملكت أيمانكم ) من الأرقاء ( إن الله لا يحب من كان مختالا ) متكبرا ( فخورا ) على الناس بما أوتي
37. ( الذين ) مبتدأ ( يبخلون ) بما يجب عليهم ( ويأمرون الناس بالبخل ) به ( ويكتمون ما آتاهم الله من فضله ) من العلم والمال وهم اليهود ، وخبر المبتدأ لهم وعيد شديد ( وأعتدنا للكافرين ) بذلك وبغيره ( عذابا مهينا ) ذا إهانة
38. ( والذين ) عطف على الذين قبله ( ينفقون أموالهم رئاء الناس ) مرائين لهم ( ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) كالمنافقين وأهل مكة ( ومن يكن الشيطان له قرينا ) صاحبا يعمل بأمره كهؤلاء ( فساء ) بئس ( قرينا ) هو
39. ( وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله ) أيْ أيُّ ضرر عليهم في ذلك والاستفهام للإنكار ولو مصدرية أي لا ضرر فيه وإنما الضرر فيما هم عليه ( وكان الله بهم عليما ) فيجازيهم بما عملوا
40. ( إن الله لا يظلم ) أحدا ( مثقال ) وزن ( ذرة ) أصغر نملة بأن ينقصها من حسناته أو يزيدها في سيئاته ( وإن تك ) الذرة ( حسنةً ) من مؤمن ، وفي قراءة بالرفع فكان تامة ( يضاعفها ) من عشر إلى أكثر من سبعمائة وفي قراءة { يضعِّفها } بالتشديد ( ويؤت من لدنه ) من عنده مع المضاعفة ( أجرا عظيما ) لا يقدره أحد
41. ( فكيف ) حال الكفار ( إذا جئنا من كل أمة بشهيد ) يشهد عليها وهو نبيها ( وجئنا بك ) يا محمد ( على هؤلاء شهيدا )
42. ( يومئذ ) يوم المجيء ( يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو ) أي أن ( تُسَوَّى ) بالبناء للمفعول والفاعل مع حذف إحدى التاءين في الأصل ، ومع إدغامها في السين { تَسَّوَّى } أي تتسوى ( بهم الأرض ) بأن يكونوا ترابا مثلها لعظم هوله كما في آية أخرى: { ويقول الكافرين يا ليتني كنت ترابا } ( ولا يكتمون الله حديثا ) عما عملوه وفي وقت آخر يكتمونه ويقولون والله ربنا ما كنا مشركين
43. ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة ) أي لا تُصَلُّوا ( وأنتم سكارى ) من الشراب لأن سبب نزولها صلاة جماعة في حالة سكر ( حتى تعلموا ما تقولون ) بأن تصحوا ( ولا جنبا ) بإيلاج أو إنزال ، ونصبه على الحال وهو يطلق على المفرد وغيره ( إلا عابري ) مجتازي ( سبيل ) طريق أي مسافرين ( حتى تغتسلوا ) فلكم أن تصلوا واستثناء المسافر لأن له حكما آخر سيأتي ، وقيل المراد النهي عن قربان مواضع الصلاة أي المساجد إلى عبورها من غير مكث ( وإن كنتم مرضى ) مرضاً يضره الماء ( أو على سفر ) أي مسافرين وأنتم جنب أو محدثون ( أو جاء أحد منكم من الغائط ) هو المكان المعد لقضاء الحاجة أي أحدث ( أو لامستم النساء ) وفي قراءة { لمستم } بلا ألف وكلاهما بمعنى اللمس هو الجس باليد ، قاله ابن عمر وعليه الشافعي وألحق به الجس بباقي البشرة ، وعن ابن عباس هو الجماع ( فلم تجدوا ماء ) تتطهرون به للصلاة بعد الطلب والتفتيش وهو راجع إلى ماعدا المرضى ( فتيمموا ) اقصدوا بعد دخول الوقت ( صعيدا طيبا ) ترابا طاهرا فاضربوا به ضربتين ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ) مع المرفقين منه ، ومَسَحَ يتعدى بنفسه وبالحرف ( إن الله كان عفوا غفورا )
44. ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا ) حظا ( من الكتاب ) وهم اليهود ( يشترون الضلالة ) بالهدى ( ويريدون أن تضلوا السبيل ) تخطئوا الطريق لتكونوا مثلهم
45. ( والله أعلم بأعدائكم ) منكم فيخبركم بهم لتجتنبوهم ( وكفى بالله وليا ) حافظا لكم منهم ( وكفى بالله نصيرا ) مانعا لكم من كيدهم
46. ( من الذين هادوا ) قوم ( يحرفون ) يغيرون ( الكلم ) الذي أنزل الله في التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم ( عن مواضعه ) التي وضع عليها ( ويقولون ) للنبي صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم بشيء ( سمعنا ) قولك ( وعصينا ) أمرك ( واسمع غير مسمع ) حال بمعنى الدعاء أي لا سمعت ( و ) يقولون له ( راعنا ) وقد نهى عن خطابه بها وهي كلمة سب بلغتهم ( ليَّا ) تحريفا ( بألسنتهم وطعنا ) قدحا ( في الدين ) الإسلام ( ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا ) بدل وعصينا ( واسمع ) فقط ( وانظرنا ) انظر إلينا بدل راعنا ( لكان خيرا لهم ) مما قالوه ( وأقوم ) أعدل منه ( ولكن لعنهم الله ) أبعدهم عن رحمته ( بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ) منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه
47. ( يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا ) من القرآن ( مصدقا لما معكم ) من التوراة ( من قبل أن نطمس وجوها ) نمحو ما فيها من العين والأنف والحاجب ( فنردها على أدبارها ) فنجعلها كالأقفاء لوحا واحدا ( أو نلعنهم ) نمسخهم قردة ( كما لعنا ) مسحنا ( أصحاب السبت ) منهم ( وكان أمر الله ) قضاؤه ( مفعولا ) ولما نزلت أسلم عبد الله بن سلام فقيل كان وعيدا بشرط فلما أسلم بعضهم رفع وقيل يكون طمس ومسخ قبل قيام الساعة
48. ( إن الله لا يغفر أن يشرك ) أي الإشراك ( به ويغفر ما دون ) سوى ( ذلك ) من الذنوب ( لمن يشاء ) المغفرة له بأن يدخله الجنة بلا عذاب ومن شاء عذبه من المؤمنين بذنوبه ثم يدخله الجنة ( ومن يشرك بالله فقد افترى إثما ) ذنبا ( عظيما ) كبيرا
49. ( ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ) وهم اليهود حيث قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه أي ليس الأمر بتزكيتهم أنفسهم ( بل الله يزكي ) يطهر ( من يشاء ) بالإيمان ( ولا يظلمون ) ينقصون من أعمالهم ( فتيلا ) قدر قشرة النواة
50. ( انظر ) متعجبا ( كيف يفترون على الله الكذب ) بذلك ( وكفى به إثما مبينا ) بينا
51. ونزل في كعب بن الأشرف ونحوه من علماء اليهود لما قدموا مكة وشاهدوا قتلى بدر وحرضوا المشركين على الأخذ بثأرهم ومحاربة النبي صلى الله عليه وسلم ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ) ضمان لقريش ( ويقولون للذين كفروا ) أبي سفيان وأصحابه حين قالوا لهم أنحن أهدى سبيلا ونحن ولاة نسقي الحاج ونقري الضيف ونفك العاني ونفعل أم محمد وقد خالف دين آبائه وقطع الرحم وفارق الحرم ( هؤلاء ) أي أنتم ( أهدى من الذين آمنوا سبيلاً ) أقوم طريقا
52. ( أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً ) مانعا من عذابه
53. ( أم ) بل أ ( لهم نصيب من الملك ) أي ليس لهم شيء منه ولو كان ( فإذا لا يؤتون الناس نقيرا ) أي شيئا تافها قدر النقرة في ظهر النواة لفرط بخلهم
54. ( أم ) بل ( يحسدون الناس ) أي النبي صلى الله عليه وسلم ( على ما آتاهم الله من فضله ) من النبوة وكثرة النساء أي يتمنون زواله عنه ويقولون لو كان نبيا لاشتغل عن النساء ( فقد آتينا آل إبراهيم ) جده كموسى وداود وسليمان ( الكتاب والحكمة ) والنبوة ( وآتيناهم ملكاً عظيماً ) فكان لداود تسع وتسعون امرأة ولسليمان ألف ما بين حرة وسرية
55. ( فمنهم من آمن به ) بمحمد صلى الله عليه وسلم ( ومنهم من صد ) أعرض ( عنه ) فلم يؤمن ( وكفى بجهنم سعيرا ) عذاباً لمن لا يؤمن
56. ( إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ) تدخلهم ( نارا ) يحترقون فيها ( كلما نضجت ) فيها احترقت ( جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ) بأن تعاد إلى حالها الأول غير محترقة ( ليذوقوا العذاب ) ليقاسوا شدته ( إن الله كان عزيزا ) لا يعجزه شيء ( حكيما ) في خلقه
57. ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة ) من الحيض وكل قذر ( وندخلهم ظلاً ظليلاً ) دائما لا تنسخه شمس وهو ظل الجنة
58. ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات ) أي ما ائتمن عليه من الحقوق ( إلى أهلها ) نزلت لما أخذ عليٌّ رضي الله عنه مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة الحجبي سادنها قسرا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح ومنعه وقال: لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برده إليه وقال: هاك خالدة تالدة. فعجب من ذلك فقرأ له عليٌّ الآية فأسلم وأعطاه عند موته لأخيه شيبة فبقي في ولده ، والآية وإن وردت على سبب خاص فعمومها معتبر بقرينة الجمع ( وإذا حكمتم بين الناس ) يأمركم ( أن تحكموا بالعدل إن الله نعمَّا ) فيه إدغام ميم نعمَ في ما النكرة الموصوفة أي نعم شيئاً ( يعظكم به ) تأدية الأمانة والحكم بالعدل ( إن الله كان سميعا ) لما يقال ( بصيرا ) بما يفعل
59. ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي ) وأصحاب ( الأمر ) أو الولاة ( منكم ) إذا أمروكم بطاعة الله ورسوله ( فإن تنازعتم ) اختلفتم ( في شيء فردوه إلى الله ) أي إلى كتابه ( والرسول ) مدة حياته وبعده إلى سنته أي اكشفوا عليه منهما ( إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك ) أي الرد إليهما ( خير ) لكم من التنازع والقول بالرأي ( وأحسن تأويلا ) مآلا
60. ونزل لما اختصم يهودي ومنافق فدعا المنافق إلى كعب بن الأشرف ليحكم بينهما ودعا اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتياه فقضى لليهودي فلم يرض المنافق ، وأتيا عمر فذكر اليهودي ذلك فقال للمنافق أكذلك قال نعم فقتله ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ) الكثير الطغيان وهو كعب بن الأشرف ( وقد أمروا أن يكفروا به ) ولا يوالوه ( ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا ) عن الحق
61. ( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله ) في القرآن من الحكم ( وإلى الرسول ) ليحكم بينكم ( رأيت المنافقين يصدون ) يعرضون ( عنك ) إلى غيرك ( صدودا )
62. ( فكيف ) يصنعون ( إذا أصابتهم مصيبة ) عقوبة ( بما قدمت أيديهم ) من الكفر والمعاصي أي أيقدرون على الإعراض والفرار منها لا ( ثم جاؤوك ) معطوف على يصدون ( يحلفون بالله إن ) ما ( أردنا ) بالمحاكمة إلى غيرك ( إلا إحسانا ) صلحا ( وتوفيقا ) تأليفا بين الخصمين بالتقريب في الحكم دون الحمل على مُرِّ الحق
63. ( أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم ) من النفاق وكذبهم في عذرهم ( فأعرضْ عنهم ) بالصفح ( وعظهم ) خوفهم الله ( وقل لهم في ) شأن ( أنفسهم قولا بليغا ) مؤثرا فيهم ، أي ازجرهم ليرجعوا عن كفرهم
64. ( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع ) فيما يأمر به ويحكم ( بإذن الله ) بأمره لا ليعصى ويخالف ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ) بتحاكمهم إلى الطاغوت ( جاؤوك ) تائبين ( فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول ) فيه التفات عن الخطاب تفخيما لشأنه ( لوجدوا الله توابا ) عليهم ( رحيما ) بهم
65. ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر ) اختلط ( بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا ) ضيقا أو شكا ( مما قضيت ) به ( ويسلموا ) ينقادوا لحكمك ( تسليما ) من غير معارضة
66. ( ولو أنا كتبنا عليهم أن ) مفسرة ( اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ) كما كتبنا على بني إسرائيل ( ما فعلوه ) أي المكتوب عليهم ( إلا قليلٌ ) بالرفع على البدل والنصب على الاستثناء ( منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به ) من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ( لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا ) تحقيقا لإيمانهم
67. ( وإذاً ) أي لو تثبتوا ( لآتيناهم من لدنا ) من عندنا ( أجرا عظيما ) هو الجنة
68. ( ولهديناهم صراطا مستقيما ) قال بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم كيف نراك في الجنة وأنت في الدرجات العلى ونحن أسفل منك فنزل
69. ( ومن يطع الله والرسول ) فيما أمر به ( فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين ) أفاضل أصحاب الأنبياء لمبالغتهم في الصدق والتصديق ( والشهداء ) القتلى في سبيل الله ( والصالحين ) غير من ذكر ( وحسن أولئك رفيقا ) رفقاء في الجنة بأن يستمتع فيها برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم وإن كان مقرهم في الدرجات العالية بالنسبة إلى غيرهم
70. ( ذلك ) أي كونهم مع من ذكر مبتدأ خبره ( الفضل من الله ) تفضل به عليهم لا أنهم نالوه بطاعاتهم ( وكفى بالله عليما ) بثواب الآخرة ، أي فثقوا بما أخبركم به { ولا ينبئك مثل خبير }
71. ( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم ) من عدوكم ، أي احترزوا منه وتيقظوا له ( فانفروا ) انهضوا إلى قتاله ( ثبات ) متفرقين سرية بعد أخرى ( أو انفروا جميعا ) مجتمعين
72. ( وإن منكم لمن ليبطئن ) ليتأخرن عن القتال كعبد الله بن أبي المنافق وأصحابه وجعله منهم من حيث الظاهر واللام في الفعل للقسم ( فإن أصابتكم مصيبة ) كقتل وهزيمة ( قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا ) حاضراً فأصاب
73. ( ولئن ) لام قسم ( أصابكم فضل من الله ) كفتح وغنيمة ( ليقولَّن ) نادماً ( كأن ) مخففة واسمها محذوف أي كأنه ( لم تكن ) بالياء والتاء ( بينكم وبينه مودة ) معرفة وصداقة وهذا راجع إلى قوله قد أنعم الله علي اعترض به بين القول ومقوله وهو ( يا ) للتنبيه ( ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما ) آخذ حظا وافرا من الغنيمة
74. قال تعالى: ( فليقاتل في سبيل الله ) لإعلاء دينه ( الذين يشرون ) يبيعون ( الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل ) يستشهد ( أو يغلب ) يظفر بعدوه ( فسوف نؤتيه أجرا عظيما ) ثوابا جزيلا
75. ( وما لكم لا تقاتلون ) استفهام توبيخ ، أي لا مانع لكم من القتال ( في سبيل الله و ) في تخليص ( المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ) الذين حبسهم الكفار عن الهجرة وآذوهم ، قال ابن عباس رضي الله عنه: كنت أنا وأمي منهم. ( الذين يقولون ) داعين يا ( ربنا أخرجنا من هذه القرية ) مكة ( الظالم أهلها ) بالكفر ( واجعل لنا من لدنك ) من عندك ( وليا ) يتولى أمورنا ( واجعل لنا من لدنك نصيرا ) يمنعنا منهم ، وقد استجاب الله دعاءهم فيسر لبعضهم الخروج وبقي بعضهم إلى أن فتحت مكة وولَّى صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد فأنصف مظلومهم من ظالمهم
76. ( الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت ) الشيطان ( فقاتلوا أولياء الشيطان ) أنصار دينه تغلبوهم لقوتكم بالله ( إن كيد الشيطان ) بالمؤمنين ( كان ضعيفا ) واهيا لا يقاوم كيد الله بالكافرين
77. ( ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم ) عن قتال الكفار لما طلبوه بمكة لأذى الكفار لهم وهم جماعة من الصحابة ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب ) فرض ( عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون ) يخافون ( الناس ) الكفار أي عذابهم بالقتل ( كخشية ) هم عذاب ( الله أو أشد خشية ) من خشيتهم له ، ونصب أشد على الحال وجواب ( لما ) دل عليه إذا وما بعدها أي فاجأتهم الخشية ( وقالوا ) جزعا من الموت ( ربنا لم كتبت علينا القتال لولا ) هلا ( أخرتنا إلى أجل قريب قل ) لهم ( متاع الدنيا ) ما يتمتع به فيها أو الاستمتاع بها ( قليل ) آيل إلى الفناء ( والآخرة ) أي الجنة ( خير لمن اتقى ) عقاب الله بترك معصيته ( ولا تظلمون ) بالتاء والياء ، تنقصون من أعمالكم ( فتيلا ) قدر قشرة النواة فجاهدوا
78. ( أين ما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج ) حصون ( مشيدة ) مرتفعة فلا تخشوا القتال خوف الموت ( وإن تصبهم ) أي اليهود ( حسنة ) خصب وسعة ( يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة ) جدب وبلاء كما حصل لهم عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ( يقولوا هذه من عندك ) يا محمد أي بشؤمك ( قل ) لهم ( كل ) من الحسنة والسيئة ( من عند الله ) من قبله ( فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون ) أي يقاربون أن يفهموا ( حديثا ) يلقى إليهم ، وما استفهام تعجيب من فرط جهلهم ونفي مقاربة الفعل أشد من نفيه
79. ( ما أصابك ) أيها الإنسان ( من حسنة ) خير ( فمن الله ) أتتك فضلاً منه ( وما أصابك من سيئة ) بلية ( فمن نفسك ) أتتك حيث ارتكبت ما يستوجبها من الذنوب ( وأرسلناك ) يا محمد ( للناس رسولا ) حال مؤكدة ( وكفى بالله شهيدا ) على رسالتك
80. ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى ) أعرض عن طاعتك فلا يهمنك ( فما أرسلناك عليهم حفيظا ) حافظا لأعمالهم بل نذيرا وإلينا أمرهم فنجازيهم وهذا قبل الأمر بالقتال
81. ( ويقولون ) أي المنافقون إذا جاؤوك أمرنا ( طاعة ) لك ( فإذا برزوا ) خرجوا ( من عندك بَيَّتْ طائفة منهم ) بإدغام التاء في الطاء وتركه أي أضمرت ( غير الذي تقول ) لك في حضورك من الطاعة أي عصيانك ( والله يكتب ) يأمر بكتب ( ما يبيتون ) في صحائفهم ليجازوا عليه ( فأعرض عنهم ) بالصفح ( وتوكل على الله ) ثق به فإنه كافيك ( وكفى بالله وكيلا ) مفوضا إليه
82. ( أفلا يتدبرون ) يتأملون ( القرآن ) وما فيه من المعاني البديعة ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) تناقضا في معانيه وتباين في نظمه
83. ( وإذا جاءهم أمر ) عن سرايا النبي صلى الله عليه وسلم بما حصل لهم ( من الأمن ) بالنصر ( أو الخوف ) بالهزيمة ( أذاعوا به ) أفشوه نزل في جماعة من المنافقين أو في ضعفاء المؤمنين كانوا يفعلون ذلك فتضعف قلوب المؤمنين ويتأذى النبي ( ولو ردوه ) أي الخبر ( إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم ) أي ذوي الرأي من أكابر الصحابة ، أي لو سكتوا عنه حتى يخبروا به ( لعلمه ) هل هو مما ينبغي أي يذاع أو لا ( الذين يستنبطونه ) يتبعونه ويطلبون علمه وهم المذيعون ( منهم ) من الرسول وأولي الأمر ( ولولا فضل الله عليكم ) بالإسلام ( ورحمته ) لكم بالقرآن ( لاتبعتم الشيطان ) فيما يأمركم به من الفواحش ( إلا قليلا )
84. ( فقاتل ) يا محمد ( في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ) فلا تهتم بتخلفهم عنك ، المعنى: قاتل ولو وحدك فإنك موعود بالنصر ( وحرض المؤمنين ) حثهم على القتال ورغبهم فيه ( عسى الله أن يكف بأس ) حرب ( الذين كفروا والله أشد بأسا ) منهم ( وأشد تنكيلا ) تعذيبا منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « والذي نفسي بيده لأخرجن ولو وحدي » فخرج بسبعين راكبا إلى بدر الصغرى فكف الله بأس الكفار بإلقاء الرعب في قلوبهم ومنع أبي سفيان عن الخروج كما تقدم في آل عمران
85. ( من يشفع ) بين الناس ( شفاعة حسنة ) موافقة للشرع ( يكن له نصيب ) من الأجر ( منها ) بسببها ( ومن يشفع شفاعة سيئة ) مخالفة له ( يكن له كفل ) نصيب من الوزر ( منها ) بسببها ( وكان الله على كل شيء مقيتا ) مقتدرا فيجازي كل أحد بما عمل
86. ( وإذا حييتم بتحية ) كأن قيل لكم سلام عليكم ( فحيوا ) المحيي ( بأحسن منها ) بأن تقولوا له: عليك السلام ورحمة الله وبركاته ( أو ردوها ) بأن تقولوا له كما قال أي الواجب أحدهما والأول أفضل ( إن الله كان على كل شيء حسيبا ) محاسبا فيجازي عليه ومنه رد السلام ، وخصت السنة الكافر والمبتدع والفاسق والمُسَلِّم على قاضي الحاجة ومن في الحمام والآكل فلا يجب الرد عليهم بل يكره في غير الأخير ويقال للكافر: وعليك
87. ( الله لا إله إلا هو ) والله ( ليجمعنكم ) من قبوركم ( إلى ) في ( يوم القيامة لا ريب ) لا شك ( فيه ومن ) أي لا أحد ( أصدق من الله حديثا ) قولا
88. ولما رجع ناس من أحد اختلف الناس فيهم فقال فريق نقتلهم وقال فريق لا فنزل ( فما لكم ) شأنكم صرتم ( في المنافقين فئتين ) فرقتين ( والله أركسهم ) ردهم ( بما كسبوا ) من الكفر والمعاصي ( أتريدون أن تهدوا من أضلـ ) ـه ( الله ) أي تعدوهم من جملة المهتدين ، والاستفهام في الموضعين للإنكار ( ومن يضللـ ) ـه ( الله فلن تجد له سبيلا ) طريقا إلى الهدى
89. ( ودوا ) تمنوا ( لو تكفرون كما كفروا فتكونون ) أنتم وهم ( سواء ) في الكفر ( فلا تتخذوا منهم أولياء ) توالونهم وإن أظهروا الإيمان ( حتى يهاجروا في سبيل الله ) هجرة صحيحة تحقق إيمانهم ( فإن تولوا ) وأقاموا على ما هم عليه ( فخذوهم ) بالأسر ( واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ) توالونه ( ولا نصيرا ) تنتصرون به على عدوكم
90. ( إلا الذين يصلون ) يلجؤون ( إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ) عهد بالأمان لهم ولمن وصل إليهم كما عاهد النبي صلى الله عليه وسلم هلال بن عويمر الأسلمي ( أو ) الذين ( جاؤوكم ) وقد ( حصرت ) ضاقت ( صدورهم ) عن ( أن يقاتلوكم ) مع قومهم ( أو يقاتلوا قومهم ) معكم أي ممسكين عن قتالكم فلا تتعرضوا إليهم بأخذ ولا قتل ، وهذا وما بعده منسوخ بآية السيف ( ولو شاء الله ) تسليطهم عليكم ( لسلطهم عليكم ) بأن يقوي قلوبهم ( فلقاتلوكم ) ولكنه لم يشأه فألقى في قلوبهم الرعب ( فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم ) الصلح أي انقادوا ( فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ) طريقا بالأخذ والقتل
91. ( ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ) بإظهار الإيمان عندكم ( ويأمنوا قومهم ) بالكفر إذا رجعوا إليهم وهم أسد وغطفان ( كل ما ردوا إلى ) دعوا إلى الشرك ( الفتنة أركسوا ) وقعوا أشد وقوع ( فيها فإن لم يعتزلوكم ) بترك قتالكم ( و ) لم ( يلقوا إليكم السلم و ) لم ( يكفوا ) عنكم ( أيديهم ) بالأسر ( فخذوهم واقتلوهم حيث ) وجدتموهم ( ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا ) برهانا بينا ظاهرا على قتلهم وسبيهم لغدرهم
92. ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا ) أي ما ينبغي أن يصدر منه قتل له ( إلا خطأ ) مخطئا في قتله من غير قصد ( ومن قتل مؤمنا خطأ ) بأن قصد رمي غيره كصيد أو شجرة فأصابه أو ضربه بما لا يقتل غالبا ( فتحرير ) عتق ( رقبة ) نسمة ( مؤمنة ) عليه ( ودية مسلمة ) مؤداة ( إلى أهله ) أي ورثة المقتول ( إلا أن يصدقوا ) يتصدقوا عليه بها بأن يعفوا عنها ، وبينت السنة أنها مئة من الإبل عشرون بنت مخاض وكذا بنات لبون وبنو لبون وحقاق وجذاع وأنها على عاقلة القاتل وهم عصبته في الأصل والفرع موزعة عليهم على ثلاث سنين على الغني منهم نصف دينار والمتوسط ربع كل سنة فإن لم يفوا فمن بيت المال فإن تعذر فعلى الجاني ( فإن كان ) المقتول ( من قوم عدو ) حرب ( لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ) على قاتله كفارة ولا دية تسلم إلى أهله لحرابتهم ( وإن كان ) المقتول ( من قوم بينكم وبينهم ميثاق ) عهد كأهل الذمة ( فدية ) له ( مسلمة إلى أهله ) وهي ثلث دية المؤمن إن كان يهوديا أو نصرانيا وثلثا عشرها إن كان مجوسيا ( وتحرير رقبة مؤمنة ) على قاتله ( فمن لم يجد ) الرقبة بأن فقدها وما يحصلها به ( فصيام شهرين متتابعين ) عليه كفارة ، ولم يذكر الله تعالى الانتقال إلى الطعام كالظهار وبه أخذ الشافعي في أصح قوليه ( توبة من الله ) مصدر منصوب بفعله المقدر ( وكان الله عليما ) بخلقه ( حكيما ) فيما دبره لهم
93. ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) بأن يقصد قتله بما يقتل غالبا بإيمانه ( فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه ) أبعده من رحمته ( وأعد له عذابا عظيما ) في النار وهذا مؤول بمن يستحله أو بأن هذا جزاؤه إن جوزي ، ولا بدع في خلف الوعيد لقوله { ويغفر ما دون ذلك لم يشاء } وعلى ابن عباس أنها على ظاهرها وأنها ناسخة لغيرها من آيات المغفرة وبينت آية البقرة أن قاتل العمد يقتل به وأن عليه الدية إن عفي عنه وسبق قدَرُها ، وبينت السنة أن بين العمد والخطأ قتلا يسمى شبه العمد وهو أن يقتله بما لا يقتل غالبا فلا قصاص فيه بل دية كالعمد في الصفة والخطأ في التأجيل والحمل وهو والعمد أولى بالكفارة من الخطأ
94. ونزل لما مر نفر من الصحابة برجل من بني سليم وهو يسوق غنما فسلم عليهم فقالوا ما سلم علينا إلا تقية ، فقتلوه واستاقوا غنمه ( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم ) سافرتم للجهاد ( في سبيل الله فتبينوا ) وفي قراءة { فتثبتوا } في الموضعين ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام ) بألف أو دونها أي التحية أو الانقياد بكلمة الشهادة التي هي أمارة على الإسلام ( لست مؤمنا ) وأنما قلت هذا تقية لنفسك ومالك فتقتلوه ( تبتغون ) تطلبون لذلك ( عرض الحياة الدنيا ) متاعها من الغنيمة ( فعند الله مغانم كثيرة ) تغنيكم عن قتل مثله لماله ( كذلك كنتم من قبل ) تعصم دماؤكم وأموالكم بمجرد قولكم الشهادة ( فمن الله عليكم ) بالاشتهار بالإيمان والاستقامة ( فتبينوا ) أن تقتلوا مؤمنا وافعلوا بالداخل في الإسلام كما فعل بكم ( إن الله كان بما تعملون خبيرا ) فيجازيكم به
95. ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) عن الجهاد ( غير أولي الضرر ) بالرفع صفة والنصب استثناء من زمانة أو عمى ونحوه ( والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين ) لضرر ( درجة ) فضيلة لاستوائهما في النية وزيادة المجاهدين بالمباشرة ( وكلا ) من الفريقين ( وعد الله الحسنى ) الجنة ( وفضل الله المجاهدين على القاعدين ) لغير ضرر ( أجرا عظيما )
96. ( درجات منه ) منازل بعضها فوق بعض من الكرامة ( ومغفرة ورحمة ) منصوبان بفعلهما المقدر ( وكان الله غفورا ) لأوليائه ( رحيما ) بأهل طاعته ونزل في جماعة أسلموا ولم يهاجروا فقتلوا يوم بدر مع الكفار
97. ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ) بالمقام مع الكفار وترك الهجرة ( قالوا ) لهم موبخين ( فيم كنتم ) أي شيء كنتم في أمر دينكم ( قالوا ) معتذرين ( كنا مستضعفين ) عاجزين عن إقامة الدين ( في الأرض ) أرض مكة ( قالوا ) لهم توبيخا ( ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ) من أرض الكفر إلى بلد آخر كما فعل غيركم قال الله تعالى ( فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ) هي
98. ( إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ) الذين ( لا يستطيعون حيلة ) لا قوة لهم على الهجرة ولا نفقة ( ولا يهتدون سبيلا ) طريقا إلى أرض الهجرة
99. ( فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا )
100. ( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما ) مهاجرا ( كثيرا وسعة ) في الرزق ( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت ) في الطريق كما وقع لجندع بن ضمرة الليثي ( فقد وقع ) ثبت ( أجره على الله وكان الله غفورا رحيما )
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
تابع سورة النساء
101. ( وإذا ضربتم ) سافرتم ( في الأرض فليس عليكم جناح ) في ( أن تقصروا من الصلاة ) بأن تردوها من أربع إلى اثنتين ( إن خفتم أن يفتنكم ) أي ينالكم بمكروه ( الذين كفروا ) بيان للواقع ، وبينت السنة أن المراد بالسفر الطويل وهو أربعة برد وهي مرحلتان ويؤخذ من قوله { فليس عليكم جناح } أنه رخصة لا واجب وعليه الشافعي ( إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا ) بيني العداوة
102. ( وإذا كنت ) يا محمد حاضرا ( فيهم ) وأنتم تخافون العدو ( فأقمت لهم الصلاة ) وهذا جري على عادة القرآن في الخطاب ( فلتقم طائفة منهم معك ) وتتأخر طائفة ( وليأخذوا ) أي الطائفة التي قامت معك ( أسلحتهم ) معهم ( فإذا سجدوا ) أي صلوا ( فليكونوا ) أي الطائفة الأخرى ( من ورائكم ) يحرسون إلى أن تقضوا الصلاة وتذهب هذه الطائفة تحرس ( ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ) معهم إلى أن تقضوا الصلاة ، وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم كذلك ببطن نخل رواه الشيخان ( ود الذين كفروا لو تغفلون ) إذا قمتم إلى الصلاة ( عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ) بأن يحملوا عليكم فيأخذوكم وهذا علة الأمر بأخذ السلاح ( ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم ) فلا تحملوها وهذا يفيد إيجاب حملها عند عدم العذر وهو أحد قولين للشافعي والثاني أنه سنة ورجح ( وخذوا حذركم ) من العدو أي احتزروا منه ما استطعتم ( إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا ) ذا إهانة
103. ( فإذا قضيتم الصلاة ) فرغتم منها ( فاذكروا الله ) بالتهليل والتسبيح ( قياما وقعودا وعلى جنوبكم ) مضطجعين أي في كل حال ( فإذا اطمأننتم ) أمنتم ( فأقيموا الصلاة ) أدوها بحقوقها ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا ) مكتوبا أي مفروضا ( موقوتا ) أي مقدرا وقتها فلا تؤخر عنه ونزل لما بعث صلى الله عليه وسلم طائفة في طلب أبي سفيان وأصحابه لما رجعوا من أحد فشكوا الجراحات
104. ( ولا تهنوا ) تضعفوا ( في ابتغاء ) طلب ( القوم ) الكفار لتقاتلوهم ( إن تكونوا تألمون ) تجدون ألم الجراح ( فإنهم يألمون كما تألمون ) أي مثلكم ولا يجبنون على قتالكم ( وترجون ) أنتم ( من الله ) من النصر والثواب عليه ( ما لا يرجون ) هم فأنتم تزيدون عليهم بذلك فينبغي أن تكونوا أرغب منهم فيه ( وكان الله عليما ) بكل شيء ( حكيما ) في صنعه
105. وسرق طعمة بن أبيرق درعاً وخبأها عند يهودي فوجدت عنده فرماه طعمة بها وحلف أنه ما سرقها فسأل قومه النبي صلى الله عليه وسلم أن يجادل عنه ويبرئه فنزل ( إنا أنزلنا إليك الكتاب ) القرآن ( بالحق ) متعلق بأنزل ( لتحكم بين الناس بما أراك ) أعلمك ( الله ) فيه ( ولا تكن للخائنين ) كطعمة ( خصيما ) مخاصما عنهم
106. ( واستغفر الله ) مما هممت به ( إن الله كان غفورا رحيما )
107. ( ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ) يخونونها بالمعاصي لأن وبال خيانتهم عليهم ( إن الله لا يحب من كان خوانا ) كثير الخيانة ( أثيما ) أي يعاقبه
108. ( يستخفون ) أي طعمة وقومه حياء ( من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم ) بعلمه ( إذ يبيتون ) يضمرون ( ما لا يرضى من القول ) من عزمهم على الحلف على نفي السرقة ورمي اليهودي بها ( وكان الله بما يعملون محيطا ) علما
109. ( ها أنتم ) يا ( هؤلاء ) خطاب لقوم طعمة ( جادلتم ) خاصمتم ( عنهم ) أي عن طعمة وذويه وقرئ { عنه } ( في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة ) إذا عذبهم ( أم من يكون عليهم وكيلا ) يتولى أمرهم ويذب عنهم أي لا أحد يفعل ذلك
110. ( ومن يعمل سوء ) ذنبا يسوء به غيره كرمي طعمة اليهودي ( أو يظلم نفسه ) يعمل ذنبا قاصرا عليه ( ثم يستغفر الله ) منه أي يتب ( يجد الله غفورا ) له ( رحيما ) به
111. ( ومن يكسب إثما ) ذنبا ( فإنما يكسبه على نفسه ) لأن وباله عليها ولا يضر غيره ( وكان الله عليما حكيما ) في صنعه
112. ( ومن يكسب خطيئة ) ذنبا صغيرا ( أو إثما ) ذنبا كبيرا ( ثم يرم به بريئا ) منه ( فقد احتمل ) تحمل ( بهتانا ) برميه ( وإثما مبينا ) بينا يكسبه
113. ( ولولا فضل الله عليك ) يا محمد ( ورحمته ) بالعصمة ( لهمت ) أضمرت ( طائفة منهم ) من قوم طعمة ( أن يضلوك ) عن القضاء بالحق بتلبيسهم عليك ( وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء ) لأن وبال إضلالهم عليهم ( وأنزل الله عليك الكتاب ) القرآن ( والحكمة ) ما فيه من الأحكام ( وعلمك ما لم تكن تعلم ) من الأحكام والغيب ( وكان فضل الله عليك ) بذلك وغيره ( عظيما )
114. ( لا خير في كثير من نجواهم ) أي الناس أي ما يتناجون فيه ويتحدثون ( إلا ) نجوى ( من أمر بصدقة أو معروف ) عمل بر ( أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ) المذكور ( ابتغاء ) طلب ( مرضات الله ) لا غيره من أمور الدنيا ( فسوف نؤتيه ) بالنون والياء أي الله ( أجرا عظيما )
115. ( ومن يشاقق ) يخالف ( الرسول ) فيما جاء به من الحق ( من بعد ما تبين له الهدى ) ظهر له الحق بالمعجزات ( ويتبع ) طريقا ( غير سبيل المؤمنين ) أي طريقهم الذي هم عليه من الدين بأن يكفر ( نوله ما تولى ) نجعله واليا لما تولاه من الضلال بأن نخلي بينه وبينه في الدنيا ( ونصله ) ندخله في الآخرة ( جهنم ) فيحترق فيها ( وساءت مصيرا ) مرجعا هي
116. ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ) عن الحق
117. ( إن ) ما ( يدعون ) يعبد المشركون ( من دونه ) أي الله ، أي غيره ( إلا إناثا ) أصناما مؤنثه كاللات والعزى ومناة ( وإن ) ما ( يدعون ) يعبدون بعبادتها ( إلا شيطانا مريدا ) خارجا عن الطاعة لطاعتهم له فيها وهو إبليس
118. ( لعنه الله ) أبعده عن رحمته ( وقال ) أي الشيطان ( لأتخذن ) لأجعلن لي ( من عبادك نصيبا مفروضا ) مقطوعا أدعوهم إلى طاعتي
119. ( ولأضلنهم ) عن الحق بالوسوسة ( ولأمنينهم ) ألقي في قلوبهم طول الحياة أن لا بعث ولا حساب ( ولآمرنهم فليبتِّكن ) يقطعن ( آذان الأنعام ) وقد فعل ذلك بالبحائر ( ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ) دينه بالكفر وإحلال ما حرم الله وتحريم ما أحل ( ومن يتخذ الشيطان وليا ) يتولاه ويطيعه ( من دون الله ) أي غيره ( فقد خسر خسرانا مبينا ) بيناً لمصيره إلى النار المؤبدة عليه
120. ( يعدهم ) طول العمر ( ويمنيهم ) نيل الآمال في الدنيا وأن لا بعث ولا جزاء ( وما يعدهم الشيطان ) بذلك ( إلا غرورا ) باطلا
121. ( أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا ) معدلا
122. ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ) أي وعدهم الله ذلك وحقه حقا ( ومن ) أي لا أحد ( أصدق من الله قيلا ) أي قولا
123. ونزل لما افتخر المسلمون وأهل الكتاب ( ليس ) الأمر منوطا ( بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ) بل بالعمل الصالح ( من يعمل سوء يجز به ) إما في الآخرة أو الدنيا بالبلاء والمحن كما ورد في الحديث ( ولا يجد له من دون الله ) أي غيره ( وليا ) يحفظه ( ولا نصيرا ) يمنعه منه
124. ( ومن يعمل ) شيئا ( من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون ) بالبناء للمفعول والفاعل ( الجنة ولا يظلمون نقيرا ) قدر نقرة النواة
125. ( ومن ) أي لا أحد ( أحسن دينا ممن أسلم وجهه ) أي انقاد واخلص عمله ( لله وهو محسن ) موحد ( واتبع ملة إبراهيم ) الموافقة لملة الإسلام ( حنيفا ) حال أي مائلا عن الأديان كلها إلى الدين القيم ( واتخذ الله إبراهيم خليلا ) صفيا خالص المحبة له
126. ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ) ملكا وخلقا وعبيدا ( وكان الله بكل شيء محيطا ) علما وقدرة أي لم يزل متصفا بذلك
127. ( ويستفتونك ) يطلبون منك الفتوى ( في ) شأن ( النساء ) وميراثهن ( قل ) لهم ( الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب ) القرآن من آية الميراث ويفتيكم أيضا ( في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب ) فرض ( لهن ) من الميراث ( وترغبون ) أيها الأولياءعن ( أن تنكحوهن ) لدمامتهن وتعضلوهن أن يتزوجن طمعا في ميراثهن أي يفتيكم أن لا تفعلوا ذلك وفي ( والمستضعفين ) الصغار ( من الولدان ) أن تعطوهم حقوقهم ويأمركم ( وأن تقوموا لليتامى بالقسط ) بالعدل في الميراث والمهر ( وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما ) فيجازيكم به
128. ( وإن امرأة ) مرفوع بفعل يفسره ( خافت ) توقعت ( من بعلها ) زوجها ( نشوزا ) ترفعا عنها بترك مضاجعتها والتقصير في نفقتها لبغضها وطموح عينه إلى أجمل منها ( أو إعراضا ) عنها بوجهه ( فلا جناح عليهما أن يصَّالحا ) فيه إدغام التاء في الأصل في الصاد وفي قراءة { يُصلِحا } من أصلح ( بينهما صلحا ) في القسم والنفقة بأن تترك له شيئا طلبا لبقاء الصحبة فإن رضيت بذلك وإلا فعلى الزوج أن يوفيها حقها أو يفارقها ( والصلح خير ) من الفرقة والنشوز والإعراض قال تعالى في بيان ما جبل عليه الإنسان ( وأحضرت الأنفس الشح ) شدة البخل أي جبلت عليه فكأنها حاضرته لا تغيب عنه ، المعنى أن المرأة لا تكاد تسمح بنصيبها من زوجها والرجل لا يكاد يسمح عليها بنفسه إذا أحب غيرها ( وإن تحسنوا ) عشرة النساء ( وتتقوا ) الجور عليهن ( فإن الله كان بما تعملون خبيرا ) فيجازيكم به
129. ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا ) تسووا ( بين النساء ) في المحبة ( ولو حرصتم ) على ذلك ( فلا تميلوا كل الميل ) إلى التي تحبونها في القسم والنفقة ( فتذروها ) أي تتركوا الممال عنها ( كالمعلقة ) التي لا هي أيم ولا هي ذات بعل ( وإن تصلحوا ) بالعدل بالقسم ( وتتقوا ) الجور ( فإن الله كان غفورا ) لما في قلبكم من الميل ( رحيما ) بكم في ذلك
130. ( وإن يتفرقا ) أي الزوجان بالطلاق ( يغن الله كلا ) عن صاحبه ( من سعته ) أي فضله بأن يرزقها زوجا غيره ويرزقه غيرها ( وكان الله واسعا ) لخلقه في الفضل ( حكيما ) فيما دبر لهم
131. ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب ) بمعنى الكتب ( من قبلكم ) أي اليهود والنصارى ( وإياكم ) يا أهل القرآن ( أن ) أي بأن ( اتقوا الله ) خافوا عقابه بأن تطيعوه ( و ) قلنا لهم ولكم ( إن تكفروا ) بما وصيتم به ( فإن لله ما في السماوات وما في الأرض ) خلقا وملكا وعبيدا فلا يضره كفركم ( وكان الله غنيا ) عن خلقه وعبادتهم ( حميدا ) في صنعه بهم
132. ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ) كرره تأكيدا لتقرير موجب التقوى ( وكفى بالله وكيلا ) شهيدا بأن ما فيهما له
133. ( إن يشأ يذهبكم ) يا ( أيها الناس ويأت بآخرين ) بدلكم ( وكان الله على ذلك قديرا )
134. ( من كان يريد ) بعمله ( ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة ) لمن أراده لا عند غيره فلم يطلب أحدكم الأخس وهلا طلب الأعلى باخلاص له حيث كان مطلبه لا يوجد إلا عنده ( وكان الله سميعا بصيرا )
135. ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين ) قائمين ( بالقسط ) بالعدل ( شهداء ) بالحق ( لله ولو ) كانت الشهادة ( على أنفسكم ) فاشهدوا عليها بأن تقروا بالحق ولا تكتموه ( أو ) على ( الوالدين والأقربين إن يكن ) المشهود عليه ( غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما ) منكم وأعلم بمصالحهما ( فلا تتبعوا الهوى ) في شهادتكم بأن تحابوا الغني لرضاه أو الفقير رحمة له ( أن ) لا ( تعدلوا ) تميلوا عن الحق ( وإن تلووا ) تحرفوا الشهادة ، وفي قراءة { تلُوا } بحذف الواو الأولى تخفيفا ( أو تعرضوا ) عن أدائها ( فإن الله كان بما تعملون خبيرا ) فيجازيكم به
136. ( يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا ) داوموا على الإيمان ( بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله ) محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن ( والكتاب الذي أنزل من قبل ) على الرسل بمعنى الكتب ، وفي قراءة بالبناء للفاعل في الفعلين ( ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا ) عن الحق
137. ( إن الذين آمنوا ) بموسى وهم اليهود ( ثم كفروا ) بعبادتهم العجل ( ثم آمنوا ) بعده ( ثم كفروا ) بعيسى ( ثم ازدادوا كفرا ) بمحمد ( لم يكن الله ليغفر لهم ) ما أقاموا عليه ( ولا ليهديهم سبيلا ) طريقا إلى الحق
138. ( بشر ) أخبر يا محمد ( المنافقين بأن لهم عذابا أليما ) مؤلما هو عذاب النار
139. ( الذين ) بدل أو نعت المنافقين ( يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ) لما يتوهمون فيهم من القوة ( أيبتغون ) يطلبون ( عندهم العزة ) استفهام إنكار ، أي لا يجدون عندهم ( فإن العزة لله جميعا ) في الدنيا والآخرة ولا ينالها إلا أولياؤه
140. ( وقد نَزَّل ) بالبناء للفاعل والمفعول ( عليكم في الكتاب ) القرآن في سورة الأنعام ( أن ) مخففة واسمها محذوف أي أنه ( إذا سمعتم آيات الله ) القرآن ( يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم ) أي الكافرين والمستهزئين ( حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا ) إن قعدتم معهم ( مثلهم ) في الإثم ( إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا ) كما اجتمعوا في الدنيا على الكفر والاستهزاء
141. ( الذين ) بدل من الذين قبله ( يتربصون ) ينتظرون ( بكم ) الدوائر ( فإن كان لكم فتح ) ظفر وغنيمة ( من الله قالوا ) لكم ( ألم نكن معكم ) في الدين والجهاد فأعطونا من الغنيمة ( وإن كان للكافرين نصيب ) من الظفر عليكم ( قالوا ) لهم ( ألم نستحوذ ) نستول ( عليكم ) ونقدر على أخذكم وقتلكم فأبقينا عليكم ( و ) ألم ( نمنعكم من المؤمنين ) أن يظفروا بكم بتخذيلهم ومراسلتكم بأخبارهم فلنا عليكم المنة ، قال تعالى ( فالله يحكم بينكم ) وبينهم ( يوم القيامة ) بأن يدخلكم الجنة ويدخلهم النار ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) طريقا بالاستئصال
142. ( إن المنافقين يخادعون الله ) بإظهار خلاف ما أبطنوه من الكفر فيدفعوا عنهم أحكامه الدنيوية ( وهو خادعهم ) مجازيهم على خداعهم فيفتضحون في الدنيا بإطلاع الله نبيه على ما أبطنوه ويعاقبون في الآخرة ( وإذا قاموا إلى الصلاة ) مع المؤمنين ( قاموا كسالى ) متثاقلين ( يراؤون الناس ) بصلاتهم ( ولا يذكرون الله ) يصلون ( إلا قليلا ) رياء
143. ( مذبذبين ) مترددين ( بين ذلك ) الكفر والإيمان ( لا ) منسوبين ( إلى هؤلاء ) أي الكفار ( ولا إلى هؤلاء ) أي المؤمنين ( ومن يضللـ ) ـه ( الله فلن تجد له سبيلا ) طريقا إلى الهدى
144. ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم ) بموالاتهم ( سلطانا مبينا ) برهاناً بيناً على نفاقكم
145. ( إن المنافقين في الدرك ) المكان ( الأسفل من النار ) وهو قعرها ( ولن تجد لهم نصيرا ) مانعا من العذاب
146. ( إلا الذين تابوا ) من النفاق ( وأصلحوا ) عملهم ( واعتصموا ) وثقوا ( بالله وأخلصوا دينهم لله ) من الرياء ( فأولئك مع المؤمنين ) فيما يؤتونه ( وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما ) في الآخرة وهو الجنة
147. ( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم ) نعمه ( وآمنتم ) به والاستفهام بمعنى النفي أي لا يعذبكم ( وكان الله شاكرا ) لأعمال المؤمنين بالإثابة ( عليما ) بخلقه
148. ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول ) من أحد أي يعاقبه عليه ( إلا من ظلم ) فلا يؤاخذه بالجهر به بأن يخبر عن ظلم ظالمه ويدعو عليه ( وكان الله سميعا ) لما يقال ( عليما ) بما يفعل
149. ( إن تبدوا ) تظهروا ( خيرا ) من أعمال البر ( أو تخفوه ) تعملون سرا ( أو تعفوا عن سوء ) ظلم ( فإن الله كان عفوا قديرا )
150. ( إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ) بأن يؤمنوا به دونهم ( ويقولون نؤمن ببعض ) من الرسل ( ونكفر ببعض ) منهم ( ويريدون أن يتخذوا بين ذلك ) الكفر والإيمان ( سبيلا ) طريقا يذهبون إليه
151. ( أولئك هم الكافرون حقا ) مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله ( وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ) ذا إهانة وهو عذاب النار
152. ( والذين آمنوا بالله ورسله ) كلهم ( ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم ) بالياء والنون ( أجورهم ) ثواب أعمالهم ( وكان الله غفورا ) لأوليائه ( رحيما ) بأهل طاعته
153. ( يسألك ) يا محمد ( أهل الكتاب ) اليهود ( أن تنزل عليهم كتابا من السماء ) جملة كما أنزل على موسى تعنتا فإن استكبرت ذلك ( فقد سألوا ) أي آبائهم ( موسى أكبر ) أعظم ( من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة ) عيانا ( فأخذتهم الصاعقة ) الموت عقابا لهم ( بظلمهم ) حيث تعنتوا في السؤال ( ثم اتخذوا العجل ) إلها ( من بعد ما جاءتهم البينات ) المعجزات على وحدانية الله ( فعفونا عن ذلك ) ولم نستأصلهم ( وآتينا موسى سلطانا مبينا ) تسلطا بينا ظاهرا عليهم حيث أمرهم بقتل أنفسهم توبة فأطاعوه
154. ( ورفعنا فوقهم الطور ) الجبل ( بميثاقهم ) بسبب أخذ الميثاق عليهم ليخافوا فقبلوه ( وقلنا لهم ) وهو مظِلٌّ عليهم ( ادخلوا الباب ) باب القرية ( سجدا ) سجود انحناء ( وقلنا لهم لا تعْدُوا ) وفي قراءة بفتح العين وتشديد الدال وفيه إدغام التاء في الأصل في الدال { تعَدّوا } أي لا تتعدوا ( في السبت ) باصطياد الحيتان فيه ( وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً ) على ذلك فنقضوه
155. ( فبما نقضهم ) ما زائدة والباء للسببية متعلقة بمحذوف ، أي لعناهم بسبب نقضهم ( ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم ) للنبي صلى الله عليه وسلم ( قلوبنا غلف ) لا تعي كلامك ( بل طبع ) ختم ( الله عليها بكفرهم ) فلا تعي وعظا ( فلا يؤمنون إلا قليلا ) منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه
156. ( وبكفرهم ) ثانيا بعيسى وكرر الباء للفصل بينه وبين ما عطف عليه ( وقولهم على مريم بهتانا عظيما ) حيث رموها بالزنا
157. ( وقولهم ) مفتخرين ( إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ) في زعمهم ، أي بمجموع ذلك عذبناهم قال تعالى تكذيبا لهم في قتله ( وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ) المقتول والمصلوب وهو صاحبهم بعيسى ، أي ألقى الله عليه شبهه فظنوه إياه ( وإن الذين اختلفوا فيه ) أي في عيسى ( لفي شك منه ) من قتله حيث قال بعضهم لما رأوا المقتول الوجه وجه عيسى والجسد ليس بجسده فليس به وقال آخرون بل هو هو ( ما لهم به ) بقتله ( من علم إلا اتباع الظن ) استثناء منقطع ، أي لكن يتبعون فيه الظن الذي تخيلوه ( وما قتلوه يقينا ) حال مؤكدة لنفي القتل
158. ( بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا ) في ملكه ( حكيما ) في صنعه
159. ( وإن ) ما ( من أهل الكتاب ) أحد ( إلا ليؤمنن به ) بعيسى ( قبل موته ) أي الكتابي حين يعاين ملائكة الموت فلا ينفعه إيمانه أو قبل موت عيسى لما ينزل قرب الساعة كما ورد في حديث ( ويوم القيامة يكون ) عيسى ( عليهم شهيدا ) بما فعلوه لما بعث إليهم
160. ( فبظلم ) أي فبسبب ظلم ( من الذين هادوا ) هم اليهود ( حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ) هي التي في قوله تعالى: { حرمنا كل ذي ظفر } الآية ( وبصدهم ) الناس ( عن سبيل الله ) دينه صدا ( كثيرا )
161. ( وأخذهم الربا وقد نهوا عنه ) في التوراة ( وأكلهم أموال الناس بالباطل ) بالرشا في الحكم ( وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما ) مؤلما
162. ( لكن الراسخون ) الثابتون ( في العلم منهم ) كعبد الله بن سلام ( والمؤمنون ) المهاجرون والأنصار ( يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ) من الكتب ( والمقيمين الصلاة ) نصب على المدح وقرئ بالرفع ( والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم ) بالنون والياء ( أجرا عظيما ) هو الجنة
163. ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ) وكما ( وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ) ابنيه ( ويعقوب ) ابن إسحاق ( والأسباط ) أولاده ( وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا ) أباه ( داود زَبورا ) بالفتح اسم للكتاب المؤتى ، وبالضم مصدر بمعنى مزبورا أي مكتوبا
164. وأرسلنا ( ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك ) روي أنه تعالى بعث ثمانية آلاف نبي أربعة آلاف من إسرائيل وأربعة آلاف من سائر الناس قاله الشيخ في سورة غافر ( وكلم الله موسى ) بلا واسطة ( تكليما )
165. ( رسلا ) بدل من رسلا قبله ( مبشرين ) بالثواب من آمن ( ومنذرين ) بالعقاب من كفر أرسلناهم ( لئلا يكون للناس على الله حجة ) تقال ( بعد ) إرسال ( الرسل ) إليهم فيقولوا: { ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين } فبعثناهم لقطع عذرهم ( وكان الله عزيزا ) في ملكه ( حكيما ) في صنعه
166. ونزل لما سئل اليهود عن نبوته صلى الله عليه وسلم فأنكروه ( لكن الله يشهد ) يبين نبوتك ( بما أنزل إليك ) من القرآن المعجز ( أنزله ) ملتبسا ( بعلمه ) أي عالما به أو وفيه علمه ( والملائكة يشهدون ) لك أيضا ( وكفى بالله شهيدا ) على ذلك
167. ( إن الذين كفروا ) بالله ( وصدوا ) الناس ( عن سبيل الله ) دين الإسلام بكتمهم نعت محمد صلى الله عليه وسلم وهم اليهود ( قد ضلوا ضلالا بعيدا ) عن الحق
168. ( إن الذين كفروا ) بالله ( وظلموا ) نبيه بكتمان نعته ( لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا ) من الطرق
169. ( إلا طريق جهنم ) أي الطريق المؤدي إليها ( خالدين ) مقدرين الخلود ( فيها ) إذا دخلوها ( أبدا وكان ذلك على الله يسيرا ) هنيا
170. ( يا أيها الناس ) أي أهل مكة ( قد جاءكم الرسول ) محمد صلى الله عليه وسلم ( بالحق من ربكم فآمنوا ) به واقصدوا ( خيرا لكم ) مما أنتم فيه ( وإن تكفروا ) به ( فإن لله ما في السماوات والأرض ) ملكا وخلقا وعبيدا فلا يضره كفركم ( وكان الله عليما ) بخلقه ( حكيما ) في صنعه بهم
171. ( يا أهل الكتاب ) الإنجيل ( لا تغلوا ) تتجاوزوا الحد ( في دينكم ولا تقولوا على الله إلا ) القول ( الحق ) من تنزيهه عن الشريك والولد ( إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها ) أوصلها الله ( إلى مريم وروحٍ ) أي ذو روح ( منه ) أضيف إليه تعالى تشريفا له وليس كما زعمتم ابن الله أو إلها معه أو ثالث ثلاثة لأن ذا الروح مركب والإله منزه عن التركيب وعن نسبة المركب إليه ( فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ) الآلهة ( ثلاثة ) الله وعيسى وأمه ( انتهوا ) عن ذلك وأتوا ( خيرا لكم ) منه وهو التوحيد ( إنما الله إله واحد سبحانه ) تنزيها له عن ( أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض ) خلقا وملكا وعبيدا والملكية تنافي النبوة ( وكفى بالله وكيلا ) شهيدا على ذلك
172. ( لن يستنكف ) يتكبر ويأنف ( المسيح ) الذي زعمتم أنه إله عن ( أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ) عند الله لا يستنكفون أن يكونوا عبيدا وهذا من أحسن الاستطراد ذكر للرد على من زعم أنها آلهة أو بنات الله كما رد بما قبله على النصارى الزاعمين ذلك المقصود خطابهم ( ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا ) في الآخرة
173. ( فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ) ثواب أعمالهم ( ويزيدهم من فضله ) ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ( وأما الذين استنكفوا واستكبروا ) عن عبادته ( فيعذبهم عذابا أليما ) مؤلما هو عذاب النار ( ولا يجدون لهم من دون الله ) أي غيره ( وليا ) يدفعه عنهم ( ولا نصيرا ) يمنعهم منه
174. ( يا أيها الناس قد جاءكم برهان ) حجة ( من ربكم ) عليكم وهو النبي صلى الله عليه وسلم ( وأنزلنا إليكم نورا مبينا ) بينا وهو القرآن
175. ( فأما الذين آمنوا ) بالقرآن ( بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا ) طريقا ( مستقيما ) هو دين الإسلام
176. ( يستفتونك ) في الكلالة ( قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ ) مرفوع بفعل يفسره ( هلك ) مات ( ليس له ولد ) أي ولا والد وهو الكلالة ( وله أخت ) من أبوين أو أب ( فلها نصف ما ترك وهو ) أي الأخ كذلك ( يرثها ) جميع ما تركت ( إن لم يكن لها ولد ) فإن كان لها ولد ذكر فلا شيء له أو أنثى فله ما فضل من نصيبها ولو كانت الأخت أو الأخ من أم ففرضه السدس كما تقدم أول السورة ( فإن كانتا ) أي الأختان ( اثنتين ) أي فصاعدا لأنها نزلت في جابر وقد مات عن أخوات ( فلهما الثلثان مما ترك ) الأخ ( وإن كانوا ) أي الورثة ( إخوة رجالا ونساء فللذكر ) منهم ( مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم ) شرائع دينكم لـ ( أن ) لا ( تضلوا والله بكل شيء عليم ) ومنه الميراث ، روى الشيخان عن البراء أنها آخر آية نزلت أي من الفرائض
101. ( وإذا ضربتم ) سافرتم ( في الأرض فليس عليكم جناح ) في ( أن تقصروا من الصلاة ) بأن تردوها من أربع إلى اثنتين ( إن خفتم أن يفتنكم ) أي ينالكم بمكروه ( الذين كفروا ) بيان للواقع ، وبينت السنة أن المراد بالسفر الطويل وهو أربعة برد وهي مرحلتان ويؤخذ من قوله { فليس عليكم جناح } أنه رخصة لا واجب وعليه الشافعي ( إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا ) بيني العداوة
102. ( وإذا كنت ) يا محمد حاضرا ( فيهم ) وأنتم تخافون العدو ( فأقمت لهم الصلاة ) وهذا جري على عادة القرآن في الخطاب ( فلتقم طائفة منهم معك ) وتتأخر طائفة ( وليأخذوا ) أي الطائفة التي قامت معك ( أسلحتهم ) معهم ( فإذا سجدوا ) أي صلوا ( فليكونوا ) أي الطائفة الأخرى ( من ورائكم ) يحرسون إلى أن تقضوا الصلاة وتذهب هذه الطائفة تحرس ( ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ) معهم إلى أن تقضوا الصلاة ، وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم كذلك ببطن نخل رواه الشيخان ( ود الذين كفروا لو تغفلون ) إذا قمتم إلى الصلاة ( عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ) بأن يحملوا عليكم فيأخذوكم وهذا علة الأمر بأخذ السلاح ( ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم ) فلا تحملوها وهذا يفيد إيجاب حملها عند عدم العذر وهو أحد قولين للشافعي والثاني أنه سنة ورجح ( وخذوا حذركم ) من العدو أي احتزروا منه ما استطعتم ( إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا ) ذا إهانة
103. ( فإذا قضيتم الصلاة ) فرغتم منها ( فاذكروا الله ) بالتهليل والتسبيح ( قياما وقعودا وعلى جنوبكم ) مضطجعين أي في كل حال ( فإذا اطمأننتم ) أمنتم ( فأقيموا الصلاة ) أدوها بحقوقها ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا ) مكتوبا أي مفروضا ( موقوتا ) أي مقدرا وقتها فلا تؤخر عنه ونزل لما بعث صلى الله عليه وسلم طائفة في طلب أبي سفيان وأصحابه لما رجعوا من أحد فشكوا الجراحات
104. ( ولا تهنوا ) تضعفوا ( في ابتغاء ) طلب ( القوم ) الكفار لتقاتلوهم ( إن تكونوا تألمون ) تجدون ألم الجراح ( فإنهم يألمون كما تألمون ) أي مثلكم ولا يجبنون على قتالكم ( وترجون ) أنتم ( من الله ) من النصر والثواب عليه ( ما لا يرجون ) هم فأنتم تزيدون عليهم بذلك فينبغي أن تكونوا أرغب منهم فيه ( وكان الله عليما ) بكل شيء ( حكيما ) في صنعه
105. وسرق طعمة بن أبيرق درعاً وخبأها عند يهودي فوجدت عنده فرماه طعمة بها وحلف أنه ما سرقها فسأل قومه النبي صلى الله عليه وسلم أن يجادل عنه ويبرئه فنزل ( إنا أنزلنا إليك الكتاب ) القرآن ( بالحق ) متعلق بأنزل ( لتحكم بين الناس بما أراك ) أعلمك ( الله ) فيه ( ولا تكن للخائنين ) كطعمة ( خصيما ) مخاصما عنهم
106. ( واستغفر الله ) مما هممت به ( إن الله كان غفورا رحيما )
107. ( ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ) يخونونها بالمعاصي لأن وبال خيانتهم عليهم ( إن الله لا يحب من كان خوانا ) كثير الخيانة ( أثيما ) أي يعاقبه
108. ( يستخفون ) أي طعمة وقومه حياء ( من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم ) بعلمه ( إذ يبيتون ) يضمرون ( ما لا يرضى من القول ) من عزمهم على الحلف على نفي السرقة ورمي اليهودي بها ( وكان الله بما يعملون محيطا ) علما
109. ( ها أنتم ) يا ( هؤلاء ) خطاب لقوم طعمة ( جادلتم ) خاصمتم ( عنهم ) أي عن طعمة وذويه وقرئ { عنه } ( في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة ) إذا عذبهم ( أم من يكون عليهم وكيلا ) يتولى أمرهم ويذب عنهم أي لا أحد يفعل ذلك
110. ( ومن يعمل سوء ) ذنبا يسوء به غيره كرمي طعمة اليهودي ( أو يظلم نفسه ) يعمل ذنبا قاصرا عليه ( ثم يستغفر الله ) منه أي يتب ( يجد الله غفورا ) له ( رحيما ) به
111. ( ومن يكسب إثما ) ذنبا ( فإنما يكسبه على نفسه ) لأن وباله عليها ولا يضر غيره ( وكان الله عليما حكيما ) في صنعه
112. ( ومن يكسب خطيئة ) ذنبا صغيرا ( أو إثما ) ذنبا كبيرا ( ثم يرم به بريئا ) منه ( فقد احتمل ) تحمل ( بهتانا ) برميه ( وإثما مبينا ) بينا يكسبه
113. ( ولولا فضل الله عليك ) يا محمد ( ورحمته ) بالعصمة ( لهمت ) أضمرت ( طائفة منهم ) من قوم طعمة ( أن يضلوك ) عن القضاء بالحق بتلبيسهم عليك ( وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء ) لأن وبال إضلالهم عليهم ( وأنزل الله عليك الكتاب ) القرآن ( والحكمة ) ما فيه من الأحكام ( وعلمك ما لم تكن تعلم ) من الأحكام والغيب ( وكان فضل الله عليك ) بذلك وغيره ( عظيما )
114. ( لا خير في كثير من نجواهم ) أي الناس أي ما يتناجون فيه ويتحدثون ( إلا ) نجوى ( من أمر بصدقة أو معروف ) عمل بر ( أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ) المذكور ( ابتغاء ) طلب ( مرضات الله ) لا غيره من أمور الدنيا ( فسوف نؤتيه ) بالنون والياء أي الله ( أجرا عظيما )
115. ( ومن يشاقق ) يخالف ( الرسول ) فيما جاء به من الحق ( من بعد ما تبين له الهدى ) ظهر له الحق بالمعجزات ( ويتبع ) طريقا ( غير سبيل المؤمنين ) أي طريقهم الذي هم عليه من الدين بأن يكفر ( نوله ما تولى ) نجعله واليا لما تولاه من الضلال بأن نخلي بينه وبينه في الدنيا ( ونصله ) ندخله في الآخرة ( جهنم ) فيحترق فيها ( وساءت مصيرا ) مرجعا هي
116. ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ) عن الحق
117. ( إن ) ما ( يدعون ) يعبد المشركون ( من دونه ) أي الله ، أي غيره ( إلا إناثا ) أصناما مؤنثه كاللات والعزى ومناة ( وإن ) ما ( يدعون ) يعبدون بعبادتها ( إلا شيطانا مريدا ) خارجا عن الطاعة لطاعتهم له فيها وهو إبليس
118. ( لعنه الله ) أبعده عن رحمته ( وقال ) أي الشيطان ( لأتخذن ) لأجعلن لي ( من عبادك نصيبا مفروضا ) مقطوعا أدعوهم إلى طاعتي
119. ( ولأضلنهم ) عن الحق بالوسوسة ( ولأمنينهم ) ألقي في قلوبهم طول الحياة أن لا بعث ولا حساب ( ولآمرنهم فليبتِّكن ) يقطعن ( آذان الأنعام ) وقد فعل ذلك بالبحائر ( ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ) دينه بالكفر وإحلال ما حرم الله وتحريم ما أحل ( ومن يتخذ الشيطان وليا ) يتولاه ويطيعه ( من دون الله ) أي غيره ( فقد خسر خسرانا مبينا ) بيناً لمصيره إلى النار المؤبدة عليه
120. ( يعدهم ) طول العمر ( ويمنيهم ) نيل الآمال في الدنيا وأن لا بعث ولا جزاء ( وما يعدهم الشيطان ) بذلك ( إلا غرورا ) باطلا
121. ( أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا ) معدلا
122. ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ) أي وعدهم الله ذلك وحقه حقا ( ومن ) أي لا أحد ( أصدق من الله قيلا ) أي قولا
123. ونزل لما افتخر المسلمون وأهل الكتاب ( ليس ) الأمر منوطا ( بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ) بل بالعمل الصالح ( من يعمل سوء يجز به ) إما في الآخرة أو الدنيا بالبلاء والمحن كما ورد في الحديث ( ولا يجد له من دون الله ) أي غيره ( وليا ) يحفظه ( ولا نصيرا ) يمنعه منه
124. ( ومن يعمل ) شيئا ( من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون ) بالبناء للمفعول والفاعل ( الجنة ولا يظلمون نقيرا ) قدر نقرة النواة
125. ( ومن ) أي لا أحد ( أحسن دينا ممن أسلم وجهه ) أي انقاد واخلص عمله ( لله وهو محسن ) موحد ( واتبع ملة إبراهيم ) الموافقة لملة الإسلام ( حنيفا ) حال أي مائلا عن الأديان كلها إلى الدين القيم ( واتخذ الله إبراهيم خليلا ) صفيا خالص المحبة له
126. ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ) ملكا وخلقا وعبيدا ( وكان الله بكل شيء محيطا ) علما وقدرة أي لم يزل متصفا بذلك
127. ( ويستفتونك ) يطلبون منك الفتوى ( في ) شأن ( النساء ) وميراثهن ( قل ) لهم ( الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب ) القرآن من آية الميراث ويفتيكم أيضا ( في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب ) فرض ( لهن ) من الميراث ( وترغبون ) أيها الأولياءعن ( أن تنكحوهن ) لدمامتهن وتعضلوهن أن يتزوجن طمعا في ميراثهن أي يفتيكم أن لا تفعلوا ذلك وفي ( والمستضعفين ) الصغار ( من الولدان ) أن تعطوهم حقوقهم ويأمركم ( وأن تقوموا لليتامى بالقسط ) بالعدل في الميراث والمهر ( وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما ) فيجازيكم به
128. ( وإن امرأة ) مرفوع بفعل يفسره ( خافت ) توقعت ( من بعلها ) زوجها ( نشوزا ) ترفعا عنها بترك مضاجعتها والتقصير في نفقتها لبغضها وطموح عينه إلى أجمل منها ( أو إعراضا ) عنها بوجهه ( فلا جناح عليهما أن يصَّالحا ) فيه إدغام التاء في الأصل في الصاد وفي قراءة { يُصلِحا } من أصلح ( بينهما صلحا ) في القسم والنفقة بأن تترك له شيئا طلبا لبقاء الصحبة فإن رضيت بذلك وإلا فعلى الزوج أن يوفيها حقها أو يفارقها ( والصلح خير ) من الفرقة والنشوز والإعراض قال تعالى في بيان ما جبل عليه الإنسان ( وأحضرت الأنفس الشح ) شدة البخل أي جبلت عليه فكأنها حاضرته لا تغيب عنه ، المعنى أن المرأة لا تكاد تسمح بنصيبها من زوجها والرجل لا يكاد يسمح عليها بنفسه إذا أحب غيرها ( وإن تحسنوا ) عشرة النساء ( وتتقوا ) الجور عليهن ( فإن الله كان بما تعملون خبيرا ) فيجازيكم به
129. ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا ) تسووا ( بين النساء ) في المحبة ( ولو حرصتم ) على ذلك ( فلا تميلوا كل الميل ) إلى التي تحبونها في القسم والنفقة ( فتذروها ) أي تتركوا الممال عنها ( كالمعلقة ) التي لا هي أيم ولا هي ذات بعل ( وإن تصلحوا ) بالعدل بالقسم ( وتتقوا ) الجور ( فإن الله كان غفورا ) لما في قلبكم من الميل ( رحيما ) بكم في ذلك
130. ( وإن يتفرقا ) أي الزوجان بالطلاق ( يغن الله كلا ) عن صاحبه ( من سعته ) أي فضله بأن يرزقها زوجا غيره ويرزقه غيرها ( وكان الله واسعا ) لخلقه في الفضل ( حكيما ) فيما دبر لهم
131. ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب ) بمعنى الكتب ( من قبلكم ) أي اليهود والنصارى ( وإياكم ) يا أهل القرآن ( أن ) أي بأن ( اتقوا الله ) خافوا عقابه بأن تطيعوه ( و ) قلنا لهم ولكم ( إن تكفروا ) بما وصيتم به ( فإن لله ما في السماوات وما في الأرض ) خلقا وملكا وعبيدا فلا يضره كفركم ( وكان الله غنيا ) عن خلقه وعبادتهم ( حميدا ) في صنعه بهم
132. ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ) كرره تأكيدا لتقرير موجب التقوى ( وكفى بالله وكيلا ) شهيدا بأن ما فيهما له
133. ( إن يشأ يذهبكم ) يا ( أيها الناس ويأت بآخرين ) بدلكم ( وكان الله على ذلك قديرا )
134. ( من كان يريد ) بعمله ( ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة ) لمن أراده لا عند غيره فلم يطلب أحدكم الأخس وهلا طلب الأعلى باخلاص له حيث كان مطلبه لا يوجد إلا عنده ( وكان الله سميعا بصيرا )
135. ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين ) قائمين ( بالقسط ) بالعدل ( شهداء ) بالحق ( لله ولو ) كانت الشهادة ( على أنفسكم ) فاشهدوا عليها بأن تقروا بالحق ولا تكتموه ( أو ) على ( الوالدين والأقربين إن يكن ) المشهود عليه ( غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما ) منكم وأعلم بمصالحهما ( فلا تتبعوا الهوى ) في شهادتكم بأن تحابوا الغني لرضاه أو الفقير رحمة له ( أن ) لا ( تعدلوا ) تميلوا عن الحق ( وإن تلووا ) تحرفوا الشهادة ، وفي قراءة { تلُوا } بحذف الواو الأولى تخفيفا ( أو تعرضوا ) عن أدائها ( فإن الله كان بما تعملون خبيرا ) فيجازيكم به
136. ( يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا ) داوموا على الإيمان ( بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله ) محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن ( والكتاب الذي أنزل من قبل ) على الرسل بمعنى الكتب ، وفي قراءة بالبناء للفاعل في الفعلين ( ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا ) عن الحق
137. ( إن الذين آمنوا ) بموسى وهم اليهود ( ثم كفروا ) بعبادتهم العجل ( ثم آمنوا ) بعده ( ثم كفروا ) بعيسى ( ثم ازدادوا كفرا ) بمحمد ( لم يكن الله ليغفر لهم ) ما أقاموا عليه ( ولا ليهديهم سبيلا ) طريقا إلى الحق
138. ( بشر ) أخبر يا محمد ( المنافقين بأن لهم عذابا أليما ) مؤلما هو عذاب النار
139. ( الذين ) بدل أو نعت المنافقين ( يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ) لما يتوهمون فيهم من القوة ( أيبتغون ) يطلبون ( عندهم العزة ) استفهام إنكار ، أي لا يجدون عندهم ( فإن العزة لله جميعا ) في الدنيا والآخرة ولا ينالها إلا أولياؤه
140. ( وقد نَزَّل ) بالبناء للفاعل والمفعول ( عليكم في الكتاب ) القرآن في سورة الأنعام ( أن ) مخففة واسمها محذوف أي أنه ( إذا سمعتم آيات الله ) القرآن ( يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم ) أي الكافرين والمستهزئين ( حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا ) إن قعدتم معهم ( مثلهم ) في الإثم ( إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا ) كما اجتمعوا في الدنيا على الكفر والاستهزاء
141. ( الذين ) بدل من الذين قبله ( يتربصون ) ينتظرون ( بكم ) الدوائر ( فإن كان لكم فتح ) ظفر وغنيمة ( من الله قالوا ) لكم ( ألم نكن معكم ) في الدين والجهاد فأعطونا من الغنيمة ( وإن كان للكافرين نصيب ) من الظفر عليكم ( قالوا ) لهم ( ألم نستحوذ ) نستول ( عليكم ) ونقدر على أخذكم وقتلكم فأبقينا عليكم ( و ) ألم ( نمنعكم من المؤمنين ) أن يظفروا بكم بتخذيلهم ومراسلتكم بأخبارهم فلنا عليكم المنة ، قال تعالى ( فالله يحكم بينكم ) وبينهم ( يوم القيامة ) بأن يدخلكم الجنة ويدخلهم النار ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) طريقا بالاستئصال
142. ( إن المنافقين يخادعون الله ) بإظهار خلاف ما أبطنوه من الكفر فيدفعوا عنهم أحكامه الدنيوية ( وهو خادعهم ) مجازيهم على خداعهم فيفتضحون في الدنيا بإطلاع الله نبيه على ما أبطنوه ويعاقبون في الآخرة ( وإذا قاموا إلى الصلاة ) مع المؤمنين ( قاموا كسالى ) متثاقلين ( يراؤون الناس ) بصلاتهم ( ولا يذكرون الله ) يصلون ( إلا قليلا ) رياء
143. ( مذبذبين ) مترددين ( بين ذلك ) الكفر والإيمان ( لا ) منسوبين ( إلى هؤلاء ) أي الكفار ( ولا إلى هؤلاء ) أي المؤمنين ( ومن يضللـ ) ـه ( الله فلن تجد له سبيلا ) طريقا إلى الهدى
144. ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم ) بموالاتهم ( سلطانا مبينا ) برهاناً بيناً على نفاقكم
145. ( إن المنافقين في الدرك ) المكان ( الأسفل من النار ) وهو قعرها ( ولن تجد لهم نصيرا ) مانعا من العذاب
146. ( إلا الذين تابوا ) من النفاق ( وأصلحوا ) عملهم ( واعتصموا ) وثقوا ( بالله وأخلصوا دينهم لله ) من الرياء ( فأولئك مع المؤمنين ) فيما يؤتونه ( وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما ) في الآخرة وهو الجنة
147. ( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم ) نعمه ( وآمنتم ) به والاستفهام بمعنى النفي أي لا يعذبكم ( وكان الله شاكرا ) لأعمال المؤمنين بالإثابة ( عليما ) بخلقه
148. ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول ) من أحد أي يعاقبه عليه ( إلا من ظلم ) فلا يؤاخذه بالجهر به بأن يخبر عن ظلم ظالمه ويدعو عليه ( وكان الله سميعا ) لما يقال ( عليما ) بما يفعل
149. ( إن تبدوا ) تظهروا ( خيرا ) من أعمال البر ( أو تخفوه ) تعملون سرا ( أو تعفوا عن سوء ) ظلم ( فإن الله كان عفوا قديرا )
150. ( إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ) بأن يؤمنوا به دونهم ( ويقولون نؤمن ببعض ) من الرسل ( ونكفر ببعض ) منهم ( ويريدون أن يتخذوا بين ذلك ) الكفر والإيمان ( سبيلا ) طريقا يذهبون إليه
151. ( أولئك هم الكافرون حقا ) مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله ( وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ) ذا إهانة وهو عذاب النار
152. ( والذين آمنوا بالله ورسله ) كلهم ( ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم ) بالياء والنون ( أجورهم ) ثواب أعمالهم ( وكان الله غفورا ) لأوليائه ( رحيما ) بأهل طاعته
153. ( يسألك ) يا محمد ( أهل الكتاب ) اليهود ( أن تنزل عليهم كتابا من السماء ) جملة كما أنزل على موسى تعنتا فإن استكبرت ذلك ( فقد سألوا ) أي آبائهم ( موسى أكبر ) أعظم ( من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة ) عيانا ( فأخذتهم الصاعقة ) الموت عقابا لهم ( بظلمهم ) حيث تعنتوا في السؤال ( ثم اتخذوا العجل ) إلها ( من بعد ما جاءتهم البينات ) المعجزات على وحدانية الله ( فعفونا عن ذلك ) ولم نستأصلهم ( وآتينا موسى سلطانا مبينا ) تسلطا بينا ظاهرا عليهم حيث أمرهم بقتل أنفسهم توبة فأطاعوه
154. ( ورفعنا فوقهم الطور ) الجبل ( بميثاقهم ) بسبب أخذ الميثاق عليهم ليخافوا فقبلوه ( وقلنا لهم ) وهو مظِلٌّ عليهم ( ادخلوا الباب ) باب القرية ( سجدا ) سجود انحناء ( وقلنا لهم لا تعْدُوا ) وفي قراءة بفتح العين وتشديد الدال وفيه إدغام التاء في الأصل في الدال { تعَدّوا } أي لا تتعدوا ( في السبت ) باصطياد الحيتان فيه ( وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً ) على ذلك فنقضوه
155. ( فبما نقضهم ) ما زائدة والباء للسببية متعلقة بمحذوف ، أي لعناهم بسبب نقضهم ( ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم ) للنبي صلى الله عليه وسلم ( قلوبنا غلف ) لا تعي كلامك ( بل طبع ) ختم ( الله عليها بكفرهم ) فلا تعي وعظا ( فلا يؤمنون إلا قليلا ) منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه
156. ( وبكفرهم ) ثانيا بعيسى وكرر الباء للفصل بينه وبين ما عطف عليه ( وقولهم على مريم بهتانا عظيما ) حيث رموها بالزنا
157. ( وقولهم ) مفتخرين ( إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ) في زعمهم ، أي بمجموع ذلك عذبناهم قال تعالى تكذيبا لهم في قتله ( وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ) المقتول والمصلوب وهو صاحبهم بعيسى ، أي ألقى الله عليه شبهه فظنوه إياه ( وإن الذين اختلفوا فيه ) أي في عيسى ( لفي شك منه ) من قتله حيث قال بعضهم لما رأوا المقتول الوجه وجه عيسى والجسد ليس بجسده فليس به وقال آخرون بل هو هو ( ما لهم به ) بقتله ( من علم إلا اتباع الظن ) استثناء منقطع ، أي لكن يتبعون فيه الظن الذي تخيلوه ( وما قتلوه يقينا ) حال مؤكدة لنفي القتل
158. ( بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا ) في ملكه ( حكيما ) في صنعه
159. ( وإن ) ما ( من أهل الكتاب ) أحد ( إلا ليؤمنن به ) بعيسى ( قبل موته ) أي الكتابي حين يعاين ملائكة الموت فلا ينفعه إيمانه أو قبل موت عيسى لما ينزل قرب الساعة كما ورد في حديث ( ويوم القيامة يكون ) عيسى ( عليهم شهيدا ) بما فعلوه لما بعث إليهم
160. ( فبظلم ) أي فبسبب ظلم ( من الذين هادوا ) هم اليهود ( حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ) هي التي في قوله تعالى: { حرمنا كل ذي ظفر } الآية ( وبصدهم ) الناس ( عن سبيل الله ) دينه صدا ( كثيرا )
161. ( وأخذهم الربا وقد نهوا عنه ) في التوراة ( وأكلهم أموال الناس بالباطل ) بالرشا في الحكم ( وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما ) مؤلما
162. ( لكن الراسخون ) الثابتون ( في العلم منهم ) كعبد الله بن سلام ( والمؤمنون ) المهاجرون والأنصار ( يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ) من الكتب ( والمقيمين الصلاة ) نصب على المدح وقرئ بالرفع ( والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم ) بالنون والياء ( أجرا عظيما ) هو الجنة
163. ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ) وكما ( وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ) ابنيه ( ويعقوب ) ابن إسحاق ( والأسباط ) أولاده ( وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا ) أباه ( داود زَبورا ) بالفتح اسم للكتاب المؤتى ، وبالضم مصدر بمعنى مزبورا أي مكتوبا
164. وأرسلنا ( ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك ) روي أنه تعالى بعث ثمانية آلاف نبي أربعة آلاف من إسرائيل وأربعة آلاف من سائر الناس قاله الشيخ في سورة غافر ( وكلم الله موسى ) بلا واسطة ( تكليما )
165. ( رسلا ) بدل من رسلا قبله ( مبشرين ) بالثواب من آمن ( ومنذرين ) بالعقاب من كفر أرسلناهم ( لئلا يكون للناس على الله حجة ) تقال ( بعد ) إرسال ( الرسل ) إليهم فيقولوا: { ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين } فبعثناهم لقطع عذرهم ( وكان الله عزيزا ) في ملكه ( حكيما ) في صنعه
166. ونزل لما سئل اليهود عن نبوته صلى الله عليه وسلم فأنكروه ( لكن الله يشهد ) يبين نبوتك ( بما أنزل إليك ) من القرآن المعجز ( أنزله ) ملتبسا ( بعلمه ) أي عالما به أو وفيه علمه ( والملائكة يشهدون ) لك أيضا ( وكفى بالله شهيدا ) على ذلك
167. ( إن الذين كفروا ) بالله ( وصدوا ) الناس ( عن سبيل الله ) دين الإسلام بكتمهم نعت محمد صلى الله عليه وسلم وهم اليهود ( قد ضلوا ضلالا بعيدا ) عن الحق
168. ( إن الذين كفروا ) بالله ( وظلموا ) نبيه بكتمان نعته ( لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا ) من الطرق
169. ( إلا طريق جهنم ) أي الطريق المؤدي إليها ( خالدين ) مقدرين الخلود ( فيها ) إذا دخلوها ( أبدا وكان ذلك على الله يسيرا ) هنيا
170. ( يا أيها الناس ) أي أهل مكة ( قد جاءكم الرسول ) محمد صلى الله عليه وسلم ( بالحق من ربكم فآمنوا ) به واقصدوا ( خيرا لكم ) مما أنتم فيه ( وإن تكفروا ) به ( فإن لله ما في السماوات والأرض ) ملكا وخلقا وعبيدا فلا يضره كفركم ( وكان الله عليما ) بخلقه ( حكيما ) في صنعه بهم
171. ( يا أهل الكتاب ) الإنجيل ( لا تغلوا ) تتجاوزوا الحد ( في دينكم ولا تقولوا على الله إلا ) القول ( الحق ) من تنزيهه عن الشريك والولد ( إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها ) أوصلها الله ( إلى مريم وروحٍ ) أي ذو روح ( منه ) أضيف إليه تعالى تشريفا له وليس كما زعمتم ابن الله أو إلها معه أو ثالث ثلاثة لأن ذا الروح مركب والإله منزه عن التركيب وعن نسبة المركب إليه ( فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ) الآلهة ( ثلاثة ) الله وعيسى وأمه ( انتهوا ) عن ذلك وأتوا ( خيرا لكم ) منه وهو التوحيد ( إنما الله إله واحد سبحانه ) تنزيها له عن ( أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض ) خلقا وملكا وعبيدا والملكية تنافي النبوة ( وكفى بالله وكيلا ) شهيدا على ذلك
172. ( لن يستنكف ) يتكبر ويأنف ( المسيح ) الذي زعمتم أنه إله عن ( أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ) عند الله لا يستنكفون أن يكونوا عبيدا وهذا من أحسن الاستطراد ذكر للرد على من زعم أنها آلهة أو بنات الله كما رد بما قبله على النصارى الزاعمين ذلك المقصود خطابهم ( ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا ) في الآخرة
173. ( فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ) ثواب أعمالهم ( ويزيدهم من فضله ) ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ( وأما الذين استنكفوا واستكبروا ) عن عبادته ( فيعذبهم عذابا أليما ) مؤلما هو عذاب النار ( ولا يجدون لهم من دون الله ) أي غيره ( وليا ) يدفعه عنهم ( ولا نصيرا ) يمنعهم منه
174. ( يا أيها الناس قد جاءكم برهان ) حجة ( من ربكم ) عليكم وهو النبي صلى الله عليه وسلم ( وأنزلنا إليكم نورا مبينا ) بينا وهو القرآن
175. ( فأما الذين آمنوا ) بالقرآن ( بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا ) طريقا ( مستقيما ) هو دين الإسلام
176. ( يستفتونك ) في الكلالة ( قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ ) مرفوع بفعل يفسره ( هلك ) مات ( ليس له ولد ) أي ولا والد وهو الكلالة ( وله أخت ) من أبوين أو أب ( فلها نصف ما ترك وهو ) أي الأخ كذلك ( يرثها ) جميع ما تركت ( إن لم يكن لها ولد ) فإن كان لها ولد ذكر فلا شيء له أو أنثى فله ما فضل من نصيبها ولو كانت الأخت أو الأخ من أم ففرضه السدس كما تقدم أول السورة ( فإن كانتا ) أي الأختان ( اثنتين ) أي فصاعدا لأنها نزلت في جابر وقد مات عن أخوات ( فلهما الثلثان مما ترك ) الأخ ( وإن كانوا ) أي الورثة ( إخوة رجالا ونساء فللذكر ) منهم ( مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم ) شرائع دينكم لـ ( أن ) لا ( تضلوا والله بكل شيء عليم ) ومنه الميراث ، روى الشيخان عن البراء أنها آخر آية نزلت أي من الفرائض
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
5. سورة المائدة [ مدنية وآياتها 120 أو 122 أو 123 آية نزلت بعد الفتح ]
1. ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) العهود المؤكدة التي بينكم وبين الله والناس ( أحلت لكم بهيمة الأنعام ) الإبل والبقر والغنم أكلاً بعد الذبح ( إلا ما يتلى عليكم ) تحريمه في { حرمت عليكم الميتة } الآية ، فالاستثناء منقطع ويجوز أن يكون متصلاً والتحريم لما عرض من الموت ونحوه ( غير محلي الصيد وأنتم حرم ) أي مُحرِمون ونصب غير على الحال من ضمير لكم ( إن الله يحكم ما يريد ) من التحليل وغيره لا اعتراض عليه
2. ( يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ) جمع شعيرة ، أي معالم دينه بالصيد في الإحرام ( ولا الشهر الحرام ) بالقتال فيه ( ولا الهدي ) ما أهدي إلى الحرم من النعم بالتعرض له ( ولا القلائد ) جمع قلادة وهي ما كان يقلد به من شجر الحرم ليأمن أي فلا تتعرضوا لها ولا لأصحابها ( ولا ) تحلوا ( آمين ) قاصدين ( البيت الحرام ) بأن تقاتلوهم ( يبتغون فضلا ) رزقا ( من ربهم ) بالتجارة ( ورضوانا ) منه بقصده بزعمهم الفاسد ، وهذا منسوخ بآية براءة ( وإذا حللتم ) من الإحرام ( فاصطادوا ) أمر إباحة ( ولا يجرمنكم ) يكسبنكم ( شنآن ) بفتح النون وسكونها ، بغض ( قوم ) لأجل ( أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا ) عليهم بالقتل وغيره ( وتعاونوا على البر ) بفعل ما أُمرتم به ( والتقوى ) بترك ما نهيتم عنه ( ولا تعاونوا ) فيه حذف إحدى التاءين في الأصل ( على الإثم ) المعاصي ( والعدوان ) التعدي في حدود الله ( واتقوا الله ) خافوا عقابه بأن تطيعوه ( إن الله شديد العقاب ) لمن خالفه
3. ( حرمت عليكم الميتة ) أي أكلها ( والدم ) أي المسفوح كما في الأنعام ( ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ) بأن ذبح على اسم غيره ( والمنخنقة ) الميتة خنقاً ( والموقوذة ) المقتولة ضرباً ( والمتردية ) الساقطة من علو إلى أسفل فماتت ( والنطيحة ) المقتولة بنطح أخرى لها ( وما أكل السبع ) منه ( إلا ما ذكيتم ) أي أدركتم فيه الروح من هذه الأشياء فذبحتموه ( وما ذبح على ) اسم ( النصب ) جمع نصاب وهي الأصنام ( وأن تستقسموا ) تطلبوا القسم والحكم ( بالأزلام ) جمع زَلَم بفتح الزاي وضمها مع فتح اللام ، قِدح بكسر القاف صغير لا ريش له ولا نصل وكانت سبعة عند سادن الكعبة عليها أعلام وكانوا يحكمونها فإن أمرتهم ائتمروا وإن نهتهم انتهوا ( ذلكم فسق ) خروج عن الطاعة ، ونزل يوم عرفة عام حجة الوداع: ( اليوم يئس الذين كفروا من دينكم ) أن ترتدوا عنه بعد طمعهم في ذلك لما رأوا من قوته ( فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم ) أحكامه وفرائضه فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام ( وأتممت عليكم نعمتي ) بإكماله وقيل بدخول مكة آمنين ( ورضيت ) أي اخترت ( لكم الإسلام ديناً فمن اضطر في مخمصة ) مجاعة إلى أي أكل شيء مما حرم عليه فأكله ( غير متجانف ) مائل ( لإثم ) معصية ( فإن الله غفور ) له ما أكل ( رحيم ) به في إباحته بخلاف المائل لإثم أي المتلبس به كقاطع الطريق والباغي مثلا فلا يحل له الأكل
4. ( يسألونك ) يا محمد ( ماذا أحل لهم ) من الطعام ( قل أحل لكم الطيبات ) المستلذات ( و ) صيد ( ما علمتم من الجوارح ) الكواسب من الكلاب والسباع والطير ( مكلِّبين ) حال من كلَّبْتُ الكلب بالتشديد أي أرسلته على الصيد ( تعلمونهن ) حال من ضمير مكلبين أي تؤدبونهن ( مما علمكم الله ) من آداب الصيد ( فكلوا مما أمسكن عليكم ) وإن قتلنه إن لم يأكلن منه بخلاف غير المعلمة فلا يحل صيدها وعلامتها أن تسترسل إذا أرسلت وتنزجر إذا زجرت وتمسك الصيد ولا تأكل منه وأقل ما يعرف به ثلاث مرات فإن أكلت منه فليس مما أمسكن على صاحبهن فلا يحل أكله كما في حديث الصحيحين وفيه أن صيد السهم إذا أرسل وذكر اسم الله عليه كصيد المعلم من الجوارح ( واذكروا اسم الله عليه ) عند إرساله ( واتقوا الله إن الله سريع الحساب )
5. ( اليوم أحل لكم الطيبات ) المستلذات ( وطعام الذين أوتوا الكتاب ) أي ذبائح اليهود والنصارى ( حل ) حلال ( لكم وطعامكم ) إياهم ( حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات ) الحرائر ( من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) حل لكم أن تنكحوهن ( إذا آتيتموهن أجورهن ) مهورهن ( محصنين ) متزوجين ( غير مسافحين ) معلنين بالزنا بهن ( ولا متخذي أخدان ) منهن تسرون بالزنا بهن ( ومن يكفر بالإيمان ) أي يرتد ( فقد حبط عمله ) الصالح قبل ذلك فلا يعتد به ولا يثاب عليه ( وهو في الآخرة من الخاسرين ) إذا مات عليه
6. ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم ) أي أردتم القيام ( إلى الصلاة ) وأنتم محدثون ( فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ) أي معها كما بينته السنة ( وامسحوا برؤوسكم ) الباء للإلصاق أي ألصقوا المسح بها من غير إسالة ماء وهو اسم جنس فيكفي أقل ما يصدق عليه وهو مسح بعض الشعر وعليه الشافعي ( وأرجلكم ) بالنصب عطفا على أيديكم وبالجر على الجوار ( إلى الكعبين ) أي معهما كما بينته السنة وهما العظمان الناتئان في كل رجل عند مفصل الساق والقدم والفصل بين الأيدي والأرجل المغسولة بالرأس الممسوح يفيد وجوب الترتيب في طهارة هذه الأعضاء وعليه الشافعي ويؤخذ من السنة وجوب النية فيه كغيره من العبادات ( وإن كنتم جنبا فاطَّهَرُوا ) فاغتسلوا ( وإن كنتم مرضى ) مرضاً يضره الماء ( أو على سفر ) أي مسافرين ( أو جاء أحد منكم من الغائط ) أي أحدث ( أو لامستم النساء ) سبق مثله في آية النساء ( فلم تجدوا ماء ) بعد طلبه ( فتيمموا ) اقصدوا ( صعيدا طيبا ) ترابا طاهرا ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ) مع المرفقين ( منه ) بضربتين والباء للإلصاق ، وبينت السنة أن المراد استيعاب العضوين بالمسح ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ) ضيق بما فرض عليكم من الوضوء والغسل والتيمم ( ولكن يريد ليطهركم ) من الأحداث والذنوب ( وليتم نعمته عليكم ) بالإسلام ببيان شرائع الدين ( لعلكم تشكرون ) نعمه
7. ( واذكروا نعمة الله عليكم ) بالإسلام ( وميثاقه ) عهده ( الذي واثقكم به ) عاهدكم عليه ( إذ قلتم ) للنبي صلى الله عليه وسلم حين بايعتموه ( سمعنا وأطعنا ) في كل ما تأمر به وتنهى مما نحب ونكره ( واتقوا الله ) في ميثاقه أن تنقضوه ( إن الله عليم بذات الصدور ) بما في القلوب فبغيرها أولى
8. ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين ) قائمين ( لله ) بحقوقه ( شهداء بالقسط ) بالعدل ( ولا يجرمنكم ) يحملنكم ( شنآن ) بغض ( قوم ) أي الكفار ( على ألا تعدلوا ) فتنالوا منهم لعداوتهم ( اعدلوا ) في العدو والولي ( هو ) أي العدل ( أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) فيجازيكم به
9. ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) وعداً حسناً ( لهم مغفرة وأجر عظيم ) هو الجنة
10. ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم )
11. ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ همَّ قوم ) هم قريش ( أن يبسطوا ) يمدوا ( إليكم أيديهم ) ليفتكوا بكم ( فكف أيديهم عنكم ) وعصمكم مما أرادوا بكم ( واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون )
12. ( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل ) بما يذكر بعد ( وبعثنا ) فيه التفات عن الغيبة أقمنا ( منهم اثني عشر نقيباً ) من كل سبط نقيب يكون كفيلا على قومه بالوفاء بالعهد توثقة عليهم ( وقال ) لهم ( الله إني معكم ) بالعون والنصرة ( لئن ) لام قسم ( أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزَّرْتموهم ) نصرتموهم ( وأقرضتم الله قرضاً حسناً ) بالإنفاق في سبيله ( لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك ) الميثاق ( منكم فقد ضلَّ سواء السبيل ) أخطأ طريق الحق والسواء في الأصل الوسط
13. فنقضوا الميثاق قال تعالى: ( فبما نقضهم ) ما زائدة ( ميثاقهم لعناهم ) أبعدناهم عن رحمتنا ( وجعلنا قلوبهم قاسية ) لا تلين لقبول الإيمان ( يحرفون الكلم ) الذي في التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وغيره ( عن مواضعه ) التي وضعه الله عليها أي يبدلونه ( ونسوا ) تركوا ( حظا ) نصيبا ( مما ذكروا ) أمروا ( به ) في التوراة من اتباع محمد ( ولا تزال ) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ( تطلع ) تظهر ( على خائنة ) أي خيانة ( منهم ) بنقض العهد وغيره ( إلا قليلا منهم ) ممن أسلم ( فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين ) وهذا منسوخ بآية السيف
14. ( ومن الذين قالوا إنا نصارى ) متعلق بقوله ( أخذنا ميثاقهم ) كما أخذنا على بني إسرائيل اليهود ( فنسوا حظا مما ذكروا به ) في الإنجيل من الإيمان وغيره ونقضوا الميثاق ( فأغرينا ) أوقعنا ( بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ) بتفرقهم واختلاف أهوائهم فكل فرقة تكفر الأخرى ( وسوف ينبئهم الله ) في الآخرة ( بما كانوا يصنعون ) فيجازيهم عليه
15. ( يا أهل الكتاب ) اليهود والنصارى ( قد جاءكم رسولنا ) محمد ( يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون ) تكتمون ( من الكتاب ) التوراة والإنجيل كآية الرجم وصفته ( ويعفو عن كثير ) من ذلك فلا يبينه إذا لم يكن فيه مصلحة إلا افتضاحكم ( قد جاءكم من الله نور ) هو النبي صلى الله عليه وسلم ( وكتاب ) قرآن ( مبين ) بين ظاهر
16. ( يهدي به ) أي بالكتاب ( الله من اتبع رضوانه ) بأن آمن ( سبل السلام ) طرق السلامة ( ويخرجهم من الظلمات ) الكفر ( إلى النور ) الإيمان ( بإذنه ) بإرادته ( ويهديهم إلى صراط مستقيم ) دين الإسلام
17. ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ) حيث جعلوه إلهاً وهم اليعقوبية فرقة من النصارى ( قل فمن يملك ) أي يدفع ( من ) عذاب ( الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ) أي لا أحد يملك ذلك ولو كان المسيح إلهاً لقدر عليه ( ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء ) شاءه ( قدير )
18. ( وقالت اليهود والنصارى ) أي كل منهما ( نحن أبناء الله ) أي كأبنائه في القرب والمنزلة وهو كأبينا في الرحمة والشفقة ( وأحباؤه قل ) لهم يا محمد ( فلم يعذبكم بذنوبكم ) إن صدقتم في ذلك ولا يعذب الأب ولده ولا الحبيب حبيبه وقد عذبكم فأنتم كاذبون ( بل أنتم بشر ممن ) من جملة من ( خلق ) من البشر لكم ما لهم وعليكم ما عليهم ( يغفر لمن يشاء ) المغفرة له ( ويعذب من يشاء ) تعذيبه لا اعتراض عليه ( ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير ) المرجع
19. ( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا ) محمد ( يبين لكم ) شرائع الدين ( على فترة ) انقطاع ( من الرسل ) اذ لم يكن بينه وبين عيسى رسول ومدة ذلك خمسماية وتسع وستون سنة لـ ( أن ) لا ( تقولوا ) إذا عذبتم ( ما جاءنا من ) زائدة ( بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير ) فلا عذر لكم إذا ( والله على كل شيء قدير ) ومنه تعذيبكم إن لم تتبعوه
20. ( و ) اذكر ( إذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم ) أي منكم ( أنبياء وجعلكم ملوكا ) أصحاب خدم وحشم ( وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) من المن والسلوى وفلق البحر وغير ذلك
21. ( يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة ) المطهرة ( التي كتب الله لكم ) أمركم بدخولها وهي الشام ( ولا ترتدوا على أدباركم ) تنهزموا خوف العدو ( فتنقلبوا خاسرين ) في سعيكم
22. ( قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين ) من بقايا عاد طوالاً ذي قوة ( وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ) لها
23. ( قال ) لهم ( رجلان من الذين يخافون ) مخالفة أمر الله وهما يوشع وكالب من النقباء الذين بعثهم موسى في كشف أحوال الجبابرة ( أنعم الله عليهما ) بالعصمة فكتما ما اطلعا عليه من حالهم إلا عن موسى بخلاف بقية النقباء فأفشوه فجبنوا ( ادخلوا عليهم الباب ) باب القرية ولا تخشوهم فإنهم أجساد بلا قلوب ( فإذا دخلتموه فإنكم غالبون ) قالا ذلك تيقناً بنصر الله وإنجاز وعده ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين )
24. ( قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا ) هم ( إنا هاهنا قاعدون قال ) عن القتال
25. ( قال ) موسى حينئذ ( رب إني لا أملك إلا نفسي و ) إلا ( أخي ) ولا أملك غيرهما فأجبرهم على الطاعة ( فافرق ) فافصل ( بيننا وبين القوم الفاسقين )
26. ( قال ) تعالى له ( فإنها ) أي الأرض المقدسة ( محرمة عليهم ) أن يدخلوها ( أربعين سنة يتيهون ) يتحيرون ( في الأرض ) وهي تسعة فراسخ قاله ابن عباس ( فلا تأسَ ) تحزن ( على القوم الفاسقين ) روي أنهم كانوا يسيرون جادين فاذا أصبحوا إذا هم في الموضع الذي ابتدؤوا منه ويسيرون النهار كذلك حتى انقرضوا كلهم إلا من لم يبلغ العشرين ، قيل وكانوا ستمائة ألف ومات هارون وموسى في التيه وكان لهما رحمة وعذابا لأولئك وسأل موسى ربه عند موته أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر فأدناه كما في الحديث ونبئ يوشع بعد الأربعين وأمر بقتال الجبارين فسار بمن بقي معه وقاتلهم وكان يوم الجمعة ووقفت له الشمس ساعة حتى فرغ من قتالهم ، وروى أحمد في مسنده حديث « إن الشمس لم تحبس على بشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس »
27. ( واتل ) يا محمد ( عليهم ) على قومك ( نبأ ) خبر ( ابني آدم ) هابيل وقابيل ( بالحق ) متعلق بـ اتل ( إذ قربا قربانا ) إلى الله وهو كبش لهابيل وزرع لقابيل ( فتقبل من أحدهما ) وهو هابيل بأن نزلت نار من السماء فأكلت قربانه ( ولم يتقبل من الآخر ) وهو قابيل فغضب وأضمر الحسد في نفسه إلى أن حج آدم ( قال ) له ( لأقتلنك ) قال: لم ؟ قال: لتقبل قربانك دوني ( قال إنما يتقبل الله من المتقين )
28. ( لئن ) لام القسم ( بسطت ) مددت ( إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يَدِيَ إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين ) في قتلك
29. ( إني أريد أن تبوء ) ترجع ( بإثمي ) بإثم قتلي ( وإثمك ) الذي ارتكبته من قبل ( فتكون من أصحاب النار ) ولا أريد أن أبوء بإثمك إذا قتلتك فأكون منهم ، قال تعالى ( وذلك جزاء الظالمين )
30. ( فطوعت ) زينت ( له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح ) فصار ( من الخاسرين ) بقتله ولم يدر ما يصنع به لأنه أول ميت على وجه الأرض من بني آدم فحمله على ظهره
31. ( فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ) ينبش التراب بمنقاره وبرجليه ويثيره على غراب ميت حتى واراه ( ليريه كيف يواري ) يستر ( سوأة ) جيفة ( أخيه قال يا ويلتى أعجزت ) عن ( أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين ) على حمله وحفر له وواراه
32. ( من أجل ذلك ) الذي فعله قابيل ( كتبنا على بني إسرائيل أنه ) أي الشأن ( من قتل نفسا بغير نفس ) قتلها ( أو ) بغير ( فساد ) أتاه ( في الأرض ) من كفر أو زنا أو قطع طريق أو نحوه ( فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها ) بأن امتنع عن قتلها ( فكأنما أحيا الناس جميعا ) قال ابن عباس: مِنْ حيثُ انتهاكِ حرمتها وصونها ( ولقد جاءتهم ) أي بني إسرائيل ( رسلنا بالبينات ) المعجزات ( ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون ) مجاوزون الحد بالكفر والقتل وغير ذلك
33. ونزل في العُرَنِيِّين لما قدموا المدينة وهم مرضى فأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى الإبل ويشربوا من أبوالها وألبانها فلما صحُوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا الإبل ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ) بمحاربة المسلمين ( ويسعون في الأرض فسادا ) بقطع الطرق ( أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ) أي أيديهم اليمنى وأرجلهم اليسرى ( أو ينفوا من الأرض ) أو لترتيب الأحوال فالقتل لمن قتل فقط والصلب لمن قتل وأخذ المال والقطع لمن أخذ المال ولم يقتل والنفي لمن أخاف فقط قاله ابن عباس وعليه الشافعي وأصح قوليه أن الصلب ثلاثا بعد القتل وقيل قبله قليلا ويلحق بالنفي ما أشبهه في التنكيل من الحبس وغيره ( ذلك ) الجزاء المذكور ( لهم خزي ) ذل ( في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) هو عذاب النار
34. ( إلا الذين تابوا ) من المحاربين والقطاع ( من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور ) لهم ما أتوه ( رحيم ) بهم عبر بذلك دون فلا تحدوهم ليفيد أنه لا يسقط عنه بتوبته إلا حدود الله دون حقوق الآدميين كذا ظهر لي ولم أر من تعرض له والله أعلم فاذا قتل وأخذ المال يقتل ويقطع ولا يصلب وهو أصح قولي الشافعي ولا تفيد توبته بعد القدرة عليه شيئا وهو أصح قوليه أيضا
35. ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ) خافوا عقابه بأن تطيعوه ( وابتغوا ) اطلبوا ( إليه الوسيلة ) ما يقربكم إليه من طاعته ( وجاهدوا في سبيله ) لإعلاء دينه ( لعلكم تفلحون ) تفوزون
36. ( إن الذين كفروا لو ) ثبت ( أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم )
37. ( يريدون ) يتمنون ( أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم ) دائم
38. ( والسارق والسارقة ) أل فيهما موصولة مبتدأ ولشبهه بالشرط دخلت الفاء في خبره وهو ( فاقطعوا أيديَهما ) أي يمين كل منهما من الكوع وبينت السنة أن الذي يقطع فيه ربع دينار فصاعدا وأنه إذا عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم ثم اليد اليسرى ثم الرجل اليمنى وبعد ذلك يعزر ( جزاء ) نصب على المصدر ( بما كسبا نكالا ) عقوبة لهما ( من الله والله عزيز ) غالب على أمره ( حكيم ) في خلقه
39. ( فمن تاب من بعد ظلمه ) رجع عن السرقة ( وأصلح ) عمله ( فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ) في التعبير بهذا ما تقدم فلا يسقط بتوبته حق الآدمي من القطع ورد المال ، نعم بينت السنة أنه إن عفا عنه قبل الرفع إلى الأمام سقط القطع وعليه الشافعي
40. ( ألم تعلم ) الاستفهام فيه للتقرير ( أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ) تعذيبه ( ويغفر لمن يشاء ) المغفرة له ( والله على كل شيء قدير ) ومنه التعذيب والمغفرة
41. ( يا أيها الرسول لا يحزنك ) صنع ( الذين يسارعون في الكفر ) يقعون فيه بسرعة أي يظهرونه إذا وجدوا فرصة ( من ) للبيان ( الذين قالوا آمنا بأفواههم ) بألسنتهم متعلق بقالوا ( ولم تؤمن قلوبهم ) وهم المنافقون ( ومن الذين هادوا ) قوم ( سماعون للكذب ) الذي افترته أحبارهم سماع قبول ( سماعون ) منك ( لقوم ) لأجل قوم ( آخرين ) من اليهود ( لم يأتوك ) وهم أهل خيبر زنى فيهم محصنان فكرهوا رجمهما فبعثوا قريظة ليسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن حكمهما ( يحرفون الكلم ) الذي في التوراة كآية الرجم ( من بعد مواضعه ) التي وضعه الله عليها أي يبدلونه ( يقولون ) لمن أرسلوهم ( إن أوتيتم هذا ) الحكم المحرف أي الجلد الذي أفتاكم به محمد ( فخذوه ) فاقبلوه ( وإن لم تؤتوه ) بل أفتاكم بخلافه ( فاحذروا ) أن تقبلوه ( ومن يرد الله فتنته ) إضلاله ( فلن تملك له من الله شيئا ) في دفعها ( أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم ) من الكفر ولو أراده لكان ( لهم في الدنيا خزي ) ذل بالفضيحة والجزية ( ولهم في الآخرة عذاب عظيم )
42. هم ( سماعون للكذب أكالون للسحُت ) بضم الحاء وسكونها أي الحرام كالرشا ( فإن جاؤوك ) لتحكم بينهم ( فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ) هذا التخيير منسوخ بقوله { وأن احكم بينهم } الآية فيجب الحكم بينهم إذا ترافعوا إلينا وهو أصح قولي الشافعي فلو ترافعوا إلينا مع مسلم وجب إجماعا ( وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت ) بينهم ( فاحكم بينهم بالقسط ) بالعدل ( إن الله يحب المقسطين ) العادلين في الحكم أي يثيبهم
43. ( وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ) بالرجم استفهام تعجيب أي لم يقصدوا بذلك معرفة الحق بل ما هو أهون عليهم ( ثم يتولون ) يعرضون عن حكمك بالرجم الموافق لكتابهم ( من بعد ذلك ) التحكيم ( وما أولئك بالمؤمنين )
44. ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ) من الضلالة ( ونور ) بيان للأحكام ( يحكم بها النبيون ) من بني إسرائيل ( الذين أسلموا ) انقادوا الله ( للذين هادوا والربانيون ) العلماء منهم ( والأحبار ) الفقهاء ( بما ) أي بسبب الذي ( استحفظوا ) استودعوه أي استحفظهم الله إياه ( من كتاب الله ) أي يبدلوه ( وكانوا عليه شهداء ) أنه حق ( فلا تخشوا الناس ) أيها اليهود في إظهار ما عندكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم والرجم وغيرها ( واخشونِ ) في كتمانه ( ولا تشتروا ) تستبدلوا ( بآياتي ثمنا قليلا ) من الدنيا تأخذونه على كتمانها ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) به
45. ( وكتبنا ) فرضنا ( عليهم فيها ) أي التوراة ( أن النفس ) تقتل ( بالنفس ) إذا قتلتها ( والعين ) تفقأ ( بالعين والأنف ) يجدع ( بالأنف والأذن ) تقطع ( بالأذن والسن ) تقلع ( بالسن ) وفي قراءة بالرفع في الأربعة ( والجروح ) بالوجهين ( قصاص ) أي يقتص فيها إذا أمكن كاليد والرجل ونحو ذلك وما لا يمكن فيه الحكومة وهذا الحكم وإن كتب عليهم فهو مقرر في شرعنا ( فمن تصدق به ) أي بالقصاص بأن مكن من نفسه ( فهو كفارة له ) لما أتاه ( ومن لم يحكم بما أنزل الله ) في القصاص وغيره ( فأولئك هم الظالمون )
46. ( وقفينا ) أتبعنا ( على آثارهم ) أي النبيين ( بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه ) قبله ( من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ) من الضلالة ( ونور ) بيان للأحكام ( ومصدقا ) حال ( لما بين يديه من التوراة ) لما فيها من الأحكام ( وهدى وموعظة للمتقين )
47. وقلنا ( وليحكمْ أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ) من الأحكام وفي قراءة بنصب يحكم وكسر لامه عطفا على معمول آتيناه ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون )
48. ( وأنزلنا إليك ) يا محمد ( الكتاب ) القرآن ( بالحق ) متعلق بأنزلنا ( مصدقا لما بين يديه ) قبله ( من الكتاب ومهيمنا ) شاهدا ( عليه ) والكتاب بمعنى الكتب ( فاحكم بينهم ) بين أهل الكتاب إذا ترافعوا إليك ( بما أنزل الله ) إليك ( ولا تتبع أهواءهم ) عادلا ( عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم ) أيها الأمم ( شرعة ) شريعة ( ومنهاجا ) طريقا واضحا في الدين يمشون عليه ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ) على شريعة واحدة ( ولكن ) فرقكم فرقا ( ليبلوكم ) ليختبركم ( فيما آتاكم ) من الشرائع المختلفة لينظر المطيع منكم والعاصي ( فاستبقوا الخيرات ) سارعوا إليها ( إلى الله مرجعكم جميعا ) بالبعث ( فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ) من أمر الدين ويجزي كلا منكم بعمله
49. ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم ) لـ ( أن ) لا ( يفتنوك ) يضلوك ( عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا ) عن الحكم المنزل وأرادوا غيره ( فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ) بالعقوبة في الدنيا ( ببعض ذنوبهم ) التي أتوها ومنها التولي ويجازيهم على جميعها في الأخرى ( وإن كثيرا من الناس لفاسقون )
50. ( أفحكم الجاهلية يبغون ) بالياء والتاء يطلبون من المداهنة والميل إذا تولوا ؟ استفهام إنكاري ( ومن ) أي لا أحد ( أحسن من الله حكما لقوم ) عند قوم ( يوقنون ) به خصوا بالذكر لأنهم الذين يتدبرون
51. ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ) توالونهم وتوادونهم ( بعضهم أولياء بعض ) لاتحادهم في الكفر ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) من جملتهم ( إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) بموالاتهم الكفار
52. ( فترى الذين في قلوبهم مرض ) ضعف اعتقاد كعبد الله بن أبي المنافق ( يسارعون فيهم ) في موالاتهم ( يقولون ) معتذرين عنها ( نخشى أن تصيبنا دائرة ) يدور بها الدهر علينا من جدب أو غلبة ولا يتم أمر محمد فلا يميرونا ، قال تعالى ( فعسى الله أن يأتي بالفتح ) بالنصر لنبيه بإظهار دينه ( أو أمر من عنده ) بهتك ستر المنافقين وافتضاحهم ( فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم ) من الشك وموالاة الكفار ( نادمين )
53. ( ويقول ) بالرفع استئنافا بواو ودونها وبالنصب عطفا على يأتي ( الذين آمنوا ) لبعضهم إذا هتك سترهم تعجبا ( أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم ) غاية اجتهادهم فيها ( إنهم لمعكم ) في الدين قال تعالى: ( حبطت ) بطلت ( أعمالهم ) الصالحة ( فأصبحوا ) صاروا ( خاسرين ) الدنيا بالفضيحة والآخرة بالعقاب
54. ( يا أيها الذين آمنوا من يرتدد ) بالفك والإدغام ، يرجع ( منكم عن دينه ) إلى الكفر إخبار بما علم الله وقوعه وقد ارتد جماعة بعد موت النبي صلى الله عليه ( فسوف يأتي الله ) بدلهم ( بقوم يحبهم ويحبونه ) قال صلى الله عليه وسلم: « هم قوم هذا وأشار إلى أبي موسى الأشعري » رواه الحاكم في صحيحه ( أذلة ) عاطفين ( على المؤمنين أعزة ) أشداء ( على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ) فيه كما يخاف المنافقون لوم الكفار ( ذلك ) المذكور من الأوصاف ( فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع ) كثير الفضل ( عليم ) بمن هو أهله
55. ونزل لما قال ابن سلام يا رسول الله إن قومنا هجرونا: ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) خاشعون أو يصلون صلاة التطوع
56. ( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا ) فيعينهم وينصرهم ( فإن حزب الله هم الغالبون ) لنصره إياهم أوقعه موقع فإنهم بياناً لأنهم من حزبه ، أي أتباعه
57. ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ) مهزوءا به ( ولعبا من ) للبيان ( الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار ) المشركين بالجر والنصب ( أولياء واتقوا الله ) بترك موالاتهم ( إن كنتم مؤمنين ) صادقين في إيمانكم
58. ( و ) الذين ( إذا ناديتم ) دعوتم ( إلى الصلاة ) بالأذان ( اتخذوها ) أي الصلاة ( هزوا ولعبا ) بأن يستهزئوا بها ويتضاحكوا ( ذلك ) الاتخاذ ( بأنهم ) أي بسبب أنهم ( قوم لا يعقلون )
59. ونزل لما قال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم: بمن تؤمن من الرسل فقال: { بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل } الآية فلما ذكر عيسى قالوا: لا نعلم ديناً شراً من دينكم ( قل يا أهل الكتاب هل تنقمون ) تنكرون ( منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل ) إلى الأنبياء ( وأن أكثركم فاسقون ) عطف على أن آمنا60. ( قل هل أنبئكم ) أخبركم ( بشر من ) أهل ( ذلك ) الذي تنقمونه ( مثوبةً ) ثوابا بمعنى جزاء ( عند الله ) هو ( من لعنه الله ) أبعده عن رحمته ( وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير ) بالمسخ ( و ) من ( عبَد الطاغوت ) الشيطان بطاعته ، وراعى في منهم معنى من وفيما قبله لفظها وهم اليهود ، وفي قراءة بضم باء عبد وإضافة إلى ما بعده اسم جمع لعبد ونصبه بالعطف على القردة ( أولئك شر مكانا ) تمييز لأن مأواهم النار ( وأضل عن سواء السبيل ) طريق الحق وأصل السواء الوسط وذكر شر وأضل في مقابلة قولهم لا نعلم دينا شراً من دينكم
61. ( وإذا جاؤوكم ) أي منافقو اليهود ( قالوا آمنا وقد دخلوا ) إليكم متلبسين ( بالكفر وهم قد خرجوا ) من عندكم متلبسين ( به ) ولم يؤمنوا ( والله أعلم بما كانوا يكتمونـ ) ـه من النفاق
62. ( وترى كثيرا منهم ) أي اليهود ( يسارعون ) يقعون سريعاً ( في الإثم ) الكذب ( والعدوان ) الظلم ( وأكلهم السحت ) الحرام كالرشا ( لبئس ما كانوا يعملونـ ) ـه عملهم هذا
63. ( لولا ) هلا ( ينهاهم الربانيون والأحبار ) منهم ( عن قولهم الإثم ) الكذب ( وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعونـ ) ـه ترك نهيهم
64. ( وقالت اليهود ) لما ضيق عليهم بتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كانوا أكثر الناس مالا ( يد الله مغلولة ) مقبوضة عن إدرار الرزق علينا كنوا به عن البخل تعالى الله عن ذلك قال تعالى ( غُلَّت ) أمسكت ( أيديهم ) عن فعل الخيرات دعاء عليهم ( ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ) مبالغة في الوصف بالجود وثني اليد لإفادة الكثرة إذ غاية ما يبذله السخي من ماله أي يعطي بيديه ( ينفق كيف يشاء ) من توسيع وتضييق لا اعتراض عليه ( وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك ) من القرآن ( طغيانا وكفرا ) لكفرهم به ( وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ) فكل يوم فرقة منهم تخالف الأخرى ( كلما أوقدوا نارا للحرب ) أي لحرب النبي صلى الله عليه وسلم ( أطفأها الله ) أي كلما أرادوه ردهم ( ويسعون في الأرض فسادا ) أي مفسدين بالمعاصي ( والله لا يحب المفسدين ) بمعنى أنه يعاقبهم
65. ( ولو أن أهل الكتاب آمنوا ) بمحمد صلى الله عليه وسلم ( واتقوا ) الكفر ( لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم )
66. ( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل ) بالعمل بما فيهما ومنه الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ( وما أنزل إليهم ) من الكتب ( من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) بأن يوسع عليهم الرزق ويفيض من كل جهة ( منهم أمة ) جماعة ( مقتصدة ) تعمل به وهم من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن سلام وأصحابه ( وكثير منهم ساء ) بئس ( ما ) شيئا ( يعملونـ ) ـه
67. ( يا أيها الرسول بلغ ) جميع ( ما أنزل إليك من ربك ) ولا تكتم شيئا منه خوفا أن تنال بمكروه ( وإن لم تفعل ) أي لم تبلغ جميع ما أنزل إليك ( فما بلغت رسالته ) بالإفراد والجمع لأن كتمان بعضها ككتمان كلها ( والله يعصمك من الناس ) أن يقتلوك وكان صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت فقال: « انصرفوا فقد عصمني الله » رواه الحاكم ( إن الله لا يهدي القوم الكافرين )
68. ( قل يا أهل الكتاب لستم على شيء ) من الدين معتد به ( حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم ) بأن تعملوا بما فيه ومنه الإيمان بي ( وليزيدن كثيرا ) ( منهم ما أنزل إليك من ربك ) من القرآن ( طغيانا وكفرا ) لكفرهم به ( فلا تأس ) تحزن ( على القوم الكافرين ) إن لم يؤمنوا بك أي لا تهتم بهم
69. ( إن الذين آمنوا والذين هادوا ) هم اليهود مبتدأ ( والصابئون ) فرقة منهم ( والنصارى ) ويبدل من المبتدأ ( من آمن ) منهم ( بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) في الآخرة خبر المبتدأ ودال على خبر إن
70. ( لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل ) على الإيمان بالله ورسله ( وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول ) منهم ( بما لا تهوى أنفسهم ) من الحق كذبوه ( فريقا ) منهم ( كذبوا وفريقا ) منهم ( يقتلون ) كزكريا ويحيى والتعبير به دون قتلوا حكاية للحال الماضية للفاصلة
71. ( وحسبوا ) ظنوا ( أ ) ن ( لا تكونُ ) بالرفع فأن مخففة والنصب فهي ناصبة أي تقع ( فتنة ) عذاب بهم على تكذيب الرسل وقتلهم ( فعموا ) عن الحق فلم يبصروه ( وصموا ) عن استماعه ( ثم تاب الله عليهم ) لما تابوا ( ثم عموا وصموا ) ثانيا ( كثير منهم ) بدل من الضمير ( والله بصير بما يعملون ) فيجازيهم به
72. ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ) سبق مثله ( وقال ) لهم ( المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم ) فإني عبد ولست بإله ( إنه من يشرك بالله ) في العبادة غيره ( فقد حرم الله عليه الجنة ) منعه أن يدخلها ( ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ) يمنعوهم من عذاب الله
73. ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ) آلهة ( ثلاثة ) أي أحدها والآخران عيسى وأمه وهم فرقة من النصارى ( وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ) من التثليث ويوحدوا ( ليمسن الذين كفروا ) أي ثبتوا على الكفر ( منهم عذاب أليم ) مؤلم وهو النار
74. ( أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه ) مما قالوا استفهام توبيخ ( والله غفور ) لمن تاب ( رحيم ) به
75. ( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت ) مضت ( من قبله الرسل ) فهو يمضي مثلهم وليس بإله كما زعموا وإلا لما مضى ( وأمه صدِّيقة ) مبالغة في الصدق ( كانا يأكلان الطعام ) كغيرهما من الناس ومن كان كذلك لا يكون إلها لتركيبه وضعفه وما ينشأ من البول والغائط ( انظر ) متعجبا ( كيف نبين لهم الآيات ) على وحدانيتنا ( ثم انظر أنى ) كيف ( يؤفكون ) يصرفون عن الحق مع قيام البرهان
76. ( قل أتعبدون من دون الله ) أي غيره ( ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع ) لأقوالكم ( العليم ) بأحوالكم والاستفهام للإنكار
77. ( قل يا أهل الكتاب ) اليهود والنصارى ( لا تغلوا ) تجاوزوا الحد ( في دينكم ) غلوا ( غير الحق ) بأن تضعوا عيسى أو ترفعوه فوق حقه ( ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل ) بغلوهم وهم أسلافهم ( وأضلوا كثيرا ) من الناس ( وضلوا عن سواء السبيل ) عن طريق الحق والسواء في الأصل الوسط
78. ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود ) بأن دعا عليهم فمسخوا قردة وهم أصحاب أيلة ( وعيسى ابن مريم ) بأن دعا عليهم فمسخوا خنازير وهم أصحاب المائدة ( ذلك ) اللعن ( بما عصوا وكانوا يعتدون )
79. ( كانوا لا يتناهون ) أي لا ينهى بعضهم بعضا ( عن ) معاودة ( منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) فعلهم هذا
80. ( ترى ) يا محمد ( كثيرا منهم يتولون الذين كفروا ) من أهل مكة بغضا لك ( لبئس ما قدمت لهم أنفسهم ) من العمل لمعادهم الموجب لهم ( أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون )
81. ( ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي ) محمد ( وما أنزل إليه ما اتخذوهم ) أي الكفار ( أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون ) خارجون عن الإيمان
82. ( لتجدن ) يا محمد ( أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ) من أهل مكة لتضاعف كفرهم وجهلهم وانهماكهم في اتباع الهوى ( ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك ) أي قرب مودتهم للمؤمنين ( بأن ) بسبب أن ( منهم قسيسين ) علماء ( ورهبانا ) عبادا ( وأنهم لا يستكبرون ) عن اتباع الحق كما يستكبر اليهود وأهل مكة نزلت في وفد النجاشي القادمين عليه من الحبشة قرأ صلى الله عليه وسلم سورة يس فبكوا وأسلموا وقالوا ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى
83. قال تعالى: ( وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ) من القرآن ( ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا ) صدقنا بنبيك وكتابك ( فاكتبنا مع الشاهدين ) المقربين بتصديقهم
84. ( و ) قالوا في جواب من عيرهم بالإسلام من اليهود ( ما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ) القرآن أي لا مانع لنا من الإيمان مع وجود مقتضيه ( ونطمع ) عطف على نؤمن ( أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ) المؤمنين الجنة
85. قال تعالى: ( فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين ) بالإيمان
86. ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم )
87. ونزل لما همَّ قوم من الصحابة أن يلازموا الصوم والقيام ولا يقربوا النساء والطيب ولا يأكلوا اللحم ولا يناموا على الفراش ( يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا ) تتجاوزوا أمر الله ( إن الله لا يحب المعتدين )
88. ( وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا ) مفعول والجار والمجرور قبله حال متعلق به ( واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون )
89. ( لا يؤاخذكم الله باللغو ) الكائن ( في أيمانكم ) هو ما يسبق إليه اللسان من غير قصد الحلف كقول الإنسان: لا والله ، وبلى والله ( ولكن يؤاخذكم بما عَقَدْتُم ) بالتخفيف والتشديد وفي قراءة { عاقدتم } ( الأيمان ) عليه بأن حلفتم عن قصد ( فكفارته ) أي اليمين إذا حنثتم فيه ( إطعام عشرة مساكين ) لكل مسكين مد ( من أوسط ما تطعمون ) منه ( أهليكم ) أي أقصده وأغلبه لا أعلاه ولا أدناه ( أو كسوتهم ) بما يسمى كسوة كقميص وعمامة وإزار ولا يكفي دفع ما ذكر إلى مسكين واحد وعليه الشافعي ( أو تحرير ) عتق ( رقبة ) أي مؤمنة كما في كفارة القتل والظهار حملا للمطلق على المقيد ( فمن لم يجد ) واحدا مما ذكر ( فصيام ثلاثة أيام ) كفارته وظاهره أنه لا يشترط التتابع وعليه الشافعي ( ذلك ) المذكور ( كفارة أيمانكم إذا حلفتم ) وحنثتم ( واحفظوا أيمانكم ) أن تنكثوها ما لم تكن على فعل بر أو إصلاح بين الناس كما في سورة البقرة ( كذلك ) أي مثل ما بين لكم ما ذكر ( يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرونـ ) ـه على ذلك
90. ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر ) المسكر الذي يخامر العقل ( والميسر ) القمار ( والأنصاب ) الأصنام ( والأزلام ) قداح الاستقسام ( رجس ) خبيث مستقذر ( من عمل الشيطان ) الذي يزينه ( فاجتنبوه ) أي الرجس المعبر به عن هذه الأشياء أن تفعلوه ( لعلكم تفلحون )
91. ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ) إذا أتيتموها لما يحصل فيهما من الشر والفتن ( ويصدكم ) بالاشتغال بهما ( عن ذكر الله وعن الصلاة ) خصها بالذكر تعظيما لها ( فهل أنتم منتهون ) عن إتيانهما ، أي انتهوا
92. ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا ) المعاصي ( فإن توليتم ) عن الطاعة ( فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين ) الإبلاغ البين وجزاؤكم علينا
93. ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ) أكلوا من الخمر والميسر قبل التحريم ( إذا ما اتقوا ) المحرمات ( وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ) ثبتوا على التقوى والإيمان ( ثم اتقوا وأحسنوا ) العمل ( والله يحب المحسنين ) بمعنى أنه يثيبهم
94. ( يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم ) ليختبرنكم ( الله بشيء ) يرسله لكم ( من الصيد تناله ) أي الصغار منه ( أيديكم ورماحكم ) الكبار منه ، وكان ذلك بالحديبية وهم محرمون فكانت الوحش والطير تغشاهم في رحالهم ( ليعلم الله ) علم الظهور ( من يخافه بالغيب ) حال أي غائبا لم يره فيجتنب الصيد ( فمن اعتدى بعد ذلك ) النهي عنه فاصطاده ( فله عذاب أليم )
95. ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) محرمون بحج أو عمرة ( ومن قتله منكم متعمدا فجزاء ) بالتنوين ورفع ما بعده أي فعليه جزاء هو ( مثل ما قتل من النعم ) أي شبهه في الخلقة وفي قراءة بإضافة جزاء ( يحكم به ) أي بالمثل رجلان ( ذوا عدل منكم ) لهم فطنة يميزان بها أشبه الأشياء به وقد حكم ابن عباس وعمر وعلي رضي الله عنهم في النعامة ببدنة وابن عباس وأبو عبيدة في بقر الوحش وحماره ببقرة وابن عمر وابن عوف في الظبي بشاة وحكم بها ابن عباس وعمر وغيرهما في الحمام لأنه يشبهها في العب ( هديا ) حال من جزاء ( بالغ الكعبة ) أي يبلغ به الحرم فيذبح فيه ويتصدق به على مساكينه ولا يجوز أن يذبح حيث كان ونصبه نعتا لما قبله وإن أضيف لأن إضافته لفظية لا تفيد تعريفا فإن لم يكن للصيد مثل من النعم كالعصفور والجراد فعليه قيمته ( أو ) عليه ( كفارة ) غير الجزاء وإن وجده هي ( طعام مساكين ) من غالب قوت البلد ما يساوي قيمة الجزاء لكل مسكين مد ، وفي قراءة بإضافة كفارة لما بعده وهي للبيان ( أو ) عليه ( عدل ) مثل ( ذلك ) الطعام ( صياما ) يصومه عن كل مد يوم وإن وجده وجب ذلك عليه ( ليذوق وبال ) ثقل جزاء ( أمره ) الذي فعله ( عفا الله عما سلف ) من قتل الصيد قبل تحريمه ( ومن عاد ) إليه ( فينتقم الله منه والله عزيز ) غالب على أمره ( ذو انتقام ) ممن عصاه ، وألحق بقتله متعمدا فيما ذكر الخطأ
96. ( أحل لكم ) أيها الناس حِلاً كنتم أو محرمين ( صيد البحر ) أن تأكلوه وهو ما لا يعيش إلا فيه كالسمك بخلاف ما يعيش فيه وفي البر كالسرطان ( وطعامه ) ما يقذفه ميتا ( متاعا ) تمتيعا ( لكم ) تأكلونه ( وللسيارة ) المسافرين منكم يتزودونه ( وحرم عليكم صيد البر ) وهو ما يعيش فيه من الوحش المأكول أن تصيدوه ( ما دمتم حرما ) فلو صاده مُحِل فللمحرم أكله كما بينته السنة ( واتقوا الله الذي إليه تحشرون )
97. ( جعل الله الكعبة البيت الحرام ) المحرم ( قياما للناس ) يقوم به أمر دينهم بالحج إليه ودنياهم بأمن داخله وعدم التعرض له وجبي ثمرات كل شيء إليه وفي قراءة { قيما } بلا ألف مصدر قام غير معل ( والشهر الحرام ) بمعنى الأشهر الحرم ذو القعدة وذو الحجة المحرم ورجب قياما لهم بأمنهم من القتال فيها ( والهدي والقلائد ) قياما لهم بأمن صاحبهما من التعرض له ( ذلك ) الجعل المذكور ( لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم ) فإن جعله ذلك لجلب المصالح لكم ودفع المضار عنكم قبل وقوعها دليل على علمه بما هو في الوجود وما هو كائن
98. ( اعلموا أن الله شديد العقاب ) لأعدائه ( وأن الله غفور ) لأوليائه ( رحيم ) بهم
99. ( ما على الرسول إلا البلاغ ) لكم ( والله يعلم ما تبدون ) تظهرون من العمل ( وما تكتمون ) تخفون منه فيجازيكم به
100. ( قل لا يستوي الخبيث ) الحرام ( والطيب ) الحلال ( ولو أعجبك ) أي سرك ( كثرة الخبيث فاتقوا الله ) في تركه ( يا أولي الألباب لعلكم تفلحون ) تفوزون
1. ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) العهود المؤكدة التي بينكم وبين الله والناس ( أحلت لكم بهيمة الأنعام ) الإبل والبقر والغنم أكلاً بعد الذبح ( إلا ما يتلى عليكم ) تحريمه في { حرمت عليكم الميتة } الآية ، فالاستثناء منقطع ويجوز أن يكون متصلاً والتحريم لما عرض من الموت ونحوه ( غير محلي الصيد وأنتم حرم ) أي مُحرِمون ونصب غير على الحال من ضمير لكم ( إن الله يحكم ما يريد ) من التحليل وغيره لا اعتراض عليه
2. ( يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ) جمع شعيرة ، أي معالم دينه بالصيد في الإحرام ( ولا الشهر الحرام ) بالقتال فيه ( ولا الهدي ) ما أهدي إلى الحرم من النعم بالتعرض له ( ولا القلائد ) جمع قلادة وهي ما كان يقلد به من شجر الحرم ليأمن أي فلا تتعرضوا لها ولا لأصحابها ( ولا ) تحلوا ( آمين ) قاصدين ( البيت الحرام ) بأن تقاتلوهم ( يبتغون فضلا ) رزقا ( من ربهم ) بالتجارة ( ورضوانا ) منه بقصده بزعمهم الفاسد ، وهذا منسوخ بآية براءة ( وإذا حللتم ) من الإحرام ( فاصطادوا ) أمر إباحة ( ولا يجرمنكم ) يكسبنكم ( شنآن ) بفتح النون وسكونها ، بغض ( قوم ) لأجل ( أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا ) عليهم بالقتل وغيره ( وتعاونوا على البر ) بفعل ما أُمرتم به ( والتقوى ) بترك ما نهيتم عنه ( ولا تعاونوا ) فيه حذف إحدى التاءين في الأصل ( على الإثم ) المعاصي ( والعدوان ) التعدي في حدود الله ( واتقوا الله ) خافوا عقابه بأن تطيعوه ( إن الله شديد العقاب ) لمن خالفه
3. ( حرمت عليكم الميتة ) أي أكلها ( والدم ) أي المسفوح كما في الأنعام ( ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ) بأن ذبح على اسم غيره ( والمنخنقة ) الميتة خنقاً ( والموقوذة ) المقتولة ضرباً ( والمتردية ) الساقطة من علو إلى أسفل فماتت ( والنطيحة ) المقتولة بنطح أخرى لها ( وما أكل السبع ) منه ( إلا ما ذكيتم ) أي أدركتم فيه الروح من هذه الأشياء فذبحتموه ( وما ذبح على ) اسم ( النصب ) جمع نصاب وهي الأصنام ( وأن تستقسموا ) تطلبوا القسم والحكم ( بالأزلام ) جمع زَلَم بفتح الزاي وضمها مع فتح اللام ، قِدح بكسر القاف صغير لا ريش له ولا نصل وكانت سبعة عند سادن الكعبة عليها أعلام وكانوا يحكمونها فإن أمرتهم ائتمروا وإن نهتهم انتهوا ( ذلكم فسق ) خروج عن الطاعة ، ونزل يوم عرفة عام حجة الوداع: ( اليوم يئس الذين كفروا من دينكم ) أن ترتدوا عنه بعد طمعهم في ذلك لما رأوا من قوته ( فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم ) أحكامه وفرائضه فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام ( وأتممت عليكم نعمتي ) بإكماله وقيل بدخول مكة آمنين ( ورضيت ) أي اخترت ( لكم الإسلام ديناً فمن اضطر في مخمصة ) مجاعة إلى أي أكل شيء مما حرم عليه فأكله ( غير متجانف ) مائل ( لإثم ) معصية ( فإن الله غفور ) له ما أكل ( رحيم ) به في إباحته بخلاف المائل لإثم أي المتلبس به كقاطع الطريق والباغي مثلا فلا يحل له الأكل
4. ( يسألونك ) يا محمد ( ماذا أحل لهم ) من الطعام ( قل أحل لكم الطيبات ) المستلذات ( و ) صيد ( ما علمتم من الجوارح ) الكواسب من الكلاب والسباع والطير ( مكلِّبين ) حال من كلَّبْتُ الكلب بالتشديد أي أرسلته على الصيد ( تعلمونهن ) حال من ضمير مكلبين أي تؤدبونهن ( مما علمكم الله ) من آداب الصيد ( فكلوا مما أمسكن عليكم ) وإن قتلنه إن لم يأكلن منه بخلاف غير المعلمة فلا يحل صيدها وعلامتها أن تسترسل إذا أرسلت وتنزجر إذا زجرت وتمسك الصيد ولا تأكل منه وأقل ما يعرف به ثلاث مرات فإن أكلت منه فليس مما أمسكن على صاحبهن فلا يحل أكله كما في حديث الصحيحين وفيه أن صيد السهم إذا أرسل وذكر اسم الله عليه كصيد المعلم من الجوارح ( واذكروا اسم الله عليه ) عند إرساله ( واتقوا الله إن الله سريع الحساب )
5. ( اليوم أحل لكم الطيبات ) المستلذات ( وطعام الذين أوتوا الكتاب ) أي ذبائح اليهود والنصارى ( حل ) حلال ( لكم وطعامكم ) إياهم ( حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات ) الحرائر ( من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) حل لكم أن تنكحوهن ( إذا آتيتموهن أجورهن ) مهورهن ( محصنين ) متزوجين ( غير مسافحين ) معلنين بالزنا بهن ( ولا متخذي أخدان ) منهن تسرون بالزنا بهن ( ومن يكفر بالإيمان ) أي يرتد ( فقد حبط عمله ) الصالح قبل ذلك فلا يعتد به ولا يثاب عليه ( وهو في الآخرة من الخاسرين ) إذا مات عليه
6. ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم ) أي أردتم القيام ( إلى الصلاة ) وأنتم محدثون ( فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ) أي معها كما بينته السنة ( وامسحوا برؤوسكم ) الباء للإلصاق أي ألصقوا المسح بها من غير إسالة ماء وهو اسم جنس فيكفي أقل ما يصدق عليه وهو مسح بعض الشعر وعليه الشافعي ( وأرجلكم ) بالنصب عطفا على أيديكم وبالجر على الجوار ( إلى الكعبين ) أي معهما كما بينته السنة وهما العظمان الناتئان في كل رجل عند مفصل الساق والقدم والفصل بين الأيدي والأرجل المغسولة بالرأس الممسوح يفيد وجوب الترتيب في طهارة هذه الأعضاء وعليه الشافعي ويؤخذ من السنة وجوب النية فيه كغيره من العبادات ( وإن كنتم جنبا فاطَّهَرُوا ) فاغتسلوا ( وإن كنتم مرضى ) مرضاً يضره الماء ( أو على سفر ) أي مسافرين ( أو جاء أحد منكم من الغائط ) أي أحدث ( أو لامستم النساء ) سبق مثله في آية النساء ( فلم تجدوا ماء ) بعد طلبه ( فتيمموا ) اقصدوا ( صعيدا طيبا ) ترابا طاهرا ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ) مع المرفقين ( منه ) بضربتين والباء للإلصاق ، وبينت السنة أن المراد استيعاب العضوين بالمسح ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ) ضيق بما فرض عليكم من الوضوء والغسل والتيمم ( ولكن يريد ليطهركم ) من الأحداث والذنوب ( وليتم نعمته عليكم ) بالإسلام ببيان شرائع الدين ( لعلكم تشكرون ) نعمه
7. ( واذكروا نعمة الله عليكم ) بالإسلام ( وميثاقه ) عهده ( الذي واثقكم به ) عاهدكم عليه ( إذ قلتم ) للنبي صلى الله عليه وسلم حين بايعتموه ( سمعنا وأطعنا ) في كل ما تأمر به وتنهى مما نحب ونكره ( واتقوا الله ) في ميثاقه أن تنقضوه ( إن الله عليم بذات الصدور ) بما في القلوب فبغيرها أولى
8. ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين ) قائمين ( لله ) بحقوقه ( شهداء بالقسط ) بالعدل ( ولا يجرمنكم ) يحملنكم ( شنآن ) بغض ( قوم ) أي الكفار ( على ألا تعدلوا ) فتنالوا منهم لعداوتهم ( اعدلوا ) في العدو والولي ( هو ) أي العدل ( أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) فيجازيكم به
9. ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) وعداً حسناً ( لهم مغفرة وأجر عظيم ) هو الجنة
10. ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم )
11. ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ همَّ قوم ) هم قريش ( أن يبسطوا ) يمدوا ( إليكم أيديهم ) ليفتكوا بكم ( فكف أيديهم عنكم ) وعصمكم مما أرادوا بكم ( واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون )
12. ( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل ) بما يذكر بعد ( وبعثنا ) فيه التفات عن الغيبة أقمنا ( منهم اثني عشر نقيباً ) من كل سبط نقيب يكون كفيلا على قومه بالوفاء بالعهد توثقة عليهم ( وقال ) لهم ( الله إني معكم ) بالعون والنصرة ( لئن ) لام قسم ( أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزَّرْتموهم ) نصرتموهم ( وأقرضتم الله قرضاً حسناً ) بالإنفاق في سبيله ( لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك ) الميثاق ( منكم فقد ضلَّ سواء السبيل ) أخطأ طريق الحق والسواء في الأصل الوسط
13. فنقضوا الميثاق قال تعالى: ( فبما نقضهم ) ما زائدة ( ميثاقهم لعناهم ) أبعدناهم عن رحمتنا ( وجعلنا قلوبهم قاسية ) لا تلين لقبول الإيمان ( يحرفون الكلم ) الذي في التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وغيره ( عن مواضعه ) التي وضعه الله عليها أي يبدلونه ( ونسوا ) تركوا ( حظا ) نصيبا ( مما ذكروا ) أمروا ( به ) في التوراة من اتباع محمد ( ولا تزال ) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ( تطلع ) تظهر ( على خائنة ) أي خيانة ( منهم ) بنقض العهد وغيره ( إلا قليلا منهم ) ممن أسلم ( فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين ) وهذا منسوخ بآية السيف
14. ( ومن الذين قالوا إنا نصارى ) متعلق بقوله ( أخذنا ميثاقهم ) كما أخذنا على بني إسرائيل اليهود ( فنسوا حظا مما ذكروا به ) في الإنجيل من الإيمان وغيره ونقضوا الميثاق ( فأغرينا ) أوقعنا ( بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ) بتفرقهم واختلاف أهوائهم فكل فرقة تكفر الأخرى ( وسوف ينبئهم الله ) في الآخرة ( بما كانوا يصنعون ) فيجازيهم عليه
15. ( يا أهل الكتاب ) اليهود والنصارى ( قد جاءكم رسولنا ) محمد ( يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون ) تكتمون ( من الكتاب ) التوراة والإنجيل كآية الرجم وصفته ( ويعفو عن كثير ) من ذلك فلا يبينه إذا لم يكن فيه مصلحة إلا افتضاحكم ( قد جاءكم من الله نور ) هو النبي صلى الله عليه وسلم ( وكتاب ) قرآن ( مبين ) بين ظاهر
16. ( يهدي به ) أي بالكتاب ( الله من اتبع رضوانه ) بأن آمن ( سبل السلام ) طرق السلامة ( ويخرجهم من الظلمات ) الكفر ( إلى النور ) الإيمان ( بإذنه ) بإرادته ( ويهديهم إلى صراط مستقيم ) دين الإسلام
17. ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ) حيث جعلوه إلهاً وهم اليعقوبية فرقة من النصارى ( قل فمن يملك ) أي يدفع ( من ) عذاب ( الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ) أي لا أحد يملك ذلك ولو كان المسيح إلهاً لقدر عليه ( ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء ) شاءه ( قدير )
18. ( وقالت اليهود والنصارى ) أي كل منهما ( نحن أبناء الله ) أي كأبنائه في القرب والمنزلة وهو كأبينا في الرحمة والشفقة ( وأحباؤه قل ) لهم يا محمد ( فلم يعذبكم بذنوبكم ) إن صدقتم في ذلك ولا يعذب الأب ولده ولا الحبيب حبيبه وقد عذبكم فأنتم كاذبون ( بل أنتم بشر ممن ) من جملة من ( خلق ) من البشر لكم ما لهم وعليكم ما عليهم ( يغفر لمن يشاء ) المغفرة له ( ويعذب من يشاء ) تعذيبه لا اعتراض عليه ( ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير ) المرجع
19. ( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا ) محمد ( يبين لكم ) شرائع الدين ( على فترة ) انقطاع ( من الرسل ) اذ لم يكن بينه وبين عيسى رسول ومدة ذلك خمسماية وتسع وستون سنة لـ ( أن ) لا ( تقولوا ) إذا عذبتم ( ما جاءنا من ) زائدة ( بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير ) فلا عذر لكم إذا ( والله على كل شيء قدير ) ومنه تعذيبكم إن لم تتبعوه
20. ( و ) اذكر ( إذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم ) أي منكم ( أنبياء وجعلكم ملوكا ) أصحاب خدم وحشم ( وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) من المن والسلوى وفلق البحر وغير ذلك
21. ( يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة ) المطهرة ( التي كتب الله لكم ) أمركم بدخولها وهي الشام ( ولا ترتدوا على أدباركم ) تنهزموا خوف العدو ( فتنقلبوا خاسرين ) في سعيكم
22. ( قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين ) من بقايا عاد طوالاً ذي قوة ( وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ) لها
23. ( قال ) لهم ( رجلان من الذين يخافون ) مخالفة أمر الله وهما يوشع وكالب من النقباء الذين بعثهم موسى في كشف أحوال الجبابرة ( أنعم الله عليهما ) بالعصمة فكتما ما اطلعا عليه من حالهم إلا عن موسى بخلاف بقية النقباء فأفشوه فجبنوا ( ادخلوا عليهم الباب ) باب القرية ولا تخشوهم فإنهم أجساد بلا قلوب ( فإذا دخلتموه فإنكم غالبون ) قالا ذلك تيقناً بنصر الله وإنجاز وعده ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين )
24. ( قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا ) هم ( إنا هاهنا قاعدون قال ) عن القتال
25. ( قال ) موسى حينئذ ( رب إني لا أملك إلا نفسي و ) إلا ( أخي ) ولا أملك غيرهما فأجبرهم على الطاعة ( فافرق ) فافصل ( بيننا وبين القوم الفاسقين )
26. ( قال ) تعالى له ( فإنها ) أي الأرض المقدسة ( محرمة عليهم ) أن يدخلوها ( أربعين سنة يتيهون ) يتحيرون ( في الأرض ) وهي تسعة فراسخ قاله ابن عباس ( فلا تأسَ ) تحزن ( على القوم الفاسقين ) روي أنهم كانوا يسيرون جادين فاذا أصبحوا إذا هم في الموضع الذي ابتدؤوا منه ويسيرون النهار كذلك حتى انقرضوا كلهم إلا من لم يبلغ العشرين ، قيل وكانوا ستمائة ألف ومات هارون وموسى في التيه وكان لهما رحمة وعذابا لأولئك وسأل موسى ربه عند موته أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر فأدناه كما في الحديث ونبئ يوشع بعد الأربعين وأمر بقتال الجبارين فسار بمن بقي معه وقاتلهم وكان يوم الجمعة ووقفت له الشمس ساعة حتى فرغ من قتالهم ، وروى أحمد في مسنده حديث « إن الشمس لم تحبس على بشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس »
27. ( واتل ) يا محمد ( عليهم ) على قومك ( نبأ ) خبر ( ابني آدم ) هابيل وقابيل ( بالحق ) متعلق بـ اتل ( إذ قربا قربانا ) إلى الله وهو كبش لهابيل وزرع لقابيل ( فتقبل من أحدهما ) وهو هابيل بأن نزلت نار من السماء فأكلت قربانه ( ولم يتقبل من الآخر ) وهو قابيل فغضب وأضمر الحسد في نفسه إلى أن حج آدم ( قال ) له ( لأقتلنك ) قال: لم ؟ قال: لتقبل قربانك دوني ( قال إنما يتقبل الله من المتقين )
28. ( لئن ) لام القسم ( بسطت ) مددت ( إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يَدِيَ إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين ) في قتلك
29. ( إني أريد أن تبوء ) ترجع ( بإثمي ) بإثم قتلي ( وإثمك ) الذي ارتكبته من قبل ( فتكون من أصحاب النار ) ولا أريد أن أبوء بإثمك إذا قتلتك فأكون منهم ، قال تعالى ( وذلك جزاء الظالمين )
30. ( فطوعت ) زينت ( له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح ) فصار ( من الخاسرين ) بقتله ولم يدر ما يصنع به لأنه أول ميت على وجه الأرض من بني آدم فحمله على ظهره
31. ( فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ) ينبش التراب بمنقاره وبرجليه ويثيره على غراب ميت حتى واراه ( ليريه كيف يواري ) يستر ( سوأة ) جيفة ( أخيه قال يا ويلتى أعجزت ) عن ( أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين ) على حمله وحفر له وواراه
32. ( من أجل ذلك ) الذي فعله قابيل ( كتبنا على بني إسرائيل أنه ) أي الشأن ( من قتل نفسا بغير نفس ) قتلها ( أو ) بغير ( فساد ) أتاه ( في الأرض ) من كفر أو زنا أو قطع طريق أو نحوه ( فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها ) بأن امتنع عن قتلها ( فكأنما أحيا الناس جميعا ) قال ابن عباس: مِنْ حيثُ انتهاكِ حرمتها وصونها ( ولقد جاءتهم ) أي بني إسرائيل ( رسلنا بالبينات ) المعجزات ( ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون ) مجاوزون الحد بالكفر والقتل وغير ذلك
33. ونزل في العُرَنِيِّين لما قدموا المدينة وهم مرضى فأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى الإبل ويشربوا من أبوالها وألبانها فلما صحُوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا الإبل ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ) بمحاربة المسلمين ( ويسعون في الأرض فسادا ) بقطع الطرق ( أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ) أي أيديهم اليمنى وأرجلهم اليسرى ( أو ينفوا من الأرض ) أو لترتيب الأحوال فالقتل لمن قتل فقط والصلب لمن قتل وأخذ المال والقطع لمن أخذ المال ولم يقتل والنفي لمن أخاف فقط قاله ابن عباس وعليه الشافعي وأصح قوليه أن الصلب ثلاثا بعد القتل وقيل قبله قليلا ويلحق بالنفي ما أشبهه في التنكيل من الحبس وغيره ( ذلك ) الجزاء المذكور ( لهم خزي ) ذل ( في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) هو عذاب النار
34. ( إلا الذين تابوا ) من المحاربين والقطاع ( من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور ) لهم ما أتوه ( رحيم ) بهم عبر بذلك دون فلا تحدوهم ليفيد أنه لا يسقط عنه بتوبته إلا حدود الله دون حقوق الآدميين كذا ظهر لي ولم أر من تعرض له والله أعلم فاذا قتل وأخذ المال يقتل ويقطع ولا يصلب وهو أصح قولي الشافعي ولا تفيد توبته بعد القدرة عليه شيئا وهو أصح قوليه أيضا
35. ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ) خافوا عقابه بأن تطيعوه ( وابتغوا ) اطلبوا ( إليه الوسيلة ) ما يقربكم إليه من طاعته ( وجاهدوا في سبيله ) لإعلاء دينه ( لعلكم تفلحون ) تفوزون
36. ( إن الذين كفروا لو ) ثبت ( أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم )
37. ( يريدون ) يتمنون ( أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم ) دائم
38. ( والسارق والسارقة ) أل فيهما موصولة مبتدأ ولشبهه بالشرط دخلت الفاء في خبره وهو ( فاقطعوا أيديَهما ) أي يمين كل منهما من الكوع وبينت السنة أن الذي يقطع فيه ربع دينار فصاعدا وأنه إذا عاد قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم ثم اليد اليسرى ثم الرجل اليمنى وبعد ذلك يعزر ( جزاء ) نصب على المصدر ( بما كسبا نكالا ) عقوبة لهما ( من الله والله عزيز ) غالب على أمره ( حكيم ) في خلقه
39. ( فمن تاب من بعد ظلمه ) رجع عن السرقة ( وأصلح ) عمله ( فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ) في التعبير بهذا ما تقدم فلا يسقط بتوبته حق الآدمي من القطع ورد المال ، نعم بينت السنة أنه إن عفا عنه قبل الرفع إلى الأمام سقط القطع وعليه الشافعي
40. ( ألم تعلم ) الاستفهام فيه للتقرير ( أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ) تعذيبه ( ويغفر لمن يشاء ) المغفرة له ( والله على كل شيء قدير ) ومنه التعذيب والمغفرة
41. ( يا أيها الرسول لا يحزنك ) صنع ( الذين يسارعون في الكفر ) يقعون فيه بسرعة أي يظهرونه إذا وجدوا فرصة ( من ) للبيان ( الذين قالوا آمنا بأفواههم ) بألسنتهم متعلق بقالوا ( ولم تؤمن قلوبهم ) وهم المنافقون ( ومن الذين هادوا ) قوم ( سماعون للكذب ) الذي افترته أحبارهم سماع قبول ( سماعون ) منك ( لقوم ) لأجل قوم ( آخرين ) من اليهود ( لم يأتوك ) وهم أهل خيبر زنى فيهم محصنان فكرهوا رجمهما فبعثوا قريظة ليسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن حكمهما ( يحرفون الكلم ) الذي في التوراة كآية الرجم ( من بعد مواضعه ) التي وضعه الله عليها أي يبدلونه ( يقولون ) لمن أرسلوهم ( إن أوتيتم هذا ) الحكم المحرف أي الجلد الذي أفتاكم به محمد ( فخذوه ) فاقبلوه ( وإن لم تؤتوه ) بل أفتاكم بخلافه ( فاحذروا ) أن تقبلوه ( ومن يرد الله فتنته ) إضلاله ( فلن تملك له من الله شيئا ) في دفعها ( أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم ) من الكفر ولو أراده لكان ( لهم في الدنيا خزي ) ذل بالفضيحة والجزية ( ولهم في الآخرة عذاب عظيم )
42. هم ( سماعون للكذب أكالون للسحُت ) بضم الحاء وسكونها أي الحرام كالرشا ( فإن جاؤوك ) لتحكم بينهم ( فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ) هذا التخيير منسوخ بقوله { وأن احكم بينهم } الآية فيجب الحكم بينهم إذا ترافعوا إلينا وهو أصح قولي الشافعي فلو ترافعوا إلينا مع مسلم وجب إجماعا ( وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت ) بينهم ( فاحكم بينهم بالقسط ) بالعدل ( إن الله يحب المقسطين ) العادلين في الحكم أي يثيبهم
43. ( وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ) بالرجم استفهام تعجيب أي لم يقصدوا بذلك معرفة الحق بل ما هو أهون عليهم ( ثم يتولون ) يعرضون عن حكمك بالرجم الموافق لكتابهم ( من بعد ذلك ) التحكيم ( وما أولئك بالمؤمنين )
44. ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ) من الضلالة ( ونور ) بيان للأحكام ( يحكم بها النبيون ) من بني إسرائيل ( الذين أسلموا ) انقادوا الله ( للذين هادوا والربانيون ) العلماء منهم ( والأحبار ) الفقهاء ( بما ) أي بسبب الذي ( استحفظوا ) استودعوه أي استحفظهم الله إياه ( من كتاب الله ) أي يبدلوه ( وكانوا عليه شهداء ) أنه حق ( فلا تخشوا الناس ) أيها اليهود في إظهار ما عندكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم والرجم وغيرها ( واخشونِ ) في كتمانه ( ولا تشتروا ) تستبدلوا ( بآياتي ثمنا قليلا ) من الدنيا تأخذونه على كتمانها ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) به
45. ( وكتبنا ) فرضنا ( عليهم فيها ) أي التوراة ( أن النفس ) تقتل ( بالنفس ) إذا قتلتها ( والعين ) تفقأ ( بالعين والأنف ) يجدع ( بالأنف والأذن ) تقطع ( بالأذن والسن ) تقلع ( بالسن ) وفي قراءة بالرفع في الأربعة ( والجروح ) بالوجهين ( قصاص ) أي يقتص فيها إذا أمكن كاليد والرجل ونحو ذلك وما لا يمكن فيه الحكومة وهذا الحكم وإن كتب عليهم فهو مقرر في شرعنا ( فمن تصدق به ) أي بالقصاص بأن مكن من نفسه ( فهو كفارة له ) لما أتاه ( ومن لم يحكم بما أنزل الله ) في القصاص وغيره ( فأولئك هم الظالمون )
46. ( وقفينا ) أتبعنا ( على آثارهم ) أي النبيين ( بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه ) قبله ( من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ) من الضلالة ( ونور ) بيان للأحكام ( ومصدقا ) حال ( لما بين يديه من التوراة ) لما فيها من الأحكام ( وهدى وموعظة للمتقين )
47. وقلنا ( وليحكمْ أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ) من الأحكام وفي قراءة بنصب يحكم وكسر لامه عطفا على معمول آتيناه ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون )
48. ( وأنزلنا إليك ) يا محمد ( الكتاب ) القرآن ( بالحق ) متعلق بأنزلنا ( مصدقا لما بين يديه ) قبله ( من الكتاب ومهيمنا ) شاهدا ( عليه ) والكتاب بمعنى الكتب ( فاحكم بينهم ) بين أهل الكتاب إذا ترافعوا إليك ( بما أنزل الله ) إليك ( ولا تتبع أهواءهم ) عادلا ( عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم ) أيها الأمم ( شرعة ) شريعة ( ومنهاجا ) طريقا واضحا في الدين يمشون عليه ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ) على شريعة واحدة ( ولكن ) فرقكم فرقا ( ليبلوكم ) ليختبركم ( فيما آتاكم ) من الشرائع المختلفة لينظر المطيع منكم والعاصي ( فاستبقوا الخيرات ) سارعوا إليها ( إلى الله مرجعكم جميعا ) بالبعث ( فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ) من أمر الدين ويجزي كلا منكم بعمله
49. ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم ) لـ ( أن ) لا ( يفتنوك ) يضلوك ( عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا ) عن الحكم المنزل وأرادوا غيره ( فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ) بالعقوبة في الدنيا ( ببعض ذنوبهم ) التي أتوها ومنها التولي ويجازيهم على جميعها في الأخرى ( وإن كثيرا من الناس لفاسقون )
50. ( أفحكم الجاهلية يبغون ) بالياء والتاء يطلبون من المداهنة والميل إذا تولوا ؟ استفهام إنكاري ( ومن ) أي لا أحد ( أحسن من الله حكما لقوم ) عند قوم ( يوقنون ) به خصوا بالذكر لأنهم الذين يتدبرون
51. ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ) توالونهم وتوادونهم ( بعضهم أولياء بعض ) لاتحادهم في الكفر ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) من جملتهم ( إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) بموالاتهم الكفار
52. ( فترى الذين في قلوبهم مرض ) ضعف اعتقاد كعبد الله بن أبي المنافق ( يسارعون فيهم ) في موالاتهم ( يقولون ) معتذرين عنها ( نخشى أن تصيبنا دائرة ) يدور بها الدهر علينا من جدب أو غلبة ولا يتم أمر محمد فلا يميرونا ، قال تعالى ( فعسى الله أن يأتي بالفتح ) بالنصر لنبيه بإظهار دينه ( أو أمر من عنده ) بهتك ستر المنافقين وافتضاحهم ( فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم ) من الشك وموالاة الكفار ( نادمين )
53. ( ويقول ) بالرفع استئنافا بواو ودونها وبالنصب عطفا على يأتي ( الذين آمنوا ) لبعضهم إذا هتك سترهم تعجبا ( أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم ) غاية اجتهادهم فيها ( إنهم لمعكم ) في الدين قال تعالى: ( حبطت ) بطلت ( أعمالهم ) الصالحة ( فأصبحوا ) صاروا ( خاسرين ) الدنيا بالفضيحة والآخرة بالعقاب
54. ( يا أيها الذين آمنوا من يرتدد ) بالفك والإدغام ، يرجع ( منكم عن دينه ) إلى الكفر إخبار بما علم الله وقوعه وقد ارتد جماعة بعد موت النبي صلى الله عليه ( فسوف يأتي الله ) بدلهم ( بقوم يحبهم ويحبونه ) قال صلى الله عليه وسلم: « هم قوم هذا وأشار إلى أبي موسى الأشعري » رواه الحاكم في صحيحه ( أذلة ) عاطفين ( على المؤمنين أعزة ) أشداء ( على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ) فيه كما يخاف المنافقون لوم الكفار ( ذلك ) المذكور من الأوصاف ( فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع ) كثير الفضل ( عليم ) بمن هو أهله
55. ونزل لما قال ابن سلام يا رسول الله إن قومنا هجرونا: ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) خاشعون أو يصلون صلاة التطوع
56. ( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا ) فيعينهم وينصرهم ( فإن حزب الله هم الغالبون ) لنصره إياهم أوقعه موقع فإنهم بياناً لأنهم من حزبه ، أي أتباعه
57. ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ) مهزوءا به ( ولعبا من ) للبيان ( الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار ) المشركين بالجر والنصب ( أولياء واتقوا الله ) بترك موالاتهم ( إن كنتم مؤمنين ) صادقين في إيمانكم
58. ( و ) الذين ( إذا ناديتم ) دعوتم ( إلى الصلاة ) بالأذان ( اتخذوها ) أي الصلاة ( هزوا ولعبا ) بأن يستهزئوا بها ويتضاحكوا ( ذلك ) الاتخاذ ( بأنهم ) أي بسبب أنهم ( قوم لا يعقلون )
59. ونزل لما قال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم: بمن تؤمن من الرسل فقال: { بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل } الآية فلما ذكر عيسى قالوا: لا نعلم ديناً شراً من دينكم ( قل يا أهل الكتاب هل تنقمون ) تنكرون ( منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل ) إلى الأنبياء ( وأن أكثركم فاسقون ) عطف على أن آمنا60. ( قل هل أنبئكم ) أخبركم ( بشر من ) أهل ( ذلك ) الذي تنقمونه ( مثوبةً ) ثوابا بمعنى جزاء ( عند الله ) هو ( من لعنه الله ) أبعده عن رحمته ( وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير ) بالمسخ ( و ) من ( عبَد الطاغوت ) الشيطان بطاعته ، وراعى في منهم معنى من وفيما قبله لفظها وهم اليهود ، وفي قراءة بضم باء عبد وإضافة إلى ما بعده اسم جمع لعبد ونصبه بالعطف على القردة ( أولئك شر مكانا ) تمييز لأن مأواهم النار ( وأضل عن سواء السبيل ) طريق الحق وأصل السواء الوسط وذكر شر وأضل في مقابلة قولهم لا نعلم دينا شراً من دينكم
61. ( وإذا جاؤوكم ) أي منافقو اليهود ( قالوا آمنا وقد دخلوا ) إليكم متلبسين ( بالكفر وهم قد خرجوا ) من عندكم متلبسين ( به ) ولم يؤمنوا ( والله أعلم بما كانوا يكتمونـ ) ـه من النفاق
62. ( وترى كثيرا منهم ) أي اليهود ( يسارعون ) يقعون سريعاً ( في الإثم ) الكذب ( والعدوان ) الظلم ( وأكلهم السحت ) الحرام كالرشا ( لبئس ما كانوا يعملونـ ) ـه عملهم هذا
63. ( لولا ) هلا ( ينهاهم الربانيون والأحبار ) منهم ( عن قولهم الإثم ) الكذب ( وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعونـ ) ـه ترك نهيهم
64. ( وقالت اليهود ) لما ضيق عليهم بتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كانوا أكثر الناس مالا ( يد الله مغلولة ) مقبوضة عن إدرار الرزق علينا كنوا به عن البخل تعالى الله عن ذلك قال تعالى ( غُلَّت ) أمسكت ( أيديهم ) عن فعل الخيرات دعاء عليهم ( ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ) مبالغة في الوصف بالجود وثني اليد لإفادة الكثرة إذ غاية ما يبذله السخي من ماله أي يعطي بيديه ( ينفق كيف يشاء ) من توسيع وتضييق لا اعتراض عليه ( وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك ) من القرآن ( طغيانا وكفرا ) لكفرهم به ( وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ) فكل يوم فرقة منهم تخالف الأخرى ( كلما أوقدوا نارا للحرب ) أي لحرب النبي صلى الله عليه وسلم ( أطفأها الله ) أي كلما أرادوه ردهم ( ويسعون في الأرض فسادا ) أي مفسدين بالمعاصي ( والله لا يحب المفسدين ) بمعنى أنه يعاقبهم
65. ( ولو أن أهل الكتاب آمنوا ) بمحمد صلى الله عليه وسلم ( واتقوا ) الكفر ( لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم )
66. ( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل ) بالعمل بما فيهما ومنه الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ( وما أنزل إليهم ) من الكتب ( من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) بأن يوسع عليهم الرزق ويفيض من كل جهة ( منهم أمة ) جماعة ( مقتصدة ) تعمل به وهم من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن سلام وأصحابه ( وكثير منهم ساء ) بئس ( ما ) شيئا ( يعملونـ ) ـه
67. ( يا أيها الرسول بلغ ) جميع ( ما أنزل إليك من ربك ) ولا تكتم شيئا منه خوفا أن تنال بمكروه ( وإن لم تفعل ) أي لم تبلغ جميع ما أنزل إليك ( فما بلغت رسالته ) بالإفراد والجمع لأن كتمان بعضها ككتمان كلها ( والله يعصمك من الناس ) أن يقتلوك وكان صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت فقال: « انصرفوا فقد عصمني الله » رواه الحاكم ( إن الله لا يهدي القوم الكافرين )
68. ( قل يا أهل الكتاب لستم على شيء ) من الدين معتد به ( حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم ) بأن تعملوا بما فيه ومنه الإيمان بي ( وليزيدن كثيرا ) ( منهم ما أنزل إليك من ربك ) من القرآن ( طغيانا وكفرا ) لكفرهم به ( فلا تأس ) تحزن ( على القوم الكافرين ) إن لم يؤمنوا بك أي لا تهتم بهم
69. ( إن الذين آمنوا والذين هادوا ) هم اليهود مبتدأ ( والصابئون ) فرقة منهم ( والنصارى ) ويبدل من المبتدأ ( من آمن ) منهم ( بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) في الآخرة خبر المبتدأ ودال على خبر إن
70. ( لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل ) على الإيمان بالله ورسله ( وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول ) منهم ( بما لا تهوى أنفسهم ) من الحق كذبوه ( فريقا ) منهم ( كذبوا وفريقا ) منهم ( يقتلون ) كزكريا ويحيى والتعبير به دون قتلوا حكاية للحال الماضية للفاصلة
71. ( وحسبوا ) ظنوا ( أ ) ن ( لا تكونُ ) بالرفع فأن مخففة والنصب فهي ناصبة أي تقع ( فتنة ) عذاب بهم على تكذيب الرسل وقتلهم ( فعموا ) عن الحق فلم يبصروه ( وصموا ) عن استماعه ( ثم تاب الله عليهم ) لما تابوا ( ثم عموا وصموا ) ثانيا ( كثير منهم ) بدل من الضمير ( والله بصير بما يعملون ) فيجازيهم به
72. ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ) سبق مثله ( وقال ) لهم ( المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم ) فإني عبد ولست بإله ( إنه من يشرك بالله ) في العبادة غيره ( فقد حرم الله عليه الجنة ) منعه أن يدخلها ( ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ) يمنعوهم من عذاب الله
73. ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ) آلهة ( ثلاثة ) أي أحدها والآخران عيسى وأمه وهم فرقة من النصارى ( وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ) من التثليث ويوحدوا ( ليمسن الذين كفروا ) أي ثبتوا على الكفر ( منهم عذاب أليم ) مؤلم وهو النار
74. ( أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه ) مما قالوا استفهام توبيخ ( والله غفور ) لمن تاب ( رحيم ) به
75. ( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت ) مضت ( من قبله الرسل ) فهو يمضي مثلهم وليس بإله كما زعموا وإلا لما مضى ( وأمه صدِّيقة ) مبالغة في الصدق ( كانا يأكلان الطعام ) كغيرهما من الناس ومن كان كذلك لا يكون إلها لتركيبه وضعفه وما ينشأ من البول والغائط ( انظر ) متعجبا ( كيف نبين لهم الآيات ) على وحدانيتنا ( ثم انظر أنى ) كيف ( يؤفكون ) يصرفون عن الحق مع قيام البرهان
76. ( قل أتعبدون من دون الله ) أي غيره ( ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع ) لأقوالكم ( العليم ) بأحوالكم والاستفهام للإنكار
77. ( قل يا أهل الكتاب ) اليهود والنصارى ( لا تغلوا ) تجاوزوا الحد ( في دينكم ) غلوا ( غير الحق ) بأن تضعوا عيسى أو ترفعوه فوق حقه ( ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل ) بغلوهم وهم أسلافهم ( وأضلوا كثيرا ) من الناس ( وضلوا عن سواء السبيل ) عن طريق الحق والسواء في الأصل الوسط
78. ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود ) بأن دعا عليهم فمسخوا قردة وهم أصحاب أيلة ( وعيسى ابن مريم ) بأن دعا عليهم فمسخوا خنازير وهم أصحاب المائدة ( ذلك ) اللعن ( بما عصوا وكانوا يعتدون )
79. ( كانوا لا يتناهون ) أي لا ينهى بعضهم بعضا ( عن ) معاودة ( منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) فعلهم هذا
80. ( ترى ) يا محمد ( كثيرا منهم يتولون الذين كفروا ) من أهل مكة بغضا لك ( لبئس ما قدمت لهم أنفسهم ) من العمل لمعادهم الموجب لهم ( أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون )
81. ( ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي ) محمد ( وما أنزل إليه ما اتخذوهم ) أي الكفار ( أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون ) خارجون عن الإيمان
82. ( لتجدن ) يا محمد ( أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ) من أهل مكة لتضاعف كفرهم وجهلهم وانهماكهم في اتباع الهوى ( ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك ) أي قرب مودتهم للمؤمنين ( بأن ) بسبب أن ( منهم قسيسين ) علماء ( ورهبانا ) عبادا ( وأنهم لا يستكبرون ) عن اتباع الحق كما يستكبر اليهود وأهل مكة نزلت في وفد النجاشي القادمين عليه من الحبشة قرأ صلى الله عليه وسلم سورة يس فبكوا وأسلموا وقالوا ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى
83. قال تعالى: ( وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ) من القرآن ( ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا ) صدقنا بنبيك وكتابك ( فاكتبنا مع الشاهدين ) المقربين بتصديقهم
84. ( و ) قالوا في جواب من عيرهم بالإسلام من اليهود ( ما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ) القرآن أي لا مانع لنا من الإيمان مع وجود مقتضيه ( ونطمع ) عطف على نؤمن ( أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ) المؤمنين الجنة
85. قال تعالى: ( فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين ) بالإيمان
86. ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم )
87. ونزل لما همَّ قوم من الصحابة أن يلازموا الصوم والقيام ولا يقربوا النساء والطيب ولا يأكلوا اللحم ولا يناموا على الفراش ( يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا ) تتجاوزوا أمر الله ( إن الله لا يحب المعتدين )
88. ( وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا ) مفعول والجار والمجرور قبله حال متعلق به ( واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون )
89. ( لا يؤاخذكم الله باللغو ) الكائن ( في أيمانكم ) هو ما يسبق إليه اللسان من غير قصد الحلف كقول الإنسان: لا والله ، وبلى والله ( ولكن يؤاخذكم بما عَقَدْتُم ) بالتخفيف والتشديد وفي قراءة { عاقدتم } ( الأيمان ) عليه بأن حلفتم عن قصد ( فكفارته ) أي اليمين إذا حنثتم فيه ( إطعام عشرة مساكين ) لكل مسكين مد ( من أوسط ما تطعمون ) منه ( أهليكم ) أي أقصده وأغلبه لا أعلاه ولا أدناه ( أو كسوتهم ) بما يسمى كسوة كقميص وعمامة وإزار ولا يكفي دفع ما ذكر إلى مسكين واحد وعليه الشافعي ( أو تحرير ) عتق ( رقبة ) أي مؤمنة كما في كفارة القتل والظهار حملا للمطلق على المقيد ( فمن لم يجد ) واحدا مما ذكر ( فصيام ثلاثة أيام ) كفارته وظاهره أنه لا يشترط التتابع وعليه الشافعي ( ذلك ) المذكور ( كفارة أيمانكم إذا حلفتم ) وحنثتم ( واحفظوا أيمانكم ) أن تنكثوها ما لم تكن على فعل بر أو إصلاح بين الناس كما في سورة البقرة ( كذلك ) أي مثل ما بين لكم ما ذكر ( يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرونـ ) ـه على ذلك
90. ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر ) المسكر الذي يخامر العقل ( والميسر ) القمار ( والأنصاب ) الأصنام ( والأزلام ) قداح الاستقسام ( رجس ) خبيث مستقذر ( من عمل الشيطان ) الذي يزينه ( فاجتنبوه ) أي الرجس المعبر به عن هذه الأشياء أن تفعلوه ( لعلكم تفلحون )
91. ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ) إذا أتيتموها لما يحصل فيهما من الشر والفتن ( ويصدكم ) بالاشتغال بهما ( عن ذكر الله وعن الصلاة ) خصها بالذكر تعظيما لها ( فهل أنتم منتهون ) عن إتيانهما ، أي انتهوا
92. ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا ) المعاصي ( فإن توليتم ) عن الطاعة ( فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين ) الإبلاغ البين وجزاؤكم علينا
93. ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ) أكلوا من الخمر والميسر قبل التحريم ( إذا ما اتقوا ) المحرمات ( وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ) ثبتوا على التقوى والإيمان ( ثم اتقوا وأحسنوا ) العمل ( والله يحب المحسنين ) بمعنى أنه يثيبهم
94. ( يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم ) ليختبرنكم ( الله بشيء ) يرسله لكم ( من الصيد تناله ) أي الصغار منه ( أيديكم ورماحكم ) الكبار منه ، وكان ذلك بالحديبية وهم محرمون فكانت الوحش والطير تغشاهم في رحالهم ( ليعلم الله ) علم الظهور ( من يخافه بالغيب ) حال أي غائبا لم يره فيجتنب الصيد ( فمن اعتدى بعد ذلك ) النهي عنه فاصطاده ( فله عذاب أليم )
95. ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) محرمون بحج أو عمرة ( ومن قتله منكم متعمدا فجزاء ) بالتنوين ورفع ما بعده أي فعليه جزاء هو ( مثل ما قتل من النعم ) أي شبهه في الخلقة وفي قراءة بإضافة جزاء ( يحكم به ) أي بالمثل رجلان ( ذوا عدل منكم ) لهم فطنة يميزان بها أشبه الأشياء به وقد حكم ابن عباس وعمر وعلي رضي الله عنهم في النعامة ببدنة وابن عباس وأبو عبيدة في بقر الوحش وحماره ببقرة وابن عمر وابن عوف في الظبي بشاة وحكم بها ابن عباس وعمر وغيرهما في الحمام لأنه يشبهها في العب ( هديا ) حال من جزاء ( بالغ الكعبة ) أي يبلغ به الحرم فيذبح فيه ويتصدق به على مساكينه ولا يجوز أن يذبح حيث كان ونصبه نعتا لما قبله وإن أضيف لأن إضافته لفظية لا تفيد تعريفا فإن لم يكن للصيد مثل من النعم كالعصفور والجراد فعليه قيمته ( أو ) عليه ( كفارة ) غير الجزاء وإن وجده هي ( طعام مساكين ) من غالب قوت البلد ما يساوي قيمة الجزاء لكل مسكين مد ، وفي قراءة بإضافة كفارة لما بعده وهي للبيان ( أو ) عليه ( عدل ) مثل ( ذلك ) الطعام ( صياما ) يصومه عن كل مد يوم وإن وجده وجب ذلك عليه ( ليذوق وبال ) ثقل جزاء ( أمره ) الذي فعله ( عفا الله عما سلف ) من قتل الصيد قبل تحريمه ( ومن عاد ) إليه ( فينتقم الله منه والله عزيز ) غالب على أمره ( ذو انتقام ) ممن عصاه ، وألحق بقتله متعمدا فيما ذكر الخطأ
96. ( أحل لكم ) أيها الناس حِلاً كنتم أو محرمين ( صيد البحر ) أن تأكلوه وهو ما لا يعيش إلا فيه كالسمك بخلاف ما يعيش فيه وفي البر كالسرطان ( وطعامه ) ما يقذفه ميتا ( متاعا ) تمتيعا ( لكم ) تأكلونه ( وللسيارة ) المسافرين منكم يتزودونه ( وحرم عليكم صيد البر ) وهو ما يعيش فيه من الوحش المأكول أن تصيدوه ( ما دمتم حرما ) فلو صاده مُحِل فللمحرم أكله كما بينته السنة ( واتقوا الله الذي إليه تحشرون )
97. ( جعل الله الكعبة البيت الحرام ) المحرم ( قياما للناس ) يقوم به أمر دينهم بالحج إليه ودنياهم بأمن داخله وعدم التعرض له وجبي ثمرات كل شيء إليه وفي قراءة { قيما } بلا ألف مصدر قام غير معل ( والشهر الحرام ) بمعنى الأشهر الحرم ذو القعدة وذو الحجة المحرم ورجب قياما لهم بأمنهم من القتال فيها ( والهدي والقلائد ) قياما لهم بأمن صاحبهما من التعرض له ( ذلك ) الجعل المذكور ( لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم ) فإن جعله ذلك لجلب المصالح لكم ودفع المضار عنكم قبل وقوعها دليل على علمه بما هو في الوجود وما هو كائن
98. ( اعلموا أن الله شديد العقاب ) لأعدائه ( وأن الله غفور ) لأوليائه ( رحيم ) بهم
99. ( ما على الرسول إلا البلاغ ) لكم ( والله يعلم ما تبدون ) تظهرون من العمل ( وما تكتمون ) تخفون منه فيجازيكم به
100. ( قل لا يستوي الخبيث ) الحرام ( والطيب ) الحلال ( ولو أعجبك ) أي سرك ( كثرة الخبيث فاتقوا الله ) في تركه ( يا أولي الألباب لعلكم تفلحون ) تفوزون
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
تابع سورة المائدة تفسير الجلالين
101. ونزل لما أكثروا سؤاله صلى الله عليه وسلم ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد ) تظهر ( لكم تسؤكم ) لما فيها من المشقة ( وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن ) في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ( تبد لكم ) المعنى إذا سألتم عن أشياء في زمنه ينزل القرآن بإبدائها ومتى أبداها ساءتكم فلا تسألوا عنها قد ( عفا الله عنها ) عن مسألتكم فلا تعودوا ( والله غفور حليم )
102. ( قد سألها ) أي الأشياء ( قوم من قبلكم ) أنبياءهم فأجيبوا ببيان أحكامها ( ثم أصبحوا ) صاروا ( بها كافرين ) بتركهم العمل بها
103. ( ما جعل ) شرع ( الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ) كما كان أهل الجاهلية يفعلونه ، روى البخاري عن سعيد بن المسيب قال: البحيرة التي يمنح درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس ، والسائبة التي كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء ، والوصيلة الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل بأنثى ثم تثني بعد بأنثى وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بأخرى ليس بينها ذكر ، والحام فحل الإبل يضرب الضراب المعدودة فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه من أن يحمل عليه شيء وسموه الحامي ( ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب ) في ذلك وفي نسبته إليه ( وأكثرهم لا يعقلون ) أن ذلك افتراء لأنهم قلدوا فيه آباءهم
104. ( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ) أي إلى حكمه من تحليل ما حرمتم ( قالوا حسبنا ) كافينا ( ما وجدنا عليه آباءنا ) من الدين والشريعة قال تعالى: ( أ ) حسبهم ذلك ( ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون ) إلى الحق
105. ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ) أي احفظوها وقوموا بصلاحها ( لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) قيل المراد لا يضركم من ضل من أهل الكتاب وقيل المراد غيرهم لحديث أبي ثعلبة الخشني: سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: « ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك » رواه الحاكم وغيره ( إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون ) فيجازيكم به
106. ( يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت ) أسبابه ( حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم ) خبر بمعنى الأمر أي ليشهد ، وإضافة شهادة لـ « بين » على الاتساع ، وحين بدل من إذا أو ظرف لحضر ( أو آخران من غيركم ) أي غير ملتكم ( إن أنتم ضربتم ) سافرتم ( في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما ) توقفونهما صفة آخران ( من بعد الصلاة ) أي صلاة العصر ( فيقسمان ) يحلفان ( بالله إن ارتبتم ) شككتم فيها ويقولان ( لا نشتري به ) بالله ( ثمنا ) عوضا نأخذه بدله من الدنيا بأن نحلف به أو نشهد كذبا لأجله ( ولو كان ) المقسم له والمشهود له ( ذا قربى ) قرابة منا ( ولا نكتم شهادة الله ) التي أمرنا بها ( إنا إذا ) إن كتمناها ( لمن الآثمين )
107. ( فإن عثر ) اطلع بعد حلفهما ( على أنهما استحقا إثماً ) أي فعلا ما يوجبه من خيانة أو كذب في الشهادة بأن وجد عندهما مثلا ما اتهما به وادعيا أنهما ابتاعاه من الميت أو أوصى لهما به ( فآخران يقومان مقامهما ) في توجه اليمين عليهما ( من الذين استحق عليهم ) الوصية وهم الورثة ويبدل من آخران ( الأوليان ) بالميت أي الأقربان إليه وفي قراءة { الأوَّلين } جمع أول صفة أو بدل من الذين ( فيقسمان بالله ) على خيانة الشاهدين ويقولان ( لشهادتنا ) يميننا ( أحق ) أصدق ( من شهادتهما ) يمينهما ( وما اعتدينا ) تجاوزنا الحق في اليمين ( إنا إذاً لمن الظالمين ) المعنى ليشهد المحتضر على وصيته اثنين أو يوصي إليهما من أهل دينه أو غيرهم إن فقدهم لسفر ونحوه فإن ارتاب الورثة فيهما فادعوا أنهما خانا بأخذ شيء أو دفعه إلى شخص زعما أن الميت أوصى له به فليحلفا إلى آخره فإن اطلع على أمارة تكذيبهما فادَّعيا دافعا له حلف أقرب الورثة على كذبهما وصدق ما ادعوه والحكم ثابت في الوصيين منسوخ في الشاهدين وكذا شهادة غير أهل الملة منسوخة واعتبار صلاة العصر للتغليظ وتخصيص الحلف في الآية باثنين من أقرب الورثة لخصوص الواقعة التي نزلت لها وهي ما رواه البخاري أن رجلا من بني سهم خرج مع تميم الداري وعدي بن بداء أي وهما نصرانيان فمات السهمي بأرض ليس فيها مسلم فلما قدما بتركته فقدوا جاماً من فضة مَخُوصا بالذهب فرفعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت فأحلفهما ثم وجد الجام بمكة فقالوا ابتعناه من تميم وعدي فنزلت الآية الثانية فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا وفي رواية الترمذي فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فحلفا وكان أقرب إليه ، وفي رواية فمرض فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله فلما مات أخذا الجام ودفعا إلى أهله ما بقي
108. ( ذلك ) الحكم المذكور من رد اليمين على الورثة ( أدنى ) أقرب إلى ( أن يأتوا ) أي الشهود أو الأوصياء ( بالشهادة على وجهها ) الذي تحملوها عليه من غير تحريف ولا خيانة ( أو ) أقرب إلى أن ( يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ) على الورثة المدعين فيحلفون على خيانتهم وكذبهم فيفتضحون ويغرمون فلا يكذبوا ( واتقوا الله ) بترك الخيانة والكذب ( واسمعوا ) ما تؤمرون به سماع قبول ( والله لا يهدي القوم الفاسقين ) الخارجين عن طاعته إلى سبيل الخير
109. اذكر ( يوم يجمع الله الرسل ) هو يوم القيامة ( فيقول ) لهم توبيخا لقومهم ( ماذا ) أي الذي ( أُجبتم ) به حين دعوتم إلى التوحيد ( قالوا لا علم لنا ) بذلك ( إنك أنت علام الغيوب ) ما غاب عن العباد وذهب عنهم علمه لشدة هول يوم القيامة وفزعهم ثم يشهدون على أممهم لما يسكنون
110. اذكر ( إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك ) اشكرها ( إذ أيدتك ) قويتك ( بروح القدس ) جبريل ( تكلم الناس ) حال من الكاف في أيدتك ( في المهد ) أي طفلا ( وكهلا ) يفيد نزوله قبل الساعة لأنه رفع قبل الكهولة كما سبق في آل عمران ( وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة ) كصورة ( الطير ) والكاف اسم بمعنى مثل مفعول ( بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني ) بإرادتي ( وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى ) من قبورهم أحياء ( بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك ) حين هموا بقتلك ( إذ جئتهم بالبينات ) المعجزات ( فقال الذين كفروا منهم إن ) ما ( هذا ) الذي جئت به ( إلا سحر مبين ) وفي قراءة { ساحر } أي عيسى
111. ( وإذ أوحيت إلى الحواريين ) أمرتهم على لسانه ( أن ) أي بأن ( آمنوا بي وبرسولي ) عيسى ( قالوا آمنا ) بك وبرسولك ( واشهد بأننا مسلمون )
112. اذكر ( إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ) أي يفعل ( ربك ) وفي قراءة بالفوقانية ونصب ما بعده أي تقدر أن تسأله ( أن ينزل علينا مائدة من السماء قال ) لهم عيسى ( اتقوا الله ) في اقتراح الآيات ( إن كنتم مؤمنين )
113. ( قالوا نريد ) سؤالها من أجل ( أن نأكل منها وتطمئن ) تسكن ( قلوبنا ) بزيادة اليقين ( ونعلم ) نزداد علما ( أن ) مخففة أي أنك ( قد صدقتنا ) في ادعاء النبوة ( ونكون عليها من الشاهدين )
114. ( قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا ) أي يوم نزولها ( عيدا ) نعظمه ونشرفه ( لأولنا ) بدل من لنا بإعادة الجار ( وآخرنا ) لمن يأتي بعدنا ( وآية منك ) على قدرتك ونبوتي ( وارزقنا ) إياها ( وأنت خير الرازقين )
115. ( قال الله ) مستجيبا له ( إني منْزِلُها ) بالتخفيف والتشديد ( عليكم فمن يكفر بعد ) أي نزولها ( منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) فنزلت الملائكة بها من السماء عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات فأكلوا منها حتى شبعوا قاله ابن عباس وفي حديث أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما فأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغد فخانوا وادخروا فمسخوا قردة وخنازير
116. ( و ) اذكر ( إذ قال ) أي يقول ( الله ) لعيسى في القيامة توبيخاً لقومه ( يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال ) عيسى وقد أرعد ( سبحانك ) تنزيها لك عما لا يليق بك من شريك وغيره ( ما يكون ) ما ينبغي ( لي أن أقول ما ليس لي بحق ) خبر ليس ، ولي للتبيين ( إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما ) أخفيه ( في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ) أي ما تخفيه من معلوماتك ( إنك أنت علام الغيوب )
117. ( ما قلت لهم إلا ما أمرتني به ) وهو ( أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ) رقيبا أمنعهم مما يقولون ( ما دمت فيهم فلما توفيتني ) قبضتني بالرفع إلى السماء ( كنت أنت الرقيب عليهم ) الحفيظ لأعمالهم ( وأنت على كل شيء ) من قولي لهم وقولهم بعدي وغير ذلك ( شهيد ) مطلع عالم به
118. ( إن تعذبهم ) أي من أقام على الكفر منهم ( فإنهم عبادك ) وأنت مالكهم تتصرف فيهم كيف شئت لا اعتراض عليك ( وإن تغفر لهم ) أي لمن آمن منهم ( فإنك أنت العزيز ) على أمره ( الحكيم ) في صنعه
119. ( قال الله هذا ) أي يوم القيامة ( يوم ينفع الصادقين ) في الدنيا كعيسى ( صدقهم ) لأنه يوم الجزاء ( لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ) بطاعته ( ورضوا عنه ) بثوابه ( ذلك الفوز العظيم ) ولا ينفع الكاذبين في الدنيا صدقهم فيه كالكفار لما يؤمنون عند رؤية العذاب
120. ( لله ملك السماوات والأرض ) خزائن المطر والنبات والرزق وغيرها ( وما فيهن ) أتى بما تغليبا لغير العاقل ( وهو على كل شيء قدير ) ومنه إثابة الصادق وتعذيب الكاذب
101. ونزل لما أكثروا سؤاله صلى الله عليه وسلم ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد ) تظهر ( لكم تسؤكم ) لما فيها من المشقة ( وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن ) في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ( تبد لكم ) المعنى إذا سألتم عن أشياء في زمنه ينزل القرآن بإبدائها ومتى أبداها ساءتكم فلا تسألوا عنها قد ( عفا الله عنها ) عن مسألتكم فلا تعودوا ( والله غفور حليم )
102. ( قد سألها ) أي الأشياء ( قوم من قبلكم ) أنبياءهم فأجيبوا ببيان أحكامها ( ثم أصبحوا ) صاروا ( بها كافرين ) بتركهم العمل بها
103. ( ما جعل ) شرع ( الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ) كما كان أهل الجاهلية يفعلونه ، روى البخاري عن سعيد بن المسيب قال: البحيرة التي يمنح درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس ، والسائبة التي كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء ، والوصيلة الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل بأنثى ثم تثني بعد بأنثى وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بأخرى ليس بينها ذكر ، والحام فحل الإبل يضرب الضراب المعدودة فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه من أن يحمل عليه شيء وسموه الحامي ( ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب ) في ذلك وفي نسبته إليه ( وأكثرهم لا يعقلون ) أن ذلك افتراء لأنهم قلدوا فيه آباءهم
104. ( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ) أي إلى حكمه من تحليل ما حرمتم ( قالوا حسبنا ) كافينا ( ما وجدنا عليه آباءنا ) من الدين والشريعة قال تعالى: ( أ ) حسبهم ذلك ( ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون ) إلى الحق
105. ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ) أي احفظوها وقوموا بصلاحها ( لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) قيل المراد لا يضركم من ضل من أهل الكتاب وقيل المراد غيرهم لحديث أبي ثعلبة الخشني: سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: « ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك » رواه الحاكم وغيره ( إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون ) فيجازيكم به
106. ( يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت ) أسبابه ( حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم ) خبر بمعنى الأمر أي ليشهد ، وإضافة شهادة لـ « بين » على الاتساع ، وحين بدل من إذا أو ظرف لحضر ( أو آخران من غيركم ) أي غير ملتكم ( إن أنتم ضربتم ) سافرتم ( في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما ) توقفونهما صفة آخران ( من بعد الصلاة ) أي صلاة العصر ( فيقسمان ) يحلفان ( بالله إن ارتبتم ) شككتم فيها ويقولان ( لا نشتري به ) بالله ( ثمنا ) عوضا نأخذه بدله من الدنيا بأن نحلف به أو نشهد كذبا لأجله ( ولو كان ) المقسم له والمشهود له ( ذا قربى ) قرابة منا ( ولا نكتم شهادة الله ) التي أمرنا بها ( إنا إذا ) إن كتمناها ( لمن الآثمين )
107. ( فإن عثر ) اطلع بعد حلفهما ( على أنهما استحقا إثماً ) أي فعلا ما يوجبه من خيانة أو كذب في الشهادة بأن وجد عندهما مثلا ما اتهما به وادعيا أنهما ابتاعاه من الميت أو أوصى لهما به ( فآخران يقومان مقامهما ) في توجه اليمين عليهما ( من الذين استحق عليهم ) الوصية وهم الورثة ويبدل من آخران ( الأوليان ) بالميت أي الأقربان إليه وفي قراءة { الأوَّلين } جمع أول صفة أو بدل من الذين ( فيقسمان بالله ) على خيانة الشاهدين ويقولان ( لشهادتنا ) يميننا ( أحق ) أصدق ( من شهادتهما ) يمينهما ( وما اعتدينا ) تجاوزنا الحق في اليمين ( إنا إذاً لمن الظالمين ) المعنى ليشهد المحتضر على وصيته اثنين أو يوصي إليهما من أهل دينه أو غيرهم إن فقدهم لسفر ونحوه فإن ارتاب الورثة فيهما فادعوا أنهما خانا بأخذ شيء أو دفعه إلى شخص زعما أن الميت أوصى له به فليحلفا إلى آخره فإن اطلع على أمارة تكذيبهما فادَّعيا دافعا له حلف أقرب الورثة على كذبهما وصدق ما ادعوه والحكم ثابت في الوصيين منسوخ في الشاهدين وكذا شهادة غير أهل الملة منسوخة واعتبار صلاة العصر للتغليظ وتخصيص الحلف في الآية باثنين من أقرب الورثة لخصوص الواقعة التي نزلت لها وهي ما رواه البخاري أن رجلا من بني سهم خرج مع تميم الداري وعدي بن بداء أي وهما نصرانيان فمات السهمي بأرض ليس فيها مسلم فلما قدما بتركته فقدوا جاماً من فضة مَخُوصا بالذهب فرفعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت فأحلفهما ثم وجد الجام بمكة فقالوا ابتعناه من تميم وعدي فنزلت الآية الثانية فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا وفي رواية الترمذي فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فحلفا وكان أقرب إليه ، وفي رواية فمرض فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله فلما مات أخذا الجام ودفعا إلى أهله ما بقي
108. ( ذلك ) الحكم المذكور من رد اليمين على الورثة ( أدنى ) أقرب إلى ( أن يأتوا ) أي الشهود أو الأوصياء ( بالشهادة على وجهها ) الذي تحملوها عليه من غير تحريف ولا خيانة ( أو ) أقرب إلى أن ( يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ) على الورثة المدعين فيحلفون على خيانتهم وكذبهم فيفتضحون ويغرمون فلا يكذبوا ( واتقوا الله ) بترك الخيانة والكذب ( واسمعوا ) ما تؤمرون به سماع قبول ( والله لا يهدي القوم الفاسقين ) الخارجين عن طاعته إلى سبيل الخير
109. اذكر ( يوم يجمع الله الرسل ) هو يوم القيامة ( فيقول ) لهم توبيخا لقومهم ( ماذا ) أي الذي ( أُجبتم ) به حين دعوتم إلى التوحيد ( قالوا لا علم لنا ) بذلك ( إنك أنت علام الغيوب ) ما غاب عن العباد وذهب عنهم علمه لشدة هول يوم القيامة وفزعهم ثم يشهدون على أممهم لما يسكنون
110. اذكر ( إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك ) اشكرها ( إذ أيدتك ) قويتك ( بروح القدس ) جبريل ( تكلم الناس ) حال من الكاف في أيدتك ( في المهد ) أي طفلا ( وكهلا ) يفيد نزوله قبل الساعة لأنه رفع قبل الكهولة كما سبق في آل عمران ( وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة ) كصورة ( الطير ) والكاف اسم بمعنى مثل مفعول ( بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني ) بإرادتي ( وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى ) من قبورهم أحياء ( بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك ) حين هموا بقتلك ( إذ جئتهم بالبينات ) المعجزات ( فقال الذين كفروا منهم إن ) ما ( هذا ) الذي جئت به ( إلا سحر مبين ) وفي قراءة { ساحر } أي عيسى
111. ( وإذ أوحيت إلى الحواريين ) أمرتهم على لسانه ( أن ) أي بأن ( آمنوا بي وبرسولي ) عيسى ( قالوا آمنا ) بك وبرسولك ( واشهد بأننا مسلمون )
112. اذكر ( إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ) أي يفعل ( ربك ) وفي قراءة بالفوقانية ونصب ما بعده أي تقدر أن تسأله ( أن ينزل علينا مائدة من السماء قال ) لهم عيسى ( اتقوا الله ) في اقتراح الآيات ( إن كنتم مؤمنين )
113. ( قالوا نريد ) سؤالها من أجل ( أن نأكل منها وتطمئن ) تسكن ( قلوبنا ) بزيادة اليقين ( ونعلم ) نزداد علما ( أن ) مخففة أي أنك ( قد صدقتنا ) في ادعاء النبوة ( ونكون عليها من الشاهدين )
114. ( قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا ) أي يوم نزولها ( عيدا ) نعظمه ونشرفه ( لأولنا ) بدل من لنا بإعادة الجار ( وآخرنا ) لمن يأتي بعدنا ( وآية منك ) على قدرتك ونبوتي ( وارزقنا ) إياها ( وأنت خير الرازقين )
115. ( قال الله ) مستجيبا له ( إني منْزِلُها ) بالتخفيف والتشديد ( عليكم فمن يكفر بعد ) أي نزولها ( منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ) فنزلت الملائكة بها من السماء عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات فأكلوا منها حتى شبعوا قاله ابن عباس وفي حديث أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما فأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغد فخانوا وادخروا فمسخوا قردة وخنازير
116. ( و ) اذكر ( إذ قال ) أي يقول ( الله ) لعيسى في القيامة توبيخاً لقومه ( يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال ) عيسى وقد أرعد ( سبحانك ) تنزيها لك عما لا يليق بك من شريك وغيره ( ما يكون ) ما ينبغي ( لي أن أقول ما ليس لي بحق ) خبر ليس ، ولي للتبيين ( إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما ) أخفيه ( في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ) أي ما تخفيه من معلوماتك ( إنك أنت علام الغيوب )
117. ( ما قلت لهم إلا ما أمرتني به ) وهو ( أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ) رقيبا أمنعهم مما يقولون ( ما دمت فيهم فلما توفيتني ) قبضتني بالرفع إلى السماء ( كنت أنت الرقيب عليهم ) الحفيظ لأعمالهم ( وأنت على كل شيء ) من قولي لهم وقولهم بعدي وغير ذلك ( شهيد ) مطلع عالم به
118. ( إن تعذبهم ) أي من أقام على الكفر منهم ( فإنهم عبادك ) وأنت مالكهم تتصرف فيهم كيف شئت لا اعتراض عليك ( وإن تغفر لهم ) أي لمن آمن منهم ( فإنك أنت العزيز ) على أمره ( الحكيم ) في صنعه
119. ( قال الله هذا ) أي يوم القيامة ( يوم ينفع الصادقين ) في الدنيا كعيسى ( صدقهم ) لأنه يوم الجزاء ( لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ) بطاعته ( ورضوا عنه ) بثوابه ( ذلك الفوز العظيم ) ولا ينفع الكاذبين في الدنيا صدقهم فيه كالكفار لما يؤمنون عند رؤية العذاب
120. ( لله ملك السماوات والأرض ) خزائن المطر والنبات والرزق وغيرها ( وما فيهن ) أتى بما تغليبا لغير العاقل ( وهو على كل شيء قدير ) ومنه إثابة الصادق وتعذيب الكاذب
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
6. سورة الأنعام [ مكية إلا الآيات 20 و 23 و 91 و 93 و 114 و 141 و 151 و 152 و 153 فمدنية وآياتها 165 نزلت بعد الحجر ]
1. ( الحمد ) وهو الوصف بالجميل ثابت ( لله ) وهل المراد الإعلام بذلك للإيمان به أو الثناء به أو هما احتمالات أفيدها الثالث قاله الشيخ في سورة الكهف ( الذي خلق السماوات والأرض ) خصهما بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات للناظرين ( وجعل ) خلق ( الظلمات والنور ) أي كل ظلمة ونور وجمعها دونه لكثرة أسبابها وهذا من دلائل وحدانيته ( ثم الذين كفروا ) مع قيام هذا الدليل ( بربهم يعدلون ) يسوون غيره في العبادة
2. ( هو الذي خلقكم من طين ) بخلق أبيكم آدم منه ( ثم قضى أجلا ) لكم تموتون عند انتهائه ( وأجل مسمى ) مضروب ( عنده ) لبعثكم ( ثم أنتم ) أيها الكفار ( تمترون ) تشكون في البعث بعد علمكم أنه ابتدأ خلقكم ومن قدر على الابتداء فهو على الإعادة أقدر
3. ( وهو الله ) مستحق العبادة ( في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ) ما تسرون وما تجهرون به بينكم ( ويعلم ما تكسبون ) تعملون من خير وشر
4. ( وما تأتيهم ) أي أهل مكة ( من ) صلة ( آية من آيات ربهم ) من القرآن ( إلا كانوا عنها معرضين )
5. ( فقد كذبوا بالحق ) بالقرآن ( لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ) عواقب ( ما كانوا به يستهزئون )
6. ( ألم يروا ) في أسفارهم إلى الشام ( كم ) خبرية بمعنى كثيرا ( أهلكنا من قبلهم من قرن ) أمة من الأمم الماضية ( مكناهم ) أعطيناهم مكانا ( في الأرض ) بالقوة والسعة ( ما لم نمكن ) نعط ( لكم ) فيه التفات عن الغيبة ( وأرسلنا السماء ) المطر ( عليهم مدرارا ) متتابعا ( وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم ) تحت مساكنهم ( فأهلكناهم بذنوبهم ) بتكذيبهم الأنبياء ( وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين )
7. ( ولو نزلنا عليك كتابا ) مكتوبا ( في قرطاس ) رق كما اقترحوه ( فلمسوه بأيديهم ) أبلغ من عاينوه لأنه أنفى للشك ( لقال الذين كفروا إن ) ما ( هذا إلا سحر مبين ) تعنتا وعنادا
8. ( وقالوا لولا ) هلا ( أنزل عليه ) على محمد صلى الله عليه وسلم ( ملك ) يصدقه ( ولو أنزلنا ملكا ) كما اقترحوا فلم يؤمنوا ( لقضي الأمر ) بهلاكهم ( ثم لا ينظرون ) يمهلون لتوبة أو معذرة كعادة الله فيمن قبلهم من إهلاكهم عند وجود مقترحهم إذا لم يؤمنوا
9. ( ولو جعلناه ) أي المنزَّل إليهم ( ملكا لجعلناه ) أي الملك ( رجلا ) أي على صورته ليتمكنوا من رؤيته إذ لا قوة للبشر على رؤية الملك لو أنزلناه وجعلناه رجلا ( وللبسنا ) شبهنا ( عليهم ما يلبسون ) على أنفسهم بأن يقولوا ما هذا إلا بشر مثلكم
10. ( ولقد استهزئ برسل من قبلك ) فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ( فحاق ) نزل ( بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون ) وهو العذاب فكذا يحيق بمن استهزأ بك
11. ( قل ) لهم ( سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) الرسل من هلاكهم بالعذاب ليعتبروا
12. ( قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله ) إن لم يقولوه لا جواب غيره ( كتب على نفسه ) قضى على نفسه ( الرحمة ) فضلا منه وفيه تلطيف في دعائهم إلى الإيمان ( ليجمعنكم إلى يوم القيامة ) ليجازيكم بأعمالكم ( لا ريب ) لا شك ( فيه الذين خسروا أنفسهم ) بتعريضها للعذاب مبتدأ خبره ( فهم لا يؤمنون )
13. ( وله ) تعالى ( ما سكن ) حلَّ ( في الليل والنهار ) أي كل شيء فهو ربه وخالقه ومالكه ( وهو السميع ) لما يقال ( العليم ) بما يفعل
14. ( قل ) لهم ( أغير الله أتخذ وليا ) أعبده ( فاطر السماوات والأرض ) مبدعهما ( وهو يُطْعِم ) يرزِق ( ولا يُطْعَم ) لايُرزَق ( قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ) لله من هذه الأمة ( و ) قيل لي ( لا تكونن من المشركين ) به
15. ( قل إني أخاف إن عصيت ربي ) بعبادة غيره ( عذاب يوم عظيم ) هو يوم القيامة
16. ( من يصرف ) بالبناء للمفعول أي العذاب وللفاعل أي الله والعائد محذوف ( عنه يومئذ فقد رحمه ) تعالى أي أراد له الخير ( وذلك الفوز المبين ) النجاة الظاهرة
17. ( وإن يمسسك الله بضر ) بلاء كمرض وفقر ( فلا كاشف ) رافع ( له إلا هو وإن يمسسك بخير ) كصحة وغنى ( فهو على كل شيء قدير ) ومنه مسك به ولا يقدر على رده عنك غيره
18. ( وهو القاهر ) القادر الذي لا يعجزه شيء مستعليا ( فوق عباده وهو الحكيم ) في خلقه ( الخبير ) ببواطنهم كظواهرهم
19. ونزل لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ائتنا بمن يشهد لك بالنبوة فإن أهل الكتاب أنكروك ( قل ) لهم ( أي شيء أكبر شهادة ) تمييز محول عن المبتدأ ( قل الله ) إن لم يقولوه لا جواب غيره هو ( شهيد بيني وبينكم ) على صدقي ( وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم ) أخوفكم يا أهل مكة ( به ومن بلغ ) عطف على ضمير أنذركم أي بلغه القرآن من الإنس والجن ( أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى ) استفهام إنكار ( قل ) لهم ( لا أشهد ) بذلك ( قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون ) معه من الأصنام
20. ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه ) أي محمداً بنعته في كتابهم ( كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم ) منهم ( فهم لا يؤمنون ) به
21. ( ومن ) أي لا أحد ( أظلم ممن افترى على الله كذبا ) بنسبة الشريك إليه ( أو كذب بآياته ) القرآن ( إنه ) أي الشأن ( لا يفلح الظالمون ) بذلك
22. ( و ) اذكر ( يوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا ) توبيخا ( أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ) أنهم شركاء الله
23. ( ثم لم تكن ) بالتاء والياء ( فتنتهم ) بالنصب والرفع أي معذرتهم ( إلا أن قالوا ) أي قولهم ( والله ربنا ) بالجر نعت والنصب نداء ( ما كنا مشركين )
24. قال تعالى: ( انظر ) يا محمد ( كيف كذبوا على أنفسهم ) بنفي الشرك عنهم ( وضل ) غاب ( عنهم ما كانوا يفترونـ ) ـه على الله من شركاء
25. ( ومنهم من يستمع إليك ) إذا قرأت ( وجعلنا على قلوبهم أكنة ) أغطية لـ ( أن ) لا ( يفقهوه ) يفهموا القرآن ( وفي آذانهم وقراً ) صمماً فلا يسمعونه سماع قبول ( وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاؤوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن ) ما ( هذا ) القرآن ( إلا أساطير ) أكاذيب ( الأولين ) كالأضاحيك والأعاجيب جمع أسطورة بالضم
26. ( وهم ينهون ) الناس ( عنه ) عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ( وينأون ) يتباعدون ( عنه ) فلا يؤمنون به ، وقيل نزلت في أبي طالب كان ينهى عن أذاه ولا يؤمن به ( وإن ) ما ( يهلكون ) بالنأي عنه ( إلا أنفسهم ) لأن ضرره عليهم ( وما يشعرون ) بذلك
27. ( ولو ترى ) يا محمد ( إذ وُقِفوا ) عرضوا ( على النار فقالوا يا ) للتنبيه ( ليتنا نُرَد ) إلى الدنيا ( ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ) برفع الفعلين استئنافا ونصبهما في جواب التمني ورفع الأول ونصب الثاني وجواب لو رأيت أمرا عظيما
28. قال تعالى ( بل ) للإضراب عن إرادة الإيمان المفهوم من التمني ( بدا ) ظهر ( لهم ما كانوا يخفون من قبل ) يكتمون بقولهم { والله ربنا ما كنا مشركين بشهادة } جوارحهم فتمنوا ذلك ( ولو ردوا ) إلى الدنيا فرضا ( لعادوا لما نهوا عنه ) من الشرك ( وإنهم لكاذبون ) في وعدهم بالإيمان
29. ( وقالوا ) أي منكر والبعث ( إن ) ما ( هي ) أي الحياة ( إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين )
30. ( ولو ترى إذ وُقفوا ) عرضوا ( على ربهم ) لرأيت أمرا عظيما ( قال ) لهم على لسان الملائكة توبيخا ( أليس هذا ) البعث والحساب ( بالحق قالوا بلى وربنا ) إنه لحق ( قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) به في الدنيا
31. ( قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله ) بالبعث ( حتى ) غاية للتكذيب ( إذا جاءتهم الساعة ) القيامة ( بغتة ) فجأة ( قالوا يا حسرتنا ) هي شدة التألم ونداؤها مجاز أي هذا أوانك فاحضري ( على ما فرطنا ) قصرنا ( فيها ) أي الدنيا ( وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ) بأن تأتيهم عند البعث في أقبح شيء صورة وأنتنه ريحا فتركبهم ( ألا ساء ) بئس ( ما يزرون ) يحملونه حملهم ذلك
32. ( وما الحياة الدنيا ) أي الاشتغال بها ( إلا لعب ولهو ) وأما الطاعة وما يعين عليها فمن أمور الآخرة ( وللدار الآخرة ) وفي قراءة { ولدار الآخرة } أي الجنة ( خير للذين يتقون ) الشرك ( أفلا يعقلون ) بالياء والتاء ذلك فيؤمنوا
33. ( قد ) للتحقيق ( نعلم إنه ) أي الشأن ( ليحزنك الذي يقولون ) لك من التكذيب ( فإنهم لا يكذبونك ) في السر لعلمهم أنك صادق وفي قراءة بالتخفيف أي لا ينسبونك إلى الكذب ( ولكن الظالمين ) وضعه موضع المضمر ( بآيات الله ) القرآن ( يجحدون ) يكذبون
34. ( ولقد كذبت رسل من قبلك ) فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ( فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ) بإهلاك قومهم فاصبر حتى يأتيك النصر بإهلاك قومك ( ولا مبدل لكلمات الله ) مواعيده ( ولقد جاءك من نبأ المرسلين ) ما يسكن به قلبك
35. ( وإن كان كبر ) عظم ( عليك إعراضهم ) عن الإسلام لحرصك عليهم ( فإن استطعت أن تبتغي نفقا ) سربا ( في الأرض أو سلما ) مصعدا ( في السماء فتأتيهم بآية ) مما اقترحوا فافعل ، المعنى أنك لا تستطيع ذلك فاصبر حتى يحكم الله ( ولو شاء الله ) هدايتهم ( لجمعهم على الهدى ) ولكن لم يشأ ذلك فلم يؤمنوا ( فلا تكونن من الجاهلين ) بذلك
36. ( إنما يستجيب ) دعاءك إلى الإيمان ( الذين يسمعون ) سماع تفهم واعتبار ( والموتى ) أي الكفار شبههم بهم في عدم السماع ( يبعثهم الله ) في الآخرة ( ثم إليه يرجعون ) يردون فيجازيهم بأعمالهم
37. ( وقالوا ) أي كفار مكة ( لولا ) هلا ( نزل عليه آية من ربه ) كالناقة والعصا والمائدة ( قل ) لهم ( إن الله قادر على أن ينزِّل ) بالتشديد والتخفيف ( آية ) مما اقترحوا ( ولكن أكثرهم لا يعلمون ) أن نزولها بلاء عليهم لوجوب هلاكهم إن جحدوها
38. ( وما من ) زائدة ( دابة ) تمشي ( في الأرض ولا طائر يطير ) في الهواء ( بجناحيه إلا أمم أمثالكم ) في تدبير خلقها ورزقها وأحوالهم ( ما فرطنا ) تركنا ( في الكتاب ) اللوح المحفوظ ( من ) زائدة ( شيء ) فلم نكتبه ( ثم إلى ربهم يحشرون ) فيقضي بينهم ويقتص للجماء من القرناء ثم يقول لهم كونوا ترابا
39. ( والذين كذبوا بآياتنا ) القرآن ( صم ) عن سماعها سماع قبول ( وبكم ) عن النطق بالحق ( في الظلمات ) الكفر ( من يشأ الله ) إضلاله ( يضلله ومن يشأ ) هدايته ( يجعله على صراط ) طريق ( مستقيم ) دين الإسلام
40. ( قل ) يا محمد لأهل مكة ( أرأيتكم ) أخبروني ( إن أتاكم عذاب الله ) في الدنيا ( أو أتتكم الساعة ) القيامة المشتملة عليه بغتة ( أغير الله تدعون ) لا ( إن كنتم صادقين ) في أن الأصنام تنفعكم فادعوها
41. ( بل إياه ) لا غيره ( تدعون ) في الشدائد ( فيكشف ما تدعون إليه ) أن يكشفه عنكم من الضر ونحوه ( إن شاء ) كشفه ( وتنسون ) تتركون ( ما تشركون ) معه من الأصنام فلا تدعونه
42. ( ولقد أرسلنا إلى أمم من ) زائدة ( قبلك ) رسلا فكذبوهم ( فأخذناهم بالبأساء ) شدة الفقر ( والضراء ) المرض ( لعلهم يتضرعون ) يتذللون فيؤمنوا
43. ( فلولا ) فهلا ( إذ جاءهم بأسنا ) عذابنا ( تضرعوا ) أي لم يفعلوا ذلك مع قيام المقتضي له ( ولكن قست قلوبهم ) فلم تلن للإيمان ( وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ) من المعاصي فأصروا عليها
44. ( فلما نسوا ) تركوا ( ما ذكروا ) وعظوا وخوفوا ( به ) من البأساء والضراء فلم يتعظوا ( فتحنا ) بالتخفيف والتشديد ( عليهم أبواب كل شيء ) من النعم استدراجا لهم ( حتى إذا فرحوا بما أوتوا ) فرح بطر ( أخذناهم ) بالعذاب ( بغتة ) فجأة ( فإذا هم مبلسون ) آيسون من كل خير
45. ( فقطع دابر القوم الذين ظلموا ) أي آخرهم بأن استؤصلوا ( والحمد لله رب العالمين ) على نصر الرسل وإهلاك الكافرين
46. ( قل ) لأهل مكة ( أرأيتم ) أخبروني ( إن أخذ الله سمعكم ) أصمكم ( وأبصاركم ) أعمالكم ( وختم ) طبع ( على قلوبكم ) فلا تعرفون شيئا ( من إله غير الله يأتيكم به ) بما أخذه منكم بزعمكم ( انظر كيف نصرف ) نبين ( الآيات ) الدلالات على وحدانيتنا ( ثم هم يصدفون ) يعرضون عنها فلا يؤمنون
47. ( قل ) لهم ( أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة ) ليلا أو نهارا ( هل يهلك إلا القوم الظالمون ) الكافرون أي ما يهلك إلا هم
48. ( وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ) من آمن بالجنة ( ومنذرين ) من كفر بالنار ( فمن آمن ) بهم ( وأصلح ) عمله ( فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) في الآخرة
49. ( والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون ) يخرجون عن الطاعة
50. ( قل ) لهم ( لا أقول لكم عندي خزائن الله ) التي منها يرزق ( ولا ) أني ( أعلم الغيب ) ما غاب عني ولم يوح إلي ( ولا أقول لكم إني ملك ) من الملائكة ( إن ) ما ( أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى ) الكافر ( والبصير ) المؤمن ؟ لا ( أفلا تتفكرون ) في ذلك فتؤمنون
51. ( وأنذر ) خوف ( به ) أي القرآن ( الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ) أي غيره ( ولي ) ينصرهم ( ولا شفيع ) يشفع لهم وحملة النفي حال من ضمير يحشروا وهي محل الخوف والمراد بهم المؤمنون العاصون ( لعلهم يتقون ) الله بإقلاعهم عما هم فيه وعمل الطاعات
52. ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون ) بعبادتهم ( وجهه ) تعالى لا شيئا من أعراض الدنيا وهم الفقراء وكان المشركون طعنوا فيهم وطلبوا أن يطردهم ليجالسوه وأراد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك طمعا في إسلامهم ( ما عليك من حسابهم من ) زائدة ( شيء ) إن كان باطنهم غير مرضي ( وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم ) جواب النفي ( فتكون من الظالمين ) إن فعلت
53. ( وكذلك فتنا ) ابتلينا ( بعضهم ببعض ) أي الشريف بالوضيع والغني بالفقير بأن قدمناه بالسبق إلى الإيمان ( ليقولوا ) أي الشرفاء والأغنياء منكرين ( أهؤلاء ) الفقراء ( من الله عليهم من بيننا ) بالهداية أي لو كان ما هم عليه هدى ما سبقونا إليه قال تعالى: ( أليس الله بأعلم بالشاكرين ) له فيهديهم ، بلى
54. ( وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل ) لهم ( سلام عليكم كتب ) قضى ( ربكم على نفسه الرحمة أنه ) أي الشأن ، وفي قراءة بالفتح بدل من الرحمة ( من عمل منكم سوءاً بجهالة ) منه حيث ارتكبه ( ثم تاب ) رجع ( من بعده ) بعد عمله منه ( وأصلح ) عمله ( فإنه ) أي الله ( غفور ) له ( رحيم ) به وفي قراءة بالفتح أي فالمغفرة له
55. ( وكذلك ) كما بينا ما ذكر ( نفصل ) نبين ( الآيات ) القرآن ليظهر الحق فيعمل به ( ولتستبين ) تظهر ( سبيل ) طريق ( المجرمين ) فتُجتَنب ، وفي قراءة بالتحتانية وفي أخرى بالفوقانية ونصب سبيل خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم
56. ( قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون ) تعبدون ( من دون الله قل لا أتبع أهواءكم ) في عبادتها ( قد ضللت إذا ) إن اتبعتها ( وما أنا من المهتدين )
57. ( قل إني على بينة ) بيان ( من ربي و ) قد ( كذبتم به ) بربي حيث أشركتم ( ما عندي ما تستعجلون به ) من العذاب ( إن ) ما ( الحكم ) في ذلك وغيره ( إلا لله يقضي ) القضاء ( الحق وهو خير الفاصلين ) الحاكمين ، وفي قراءة { يَقُصُّ } أي يقول
58. ( قل ) لهم ( لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم ) بأن أعجله لكم وأستريح ولكنه عند الله ( والله أعلم بالظالمين ) متى يعاقبهم
59. ( وعنده ) تعالى ( مفاتح الغيب ) خزائنه أو الطرق الموصلة إلى علمه ( لا يعلمها إلا هو ) وهي الخمسة التي في قوله { إن الله عنده علم الساعة } الآية كما رواه البخاري ( ويعلم ما ) يحدث ( في البر ) القفار ( والبحر ) القرى التي على الأنهار ( وما تسقط من ) زائدة ( ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس ) عطف على ورقة ( إلا في كتاب مبين ) هو اللوح المحفوظ والاستئناف بدل اشتمال من الاستثناء قبله
60. ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ) يقبض أرواحكم عند النوم ( ويعلم ما جرحتم ) كسبتم ( بالنهار ثم يبعثكم فيه ) أي النهار بردِّ أرواحكم ( ليقضى أجل مسمى ) هو أجل الحياة ( ثم إليه مرجعكم ) بالبعث ( ثم ينبئكم بما كنتم تعملون ) فيجازيكم به
61. ( وهو القاهر ) مستعليا ( فوق عباده ويرسل عليكم حفظة ) ملائكة تحصي أعمالكم ( حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته ) وفي قراءة { توفاه } ( رسلنا ) الملائكة الموكلون بقبض الأرواح ( وهم لا يفرِّطون ) يقصرون فيما يؤمرون به
62. ( ثم ردوا ) أي الخلق ( إلى الله مولاهم ) مالكهم ( الحق ) الثابت العدل ليجازيهم ( ألا له الحكم ) القضاء النافذ فيهم ( وهو أسرع الحاسبين ) يحاسب الخلق كلهم في قدر نصف نهار من أيام الدنيا لحديث بذلك
63. ( قل ) يا محمد لأهل مكة ( من ينجِّيكم من ظلمات البر والبحر ) أهوالها في أسفاركم حين ( تدعونه تضرعا ) علانية ( وخفية ) سراً تقولون ( لئن ) لام قسم ( أنجيتنا ) وفي قراءة { أنجانا } أي الله ( من هذه ) الظلمات والشدائد ( لنكونن من الشاكرين ) المؤمنين
64. ( قل ) لهم ( الله ينجيكم ) بالتخفيف والتشديد ( منها ومن كل كرب ) غم سواها ( ثم أنتم تشركون ) به
65. ( قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم ) من السماء كالحجارة والصيحة ( أو من تحت أرجلكم ) كالخسف ( أو يلبسكم ) يخلطكم ( شيعا ) فرقا مختلفة الأهواء ( ويذيق بعضكم بأس بعض ) بالقتال قال صلى الله عليه وسلم لما نزلت : « هذا أهون وأيسر » ولما نزل ما قبله : « أعوذ بوجهك » رواه البخاري وروى مسلم حديث « سألت ربي ألا يجعل بأس أمتي بينهم فمنعنيها » وفي حديث « لما نزلت قال أما إنها كائنة ولم يأت تأويلها بعد » ( انظر كيف نصرف ) نبين لهم ( الآيات ) الدالات على قدرتنا ( لعلهم يفقهون ) يعلمون أن ما هم عليه باطل
66. ( وكذب به ) بالقرآن ( قومك وهو الحق ) الصدق ( قل ) لهم ( لست عليكم بوكيل ) فأجازيكم إنما أنا منذر وأمركم إلى الله وهذا قبل الأمر بالقتال
67. ( لكل نبأ ) خبر ( مستقر ) وقت يقع فيه ويستقر ومنه عذابكم ( وسوف تعلمون ) تهديد لهم
68. ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا ) القرآن بالاستهزاء ( فأعرض عنهم ) ولا تجالسهم ( حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة ( ينْسينك ) بسكون النون والتخفيف وفتحها والتشديد ( الشيطان ) فقعدت معهم ( فلا تقعد بعد الذكرى ) أي تذكرة ( مع القوم الظالمين ) فيه وضع الظاهر موضع المضمر
69. وقال المسلمون إن قمنا كلما خاضوا لم نستطع أن نجلس في المسجد وأن نطوف فنزل : ( وما على الذين يتقون ) الله ( من حسابهم ) أي الخائضين ( من ) زائدة ( شيء ) إذا جالسوهم ( ولكن ) عليهم ( ذكرى ) تذكرة لهم وموعظة ( لعلهم يتقون ) الخوض
70. ( وذر ) اترك ( الذين اتخذوا دينهم ) الذي كلفوه ( لعبا ولهوا ) باستهزائهم به ( وغرتهم الحياة الدنيا ) فلا تتعرض لهم وهذا قبل الأمر بالقتال ( وذكر ) عظ ( به ) بالقرآن الناس ( أن ) لا ( تبسل نفس ) تسلم إلى الهلاك ( بما كسبت ) عملت ( ليس لها من دون الله ) أي غيره ( ولي ) ناصر ( ولا شفيع ) يمنع عنها العذاب ( وإن تعدل كل عدل ) تفد كل فداء ( لا يؤخذ منها ) ما تفدى به ( أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم ) ماء بالغ نهاية الحرارة ( وعذاب أليم ) مؤلم ( بما كانوا يكفرون ) بكفرهم
71. ( قل أندعو ) أنعبد ( من دون الله ما لا ينفعنا ) بعبادته ( ولا يضرنا ) بتركها وهو الأصنام ( ونرد على أعقابنا ) نرجع مشركين ( بعد إذ هدانا الله ) إلى الإسلام ( كالذي استهوته ) أضلته ( الشياطين في الأرض حيران ) متحيرا لا يدري أين يذهب حال من الهاء ( له أصحاب ) رفقة ( يدعونه إلى الهدى ) أي ليهدوه الطريق يقولون له ( ائتنا ) فلا يجيبهم فيهلك والاستفهام للإنكار وجملة التشبيه حال من ضمير نرد ( قل إن هدى الله ) الذي هو الإسلام ( هو الهدى ) وما عداه ضلال ( وأمرنا لنسلم ) أي بأن نسلم ( لرب العالمين )
72. ( وأن ) أي بأن ( أقيموا الصلاة واتقوه ) تعالى ( وهو الذي إليه تحشرون ) تجمعون يوم القيامة للحساب
73. ( وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ) أي محقا ( و ) اذكر ( يوم يقول ) للشيء ( كن فيكون ) هو يوم القيامة يقول للخلق قوموا فيقوموا ( قوله الحق ) الصدق الواقع لا محالة ( وله الملك يوم ينفخ في الصور ) القرن النفخة الثانية من إسرافيل لا ملك فيه لغيره { لمن الملك اليوم لله } ( عالم الغيب والشهادة ) ما غاب وما شوهد ( وهو الحكيم ) في خلقه ( الخبير ) بباطن الأشياء كظاهرها
74. واذكر ( وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر ) هو لقبه واسمه تارخ ( أتتخذ أصناما آلهة ) تعبدها استفهام توبيخ ( إني أراك وقومك ) باتخاذها ( في ضلال ) عن الحق ( مبين ) بين
75. ( وكذلك ) كما أريناه إضلال أبيه وقومه ( نري إبراهيم ملكوت ) ملك ( السماوات والأرض ) ليستدل به على وحدانيتنا ( وليكون من الموقنين ) بها وجملة وكذلك وما بعدها اعتراض وعطف على قال
76. ( فلما جن ) أظلم ( عليه الليل رأى كوكبا ) قيل هو الزُّهَرة ( قال ) لقومه وكانوا نجَّامين ( هذا ربي ) في زعمكم ( فلما أفل ) غاب ( قال لا أحب الآفلين ) أن أتخذهم أربابا لأن الرب لا يجوز عليه التغير والانتقال لأنهما من شأن الحوادث فلم ينجع فيهم ذلك
77. ( فلما رأى القمر بازغا ) طالعا ( قال ) لهم ( هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي ) يثبتني على الهدى ( لأكونن من القوم الضالين ) تعريض لقومه بأنهم على ضلال فلم ينجع فيهم ذلك
78. ( فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ) ذكره لتذكيره خبره ( ربي هذا أكبر ) من الكوكب والقمر ( فلما أفلت ) وقويت عليهم الحجة ولم يرجعوا ( قال يا قوم إني بريء مما تشركون ) بالله من الأصنام والأجرام المحدثة المحتاجة إلى محدث فقالوا له ما تعبد ؟
79. قال ( إني وجهت وجهي ) قصدت بعبادتي ( للذي فطر ) خلق ( السماوات والأرض ) أي الله ( حنيفا ) مائلا إلى الدين القيم ( وما أنا من المشركين ) به
80. ( وحاجَّه قومه ) جادلوه في دينه وهددوه بالأصنام أن تصيبه بسوء إن تركها ( قال أتحاجُّونِّي ) بتشديد النون وتخفيفها بحذف إحدى النونين وهي نون الرفع عند النجاة ونون الوقاية عند القراء أتجادلونني ( في ) وحدانية ( الله وقد هدان ) تعالى إليها ( ولا أخاف ما تشركونـ ) ـه ( به ) من الأصنام أن تصيبني بسوء لعدم قدرتها على شيء ( إلا ) لكن ( أن يشاء ربي شيئا ) من المكروه يصيبني فيكون ( وسع ربي كل شيء علما ) أي وسع علمه كل شيء ( أفلا تتذكرون ) هذا فتؤمنوا
81. ( وكيف أخاف ما أشركتم ) بالله وهي لا تضر ولا تنفع ( ولا تخافون ) أنتم من الله ( أنكم أشركتم بالله ) في العبادة ( ما لم ينزل به ) بعبادته ( عليكم سلطانا ) حجة وبرهانا وهو القادر على كل شيء ( فأي الفريقين أحق بالأمن ) أنحن أم أنتم ( إن كنتم تعلمون ) من الأحق به أي وهو نحن فاتبعوه
82. قال تعالى: ( الذين آمنوا ولم يلبسوا ) يخلطوا ( إيمانهم بظلم ) أي شرك كما فسر بذلك في حديث الصحيحين ( أولئك لهم الأمن ) من العذاب ( وهم مهتدون )
83. ( وتلك ) مبتدأ ويبدل منه ( حجتنا ) التي احتج بها إبراهيم على وحدانية الله من أُفول الكوكب وما بعده والخبر ( آتيناها إبراهيم ) أرشدناه لها حجة ( على قومه نرفع درجات من نشاء ) بالإضافة والتنوين في العلم والحكمة ( إن ربك حكيم ) في صنعه ( عليم ) بخلقه
84. ( ووهبنا له إسحاق ويعقوب ) ابنيه ( كلا ) منهما ( هدينا ونوحا هدينا من قبل ) أي قبل إبراهيم ( ومن ذريته ) أي نوح ( داود وسليمان ) ابنه ( وأيوب ويوسف ) بن يعقوب ( وموسى وهارون وكذلك ) كما جزيناهم ( نجزي المحسنين )
85. ( وزكريا ويحيى ) ابنه ( وعيسى ) ابن مريم يفيد أن الذرية تتناول أولاد البنت ( وإلياس ) ابن هارون أخي موسى ( كل ) منهم ( من الصالحين )
86. ( وإسماعيل ) بن إبراهيم ( واليسع ) اللام زائدة ( ويونس ولوطا ) بن هاران أخي إبراهيم ( وكلا ) منهم ( فضلنا على العالمين ) بالنبوة
87. ( ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم ) عطف على كلاً أو نوحاً ومن للتبغيض لأن بعضهم لم يكن له ولد وبعضهم كان في ولده كافر ( واجتبيناهم ) اخترناهم ( وهديناهم إلى صراط مستقيم )
88. ( ذلك ) الدين الذي هدوا إليه ( هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا ) فرضاً ( لحبط عنهم ما كانوا يعملون )
89. ( أولئك الذين آتيناهم الكتاب ) بمعنى الكتب ( والحكم ) الحكمة ( والنبوة فإن يكفر بها ) أي بهذه الثلاثة ( هؤلاء ) أي أهل مكة ( فقد وكلنا بها ) أرصدنا لها ( قوما ليسوا بها بكافرين ) هم المهاجرون والأنصار
90. ( أولئك الذين هدى ) هم ( الله فبهداهم ) طريقهم من التوحيد والصبر ( اقتده ) بهاء السكت ووصلاً وفي قراءة بحذفها وصلا ( قل ) لأهل مكة ( لا أسألكم عليه ) أي القرآن ( أجرا ) تعطونيه ( إن هو ) ما القرآن ( إلا ذكرى ) عظة ( للعالمين ) الإنس والجن
91. ( وما قدروا ) أي اليهود ( الله حق قدره ) أي ما عظموه حق عظمته أو ما عرفوه حق معرفته ( إذ قالوا ) للنبي صلى الله عليه وسلم وقد خاصموه في القرآن ( ما أنزل الله على بشر من شيء قل ) لهم ( من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس يجعلونه ) بالياء والتاء في المواضع الثلاثة ( قراطيس ) أي يكتبونه في دفاتر مقطعة ( يبدونها ) أي ما يحبون إبداءه منها ( ويخفون كثيرا ) مما فيها كنعت محمد صلى الله عليه وسلم ( وعلمتم ) أيها اليهود في القرآن ( ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم ) من التوراة ببيان ما التبس عليكم واختلفتم فيه ( قل الله ) أنزله إن لم يقولوه لا جواب غيره ( ثم ذرهم في خوضهم ) باطلهم ( يلعبون )
92. ( وهذا ) القرآن ( كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ) قبله من الكتب ( ولتنذر ) بالتاء والياء عطف على معنى ما قبله أي أنزلناه للبركة والتصديق ولتنذر به ( أم القرى ومن حولها ) أي أهل مكة وسائر الناس ( والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون ) خوفا من عقابها
93. ( ومن ) أي لا أحد ( أظلم ممن افترى على الله كذبا ) بادعاء النبوة ولم ينبأ ( أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ) نزلت في مسيلمة ( ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ) وهم المستهزئون قالوا لو نشاء لقلنا مثل هذا ( ولو ترى ) يا محمد ( إذ الظالمون ) المذكورون ( في غمرات ) سكرات ( الموت والملائكة باسطوا أيديهم ) إليهم بالضرب والتعذيب يقولون لهم تعنيفا ( أخرجوا أنفسكم ) إلينا لنقبضها ( اليوم تجزون عذاب الهون ) الهوان ( بما كنتم تقولون على الله غير الحق ) بدعوى النبوة والإيحاء كذبا ( وكنتم عن آياته تستكبرون ) تتكبرون عن الإيمان بها وجواب لو رأيت أمرا فظيعا
94. ويقال لهم إذا بعثوا ( ولقد جئتمونا فرادى ) منفردين عن الأهل والمال والولد ( كما خلقناكم أول مرة ) أي حفاةً عراةً غُرْلاً ( وتركتم ما خولناكم ) أعطيناكم من الأموال ( وراء ظهوركم ) في الدنيا بغير اختياركم ويقال لهم توبيخاً ( وما نرى معكم شفعاءكم ) الأصنام ( الذين زعمتم أنهم فيكم ) أي في استحقاق عبادتكم ( شركاء ) لله ( لقد تقطع بينكم ) وصلكم ، أي تشتت جمعكم وفي قراءة بالنصب ظرف أي وصلكم بينكم ( وضل ) ذهب ( عنكم ما كنتم تزعمون ) في الدنيا في شفاعتها
95. ( إن الله فالق ) شاق ( الحب ) عن النبات ( والنوى ) عن البخل ( يخرج الحي من الميت ) كالإنسان والطائر من النطفة والبيضة ( ومخرج الميت ) النطفة والبيضة ( من الحي ذلكم ) الفالق المخرج ( الله فأنى تؤفكون ) فكيف تصرفون عن الإيمان مع قيام البرهان
96. ( فالق الإصباح ) مصدر بمعنى الصبح أي شاق عمود الصبح وهو أول ما يبدو من نور النهار عن ظلمة الليل ( وجعل الليل سكنا ) تسكن فيه الخلق من التعب ( والشمس والقمر ) بالنصب عطفا من محل الليل ( حسبانا ) حسابا للأوقات أو الباء محذوفة وهو حال من مقدر أي يجريان بحسبان كما في آية الرحمن ( ذلك ) المذكور ( تقدير العزيز ) في ملكه ( العليم ) بخلقه
97. ( وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ) في الأسفار ( قد فصلنا ) بينا ( الآيات ) الدلالات على قدرتنا ( لقوم يعلمون ) يتدبرون
98. ( وهو الذي أنشأكم ) خلقكم ( من نفس واحدة ) هي آدم ( فمستقِرٌّ ) منكم في الرحم ( ومستودع ) منكم في الصلب ، وفي قراءة بفتح القاف أي مكان قرار لكم ( قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون ) ما يقال لهم
99. ( وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا ) فيه التفات عن الغيبة ( به ) بالماء ( نبات كل شيء ) ينبت ( فأخرجنا منه ) أي النبات شيئا ( خَضِرا ) بمعنى أخضر ( نخرج منه ) من الخضر ( حبا متراكبا ) يركب بعضه بعضا كسنابل الحنطة ونحوها ( ومن النخل ) خبر ويبدل منه ( من طلعها ) أول ما يخرج منها والمبتدأ ( قنوان ) عراجين ( دانية ) قريب بعضها من بعض ( و ) أخرجنا به ( جنات ) بساتين ( من أعناب والزيتون والرمان مشتبها ) ورقهما حال ( وغير متشابه ) ثمرها ( انظروا ) يا مخاطبون نظر اعتبار ( إلى ثمره ) بفتح الثاء والميم وبضمهما وهو جمع ثمرة كشجرة وشجر وخشبة وخشب ( إذا أثمر ) أول ما يبدو كيف هو ( و ) إلى ( ينعه ) نضجه إذا أدرك كيف يعود ( إن في ذلكم لآيات ) دلالات على قدرته تعالى على البعث وغيره ( لقوم يؤمنون ) خصوا بالذكر لأنهم المنتفعون بها في الإيمان بخلاف الكافرين
100. ( وجعلوا لله ) مفعول ثان ( شركاء ) مفعول أول ويبدل منه ( الجن ) حيث أطاعوهم في عبادة الأوثان ( و ) قد ( خلقهم ) فكيف يكونون شركاء ( وخرقوا ) بالتخفيف والتشديد أي اختلفوا ( له بنين وبنات بغير علم ) حيث قالوا عزير ابن الله والملائكة بنات الله ( سبحانه ) تنزيها له ( وتعالى عما يصفون ) بأن له ولدا
101. هو ( بديع السماوات والأرض ) مبدعهما من غير مثال سبق ( أنى ) كيف ( يكون له ولد ولم تكن له صاحبة ) زوجة ( وخلق كل شيء ) من شأنه أن يخلق ( وهو بكل شيء عليم )
102. ( ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه ) وحدوه ( وهو على كل شيء وكيل ) حفيظ
103. ( لا تدركه الأبصار ) أي لا تراه وهذا مخصوص لرؤية المؤمنين له في الآخرة لقوله تعالى { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } وحديث الشيخين « إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر » وقيل المراد لا تحيط به ( وهو يدرك الأبصار ) أي يراها ولا تراه ولا يجوز في غيره أن يدرك البصر ولا يدركه أو يحيط به علما ( وهو اللطيف ) بأوليائه ( الخبير ) بهم
104. قل يا محمد لهم: ( قد جاءكم بصائر ) حجج ( من ربكم فمن أبصر ) ها فآمن ( فلنفسه ) أبصر لأن ثواب إبصاره له ( ومن عمي ) عنها فضل ( فعليها ) وبال إضلاله ( وما أنا عليكم بحفيظ ) رقيب لأعمالكم إنما أنا نذير
105. ( وكذلك ) كما بينا ما ذكر ( نصرف ) نبين ( الآيات ) ليعتبروا ( وليقولوا ) أي الكفار في عاقبة الأمر ( دارست ) ذاكرت أهل الكتاب وفي قراءة { درست } أي كتب الماضين وجئت بهذا منها ( ولنبينه لقوم يعلمون )
106. ( اتبع ما أوحي إليك من ربك ) أي القرآن ( لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين )
107. ( ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا ) فتجازيهم بأعمالهم ( وما أنت عليهم بوكيل ) فتجبرهم على الإيمان وهذا قبل الأمر بالقتال
108. ( ولا تسبوا الذين يدعونـ ) ـهم ( من دون الله ) أي الأصنام ( فيسبوا الله عدوا ) اعتداء وظلما ( بغير علم ) أي جهلا منهم بالله ( كذلك ) كما زينا لهؤلاء ما هم عليه ( زينا لكل أمة عملهم ) من الخير والشر فأتوه ( ثم إلى ربهم مرجعهم ) في الآخرة ( فينبئهم بما كانوا يعملون ) فيجازيهم به
109. ( وأقسموا ) أي كفار مكة ( بالله جهد أيمانهم ) أي غاية اجتهادهم فيها ( لئن جاءتهم آية ) مما اقترحوا ( ليؤمنن بها قل ) لهم ( إنما الآيات عند الله ) ينزلها كما يشاء وإنما أنا نذير ( وما يشعركم ) يدريكم بأيمانهم إذا جاءت أي أنتم لا تدرون ذلك ( أنها إذا جاءت لا يؤمنون ) لما سبق في علمي ، وفي قراءة بالتاء خطابا للكفار وفي أخرى بفتح أنَّ بمعنى لعل أو معمولة لما قبلها
110. ( ونقلب أفئدتهم ) نحول قلوبهم عن الحق فلا يفهمونه ( وأبصارهم ) عنه فلا يبصرونه ولا يؤمنون ( كما لم يؤمنوا به ) أي بما أنزل من الآيات ( أول مرة ونذرهم ) نتركهم ( في طغيانهم ) ضلالهم ( يعمهون ) يترددون متحيرين
111. ( ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى ) كما اقترحوا ( وحشرنا ) جمعنا ( عليهم كل شيء قُبُلا ) بضمتين جمع قبيل أي فوجاً فوجاً وبكسر القاف وفتح الباء أي معاينة فشهدوا بصدقك ( ما كانوا ليؤمنوا ) لما سبق علم الله ( إلا ) لكم ( أن يشاء الله ) إيمانهم فيؤمنوا ( ولكن أكثرهم يجهلون ) ذلك
112. ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً ) كما جعلنا هؤلاء أعداءك ويبدل منه ( شياطين ) مردة ( الإنس والجن يوحي ) يوسوس ( بعضهم إلى بعض زخرف القول ) مموهه من الباطل ( غرورا ) أي ليغروهم ( ولو شاء ربك ما فعلوه ) أي الإيحاء المذكور ( فذرهم ) دع الكفار ( وما يفترون ) من الكفر غيره مما زين لهم وهذا ما قبل الأمر بالقتال
113. ( ولتصغى ) عطف على غرورا أي تميل ( إليه ) أي الزخرف ( أفئدة ) قلوب ( الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ) يكتسبوا ( ما هم مقترفون ) من الذنوب فيعاقبوا عليه
114. ونزل لما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل بينه وبينهم حكماً ، قل ( أفغير الله أبتغي ) أطلب ( حكما ) قاضيا بيني وبينكم ( وهو الذي أنزل إليكم الكتاب ) القرآن ( مفصلا ) مبينا فيه الحق من الباطل ( والذين آتيناهم الكتاب ) التوراة كعبد الله بن سلام وأصحابه ( يعلمون أنه منزل ) بالتخفيف والتشديد ( من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين ) الشاكين فيه والمراد بذلك التقرير للكفار أنه حق
115. ( وتمت كلمة ربك ) بالأحكام والمواعيد ( صدقا وعدلا ) تمييز ( لا مبدل لكلماته ) بنقص أو خلف ( وهو السميع ) لما يقال ( العليم ) بما يفعل
116. ( وإن تطع أكثر من في الأرض ) أي الكفار ( يضلوك عن سبيل الله ) دينه ( إن ) ما ( يتبعون إلا الظن ) في مجادلتهم لك في أمر الميتة إذ قالوا ما قتل الله أحق أن تأكلوه مما قتلتم ( وإن ) ما ( هم إلا يخرصون ) يكذبون في ذلك
117. ( إن ربك هو أعلم ) أي عالم ( من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) فيجازي كلا منهم
118. ( فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ) أي ذبح على اسمه ( إن كنتم بآياته مؤمنين )
119. ( وما لكم أ ) ن ( لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه ) من الذبائح ( وقد فُصِّل ) بالبناء للمفعول وللفاعل في الفعلين ( لكم ما حرم عليكم ) في آية { حرمت عليكم الميتة } ( إلا ما اضطررتم إليه ) منه فهو أيضا حلال لكم المعنى لا مانع لكم من أكل ما ذكر وقد بين لكم المحرم أكله وهذا ليس منه ( وإن كثيرا ليَضلون ) بفتح الياء وضمها ( بأهوائهم ) بما تهواه أنفسهم من تحليل الميتة وغيرها ( بغير علم ) يعتمدونه في ذلك ( إن ربك هو أعلم بالمعتدين ) المتجاوزين الحلال إلى الحرام
120. ( وذروا ) اتركوا ( ظاهر الإثم وباطنه ) علانيته وسره والإثم قيل الزنا ، وقيل كل معصية ( إن الذين يكسبون الإثم سيجزون ) في الآخرة ( بما كانوا يقترفون ) يكتسبون
121. ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) بأن مات أو ذبح على اسم غيره وإلا فما ذبحه المسلم ولم يسم فيه عمداً أو نسيانا فهو حلال قاله ابن عباس وعليه الشافعي ( وإنه ) أي الأكل منه ( لفسق ) خروج عما يحل ( وإن الشياطين ليوحون ) يوسوسون ( إلى أوليائهم ) الكفار ( ليجادلوكم ) في تحليل الميتة ( وإن أطعتموهم ) فيه ( إنكم لمشركون )
122. ونزل في أبي جهل وغيره ( أو من كان ميتا ) بالكفر ( فأحييناه ) بالهدى ( وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ) يتبصر به الحق من غيره وهو الإيمان ( كمن مثله ) مثل زائدة أي كمن هو ( في الظلمات ليس بخارج منها ) وهو الكافر ؟ لا ( كذلك ) كما زين للمؤمنين الإيمان ( زين للكافرين ما كانوا يعملون ) من الكفر والمعاصي
123. ( وكذلك ) كما جعلنا فساق مكة أكابرها ( جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها ) بالصد عن الإيمان ( وما يمكرون إلا بأنفسهم ) لأن وباله عليهم ( وما يشعرون ) بذلك
124. ( وإذا جاءتهم ) أي أهل مكة ( آية ) على صدق النبي صلى الله عليه وسلم ( قالوا لن نؤمن ) به ( حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله ) من الرسالة والوحي إلينا لأنا أكثر مالا وأكبر سنا قال تعالى ( الله أعلم حيث يجعل رسالاته ) بالجمع والإفراد ، وحيث مفعول به لفعل دل عليه أعلم أي يعلم الموضع الصالح لوضعها فيه فيضعها وهؤلاء ليسوا أهلا لها ( سيصيب الذين أجرموا ) بقولهم ذلك ( صغار ) ذل ( عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون ) أي بسبب مكرهم
125. ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) بأن يقذف في قلبه نورا فينفسح له ويقبله كما ورد في حديث ( ومن يرد ) الله ( أن يضله يجعل صدره ضيْقا ) بالتخفيف والتشديد عن قبوله ( حرِجا ) شديد الضيق بكسر الراء صفة وفتحها مصدر وصف فيه مبالغة ( كأنما يصَّعد ) وفي قراءة { يصَّاعد } وفيهما إدغام التاء في الأصل في الصاد وفي أخرى بسكونها ( في السماء ) إذا كلف الإيمان لشدته عليه ( كذلك ) الجعل ( يجعل الله الرجس ) العذاب أو الشيطان أي يسلطه ( على الذين لا يؤمنون )
126. ( وهذا ) الذي أنت عليه يا محمد ( صراط ) مستقيم ( ربك مستقيماً ) لا عوج فيه ونصبه على الحال المؤكد للجملة والعامل فيها معنى الإشارة ( قد فصلنا ) بينا ( الآيات لقوم يذَّكَّرون ) فيه إدغام التاء في الأصل في الذال أي يتعظون وخصوا بالذكر لأنهم المنتفعون
127. ( لهم دار السلام ) أي السلامة وهي الجنة ( عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون )
128. ( و ) اذكر ( يوم يحشرهم ) بالنون والياء أي الله الخلق ( جميعا ) ويقال لهم ( يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس ) باغوائكم ( وقال أولياؤهم ) الذين أطاعوهم ( من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض ) انتفع الإنس بتزيين الجن لهم الشهوات والجن بطاعة الإنس لهم ( وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا ) وهو يوم القيامة وهذا تحسر منهم ( قال ) تعالى لهم على لسان الملائكة ( النار مثواكم ) مأواكم ( خالدين فيها إلا ما شاء الله ) من الأوقات التي يخرجون فيها لشرب الحميم فإنه خارجها كما قال تعالى { ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم } وعن ابن عباس أنه فيمن علم الله أنهم يؤمنون فما بمعنى من ( إن ربك حكيم ) في صنعه ( عليم ) بخلقه
129. ( وكذلك ) لما متعنا عصاة الإنس والجن بعضهم ببعض ( نولي ) من الولاية ( بعض الظالمين بعضاً ) أي على بعض ( بما كانوا يكسبون ) من المعاصي
130. ( يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ) أي من مجموعكم أي بعضكم الصادق بالإنس أو رسل الجن نذرهم الذين يستمعون كلام الرسل فيبلغون قومهم ( يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا ) أن قد بلغنا قال تعالى ( وغرتهم الحياة الدنيا ) فلم يؤمنوا ( وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين )
131. ( ذلك ) أي إرسال الرسل ( أن ) اللام مقدرة وهي مخففة أي لأنه ( لم يكن ربك مهلك القرى بظلم ) منها ( وأهلها غافلون ) ألم يرسل إليهم رسول يبين لهم
132. ( ولكل ) من العاملين ( درجات ) جزاء ( مما عملوا ) من خير وشر ( وما ربك بغافل عما يعملون ) بالياء والتاء
133. ( وربك الغني ) عن خلقه وعبادتهم ( ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ) يا أهل مكة بالإهلاك ( ويستخلف من بعدكم ما يشاء ) من الخلق ( كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين ) أذهبهم ولكنه أبقاكم رحمة لكم
134. ( إن ما توعدون ) من الساعة والعذاب ( لآت ) لا محالة ( وما أنتم بمعجزين ) فائتين عذابنا
135. ( قل ) لهم ( يا قوم اعملوا على مكانتكم ) حالتكم ( إني عامل ) على حالتي ( فسوف تعلمون من ) موصولة مفعول العلم ( تكون له عاقبة الدار ) أي العاقبة المحمودة في الدار الآخرة أنحن أم أنتم ( إنه لا يفلح ) يسعد ( الظالمون ) الكافرون
136. ( وجعلوا ) أي كفار مكة ( لله مما ذرأ ) خلق ( من الحرث ) الزرع ( والأنعام نصيبا ) يصرفونه إلى الضيفان والمساكين ولشركائهم نصيبا يصرفونه إلى سدنتها ( فقالوا هذا لله بزعمهم ) بالفتح والضم ( وهذا لشركائنا ) فكانوا إذا سقط في نصيب الله شيء من نصيبها التقطوه أو في نصيبها شيء من نصيبه تركوه وقالوا إن الله غني عن هذا كما قال تعالى ( فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله ) أي لجهته ( وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ) بئس ( ما يحكمون ) حكمهم هذا
137. ( وكذلك ) كما زين لهم ما ذكر ( زَيَّنَ لكثير من المشركين قتلَ أولادِهم ) بالوأد ( شركاؤُهم ) من الجن بالرفع ، فاعل زيَّنَ وفي قراءة ببناءه للمفعول ورفع قتل ونصب الأولاد به وجر شركائهم باضافته وفيه الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول ولا يضر وإضافة القتل إلى الشركاء لأمرهم به ( ليردوهم ) يهلكوهم ( وليلبسوا ) يخلطوا ( عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون )
138. ( وقالوا هذه أنعام وحرث حجر ) حرام ( لا يطعمها إلا من نشاء ) من خدمة الأوثان وغيرهم ( بزعمهم ) أي لا حجة لهم فيه ( وأنعام حرمت ظهورها ) فلا تركب كالسوائب والحوامي ( وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها ) عند ذبحها بل يذكرون اسم أصنامهم ونسبوا ذلك إلى الله ( افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون ) عليه
139. ( وقالوا ما في بطون هذه الأنعام ) المحرمة وهي السوائب والبحائر ( خالصة ) حلال ( لذكورنا ومحرم على أزواجنا ) أي النساء ( وإن يكن ميتة ) بالرفع والنصب مع تأنيث الفعل وتذكيره ( فهم فيه شركاء سيجزيهم ) الله ( وصفهم ) ذلك بالتحليل والتحريم أي جزاءه ( إنه حكيم ) في صنعه ( عليم ) بخلقه
140. ( قد خسر الذين قتلوا ) بالتخفيف والتشديد ( أولادهم ) بالوأد ( سفها ) جهلا ( بغير علم وحرموا ما رزقهم الله ) مما ذكر ( افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين )
141. ( وهو الذي أنشأ ) خلق ( جنات ) بساتين ( معروشات ) مبسوطات على الأرض كالبطيخ ( وغير معروشات ) بأن ارتفعت على ساق كالنخل ( و ) أنشأ ( النخل والزرع مختلفا أكله ) ثمره وحبه في الهيئة والطعم ( والزيتون والرمان متشابهاً ) ورقُهُما ، حال ( وغير متشابه ) طعمهما ( كلوا من ثمره إذا أثمر ) قبل النضج ( وآتوا حقه ) زكاته ( يوم حصاده ) بالفتح والكسر من العشر أو نصفه ( ولا تسرفوا ) بإعطاء كله فلا يبقى لعيالكم شيء ( إنه لا يحب المسرفين ) المتجاوزين ما حد لهم
142. ( و ) أنشأ ( من الأنعام حمولة ) صالحة للحمل عليها كالإبل الكبار ( وفَرْشا ) لا تصلح له كالإبل الصغار والغنم سميت فرشا لأنها كالفرش للأرض لدنوها منها ( كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان ) طرائقه من التحريم والتحليل ( إنه لكم عدو مبين ) بين العداوة
143. ( ثمانية أزواج ) أصناف بدل من حمولة وفرشا ( من الضأن ) زوجين ( اثنين ) ذكر وأنثى ( ومن المعز ) بالفتح والسكون ( اثنين قل ) يا محمد لمن حرم ذكور الأنعام تارة وإناثها أخرى ونسب ذلك إلى الله ( آلذكرين ) من الضأن والمعز ( حرم ) الله عليكم ( أم الأنثيين ) منهما ( أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ) ذكراً كان أو أنثى ( نبئوني بعلم ) عن كيفية تحريم ذلك ( إن كنتم صادقين ) فيه ، المعنى من أين جاء التحريم فإن كان من قبل الذكورة فجميع الذكور حرام أو الأنوثة فجميع الإناث أو اشتمال الرحم فالزوجان فمن أين التخصيص؟ والاستفهام للإنكار
144. ( ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم ) بل ( كنتم شهداء ) حضوراً ( إذ وصاكم الله بهذا ) التحريم فاعتمدتم ذلك لا بل أنتم كاذبون فيه ( فمن ) أي لا أحد ( أظلم ممن افترى على الله كذبا ) بذلك ( ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين )
145. ( قل لا أجد فيما أوحي إلي ) شيئاً ( محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ) بالياء والتاء ( ميتة ) بالنصب وفي قراءة بالرفع مع التحتانية ( أو دما مسفوحا ) سائلا بخلاف غيره كالكبد والطحال ( أو لحم خنزير فإنه رجس ) حرام ( أو ) إلا أن يكون ( فسقا أهل لغير الله به ) أي ذبح على اسم غيره ( فمن اضطر ) إلى شيء مما ذكر فأكله ( غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور ) له ما أكل ( رحيم ) به ويلحق بما ذكر بالسنة كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير
146. ( وعلى الذين هادوا ) أي اليهود ( حرمنا كل ذي ظفر ) وهو ما لم تفرق أصابعه كالإبل والنعام ( ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما ) الثروب وشحم الكلي ( إلا ما حملت ظهورهما ) أي ما علق بها منه ( أو ) حملته ( الحوايا ) الأمعاء جمع حاوياء أو حاوية ( أو ما اختلط بعظم ) منه وهو شحم الأَلْيَة فإنه أحل لهم ( ذلك ) التحريم ( جزيناهم ) به ( ببغيهم ) بسبب طلعهم بما سبق في سورة النساء ( وإنا لصادقون ) في أخبارنا ومواعيدنا
147. ( فإن كذبوك ) فيما جئت به ( فقل ) لهم ( ربكم ذو رحمة واسعة ) حيث لم يعاجلكم بالعقوبة وفيه تلطف بدعائهم إلى الإيمان ( ولا يرد بأسه ) عذابه إذا جاء ( عن القوم المجرمين )
148. ( سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ) نحن ( ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء ) فإشراكنا وتحريمنا بمشيئته فهو راضٍ به! قال تعالى ( كذلك ) كما كذب هؤلاء ( كذب الذين من قبلهم ) رسلهم ( حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم ) بأن الله راض بذلك ( فتخرجوه لنا ) أي لا علم عندكم ( إن ) ما ( تتبعون ) في ذلك ( إلا الظن وإن ) ما ( أنتم إلا تخرصون ) تكذبون فيه
149. ( قل ) إن لم يكن لكم حجة ( فلله الحجة البالغة ) التامة ( فلو شاء ) هدايتكم ( لهداكم أجمعين )
150. ( قل هلم ) أحضروا ( شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا ) الذي حرمتموه ( فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون ) يشركون
1. ( الحمد ) وهو الوصف بالجميل ثابت ( لله ) وهل المراد الإعلام بذلك للإيمان به أو الثناء به أو هما احتمالات أفيدها الثالث قاله الشيخ في سورة الكهف ( الذي خلق السماوات والأرض ) خصهما بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات للناظرين ( وجعل ) خلق ( الظلمات والنور ) أي كل ظلمة ونور وجمعها دونه لكثرة أسبابها وهذا من دلائل وحدانيته ( ثم الذين كفروا ) مع قيام هذا الدليل ( بربهم يعدلون ) يسوون غيره في العبادة
2. ( هو الذي خلقكم من طين ) بخلق أبيكم آدم منه ( ثم قضى أجلا ) لكم تموتون عند انتهائه ( وأجل مسمى ) مضروب ( عنده ) لبعثكم ( ثم أنتم ) أيها الكفار ( تمترون ) تشكون في البعث بعد علمكم أنه ابتدأ خلقكم ومن قدر على الابتداء فهو على الإعادة أقدر
3. ( وهو الله ) مستحق العبادة ( في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ) ما تسرون وما تجهرون به بينكم ( ويعلم ما تكسبون ) تعملون من خير وشر
4. ( وما تأتيهم ) أي أهل مكة ( من ) صلة ( آية من آيات ربهم ) من القرآن ( إلا كانوا عنها معرضين )
5. ( فقد كذبوا بالحق ) بالقرآن ( لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ) عواقب ( ما كانوا به يستهزئون )
6. ( ألم يروا ) في أسفارهم إلى الشام ( كم ) خبرية بمعنى كثيرا ( أهلكنا من قبلهم من قرن ) أمة من الأمم الماضية ( مكناهم ) أعطيناهم مكانا ( في الأرض ) بالقوة والسعة ( ما لم نمكن ) نعط ( لكم ) فيه التفات عن الغيبة ( وأرسلنا السماء ) المطر ( عليهم مدرارا ) متتابعا ( وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم ) تحت مساكنهم ( فأهلكناهم بذنوبهم ) بتكذيبهم الأنبياء ( وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين )
7. ( ولو نزلنا عليك كتابا ) مكتوبا ( في قرطاس ) رق كما اقترحوه ( فلمسوه بأيديهم ) أبلغ من عاينوه لأنه أنفى للشك ( لقال الذين كفروا إن ) ما ( هذا إلا سحر مبين ) تعنتا وعنادا
8. ( وقالوا لولا ) هلا ( أنزل عليه ) على محمد صلى الله عليه وسلم ( ملك ) يصدقه ( ولو أنزلنا ملكا ) كما اقترحوا فلم يؤمنوا ( لقضي الأمر ) بهلاكهم ( ثم لا ينظرون ) يمهلون لتوبة أو معذرة كعادة الله فيمن قبلهم من إهلاكهم عند وجود مقترحهم إذا لم يؤمنوا
9. ( ولو جعلناه ) أي المنزَّل إليهم ( ملكا لجعلناه ) أي الملك ( رجلا ) أي على صورته ليتمكنوا من رؤيته إذ لا قوة للبشر على رؤية الملك لو أنزلناه وجعلناه رجلا ( وللبسنا ) شبهنا ( عليهم ما يلبسون ) على أنفسهم بأن يقولوا ما هذا إلا بشر مثلكم
10. ( ولقد استهزئ برسل من قبلك ) فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ( فحاق ) نزل ( بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون ) وهو العذاب فكذا يحيق بمن استهزأ بك
11. ( قل ) لهم ( سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) الرسل من هلاكهم بالعذاب ليعتبروا
12. ( قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله ) إن لم يقولوه لا جواب غيره ( كتب على نفسه ) قضى على نفسه ( الرحمة ) فضلا منه وفيه تلطيف في دعائهم إلى الإيمان ( ليجمعنكم إلى يوم القيامة ) ليجازيكم بأعمالكم ( لا ريب ) لا شك ( فيه الذين خسروا أنفسهم ) بتعريضها للعذاب مبتدأ خبره ( فهم لا يؤمنون )
13. ( وله ) تعالى ( ما سكن ) حلَّ ( في الليل والنهار ) أي كل شيء فهو ربه وخالقه ومالكه ( وهو السميع ) لما يقال ( العليم ) بما يفعل
14. ( قل ) لهم ( أغير الله أتخذ وليا ) أعبده ( فاطر السماوات والأرض ) مبدعهما ( وهو يُطْعِم ) يرزِق ( ولا يُطْعَم ) لايُرزَق ( قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ) لله من هذه الأمة ( و ) قيل لي ( لا تكونن من المشركين ) به
15. ( قل إني أخاف إن عصيت ربي ) بعبادة غيره ( عذاب يوم عظيم ) هو يوم القيامة
16. ( من يصرف ) بالبناء للمفعول أي العذاب وللفاعل أي الله والعائد محذوف ( عنه يومئذ فقد رحمه ) تعالى أي أراد له الخير ( وذلك الفوز المبين ) النجاة الظاهرة
17. ( وإن يمسسك الله بضر ) بلاء كمرض وفقر ( فلا كاشف ) رافع ( له إلا هو وإن يمسسك بخير ) كصحة وغنى ( فهو على كل شيء قدير ) ومنه مسك به ولا يقدر على رده عنك غيره
18. ( وهو القاهر ) القادر الذي لا يعجزه شيء مستعليا ( فوق عباده وهو الحكيم ) في خلقه ( الخبير ) ببواطنهم كظواهرهم
19. ونزل لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ائتنا بمن يشهد لك بالنبوة فإن أهل الكتاب أنكروك ( قل ) لهم ( أي شيء أكبر شهادة ) تمييز محول عن المبتدأ ( قل الله ) إن لم يقولوه لا جواب غيره هو ( شهيد بيني وبينكم ) على صدقي ( وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم ) أخوفكم يا أهل مكة ( به ومن بلغ ) عطف على ضمير أنذركم أي بلغه القرآن من الإنس والجن ( أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى ) استفهام إنكار ( قل ) لهم ( لا أشهد ) بذلك ( قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون ) معه من الأصنام
20. ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه ) أي محمداً بنعته في كتابهم ( كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم ) منهم ( فهم لا يؤمنون ) به
21. ( ومن ) أي لا أحد ( أظلم ممن افترى على الله كذبا ) بنسبة الشريك إليه ( أو كذب بآياته ) القرآن ( إنه ) أي الشأن ( لا يفلح الظالمون ) بذلك
22. ( و ) اذكر ( يوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا ) توبيخا ( أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ) أنهم شركاء الله
23. ( ثم لم تكن ) بالتاء والياء ( فتنتهم ) بالنصب والرفع أي معذرتهم ( إلا أن قالوا ) أي قولهم ( والله ربنا ) بالجر نعت والنصب نداء ( ما كنا مشركين )
24. قال تعالى: ( انظر ) يا محمد ( كيف كذبوا على أنفسهم ) بنفي الشرك عنهم ( وضل ) غاب ( عنهم ما كانوا يفترونـ ) ـه على الله من شركاء
25. ( ومنهم من يستمع إليك ) إذا قرأت ( وجعلنا على قلوبهم أكنة ) أغطية لـ ( أن ) لا ( يفقهوه ) يفهموا القرآن ( وفي آذانهم وقراً ) صمماً فلا يسمعونه سماع قبول ( وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاؤوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن ) ما ( هذا ) القرآن ( إلا أساطير ) أكاذيب ( الأولين ) كالأضاحيك والأعاجيب جمع أسطورة بالضم
26. ( وهم ينهون ) الناس ( عنه ) عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ( وينأون ) يتباعدون ( عنه ) فلا يؤمنون به ، وقيل نزلت في أبي طالب كان ينهى عن أذاه ولا يؤمن به ( وإن ) ما ( يهلكون ) بالنأي عنه ( إلا أنفسهم ) لأن ضرره عليهم ( وما يشعرون ) بذلك
27. ( ولو ترى ) يا محمد ( إذ وُقِفوا ) عرضوا ( على النار فقالوا يا ) للتنبيه ( ليتنا نُرَد ) إلى الدنيا ( ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ) برفع الفعلين استئنافا ونصبهما في جواب التمني ورفع الأول ونصب الثاني وجواب لو رأيت أمرا عظيما
28. قال تعالى ( بل ) للإضراب عن إرادة الإيمان المفهوم من التمني ( بدا ) ظهر ( لهم ما كانوا يخفون من قبل ) يكتمون بقولهم { والله ربنا ما كنا مشركين بشهادة } جوارحهم فتمنوا ذلك ( ولو ردوا ) إلى الدنيا فرضا ( لعادوا لما نهوا عنه ) من الشرك ( وإنهم لكاذبون ) في وعدهم بالإيمان
29. ( وقالوا ) أي منكر والبعث ( إن ) ما ( هي ) أي الحياة ( إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين )
30. ( ولو ترى إذ وُقفوا ) عرضوا ( على ربهم ) لرأيت أمرا عظيما ( قال ) لهم على لسان الملائكة توبيخا ( أليس هذا ) البعث والحساب ( بالحق قالوا بلى وربنا ) إنه لحق ( قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) به في الدنيا
31. ( قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله ) بالبعث ( حتى ) غاية للتكذيب ( إذا جاءتهم الساعة ) القيامة ( بغتة ) فجأة ( قالوا يا حسرتنا ) هي شدة التألم ونداؤها مجاز أي هذا أوانك فاحضري ( على ما فرطنا ) قصرنا ( فيها ) أي الدنيا ( وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ) بأن تأتيهم عند البعث في أقبح شيء صورة وأنتنه ريحا فتركبهم ( ألا ساء ) بئس ( ما يزرون ) يحملونه حملهم ذلك
32. ( وما الحياة الدنيا ) أي الاشتغال بها ( إلا لعب ولهو ) وأما الطاعة وما يعين عليها فمن أمور الآخرة ( وللدار الآخرة ) وفي قراءة { ولدار الآخرة } أي الجنة ( خير للذين يتقون ) الشرك ( أفلا يعقلون ) بالياء والتاء ذلك فيؤمنوا
33. ( قد ) للتحقيق ( نعلم إنه ) أي الشأن ( ليحزنك الذي يقولون ) لك من التكذيب ( فإنهم لا يكذبونك ) في السر لعلمهم أنك صادق وفي قراءة بالتخفيف أي لا ينسبونك إلى الكذب ( ولكن الظالمين ) وضعه موضع المضمر ( بآيات الله ) القرآن ( يجحدون ) يكذبون
34. ( ولقد كذبت رسل من قبلك ) فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ( فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ) بإهلاك قومهم فاصبر حتى يأتيك النصر بإهلاك قومك ( ولا مبدل لكلمات الله ) مواعيده ( ولقد جاءك من نبأ المرسلين ) ما يسكن به قلبك
35. ( وإن كان كبر ) عظم ( عليك إعراضهم ) عن الإسلام لحرصك عليهم ( فإن استطعت أن تبتغي نفقا ) سربا ( في الأرض أو سلما ) مصعدا ( في السماء فتأتيهم بآية ) مما اقترحوا فافعل ، المعنى أنك لا تستطيع ذلك فاصبر حتى يحكم الله ( ولو شاء الله ) هدايتهم ( لجمعهم على الهدى ) ولكن لم يشأ ذلك فلم يؤمنوا ( فلا تكونن من الجاهلين ) بذلك
36. ( إنما يستجيب ) دعاءك إلى الإيمان ( الذين يسمعون ) سماع تفهم واعتبار ( والموتى ) أي الكفار شبههم بهم في عدم السماع ( يبعثهم الله ) في الآخرة ( ثم إليه يرجعون ) يردون فيجازيهم بأعمالهم
37. ( وقالوا ) أي كفار مكة ( لولا ) هلا ( نزل عليه آية من ربه ) كالناقة والعصا والمائدة ( قل ) لهم ( إن الله قادر على أن ينزِّل ) بالتشديد والتخفيف ( آية ) مما اقترحوا ( ولكن أكثرهم لا يعلمون ) أن نزولها بلاء عليهم لوجوب هلاكهم إن جحدوها
38. ( وما من ) زائدة ( دابة ) تمشي ( في الأرض ولا طائر يطير ) في الهواء ( بجناحيه إلا أمم أمثالكم ) في تدبير خلقها ورزقها وأحوالهم ( ما فرطنا ) تركنا ( في الكتاب ) اللوح المحفوظ ( من ) زائدة ( شيء ) فلم نكتبه ( ثم إلى ربهم يحشرون ) فيقضي بينهم ويقتص للجماء من القرناء ثم يقول لهم كونوا ترابا
39. ( والذين كذبوا بآياتنا ) القرآن ( صم ) عن سماعها سماع قبول ( وبكم ) عن النطق بالحق ( في الظلمات ) الكفر ( من يشأ الله ) إضلاله ( يضلله ومن يشأ ) هدايته ( يجعله على صراط ) طريق ( مستقيم ) دين الإسلام
40. ( قل ) يا محمد لأهل مكة ( أرأيتكم ) أخبروني ( إن أتاكم عذاب الله ) في الدنيا ( أو أتتكم الساعة ) القيامة المشتملة عليه بغتة ( أغير الله تدعون ) لا ( إن كنتم صادقين ) في أن الأصنام تنفعكم فادعوها
41. ( بل إياه ) لا غيره ( تدعون ) في الشدائد ( فيكشف ما تدعون إليه ) أن يكشفه عنكم من الضر ونحوه ( إن شاء ) كشفه ( وتنسون ) تتركون ( ما تشركون ) معه من الأصنام فلا تدعونه
42. ( ولقد أرسلنا إلى أمم من ) زائدة ( قبلك ) رسلا فكذبوهم ( فأخذناهم بالبأساء ) شدة الفقر ( والضراء ) المرض ( لعلهم يتضرعون ) يتذللون فيؤمنوا
43. ( فلولا ) فهلا ( إذ جاءهم بأسنا ) عذابنا ( تضرعوا ) أي لم يفعلوا ذلك مع قيام المقتضي له ( ولكن قست قلوبهم ) فلم تلن للإيمان ( وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ) من المعاصي فأصروا عليها
44. ( فلما نسوا ) تركوا ( ما ذكروا ) وعظوا وخوفوا ( به ) من البأساء والضراء فلم يتعظوا ( فتحنا ) بالتخفيف والتشديد ( عليهم أبواب كل شيء ) من النعم استدراجا لهم ( حتى إذا فرحوا بما أوتوا ) فرح بطر ( أخذناهم ) بالعذاب ( بغتة ) فجأة ( فإذا هم مبلسون ) آيسون من كل خير
45. ( فقطع دابر القوم الذين ظلموا ) أي آخرهم بأن استؤصلوا ( والحمد لله رب العالمين ) على نصر الرسل وإهلاك الكافرين
46. ( قل ) لأهل مكة ( أرأيتم ) أخبروني ( إن أخذ الله سمعكم ) أصمكم ( وأبصاركم ) أعمالكم ( وختم ) طبع ( على قلوبكم ) فلا تعرفون شيئا ( من إله غير الله يأتيكم به ) بما أخذه منكم بزعمكم ( انظر كيف نصرف ) نبين ( الآيات ) الدلالات على وحدانيتنا ( ثم هم يصدفون ) يعرضون عنها فلا يؤمنون
47. ( قل ) لهم ( أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة ) ليلا أو نهارا ( هل يهلك إلا القوم الظالمون ) الكافرون أي ما يهلك إلا هم
48. ( وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ) من آمن بالجنة ( ومنذرين ) من كفر بالنار ( فمن آمن ) بهم ( وأصلح ) عمله ( فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) في الآخرة
49. ( والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون ) يخرجون عن الطاعة
50. ( قل ) لهم ( لا أقول لكم عندي خزائن الله ) التي منها يرزق ( ولا ) أني ( أعلم الغيب ) ما غاب عني ولم يوح إلي ( ولا أقول لكم إني ملك ) من الملائكة ( إن ) ما ( أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى ) الكافر ( والبصير ) المؤمن ؟ لا ( أفلا تتفكرون ) في ذلك فتؤمنون
51. ( وأنذر ) خوف ( به ) أي القرآن ( الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ) أي غيره ( ولي ) ينصرهم ( ولا شفيع ) يشفع لهم وحملة النفي حال من ضمير يحشروا وهي محل الخوف والمراد بهم المؤمنون العاصون ( لعلهم يتقون ) الله بإقلاعهم عما هم فيه وعمل الطاعات
52. ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون ) بعبادتهم ( وجهه ) تعالى لا شيئا من أعراض الدنيا وهم الفقراء وكان المشركون طعنوا فيهم وطلبوا أن يطردهم ليجالسوه وأراد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك طمعا في إسلامهم ( ما عليك من حسابهم من ) زائدة ( شيء ) إن كان باطنهم غير مرضي ( وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم ) جواب النفي ( فتكون من الظالمين ) إن فعلت
53. ( وكذلك فتنا ) ابتلينا ( بعضهم ببعض ) أي الشريف بالوضيع والغني بالفقير بأن قدمناه بالسبق إلى الإيمان ( ليقولوا ) أي الشرفاء والأغنياء منكرين ( أهؤلاء ) الفقراء ( من الله عليهم من بيننا ) بالهداية أي لو كان ما هم عليه هدى ما سبقونا إليه قال تعالى: ( أليس الله بأعلم بالشاكرين ) له فيهديهم ، بلى
54. ( وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل ) لهم ( سلام عليكم كتب ) قضى ( ربكم على نفسه الرحمة أنه ) أي الشأن ، وفي قراءة بالفتح بدل من الرحمة ( من عمل منكم سوءاً بجهالة ) منه حيث ارتكبه ( ثم تاب ) رجع ( من بعده ) بعد عمله منه ( وأصلح ) عمله ( فإنه ) أي الله ( غفور ) له ( رحيم ) به وفي قراءة بالفتح أي فالمغفرة له
55. ( وكذلك ) كما بينا ما ذكر ( نفصل ) نبين ( الآيات ) القرآن ليظهر الحق فيعمل به ( ولتستبين ) تظهر ( سبيل ) طريق ( المجرمين ) فتُجتَنب ، وفي قراءة بالتحتانية وفي أخرى بالفوقانية ونصب سبيل خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم
56. ( قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون ) تعبدون ( من دون الله قل لا أتبع أهواءكم ) في عبادتها ( قد ضللت إذا ) إن اتبعتها ( وما أنا من المهتدين )
57. ( قل إني على بينة ) بيان ( من ربي و ) قد ( كذبتم به ) بربي حيث أشركتم ( ما عندي ما تستعجلون به ) من العذاب ( إن ) ما ( الحكم ) في ذلك وغيره ( إلا لله يقضي ) القضاء ( الحق وهو خير الفاصلين ) الحاكمين ، وفي قراءة { يَقُصُّ } أي يقول
58. ( قل ) لهم ( لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم ) بأن أعجله لكم وأستريح ولكنه عند الله ( والله أعلم بالظالمين ) متى يعاقبهم
59. ( وعنده ) تعالى ( مفاتح الغيب ) خزائنه أو الطرق الموصلة إلى علمه ( لا يعلمها إلا هو ) وهي الخمسة التي في قوله { إن الله عنده علم الساعة } الآية كما رواه البخاري ( ويعلم ما ) يحدث ( في البر ) القفار ( والبحر ) القرى التي على الأنهار ( وما تسقط من ) زائدة ( ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس ) عطف على ورقة ( إلا في كتاب مبين ) هو اللوح المحفوظ والاستئناف بدل اشتمال من الاستثناء قبله
60. ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ) يقبض أرواحكم عند النوم ( ويعلم ما جرحتم ) كسبتم ( بالنهار ثم يبعثكم فيه ) أي النهار بردِّ أرواحكم ( ليقضى أجل مسمى ) هو أجل الحياة ( ثم إليه مرجعكم ) بالبعث ( ثم ينبئكم بما كنتم تعملون ) فيجازيكم به
61. ( وهو القاهر ) مستعليا ( فوق عباده ويرسل عليكم حفظة ) ملائكة تحصي أعمالكم ( حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته ) وفي قراءة { توفاه } ( رسلنا ) الملائكة الموكلون بقبض الأرواح ( وهم لا يفرِّطون ) يقصرون فيما يؤمرون به
62. ( ثم ردوا ) أي الخلق ( إلى الله مولاهم ) مالكهم ( الحق ) الثابت العدل ليجازيهم ( ألا له الحكم ) القضاء النافذ فيهم ( وهو أسرع الحاسبين ) يحاسب الخلق كلهم في قدر نصف نهار من أيام الدنيا لحديث بذلك
63. ( قل ) يا محمد لأهل مكة ( من ينجِّيكم من ظلمات البر والبحر ) أهوالها في أسفاركم حين ( تدعونه تضرعا ) علانية ( وخفية ) سراً تقولون ( لئن ) لام قسم ( أنجيتنا ) وفي قراءة { أنجانا } أي الله ( من هذه ) الظلمات والشدائد ( لنكونن من الشاكرين ) المؤمنين
64. ( قل ) لهم ( الله ينجيكم ) بالتخفيف والتشديد ( منها ومن كل كرب ) غم سواها ( ثم أنتم تشركون ) به
65. ( قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم ) من السماء كالحجارة والصيحة ( أو من تحت أرجلكم ) كالخسف ( أو يلبسكم ) يخلطكم ( شيعا ) فرقا مختلفة الأهواء ( ويذيق بعضكم بأس بعض ) بالقتال قال صلى الله عليه وسلم لما نزلت : « هذا أهون وأيسر » ولما نزل ما قبله : « أعوذ بوجهك » رواه البخاري وروى مسلم حديث « سألت ربي ألا يجعل بأس أمتي بينهم فمنعنيها » وفي حديث « لما نزلت قال أما إنها كائنة ولم يأت تأويلها بعد » ( انظر كيف نصرف ) نبين لهم ( الآيات ) الدالات على قدرتنا ( لعلهم يفقهون ) يعلمون أن ما هم عليه باطل
66. ( وكذب به ) بالقرآن ( قومك وهو الحق ) الصدق ( قل ) لهم ( لست عليكم بوكيل ) فأجازيكم إنما أنا منذر وأمركم إلى الله وهذا قبل الأمر بالقتال
67. ( لكل نبأ ) خبر ( مستقر ) وقت يقع فيه ويستقر ومنه عذابكم ( وسوف تعلمون ) تهديد لهم
68. ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا ) القرآن بالاستهزاء ( فأعرض عنهم ) ولا تجالسهم ( حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة ( ينْسينك ) بسكون النون والتخفيف وفتحها والتشديد ( الشيطان ) فقعدت معهم ( فلا تقعد بعد الذكرى ) أي تذكرة ( مع القوم الظالمين ) فيه وضع الظاهر موضع المضمر
69. وقال المسلمون إن قمنا كلما خاضوا لم نستطع أن نجلس في المسجد وأن نطوف فنزل : ( وما على الذين يتقون ) الله ( من حسابهم ) أي الخائضين ( من ) زائدة ( شيء ) إذا جالسوهم ( ولكن ) عليهم ( ذكرى ) تذكرة لهم وموعظة ( لعلهم يتقون ) الخوض
70. ( وذر ) اترك ( الذين اتخذوا دينهم ) الذي كلفوه ( لعبا ولهوا ) باستهزائهم به ( وغرتهم الحياة الدنيا ) فلا تتعرض لهم وهذا قبل الأمر بالقتال ( وذكر ) عظ ( به ) بالقرآن الناس ( أن ) لا ( تبسل نفس ) تسلم إلى الهلاك ( بما كسبت ) عملت ( ليس لها من دون الله ) أي غيره ( ولي ) ناصر ( ولا شفيع ) يمنع عنها العذاب ( وإن تعدل كل عدل ) تفد كل فداء ( لا يؤخذ منها ) ما تفدى به ( أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم ) ماء بالغ نهاية الحرارة ( وعذاب أليم ) مؤلم ( بما كانوا يكفرون ) بكفرهم
71. ( قل أندعو ) أنعبد ( من دون الله ما لا ينفعنا ) بعبادته ( ولا يضرنا ) بتركها وهو الأصنام ( ونرد على أعقابنا ) نرجع مشركين ( بعد إذ هدانا الله ) إلى الإسلام ( كالذي استهوته ) أضلته ( الشياطين في الأرض حيران ) متحيرا لا يدري أين يذهب حال من الهاء ( له أصحاب ) رفقة ( يدعونه إلى الهدى ) أي ليهدوه الطريق يقولون له ( ائتنا ) فلا يجيبهم فيهلك والاستفهام للإنكار وجملة التشبيه حال من ضمير نرد ( قل إن هدى الله ) الذي هو الإسلام ( هو الهدى ) وما عداه ضلال ( وأمرنا لنسلم ) أي بأن نسلم ( لرب العالمين )
72. ( وأن ) أي بأن ( أقيموا الصلاة واتقوه ) تعالى ( وهو الذي إليه تحشرون ) تجمعون يوم القيامة للحساب
73. ( وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ) أي محقا ( و ) اذكر ( يوم يقول ) للشيء ( كن فيكون ) هو يوم القيامة يقول للخلق قوموا فيقوموا ( قوله الحق ) الصدق الواقع لا محالة ( وله الملك يوم ينفخ في الصور ) القرن النفخة الثانية من إسرافيل لا ملك فيه لغيره { لمن الملك اليوم لله } ( عالم الغيب والشهادة ) ما غاب وما شوهد ( وهو الحكيم ) في خلقه ( الخبير ) بباطن الأشياء كظاهرها
74. واذكر ( وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر ) هو لقبه واسمه تارخ ( أتتخذ أصناما آلهة ) تعبدها استفهام توبيخ ( إني أراك وقومك ) باتخاذها ( في ضلال ) عن الحق ( مبين ) بين
75. ( وكذلك ) كما أريناه إضلال أبيه وقومه ( نري إبراهيم ملكوت ) ملك ( السماوات والأرض ) ليستدل به على وحدانيتنا ( وليكون من الموقنين ) بها وجملة وكذلك وما بعدها اعتراض وعطف على قال
76. ( فلما جن ) أظلم ( عليه الليل رأى كوكبا ) قيل هو الزُّهَرة ( قال ) لقومه وكانوا نجَّامين ( هذا ربي ) في زعمكم ( فلما أفل ) غاب ( قال لا أحب الآفلين ) أن أتخذهم أربابا لأن الرب لا يجوز عليه التغير والانتقال لأنهما من شأن الحوادث فلم ينجع فيهم ذلك
77. ( فلما رأى القمر بازغا ) طالعا ( قال ) لهم ( هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي ) يثبتني على الهدى ( لأكونن من القوم الضالين ) تعريض لقومه بأنهم على ضلال فلم ينجع فيهم ذلك
78. ( فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ) ذكره لتذكيره خبره ( ربي هذا أكبر ) من الكوكب والقمر ( فلما أفلت ) وقويت عليهم الحجة ولم يرجعوا ( قال يا قوم إني بريء مما تشركون ) بالله من الأصنام والأجرام المحدثة المحتاجة إلى محدث فقالوا له ما تعبد ؟
79. قال ( إني وجهت وجهي ) قصدت بعبادتي ( للذي فطر ) خلق ( السماوات والأرض ) أي الله ( حنيفا ) مائلا إلى الدين القيم ( وما أنا من المشركين ) به
80. ( وحاجَّه قومه ) جادلوه في دينه وهددوه بالأصنام أن تصيبه بسوء إن تركها ( قال أتحاجُّونِّي ) بتشديد النون وتخفيفها بحذف إحدى النونين وهي نون الرفع عند النجاة ونون الوقاية عند القراء أتجادلونني ( في ) وحدانية ( الله وقد هدان ) تعالى إليها ( ولا أخاف ما تشركونـ ) ـه ( به ) من الأصنام أن تصيبني بسوء لعدم قدرتها على شيء ( إلا ) لكن ( أن يشاء ربي شيئا ) من المكروه يصيبني فيكون ( وسع ربي كل شيء علما ) أي وسع علمه كل شيء ( أفلا تتذكرون ) هذا فتؤمنوا
81. ( وكيف أخاف ما أشركتم ) بالله وهي لا تضر ولا تنفع ( ولا تخافون ) أنتم من الله ( أنكم أشركتم بالله ) في العبادة ( ما لم ينزل به ) بعبادته ( عليكم سلطانا ) حجة وبرهانا وهو القادر على كل شيء ( فأي الفريقين أحق بالأمن ) أنحن أم أنتم ( إن كنتم تعلمون ) من الأحق به أي وهو نحن فاتبعوه
82. قال تعالى: ( الذين آمنوا ولم يلبسوا ) يخلطوا ( إيمانهم بظلم ) أي شرك كما فسر بذلك في حديث الصحيحين ( أولئك لهم الأمن ) من العذاب ( وهم مهتدون )
83. ( وتلك ) مبتدأ ويبدل منه ( حجتنا ) التي احتج بها إبراهيم على وحدانية الله من أُفول الكوكب وما بعده والخبر ( آتيناها إبراهيم ) أرشدناه لها حجة ( على قومه نرفع درجات من نشاء ) بالإضافة والتنوين في العلم والحكمة ( إن ربك حكيم ) في صنعه ( عليم ) بخلقه
84. ( ووهبنا له إسحاق ويعقوب ) ابنيه ( كلا ) منهما ( هدينا ونوحا هدينا من قبل ) أي قبل إبراهيم ( ومن ذريته ) أي نوح ( داود وسليمان ) ابنه ( وأيوب ويوسف ) بن يعقوب ( وموسى وهارون وكذلك ) كما جزيناهم ( نجزي المحسنين )
85. ( وزكريا ويحيى ) ابنه ( وعيسى ) ابن مريم يفيد أن الذرية تتناول أولاد البنت ( وإلياس ) ابن هارون أخي موسى ( كل ) منهم ( من الصالحين )
86. ( وإسماعيل ) بن إبراهيم ( واليسع ) اللام زائدة ( ويونس ولوطا ) بن هاران أخي إبراهيم ( وكلا ) منهم ( فضلنا على العالمين ) بالنبوة
87. ( ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم ) عطف على كلاً أو نوحاً ومن للتبغيض لأن بعضهم لم يكن له ولد وبعضهم كان في ولده كافر ( واجتبيناهم ) اخترناهم ( وهديناهم إلى صراط مستقيم )
88. ( ذلك ) الدين الذي هدوا إليه ( هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا ) فرضاً ( لحبط عنهم ما كانوا يعملون )
89. ( أولئك الذين آتيناهم الكتاب ) بمعنى الكتب ( والحكم ) الحكمة ( والنبوة فإن يكفر بها ) أي بهذه الثلاثة ( هؤلاء ) أي أهل مكة ( فقد وكلنا بها ) أرصدنا لها ( قوما ليسوا بها بكافرين ) هم المهاجرون والأنصار
90. ( أولئك الذين هدى ) هم ( الله فبهداهم ) طريقهم من التوحيد والصبر ( اقتده ) بهاء السكت ووصلاً وفي قراءة بحذفها وصلا ( قل ) لأهل مكة ( لا أسألكم عليه ) أي القرآن ( أجرا ) تعطونيه ( إن هو ) ما القرآن ( إلا ذكرى ) عظة ( للعالمين ) الإنس والجن
91. ( وما قدروا ) أي اليهود ( الله حق قدره ) أي ما عظموه حق عظمته أو ما عرفوه حق معرفته ( إذ قالوا ) للنبي صلى الله عليه وسلم وقد خاصموه في القرآن ( ما أنزل الله على بشر من شيء قل ) لهم ( من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس يجعلونه ) بالياء والتاء في المواضع الثلاثة ( قراطيس ) أي يكتبونه في دفاتر مقطعة ( يبدونها ) أي ما يحبون إبداءه منها ( ويخفون كثيرا ) مما فيها كنعت محمد صلى الله عليه وسلم ( وعلمتم ) أيها اليهود في القرآن ( ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم ) من التوراة ببيان ما التبس عليكم واختلفتم فيه ( قل الله ) أنزله إن لم يقولوه لا جواب غيره ( ثم ذرهم في خوضهم ) باطلهم ( يلعبون )
92. ( وهذا ) القرآن ( كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ) قبله من الكتب ( ولتنذر ) بالتاء والياء عطف على معنى ما قبله أي أنزلناه للبركة والتصديق ولتنذر به ( أم القرى ومن حولها ) أي أهل مكة وسائر الناس ( والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون ) خوفا من عقابها
93. ( ومن ) أي لا أحد ( أظلم ممن افترى على الله كذبا ) بادعاء النبوة ولم ينبأ ( أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ) نزلت في مسيلمة ( ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ) وهم المستهزئون قالوا لو نشاء لقلنا مثل هذا ( ولو ترى ) يا محمد ( إذ الظالمون ) المذكورون ( في غمرات ) سكرات ( الموت والملائكة باسطوا أيديهم ) إليهم بالضرب والتعذيب يقولون لهم تعنيفا ( أخرجوا أنفسكم ) إلينا لنقبضها ( اليوم تجزون عذاب الهون ) الهوان ( بما كنتم تقولون على الله غير الحق ) بدعوى النبوة والإيحاء كذبا ( وكنتم عن آياته تستكبرون ) تتكبرون عن الإيمان بها وجواب لو رأيت أمرا فظيعا
94. ويقال لهم إذا بعثوا ( ولقد جئتمونا فرادى ) منفردين عن الأهل والمال والولد ( كما خلقناكم أول مرة ) أي حفاةً عراةً غُرْلاً ( وتركتم ما خولناكم ) أعطيناكم من الأموال ( وراء ظهوركم ) في الدنيا بغير اختياركم ويقال لهم توبيخاً ( وما نرى معكم شفعاءكم ) الأصنام ( الذين زعمتم أنهم فيكم ) أي في استحقاق عبادتكم ( شركاء ) لله ( لقد تقطع بينكم ) وصلكم ، أي تشتت جمعكم وفي قراءة بالنصب ظرف أي وصلكم بينكم ( وضل ) ذهب ( عنكم ما كنتم تزعمون ) في الدنيا في شفاعتها
95. ( إن الله فالق ) شاق ( الحب ) عن النبات ( والنوى ) عن البخل ( يخرج الحي من الميت ) كالإنسان والطائر من النطفة والبيضة ( ومخرج الميت ) النطفة والبيضة ( من الحي ذلكم ) الفالق المخرج ( الله فأنى تؤفكون ) فكيف تصرفون عن الإيمان مع قيام البرهان
96. ( فالق الإصباح ) مصدر بمعنى الصبح أي شاق عمود الصبح وهو أول ما يبدو من نور النهار عن ظلمة الليل ( وجعل الليل سكنا ) تسكن فيه الخلق من التعب ( والشمس والقمر ) بالنصب عطفا من محل الليل ( حسبانا ) حسابا للأوقات أو الباء محذوفة وهو حال من مقدر أي يجريان بحسبان كما في آية الرحمن ( ذلك ) المذكور ( تقدير العزيز ) في ملكه ( العليم ) بخلقه
97. ( وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ) في الأسفار ( قد فصلنا ) بينا ( الآيات ) الدلالات على قدرتنا ( لقوم يعلمون ) يتدبرون
98. ( وهو الذي أنشأكم ) خلقكم ( من نفس واحدة ) هي آدم ( فمستقِرٌّ ) منكم في الرحم ( ومستودع ) منكم في الصلب ، وفي قراءة بفتح القاف أي مكان قرار لكم ( قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون ) ما يقال لهم
99. ( وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا ) فيه التفات عن الغيبة ( به ) بالماء ( نبات كل شيء ) ينبت ( فأخرجنا منه ) أي النبات شيئا ( خَضِرا ) بمعنى أخضر ( نخرج منه ) من الخضر ( حبا متراكبا ) يركب بعضه بعضا كسنابل الحنطة ونحوها ( ومن النخل ) خبر ويبدل منه ( من طلعها ) أول ما يخرج منها والمبتدأ ( قنوان ) عراجين ( دانية ) قريب بعضها من بعض ( و ) أخرجنا به ( جنات ) بساتين ( من أعناب والزيتون والرمان مشتبها ) ورقهما حال ( وغير متشابه ) ثمرها ( انظروا ) يا مخاطبون نظر اعتبار ( إلى ثمره ) بفتح الثاء والميم وبضمهما وهو جمع ثمرة كشجرة وشجر وخشبة وخشب ( إذا أثمر ) أول ما يبدو كيف هو ( و ) إلى ( ينعه ) نضجه إذا أدرك كيف يعود ( إن في ذلكم لآيات ) دلالات على قدرته تعالى على البعث وغيره ( لقوم يؤمنون ) خصوا بالذكر لأنهم المنتفعون بها في الإيمان بخلاف الكافرين
100. ( وجعلوا لله ) مفعول ثان ( شركاء ) مفعول أول ويبدل منه ( الجن ) حيث أطاعوهم في عبادة الأوثان ( و ) قد ( خلقهم ) فكيف يكونون شركاء ( وخرقوا ) بالتخفيف والتشديد أي اختلفوا ( له بنين وبنات بغير علم ) حيث قالوا عزير ابن الله والملائكة بنات الله ( سبحانه ) تنزيها له ( وتعالى عما يصفون ) بأن له ولدا
101. هو ( بديع السماوات والأرض ) مبدعهما من غير مثال سبق ( أنى ) كيف ( يكون له ولد ولم تكن له صاحبة ) زوجة ( وخلق كل شيء ) من شأنه أن يخلق ( وهو بكل شيء عليم )
102. ( ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه ) وحدوه ( وهو على كل شيء وكيل ) حفيظ
103. ( لا تدركه الأبصار ) أي لا تراه وهذا مخصوص لرؤية المؤمنين له في الآخرة لقوله تعالى { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } وحديث الشيخين « إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر » وقيل المراد لا تحيط به ( وهو يدرك الأبصار ) أي يراها ولا تراه ولا يجوز في غيره أن يدرك البصر ولا يدركه أو يحيط به علما ( وهو اللطيف ) بأوليائه ( الخبير ) بهم
104. قل يا محمد لهم: ( قد جاءكم بصائر ) حجج ( من ربكم فمن أبصر ) ها فآمن ( فلنفسه ) أبصر لأن ثواب إبصاره له ( ومن عمي ) عنها فضل ( فعليها ) وبال إضلاله ( وما أنا عليكم بحفيظ ) رقيب لأعمالكم إنما أنا نذير
105. ( وكذلك ) كما بينا ما ذكر ( نصرف ) نبين ( الآيات ) ليعتبروا ( وليقولوا ) أي الكفار في عاقبة الأمر ( دارست ) ذاكرت أهل الكتاب وفي قراءة { درست } أي كتب الماضين وجئت بهذا منها ( ولنبينه لقوم يعلمون )
106. ( اتبع ما أوحي إليك من ربك ) أي القرآن ( لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين )
107. ( ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا ) فتجازيهم بأعمالهم ( وما أنت عليهم بوكيل ) فتجبرهم على الإيمان وهذا قبل الأمر بالقتال
108. ( ولا تسبوا الذين يدعونـ ) ـهم ( من دون الله ) أي الأصنام ( فيسبوا الله عدوا ) اعتداء وظلما ( بغير علم ) أي جهلا منهم بالله ( كذلك ) كما زينا لهؤلاء ما هم عليه ( زينا لكل أمة عملهم ) من الخير والشر فأتوه ( ثم إلى ربهم مرجعهم ) في الآخرة ( فينبئهم بما كانوا يعملون ) فيجازيهم به
109. ( وأقسموا ) أي كفار مكة ( بالله جهد أيمانهم ) أي غاية اجتهادهم فيها ( لئن جاءتهم آية ) مما اقترحوا ( ليؤمنن بها قل ) لهم ( إنما الآيات عند الله ) ينزلها كما يشاء وإنما أنا نذير ( وما يشعركم ) يدريكم بأيمانهم إذا جاءت أي أنتم لا تدرون ذلك ( أنها إذا جاءت لا يؤمنون ) لما سبق في علمي ، وفي قراءة بالتاء خطابا للكفار وفي أخرى بفتح أنَّ بمعنى لعل أو معمولة لما قبلها
110. ( ونقلب أفئدتهم ) نحول قلوبهم عن الحق فلا يفهمونه ( وأبصارهم ) عنه فلا يبصرونه ولا يؤمنون ( كما لم يؤمنوا به ) أي بما أنزل من الآيات ( أول مرة ونذرهم ) نتركهم ( في طغيانهم ) ضلالهم ( يعمهون ) يترددون متحيرين
111. ( ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى ) كما اقترحوا ( وحشرنا ) جمعنا ( عليهم كل شيء قُبُلا ) بضمتين جمع قبيل أي فوجاً فوجاً وبكسر القاف وفتح الباء أي معاينة فشهدوا بصدقك ( ما كانوا ليؤمنوا ) لما سبق علم الله ( إلا ) لكم ( أن يشاء الله ) إيمانهم فيؤمنوا ( ولكن أكثرهم يجهلون ) ذلك
112. ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً ) كما جعلنا هؤلاء أعداءك ويبدل منه ( شياطين ) مردة ( الإنس والجن يوحي ) يوسوس ( بعضهم إلى بعض زخرف القول ) مموهه من الباطل ( غرورا ) أي ليغروهم ( ولو شاء ربك ما فعلوه ) أي الإيحاء المذكور ( فذرهم ) دع الكفار ( وما يفترون ) من الكفر غيره مما زين لهم وهذا ما قبل الأمر بالقتال
113. ( ولتصغى ) عطف على غرورا أي تميل ( إليه ) أي الزخرف ( أفئدة ) قلوب ( الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ) يكتسبوا ( ما هم مقترفون ) من الذنوب فيعاقبوا عليه
114. ونزل لما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل بينه وبينهم حكماً ، قل ( أفغير الله أبتغي ) أطلب ( حكما ) قاضيا بيني وبينكم ( وهو الذي أنزل إليكم الكتاب ) القرآن ( مفصلا ) مبينا فيه الحق من الباطل ( والذين آتيناهم الكتاب ) التوراة كعبد الله بن سلام وأصحابه ( يعلمون أنه منزل ) بالتخفيف والتشديد ( من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين ) الشاكين فيه والمراد بذلك التقرير للكفار أنه حق
115. ( وتمت كلمة ربك ) بالأحكام والمواعيد ( صدقا وعدلا ) تمييز ( لا مبدل لكلماته ) بنقص أو خلف ( وهو السميع ) لما يقال ( العليم ) بما يفعل
116. ( وإن تطع أكثر من في الأرض ) أي الكفار ( يضلوك عن سبيل الله ) دينه ( إن ) ما ( يتبعون إلا الظن ) في مجادلتهم لك في أمر الميتة إذ قالوا ما قتل الله أحق أن تأكلوه مما قتلتم ( وإن ) ما ( هم إلا يخرصون ) يكذبون في ذلك
117. ( إن ربك هو أعلم ) أي عالم ( من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) فيجازي كلا منهم
118. ( فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ) أي ذبح على اسمه ( إن كنتم بآياته مؤمنين )
119. ( وما لكم أ ) ن ( لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه ) من الذبائح ( وقد فُصِّل ) بالبناء للمفعول وللفاعل في الفعلين ( لكم ما حرم عليكم ) في آية { حرمت عليكم الميتة } ( إلا ما اضطررتم إليه ) منه فهو أيضا حلال لكم المعنى لا مانع لكم من أكل ما ذكر وقد بين لكم المحرم أكله وهذا ليس منه ( وإن كثيرا ليَضلون ) بفتح الياء وضمها ( بأهوائهم ) بما تهواه أنفسهم من تحليل الميتة وغيرها ( بغير علم ) يعتمدونه في ذلك ( إن ربك هو أعلم بالمعتدين ) المتجاوزين الحلال إلى الحرام
120. ( وذروا ) اتركوا ( ظاهر الإثم وباطنه ) علانيته وسره والإثم قيل الزنا ، وقيل كل معصية ( إن الذين يكسبون الإثم سيجزون ) في الآخرة ( بما كانوا يقترفون ) يكتسبون
121. ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) بأن مات أو ذبح على اسم غيره وإلا فما ذبحه المسلم ولم يسم فيه عمداً أو نسيانا فهو حلال قاله ابن عباس وعليه الشافعي ( وإنه ) أي الأكل منه ( لفسق ) خروج عما يحل ( وإن الشياطين ليوحون ) يوسوسون ( إلى أوليائهم ) الكفار ( ليجادلوكم ) في تحليل الميتة ( وإن أطعتموهم ) فيه ( إنكم لمشركون )
122. ونزل في أبي جهل وغيره ( أو من كان ميتا ) بالكفر ( فأحييناه ) بالهدى ( وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ) يتبصر به الحق من غيره وهو الإيمان ( كمن مثله ) مثل زائدة أي كمن هو ( في الظلمات ليس بخارج منها ) وهو الكافر ؟ لا ( كذلك ) كما زين للمؤمنين الإيمان ( زين للكافرين ما كانوا يعملون ) من الكفر والمعاصي
123. ( وكذلك ) كما جعلنا فساق مكة أكابرها ( جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها ) بالصد عن الإيمان ( وما يمكرون إلا بأنفسهم ) لأن وباله عليهم ( وما يشعرون ) بذلك
124. ( وإذا جاءتهم ) أي أهل مكة ( آية ) على صدق النبي صلى الله عليه وسلم ( قالوا لن نؤمن ) به ( حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله ) من الرسالة والوحي إلينا لأنا أكثر مالا وأكبر سنا قال تعالى ( الله أعلم حيث يجعل رسالاته ) بالجمع والإفراد ، وحيث مفعول به لفعل دل عليه أعلم أي يعلم الموضع الصالح لوضعها فيه فيضعها وهؤلاء ليسوا أهلا لها ( سيصيب الذين أجرموا ) بقولهم ذلك ( صغار ) ذل ( عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون ) أي بسبب مكرهم
125. ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) بأن يقذف في قلبه نورا فينفسح له ويقبله كما ورد في حديث ( ومن يرد ) الله ( أن يضله يجعل صدره ضيْقا ) بالتخفيف والتشديد عن قبوله ( حرِجا ) شديد الضيق بكسر الراء صفة وفتحها مصدر وصف فيه مبالغة ( كأنما يصَّعد ) وفي قراءة { يصَّاعد } وفيهما إدغام التاء في الأصل في الصاد وفي أخرى بسكونها ( في السماء ) إذا كلف الإيمان لشدته عليه ( كذلك ) الجعل ( يجعل الله الرجس ) العذاب أو الشيطان أي يسلطه ( على الذين لا يؤمنون )
126. ( وهذا ) الذي أنت عليه يا محمد ( صراط ) مستقيم ( ربك مستقيماً ) لا عوج فيه ونصبه على الحال المؤكد للجملة والعامل فيها معنى الإشارة ( قد فصلنا ) بينا ( الآيات لقوم يذَّكَّرون ) فيه إدغام التاء في الأصل في الذال أي يتعظون وخصوا بالذكر لأنهم المنتفعون
127. ( لهم دار السلام ) أي السلامة وهي الجنة ( عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون )
128. ( و ) اذكر ( يوم يحشرهم ) بالنون والياء أي الله الخلق ( جميعا ) ويقال لهم ( يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس ) باغوائكم ( وقال أولياؤهم ) الذين أطاعوهم ( من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض ) انتفع الإنس بتزيين الجن لهم الشهوات والجن بطاعة الإنس لهم ( وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا ) وهو يوم القيامة وهذا تحسر منهم ( قال ) تعالى لهم على لسان الملائكة ( النار مثواكم ) مأواكم ( خالدين فيها إلا ما شاء الله ) من الأوقات التي يخرجون فيها لشرب الحميم فإنه خارجها كما قال تعالى { ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم } وعن ابن عباس أنه فيمن علم الله أنهم يؤمنون فما بمعنى من ( إن ربك حكيم ) في صنعه ( عليم ) بخلقه
129. ( وكذلك ) لما متعنا عصاة الإنس والجن بعضهم ببعض ( نولي ) من الولاية ( بعض الظالمين بعضاً ) أي على بعض ( بما كانوا يكسبون ) من المعاصي
130. ( يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ) أي من مجموعكم أي بعضكم الصادق بالإنس أو رسل الجن نذرهم الذين يستمعون كلام الرسل فيبلغون قومهم ( يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا ) أن قد بلغنا قال تعالى ( وغرتهم الحياة الدنيا ) فلم يؤمنوا ( وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين )
131. ( ذلك ) أي إرسال الرسل ( أن ) اللام مقدرة وهي مخففة أي لأنه ( لم يكن ربك مهلك القرى بظلم ) منها ( وأهلها غافلون ) ألم يرسل إليهم رسول يبين لهم
132. ( ولكل ) من العاملين ( درجات ) جزاء ( مما عملوا ) من خير وشر ( وما ربك بغافل عما يعملون ) بالياء والتاء
133. ( وربك الغني ) عن خلقه وعبادتهم ( ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ) يا أهل مكة بالإهلاك ( ويستخلف من بعدكم ما يشاء ) من الخلق ( كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين ) أذهبهم ولكنه أبقاكم رحمة لكم
134. ( إن ما توعدون ) من الساعة والعذاب ( لآت ) لا محالة ( وما أنتم بمعجزين ) فائتين عذابنا
135. ( قل ) لهم ( يا قوم اعملوا على مكانتكم ) حالتكم ( إني عامل ) على حالتي ( فسوف تعلمون من ) موصولة مفعول العلم ( تكون له عاقبة الدار ) أي العاقبة المحمودة في الدار الآخرة أنحن أم أنتم ( إنه لا يفلح ) يسعد ( الظالمون ) الكافرون
136. ( وجعلوا ) أي كفار مكة ( لله مما ذرأ ) خلق ( من الحرث ) الزرع ( والأنعام نصيبا ) يصرفونه إلى الضيفان والمساكين ولشركائهم نصيبا يصرفونه إلى سدنتها ( فقالوا هذا لله بزعمهم ) بالفتح والضم ( وهذا لشركائنا ) فكانوا إذا سقط في نصيب الله شيء من نصيبها التقطوه أو في نصيبها شيء من نصيبه تركوه وقالوا إن الله غني عن هذا كما قال تعالى ( فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله ) أي لجهته ( وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ) بئس ( ما يحكمون ) حكمهم هذا
137. ( وكذلك ) كما زين لهم ما ذكر ( زَيَّنَ لكثير من المشركين قتلَ أولادِهم ) بالوأد ( شركاؤُهم ) من الجن بالرفع ، فاعل زيَّنَ وفي قراءة ببناءه للمفعول ورفع قتل ونصب الأولاد به وجر شركائهم باضافته وفيه الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول ولا يضر وإضافة القتل إلى الشركاء لأمرهم به ( ليردوهم ) يهلكوهم ( وليلبسوا ) يخلطوا ( عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون )
138. ( وقالوا هذه أنعام وحرث حجر ) حرام ( لا يطعمها إلا من نشاء ) من خدمة الأوثان وغيرهم ( بزعمهم ) أي لا حجة لهم فيه ( وأنعام حرمت ظهورها ) فلا تركب كالسوائب والحوامي ( وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها ) عند ذبحها بل يذكرون اسم أصنامهم ونسبوا ذلك إلى الله ( افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون ) عليه
139. ( وقالوا ما في بطون هذه الأنعام ) المحرمة وهي السوائب والبحائر ( خالصة ) حلال ( لذكورنا ومحرم على أزواجنا ) أي النساء ( وإن يكن ميتة ) بالرفع والنصب مع تأنيث الفعل وتذكيره ( فهم فيه شركاء سيجزيهم ) الله ( وصفهم ) ذلك بالتحليل والتحريم أي جزاءه ( إنه حكيم ) في صنعه ( عليم ) بخلقه
140. ( قد خسر الذين قتلوا ) بالتخفيف والتشديد ( أولادهم ) بالوأد ( سفها ) جهلا ( بغير علم وحرموا ما رزقهم الله ) مما ذكر ( افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين )
141. ( وهو الذي أنشأ ) خلق ( جنات ) بساتين ( معروشات ) مبسوطات على الأرض كالبطيخ ( وغير معروشات ) بأن ارتفعت على ساق كالنخل ( و ) أنشأ ( النخل والزرع مختلفا أكله ) ثمره وحبه في الهيئة والطعم ( والزيتون والرمان متشابهاً ) ورقُهُما ، حال ( وغير متشابه ) طعمهما ( كلوا من ثمره إذا أثمر ) قبل النضج ( وآتوا حقه ) زكاته ( يوم حصاده ) بالفتح والكسر من العشر أو نصفه ( ولا تسرفوا ) بإعطاء كله فلا يبقى لعيالكم شيء ( إنه لا يحب المسرفين ) المتجاوزين ما حد لهم
142. ( و ) أنشأ ( من الأنعام حمولة ) صالحة للحمل عليها كالإبل الكبار ( وفَرْشا ) لا تصلح له كالإبل الصغار والغنم سميت فرشا لأنها كالفرش للأرض لدنوها منها ( كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان ) طرائقه من التحريم والتحليل ( إنه لكم عدو مبين ) بين العداوة
143. ( ثمانية أزواج ) أصناف بدل من حمولة وفرشا ( من الضأن ) زوجين ( اثنين ) ذكر وأنثى ( ومن المعز ) بالفتح والسكون ( اثنين قل ) يا محمد لمن حرم ذكور الأنعام تارة وإناثها أخرى ونسب ذلك إلى الله ( آلذكرين ) من الضأن والمعز ( حرم ) الله عليكم ( أم الأنثيين ) منهما ( أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ) ذكراً كان أو أنثى ( نبئوني بعلم ) عن كيفية تحريم ذلك ( إن كنتم صادقين ) فيه ، المعنى من أين جاء التحريم فإن كان من قبل الذكورة فجميع الذكور حرام أو الأنوثة فجميع الإناث أو اشتمال الرحم فالزوجان فمن أين التخصيص؟ والاستفهام للإنكار
144. ( ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم ) بل ( كنتم شهداء ) حضوراً ( إذ وصاكم الله بهذا ) التحريم فاعتمدتم ذلك لا بل أنتم كاذبون فيه ( فمن ) أي لا أحد ( أظلم ممن افترى على الله كذبا ) بذلك ( ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين )
145. ( قل لا أجد فيما أوحي إلي ) شيئاً ( محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ) بالياء والتاء ( ميتة ) بالنصب وفي قراءة بالرفع مع التحتانية ( أو دما مسفوحا ) سائلا بخلاف غيره كالكبد والطحال ( أو لحم خنزير فإنه رجس ) حرام ( أو ) إلا أن يكون ( فسقا أهل لغير الله به ) أي ذبح على اسم غيره ( فمن اضطر ) إلى شيء مما ذكر فأكله ( غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور ) له ما أكل ( رحيم ) به ويلحق بما ذكر بالسنة كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير
146. ( وعلى الذين هادوا ) أي اليهود ( حرمنا كل ذي ظفر ) وهو ما لم تفرق أصابعه كالإبل والنعام ( ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما ) الثروب وشحم الكلي ( إلا ما حملت ظهورهما ) أي ما علق بها منه ( أو ) حملته ( الحوايا ) الأمعاء جمع حاوياء أو حاوية ( أو ما اختلط بعظم ) منه وهو شحم الأَلْيَة فإنه أحل لهم ( ذلك ) التحريم ( جزيناهم ) به ( ببغيهم ) بسبب طلعهم بما سبق في سورة النساء ( وإنا لصادقون ) في أخبارنا ومواعيدنا
147. ( فإن كذبوك ) فيما جئت به ( فقل ) لهم ( ربكم ذو رحمة واسعة ) حيث لم يعاجلكم بالعقوبة وفيه تلطف بدعائهم إلى الإيمان ( ولا يرد بأسه ) عذابه إذا جاء ( عن القوم المجرمين )
148. ( سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ) نحن ( ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء ) فإشراكنا وتحريمنا بمشيئته فهو راضٍ به! قال تعالى ( كذلك ) كما كذب هؤلاء ( كذب الذين من قبلهم ) رسلهم ( حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم ) بأن الله راض بذلك ( فتخرجوه لنا ) أي لا علم عندكم ( إن ) ما ( تتبعون ) في ذلك ( إلا الظن وإن ) ما ( أنتم إلا تخرصون ) تكذبون فيه
149. ( قل ) إن لم يكن لكم حجة ( فلله الحجة البالغة ) التامة ( فلو شاء ) هدايتكم ( لهداكم أجمعين )
150. ( قل هلم ) أحضروا ( شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا ) الذي حرمتموه ( فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون ) يشركون
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
تابع سورة الانعام تفسير الجلالين
151. ( قل تعالوا أتل ) أقرأ ( ما حرم ربكم عليكم أ ) ن مفسرة ( لا تشركوا به شيئا و ) أحسنوا ( بالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم ) بالوأد ( من ) أجل ( إملاق ) فقر تخافونه ( نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ) الكبائر كالزنا ( ما ظهر منها وما بطن ) أي علانيتها وسرها ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) كالقود وحد الردة ورجم المحصن ( ذلكم ) المذكور ( وصاكم به لعلكم تعقلون ) تتدبرون
152. ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي ) أي بالخصلة التي ( هي أحسن ) وهي ما فيه صلاحه ( حتى يبلغ أشده ) بأن يحتلم ( وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ) بالعدل وترك البخس ( لا نكلف نفسا إلا وسعها ) طاقتها في ذلك فإن أخطأ في الكيل والوزن والله يعلم صحته نيته فلا مؤاخذة عليه ورد كما في حديث ( وإذا قلتم ) في حكم أو غيره ( فاعدلوا ) بالصدق ( ولو كان ) القول له أو عليه ( ذا قربى ) قرابة ( وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكَّرون ) بالتشديد ، تتعظون والسكون
153. ( وأنَّ ) بالفتح على تقدير اللام والكسر استئنافا ( هذا ) الذي وصيتكم به ( صراطي مستقيما ) حال ( فاتبعوه ولا تتبعوا السبل ) الطرق المخالفة له ( فتفرق ) فيه حذف إحدى التاءين تميل ( بكم عن سبيله ) دينه ( ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون )
154. ( ثم آتينا موسى الكتاب ) التوراة وثم لترتيب الأخبار ( تماما ) للنعمة ( على الذي أحسن ) بالقيام به ( وتفصيلا ) بيانا ( لكل شيء ) يحتاج إليه في الدين ( وهدى ورحمة لعلهم ) أي بني إسرائيل ( بلقاء ربهم ) بالبعث ( يؤمنون )
155. ( وهذا ) القرآن ( كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه ) يا أهل مكة بالعمل بما فيه ( واتقوا ) الكفر ( لعلكم ترحمون )
156. أنزلناه ( أن ) لا ( تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين ) اليهود والنصارى ( من قبلنا وإن ) مخففة واسمها محذوف أي إنا ( كنا عن دراستهم ) قراءتهم ( لغافلين ) لعدم معرفتنا لها إذ ليست بلغتنا
157. ( أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم ) لجودة أذهاننا ( فقد جاءكم بينة ) بيان ( من ربكم وهدى ورحمة ) لمن اتبعه ( فمن ) أي لا أحد ( أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف ) أعرض ( عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب ) أي أشده ( بما كانوا يصدفون )
158. ( هل ينظرون ) ما ينتظر المكذبون ( إلا أن تأتيهم ) بالتاء والياء ( الملائكة ) لقبض أرواحهم ( أو يأتي ربك ) أي أمره بمعنى عذابه ( أو يأتي بعض آيات ربك ) أي علاماته الدالة على الساعة ( يوم يأتي بعض آيات ربك ) وهي طلوع الشمس من مغربها كما في حديث الصحيحين ( لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ) الجملة صفة النفس ( أو ) نفسا لم تكن ( كسبت في إيمانها خيرا ) طاعة أي لا تنفعها توبتها كما في الحديث ( قل انتظروا ) أحد هذه الأشياء ( إنا منتظرون ) ذلك
159. ( إن الذين فرقوا دينهم ) باختلافهم فيه فأخذوا بعضه وتركوا بعضه ( وكانوا شيعا ) فرقا في ذلك ، وفي قراءة { فارقوا } أي تركوا دينهم الذي أمروا به وهم اليهود والنصارى ( لست منهم في شيء ) أي فلا تتعرض لهم ( إنما أمرهم إلى الله ) يتولاه ( ثم ينبئهم ) في الآخرة ( بما كانوا يفعلون ) فيجازيهم به ، وهذا منسوخ بآية السيف
160. ( من جاء بالحسنة ) أي لا إله إلا الله ( فله عشر أمثالها ) أي جزاء عشر حسنات ( ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها ) أي جزاؤه ( وهم لا يظلمون ) ينقصون من جزائهم شيئا
161. ( قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ) ويبدل من محله ( ديناً قِيَمَاً ) مستقيماً ( ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين )
162. ( قل إن صلاتي ونسكي ) عبادتي من حج وغيره ( ومحياي ) حياتي ( ومماتي ) موتي ( لله رب العالمين )
163. ( لا شريك له ) في ذلك ( وبذلك ) أي التوحيد ( أمرت وأنا أول المسلمين ) من هذه الأمة
164. ( قل أغير الله أبغي ربا ) إلها أي لا أطلب غيره ( وهو رب ) مالك ( كل شيء ولا تكسب كل نفس ) ذنبا ( إلا عليها ولا تزر ) تحمل نفس ( وازرة ) آثمة ( وزر ) نفس ( أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون )
165. ( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ) جمع خليفة ، أي يخلف بعضكم بعضاً فيها ( ورفع بعضكم فوق بعض درجات ) بالمال والجاه وغير ذلك ( ليبلوكم ) ليختبركم ( في ما آتاكم ) أعطاكم ليظهر المطيع منكم والعاصي ( إن ربك سريع العقاب ) لمن عصاه ( وإنه لغفور ) للمؤمنين ( رحيم ) بهم
151. ( قل تعالوا أتل ) أقرأ ( ما حرم ربكم عليكم أ ) ن مفسرة ( لا تشركوا به شيئا و ) أحسنوا ( بالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم ) بالوأد ( من ) أجل ( إملاق ) فقر تخافونه ( نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ) الكبائر كالزنا ( ما ظهر منها وما بطن ) أي علانيتها وسرها ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) كالقود وحد الردة ورجم المحصن ( ذلكم ) المذكور ( وصاكم به لعلكم تعقلون ) تتدبرون
152. ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي ) أي بالخصلة التي ( هي أحسن ) وهي ما فيه صلاحه ( حتى يبلغ أشده ) بأن يحتلم ( وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ) بالعدل وترك البخس ( لا نكلف نفسا إلا وسعها ) طاقتها في ذلك فإن أخطأ في الكيل والوزن والله يعلم صحته نيته فلا مؤاخذة عليه ورد كما في حديث ( وإذا قلتم ) في حكم أو غيره ( فاعدلوا ) بالصدق ( ولو كان ) القول له أو عليه ( ذا قربى ) قرابة ( وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكَّرون ) بالتشديد ، تتعظون والسكون
153. ( وأنَّ ) بالفتح على تقدير اللام والكسر استئنافا ( هذا ) الذي وصيتكم به ( صراطي مستقيما ) حال ( فاتبعوه ولا تتبعوا السبل ) الطرق المخالفة له ( فتفرق ) فيه حذف إحدى التاءين تميل ( بكم عن سبيله ) دينه ( ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون )
154. ( ثم آتينا موسى الكتاب ) التوراة وثم لترتيب الأخبار ( تماما ) للنعمة ( على الذي أحسن ) بالقيام به ( وتفصيلا ) بيانا ( لكل شيء ) يحتاج إليه في الدين ( وهدى ورحمة لعلهم ) أي بني إسرائيل ( بلقاء ربهم ) بالبعث ( يؤمنون )
155. ( وهذا ) القرآن ( كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه ) يا أهل مكة بالعمل بما فيه ( واتقوا ) الكفر ( لعلكم ترحمون )
156. أنزلناه ( أن ) لا ( تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين ) اليهود والنصارى ( من قبلنا وإن ) مخففة واسمها محذوف أي إنا ( كنا عن دراستهم ) قراءتهم ( لغافلين ) لعدم معرفتنا لها إذ ليست بلغتنا
157. ( أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم ) لجودة أذهاننا ( فقد جاءكم بينة ) بيان ( من ربكم وهدى ورحمة ) لمن اتبعه ( فمن ) أي لا أحد ( أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف ) أعرض ( عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب ) أي أشده ( بما كانوا يصدفون )
158. ( هل ينظرون ) ما ينتظر المكذبون ( إلا أن تأتيهم ) بالتاء والياء ( الملائكة ) لقبض أرواحهم ( أو يأتي ربك ) أي أمره بمعنى عذابه ( أو يأتي بعض آيات ربك ) أي علاماته الدالة على الساعة ( يوم يأتي بعض آيات ربك ) وهي طلوع الشمس من مغربها كما في حديث الصحيحين ( لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ) الجملة صفة النفس ( أو ) نفسا لم تكن ( كسبت في إيمانها خيرا ) طاعة أي لا تنفعها توبتها كما في الحديث ( قل انتظروا ) أحد هذه الأشياء ( إنا منتظرون ) ذلك
159. ( إن الذين فرقوا دينهم ) باختلافهم فيه فأخذوا بعضه وتركوا بعضه ( وكانوا شيعا ) فرقا في ذلك ، وفي قراءة { فارقوا } أي تركوا دينهم الذي أمروا به وهم اليهود والنصارى ( لست منهم في شيء ) أي فلا تتعرض لهم ( إنما أمرهم إلى الله ) يتولاه ( ثم ينبئهم ) في الآخرة ( بما كانوا يفعلون ) فيجازيهم به ، وهذا منسوخ بآية السيف
160. ( من جاء بالحسنة ) أي لا إله إلا الله ( فله عشر أمثالها ) أي جزاء عشر حسنات ( ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها ) أي جزاؤه ( وهم لا يظلمون ) ينقصون من جزائهم شيئا
161. ( قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ) ويبدل من محله ( ديناً قِيَمَاً ) مستقيماً ( ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين )
162. ( قل إن صلاتي ونسكي ) عبادتي من حج وغيره ( ومحياي ) حياتي ( ومماتي ) موتي ( لله رب العالمين )
163. ( لا شريك له ) في ذلك ( وبذلك ) أي التوحيد ( أمرت وأنا أول المسلمين ) من هذه الأمة
164. ( قل أغير الله أبغي ربا ) إلها أي لا أطلب غيره ( وهو رب ) مالك ( كل شيء ولا تكسب كل نفس ) ذنبا ( إلا عليها ولا تزر ) تحمل نفس ( وازرة ) آثمة ( وزر ) نفس ( أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون )
165. ( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ) جمع خليفة ، أي يخلف بعضكم بعضاً فيها ( ورفع بعضكم فوق بعض درجات ) بالمال والجاه وغير ذلك ( ليبلوكم ) ليختبركم ( في ما آتاكم ) أعطاكم ليظهر المطيع منكم والعاصي ( إن ربك سريع العقاب ) لمن عصاه ( وإنه لغفور ) للمؤمنين ( رحيم ) بهم
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
7. سورة الأعراف
1. ( المص ) الله أعلم بمراده بذلك
2. هذا ( كتاب أنزل إليك ) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ( فلا يكن في صدرك حرج ) ضيق ( منه ) أن تبلغه مخافة أن تكذب ( لتنذر ) متعلق بأنزل أي للإنذار ( به وذكرى ) تذكرة ( للمؤمنين ) به
3. قل لهم ( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ) أي القرآن ( ولا تتبعوا ) تتخذوا ( من دونه ) أي الله أي غيره ( أولياء ) تطيعونهم في معصيته تعالى ( قليلاً ما تذكرون ) بالياء والتاء تتعظون ، وفيه إدغام التاء في الأصل في الذال وفي قراءة بسكونها ، وما زائدة لتأكيد القلة
4. ( وكم ) خبرية مفعول ( من قرية ) أريد أهلها ( أهلكناها ) أردنا إهلاكها ( فجاءها بأسنا ) عذابنا ( بياتاً ) ليلاً ( أو هم قائلون ) نائمون بالظهيرة ، والقيلولة استراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم ، أي مرة جاءها ليلاً ومرة جاءها نهاراً
5. ( فما كان دعواهم ) قولهم ( إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين )
6. ( فلنسألن الذين أرسل إليهم ) أي الأمم عن إجابتهم الرسل وعملهم فيما بلغهم ( ولنسألن المرسلين ) عن الإبلاغ
7. ( فلنقصن عليهم بعلم ) لنخبرنهم عن علم بما فعلوه ( وما كنا غائبين ) عن إبلاغ الرسل والأمم الخالية فيما عملوا
8. ( والوزنُ ) للأعمال أو لصحائفها بميزان له لسان وكفتان9. ( ومن خفت موازينه ) بالسيئات ( فأولئك الذين خسروا أنفسهم ) بتصييرها إلى النار ( بما كانوا بآياتنا يظلمون ) يجحدون
10. ( ولقد مكناكم ) يا بني آدم ( في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش ) بالياء أسبابا تعيشون بها جمع معيشة ( قليلا ما ) لتأكيد القلة ( تشكرون ) على ذلك
11. ( ولقد خلقناكم ) أي أباكم آدم ( ثم صورناكم ) أي صورناه وأنتم في ظهره ( ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) سجودَ تحيةٍ بالانحناء ( فسجدوا إلا إبليس ) أبا الجن كان بين الملائكة ( لم يكن من الساجدين )
12. ( قال ) تعالى ( ما منعك أ ) ن ( لا ) زائدة ( تسجد إذ ) حين ( أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )
13. ( قال فاهبط منها ) أي من الجنة ، وقيل من السماوات ( فما يكون ) ينبغي ( لك أن تتكبر فيها فاخرج ) منها ( إنك من الصاغرين ) الذليلين
14. ( قال أَنظِرني ) أَخِّرني ( إلى يوم يبعثون ) أي الناس
15. ( قال إنك من المنظرين ) وفي آية أخرى { إلى يوم الوقت المعلوم } أي يوم النفخة الأولى
16. ( قال فبما أغويتني ) أي بإغوائك لي ، والباء للقسم وجوابه ( لأقعدن لهم ) أي لبني آدم ( صراطك المستقيم ) أي على الطريق الموصل إليك
17. ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ) أي من كل جهة فأمنعهم عن سلوكه ، قال ابن عباس: ولا يستطيع أن يأتي من فوقهم لئلا يحول بين العبد وبين رحمة الله تعالى. ( ولا تجد أكثرهم شاكرين ) مؤمنين
18. ( قال اخرج منها مذؤوما ) بالهمزة معيبا أو ممقوتا ( مدحورا ) مبعدا عن الرحمة ( لمن تبعك منهم ) من الناس واللام للابتداء أو موطئة للقسم وهو ( لأملأن جهنم منكم أجمعين ) أي منك بذريتك ومن الناس وفيه تغليب الحاضر على الغائب وفي الجملة معنى جزاء من الشرطية أي من تبعك أعذبه
19. ( و ) قال ( يا آدم اسكن أنت ) تأكيد للضمير في اسكن ليعطف عليه ( وزوجك ) حواء بالمد ( الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة ) بالأكل منها وهي الحنطة ( فتكونا من الظالمين )
20. ( فوسوس لهما الشيطان ) إبليس ( ليبدي ) يظهر ( لهما ما ووري ) فوعل من المواراة ( عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا ) كراهةَ ( أن تكونا مَلَكَين ) وقرئ بكسر اللام ( أو تكونا من الخالدين ) أي وذلك لازم عن الأكل منها كما في آية أخرى { هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى }
21. ( وقاسمهما ) أي أقسم لهما بالله ( إني لكما لمن الناصحين ) في ذلك
22. ( فدلاهما ) حطَّهما عن منزلتهما ( بغرور ) منه ( فلما ذاقا الشجرة ) أي أكلا منها ( بدت لهما سوآتهما ) أي ظهر لكل منهما قبله وقبل الآخر ودبره وسمي كل منها سوأة لأن انكشافه يسوء صاحبه ( وطفقا يخصفان ) أخذا يلزقان ( عليهما من ورق الجنة ) ليستترا به ( وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ) بين العداوة ، والاستفهام للتقرير
23. ( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا ) بمعصيتنا ( وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين )
24. ( قال اهبطوا ) أي آدم وحواء بما اشتملتما عليه من ذريتكما ( بعضكم ) بعض الذرية ( لبعض عدو ) من ظلم بعضهم بعضا ( ولكم في الأرض مستقر ) أي مكان استقرار ( ومتاع ) تمتع ( إلى حين ) تنقضي فيه آجالكم
25. ( قال فيها ) أي الأرض ( تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ) بالبعث بالبناء للفاعل والمفعول
26. ( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا ) أي خلقناه لكم ( يواري ) يستر ( سوآتكم وريشا ) وهو ما يتجمل به من الثياب ( ولباس التقوى ) العمل الصالح والسمت الحسن ، بالنصب عطف على لباسا والرفع مبتدأ خبره جملة ( ذلك خير ، ذلك من آيات الله ) دلائل قدرته ( لعلهم يذكرون ) فيؤمنوا فيه التفات عن الخطاب
27. ( يا بني آدم لا يفتنَنَّكم ) يضلنكم ( الشيطان ) أي لا تتبعوه ( كما أخرج أبويكم ) بفتنته ( من الجنة ينزع ) حال ( عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه ) أي الشيطان ( يراكم هو وقبيله ) جنوده ( من حيث لا ترونهم ) للطافة أجسادهم أو عدم ألوانهم ( إنا جعلنا الشياطين أولياء ) أعوانا وقرناء ( للذين لا يؤمنون )
28. ( وإذا فعلوا فاحشة ) كالشرك وطوافهم بالبيت عراة قائلين لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها فنهوا عنها ( قالوا وجدنا عليها آباءنا ) فاقتدينا بهم ( والله أمرنا بها ) أيضا ( قل ) لهم ( إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون ) أنه قال ، استفهام إنكار
29. ( قل أمر ربي بالقسط ) بالعدل ( وأقيموا ) معطوف على معنى بالقسط ، أي قال أقسطوا وأقيموا أو قبله فاقبلوا مقدرا ( وجوهكم ) لله ( عند كل مسجد ) أي أخلصوا له سجودكم ( وادعوه ) اعبدوه ( مخلصين له الدين ) من الشرك ( كما بدأكم ) خلقكم ولم تكونوا شيئا ( تعودون ) أي يعيدكم أحياء يوم القيامة
30. ( فريقا ) منكم ( هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ) أي غيره ( ويحسبون أنهم مهتدون )
31. ( يا بني آدم خذوا زينتكم ) ما يستر عورتكم ( عند كل مسجد ) عند الصلاة والطواف ( وكلوا واشربوا ) ما شئتم ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين )
32. ( قل ) إنكارا عليهم ( من حرم زينة الله التي أخرج لعباده ) من اللباس ( والطيبات ) المستلذات ( من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ) بالاستحقاق وإن شاركهم فيها غيرهم ( خالصة ) خاصة بهم بالرفع والنصب حال ( يوم القيامة كذلك نفصل الآيات ) نبينها مثل ذلك التفصيل ( لقوم يعلمون ) يتدبرون فإنهم المنتفعون بها
33. ( قل إنما حرم ربي الفواحش ) الكبائر كالزنا ( ما ظهر منها وما بطن ) أي جهرها وسرها ( والإثم ) المعصية ( والبغي ) على الناس ( بغير الحق ) وهو الظلم ( وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به ) بإشراكه ( سلطانا ) حجة ( وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) من تحريم ما لم يحرم وغيره
34. ( ولكل أمة أجل ) مدة ( فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ) عنه ( ساعة ولا يستقدمون ) عليه
35. ( يا بني آدم إمَّا ) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة ( يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى ) الشرك ( وأصلح ) عمله ( فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) في الآخرة
36. ( والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا ) تكبروا ( عنها ) فلم يؤمنوا بها ( أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
37. ( فمن ) أي لا أحد ( أظلم ممن افترى على الله كذبا ) بنسبة الشريك والولد إليه ( أو كذب بآياته ) القرآن ( أولئك ينالهم ) يصيبهم ( نصيبهم ) حظهم ( من الكتاب ) مما كتب لهم في اللوح المحفوظ من الرزق والأجل وغير ذلك ( حتى إذا جاءتهم رسلنا ) أي الملائكة ( يتوفونهم قالوا ) لهم تبكيتا ( أين ما كنتم تدعون ) تعبدون ( من دون الله قالوا ضلوا ) غابوا ( عنا ) فلم نرهم ( وشهدوا على أنفسهم ) عند الموت ( أنهم كانوا كافرين )
38. ( قال ) لهم تعالى يوم القيامة ( ادخلوا في ) جملة ( أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في ) متعلق بادخلوا ( النار كلما دخلت ) النار ( أمة لعنت أختها ) التي قبلها لضلالها بها ( حتى إذا ادَّاركوا ) تلاحقوا ( فيها جميعا قالت أخراهم ) وهم الأتباع ( لأولاهم ) أي لأجلائهم وهم المتبوعون ( ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً ) مضعفاً ( من النار قال ) تعالى ( لكل ) منكم ومنهم ( ضعف ) عذاب مضعف ( ولكن لا يعلمون ) 39. ( وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل ) لأنكم تكفرون بسببنا فنحن وأنتم سواء ، قال تعالى لهم ( فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون )
40. ( إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا ) تكبروا ( عنها ) فلم يؤمنوا بها ( لا تفتح لهم أبواب السماء ) إذا عرج بأرواحهم إليها بعد الموت فيهبط بها إلى سجِّين بخلاف المؤمن فتفتح له ويصعد بروحه إلى السماء السابعة كما ورد في حديث ( ولا يدخلون الجنة حتى يلج ) يدخل ( الجمل في سمّ الخياط ) ثقب الإبرة وهو غير ممكن فكذا دخولهم ( وكذلك ) الجزاء ( نجزي المجرمين ) بالكفر
41. ( لهم من جهنم مهاد ) فراش ( ومن فوقهم غواش ) أغطية من النار جمع غاشية وتنوينه عوض من الياء المحذوفة ( وكذلك نجزي الظالمين )
42. ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات ) مبتدأ ، وقوله ( لا نكلف نفساً إلا وسعها ) طاقتها من العمل اعتراض بينه وبين خبره وهو ( أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون )
43. ( ونزعنا ما في صدورهم من غل ) حقد كان بينهم في الدنيا ( تجري من تحتهم ) تحت قصورهم ( الأنهار وقالوا ) عند الاستقرار في منازلهم ( الحمد لله الذي هدانا لهذا ) العمل الذي هذا جزاؤه ( وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) حذف جواب لولا لدلالة ما قبله عليه ( لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن ) مخففة أي أنه أو مفسرة في المواضع الخمسة ( تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون )
44. ( ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار ) تقريرا أو تبكيتا ( أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا ) من الثواب ( حقا فهل وجدتم ما وعد ) كم ( ربكم ) من العذاب ( حقاً ؟ قالوا نعم فأذن مؤذن ) نادى مناد ( بينهم ) بين الفريقين أسمعهم ( أن لعنة الله على الظالمين )
45. ( الذين يصدون ) الناس ( عن سبيل الله ) دينه ( ويبغونها ) أي يطلبون السبيل ( عوجاً ) معوجاً ( وهم بالآخرة كافرون )
46. ( وبينهما ) أي أصحاب الجنة والنار ( حجاب ) حاجز ، قيل هو سور الأعراف ( وعلى الأعراف ) وهو سور الجنة ( رجال ) استوت حسناتهم وسيئاتهم كما في الحديث ( يعرفون كلا ) من أهل الجنة والنار ( بسيماهم ) بعلامتهم وهي بياض الوجوه للمؤمنين وسوادها للكافرين لرؤيتهم لهم إذ موضعهم عال ( ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم ) قال تعالى ( لم يدخلوها ) أي أصحاب الأعراف الجنة ( وهم يطمعون ) في دخولها ، قال الحسن لم يطمعهم إلا لكرامة يريدها بهم وروى الحاكم عن حذيفة قال : « بينما هم كذلك إذ طلع عليهم ربك فقال قوموا ادخلوا الجنة فقد غفرت لكم »
47. ( وإذا صرفت أبصارهم ) أي أصحاب الأعراف ( تلقاء ) جهة ( أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا ) في النار ( مع القوم الظالمين )
48. ( ونادى أصحاب الأعراف رجالا ) من أصحاب النار ( يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم ) من النار ( جمعكم ) المال أو كثرتكم ( وما كنتم تستكبرون ) أي واستكباركم عن الإيمان ، ويقولون لهم مشيرين إلى ضعفاء المسلمين
49. ( أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ) قد قيل لهم ( ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون ) وقرئ { أُدْخِلوا } بالبناء للمفعول و { دخلوا } فجملة النفي حال أي مقولا لهم ذلك
50. ( ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ) من الطعام ( قالوا إن الله حرمهما ) منعهما ( على الكافرين )
51. ( الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم ) نتركهم في النار ( كما نسوا لقاء يومهم هذا ) بتركهم العمل له ( وما كانوا بآياتنا يجحدون ) أي وكما جحدوا
52. ( ولقد جئناهم ) أي أهل مكة ( بكتاب ) قرآن ( فصلناه ) بيناه بالأخبار والوعد والوعيد ( على علم ) حال أي عالمين بما فصل فيه ( هدى ) حال من الهاء ( ورحمة لقوم يؤمنون ) به
53. ( هل ينظرون ) ما ينتظرون ( إلا تأويله ) عاقبة ما فيه ( يوم يأتي تأويله ) هو يوم القيامة ( يقول الذين نسوه من قبل ) تركوا الإيمان به ( قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو ) هل ( نرد ) إلى الدنيا ( فنعمل غير الذي كنا نعمل ) نوحد الله ونترك الشرك فيقال لهم لا ، قال تعالى ( قد خسروا أنفسهم ) إذ صاروا إلى الهلاك ( وضل ) ذهب ( عنهم ما كانوا يفترون ) من دعوى الشريك
54. ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ) من أيام الدنيا أي في قدرها لأنه لم يكن ثم شمس ولو شاء خلقهن في لمحة والعدول عنه لتعليم خلقه التثبت ( ثم استوى على العرش ) هو في اللغة سرير الملك ، استواءً يليق به ( يغشي الليل النهار ) مخففاً ومشدداً أي يغطي كلا منهما بالآخر ( يطلبه ) يطلب كل منهما الآخر طلباً ( حثيثاً ) سريعاً ( والشمس والقمر والنجوم ) بالنصب عطفاً على السماوات والرفع مبتدأ خبره ( مسخرات ) مذللات ( بأمره ) بقدرته ( ألا له الخلق ) جميعا ( والأمر ) كله ( تبارك ) تعاظم ( الله رب ) مالك ( العالمين )
55. ( ادعوا ربكم تضرعا ) حال تذللا ( وخفية ) سرا ( إنه لا يحب المعتدين ) في الدعاء بالتشدق ورفع الصوت
56. ( ولا تفسدوا في الأرض ) بالشرك والمعاصي ( بعد إصلاحها ) ببعث الرسل ( وادعوه خوفا ) من عقابه ( وطمعا ) في رحمته ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) المطيعين ، وتذكير قريب المخبر به عن رحمة لإضافتها إلى الله
57. ( وهو الذي يرسل الرياح نُشُراً بين يدي رحمته ) أي متفرقة قدام المطر ، وفي قراءة بسكون الشين تخفيفاً وفي أخرى بسكونها وفتح النون مصدراً وفي أخرى بسكونها وضم الموحدة بدل النون أي مبشراً ومفرد الأولى نَشُور كرسول والأخيرة بشير ( حتى إذا أقلت ) حملت الرياح ( سحابا ثقالا ) بالمطر ( سقناه ) أي السحاب وفيه التفات عن الغيبة ( لبلد ميت ) لا نبات به أي لإحيائها ( فأنزلنا به ) بالبلد ( الماء فأخرجنا به ) بالماء ( من كل الثمرات كذلك ) الإخراج ( نخرج الموتى ) من قبورهم بالإحياء ( لعلكم تذكرون ) فتؤمنوا
58. ( والبلد الطيب ) العذب التراب ( يخرج نباته ) حسناً ( بإذن ربه ) هذا مثل للمؤمن يسمع الموعظة فينتفع بها ( والذي خبث ) ترابه ( لا يخرج ) نباته ( إلا نكداً ) عسراً بمشقةٍ وهذا مثلُ للكافر ( كذلك ) كما بينا ما ذكر ( نصرف ) نبين ( الآيات لقوم يشكرون ) الله فيؤمنون
59. ( لقد ) جواب قسم محذوف ( أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) بالجر صفة لإله ، والرفع بدل من محله ( إني أخاف عليكم ) إن عبدتم غيره ( عذاب يوم عظيم ) هو يوم القيامة
60. ( قال الملأ ) الأشراف ( من قومه إنا لنراك في ضلال مبين ) بين
61. ( قال يا قوم ليس بي ضلالة ) هي أعم من الضلال فنفيها أبلغ من نفيه ( ولكني رسول من رب العالمين )
62. ( أبْلِغُكم ) بالتخفيف والتشديد ( رسالات ربي وأنصح ) أريد الخير ( لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون )
63. ( أ ) كذبتم ( وعجبتم أن جاءكم ذكر ) موعظة ( من ربكم على ) لسان ( رجل منكم لينذركم ) العذاب إن لم تؤمنوا ( ولتتقوا ) الله ( ولعلكم ترحمون ) بها
64. ( فكذبوه فأنجيناه والذين معه ) من الغرق ( في الفلك ) السفينة ( وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا ) بالطوفان ( إنهم كانوا قوما عمين ) عن الحق
65. ( و ) أرسلنا ( إلى عاد ) الأولى ( أخاهم هوداً قال يا قوم اعبدوا الله ) وحدوه ( ما لكم من إله غيره أفلا تتقون ) تخافونه فتؤمنون
66. ( قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة ) جهالة ( وإنا لنظنك من الكاذبين ) في رسالتك
67. ( قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين )
68. ( أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين ) مأمون على الرسالة
69. ( أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على ) لسان ( رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء ) في الأرض ( من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطةً ) قوةً وطَولاً وكان طويلهم مائة ذراع وقصيرهم ستين ( فاذكروا آلاء الله ) نعمه ( لعلكم تفلحون ) تفوزون
70. ( قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ) نترك ( ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا ) به من العذاب ( إن كنت من الصادقين ) في قولك
71. ( قال قد وقع ) وجب ( عليكم من ربكم رجس ) عذاب ( وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها ) أي سميتم بها ( أنتم وآباؤكم ) أصناما تعبدونها ( ما نزل الله بها ) أي بعبادتها ( من سلطان ) حجة وبرهان ( فانتظروا ) العذاب ( إني معكم من المنتظرين ) ذلكم بتكذيبكم لي فأرسلت عليهم الريح العقيم
72. ( فأنجيناه ) أي هوداً ( والذين معه ) من المؤمنين ( برحمة منا وقطعنا دابر ) القوم ( الذين كذبوا بآياتنا ) أي استأصلناهم ( وما كانوا مؤمنين ) عطف على كذبوا
73. ( و ) أرسلنا ( إلى ثمودَ ) بترك الصرف ، مراداً به القبيلة ( أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة ) معجزة ( من ربكم ) على صدقي ( هذه ناقة الله لكم آية ) حال عاملها معنى الإشارة وكانوا سألوه أن يخرجها لهم من صخرة عينوها ( فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء ) بعقر أو ضرب ( فيأخذكم عذاب أليم )
74. ( واذكروا إذ جعلكم خلفاء ) في الأرض ( من بعد عاد وبوأكم ) أسكنكم ( في الأرض تتخذون من سهولها قصوراً ) تسكنونها في الصيف ( وتنحتون الجبال بيوتاً ) تسكنونها في الشتاء ، ونصبه على الحال المقدرة ( فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين )
75. ( قال الملأ الذين استكبروا من قومه ) تكبروا عن الإيمان به ( للذين استضعفوا لمن آمن منهم ) أي من قومه بدل مما قبله بإعادة الجار ( أتعلمون أن صالحاً مرسلٌ من ربه ) إليكم ( قالوا ) نعم ( إنا بما أرسل به مؤمنون )
76. ( قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون )
77. وكانت الناقة لها يوم في الماء ولهم يوم فملُّوا ذلك ( فعقروا الناقة ) عقرها قُدار [ بن سالف ] بأمرهم بأن قتلها بالسيف ( وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا ) به من العذاب على قتلها ( إن كنت من المرسلين )
78. ( فأخذتهم الرجفة ) الزلزلة الشديدة من الأرض والصيحة من السماء ( فأصبحوا في دارهم جاثمين ) باركين على الركب ميتين
79. ( فتولى ) أعرض صالح ( عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين )
80. ( و ) اذكر ( لوطاً ) ويبدل منه ( إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ) أي أدبار الرجال ( ما سبقكم بها من أحد من العالمين ) الإنس والجن
81. ( إنكم ) وفي قراءة { أئنكم } بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال الألف بينهما على الوجهين ( لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون ) متجاوزون الحلال إلى الحرام
82. ( وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم ) أي لوطاً وأتباعه ( من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ) من أدبار الرجال
83. ( فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ) الباقين في العذاب
84. ( وأمطرنا عليهم مطراً ) هو حجارة السجيل فأهلكتهم ( فانظر كيف كان عاقبة المجرمين )
85. ( و ) أرسلنا ( إلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة ) معجزة ( من ربكم ) على صدقي ( فأوفوا ) أتموا ( الكيل والميزان ولا تبخسوا ) تنقصوا ( الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض ) بالكفر والمعاصي ( بعد إصلاحها ) ببعث الرسل ( ذلكم ) المذكور ( خير لكم إن كنتم مؤمنين ) مريدي الإيمان فبادروا إليه
86. ( ولا تقعدوا بكل صراط ) طريق ( توعدون ) تخوفون الناس بأخذ ثيابهم أو المكس منهم ( وتصدون ) تصرفون ( عن سبيل الله ) دينه ( من آمن به ) بتوعدكم إياه بالقتل ( وتبغونها ) تطلبون الطريق ( عوجاً ) معوجة ( واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ) قبلكم بتكذيب رسلهم أي آخر أمرهم من الهلاك
87. ( وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا ) به ( فاصبروا حتى يحكم الله بيننا ) وبينكم بإنجاء المحق وإهلاك المبطل ( وهو خير الحاكمين ) أعدلهم
88. ( قال الملأ الذين استكبروا من قومه ) عن الإيمان ( لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن ) ترجعن ( في ملتنا ) ديننا ، وغلَّبوا في الخطاب الجمع على الواحد لأن شعيباً لم يكن في ملتهم قط وعلى نحوه أجاب ( قال أ ) نعود فيها ( ولو كنا كارهين ) لها استفهام إنكار
89. ( قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون ) ينبغي ( لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا ) ذلك فيخذلنا ( وسع ربنا كل شيء علما ) أي وسع علمه كل شيء ومنه حالي وحالكم ( على الله توكلنا ربنا افتح ) احكم ( بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ) الحاكمين
90. ( وقال الملأ الذين كفروا من قومه ) أي قال بعضهم لبعض ( لئن ) لام قسم ( اتبعتم شعيباً إنكم إذا لخاسرون )
91. ( فأخذتهم الرجفة ) الزلزلة الشديدة ( فأصبحوا في دارهم جاثمين ) باركين على الركب ميتين
92. ( الذين كذبوا شعيبا ) مبتدأ خبره ( كأن ) مخففة واسمها محذوف أي كأنهم ( لم يغنوا ) يقيموا ( فيها ) في ديارهم ( الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ) التأكيد بإعادة الموصول وغيره للرد عليهم في قولهم السابق
93. ( فتولى ) أعرض ( عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم ) فلم تؤمنوا ( فكيف آسى ) أحزن ( على قوم كافرين ) استفهام بمعنى النفي
94. ( وما أرسلنا في قرية من نبي ) فكذبوه ( إلا أخذنا ) عاقبنا ( أهلها بالبأساء ) شدة الفقر ( والضراء ) المرض ( لعلهم يضَّرَّعون ) يتذللون فيؤمنوا
95. ( ثم بدلنا ) أعطيناهم ( مكان السيئة ) العذاب ( الحسنة ) الغنى والصحة ( حتى عفوا ) كثروا ( وقالوا ) كفراً للنعمة ( قد مس آباءنا الضراء والسراء ) كما مسنا وهذه عادة الدهر وليست بعقوبة من الله فكونوا على ما أنتم عليه قال تعالى ( فأخذناهم ) بالعذاب ( بغتة ) فجأة ( وهم لا يشعرون ) بوقت مجيئه قبله
88. ( قال الملأ الذين استكبروا من قومه ) عن الإيمان ( لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن ) ترجعن ( في ملتنا ) ديننا ، وغلَّبوا في الخطاب الجمع على الواحد لأن شعيباً لم يكن في ملتهم قط وعلى نحوه أجاب ( قال أ ) نعود فيها ( ولو كنا كارهين ) لها استفهام إنكار
89. ( قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون ) ينبغي ( لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا ) ذلك فيخذلنا ( وسع ربنا كل شيء علما ) أي وسع علمه كل شيء ومنه حالي وحالكم ( على الله توكلنا ربنا افتح ) احكم ( بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ) الحاكمين
90. ( وقال الملأ الذين كفروا من قومه ) أي قال بعضهم لبعض ( لئن ) لام قسم ( اتبعتم شعيباً إنكم إذا لخاسرون )
91. ( فأخذتهم الرجفة ) الزلزلة الشديدة ( فأصبحوا في دارهم جاثمين ) باركين على الركب ميتين
92. ( الذين كذبوا شعيبا ) مبتدأ خبره ( كأن ) مخففة واسمها محذوف أي كأنهم ( لم يغنوا ) يقيموا ( فيها ) في ديارهم ( الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ) التأكيد بإعادة الموصول وغيره للرد عليهم في قولهم السابق
93. ( فتولى ) أعرض ( عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم ) فلم تؤمنوا ( فكيف آسى ) أحزن ( على قوم كافرين ) استفهام بمعنى النفي
94. ( وما أرسلنا في قرية من نبي ) فكذبوه ( إلا أخذنا ) عاقبنا ( أهلها بالبأساء ) شدة الفقر ( والضراء ) المرض ( لعلهم يضَّرَّعون ) يتذللون فيؤمنوا
95. ( ثم بدلنا ) أعطيناهم ( مكان السيئة ) العذاب ( الحسنة ) الغنى والصحة ( حتى عفوا ) كثروا ( وقالوا ) كفراً للنعمة ( قد مس آباءنا الضراء والسراء ) كما مسنا وهذه عادة الدهر وليست بعقوبة من الله فكونوا على ما أنتم عليه قال تعالى ( فأخذناهم ) بالعذاب ( بغتة ) فجأة ( وهم لا يشعرون ) بوقت مجيئه قبله
105. ( حقيق ) جدير ( على أن ) أي بأن ( لا أقول على الله إلا الحق ) وفي قراءة بتشديد الياء فحقيق مبتدأ خبره أن وما بعدها ( قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي ) إلى الشام ( بني إسرائيل ) وكان استعبدهم
106. ( قال ) فرعون له ( إن كنت جئت بآية ) على دعواك ( فأت بها إن كنت من الصادقين ) فيها
107. ( فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ) حية عظيمة
108. ( ونزع يده ) أخرجها من جيبه ( فإذا هي بيضاء ) ذات شعاع ( للناظرين ) خلاف ما كانت عليه من الأدمة
109. ( قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم ) فائق في علم السحر وفي الشعراء أنه من قول فرعون نفسه فكأنهم قالوه معه على سبيل التشاور
110. ( يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون )
111. ( قالوا أرجه وأخاه ) أخِّر أمرهما ( وأرسل في المدائن حاشرين ) جامعين
112. ( يأتوك بكل ساحر ) وفي قراءة { سحار } ( عليم ) يفضل موسى في علم السحر فجمعوا
113. ( وجاء السحرة فرعون قالوا أئنَّ ) بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين ( لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين )
114. ( قال نعم وإنكم لمن المقربين )
115. ( قالوا يا موسى إما أن تلقي ) عصاك ( وإما أن نكون نحن الملقين ) ما معنا
116. ( قال ألقوا ) أمر للإذن بتقديم إلقائهم توصلاً به إلى إظهار الحق ( فلما ألقوا ) حبالهم وعصيهم ( سحروا أعين الناس ) صرفوها عن حقيقة إدراكها ( واسترهبوهم ) خوفوهم حيث خيلوها حيات تسعى ( وجاؤوا بسحر عظيم )
117. ( وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ) بحذف إحدى التاءين في الأصل تبتلع ( ما يأفكون ) يقلبون بتمويههم
118. ( فوقع الحق ) ثبت وظهر ( وبطل ما كانوا يعملون ) من السحر
119. ( فغلبوا ) أي فرعون وقومه ( هنالك وانقلبوا صاغرين ) صاروا ذليلين
120. ( وألقي السحرة ساجدين )
121. ( قالوا آمنا برب العالمين )
122. ( رب موسى وهارون ) لعلمهم بأن ما شاهدوه من العصا لا يتأتى بالسحر
123. ( قال فرعون أآمنتم ) بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفا ( به ) بموسى ( قبل أن آذن ) أنا ( لكم إن هذا ) الذي صنعتموه ( لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون ) ما ينالكم مني
124. ( لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلافٍ ) أي يد كل واحد اليمنى ورجله اليسرى ( ثم لأصلبنكم أجمعين )
125. ( قالوا إنا إلى ربنا ) بعد موتنا بأي وجه كان ( منقلبون ) راجعون في الآخرة
126. ( وما تنقم ) تنكر ( منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبراً ) عند فعل ما توعدنا به لئلا نرجع كفاراً ( وتوفنا مسلمين )
127. ( وقال الملأ من قوم فرعون ) له ( أتذر ) تترك ( موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ) بالدعاء إلى مخالفتك ( ويذرك وآلهتك ) وكان صنع لهم أصناماً صغاراً يعبدونها وقال أنا ربكم وربها ولذا قال أنا ربكم الأعلى ( قال سنقتِّل ) بالتشديد ( أبناءهم ) المولودين ( ونستحيي ) نستبقي ( نساءهم ) كفعلنا بهم من قبل ( وإنا فوقهم قاهرون ) قادرون ، ففعلوا بهم ذلك فشكا بنو إسرائيل
128. ( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا ) على أذاهم ( إن الأرض لله يورثها ) يعطيها ( من يشاء من عباده والعاقبة ) المحمودة ( للمتقين ) الله
129. ( قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ) فيها
130. ( ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ) بالقحط ( ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون ) يتعظون فيؤمنون
131. ( فإذا جاءتهم الحسنة ) الخصب والغنى ( قالوا لنا هذه ) أي نستحقها ولم يشكروا عليها ( وإن تصبهم سيئة ) جدب وبلاء ( يطيروا ) يتشاءموا ( بموسى ومن معه ) من المؤمنين ( ألا إنما طائرهم ) شؤمهم ( عند الله ) يأتيهم به ( ولكن أكثرهم لا يعلمون ) أن ما يصيبهم من عنده
132. ( وقالوا ) لموسى ( مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين ) فدعا عليهم
133. ( فأرسلنا عليهم الطوفان ) وهو ماء دخل بيوتهم ووصل إلى حلوق الجالسين سبعة أيام ( والجراد ) فأكل زرعهم وثمارهم كذلك ( والقمل ) السوس أو نوع من القراد ، فتتبع ما تركه الجراد ( والضفادع ) فملأت بيوتهم وطعامهم ( والدم ) في مياههم ( آيات مفصلات ) مبينات ( فاستكبروا ) عن الإيمان بها ( وكانوا قوماً مجرمين )
134. ( ولما وقع عليهم الرجز ) العذاب ( قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك ) من كشف العذاب عنا إن آمنا ( لئن ) لام قسم ( كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل )
135. ( فلما كشفنا ) بدعاء موسى ( عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون ) ينقضون عهدهم ويصرون على كفرهم
136. ( فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم ) البحر المالح ( بأنهم ) بسبب أنهم ( كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ) لا يتدبرونها
137. ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون ) بالاستعباد وهم بنو إسرائيل ( مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ) بالماء والشجر صفة للأرض وهي الشام ( وتمت كلمة ربك الحسنى ) وهي قوله { ويريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض } ( على بني إسرائيل بما صبروا ) على أذى عدوهم ( ودمرنا ) أهلكنا ( ما كان يصنع فرعون وقومه ) من العمارة ( وما كانوا يعرِشون ) بكسر الراء وضمها يرفعون من البنيان
138. ( وجاوزنا ) عبرنا ( ببني إسرائيل البحر فأتوا ) فمروا ( على قوم يعكفون ) بضم الكاف وكسرها ( على أصنام لهم ) يقيمون على عبادتها ( قالوا يا موسى اجعل لنا إلها ) صنما نعبده ( كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ) حيث قابلتم نعمة الله عليكم بما قلتموه
139. ( إن هؤلاء متبر ) هالك ( ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون )
140. ( قال أغير الله أبغيكم إلها ) معبوداً وأصله أبغي لكم ( وهو فضلكم على العالمين ) في زمانكم بما ذكره في قوله
141. ( و ) اذكروا ( إذ أنجيناكم ) وفي قراءة { أنجاكم } ( من آل فرعون يسومونكم ) يكلفونكم ويذيقونكم ( سوء العذاب ) أشده وهو ( يقتلون أبناءكم ويستحيون ) يستبقون ( نساءكم وفي ذلكم ) الإنجاء والعذاب ( بلاء ) إنعام أو ابتلاء ( من ربكم عظيم ) أفلا تتعظون فتنتهوا عما قلتم
142. ( وواعدنا ) بألف ودونها ( موسى ثلاثين ليلةً ) نكلمه عند انتهائها بأن يصومها وهي ذو القعدة فصامها فلما تمت أنكر خلوف فمه فاستاك فأمره الله بعشرة أخرى ليكلمه بخلوف فمه كما قال تعالى ( وأتممناها بعشر ) من ذي الحجة ( فتم ميقات ربه ) وقت وعده بكلامه إياه ( أربعين ) حال ( ليلة ) تمييز ( وقال موسى لأخيه هارون ) عند ذهابه إلى الجبل للمناجاة ( اخلفني ) كن خليفتي ( في قومي وأصلح ) أمرهم ( ولا تتبع سبيل المفسدين ) بموافقتهم على المعاصي
143. ( ولما جاء موسى لميقاتنا ) أي للوقت الذي وعدناه بالكلام فيه ( وكلمه ربه ) بلا واسطة كلاماً سمعه من كل جهة ( قال رب أرني ) نفسك ( أنظر إليك قال لن تراني ) أي لا تقدر على رؤيتي ، والتعبير به دون لن أُرى يفيد إمكان رؤيته تعالى ( ولكن انظر إلى الجبل ) الذي هو أقوى منك ( فإن استقر ) ثبت ( مكانه فسوف تراني ) أي تثبت لرؤيتي وإلا فلا طاقة لك ( فلما تجلى ربه ) أي ظهر من نوره قدر نصف أنملة الخنصر كما في حديث صححه الحاكم ( للجبل جعله دكا ) بالقصر والمد أي مدكوكاً مستوياً بالأرض ( وخر موسى صعقاً ) مغشياً عليه لهول ما رأى ( فلما أفاق قال سبحانك ) تنزيهاً لك ( تبت إليك ) من سؤال ما لم أؤمر به ( وأنا أول المؤمنين ) في زماني
144. ( قال ) تعالى له ( يا موسى إني اصطفيتك ) اخترتك ( على الناس ) أهل زمانك ( برسالاتي ) بالجمع والإفراد ( وبكلامي ) أي تكليمي إياك ( فخذ ما آتيتك ) من الفضل ( وكن من الشاكرين ) لأنعمي
145. ( وكتبنا له في الألواح ) أي ألواح التوراة وكانت من سدر الجنة أو زبرجد أو زمرد سبعة أو عشرة ( من كل شيء ) يحتاج إليه في الدين ( موعظة وتفصيلاً ) تبييناً ( لكل شيء ) بدل من الجار والمجرور قبله ( فخذها ) قبله قلنا مقدراً ( بقوة ) بجد واجتهاد ( وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين ) فرعون وأتباعه وهي مصر لتعتبروا بهم
146. ( سأصرف عن آياتي ) دلائل قدرتي من المصنوعات وغيرها ( الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ) بأن أخذلهم فلا يتكبرون فيها ( وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل ) طريق ( الرشد ) الهدى الذي جاء من عند الله ( لا يتخذوه سبيلا ) يسلكوه ( وإن يروا سبيل الغي ) الضلال ( يتخذوه سبيلا ذلك ) الصرف ( بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ) تقدم مثله
147. ( والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة ) البعث وغيره ( حبطت ) بطلت ( أعمالهم ) ما عملوه في الدنيا من خير كصلة رحم وصدقة فلا ثواب لهم لعدم شرطه ( هل ) ما ( يجزون إلا ) جزاء ( ما كانوا يعملون ) من التكذيب والمعاصي
148. ( واتخذ قوم موسى من بعده ) أي بعد ذهابه إلى المناجاة ( من حُلِيِّهم ) الذي استعاروه من قوم فرعون بعلَّة عرس فبقي عندهم ( عجلاً ) صاغه لهم منه السامري ( جسداً ) بدل من لحما ودما ( له خوار ) أي صوت يسمع انقلب كذلك بوضع التراب الذي أخذه من حافر جبريل في فمه فإن أثره الحياة فيما يوضع فيه ، ومفعول اتخذ الثاني محذوف أي إلها ( ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا ) فكيف يتخذ إلها ( اتخذوه ) إلها ( وكانوا ظالمين ) باتخاذه
149. ( ولما سقط في أيديهم ) أي ندموا على عبادته ( ورأوا ) علموا ( أنهم قد ضلوا ) بها وذلك بعد رجوع موسى ( قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا ) بالياء والتاء فيهما ( لنكونن من الخاسرين )
150. ( ولما رجع موسى إلى قومه غضبان ) من جهتهم ( أسفاً ) شديد الحزن ( قال ) لهم ( بئسما ) أي بئس خلافة ( خلفتمونيـ ) ـها ( من بعدي ) خلافتكم هذه حيث أشركتم ( أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح ) ألواح التوراة غضباً لربه فتكسرت ( وأخذ برأس أخيه ) أي بشعره بيمنيه ولحيته بشماله ( يجره إليه ) غضباً ( قال ) يا ( ابن أمِّ ) بكسر الميم وفتحها ، أراد أمي وذكرها أعطف لقلبه ( إن القوم استضعفوني وكادوا ) قاربوا ( يقتلونني فلا تشمت ) تفرح ( بي الأعداء ) بإهانتك إياي ( ولا تجعلني مع القوم الظالمين ) بعبادة العجل في المؤاخذة
151. ( قال رب اغفر لي ) ما صنعت بأخي ( ولأخي ) أشركه الدعاء إرضاء له ودفعا للشماتة به ( وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين )
152. قال تعالى ( إن الذين اتخذوا العجل ) إلها ( سينالهم غضب ) عذاب ( من ربهم وذلة في الحياة الدنيا ) فعذبوا بالأمر بقتل أنفسهم وضربت عليهم الذلة إلى يوم القيامة ( وكذلك ) كما جزيناهم ( نجزي المفترين ) على الله بالإشراك وغيره
153. ( والذين عملوا السيئات ثم تابوا ) رجعوا عنها ( من بعدها وآمنوا ) بالله ( إن ربك من بعدها ) أي التوبة ( لغفور ) لهم ( رحيم ) بهم
154. ( ولما سكت ) سكن ( عن موسى الغضب أخذ الألواح ) التي ألقاها ( وفي نسختها ) أي ما نسخ فيها أي كتب ( هدى ) من الضلالة ( ورحمة للذين هم لربهم يرهبون ) يخافون وأدخل اللام على المفعول لتقدمه
155. ( واختار موسى قومه سبعين ) أي من قومه ( رجلاً لميقاتنا ) ممن لم يعبدوا العجل بأمره تعالى ( فلما ) أي للوقت الذي وعدناه يإتيانهم فيه ليعتذروا من عبادة العجل فخرج بهم ( أخذتهم الرجفة قال ) الزلزلة الشديدة ، قال ابن عباس : لأنهم لم يزايلوا قومهم حين عبدوا العجل ، قال : وهم غير الذين سألوا الرؤية وأخذتهم الصاعقة ( رب ) موسى ( لو شئت أهلكتهم من قبل ) أي قبل خروجي بهم ليعلن بنو إسرائيل ذلك ولا يتهموني ( وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ) استفهام استعطاف أي لا تعذبنا بذنب غيرنا ( إن ) ما ( هي ) أي الفتنة التي وقع فيها السفهاء ( إلا فتنتك ) ابتلاؤك ( تضل بها من تشاء ) إضلاله ( وتهدي من تشاء ) هدايته ( أنت ولينا ) متولي أمورنا ( فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين )
156. ( واكتب ) أوجب ( لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة ) حسنة ( إنا هدنا ) تبنا ( إليك قال ) تعالى ( عذابي أصيب به من أشاء ) تعذيبه ( ورحمتي وسعت ) عمَّت ( كل شيء ) في الدنيا ( فسأكتبها ) في الآخرة ( للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون )
157. ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ) محمد صلى الله عليه وسلم ( الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ) باسمه وصفته ( يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ) مما حرم في شرعهم ( ويحرم عليهم الخبائث ) الميتة ونحوها ( ويضع عنهم إصرهم ) ثقلهم ( والأغلال ) الشدائد ( التي كانت عليهم ) كقتل النفس في التوبة وقطع أثر النجاسة ( فالذين آمنوا به ) منهم ( وعزَّروه ) ووقروه ( ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه ) أي القرآن ( أولئك هم المفلحون )
158. ( قل ) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ( يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته ) القرآن ( واتبعوه لعلكم تهتدون ) ترشدون
159. ( ومن قوم موسى أمة ) جماعة ( يهدون ) الناس ( بالحق وبه يعدِلون ) في الحكم
160. ( وقطَّعناهم ) فرقنا بني إسرائيل ( اثنتي عشرة ) حال ( أسباطا ) بدل منه ، أي قبائل ( أمما ) بدل من قبله ( وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه ) في التيه ( أن اضرب بعصاك الحجر ) فضربه ( فانبجست ) انفجرت ( منه اثنتا عشرة عيناً ) بعدد الأسباط ( قد علم كل أناس ) سبط منهم ( مشربهم وظللنا عليهم الغمام ) في التيه من حر الشمس ( وأنزلنا عليهم المن والسلوى ) هما الترنجبين والطير السُّماني بتخفيف الميم والقصر وقلنا لهم ( كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )
161. ( و ) اذكر ( إذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية ) بيت المقدس ( وكلوا منها حيث شئتم وقولوا ) أمرنا ( حطة وادخلوا الباب ) أي باب القرية ( سجداً ) سجود انحناء ( نغفر ) بالنون والتاء مبنيا للمفعول ( لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين ) بالطاعة ثواباً
162. ( فبدل الذين ظلموا منهم قولاً غير الذي قيل لهم ) فقالوا حبة في شعرة ودخلوا يزحفون على أستاههم ( فأرسلنا عليهم رجزاً ) عذاباً ( من السماء بما كانوا يظلمون )
163. ( واسألهم ) يا محمد توبيخاً ( عن القرية التي كانت حاضرة البحر ) مجاورة بحر القلزم وهي أيلة ما وقع بأهلها ( إذ يعدون ) يعتدون ( في السبت ) بصيد السمك المأمورين بتركه فيه ( إذ ) ظرف ليعدوه ( تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ) ظاهرة على الماء ( ويوم لا يسبتون ) لا يعظمون السبت أي سائر الأيام ( لا تأتيهم ) ابتلاء من الله ( كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون ) ولما صادوا السمك افترقت القرية أثلاثاً ثلثٌ صادوا معهم وثلثٌ نهوهم وثلثٌ أمسكوا عن الصيد والنهي
164. ( وإذ ) عطف على إذ قبله ( قالت أمة منهم ) لم تصد ولم تنه لمن نهى ( لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا ) موعظتنا ( معذرةً ) نعتذر بها ( إلى ربكم ) لئلا ننسب إلى تقصير في ترك النهي ( ولعلهم يتقون ) الصيد
165. ( فلما نسوا ) تركوا ( ما ذكروا ) وعظوا ( به ) فلم يرجعوا ( أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا ) بالاعتداء ( بعذاب بئيس ) شديد ( بما كانوا يفسقون )
166. ( فلما عتوا ) تكبروا ( عن ) ترك ( ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة ) صاغرين فكانوها ، وهذا تفصيل لما قبله ، قال ابن عباس : ما أدري ما فعل بالفرقة الساكتة ، وقال عكرمة : لم تهلك لأنها كرهت ما فعلوه وقالت لم تعظون الخ ، وروى الحاكم عن ابن عباس : أنه رجع إليه وأعجبه
167. ( وإذ تأذن ) أعلم ( ربك ليبعثن عليهم ) أي اليهود ( إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ) بالذل وأخذ الجزية فبعث عليها سليمان وبعده بختنصر فقتلهم وسباهم وضرب عليهم الجزية فكانوا يؤدونها إلى المجوس إلى بعث نبينا صلى الله عليه وسلم فضربها عليهم ( إن ربك لسريع العقاب ) لمن عصاه ( وإنه لغفور ) لأهل طاعته ( رحيم ) بهم
168. ( وقطعناهم ) فرقناهم ( في الأرض أمما ) فرقا ( منهم الصالحون ومنهم ) ناس ( دون ذلك ) الكفار والفاسقون ( وبلوناهم بالحسنات ) بالنعم ( والسيئات ) النقم ( لعلهم يرجعون ) عن فسقهم
169. ( فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب ) التوراة عن آبائهم ( يأخذون عرض هذا الأدنى ) أي حطام هذا الشيء الدنيء من حلال وحرام ( ويقولون سيغفر لنا ) ما فعلناه ( وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ) الجملة حال أي يرجون المغفرة وهم عائدون إلى مافعلوه مصرون عليه وليس في التوراة وعد المغفرة مع الإصرار ( ألم يؤخذ ) استفهام تقرير ( عليهم ميثاق الكتاب ) الإضافة بمعنى في ( أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ) عطف على يؤخذ ، قرؤوا ( ما فيه ) فلم كذبوا عليه ينسبة المغفرة إليه مع الإصرار ( والدار الآخرة خير للذين يتقون ) الحرام ( أفلا يعقلون ) بالياء والتاء ، أنها خير فيؤثرونها على الدنيا
170. ( والذين يمسِّكون ) بالتشديد والتخفيف ( بالكتاب ) منهم ( وأقاموا الصلاة ) كعبد الله بن سلام وأصحابه ( إنا لا نضيع أجر المصلحين ) الجملة خبر الذين ، وفيه وضع الظاهر موضع المضمر أي أجرهم
171. ( و ) اذكر ( إذ نتقنا الجبل ) رفعناه من أصله ( فوقهم كأنه ظلة وظنوا ) أيقنوا ( أنه واقع بهم ) ساقط عليهم بوعد الله إياهم بوقوعه إن لم يقبلوا أحكام التوراة وكانوا أبوها لثقلها فقبلوا وقلنا لهم ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) بجد واجتهاد ( واذكروا ما فيه ) بالعمل به ( لعلكم تتقون )
172. ( و ) اذكر ( إذ ) حين ( أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ) بدل اشتمال مما قبله بإعادة الجار ( ذريتهم ) بأن أخرج بعضهم من صلب بعض من صلب آدم نسلاً بعد نسلٍ كنحو ما يتوالدون كالذرِّ بنعمان يوم عرفة ونصب لهم دلائل على ربوبيته وركب فيهم عقلا ( وأشهدهم على أنفسهم ) قال ( ألست بربكم قالوا بلى ) أنت ربنا ( شهدنا ) بذلك والإشهاد لـ ( أن ) لا ( يقولوا ) بالياء والتاء في الموضعين ، أي الكفار ( يوم القيامة إنا كنا عن هذا ) التوحيد ( غافلين ) لا نعرفه
173. ( أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل ) أي قبلنا ( وكنا ذرية من بعدهم ) فاقتدينا بهم ( أفتهلكنا ) تعذبنا ( بما فعل المبطلون ) من آبائنا بتأسيس الشرك ، المعنى لا يمكنهم الاحتجاج بذلك مع إشهادهم على أنفسهم بالتوحيد والتذكير به على لسان صاحب المعجزة قائم مقام ذكره في النفوس
174. ( وكذلك نفصل الآيات ) نبينها مثل ما بينا الميثاق ليتدبروها ( ولعلهم يرجعون ) عن كفرهم
175. ( واتل ) يا محمد ( عليهم ) أي اليهود ( نبأ ) خبر ( الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ) خرج بكفره كما تخرج الحية من جلدها وهو بلعم بن باعوراء من علماء بني إسرائيل ، سئل أن يدعو على موسى وأهدي إليه شيء فدعا فانقلب عليه واندلع لسانه على صدره ( فأتبعه الشيطان ) فأدركه فصار قرينه ( فكان من الغاوين )
176. ( ولو شئنا لرفعناه ) إلى منازل العلماء ( بها ) بأن نوفقه للعمل ( ولكنه أخلد ) سكن ( إلى الأرض ) أي الدنيا ومال إليها ( واتبع هواه ) في دعائه إليها فوضعناه ( فمثله ) صفته ( كمثل الكلب إن تحمل عليه ) بالطرد والزجر ( يلهث ) يدلع لسانه ( أو ) إن ( تتركه يلهث ) وليس غيره من الحيوان كذلك ، وجملتا الشرط حال ، أي لاهثاً ذليلاً بكل حال ، والقصد التشبيه في الوضع والخسة بقرينة الفاء المشعرة بترتيب ما بعدها على ما قبلها من الميل إلى الدنيا واتباع الهوى وبقرينة قوله ( ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص ) على اليهود ( لعلهم يتفكرون ) يتدبرون فيها فيؤمنون
177. ( ساء ) بئس ( مثلاً القوم ) أي مثل القوم ( الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون ) بالتكذيب
178. ( من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون )
179. ( ولقد ذرأنا ) خلقنا ( لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ) الحق ( ولهم أعين لا يبصرون بها ) دلائل قدرة الله بصر اعتبار ( ولهم آذان لا يسمعون بها ) الآيات والمواعظ سماع تدبر واتعاظ ( أولئك كالأنعام ) في عدم الفقه والبصر والاستماع ( بل هم أضل ) من الأنعام لأنها تطلب منافعها وتهرب من مضارها وهؤلاء يقدمون على النار معاندة ( أولئك هم الغافلون )
1. ( المص ) الله أعلم بمراده بذلك
2. هذا ( كتاب أنزل إليك ) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ( فلا يكن في صدرك حرج ) ضيق ( منه ) أن تبلغه مخافة أن تكذب ( لتنذر ) متعلق بأنزل أي للإنذار ( به وذكرى ) تذكرة ( للمؤمنين ) به
3. قل لهم ( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ) أي القرآن ( ولا تتبعوا ) تتخذوا ( من دونه ) أي الله أي غيره ( أولياء ) تطيعونهم في معصيته تعالى ( قليلاً ما تذكرون ) بالياء والتاء تتعظون ، وفيه إدغام التاء في الأصل في الذال وفي قراءة بسكونها ، وما زائدة لتأكيد القلة
4. ( وكم ) خبرية مفعول ( من قرية ) أريد أهلها ( أهلكناها ) أردنا إهلاكها ( فجاءها بأسنا ) عذابنا ( بياتاً ) ليلاً ( أو هم قائلون ) نائمون بالظهيرة ، والقيلولة استراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم ، أي مرة جاءها ليلاً ومرة جاءها نهاراً
5. ( فما كان دعواهم ) قولهم ( إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين )
6. ( فلنسألن الذين أرسل إليهم ) أي الأمم عن إجابتهم الرسل وعملهم فيما بلغهم ( ولنسألن المرسلين ) عن الإبلاغ
7. ( فلنقصن عليهم بعلم ) لنخبرنهم عن علم بما فعلوه ( وما كنا غائبين ) عن إبلاغ الرسل والأمم الخالية فيما عملوا
8. ( والوزنُ ) للأعمال أو لصحائفها بميزان له لسان وكفتان9. ( ومن خفت موازينه ) بالسيئات ( فأولئك الذين خسروا أنفسهم ) بتصييرها إلى النار ( بما كانوا بآياتنا يظلمون ) يجحدون
10. ( ولقد مكناكم ) يا بني آدم ( في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش ) بالياء أسبابا تعيشون بها جمع معيشة ( قليلا ما ) لتأكيد القلة ( تشكرون ) على ذلك
11. ( ولقد خلقناكم ) أي أباكم آدم ( ثم صورناكم ) أي صورناه وأنتم في ظهره ( ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) سجودَ تحيةٍ بالانحناء ( فسجدوا إلا إبليس ) أبا الجن كان بين الملائكة ( لم يكن من الساجدين )
12. ( قال ) تعالى ( ما منعك أ ) ن ( لا ) زائدة ( تسجد إذ ) حين ( أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )
13. ( قال فاهبط منها ) أي من الجنة ، وقيل من السماوات ( فما يكون ) ينبغي ( لك أن تتكبر فيها فاخرج ) منها ( إنك من الصاغرين ) الذليلين
14. ( قال أَنظِرني ) أَخِّرني ( إلى يوم يبعثون ) أي الناس
15. ( قال إنك من المنظرين ) وفي آية أخرى { إلى يوم الوقت المعلوم } أي يوم النفخة الأولى
16. ( قال فبما أغويتني ) أي بإغوائك لي ، والباء للقسم وجوابه ( لأقعدن لهم ) أي لبني آدم ( صراطك المستقيم ) أي على الطريق الموصل إليك
17. ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ) أي من كل جهة فأمنعهم عن سلوكه ، قال ابن عباس: ولا يستطيع أن يأتي من فوقهم لئلا يحول بين العبد وبين رحمة الله تعالى. ( ولا تجد أكثرهم شاكرين ) مؤمنين
18. ( قال اخرج منها مذؤوما ) بالهمزة معيبا أو ممقوتا ( مدحورا ) مبعدا عن الرحمة ( لمن تبعك منهم ) من الناس واللام للابتداء أو موطئة للقسم وهو ( لأملأن جهنم منكم أجمعين ) أي منك بذريتك ومن الناس وفيه تغليب الحاضر على الغائب وفي الجملة معنى جزاء من الشرطية أي من تبعك أعذبه
19. ( و ) قال ( يا آدم اسكن أنت ) تأكيد للضمير في اسكن ليعطف عليه ( وزوجك ) حواء بالمد ( الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة ) بالأكل منها وهي الحنطة ( فتكونا من الظالمين )
20. ( فوسوس لهما الشيطان ) إبليس ( ليبدي ) يظهر ( لهما ما ووري ) فوعل من المواراة ( عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا ) كراهةَ ( أن تكونا مَلَكَين ) وقرئ بكسر اللام ( أو تكونا من الخالدين ) أي وذلك لازم عن الأكل منها كما في آية أخرى { هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى }
21. ( وقاسمهما ) أي أقسم لهما بالله ( إني لكما لمن الناصحين ) في ذلك
22. ( فدلاهما ) حطَّهما عن منزلتهما ( بغرور ) منه ( فلما ذاقا الشجرة ) أي أكلا منها ( بدت لهما سوآتهما ) أي ظهر لكل منهما قبله وقبل الآخر ودبره وسمي كل منها سوأة لأن انكشافه يسوء صاحبه ( وطفقا يخصفان ) أخذا يلزقان ( عليهما من ورق الجنة ) ليستترا به ( وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ) بين العداوة ، والاستفهام للتقرير
23. ( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا ) بمعصيتنا ( وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين )
24. ( قال اهبطوا ) أي آدم وحواء بما اشتملتما عليه من ذريتكما ( بعضكم ) بعض الذرية ( لبعض عدو ) من ظلم بعضهم بعضا ( ولكم في الأرض مستقر ) أي مكان استقرار ( ومتاع ) تمتع ( إلى حين ) تنقضي فيه آجالكم
25. ( قال فيها ) أي الأرض ( تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ) بالبعث بالبناء للفاعل والمفعول
26. ( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا ) أي خلقناه لكم ( يواري ) يستر ( سوآتكم وريشا ) وهو ما يتجمل به من الثياب ( ولباس التقوى ) العمل الصالح والسمت الحسن ، بالنصب عطف على لباسا والرفع مبتدأ خبره جملة ( ذلك خير ، ذلك من آيات الله ) دلائل قدرته ( لعلهم يذكرون ) فيؤمنوا فيه التفات عن الخطاب
27. ( يا بني آدم لا يفتنَنَّكم ) يضلنكم ( الشيطان ) أي لا تتبعوه ( كما أخرج أبويكم ) بفتنته ( من الجنة ينزع ) حال ( عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه ) أي الشيطان ( يراكم هو وقبيله ) جنوده ( من حيث لا ترونهم ) للطافة أجسادهم أو عدم ألوانهم ( إنا جعلنا الشياطين أولياء ) أعوانا وقرناء ( للذين لا يؤمنون )
28. ( وإذا فعلوا فاحشة ) كالشرك وطوافهم بالبيت عراة قائلين لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها فنهوا عنها ( قالوا وجدنا عليها آباءنا ) فاقتدينا بهم ( والله أمرنا بها ) أيضا ( قل ) لهم ( إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون ) أنه قال ، استفهام إنكار
29. ( قل أمر ربي بالقسط ) بالعدل ( وأقيموا ) معطوف على معنى بالقسط ، أي قال أقسطوا وأقيموا أو قبله فاقبلوا مقدرا ( وجوهكم ) لله ( عند كل مسجد ) أي أخلصوا له سجودكم ( وادعوه ) اعبدوه ( مخلصين له الدين ) من الشرك ( كما بدأكم ) خلقكم ولم تكونوا شيئا ( تعودون ) أي يعيدكم أحياء يوم القيامة
30. ( فريقا ) منكم ( هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ) أي غيره ( ويحسبون أنهم مهتدون )
31. ( يا بني آدم خذوا زينتكم ) ما يستر عورتكم ( عند كل مسجد ) عند الصلاة والطواف ( وكلوا واشربوا ) ما شئتم ( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين )
32. ( قل ) إنكارا عليهم ( من حرم زينة الله التي أخرج لعباده ) من اللباس ( والطيبات ) المستلذات ( من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ) بالاستحقاق وإن شاركهم فيها غيرهم ( خالصة ) خاصة بهم بالرفع والنصب حال ( يوم القيامة كذلك نفصل الآيات ) نبينها مثل ذلك التفصيل ( لقوم يعلمون ) يتدبرون فإنهم المنتفعون بها
33. ( قل إنما حرم ربي الفواحش ) الكبائر كالزنا ( ما ظهر منها وما بطن ) أي جهرها وسرها ( والإثم ) المعصية ( والبغي ) على الناس ( بغير الحق ) وهو الظلم ( وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به ) بإشراكه ( سلطانا ) حجة ( وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) من تحريم ما لم يحرم وغيره
34. ( ولكل أمة أجل ) مدة ( فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ) عنه ( ساعة ولا يستقدمون ) عليه
35. ( يا بني آدم إمَّا ) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة ( يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى ) الشرك ( وأصلح ) عمله ( فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) في الآخرة
36. ( والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا ) تكبروا ( عنها ) فلم يؤمنوا بها ( أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
37. ( فمن ) أي لا أحد ( أظلم ممن افترى على الله كذبا ) بنسبة الشريك والولد إليه ( أو كذب بآياته ) القرآن ( أولئك ينالهم ) يصيبهم ( نصيبهم ) حظهم ( من الكتاب ) مما كتب لهم في اللوح المحفوظ من الرزق والأجل وغير ذلك ( حتى إذا جاءتهم رسلنا ) أي الملائكة ( يتوفونهم قالوا ) لهم تبكيتا ( أين ما كنتم تدعون ) تعبدون ( من دون الله قالوا ضلوا ) غابوا ( عنا ) فلم نرهم ( وشهدوا على أنفسهم ) عند الموت ( أنهم كانوا كافرين )
38. ( قال ) لهم تعالى يوم القيامة ( ادخلوا في ) جملة ( أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في ) متعلق بادخلوا ( النار كلما دخلت ) النار ( أمة لعنت أختها ) التي قبلها لضلالها بها ( حتى إذا ادَّاركوا ) تلاحقوا ( فيها جميعا قالت أخراهم ) وهم الأتباع ( لأولاهم ) أي لأجلائهم وهم المتبوعون ( ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً ) مضعفاً ( من النار قال ) تعالى ( لكل ) منكم ومنهم ( ضعف ) عذاب مضعف ( ولكن لا يعلمون ) 39. ( وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل ) لأنكم تكفرون بسببنا فنحن وأنتم سواء ، قال تعالى لهم ( فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون )
40. ( إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا ) تكبروا ( عنها ) فلم يؤمنوا بها ( لا تفتح لهم أبواب السماء ) إذا عرج بأرواحهم إليها بعد الموت فيهبط بها إلى سجِّين بخلاف المؤمن فتفتح له ويصعد بروحه إلى السماء السابعة كما ورد في حديث ( ولا يدخلون الجنة حتى يلج ) يدخل ( الجمل في سمّ الخياط ) ثقب الإبرة وهو غير ممكن فكذا دخولهم ( وكذلك ) الجزاء ( نجزي المجرمين ) بالكفر
41. ( لهم من جهنم مهاد ) فراش ( ومن فوقهم غواش ) أغطية من النار جمع غاشية وتنوينه عوض من الياء المحذوفة ( وكذلك نجزي الظالمين )
42. ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات ) مبتدأ ، وقوله ( لا نكلف نفساً إلا وسعها ) طاقتها من العمل اعتراض بينه وبين خبره وهو ( أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون )
43. ( ونزعنا ما في صدورهم من غل ) حقد كان بينهم في الدنيا ( تجري من تحتهم ) تحت قصورهم ( الأنهار وقالوا ) عند الاستقرار في منازلهم ( الحمد لله الذي هدانا لهذا ) العمل الذي هذا جزاؤه ( وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) حذف جواب لولا لدلالة ما قبله عليه ( لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن ) مخففة أي أنه أو مفسرة في المواضع الخمسة ( تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون )
44. ( ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار ) تقريرا أو تبكيتا ( أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا ) من الثواب ( حقا فهل وجدتم ما وعد ) كم ( ربكم ) من العذاب ( حقاً ؟ قالوا نعم فأذن مؤذن ) نادى مناد ( بينهم ) بين الفريقين أسمعهم ( أن لعنة الله على الظالمين )
45. ( الذين يصدون ) الناس ( عن سبيل الله ) دينه ( ويبغونها ) أي يطلبون السبيل ( عوجاً ) معوجاً ( وهم بالآخرة كافرون )
46. ( وبينهما ) أي أصحاب الجنة والنار ( حجاب ) حاجز ، قيل هو سور الأعراف ( وعلى الأعراف ) وهو سور الجنة ( رجال ) استوت حسناتهم وسيئاتهم كما في الحديث ( يعرفون كلا ) من أهل الجنة والنار ( بسيماهم ) بعلامتهم وهي بياض الوجوه للمؤمنين وسوادها للكافرين لرؤيتهم لهم إذ موضعهم عال ( ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم ) قال تعالى ( لم يدخلوها ) أي أصحاب الأعراف الجنة ( وهم يطمعون ) في دخولها ، قال الحسن لم يطمعهم إلا لكرامة يريدها بهم وروى الحاكم عن حذيفة قال : « بينما هم كذلك إذ طلع عليهم ربك فقال قوموا ادخلوا الجنة فقد غفرت لكم »
47. ( وإذا صرفت أبصارهم ) أي أصحاب الأعراف ( تلقاء ) جهة ( أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا ) في النار ( مع القوم الظالمين )
48. ( ونادى أصحاب الأعراف رجالا ) من أصحاب النار ( يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم ) من النار ( جمعكم ) المال أو كثرتكم ( وما كنتم تستكبرون ) أي واستكباركم عن الإيمان ، ويقولون لهم مشيرين إلى ضعفاء المسلمين
49. ( أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ) قد قيل لهم ( ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون ) وقرئ { أُدْخِلوا } بالبناء للمفعول و { دخلوا } فجملة النفي حال أي مقولا لهم ذلك
50. ( ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ) من الطعام ( قالوا إن الله حرمهما ) منعهما ( على الكافرين )
51. ( الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم ) نتركهم في النار ( كما نسوا لقاء يومهم هذا ) بتركهم العمل له ( وما كانوا بآياتنا يجحدون ) أي وكما جحدوا
52. ( ولقد جئناهم ) أي أهل مكة ( بكتاب ) قرآن ( فصلناه ) بيناه بالأخبار والوعد والوعيد ( على علم ) حال أي عالمين بما فصل فيه ( هدى ) حال من الهاء ( ورحمة لقوم يؤمنون ) به
53. ( هل ينظرون ) ما ينتظرون ( إلا تأويله ) عاقبة ما فيه ( يوم يأتي تأويله ) هو يوم القيامة ( يقول الذين نسوه من قبل ) تركوا الإيمان به ( قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو ) هل ( نرد ) إلى الدنيا ( فنعمل غير الذي كنا نعمل ) نوحد الله ونترك الشرك فيقال لهم لا ، قال تعالى ( قد خسروا أنفسهم ) إذ صاروا إلى الهلاك ( وضل ) ذهب ( عنهم ما كانوا يفترون ) من دعوى الشريك
54. ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ) من أيام الدنيا أي في قدرها لأنه لم يكن ثم شمس ولو شاء خلقهن في لمحة والعدول عنه لتعليم خلقه التثبت ( ثم استوى على العرش ) هو في اللغة سرير الملك ، استواءً يليق به ( يغشي الليل النهار ) مخففاً ومشدداً أي يغطي كلا منهما بالآخر ( يطلبه ) يطلب كل منهما الآخر طلباً ( حثيثاً ) سريعاً ( والشمس والقمر والنجوم ) بالنصب عطفاً على السماوات والرفع مبتدأ خبره ( مسخرات ) مذللات ( بأمره ) بقدرته ( ألا له الخلق ) جميعا ( والأمر ) كله ( تبارك ) تعاظم ( الله رب ) مالك ( العالمين )
55. ( ادعوا ربكم تضرعا ) حال تذللا ( وخفية ) سرا ( إنه لا يحب المعتدين ) في الدعاء بالتشدق ورفع الصوت
56. ( ولا تفسدوا في الأرض ) بالشرك والمعاصي ( بعد إصلاحها ) ببعث الرسل ( وادعوه خوفا ) من عقابه ( وطمعا ) في رحمته ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) المطيعين ، وتذكير قريب المخبر به عن رحمة لإضافتها إلى الله
57. ( وهو الذي يرسل الرياح نُشُراً بين يدي رحمته ) أي متفرقة قدام المطر ، وفي قراءة بسكون الشين تخفيفاً وفي أخرى بسكونها وفتح النون مصدراً وفي أخرى بسكونها وضم الموحدة بدل النون أي مبشراً ومفرد الأولى نَشُور كرسول والأخيرة بشير ( حتى إذا أقلت ) حملت الرياح ( سحابا ثقالا ) بالمطر ( سقناه ) أي السحاب وفيه التفات عن الغيبة ( لبلد ميت ) لا نبات به أي لإحيائها ( فأنزلنا به ) بالبلد ( الماء فأخرجنا به ) بالماء ( من كل الثمرات كذلك ) الإخراج ( نخرج الموتى ) من قبورهم بالإحياء ( لعلكم تذكرون ) فتؤمنوا
58. ( والبلد الطيب ) العذب التراب ( يخرج نباته ) حسناً ( بإذن ربه ) هذا مثل للمؤمن يسمع الموعظة فينتفع بها ( والذي خبث ) ترابه ( لا يخرج ) نباته ( إلا نكداً ) عسراً بمشقةٍ وهذا مثلُ للكافر ( كذلك ) كما بينا ما ذكر ( نصرف ) نبين ( الآيات لقوم يشكرون ) الله فيؤمنون
59. ( لقد ) جواب قسم محذوف ( أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) بالجر صفة لإله ، والرفع بدل من محله ( إني أخاف عليكم ) إن عبدتم غيره ( عذاب يوم عظيم ) هو يوم القيامة
60. ( قال الملأ ) الأشراف ( من قومه إنا لنراك في ضلال مبين ) بين
61. ( قال يا قوم ليس بي ضلالة ) هي أعم من الضلال فنفيها أبلغ من نفيه ( ولكني رسول من رب العالمين )
62. ( أبْلِغُكم ) بالتخفيف والتشديد ( رسالات ربي وأنصح ) أريد الخير ( لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون )
63. ( أ ) كذبتم ( وعجبتم أن جاءكم ذكر ) موعظة ( من ربكم على ) لسان ( رجل منكم لينذركم ) العذاب إن لم تؤمنوا ( ولتتقوا ) الله ( ولعلكم ترحمون ) بها
64. ( فكذبوه فأنجيناه والذين معه ) من الغرق ( في الفلك ) السفينة ( وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا ) بالطوفان ( إنهم كانوا قوما عمين ) عن الحق
65. ( و ) أرسلنا ( إلى عاد ) الأولى ( أخاهم هوداً قال يا قوم اعبدوا الله ) وحدوه ( ما لكم من إله غيره أفلا تتقون ) تخافونه فتؤمنون
66. ( قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة ) جهالة ( وإنا لنظنك من الكاذبين ) في رسالتك
67. ( قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين )
68. ( أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين ) مأمون على الرسالة
69. ( أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على ) لسان ( رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء ) في الأرض ( من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطةً ) قوةً وطَولاً وكان طويلهم مائة ذراع وقصيرهم ستين ( فاذكروا آلاء الله ) نعمه ( لعلكم تفلحون ) تفوزون
70. ( قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ) نترك ( ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا ) به من العذاب ( إن كنت من الصادقين ) في قولك
71. ( قال قد وقع ) وجب ( عليكم من ربكم رجس ) عذاب ( وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها ) أي سميتم بها ( أنتم وآباؤكم ) أصناما تعبدونها ( ما نزل الله بها ) أي بعبادتها ( من سلطان ) حجة وبرهان ( فانتظروا ) العذاب ( إني معكم من المنتظرين ) ذلكم بتكذيبكم لي فأرسلت عليهم الريح العقيم
72. ( فأنجيناه ) أي هوداً ( والذين معه ) من المؤمنين ( برحمة منا وقطعنا دابر ) القوم ( الذين كذبوا بآياتنا ) أي استأصلناهم ( وما كانوا مؤمنين ) عطف على كذبوا
73. ( و ) أرسلنا ( إلى ثمودَ ) بترك الصرف ، مراداً به القبيلة ( أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة ) معجزة ( من ربكم ) على صدقي ( هذه ناقة الله لكم آية ) حال عاملها معنى الإشارة وكانوا سألوه أن يخرجها لهم من صخرة عينوها ( فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء ) بعقر أو ضرب ( فيأخذكم عذاب أليم )
74. ( واذكروا إذ جعلكم خلفاء ) في الأرض ( من بعد عاد وبوأكم ) أسكنكم ( في الأرض تتخذون من سهولها قصوراً ) تسكنونها في الصيف ( وتنحتون الجبال بيوتاً ) تسكنونها في الشتاء ، ونصبه على الحال المقدرة ( فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين )
75. ( قال الملأ الذين استكبروا من قومه ) تكبروا عن الإيمان به ( للذين استضعفوا لمن آمن منهم ) أي من قومه بدل مما قبله بإعادة الجار ( أتعلمون أن صالحاً مرسلٌ من ربه ) إليكم ( قالوا ) نعم ( إنا بما أرسل به مؤمنون )
76. ( قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون )
77. وكانت الناقة لها يوم في الماء ولهم يوم فملُّوا ذلك ( فعقروا الناقة ) عقرها قُدار [ بن سالف ] بأمرهم بأن قتلها بالسيف ( وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا ) به من العذاب على قتلها ( إن كنت من المرسلين )
78. ( فأخذتهم الرجفة ) الزلزلة الشديدة من الأرض والصيحة من السماء ( فأصبحوا في دارهم جاثمين ) باركين على الركب ميتين
79. ( فتولى ) أعرض صالح ( عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين )
80. ( و ) اذكر ( لوطاً ) ويبدل منه ( إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ) أي أدبار الرجال ( ما سبقكم بها من أحد من العالمين ) الإنس والجن
81. ( إنكم ) وفي قراءة { أئنكم } بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال الألف بينهما على الوجهين ( لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون ) متجاوزون الحلال إلى الحرام
82. ( وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم ) أي لوطاً وأتباعه ( من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ) من أدبار الرجال
83. ( فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ) الباقين في العذاب
84. ( وأمطرنا عليهم مطراً ) هو حجارة السجيل فأهلكتهم ( فانظر كيف كان عاقبة المجرمين )
85. ( و ) أرسلنا ( إلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة ) معجزة ( من ربكم ) على صدقي ( فأوفوا ) أتموا ( الكيل والميزان ولا تبخسوا ) تنقصوا ( الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض ) بالكفر والمعاصي ( بعد إصلاحها ) ببعث الرسل ( ذلكم ) المذكور ( خير لكم إن كنتم مؤمنين ) مريدي الإيمان فبادروا إليه
86. ( ولا تقعدوا بكل صراط ) طريق ( توعدون ) تخوفون الناس بأخذ ثيابهم أو المكس منهم ( وتصدون ) تصرفون ( عن سبيل الله ) دينه ( من آمن به ) بتوعدكم إياه بالقتل ( وتبغونها ) تطلبون الطريق ( عوجاً ) معوجة ( واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ) قبلكم بتكذيب رسلهم أي آخر أمرهم من الهلاك
87. ( وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا ) به ( فاصبروا حتى يحكم الله بيننا ) وبينكم بإنجاء المحق وإهلاك المبطل ( وهو خير الحاكمين ) أعدلهم
88. ( قال الملأ الذين استكبروا من قومه ) عن الإيمان ( لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن ) ترجعن ( في ملتنا ) ديننا ، وغلَّبوا في الخطاب الجمع على الواحد لأن شعيباً لم يكن في ملتهم قط وعلى نحوه أجاب ( قال أ ) نعود فيها ( ولو كنا كارهين ) لها استفهام إنكار
89. ( قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون ) ينبغي ( لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا ) ذلك فيخذلنا ( وسع ربنا كل شيء علما ) أي وسع علمه كل شيء ومنه حالي وحالكم ( على الله توكلنا ربنا افتح ) احكم ( بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ) الحاكمين
90. ( وقال الملأ الذين كفروا من قومه ) أي قال بعضهم لبعض ( لئن ) لام قسم ( اتبعتم شعيباً إنكم إذا لخاسرون )
91. ( فأخذتهم الرجفة ) الزلزلة الشديدة ( فأصبحوا في دارهم جاثمين ) باركين على الركب ميتين
92. ( الذين كذبوا شعيبا ) مبتدأ خبره ( كأن ) مخففة واسمها محذوف أي كأنهم ( لم يغنوا ) يقيموا ( فيها ) في ديارهم ( الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ) التأكيد بإعادة الموصول وغيره للرد عليهم في قولهم السابق
93. ( فتولى ) أعرض ( عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم ) فلم تؤمنوا ( فكيف آسى ) أحزن ( على قوم كافرين ) استفهام بمعنى النفي
94. ( وما أرسلنا في قرية من نبي ) فكذبوه ( إلا أخذنا ) عاقبنا ( أهلها بالبأساء ) شدة الفقر ( والضراء ) المرض ( لعلهم يضَّرَّعون ) يتذللون فيؤمنوا
95. ( ثم بدلنا ) أعطيناهم ( مكان السيئة ) العذاب ( الحسنة ) الغنى والصحة ( حتى عفوا ) كثروا ( وقالوا ) كفراً للنعمة ( قد مس آباءنا الضراء والسراء ) كما مسنا وهذه عادة الدهر وليست بعقوبة من الله فكونوا على ما أنتم عليه قال تعالى ( فأخذناهم ) بالعذاب ( بغتة ) فجأة ( وهم لا يشعرون ) بوقت مجيئه قبله
88. ( قال الملأ الذين استكبروا من قومه ) عن الإيمان ( لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن ) ترجعن ( في ملتنا ) ديننا ، وغلَّبوا في الخطاب الجمع على الواحد لأن شعيباً لم يكن في ملتهم قط وعلى نحوه أجاب ( قال أ ) نعود فيها ( ولو كنا كارهين ) لها استفهام إنكار
89. ( قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون ) ينبغي ( لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا ) ذلك فيخذلنا ( وسع ربنا كل شيء علما ) أي وسع علمه كل شيء ومنه حالي وحالكم ( على الله توكلنا ربنا افتح ) احكم ( بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ) الحاكمين
90. ( وقال الملأ الذين كفروا من قومه ) أي قال بعضهم لبعض ( لئن ) لام قسم ( اتبعتم شعيباً إنكم إذا لخاسرون )
91. ( فأخذتهم الرجفة ) الزلزلة الشديدة ( فأصبحوا في دارهم جاثمين ) باركين على الركب ميتين
92. ( الذين كذبوا شعيبا ) مبتدأ خبره ( كأن ) مخففة واسمها محذوف أي كأنهم ( لم يغنوا ) يقيموا ( فيها ) في ديارهم ( الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ) التأكيد بإعادة الموصول وغيره للرد عليهم في قولهم السابق
93. ( فتولى ) أعرض ( عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم ) فلم تؤمنوا ( فكيف آسى ) أحزن ( على قوم كافرين ) استفهام بمعنى النفي
94. ( وما أرسلنا في قرية من نبي ) فكذبوه ( إلا أخذنا ) عاقبنا ( أهلها بالبأساء ) شدة الفقر ( والضراء ) المرض ( لعلهم يضَّرَّعون ) يتذللون فيؤمنوا
95. ( ثم بدلنا ) أعطيناهم ( مكان السيئة ) العذاب ( الحسنة ) الغنى والصحة ( حتى عفوا ) كثروا ( وقالوا ) كفراً للنعمة ( قد مس آباءنا الضراء والسراء ) كما مسنا وهذه عادة الدهر وليست بعقوبة من الله فكونوا على ما أنتم عليه قال تعالى ( فأخذناهم ) بالعذاب ( بغتة ) فجأة ( وهم لا يشعرون ) بوقت مجيئه قبله
105. ( حقيق ) جدير ( على أن ) أي بأن ( لا أقول على الله إلا الحق ) وفي قراءة بتشديد الياء فحقيق مبتدأ خبره أن وما بعدها ( قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي ) إلى الشام ( بني إسرائيل ) وكان استعبدهم
106. ( قال ) فرعون له ( إن كنت جئت بآية ) على دعواك ( فأت بها إن كنت من الصادقين ) فيها
107. ( فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ) حية عظيمة
108. ( ونزع يده ) أخرجها من جيبه ( فإذا هي بيضاء ) ذات شعاع ( للناظرين ) خلاف ما كانت عليه من الأدمة
109. ( قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم ) فائق في علم السحر وفي الشعراء أنه من قول فرعون نفسه فكأنهم قالوه معه على سبيل التشاور
110. ( يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون )
111. ( قالوا أرجه وأخاه ) أخِّر أمرهما ( وأرسل في المدائن حاشرين ) جامعين
112. ( يأتوك بكل ساحر ) وفي قراءة { سحار } ( عليم ) يفضل موسى في علم السحر فجمعوا
113. ( وجاء السحرة فرعون قالوا أئنَّ ) بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين ( لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين )
114. ( قال نعم وإنكم لمن المقربين )
115. ( قالوا يا موسى إما أن تلقي ) عصاك ( وإما أن نكون نحن الملقين ) ما معنا
116. ( قال ألقوا ) أمر للإذن بتقديم إلقائهم توصلاً به إلى إظهار الحق ( فلما ألقوا ) حبالهم وعصيهم ( سحروا أعين الناس ) صرفوها عن حقيقة إدراكها ( واسترهبوهم ) خوفوهم حيث خيلوها حيات تسعى ( وجاؤوا بسحر عظيم )
117. ( وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ) بحذف إحدى التاءين في الأصل تبتلع ( ما يأفكون ) يقلبون بتمويههم
118. ( فوقع الحق ) ثبت وظهر ( وبطل ما كانوا يعملون ) من السحر
119. ( فغلبوا ) أي فرعون وقومه ( هنالك وانقلبوا صاغرين ) صاروا ذليلين
120. ( وألقي السحرة ساجدين )
121. ( قالوا آمنا برب العالمين )
122. ( رب موسى وهارون ) لعلمهم بأن ما شاهدوه من العصا لا يتأتى بالسحر
123. ( قال فرعون أآمنتم ) بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفا ( به ) بموسى ( قبل أن آذن ) أنا ( لكم إن هذا ) الذي صنعتموه ( لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون ) ما ينالكم مني
124. ( لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلافٍ ) أي يد كل واحد اليمنى ورجله اليسرى ( ثم لأصلبنكم أجمعين )
125. ( قالوا إنا إلى ربنا ) بعد موتنا بأي وجه كان ( منقلبون ) راجعون في الآخرة
126. ( وما تنقم ) تنكر ( منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبراً ) عند فعل ما توعدنا به لئلا نرجع كفاراً ( وتوفنا مسلمين )
127. ( وقال الملأ من قوم فرعون ) له ( أتذر ) تترك ( موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ) بالدعاء إلى مخالفتك ( ويذرك وآلهتك ) وكان صنع لهم أصناماً صغاراً يعبدونها وقال أنا ربكم وربها ولذا قال أنا ربكم الأعلى ( قال سنقتِّل ) بالتشديد ( أبناءهم ) المولودين ( ونستحيي ) نستبقي ( نساءهم ) كفعلنا بهم من قبل ( وإنا فوقهم قاهرون ) قادرون ، ففعلوا بهم ذلك فشكا بنو إسرائيل
128. ( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا ) على أذاهم ( إن الأرض لله يورثها ) يعطيها ( من يشاء من عباده والعاقبة ) المحمودة ( للمتقين ) الله
129. ( قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ) فيها
130. ( ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ) بالقحط ( ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون ) يتعظون فيؤمنون
131. ( فإذا جاءتهم الحسنة ) الخصب والغنى ( قالوا لنا هذه ) أي نستحقها ولم يشكروا عليها ( وإن تصبهم سيئة ) جدب وبلاء ( يطيروا ) يتشاءموا ( بموسى ومن معه ) من المؤمنين ( ألا إنما طائرهم ) شؤمهم ( عند الله ) يأتيهم به ( ولكن أكثرهم لا يعلمون ) أن ما يصيبهم من عنده
132. ( وقالوا ) لموسى ( مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين ) فدعا عليهم
133. ( فأرسلنا عليهم الطوفان ) وهو ماء دخل بيوتهم ووصل إلى حلوق الجالسين سبعة أيام ( والجراد ) فأكل زرعهم وثمارهم كذلك ( والقمل ) السوس أو نوع من القراد ، فتتبع ما تركه الجراد ( والضفادع ) فملأت بيوتهم وطعامهم ( والدم ) في مياههم ( آيات مفصلات ) مبينات ( فاستكبروا ) عن الإيمان بها ( وكانوا قوماً مجرمين )
134. ( ولما وقع عليهم الرجز ) العذاب ( قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك ) من كشف العذاب عنا إن آمنا ( لئن ) لام قسم ( كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل )
135. ( فلما كشفنا ) بدعاء موسى ( عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون ) ينقضون عهدهم ويصرون على كفرهم
136. ( فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم ) البحر المالح ( بأنهم ) بسبب أنهم ( كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ) لا يتدبرونها
137. ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون ) بالاستعباد وهم بنو إسرائيل ( مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ) بالماء والشجر صفة للأرض وهي الشام ( وتمت كلمة ربك الحسنى ) وهي قوله { ويريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض } ( على بني إسرائيل بما صبروا ) على أذى عدوهم ( ودمرنا ) أهلكنا ( ما كان يصنع فرعون وقومه ) من العمارة ( وما كانوا يعرِشون ) بكسر الراء وضمها يرفعون من البنيان
138. ( وجاوزنا ) عبرنا ( ببني إسرائيل البحر فأتوا ) فمروا ( على قوم يعكفون ) بضم الكاف وكسرها ( على أصنام لهم ) يقيمون على عبادتها ( قالوا يا موسى اجعل لنا إلها ) صنما نعبده ( كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ) حيث قابلتم نعمة الله عليكم بما قلتموه
139. ( إن هؤلاء متبر ) هالك ( ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون )
140. ( قال أغير الله أبغيكم إلها ) معبوداً وأصله أبغي لكم ( وهو فضلكم على العالمين ) في زمانكم بما ذكره في قوله
141. ( و ) اذكروا ( إذ أنجيناكم ) وفي قراءة { أنجاكم } ( من آل فرعون يسومونكم ) يكلفونكم ويذيقونكم ( سوء العذاب ) أشده وهو ( يقتلون أبناءكم ويستحيون ) يستبقون ( نساءكم وفي ذلكم ) الإنجاء والعذاب ( بلاء ) إنعام أو ابتلاء ( من ربكم عظيم ) أفلا تتعظون فتنتهوا عما قلتم
142. ( وواعدنا ) بألف ودونها ( موسى ثلاثين ليلةً ) نكلمه عند انتهائها بأن يصومها وهي ذو القعدة فصامها فلما تمت أنكر خلوف فمه فاستاك فأمره الله بعشرة أخرى ليكلمه بخلوف فمه كما قال تعالى ( وأتممناها بعشر ) من ذي الحجة ( فتم ميقات ربه ) وقت وعده بكلامه إياه ( أربعين ) حال ( ليلة ) تمييز ( وقال موسى لأخيه هارون ) عند ذهابه إلى الجبل للمناجاة ( اخلفني ) كن خليفتي ( في قومي وأصلح ) أمرهم ( ولا تتبع سبيل المفسدين ) بموافقتهم على المعاصي
143. ( ولما جاء موسى لميقاتنا ) أي للوقت الذي وعدناه بالكلام فيه ( وكلمه ربه ) بلا واسطة كلاماً سمعه من كل جهة ( قال رب أرني ) نفسك ( أنظر إليك قال لن تراني ) أي لا تقدر على رؤيتي ، والتعبير به دون لن أُرى يفيد إمكان رؤيته تعالى ( ولكن انظر إلى الجبل ) الذي هو أقوى منك ( فإن استقر ) ثبت ( مكانه فسوف تراني ) أي تثبت لرؤيتي وإلا فلا طاقة لك ( فلما تجلى ربه ) أي ظهر من نوره قدر نصف أنملة الخنصر كما في حديث صححه الحاكم ( للجبل جعله دكا ) بالقصر والمد أي مدكوكاً مستوياً بالأرض ( وخر موسى صعقاً ) مغشياً عليه لهول ما رأى ( فلما أفاق قال سبحانك ) تنزيهاً لك ( تبت إليك ) من سؤال ما لم أؤمر به ( وأنا أول المؤمنين ) في زماني
144. ( قال ) تعالى له ( يا موسى إني اصطفيتك ) اخترتك ( على الناس ) أهل زمانك ( برسالاتي ) بالجمع والإفراد ( وبكلامي ) أي تكليمي إياك ( فخذ ما آتيتك ) من الفضل ( وكن من الشاكرين ) لأنعمي
145. ( وكتبنا له في الألواح ) أي ألواح التوراة وكانت من سدر الجنة أو زبرجد أو زمرد سبعة أو عشرة ( من كل شيء ) يحتاج إليه في الدين ( موعظة وتفصيلاً ) تبييناً ( لكل شيء ) بدل من الجار والمجرور قبله ( فخذها ) قبله قلنا مقدراً ( بقوة ) بجد واجتهاد ( وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين ) فرعون وأتباعه وهي مصر لتعتبروا بهم
146. ( سأصرف عن آياتي ) دلائل قدرتي من المصنوعات وغيرها ( الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ) بأن أخذلهم فلا يتكبرون فيها ( وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل ) طريق ( الرشد ) الهدى الذي جاء من عند الله ( لا يتخذوه سبيلا ) يسلكوه ( وإن يروا سبيل الغي ) الضلال ( يتخذوه سبيلا ذلك ) الصرف ( بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ) تقدم مثله
147. ( والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة ) البعث وغيره ( حبطت ) بطلت ( أعمالهم ) ما عملوه في الدنيا من خير كصلة رحم وصدقة فلا ثواب لهم لعدم شرطه ( هل ) ما ( يجزون إلا ) جزاء ( ما كانوا يعملون ) من التكذيب والمعاصي
148. ( واتخذ قوم موسى من بعده ) أي بعد ذهابه إلى المناجاة ( من حُلِيِّهم ) الذي استعاروه من قوم فرعون بعلَّة عرس فبقي عندهم ( عجلاً ) صاغه لهم منه السامري ( جسداً ) بدل من لحما ودما ( له خوار ) أي صوت يسمع انقلب كذلك بوضع التراب الذي أخذه من حافر جبريل في فمه فإن أثره الحياة فيما يوضع فيه ، ومفعول اتخذ الثاني محذوف أي إلها ( ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا ) فكيف يتخذ إلها ( اتخذوه ) إلها ( وكانوا ظالمين ) باتخاذه
149. ( ولما سقط في أيديهم ) أي ندموا على عبادته ( ورأوا ) علموا ( أنهم قد ضلوا ) بها وذلك بعد رجوع موسى ( قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا ) بالياء والتاء فيهما ( لنكونن من الخاسرين )
150. ( ولما رجع موسى إلى قومه غضبان ) من جهتهم ( أسفاً ) شديد الحزن ( قال ) لهم ( بئسما ) أي بئس خلافة ( خلفتمونيـ ) ـها ( من بعدي ) خلافتكم هذه حيث أشركتم ( أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح ) ألواح التوراة غضباً لربه فتكسرت ( وأخذ برأس أخيه ) أي بشعره بيمنيه ولحيته بشماله ( يجره إليه ) غضباً ( قال ) يا ( ابن أمِّ ) بكسر الميم وفتحها ، أراد أمي وذكرها أعطف لقلبه ( إن القوم استضعفوني وكادوا ) قاربوا ( يقتلونني فلا تشمت ) تفرح ( بي الأعداء ) بإهانتك إياي ( ولا تجعلني مع القوم الظالمين ) بعبادة العجل في المؤاخذة
151. ( قال رب اغفر لي ) ما صنعت بأخي ( ولأخي ) أشركه الدعاء إرضاء له ودفعا للشماتة به ( وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين )
152. قال تعالى ( إن الذين اتخذوا العجل ) إلها ( سينالهم غضب ) عذاب ( من ربهم وذلة في الحياة الدنيا ) فعذبوا بالأمر بقتل أنفسهم وضربت عليهم الذلة إلى يوم القيامة ( وكذلك ) كما جزيناهم ( نجزي المفترين ) على الله بالإشراك وغيره
153. ( والذين عملوا السيئات ثم تابوا ) رجعوا عنها ( من بعدها وآمنوا ) بالله ( إن ربك من بعدها ) أي التوبة ( لغفور ) لهم ( رحيم ) بهم
154. ( ولما سكت ) سكن ( عن موسى الغضب أخذ الألواح ) التي ألقاها ( وفي نسختها ) أي ما نسخ فيها أي كتب ( هدى ) من الضلالة ( ورحمة للذين هم لربهم يرهبون ) يخافون وأدخل اللام على المفعول لتقدمه
155. ( واختار موسى قومه سبعين ) أي من قومه ( رجلاً لميقاتنا ) ممن لم يعبدوا العجل بأمره تعالى ( فلما ) أي للوقت الذي وعدناه يإتيانهم فيه ليعتذروا من عبادة العجل فخرج بهم ( أخذتهم الرجفة قال ) الزلزلة الشديدة ، قال ابن عباس : لأنهم لم يزايلوا قومهم حين عبدوا العجل ، قال : وهم غير الذين سألوا الرؤية وأخذتهم الصاعقة ( رب ) موسى ( لو شئت أهلكتهم من قبل ) أي قبل خروجي بهم ليعلن بنو إسرائيل ذلك ولا يتهموني ( وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ) استفهام استعطاف أي لا تعذبنا بذنب غيرنا ( إن ) ما ( هي ) أي الفتنة التي وقع فيها السفهاء ( إلا فتنتك ) ابتلاؤك ( تضل بها من تشاء ) إضلاله ( وتهدي من تشاء ) هدايته ( أنت ولينا ) متولي أمورنا ( فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين )
156. ( واكتب ) أوجب ( لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة ) حسنة ( إنا هدنا ) تبنا ( إليك قال ) تعالى ( عذابي أصيب به من أشاء ) تعذيبه ( ورحمتي وسعت ) عمَّت ( كل شيء ) في الدنيا ( فسأكتبها ) في الآخرة ( للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون )
157. ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ) محمد صلى الله عليه وسلم ( الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ) باسمه وصفته ( يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ) مما حرم في شرعهم ( ويحرم عليهم الخبائث ) الميتة ونحوها ( ويضع عنهم إصرهم ) ثقلهم ( والأغلال ) الشدائد ( التي كانت عليهم ) كقتل النفس في التوبة وقطع أثر النجاسة ( فالذين آمنوا به ) منهم ( وعزَّروه ) ووقروه ( ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه ) أي القرآن ( أولئك هم المفلحون )
158. ( قل ) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ( يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته ) القرآن ( واتبعوه لعلكم تهتدون ) ترشدون
159. ( ومن قوم موسى أمة ) جماعة ( يهدون ) الناس ( بالحق وبه يعدِلون ) في الحكم
160. ( وقطَّعناهم ) فرقنا بني إسرائيل ( اثنتي عشرة ) حال ( أسباطا ) بدل منه ، أي قبائل ( أمما ) بدل من قبله ( وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه ) في التيه ( أن اضرب بعصاك الحجر ) فضربه ( فانبجست ) انفجرت ( منه اثنتا عشرة عيناً ) بعدد الأسباط ( قد علم كل أناس ) سبط منهم ( مشربهم وظللنا عليهم الغمام ) في التيه من حر الشمس ( وأنزلنا عليهم المن والسلوى ) هما الترنجبين والطير السُّماني بتخفيف الميم والقصر وقلنا لهم ( كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )
161. ( و ) اذكر ( إذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية ) بيت المقدس ( وكلوا منها حيث شئتم وقولوا ) أمرنا ( حطة وادخلوا الباب ) أي باب القرية ( سجداً ) سجود انحناء ( نغفر ) بالنون والتاء مبنيا للمفعول ( لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين ) بالطاعة ثواباً
162. ( فبدل الذين ظلموا منهم قولاً غير الذي قيل لهم ) فقالوا حبة في شعرة ودخلوا يزحفون على أستاههم ( فأرسلنا عليهم رجزاً ) عذاباً ( من السماء بما كانوا يظلمون )
163. ( واسألهم ) يا محمد توبيخاً ( عن القرية التي كانت حاضرة البحر ) مجاورة بحر القلزم وهي أيلة ما وقع بأهلها ( إذ يعدون ) يعتدون ( في السبت ) بصيد السمك المأمورين بتركه فيه ( إذ ) ظرف ليعدوه ( تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ) ظاهرة على الماء ( ويوم لا يسبتون ) لا يعظمون السبت أي سائر الأيام ( لا تأتيهم ) ابتلاء من الله ( كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون ) ولما صادوا السمك افترقت القرية أثلاثاً ثلثٌ صادوا معهم وثلثٌ نهوهم وثلثٌ أمسكوا عن الصيد والنهي
164. ( وإذ ) عطف على إذ قبله ( قالت أمة منهم ) لم تصد ولم تنه لمن نهى ( لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا ) موعظتنا ( معذرةً ) نعتذر بها ( إلى ربكم ) لئلا ننسب إلى تقصير في ترك النهي ( ولعلهم يتقون ) الصيد
165. ( فلما نسوا ) تركوا ( ما ذكروا ) وعظوا ( به ) فلم يرجعوا ( أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا ) بالاعتداء ( بعذاب بئيس ) شديد ( بما كانوا يفسقون )
166. ( فلما عتوا ) تكبروا ( عن ) ترك ( ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة ) صاغرين فكانوها ، وهذا تفصيل لما قبله ، قال ابن عباس : ما أدري ما فعل بالفرقة الساكتة ، وقال عكرمة : لم تهلك لأنها كرهت ما فعلوه وقالت لم تعظون الخ ، وروى الحاكم عن ابن عباس : أنه رجع إليه وأعجبه
167. ( وإذ تأذن ) أعلم ( ربك ليبعثن عليهم ) أي اليهود ( إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ) بالذل وأخذ الجزية فبعث عليها سليمان وبعده بختنصر فقتلهم وسباهم وضرب عليهم الجزية فكانوا يؤدونها إلى المجوس إلى بعث نبينا صلى الله عليه وسلم فضربها عليهم ( إن ربك لسريع العقاب ) لمن عصاه ( وإنه لغفور ) لأهل طاعته ( رحيم ) بهم
168. ( وقطعناهم ) فرقناهم ( في الأرض أمما ) فرقا ( منهم الصالحون ومنهم ) ناس ( دون ذلك ) الكفار والفاسقون ( وبلوناهم بالحسنات ) بالنعم ( والسيئات ) النقم ( لعلهم يرجعون ) عن فسقهم
169. ( فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب ) التوراة عن آبائهم ( يأخذون عرض هذا الأدنى ) أي حطام هذا الشيء الدنيء من حلال وحرام ( ويقولون سيغفر لنا ) ما فعلناه ( وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ) الجملة حال أي يرجون المغفرة وهم عائدون إلى مافعلوه مصرون عليه وليس في التوراة وعد المغفرة مع الإصرار ( ألم يؤخذ ) استفهام تقرير ( عليهم ميثاق الكتاب ) الإضافة بمعنى في ( أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ) عطف على يؤخذ ، قرؤوا ( ما فيه ) فلم كذبوا عليه ينسبة المغفرة إليه مع الإصرار ( والدار الآخرة خير للذين يتقون ) الحرام ( أفلا يعقلون ) بالياء والتاء ، أنها خير فيؤثرونها على الدنيا
170. ( والذين يمسِّكون ) بالتشديد والتخفيف ( بالكتاب ) منهم ( وأقاموا الصلاة ) كعبد الله بن سلام وأصحابه ( إنا لا نضيع أجر المصلحين ) الجملة خبر الذين ، وفيه وضع الظاهر موضع المضمر أي أجرهم
171. ( و ) اذكر ( إذ نتقنا الجبل ) رفعناه من أصله ( فوقهم كأنه ظلة وظنوا ) أيقنوا ( أنه واقع بهم ) ساقط عليهم بوعد الله إياهم بوقوعه إن لم يقبلوا أحكام التوراة وكانوا أبوها لثقلها فقبلوا وقلنا لهم ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) بجد واجتهاد ( واذكروا ما فيه ) بالعمل به ( لعلكم تتقون )
172. ( و ) اذكر ( إذ ) حين ( أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ) بدل اشتمال مما قبله بإعادة الجار ( ذريتهم ) بأن أخرج بعضهم من صلب بعض من صلب آدم نسلاً بعد نسلٍ كنحو ما يتوالدون كالذرِّ بنعمان يوم عرفة ونصب لهم دلائل على ربوبيته وركب فيهم عقلا ( وأشهدهم على أنفسهم ) قال ( ألست بربكم قالوا بلى ) أنت ربنا ( شهدنا ) بذلك والإشهاد لـ ( أن ) لا ( يقولوا ) بالياء والتاء في الموضعين ، أي الكفار ( يوم القيامة إنا كنا عن هذا ) التوحيد ( غافلين ) لا نعرفه
173. ( أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل ) أي قبلنا ( وكنا ذرية من بعدهم ) فاقتدينا بهم ( أفتهلكنا ) تعذبنا ( بما فعل المبطلون ) من آبائنا بتأسيس الشرك ، المعنى لا يمكنهم الاحتجاج بذلك مع إشهادهم على أنفسهم بالتوحيد والتذكير به على لسان صاحب المعجزة قائم مقام ذكره في النفوس
174. ( وكذلك نفصل الآيات ) نبينها مثل ما بينا الميثاق ليتدبروها ( ولعلهم يرجعون ) عن كفرهم
175. ( واتل ) يا محمد ( عليهم ) أي اليهود ( نبأ ) خبر ( الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ) خرج بكفره كما تخرج الحية من جلدها وهو بلعم بن باعوراء من علماء بني إسرائيل ، سئل أن يدعو على موسى وأهدي إليه شيء فدعا فانقلب عليه واندلع لسانه على صدره ( فأتبعه الشيطان ) فأدركه فصار قرينه ( فكان من الغاوين )
176. ( ولو شئنا لرفعناه ) إلى منازل العلماء ( بها ) بأن نوفقه للعمل ( ولكنه أخلد ) سكن ( إلى الأرض ) أي الدنيا ومال إليها ( واتبع هواه ) في دعائه إليها فوضعناه ( فمثله ) صفته ( كمثل الكلب إن تحمل عليه ) بالطرد والزجر ( يلهث ) يدلع لسانه ( أو ) إن ( تتركه يلهث ) وليس غيره من الحيوان كذلك ، وجملتا الشرط حال ، أي لاهثاً ذليلاً بكل حال ، والقصد التشبيه في الوضع والخسة بقرينة الفاء المشعرة بترتيب ما بعدها على ما قبلها من الميل إلى الدنيا واتباع الهوى وبقرينة قوله ( ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص ) على اليهود ( لعلهم يتفكرون ) يتدبرون فيها فيؤمنون
177. ( ساء ) بئس ( مثلاً القوم ) أي مثل القوم ( الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون ) بالتكذيب
178. ( من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون )
179. ( ولقد ذرأنا ) خلقنا ( لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ) الحق ( ولهم أعين لا يبصرون بها ) دلائل قدرة الله بصر اعتبار ( ولهم آذان لا يسمعون بها ) الآيات والمواعظ سماع تدبر واتعاظ ( أولئك كالأنعام ) في عدم الفقه والبصر والاستماع ( بل هم أضل ) من الأنعام لأنها تطلب منافعها وتهرب من مضارها وهؤلاء يقدمون على النار معاندة ( أولئك هم الغافلون )
عدل سابقا من قبل هدى Admin في السبت أغسطس 11, 2012 5:17 pm عدل 1 مرات
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
تابع سورة الاعراف تفسير الجلالين
180. ( ولله الأسماء الحسنى ) التسعة والتسعون الوارد بها الحديث ، والحسنى مؤنث الأحسن ( فادعوه ) سموه ( بها وذروا ) اتركوا ( الذين يلحدون ) من ألحد ولحد ، يميلون عن الحق ( في أسمائه ) حيث اشتقوا منها أسماء لآلهتهم كاللات من الله والعزى من العزيز ومناة من المنان ( سيجزون ) من الآخرة جزاء ( ما كانوا يعملون ) وهذا قبل الأمر بالقتال
181. ( وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما في حديث
182. ( والذين كذبوا بآياتنا ) القرآن من أهل مكة ( سنستدرجهم ) نأخذهم قليلاً قليلاً ( من حيث لا يعلمون )
183. ( وأملي لهم ) أمهلهم ( إن كيدي متين ) شديد لا يطاق
184. ( أولم يتفكروا ) فيعلموا ( ما بصاحبهم ) محمد صلى الله عليه وسلم ( من جنة ) جنون ( إن ) ما ( هو إلا نذير مبين ) بيِّن الإنذار
185. ( أولم ينظروا في ملكوت السماوات ) ملك ( والأرض و ) في ( ما خلق الله من شيء ) بيان لما ، فيستدلوا به على قدرة صانعه ووحدانيته ( و ) في ( أن ) أي أنه ( عسى أن يكون قد اقترب ) قرب ( أجلهم ) فيموتوا كفارا فيصيروا إلى النار فيبادروا إلى الإيمان ( فبأي حديث بعده ) أي القرآن ( يؤمنون )
186. ( من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم ) بالياء والنون مع الرفع استئنافا والجزم عطفا على محل بعد الفاء ( في طغيانهم يعمهون ) يترددون تحيراً
187. ( يسألونك ) أي أهل مكة ( عن الساعة ) القيامة ( أيان ) متى ( مرساها قل ) لهم ( إنما علمها ) متى تكون ( عند ربي لا يجليها ) يظهرها ( لوقتها ) اللام بمعنى في ( إلا هو ثقلت ) عظمت ( في السماوات والأرض ) على أهلها لهولها ( لا تأتيكم إلا بغتة ) فجأة ( يسألونك كأنك حفي ) مبالغ في السؤال ( عنها ) حتى علمتها ( قل إنما علمها عند الله ) تأكيد ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) أن علمها عنده تعالى
188. ( قل لا أملك لنفسي نفعاً ) أجلبه ( ولا ضراً ) أدفعه ( إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب ) ما غاب عني ( لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ) من فقر وغيره لاحترازي عنه باجتناب المضار ( إن ) ما ( أنا إلا نذير ) بالنار للكافرين ( وبشير ) بالجنة ( لقوم يؤمنون )
189. ( هو ) أي الله ( الذي خلقكم من نفس واحدة ) أي آدم ( وجعل ) خلق ( منها زوجها ) حواء ( ليسكن إليها ) ويألفها ( فلما تغشاها ) جامعها ( حملت حملاً خفيفاً ) هو النطفة ( فمرت به ) ذهبت وجاءت لخفته ( فلما أثقلت ) بكبر الولد في بطنها وأشفقا أن يكون بهيمة ( دعوا الله ربهما لئن آتيتنا ) ولداً ( صالحاً ) سوياً ( لنكونن من الشاكرين ) لك عليه
190. ( فلما آتاهما ) ولداً ( صالحاً جعلا له شركاء ) وفي قراءة بكسر الشين والتنوين أي شريكا ( فيما آتاهما ) بتسميته عبد الحارث ولا ينبغي أن يكون عبداً إلا لله ، وليس بإشراك في العبودية لعصمة آدم وروى سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال سميه عبد الحارث فإنه يعيش فسمته فكان ذلك من وحي الشيطان وأمره » رواه الحاكم وقال صحيح والترمذي وقال حسن غريب ( فتعالى الله عما يشركون ) أي أهل مكة به من الأصنام والجملة مسببة عطف على خلقكم وما بينهما اعتراض
191. ( أيشركون ) به في العبادة ( ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون )
192. ( ولا يستطيعون لهم ) أي لعابديهم ( نصراً ولا أنفسهم ينصرون ) بمنعها ممن أراد بهم سوءاً من كسر أو غيره والاستفهام للتوبيخ
193. ( وإن تدعوهم ) أي الأصنام ( إلى الهدى لا يتبعوكم ) بالتخفيف والتشديد ( سواء عليكم أدعوتموهم ) إليه ( أم أنتم صامتون ) عن دعائهم لا يتبعوه لعدم سماعهم
194. ( إن الذين تدعون ) تعبدون ( من دون الله عباد ) مملوكة ( أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم ) دعاءكم ( إن كنتم صادقين ) في أنها آلهة
195. ثم بين غاية عجزهم وفضل عابديهم عليهم فقال ( ألهم أرجل يمشون بها أم ) بل أ ( لهم أيد ) جمع يد ( يبطشون بها أم ) بل أ ( لهم أعين يبصرون بها أم ) بل أ ( لهم آذان يسمعون بها ) استفهام إنكاري ، أي ليس لهم شيء من ذلك مما هو لكم فكيف تعبدونهم وأنتم أتم حالاً منهم ( قل ) لهم يا محمد ( ادعوا شركاءكم ) إلى هلاكي ( ثم كيدون فلا تنظرون ) تمهلون فإني لا أبالي بكم
196. ( إن وليي الله ) متولي أموري ( الذي نزل الكتاب ) القرآن ( وهو يتولى الصالحين ) بحفظه
197. ( والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون ) فكيف أبالي بهم
198. ( وإن تدعوهم ) أي الأصنام ( إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ) أي الأصنام يا محمد ( ينظرون إليك ) أي يقابلونك كالناظر ( وهم لا يبصرون )
199. ( خذ العفو ) اليسر من أخلاق الناس ولا تبحث عنها ( وأمر بالعرف ) بالمعروف ( وأعرض عن الجاهلين ) فلا تقابلهم بسفههم
200. ( وإما ) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة ( ينزغنك من الشيطان نزغ ) أي إن يصرفك عما أمرت به صارف ( فاستعذ بالله ) جواب الشرط وجواب الأمر محذوف أي يدفعه عنك ( إنه سميع ) للقول ( عليم ) بالفعل
201. ( إن الذين اتقوا إذا مسهم ) أصابهم ( طيف ) وفي قراءة { طائف } أي شيء ألم بهم ( من الشيطان تذكروا ) عقاب الله وثوابه ( فإذا هم مبصرون ) الحق من غيره فيرجعون
202. ( وإخوانهم ) أي أخوان الشياطين من الكفار ( يمدونهم ) أي الشياطين ( في الغي ثم ) هم ( لا يقصرون ) يكفون عنه بالتبصر كما تبصر المتقون
203. ( وإذا لم تأتهم ) أي أهل مكة ( بآية ) مما اقترحوا ( قالوا لولا ) هلا ( اجتبيتها ) أنشأتها من قبل نفسك ( قل ) لهم ( إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي ) وليس لي أن آتي من عند نفسي بشيء ( هذا ) القرآن ( بصائر ) حجج ( من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون )
204. ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ) عن الكلام ( لعلكم ترحمون ) نزلت في ترك الكلام في الخطبة وعبر عنها بالقرآن لاشتمالها عليه وقيل في قراءة القرآن مطلقاً
205. ( واذكر ربك في نفسك ) أي سراً ( تضرعاً ) تذللاً ( وخيفةً ) خوفاً منه ( و ) فوق السر ( دون الجهر من القول ) أي قصداً بينهما ( بالغدو والآصال ) أوائل النهار وأواخره ( ولا تكن من الغافلين ) عن ذكر الله
206. ( إن الذين عند ربك ) أي الملائكة ( لا يستكبرون ) يتكبرون ( عن عبادته ويسبحونه ) ينزهونه عما لا يليق به ( وله يسجدون ) أي يخصونه بالخضوع والعبادة فكونوا مثلهم
180. ( ولله الأسماء الحسنى ) التسعة والتسعون الوارد بها الحديث ، والحسنى مؤنث الأحسن ( فادعوه ) سموه ( بها وذروا ) اتركوا ( الذين يلحدون ) من ألحد ولحد ، يميلون عن الحق ( في أسمائه ) حيث اشتقوا منها أسماء لآلهتهم كاللات من الله والعزى من العزيز ومناة من المنان ( سيجزون ) من الآخرة جزاء ( ما كانوا يعملون ) وهذا قبل الأمر بالقتال
181. ( وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما في حديث
182. ( والذين كذبوا بآياتنا ) القرآن من أهل مكة ( سنستدرجهم ) نأخذهم قليلاً قليلاً ( من حيث لا يعلمون )
183. ( وأملي لهم ) أمهلهم ( إن كيدي متين ) شديد لا يطاق
184. ( أولم يتفكروا ) فيعلموا ( ما بصاحبهم ) محمد صلى الله عليه وسلم ( من جنة ) جنون ( إن ) ما ( هو إلا نذير مبين ) بيِّن الإنذار
185. ( أولم ينظروا في ملكوت السماوات ) ملك ( والأرض و ) في ( ما خلق الله من شيء ) بيان لما ، فيستدلوا به على قدرة صانعه ووحدانيته ( و ) في ( أن ) أي أنه ( عسى أن يكون قد اقترب ) قرب ( أجلهم ) فيموتوا كفارا فيصيروا إلى النار فيبادروا إلى الإيمان ( فبأي حديث بعده ) أي القرآن ( يؤمنون )
186. ( من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم ) بالياء والنون مع الرفع استئنافا والجزم عطفا على محل بعد الفاء ( في طغيانهم يعمهون ) يترددون تحيراً
187. ( يسألونك ) أي أهل مكة ( عن الساعة ) القيامة ( أيان ) متى ( مرساها قل ) لهم ( إنما علمها ) متى تكون ( عند ربي لا يجليها ) يظهرها ( لوقتها ) اللام بمعنى في ( إلا هو ثقلت ) عظمت ( في السماوات والأرض ) على أهلها لهولها ( لا تأتيكم إلا بغتة ) فجأة ( يسألونك كأنك حفي ) مبالغ في السؤال ( عنها ) حتى علمتها ( قل إنما علمها عند الله ) تأكيد ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) أن علمها عنده تعالى
188. ( قل لا أملك لنفسي نفعاً ) أجلبه ( ولا ضراً ) أدفعه ( إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب ) ما غاب عني ( لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ) من فقر وغيره لاحترازي عنه باجتناب المضار ( إن ) ما ( أنا إلا نذير ) بالنار للكافرين ( وبشير ) بالجنة ( لقوم يؤمنون )
189. ( هو ) أي الله ( الذي خلقكم من نفس واحدة ) أي آدم ( وجعل ) خلق ( منها زوجها ) حواء ( ليسكن إليها ) ويألفها ( فلما تغشاها ) جامعها ( حملت حملاً خفيفاً ) هو النطفة ( فمرت به ) ذهبت وجاءت لخفته ( فلما أثقلت ) بكبر الولد في بطنها وأشفقا أن يكون بهيمة ( دعوا الله ربهما لئن آتيتنا ) ولداً ( صالحاً ) سوياً ( لنكونن من الشاكرين ) لك عليه
190. ( فلما آتاهما ) ولداً ( صالحاً جعلا له شركاء ) وفي قراءة بكسر الشين والتنوين أي شريكا ( فيما آتاهما ) بتسميته عبد الحارث ولا ينبغي أن يكون عبداً إلا لله ، وليس بإشراك في العبودية لعصمة آدم وروى سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال سميه عبد الحارث فإنه يعيش فسمته فكان ذلك من وحي الشيطان وأمره » رواه الحاكم وقال صحيح والترمذي وقال حسن غريب ( فتعالى الله عما يشركون ) أي أهل مكة به من الأصنام والجملة مسببة عطف على خلقكم وما بينهما اعتراض
191. ( أيشركون ) به في العبادة ( ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون )
192. ( ولا يستطيعون لهم ) أي لعابديهم ( نصراً ولا أنفسهم ينصرون ) بمنعها ممن أراد بهم سوءاً من كسر أو غيره والاستفهام للتوبيخ
193. ( وإن تدعوهم ) أي الأصنام ( إلى الهدى لا يتبعوكم ) بالتخفيف والتشديد ( سواء عليكم أدعوتموهم ) إليه ( أم أنتم صامتون ) عن دعائهم لا يتبعوه لعدم سماعهم
194. ( إن الذين تدعون ) تعبدون ( من دون الله عباد ) مملوكة ( أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم ) دعاءكم ( إن كنتم صادقين ) في أنها آلهة
195. ثم بين غاية عجزهم وفضل عابديهم عليهم فقال ( ألهم أرجل يمشون بها أم ) بل أ ( لهم أيد ) جمع يد ( يبطشون بها أم ) بل أ ( لهم أعين يبصرون بها أم ) بل أ ( لهم آذان يسمعون بها ) استفهام إنكاري ، أي ليس لهم شيء من ذلك مما هو لكم فكيف تعبدونهم وأنتم أتم حالاً منهم ( قل ) لهم يا محمد ( ادعوا شركاءكم ) إلى هلاكي ( ثم كيدون فلا تنظرون ) تمهلون فإني لا أبالي بكم
196. ( إن وليي الله ) متولي أموري ( الذي نزل الكتاب ) القرآن ( وهو يتولى الصالحين ) بحفظه
197. ( والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون ) فكيف أبالي بهم
198. ( وإن تدعوهم ) أي الأصنام ( إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ) أي الأصنام يا محمد ( ينظرون إليك ) أي يقابلونك كالناظر ( وهم لا يبصرون )
199. ( خذ العفو ) اليسر من أخلاق الناس ولا تبحث عنها ( وأمر بالعرف ) بالمعروف ( وأعرض عن الجاهلين ) فلا تقابلهم بسفههم
200. ( وإما ) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة ( ينزغنك من الشيطان نزغ ) أي إن يصرفك عما أمرت به صارف ( فاستعذ بالله ) جواب الشرط وجواب الأمر محذوف أي يدفعه عنك ( إنه سميع ) للقول ( عليم ) بالفعل
201. ( إن الذين اتقوا إذا مسهم ) أصابهم ( طيف ) وفي قراءة { طائف } أي شيء ألم بهم ( من الشيطان تذكروا ) عقاب الله وثوابه ( فإذا هم مبصرون ) الحق من غيره فيرجعون
202. ( وإخوانهم ) أي أخوان الشياطين من الكفار ( يمدونهم ) أي الشياطين ( في الغي ثم ) هم ( لا يقصرون ) يكفون عنه بالتبصر كما تبصر المتقون
203. ( وإذا لم تأتهم ) أي أهل مكة ( بآية ) مما اقترحوا ( قالوا لولا ) هلا ( اجتبيتها ) أنشأتها من قبل نفسك ( قل ) لهم ( إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي ) وليس لي أن آتي من عند نفسي بشيء ( هذا ) القرآن ( بصائر ) حجج ( من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون )
204. ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ) عن الكلام ( لعلكم ترحمون ) نزلت في ترك الكلام في الخطبة وعبر عنها بالقرآن لاشتمالها عليه وقيل في قراءة القرآن مطلقاً
205. ( واذكر ربك في نفسك ) أي سراً ( تضرعاً ) تذللاً ( وخيفةً ) خوفاً منه ( و ) فوق السر ( دون الجهر من القول ) أي قصداً بينهما ( بالغدو والآصال ) أوائل النهار وأواخره ( ولا تكن من الغافلين ) عن ذكر الله
206. ( إن الذين عند ربك ) أي الملائكة ( لا يستكبرون ) يتكبرون ( عن عبادته ويسبحونه ) ينزهونه عما لا يليق به ( وله يسجدون ) أي يخصونه بالخضوع والعبادة فكونوا مثلهم
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
8. سورة الأنفال
1. ( يسألونك ) يا محمد ( عن الأنفال ) الغنائم لمن هي ( قل ) لهم ( الأنفال لله ) يجعلها حيث شاء ( والرسول ) يقسمها بأمر الله فقسمها صلى الله عليه وسلم بينهم على السواء ، رواه الحاكم في المستدرك ( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ) أي حقيقة ما بينكم بالمودة وترك النزاع ( وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ) حقاً
2. ( إنما المؤمنون ) الكاملو الإيمان ( الذين إذا ذكر الله ) أي وعيده ( وجلت ) خافت ( قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً ) تصديقاً ( وعلى ربهم يتوكلون ) به يثقون لا بغيره
3. ( الذين يقيمون الصلاة ) يأتون بها بحقوقها ( ومما رزقناهم ) أعطيناهم ( ينفقون ) في طاعة الله
4. ( أولئك ) الموصوفون بما ذكر ( هم المؤمنون حقاً ) صدقاً بلا شك ( لهم درجات ) منازل في الجنة ( عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ) في الجنة
5. ( كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ) متعلقٌ بأخرج ( وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون ) الخروج والجملة حالٌ من كافِ أخرجك وكما خبر مبتدأ محذوف أي هذه الحال في كراهتهم لها مثل إخراجك في حال كراهتهم وقد كان خيراً لهم فكذلك أيضاً وذلك أن أبا سفيان قدم بعير من الشام فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليغنموها فعلمت قريش فخرج أبو جهل ومقاتلو مكة ليذبوا عنها وهم النفير وأخذ أبو سفيان بالعير طريق الساحل فنجت فقيل لأبي جهل ارجع فأبى وسار إلى بدر فشاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وقال إن الله وعدني إحدى الطائفتين فوافقوه على قتال النفير وكره بعضهم ذلك وقالوا لم نستعد له كما قال تعالى
6. ( يجادلونك في الحق بعد ما تبين ) ظهر لهم ( كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ) إليه عياناً في كراهتهم له
7. ( و ) اذكر ( إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين ) العير أو النفير ( أنها لكم وتودون ) تريدون ( أن غير ذات الشوكة ) أي البأس والسلاح وهي العير ( تكون لكم ) لقلة عددها ومددها بخلاف النفير ( ويريد الله أن يحق الحق ) يظهره ( بكلماته ) السابقة بظهور الإسلام ( ويقطع دابر الكافرين ) آخرهم بالاستئصال فأمركم بقتال النفير
8. ( ليحق الحق ويبطل ) يمحق ( الباطل ) الكفر ( ولو كره المجرمون ) المشركون ذلك
17. ( فلم تقتلوهم ) ببدر بقوتكم ( ولكن الله قتلهم ) بنصره إياكم ( وما رميت ) يا محمد أعين القوم ( إذ رميت ) بالحصى لأن كفَّا من الحصى لا يملأ عيون الجيش الكثير برمية بشر ( ولكن الله رمى ) بإيصال ذلك إليهم فعل ذلك ليقهر الكافرين ( وليبلي المؤمنين منه بلاءً ) عطاءً ( حسناً ) هو الغنيمة ( إن الله سميع ) لأقوالهم ( عليم ) بأحوالهم
18. ( ذلكم ) الإبلاء حق ( وأن الله موهن ) مضعف ( كيد الكافرين )
19. ( إن تستفتحوا ) أيها الكفار إن تطلبوا الفتح أي القضاء حيث قال أبو جهل منكم : اللهم أينا كان أقطع للرحم وأتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة أي أهلكه ( فقد جاءكم الفتح ) القضاء بهلاك من هو كذلك وهو أبو جهل ومن قتل معه دون النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ( وإن تنتهوا ) عن الكفر والحرب ( فهو خير لكم وإن تعودوا ) لقتال النبي صلى الله عليه وسلم ( نعد ) لنصره عليكم ( ولن تغني ) تدفع ( عنكم فئتكم ) جماعاتكم ( شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين ) بكسر إن استئنافا وفتحها على تقدير اللام
20. ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا ) تعرضوا ( عنه ) بمخالفة أمره ( وأنتم تسمعون ) القرآن والمواعظ
21. ( ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ) سماع تدبر واتعاظ وهم المنافقون أو المشركون
22. ( إن شر الدواب عند الله الصم ) عن سماع الحق ( البكم ) عن النطق به ( الذين لا يعقلون )
23. ( ولو علم الله فيهم خيراً ) صلاحاً بسماع الحق ( لأسمعهم ) سماع تفهم ( ولو أسمعهم ) فرضا وقد علم أن لا خير فيهم ( لتولوا ) عنه ( وهم معرضون ) عن قبوله عناداً وجحوداً
24. ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول ) بالطاعة ( إذا دعاكم لما يحييكم ) من أمر الدين لأنه سبب الحياة الأبدية ( واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ) فلا يستطيع أن يؤمن أو يكفر إلا بإرادته ( وأنه إليه تحشرون ) فيجازيكم بأعمالكم
25. ( واتقوا فتنة ) إن أصابتكم ( لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) بل تعمهم وغيرهم واتقاؤها بإنكار موجبها من المنكر ( واعلموا أن الله شديد العقاب ) لمن خالفه
26. ( واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض ) أرض مكة ( تخافون أن يتخطفكم الناس ) يأخذكم الكفار بسرعة ( فآواكم ) إلى المدينة ( وأيدكم ) قواكم ( بنصره ) يوم بدر بالملائكة ( ورزقكم من الطيبات ) الغنائم ( لعلكم تشكرون ) نعمه
27. ونزل في أبي لبابة مروان بن عبد المنذر وقد بعثه إلى بني قريظة لينزلوا على حكمه فاستشاروه فأشار إليهم أنه الذبح لأن عياله وماله فيهم ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول ) ولا ( وتخونوا أماناتكم ) ما ائتمنتم عليه من الدين وغيره ( وأنتم تعلمون )
28. ( واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ) لكم صادَّة عن أمور الآخرة ( وأن الله عنده أجر عظيم ) فلا تفوتوه بمراعاة الأموال والأولاد والخيانة لأجلهم ونزل في توبته
29. ( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله ) بالإنابة وغيرها ( يجعل لكم فرقاناً ) بينكم وبين ما تخافون فتنجون ( ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم ) ذنوبكم ( والله ذو الفضل العظيم )
30. ( و ) اذكر يا محمد ( إذ يمكر بك الذين كفروا ) وقد اجتمعوا للمشاورة في شأنك بدار الندوة ( ليثبتوك ) يوثقوك ويحبسوك ( أو يقتلوك ) كلهم قتلة رجل واحد ( أو يخرجوك ) من مكة ( ويمكرون ) بك ( ويمكر الله ) بهم بتدبير أمرك بأن أوحى إليك ما دبروه وأمرك بالخروج ( والله خير الماكرين ) أعلمهم به
31. ( وإذا تتلى عليهم آياتنا ) القرآن ( قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ) قاله النضر بن الحارث لأنه كان يأتي الحيرة يتجر فيشتري كتب أخبار الأعاجم ويحدث بها أهل مكة ( إن ) ما ( هذا ) القرآن ( إلا أساطير ) أكاذيب ( الأولين )
32. ( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا ) الذي يقرؤه محمد ( هو الحق ) المنزل ( من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) مؤلم على بصيرة وجزم ببطلانه
33. قال تعالى ( وما كان الله ليعذبهم ) بما سألوه ( وأنت فيهم ) لأن العذاب إذا نزل عمَّ ولم تعذب أمة إلا بعد خروج نبيها والمؤمنين منها ( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) حيث يقولون في طوافهم غفرانك غفرانك وقيل هم المؤمنون المستضعفون فيهم كما قال تعالى { لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما }
34. ( وما لهم أ ) ن ( لا يعذبهم الله ) بالسيف بعد خروجك والمستضعفين وعلى القول الأول هي ناسخة لما قبلها وقد عذبهم الله ببدر وغيره ( وهم يصدون ) يمنعون النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ( عن المسجد الحرام ) أن يطوفوا به ( وما كانوا أولياءه ) كما زعموا ( إن ) ما ( أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون ) أن لا ولاية لهم عليه
35. ( وما كان صلاتُهم عند البيت إلا مكاءً ) صفيراً ( وتصديةً ) تصفيقاً ، أي جعلوا ذلك موضع صلاتهم التي أمروا بها ( فذوقوا العذاب ) ببدر ( بما كنتم تكفرون )
36. ( إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ) في حرب النبي صلى الله عليه وسلم ( ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون ) في عاقبة الأمر ( عليهم حسرة ) ندامة لفواتها وفوات ما قصدوه ( ثم يغلبون ) في الدنيا ( والذين كفروا ) منهم ( إلى جهنم ) في الآخرة ( يحشرون ) يساقون
37. ( ليميز ) متعلق بتكون بالتخفيف والتشديد أي يفصل ( الله الخبيث ) الكافر ( من الطيب ) المؤمن ( ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً ) يجمعه متراكماً بعضه على بعض ( فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون )
38. ( قل للذين كفروا ) كأبي سفيان وأصحابه ( إن ينتهوا ) عن الكفر وقتال النبي صلى الله عليه وسلم ( يغفر لهم ما قد سلف ) من أعمالهم ( وإن يعودوا ) إلى قتاله ( فقد مضت سنة الأولين ) أي سنتنا فيهم بالهلاك فكذا نفعل بهم
39. ( وقاتلوهم حتى لا تكون ) توجد ( فتنة ) شرك ( ويكون الدين كله لله ) وحده ولا يعبد غيره ( فإن انتهوا ) عن الكفر ( فإن الله بما يعملون بصير ) فيجازيهم به
40. ( وإن تولوا ) عن الإيمان ( فاعلموا أن الله مولاكم ) ناصركم ومتولي أموركم ( نعم المولى ) هو ( ونعم النصير ) أي الناصر لكم
41. ( واعلموا أنما غنمتم ) أخذتم من الكفار قهراً ( من شيء فأن لله خمسه ) يأمر فيه بما يشاء ( وللرسول ولذي القربى ) قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب ( واليتامى ) أطفال المسلمين الذين هلك آباؤهم وهم فقراء ( والمساكين ) ذوي الحاجة من المسلمين ( وابن السبيل ) المنقطع في سفره من المسلمين ، أي يستحقه النبي صلى الله عليه وسلم والأصناف الأربعة على ما كان يقسمه من أن لكل خمس الخمس ، والأخماس الأربعة الباقية للغانمين ( إن كنتم آمنتم بالله ) فاعلموا ذلك ( وما ) عطف على بالله ( أنزلنا على عبدنا ) محمد صلى الله عليه وسلم من الملائكة والآيات ( يوم الفرقان ) أي يوم بدر الفارق بين الحق والباطل ( يوم التقى الجمعان ) المسلمون والكفار ( والله على كل شيء قدير ) ومنه نصركم مع قلتكم وكثرتهم
42. ( إذ ) بدل من يوم ( أنتم ) كائنون ( بالعُدوة الدنيا ) القربى من المدينة وهي بضم العين وكسرها جانب الوادي ( وهم بالعدوة القصوى ) البعدى منها ( والركب ) العير كائنون بمكان ( أسفل منكم ) مما يلي البحر ( ولو تواعدتم ) أنتم والنفير للقتال ( لاختلفتم في الميعاد ولكن ) جمعكم بغير ميعاد ( ليقضي الله أمراً كان مفعولا ) في علمه وهو نصر الإسلام ومحق الكفر فعل ذلك ( ليهلك ) يكفر ( من هلك عن بينة ) أي بعد حجة ظاهرة قامت عليه وهي نصر المؤمنين مع قلتهم على الجيش الكثير ( ويحيى ) يؤمن ( من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم )
43. ( إذ يريكهم الله في منامك ) أي نومك ( قليلاً ) فأخبرت به أصحابك فسروا ( ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ) اختلفتم ( ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلَّمـ ) ـكم من الفشل والتنازع ( إنه عليم بذات الصدور ) بما في القلوب
44. ( وإذ يريكموهم ) أيها المؤمنون ( إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ) نحو سبعين أو مائة وهم ألف لتُقدِموا عليهم ( ويقللكم في أعينهم ) ليقدموا ولا يرجعوا عن قتالهم وهذا قبل التحام الحرب فلما التحم أراهم إياكم مثليهم كما في آل عمران ( ليقضي الله أمراً كان مفعولاً وإلى الله ترجع الأمور )
45. ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة ) جماعة كافرة ( فاثبتوا ) لقتالهم ولا تنهزموا ( واذكروا الله كثيراً ) ادعوه بالنصر ( لعلكم تفلحون ) تفوزون
41. ( واعلموا أنما غنمتم ) أخذتم من الكفار قهراً ( من شيء فأن لله خمسه ) يأمر فيه بما يشاء ( وللرسول ولذي القربى ) قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب ( واليتامى ) أطفال المسلمين الذين هلك آباؤهم وهم فقراء ( والمساكين ) ذوي الحاجة من المسلمين ( وابن السبيل ) المنقطع في سفره من المسلمين ، أي يستحقه النبي صلى الله عليه وسلم والأصناف الأربعة على ما كان يقسمه من أن لكل خمس الخمس ، والأخماس الأربعة الباقية للغانمين ( إن كنتم آمنتم بالله ) فاعلموا ذلك ( وما ) عطف على بالله ( أنزلنا على عبدنا ) محمد صلى الله عليه وسلم من الملائكة والآيات ( يوم الفرقان ) أي يوم بدر الفارق بين الحق والباطل ( يوم التقى الجمعان ) المسلمون والكفار ( والله على كل شيء قدير ) ومنه نصركم مع قلتكم وكثرتهم
42. ( إذ ) بدل من يوم ( أنتم ) كائنون ( بالعُدوة الدنيا ) القربى من المدينة وهي بضم العين وكسرها جانب الوادي ( وهم بالعدوة القصوى ) البعدى منها ( والركب ) العير كائنون بمكان ( أسفل منكم ) مما يلي البحر ( ولو تواعدتم ) أنتم والنفير للقتال ( لاختلفتم في الميعاد ولكن ) جمعكم بغير ميعاد ( ليقضي الله أمراً كان مفعولا ) في علمه وهو نصر الإسلام ومحق الكفر فعل ذلك ( ليهلك ) يكفر ( من هلك عن بينة ) أي بعد حجة ظاهرة قامت عليه وهي نصر المؤمنين مع قلتهم على الجيش الكثير ( ويحيى ) يؤمن ( من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم )
43. ( إذ يريكهم الله في منامك ) أي نومك ( قليلاً ) فأخبرت به أصحابك فسروا ( ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ) اختلفتم ( ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلَّمـ ) ـكم من الفشل والتنازع ( إنه عليم بذات الصدور ) بما في القلوب
44. ( وإذ يريكموهم ) أيها المؤمنون ( إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ) نحو سبعين أو مائة وهم ألف لتُقدِموا عليهم ( ويقللكم في أعينهم ) ليقدموا ولا يرجعوا عن قتالهم وهذا قبل التحام الحرب فلما التحم أراهم إياكم مثليهم كما في آل عمران ( ليقضي الله أمراً كان مفعولاً وإلى الله ترجع الأمور )
45. ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة ) جماعة كافرة ( فاثبتوا ) لقتالهم ولا تنهزموا ( واذكروا الله كثيراً ) ادعوه بالنصر ( لعلكم تفلحون ) تفوزون
53. ( ذلك ) أي تعذيب الكفرة ( بأن ) أي بسبب أن ( الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم ) مبدلاً لها بالنقمة ( حتى يغيروا ما بأنفسهم ) يبدلوا نعمتهم كفراً كتبديل كفار مكة إطعامهم من جوع وأمنهم من خوف وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليهم بالكفر والصد عن سبيل الله وقتال المؤمنين ( وأن الله سميع عليم )
54. ( كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون ) قومه معه ( وكل ) من الأمم المكذبة ( كانوا ظالمين )
55. ونزل في قريظة ( إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون )
56. ( الذين عاهدت منهم ) أن لا يعينوا المشركين ( ثم ينقضون عهدهم في كل مرة ) عاهدوا فيها ( وهم لا يتقون ) الله في غدرهم
57. ( فإما ) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة ( تثقفنهم ) تجدنهم ( في الحرب فشرد ) فرق ( بهم من خلفهم ) من المحاربين بالتنكيل بهم والعقوبة ( لعلهم ) أي الذين خلفهم ( يذكرون ) يتعظون بهم
58. ( وإما تخافن من قوم ) عاهدوك ( خيانة ) في عهد بإمارة تلوح لك ( فانبذ ) اطرح عهدهم ( إليهم على سواء ) حال أي مستوياً أنت وهم في العلم بنقض العهد بأن تعلمهم به لئلا يتهموك بالغدر ( إن الله لا يحب الخائنين )
59. ونزل فيمن أفلت يوم بدر ( ولا تحسبن ) يا محمد ( الذين كفروا سبقوا ) الله أي فاتوه ( إنهم لا يعجزون ) لا يفوتونه ، وفي قراءة بالتحتانية فالمفعول الأول محذوف أي أنفسهم وفي أخرى بفتح إن على تقدير اللام
60. ( وأعدوا لهم ) لقتالهم ( ما استطعتم من قوة ) قال صلى الله عليه وسلم : « هي الرمي » رواه مسلم ( ومن رباط الخيل ) مصدر بمعنى حبسها في سبيل الله ( ترهبون ) تخوفون ( به عدو الله وعدوكم ) أي كفار مكة ( وآخرين من دونهم ) أي غيرهم وهم المنافقون أو اليهود ( لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم ) جزاؤه ( وأنتم لا تظلمون ) تنقصون منه شيئاً
61. ( وإن جنحوا ) مالوا ( للسِّلم ) بكسر السين وفتحها : الصلح ( فاجنح لها ) وعاهدهم ، وقال ابن عباس : هذا منسوخ بآية السيف وقال مجاهد مخصوص بأهل الكتاب إذ نزلت في بني قريظة ( وتوكل على الله ) ثق به ( إنه هو السميع ) للقول ( العليم ) بالفعل
70. ( يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسارى ) وفي قراءة : { الأسرى } ( إن يعلم الله في قلوبكم خيراً ) إيماناً وإخلاصاً ( يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ) من الفداء بأن يضعفه لكم في الدنيا ويثيبكم في الآخرة ( ويغفر لكم ) ذنوبكم ( والله غفور رحيم )
71. ( وإن يريدوا ) أي الأسرى ( خيانتك ) بما أظهروا من القول ( فقد خانوا الله من قبل ) قبل بدر بالكفر ( فأمكن منهم ) ببدر قتلاً وأسراً فليتوقعوا مثل ذلك إن عادوا ( والله عليم ) بخلقه ( حكيم ) في صنعه
72. ( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ) وهم المهاجرون ( والذين آووا ) النبي صلى الله عليه وسلم ( ونصروا ) وهم الأنصار ( أولئك بعضهم أولياء بعض ) في النصرة والإرث ( والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من وِلايتهم ) بكسر الواو وفتحها ( من شيء ) فلا إرث بينكم وبينهم ولا نصيب لهم في الغنيمة ( حتى يهاجروا ) وهذا منسوخ بآخر السورة ( وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر ) لهم من الكفار ( إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ) عهد فلا تنصروهم عليهم وتنقضوا عهدهم ( والله بما تعملون بصير )
73. ( والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ) في النصرة والإرث فلا إرث بينكم وبينهم ( إلا تفعلوه ) أي تولي المسلمين وقمع الكفار ( تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) بقوة الكفر وضعف الإسلام
74. ( والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرةٌ ورزق كريم ) في الجنة
75. ( والذين آمنوا من بعد ) أي بعد السابقين إلى الإيمان والهجرة ( وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم ) أيها المهاجرون والأنصار ( وأولوا الأرحام ) ذوو القرابات ( بعضهم أولى ببعض ) في الإرث من التوراث في الإيمان والهجرة المذكورة في الآية السابقة ( في كتاب الله ) اللوح المحفوظ ( إن الله بكل شيء عليم ) ومنه حكمة الميراث
1. ( يسألونك ) يا محمد ( عن الأنفال ) الغنائم لمن هي ( قل ) لهم ( الأنفال لله ) يجعلها حيث شاء ( والرسول ) يقسمها بأمر الله فقسمها صلى الله عليه وسلم بينهم على السواء ، رواه الحاكم في المستدرك ( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ) أي حقيقة ما بينكم بالمودة وترك النزاع ( وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ) حقاً
2. ( إنما المؤمنون ) الكاملو الإيمان ( الذين إذا ذكر الله ) أي وعيده ( وجلت ) خافت ( قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً ) تصديقاً ( وعلى ربهم يتوكلون ) به يثقون لا بغيره
3. ( الذين يقيمون الصلاة ) يأتون بها بحقوقها ( ومما رزقناهم ) أعطيناهم ( ينفقون ) في طاعة الله
4. ( أولئك ) الموصوفون بما ذكر ( هم المؤمنون حقاً ) صدقاً بلا شك ( لهم درجات ) منازل في الجنة ( عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ) في الجنة
5. ( كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ) متعلقٌ بأخرج ( وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون ) الخروج والجملة حالٌ من كافِ أخرجك وكما خبر مبتدأ محذوف أي هذه الحال في كراهتهم لها مثل إخراجك في حال كراهتهم وقد كان خيراً لهم فكذلك أيضاً وذلك أن أبا سفيان قدم بعير من الشام فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليغنموها فعلمت قريش فخرج أبو جهل ومقاتلو مكة ليذبوا عنها وهم النفير وأخذ أبو سفيان بالعير طريق الساحل فنجت فقيل لأبي جهل ارجع فأبى وسار إلى بدر فشاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وقال إن الله وعدني إحدى الطائفتين فوافقوه على قتال النفير وكره بعضهم ذلك وقالوا لم نستعد له كما قال تعالى
6. ( يجادلونك في الحق بعد ما تبين ) ظهر لهم ( كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ) إليه عياناً في كراهتهم له
7. ( و ) اذكر ( إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين ) العير أو النفير ( أنها لكم وتودون ) تريدون ( أن غير ذات الشوكة ) أي البأس والسلاح وهي العير ( تكون لكم ) لقلة عددها ومددها بخلاف النفير ( ويريد الله أن يحق الحق ) يظهره ( بكلماته ) السابقة بظهور الإسلام ( ويقطع دابر الكافرين ) آخرهم بالاستئصال فأمركم بقتال النفير
8. ( ليحق الحق ويبطل ) يمحق ( الباطل ) الكفر ( ولو كره المجرمون ) المشركون ذلك
17. ( فلم تقتلوهم ) ببدر بقوتكم ( ولكن الله قتلهم ) بنصره إياكم ( وما رميت ) يا محمد أعين القوم ( إذ رميت ) بالحصى لأن كفَّا من الحصى لا يملأ عيون الجيش الكثير برمية بشر ( ولكن الله رمى ) بإيصال ذلك إليهم فعل ذلك ليقهر الكافرين ( وليبلي المؤمنين منه بلاءً ) عطاءً ( حسناً ) هو الغنيمة ( إن الله سميع ) لأقوالهم ( عليم ) بأحوالهم
18. ( ذلكم ) الإبلاء حق ( وأن الله موهن ) مضعف ( كيد الكافرين )
19. ( إن تستفتحوا ) أيها الكفار إن تطلبوا الفتح أي القضاء حيث قال أبو جهل منكم : اللهم أينا كان أقطع للرحم وأتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة أي أهلكه ( فقد جاءكم الفتح ) القضاء بهلاك من هو كذلك وهو أبو جهل ومن قتل معه دون النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ( وإن تنتهوا ) عن الكفر والحرب ( فهو خير لكم وإن تعودوا ) لقتال النبي صلى الله عليه وسلم ( نعد ) لنصره عليكم ( ولن تغني ) تدفع ( عنكم فئتكم ) جماعاتكم ( شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين ) بكسر إن استئنافا وفتحها على تقدير اللام
20. ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا ) تعرضوا ( عنه ) بمخالفة أمره ( وأنتم تسمعون ) القرآن والمواعظ
21. ( ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ) سماع تدبر واتعاظ وهم المنافقون أو المشركون
22. ( إن شر الدواب عند الله الصم ) عن سماع الحق ( البكم ) عن النطق به ( الذين لا يعقلون )
23. ( ولو علم الله فيهم خيراً ) صلاحاً بسماع الحق ( لأسمعهم ) سماع تفهم ( ولو أسمعهم ) فرضا وقد علم أن لا خير فيهم ( لتولوا ) عنه ( وهم معرضون ) عن قبوله عناداً وجحوداً
24. ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول ) بالطاعة ( إذا دعاكم لما يحييكم ) من أمر الدين لأنه سبب الحياة الأبدية ( واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ) فلا يستطيع أن يؤمن أو يكفر إلا بإرادته ( وأنه إليه تحشرون ) فيجازيكم بأعمالكم
25. ( واتقوا فتنة ) إن أصابتكم ( لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) بل تعمهم وغيرهم واتقاؤها بإنكار موجبها من المنكر ( واعلموا أن الله شديد العقاب ) لمن خالفه
26. ( واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض ) أرض مكة ( تخافون أن يتخطفكم الناس ) يأخذكم الكفار بسرعة ( فآواكم ) إلى المدينة ( وأيدكم ) قواكم ( بنصره ) يوم بدر بالملائكة ( ورزقكم من الطيبات ) الغنائم ( لعلكم تشكرون ) نعمه
27. ونزل في أبي لبابة مروان بن عبد المنذر وقد بعثه إلى بني قريظة لينزلوا على حكمه فاستشاروه فأشار إليهم أنه الذبح لأن عياله وماله فيهم ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول ) ولا ( وتخونوا أماناتكم ) ما ائتمنتم عليه من الدين وغيره ( وأنتم تعلمون )
28. ( واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ) لكم صادَّة عن أمور الآخرة ( وأن الله عنده أجر عظيم ) فلا تفوتوه بمراعاة الأموال والأولاد والخيانة لأجلهم ونزل في توبته
29. ( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله ) بالإنابة وغيرها ( يجعل لكم فرقاناً ) بينكم وبين ما تخافون فتنجون ( ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم ) ذنوبكم ( والله ذو الفضل العظيم )
30. ( و ) اذكر يا محمد ( إذ يمكر بك الذين كفروا ) وقد اجتمعوا للمشاورة في شأنك بدار الندوة ( ليثبتوك ) يوثقوك ويحبسوك ( أو يقتلوك ) كلهم قتلة رجل واحد ( أو يخرجوك ) من مكة ( ويمكرون ) بك ( ويمكر الله ) بهم بتدبير أمرك بأن أوحى إليك ما دبروه وأمرك بالخروج ( والله خير الماكرين ) أعلمهم به
31. ( وإذا تتلى عليهم آياتنا ) القرآن ( قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ) قاله النضر بن الحارث لأنه كان يأتي الحيرة يتجر فيشتري كتب أخبار الأعاجم ويحدث بها أهل مكة ( إن ) ما ( هذا ) القرآن ( إلا أساطير ) أكاذيب ( الأولين )
32. ( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا ) الذي يقرؤه محمد ( هو الحق ) المنزل ( من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) مؤلم على بصيرة وجزم ببطلانه
33. قال تعالى ( وما كان الله ليعذبهم ) بما سألوه ( وأنت فيهم ) لأن العذاب إذا نزل عمَّ ولم تعذب أمة إلا بعد خروج نبيها والمؤمنين منها ( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) حيث يقولون في طوافهم غفرانك غفرانك وقيل هم المؤمنون المستضعفون فيهم كما قال تعالى { لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما }
34. ( وما لهم أ ) ن ( لا يعذبهم الله ) بالسيف بعد خروجك والمستضعفين وعلى القول الأول هي ناسخة لما قبلها وقد عذبهم الله ببدر وغيره ( وهم يصدون ) يمنعون النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ( عن المسجد الحرام ) أن يطوفوا به ( وما كانوا أولياءه ) كما زعموا ( إن ) ما ( أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون ) أن لا ولاية لهم عليه
35. ( وما كان صلاتُهم عند البيت إلا مكاءً ) صفيراً ( وتصديةً ) تصفيقاً ، أي جعلوا ذلك موضع صلاتهم التي أمروا بها ( فذوقوا العذاب ) ببدر ( بما كنتم تكفرون )
36. ( إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ) في حرب النبي صلى الله عليه وسلم ( ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون ) في عاقبة الأمر ( عليهم حسرة ) ندامة لفواتها وفوات ما قصدوه ( ثم يغلبون ) في الدنيا ( والذين كفروا ) منهم ( إلى جهنم ) في الآخرة ( يحشرون ) يساقون
37. ( ليميز ) متعلق بتكون بالتخفيف والتشديد أي يفصل ( الله الخبيث ) الكافر ( من الطيب ) المؤمن ( ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً ) يجمعه متراكماً بعضه على بعض ( فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون )
38. ( قل للذين كفروا ) كأبي سفيان وأصحابه ( إن ينتهوا ) عن الكفر وقتال النبي صلى الله عليه وسلم ( يغفر لهم ما قد سلف ) من أعمالهم ( وإن يعودوا ) إلى قتاله ( فقد مضت سنة الأولين ) أي سنتنا فيهم بالهلاك فكذا نفعل بهم
39. ( وقاتلوهم حتى لا تكون ) توجد ( فتنة ) شرك ( ويكون الدين كله لله ) وحده ولا يعبد غيره ( فإن انتهوا ) عن الكفر ( فإن الله بما يعملون بصير ) فيجازيهم به
40. ( وإن تولوا ) عن الإيمان ( فاعلموا أن الله مولاكم ) ناصركم ومتولي أموركم ( نعم المولى ) هو ( ونعم النصير ) أي الناصر لكم
41. ( واعلموا أنما غنمتم ) أخذتم من الكفار قهراً ( من شيء فأن لله خمسه ) يأمر فيه بما يشاء ( وللرسول ولذي القربى ) قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب ( واليتامى ) أطفال المسلمين الذين هلك آباؤهم وهم فقراء ( والمساكين ) ذوي الحاجة من المسلمين ( وابن السبيل ) المنقطع في سفره من المسلمين ، أي يستحقه النبي صلى الله عليه وسلم والأصناف الأربعة على ما كان يقسمه من أن لكل خمس الخمس ، والأخماس الأربعة الباقية للغانمين ( إن كنتم آمنتم بالله ) فاعلموا ذلك ( وما ) عطف على بالله ( أنزلنا على عبدنا ) محمد صلى الله عليه وسلم من الملائكة والآيات ( يوم الفرقان ) أي يوم بدر الفارق بين الحق والباطل ( يوم التقى الجمعان ) المسلمون والكفار ( والله على كل شيء قدير ) ومنه نصركم مع قلتكم وكثرتهم
42. ( إذ ) بدل من يوم ( أنتم ) كائنون ( بالعُدوة الدنيا ) القربى من المدينة وهي بضم العين وكسرها جانب الوادي ( وهم بالعدوة القصوى ) البعدى منها ( والركب ) العير كائنون بمكان ( أسفل منكم ) مما يلي البحر ( ولو تواعدتم ) أنتم والنفير للقتال ( لاختلفتم في الميعاد ولكن ) جمعكم بغير ميعاد ( ليقضي الله أمراً كان مفعولا ) في علمه وهو نصر الإسلام ومحق الكفر فعل ذلك ( ليهلك ) يكفر ( من هلك عن بينة ) أي بعد حجة ظاهرة قامت عليه وهي نصر المؤمنين مع قلتهم على الجيش الكثير ( ويحيى ) يؤمن ( من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم )
43. ( إذ يريكهم الله في منامك ) أي نومك ( قليلاً ) فأخبرت به أصحابك فسروا ( ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ) اختلفتم ( ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلَّمـ ) ـكم من الفشل والتنازع ( إنه عليم بذات الصدور ) بما في القلوب
44. ( وإذ يريكموهم ) أيها المؤمنون ( إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ) نحو سبعين أو مائة وهم ألف لتُقدِموا عليهم ( ويقللكم في أعينهم ) ليقدموا ولا يرجعوا عن قتالهم وهذا قبل التحام الحرب فلما التحم أراهم إياكم مثليهم كما في آل عمران ( ليقضي الله أمراً كان مفعولاً وإلى الله ترجع الأمور )
45. ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة ) جماعة كافرة ( فاثبتوا ) لقتالهم ولا تنهزموا ( واذكروا الله كثيراً ) ادعوه بالنصر ( لعلكم تفلحون ) تفوزون
41. ( واعلموا أنما غنمتم ) أخذتم من الكفار قهراً ( من شيء فأن لله خمسه ) يأمر فيه بما يشاء ( وللرسول ولذي القربى ) قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب ( واليتامى ) أطفال المسلمين الذين هلك آباؤهم وهم فقراء ( والمساكين ) ذوي الحاجة من المسلمين ( وابن السبيل ) المنقطع في سفره من المسلمين ، أي يستحقه النبي صلى الله عليه وسلم والأصناف الأربعة على ما كان يقسمه من أن لكل خمس الخمس ، والأخماس الأربعة الباقية للغانمين ( إن كنتم آمنتم بالله ) فاعلموا ذلك ( وما ) عطف على بالله ( أنزلنا على عبدنا ) محمد صلى الله عليه وسلم من الملائكة والآيات ( يوم الفرقان ) أي يوم بدر الفارق بين الحق والباطل ( يوم التقى الجمعان ) المسلمون والكفار ( والله على كل شيء قدير ) ومنه نصركم مع قلتكم وكثرتهم
42. ( إذ ) بدل من يوم ( أنتم ) كائنون ( بالعُدوة الدنيا ) القربى من المدينة وهي بضم العين وكسرها جانب الوادي ( وهم بالعدوة القصوى ) البعدى منها ( والركب ) العير كائنون بمكان ( أسفل منكم ) مما يلي البحر ( ولو تواعدتم ) أنتم والنفير للقتال ( لاختلفتم في الميعاد ولكن ) جمعكم بغير ميعاد ( ليقضي الله أمراً كان مفعولا ) في علمه وهو نصر الإسلام ومحق الكفر فعل ذلك ( ليهلك ) يكفر ( من هلك عن بينة ) أي بعد حجة ظاهرة قامت عليه وهي نصر المؤمنين مع قلتهم على الجيش الكثير ( ويحيى ) يؤمن ( من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم )
43. ( إذ يريكهم الله في منامك ) أي نومك ( قليلاً ) فأخبرت به أصحابك فسروا ( ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ) اختلفتم ( ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلَّمـ ) ـكم من الفشل والتنازع ( إنه عليم بذات الصدور ) بما في القلوب
44. ( وإذ يريكموهم ) أيها المؤمنون ( إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ) نحو سبعين أو مائة وهم ألف لتُقدِموا عليهم ( ويقللكم في أعينهم ) ليقدموا ولا يرجعوا عن قتالهم وهذا قبل التحام الحرب فلما التحم أراهم إياكم مثليهم كما في آل عمران ( ليقضي الله أمراً كان مفعولاً وإلى الله ترجع الأمور )
45. ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة ) جماعة كافرة ( فاثبتوا ) لقتالهم ولا تنهزموا ( واذكروا الله كثيراً ) ادعوه بالنصر ( لعلكم تفلحون ) تفوزون
53. ( ذلك ) أي تعذيب الكفرة ( بأن ) أي بسبب أن ( الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم ) مبدلاً لها بالنقمة ( حتى يغيروا ما بأنفسهم ) يبدلوا نعمتهم كفراً كتبديل كفار مكة إطعامهم من جوع وأمنهم من خوف وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليهم بالكفر والصد عن سبيل الله وقتال المؤمنين ( وأن الله سميع عليم )
54. ( كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون ) قومه معه ( وكل ) من الأمم المكذبة ( كانوا ظالمين )
55. ونزل في قريظة ( إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون )
56. ( الذين عاهدت منهم ) أن لا يعينوا المشركين ( ثم ينقضون عهدهم في كل مرة ) عاهدوا فيها ( وهم لا يتقون ) الله في غدرهم
57. ( فإما ) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة ( تثقفنهم ) تجدنهم ( في الحرب فشرد ) فرق ( بهم من خلفهم ) من المحاربين بالتنكيل بهم والعقوبة ( لعلهم ) أي الذين خلفهم ( يذكرون ) يتعظون بهم
58. ( وإما تخافن من قوم ) عاهدوك ( خيانة ) في عهد بإمارة تلوح لك ( فانبذ ) اطرح عهدهم ( إليهم على سواء ) حال أي مستوياً أنت وهم في العلم بنقض العهد بأن تعلمهم به لئلا يتهموك بالغدر ( إن الله لا يحب الخائنين )
59. ونزل فيمن أفلت يوم بدر ( ولا تحسبن ) يا محمد ( الذين كفروا سبقوا ) الله أي فاتوه ( إنهم لا يعجزون ) لا يفوتونه ، وفي قراءة بالتحتانية فالمفعول الأول محذوف أي أنفسهم وفي أخرى بفتح إن على تقدير اللام
60. ( وأعدوا لهم ) لقتالهم ( ما استطعتم من قوة ) قال صلى الله عليه وسلم : « هي الرمي » رواه مسلم ( ومن رباط الخيل ) مصدر بمعنى حبسها في سبيل الله ( ترهبون ) تخوفون ( به عدو الله وعدوكم ) أي كفار مكة ( وآخرين من دونهم ) أي غيرهم وهم المنافقون أو اليهود ( لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم ) جزاؤه ( وأنتم لا تظلمون ) تنقصون منه شيئاً
61. ( وإن جنحوا ) مالوا ( للسِّلم ) بكسر السين وفتحها : الصلح ( فاجنح لها ) وعاهدهم ، وقال ابن عباس : هذا منسوخ بآية السيف وقال مجاهد مخصوص بأهل الكتاب إذ نزلت في بني قريظة ( وتوكل على الله ) ثق به ( إنه هو السميع ) للقول ( العليم ) بالفعل
70. ( يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسارى ) وفي قراءة : { الأسرى } ( إن يعلم الله في قلوبكم خيراً ) إيماناً وإخلاصاً ( يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ) من الفداء بأن يضعفه لكم في الدنيا ويثيبكم في الآخرة ( ويغفر لكم ) ذنوبكم ( والله غفور رحيم )
71. ( وإن يريدوا ) أي الأسرى ( خيانتك ) بما أظهروا من القول ( فقد خانوا الله من قبل ) قبل بدر بالكفر ( فأمكن منهم ) ببدر قتلاً وأسراً فليتوقعوا مثل ذلك إن عادوا ( والله عليم ) بخلقه ( حكيم ) في صنعه
72. ( إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ) وهم المهاجرون ( والذين آووا ) النبي صلى الله عليه وسلم ( ونصروا ) وهم الأنصار ( أولئك بعضهم أولياء بعض ) في النصرة والإرث ( والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من وِلايتهم ) بكسر الواو وفتحها ( من شيء ) فلا إرث بينكم وبينهم ولا نصيب لهم في الغنيمة ( حتى يهاجروا ) وهذا منسوخ بآخر السورة ( وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر ) لهم من الكفار ( إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ) عهد فلا تنصروهم عليهم وتنقضوا عهدهم ( والله بما تعملون بصير )
73. ( والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ) في النصرة والإرث فلا إرث بينكم وبينهم ( إلا تفعلوه ) أي تولي المسلمين وقمع الكفار ( تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) بقوة الكفر وضعف الإسلام
74. ( والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرةٌ ورزق كريم ) في الجنة
75. ( والذين آمنوا من بعد ) أي بعد السابقين إلى الإيمان والهجرة ( وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم ) أيها المهاجرون والأنصار ( وأولوا الأرحام ) ذوو القرابات ( بعضهم أولى ببعض ) في الإرث من التوراث في الإيمان والهجرة المذكورة في الآية السابقة ( في كتاب الله ) اللوح المحفوظ ( إن الله بكل شيء عليم ) ومنه حكمة الميراث
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
9. سورة التوبة
1. ( براءة من الله ورسوله ) واصلة ( إلى الذين عاهدتم من المشركين ) عهداً مطلقاً أو دون أربعة أشهر أو فوقها ونقض العهد بما يذكر في قوله
2. ( فسيحوا ) سيروا آمنين أيها المشركون ( في الأرض أربعة أشهر ) أولها شوال بدليل ما سيأتي ولا أمان لكم بعدها ( واعلموا أنكم غير معجزي الله ) أي فائتي عذابه ( وأن الله مخزي الكافرين ) مذلهم في الدنيا بالقتل والأخرى بالنار
3. ( وأذان ) إعلام ( من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر ) يوم النحر ( أن ) أي بأن ( الله بريء من المشركين ) وعهودهم ( ورسوله ) بريء أيضا « وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً من السنة وهي سنة تسع فأذن يوم النحر بمنى بهذه الآيات وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان » رواه البخاري ( فإن تبتم ) من الكفر ( فهو خير لكم وإن توليتم ) عن الإيمان ( فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر ) أخبر ( الذين كفروا بعذاب أليم ) مؤلم وهو القتل والأسر في الدنيا والنار في الآخرة
4. ( إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ) من شروط العهد ( ولم يظاهروا ) يعاونوا ( عليكم أحدا ) من الكفار ( فأتموا إليهم عهدهم إلى ) إنقضاء ( مدتهم ) التي عاهدتم عليها ( إن الله يحب المتقين ) بإتمام العهود
5. ( فإذا انسلخ ) خرج ( الأشهر الحرم ) وهي آخر مدة التأجيل ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) في حل أو حرم ( وخذوهم ) بالأسر ( واحصروهم ) في القلاع والحصون حتى يضطروا إلى القتل أو الإسلام ( واقعدوا لهم كل مرصد ) طريق يسلكونه ونصب كل على نزع الخافض ( فإن تابوا ) من الكفر ( وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) ولا تتعرضوا لهم ( إن الله غفور رحيم ) لمن تاب
6. ( وإن أحد من المشركين ) مرفوع بفعل يفسره ( استجارك ) استأمنك من القتل ( فأجره ) أمنه ( حتى يسمع كلام الله ) القرآن ( ثم أبلغه مأمنه ) وهو دار قومه إن لم يؤمن لينظر في أمره ( ذلك ) المذكور ( بأنهم قوم لا يعلمون ) دين الله فلا بد لهم من سماع القرآن ليعلموا
14. ( قاتلوهم يعذبهم الله ) يقتلهم ( بأيديكم ويخزهم ) يذلهم بالأسر والقهر ( وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ) بما فعل بهم بنو خزاعة
15. ( ويذهب غيظ قلوبهم ) كربها ( ويتوب الله على من يشاء ) بالرجوع إلى الإسلام كأبي سفيان ( والله عليم حكيم )
16. ( أم ) بمعنى همزة الإنكار ( حسبتم أن تتركوا ولما ) لم ( يعلم الله ) علم ظهور ( الذين جاهدوا منكم ) بإخلاص ( ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة ) بطانة وأولياء ، المعنى ولم يظهر المخلصون وهم الموصوفون بما ذكر من غيرهم ( والله خبير بما تعملون )
17. ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله ) بالإفراد والجمع بدخوله والقعود فيه ( شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت ) بطلت ( أعمالهم وفي النار هم خالدون )
18. ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش ) أحداً ( إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين )
19. ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ) أي أهل ذلك ( كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله ) في الفضل ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) الكافرين ، نزلت رداً على من قال ذلك وهو العباس أو غيره
20. ( الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة ) رتبة ( عند الله ) من غيرهم ( وأولئك هم الفائزون ) الظافرون بالخير
21. ( يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم ) دائم
22. ( خالدين ) حال مقدرة ( فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم )
23. ونزل فيمن ترك الهجرة لأجل أهله وتجارته ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا ) اختاروا ( الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون )
24. ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم ) أقرباؤكم وفي قراءة { عشيراتكم } ( وأموال اقترفتموها ) اكتسبتموها ( وتجارة تخشون كسادها ) عدم نفاذها ( ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله ) فقعدتم لأجله عن الهجرة والجهاد ( فتربصوا ) انتظروا ( حتى يأتي الله بأمره ) تهديد لهم ( والله لا يهدي القوم الفاسقين )
25. ( لقد نصركم الله في مواطن ) للحرب ( كثيرة ) كبدر وقريظة والنضير ( و ) اذكر ( يوم حنين ) واد بين مكة والطائف ، أي يوم قتالكم فيه هوازن وذلك في شوال سنة ثمان ( إذ ) بدل من يوم ( أعجبتكم كثرتكم ) فقلتم لن نغلب اليوم من قلة وكانوا اثني عشر ألفا والكفار أربعة آلاف ( فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ) ما مصدرية أي مع رحبها أي سمتها فلم تجدوا مكانا تطمئنون إليه لشدة ما لحقكم من الخوف ( ثم وليتم مدبرين ) منهزمين ، وثبت النبي صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء وليس معه غير العباس وأبو سفيان آخذ بركابه
26. ( ثم أنزل الله سكينته ) طمأنينته ( على رسوله وعلى المؤمنين ) فردوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما ناداهم العباس بإذنه وقاتلوا ( وأنزل جنوداً لم تروها ) ملائكة ( وعذب الذين كفروا ) بالقتل والأسر ( وذلك جزاء الكافرين )
27. ( ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء ) منهم بالإسلام ( والله غفور رحيم )
28. ( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس ) قذر لخبث باطنهم ( فلا يقربوا المسجد الحرام ) أي لا يدخلوا الحرم ( بعد عامهم هذا ) عام تسع من الهجرة ( وإن خفتم عَيْلة ) فقراً بانقطاع تجارتهم عنكم ( فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء ) وقد أغناهم بالفتوح والجزية ( إن الله عليم حكيم )
29. ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) وإلا لآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ( ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ) كالخمر ( ولا يدينون دين الحق ) الثابت الناسخ لغيره من الأديان وهو دين الإسلام ( من الذين ) بيان للذين ( أوتوا الكتاب ) أي اليهود والنصارى ( حتى يعطوا الجزية ) الخراج المضروب عليهم كل عام ( عن يد ) حال أي منقادين أو بأيديهم لا يوكلون بها ( وهم صاغرون ) أذلاء منقادون لحكم الإسلام
30. ( وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ) عيسى ( ابن الله ذلك قولهم بأفواههم ) لا مستند لهم عليه بل ( يضاهئون ) يشابهون به ( قول الذين كفروا من قبل ) من آبائهم تقليداً لهم ( قاتلهم ) لعنهم ( الله أنى ) كيف ( يؤفكون ) يُصرفون عن الحق مع قيام الدليل
31. ( اتخذوا أحبارهم ) علماء اليهود ( ورهبانهم ) عبَّاد النصارى ( أرباباً من دون الله ) حيث اتبعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل ( والمسيح ابن مريم وما أمروا ) في التوراة والإنجيل ( إلا ليعبدوا ) أي يعبدوا ( إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه ) تنزيهاً له ( عما يشركون )
32. ( يريدون أن يطفئوا نور الله ) شرعه وبراهينه ( بأفواههم ) بأقوالهم فيه ( ويأبى الله إلا أن يتم ) يظهر ( نوره ولو كره الكافرون ) ذلك
33. ( هو الذي أرسل رسوله ) محمداً صلى الله عليه وسلم ( بالهدى ودين الحق ليظهره ) يعليه ( على الدين كله ) جميع الأديان المخالفة له ( ولو كره المشركون ) ذلك
34. ( يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون ) يأخذون ( أموال الناس بالباطل ) كالرشا في الحكم ( ويصدون ) الناس ( عن سبيل الله ) دينه ( والذين ) مبتدأ ( يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها ) أي الكنوز ( في سبيل الله ) أي لا يؤدون منها حقه للزكاة والخير ( فبشرهم ) أخبرهم ( بعذاب أليم ) مؤلم
35. ( يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى ) تحرق ( بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ) وتوسع جلودهم حتى توضع عليها كلها ويقال لهم ( هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) أي جزاءه
36. ( إن عدة الشهور ) المعتد بها للسنة ( عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله ) اللوح المحفوظ ( يوم خلق السماوات والأرض منها ) أي الشهور ( أربعة حرم ) محرَّمة هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ( ذلك ) أي تحريمها ( الدين القيم ) المستقيم ( فلا تظلموا فيهن ) أي الأشهر الحرم ( أنفسكم ) بالمعاصي فإنها أعظم وزرا وقيل في الأشهر كلها ( وقاتلوا المشركين كافةً ) جميعا في كل الشهور ( كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين ) بالعون والنصر
37. ( إنما النسيء ) أي التأخير لحرمة شهر إلى آخره كما كانت الجاهلية تفعله من تأخير حرمة المحرم إذا حل وهم في القتال إلى صفر ( زيادة في الكفر ) لكفرهم بحكم الله فيه ( يُضل ) بضم الياء وفتحها ( به الذين كفروا يحلونه ) أي النسيء ( عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا ) يوافقوا بتحليل شهر وتحريم آخر بدله ( عدة ) عدد ( ما حرم الله ) من الأشهر فلا يزيدوا على تحريم أربعة ولا ينقصوا ولا ينظروا إلى أعيانها ( فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم ) فظنوه حسناً ( والله لا يهدي القوم الكافرين )
38. ونزل لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى غزوة تبوك وكانوا في عسرة وشدة وحر فشق عليهم ( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم ) بإدغام التاء في الأصل في المثلثة واجتلاب همزة الوصل أي تباطأتم وملتم عن الجهاد ( إلى الأرض ) والقعود فيها والاستفهام للتوبيخ ( أرضيتم بالحياة الدنيا ) ولذاتها ( من الآخرة ) أي بدل نعيمها ( فما متاع الحياة الدنيا في ) جنب متاع ( الآخرة إلا قليل ) حقير
39. ( إلا ) بإدغام لا في نون إن الشرطية في الموضعين ( تنفروا ) تخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم للجهاد ( يعذبكم عذاباً أليماً ) مؤلماً ( ويستبدل قوماً غيركم ) أي يأت بهم بدلكم ( ولا تضروه ) أي الله أو النبي صلى الله عليه وسلم ( شيئا ) بترك نصره فإن الله ناصر دينه ( والله على كل شيء قدير ) ومنه نصر دينه ونبيه
40. ( إلا تنصروه ) أي النبي صلى الله عليه وسلم ( فقد نصره الله إذ ) حين ( أخرجه الذين كفروا ) من مكة أي الجأوه إلى الخروج لما أرادوا قتله أو حبسه أو نفيه بدار الندوة ( ثاني اثنين ) حال أي أحد اثنين والآخر أبو بكر المعنى نصره الله في مثل تلك الحالة فلا يخذله في غيرها ( إذ ) بدل من إذ قبله ( هما في الغار ) نقب في جبل ثور ( إذ ) بدل ثان ( يقول لصاحبه ) أبي بكر وقد قال له لما رأى أقدام المشركين : لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا ( لا تحزن إن الله معنا ) بنصره ( فأنزل الله سكينته ) طمأنينته ( عليه ) قيل على النبي صلى الله عليه وسلم وقيل على أبي بكر ( وأيده ) أي النبي صلى الله عليه وسلم ( بجنود لم تروها ) ملائكة في الغار ومواطن قتاله ( وجعل كلمة الذين كفروا ) أي دعوة الشرك ( السفلى ) المغلوبة ( وكلمة الله ) أي كلمه الشهادة ( هي العليا ) الظاهرة الغالبة ( والله عزيز ) في ملكه ( حكيم ) في صنعه
41. ( انفروا خفافاً وثقالاً ) نشاطاً وغير نشاط وقيل أقوياء وضعفاء أو أغنياء وفقراء وهي منسوخة بآية { ليس على الضعفاء } ( وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) أنه خير لكم فلا تثاقلوا
42. ونزل في المنافقين الذين تخلفوا ( لو كان ) ما دعوتهم إليه ( عرضاً ) متاعاً من الدنيا ( قريباً ) سهل المأخذ ( وسفراً قاصداً ) وسطاً ( لاتبعوك ) طلباً للغنيمة ( ولكن بعدت عليهم الشقة ) المسافة فتخلفوا ( وسيحلفون بالله ) إذا رجعتم إليهم ( لو استطعنا ) الخروج ( لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم ) بالحلف الكاذب ( والله يعلم إنهم لكاذبون ) في قولهم ذلك
43. وكان صلى الله عليه وسلم أذن لجماعة في التخلف باجتهاد منه ، فنزل عتاباً له وقدم العفو تطميناً لقلبه ( عفا الله عنك لم أذنت لهم ) في التخلف وهلا تركتهم ( حتى يتبين لك الذين صدقوا ) في العذر ( وتعلم الكاذبين ) فيه
44. ( لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر ) في التخلف عن ( أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين )
45. ( إنما يستأذنك ) في التخلف ( الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت ) شكت ( قلوبهم ) في الدين ( فهم في ريبهم يترددون ) يتحيرون
46. ( ولو أرادوا الخروج ) معك ( لأعدوا له عدة ) أهبة من الآلة والزاد ( ولكن كره الله انبعاثهم ) أي لم يرد خروجهم ( فثبطهم ) كسلهم ( وقيل ) لهم ( اقعدوا مع القاعدين ) المرضى والنساء والصبيان ، أي قدَّر الله تعالى ذلك
47. ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ) فساداً بتخذيل المؤمنين ( ولأوضعوا خلالكم ) أي أسرعوا بينكم بالمشي بالنميمة ( يبغونكم ) يطلبون لكم ( الفتنة ) بإلقاء العداوة ( وفيكم سمَّاعون لهم ) ما يقولون سماع قبول ( والله عليم بالظالمين )
48. ( لقد ابتغوا ) لك ( الفتنة من قبل ) أول ما قدمت المدينة ( وقلَّبوا لك الأمور ) أي أجالوا الفكر في كيدك وإبطال دينك ( حتى جاء الحق ) النصر ( وظهر ) عن ( أمر الله ) دينه ( وهم كارهون ) له فدخلوا فيه ظاهراً
49. ( ومنهم من يقول ائذن لي ) في التخلف ( ولا تفتني ) وهو الجد بن قيس قال له النبي صلى الله عليه وسلم : « هل لك في جلاد بني الأصفر ؟ » فقال إني مغرم بالنساء وأخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر عنهن فافتتن ، قال تعالى ( ألا في الفتنة سقطوا ) بالتخلف ، وقرئ سقط ( وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) لا محيص لهم عنها
50. ( إن تصبك حسنةٌ ) كنصر وغنيمة ( تسؤهم وإن تصبك مصيبةٌ ) شدة ( يقولوا قد أخذنا أمرنا ) بالحزم حين تخلفنا ( من قبل ) قبل هذه المعصية ( ويتولوا وهم فرحون ) بما أصابك
51. ( قل ) لهم ( لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ) إصابة ( هو مولانا ) ناصرنا ومتولي أمورنا ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون )
52. ( قل هل تربَّصون ) فيه حذف إحدى التاءين من الأصل أي تنتظرون أي يقع ( بنا إلا إحدى ) العاقبتين ( الحسنيين ) تثنية حسنى ، تأنيث أحسن النصر أو الشهادة ( ونحن نتربص ) ننتظر ( بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده ) بقارعة من السماء ( أو بأيدينا ) بأن يؤذن لنا في قتالكم ( فتربصوا ) بنا ذلك ( إنا معكم متربصون ) عاقبتكم
53. ( قل أنفقوا ) في طاعة الله ( طوعاً أو كرهاً لن يتقبل منكم ) ما أنفقتموه ( إنكم كنتم قوماً فاسقين ) والأمر هنا بمعنى الخبر
54. ( وما منعهم أن تقبل ) بالياء والتاء ( منهم نفقاتهم إلا أنهم ) فاعلٌ ، وأن تقبل مفعول ( كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ) متثاقلون ( ولا ينفقون إلا وهم كارهون ) النفقة لأنهم يعدونها مغرماً
55. ( فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم ) أي لا تستحسن نعمنا عليهم فهي استدراج ( إنما يريد الله ليعذبهم ) أي أن يعذبهم ( بها في الحياة الدنيا ) بما يلقون في جمعها من المشقة وفيها من المصائب ( وتزهق ) تخرج ( أنفسهم وهم كافرون ) فيعذبهم في الآخرة أشد العذاب
56. ( ويحلفون بالله إنهم لمنكم ) أي مؤمنون ( وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون ) يخافون أن تفعلوا بهم كالمشركين فيحلفون تقية
57. ( لو يجدون ملجأ ) يلجأون إليه ( أو مغارات ) سراديب ( أو مدخلاً ) موضعاً يدخلونه ( لولوا إليه وهم يجمحون ) يسرعون في دخوله والانصراف عنكم إسراعاً لا يرده شيء كالفرس الجموع
58. ( ومنهم من يلمزك ) يعيبك ( في ) قسم ( الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون )
59. ( ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله ) من الغنائم ونحوها ( وقالوا حسبنا ) كافينا ( الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله ) من غنيمة أخرى ما يكفينا ( إنا إلى الله راغبون ) أن يغنينا ، وجواب لو لكان خيرا لهم
60. ( إنما الصدقات ) الزكوات مصروفة ( للفقراء ) الذين لا يجدون ما يقع موقعاً من كفايتهم ( والمساكين ) الذين لا يجدون ما يكفيهم ( والعاملين عليها ) أي الصدقات من جاب وقاسم وكاتب وحاشر ( والمؤلفة قلوبهم ) ليسلموا أو يثبت إسلامهم أو يسلم نظراؤهم أو يذبوا عن المسلمين أقسام الأول والأخير لا يعطيان اليوم عند الشافعي رضي الله تعالى عنه لعز الإسلام بخلاف الآخرين فيعطيان على الأصح ( وفي ) فك ( الرقاب ) أي المكاتبين ( والغارمين ) أهل الدَّين إن استدانوا لغير معصية أو تابوا وليس لهم وفاء أو لإصلاح ذات البين ولو أغنياء ( وفي سبيل الله ) أي القائمين بالجهاد ممن لا فيء لهم ولو أغنياء ( وابن السبيل ) المنقطع في سفره ( فريضة ) نصب بفعله المقدر ( من الله والله عليم ) بخلقه ( حكيم ) في صنعه فلا يجوز صرفها لغير هؤلاء ولا منع صنف منهم إذا وجد فيقسمها الإمام عليهم السواء وله تفضيل بعض آحاد الصنف على بعض وأفادت اللام وجوب استغراق أفراده لكن لا يجب على صاحب المال إذا قسم لعسره بل يكفي إعطاء ثلاثة من كل صنف ولا يكفي دونها كما أفادته صيغة الجمع وبينت السنة أن شرط المعطى منها الإسلام وأن لا يكون هاشمياً ولا مطلبياً
61. ( ومنهم ) أي المنافقين ( الذين يؤذون النبي ) بعيبه وبنقل حديثه ( ويقولون ) إذا نهوا عن ذلك لئلا يبلغه ( هو أذن ) أي يسمع كل قيل ويقبله فإذا حلفنا له أنا لم نقل صدقنا ( قل ) هو ( أذُن ) مستمع ( خير لكم ) لا مستمع شر ( يؤمن بالله ويؤمن ) يصدق ( للمؤمنين ) فيما أخبروه به لا لغيرهم واللام زائدة للفرق بين إيمان التسليم وغيره ( ورحمة ) بالرفع عطفاً على أذن والجر عطفاً على خير ( للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم )
62. ( يحلفون بالله لكم ) أيها المؤمنون فيما بلغكم عنهم من أذى الرسول أنهم ما أتوه ( ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه ) بالطاعة ( إن كانوا مؤمنين ) حقاً وتوحيد الضمير لتلازم الرضاءين وخبر الله أو رسوله محذوف
63. ( ألم يعلموا أنه ) أي الشأن ( من يحادد ) يشاقق ( الله ورسوله فأن له نار جهنم ) جزاء ( خالدا فيها ذلك الخزي العظيم )
64. ( يحذر ) يخاف ( المنافقون أن تنزل عليهم ) أي المؤمنين ( سورة تنبئهم بما في قلوبهم ) من النفاق وهم مع ذلك يستهزئون ( قل استهزئوا ) أمر تهديد ( إن الله مخرج ) مظهر ( ما تحذرون ) إخراجه من نفاقكم
65. ( ولئن ) لام القسم ( سألتهم ) عن استهزائهم بك والقرآن وهم سائرون معك إلى تبوك ( ليقولن ) معتذرين ( إنما كنا نخوض ونلعب ) في الحديث لنقطع به الطريق ولم نقصد ذلك ( قل ) لهم ( أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون )
66. ( لا تعتذروا ) عنه ( قد كفرتم بعد إيمانكم ) أي ظهر كفركم بعد إظهار الإيمان ( إن نعف ) بالياء مبنياً للمفعول والنون مبنياً للفاعل ( عن طائفة منكم ) بإخلاصها وتوبتها كجحش بن حمير ( نعذب ) بالتاء والنون ( طائفة بأنهم كانوا مجرمين ) مصرين على النفاق والاستهزاء
67. ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ) أي متشابهون في الدين كأبعاض الشيء الواحد ( يأمرون بالمنكر ) الكفر والمعاصي ( وينهون عن المعروف ) الإيمان والطاعة ( ويقبضون أيديهم ) عن الإنفاق في الطاعة ( نسوا الله ) تركوا طاعته ( فنسيهم ) تركهم من لطفه ( إن المنافقين هم الفاسقون )
68. ( وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ) جزاءً وعقاباً ( ولعنهم الله ) أبعدهم عن رحمته ( ولهم عذاب مقيم ) دائم
69. أنتم أيها المنافقون ( كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوةً وأكثر أموالاً وأولاداً فاستمتعوا ) تمتعوا ( بخلاقهم ) نصيبهم من الدنيا ( فاستمتعتم ) أيها المنافقون ( بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم ) في الباطل والطعن في النبي صلى الله عليه وسلم ( كالذي خاضوا ) أي كخوضهم ( أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون )
70. ( ألم يأتهم نبأ ) خبر ( الذين من قبلهم قوم نوح وعاد ) قوم هود ( وثمود ) قوم صالح ( وقوم إبراهيم وأصحاب مدين ) قوم شعيب ( والمؤتفكات ) قرى قوم لوط أي أهلها ( أتتهم رسلهم بالبينات ) بالمعجزات فكذبوهم فأهلكوا ( فما كان الله ليظلمهم ) بأن يعذبهم بغير ذنب ( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) بارتكاب الذنب
71. ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز ) لا يعجزه شيء عن إنجاز وعده ووعيده ( حكيم ) لا يضع شيئا إلا في محله
72. ( وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ) إقامة ( ورضوان من الله أكبر ) أعظم من ذلك كله ( ذلك هو الفوز العظيم )
73. ( يا أيها النبي جاهد الكفار ) بالسيف ( والمنافقين ) باللسان والحجة ( واغلظ عليهم ) بالانتهار والمقت ( ومأواهم جهنم وبئس المصير ) المرجع هي
74. ( يحلفون ) أي المنافقين ( بالله ما قالوا ) ما بلغك عنهم من السب ( ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم ) أظهروا الكفر بعد إظهار الإسلام ( وهموا بما لم ينالوا ) من الفتك بالنبي ليلة العقبة عند عوده من تبوك وهم بضعة عشر رجلاً فضرب عمار بن ياسر وجوه الرواحل لما غشوه فردوا ( وما نقموا ) أنكروا ( إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله ) بالغنائم بعد شدة حاجتهم والمعنى لم ينلهم منه إلا هذا وليس مما ينقم ( فإن يتوبوا ) عن النفاق ويؤمنوا بك ( يك خيرا لهم وإن يتولوا ) عن الإيمان ( يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا ) بالقتل ( والآخرة ) بالنار ( وما لهم في الأرض من ولي ) يحفظهم منه ( ولا نصير ) يمنعهم
75. ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصَّدَّقن ) فيه إدغام التاء في الأصل في الصاد ( ولنكوننَّ من الصالحين ) وهو ثعلبة بن حاطب ، سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له أن يرزقه الله مالا ويؤدي منه إلى كل ذي حق حقه فدعا له فوسع عليه فانقطع عن الجمعة والجماعة ومنع الزكاة كما قال تعالى :
76. ( فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا ) عن طاعة الله ( وهم معرضون )
77. ( فأعقبهم ) أي فصيَّر عاقبتهم ( نفاقاً ) ثابتاً ( في قلوبهم إلى يوم يلقونه ) أي الله وهو يوم القيامة ( بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ) فيه فجاء بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم بركاته فقال إن الله منعني أن أقبل منك فجعل يحثو التراب على رأسه ، ثم جاء إلى أبي بكر فلم يقبلها ، ثم إلى عمر فلم يقبلها ثم إلى عثمان فلم يقبلها ومات في زمانه
78. ( ألم يعلموا ) أي المنافقين ( أن الله يعلم سرهم ) ما أسروه في أنفسهم ( ونجواهم ) ما تناجوا به بينهم ( وأن الله علام الغيوب ) ما غاب عن العيان ولما نزلت آية الصدقة جاء رجل فتصدق بشيء كثير فقال المنافقون مراء ، وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا إن الله غني عن صدقة هذا فنزل
79. ( الذين ) مبتدأ ( يلمزون ) يعيبون ( المطوعين ) المتنفلين ( من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم ) طاقتهم فيأتون به ( فيسخرون منهم ) والخبر ( سخر الله منهم ) جازاهم على سخريتهم ( ولهم عذاب أليم )
80. ( استغفر ) يا محمد ( لهم أو لا تستغفر لهم ) تخيير له في الاستغفار وتركه قال صلى الله عليه وسلم : « إني خيرت فاخترت يعني الاستغفار » رواه البخاري ( إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ) قيل المراد بالسبعين المبالغة في كثرة الاستغفار وفي البخاري حديث « لو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر لزدت عليها » وقيل المراد العدد المخصوص لحديثه أيضاً « وسأزيد على السبعين » فبين له حسم المغفرة بآية { سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم } ( ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين )
81. ( فرح المخلفون ) عن تبوك ( بمقعدهم ) أي بقعودهم ( خلاف ) أي بعد ( رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا ) أي قال بعضهم لبعض ( لا تنفروا ) تخرجوا إلى الجهاد ( في الحر قل نار جهنم أشد حراً ) من تبوك فالأولى أن يتقوها بترك التخلف ( لو كانوا يفقهون ) يعلمون ذلك ما تخلفوا
82. ( فليضحكوا قليلاً ) في الدنيا ( وليبكوا ) في الآخرة ( كثيراً جزاءً بما كانوا يكسبون ) خبر عن حالهم بصيغة الأمر
83. ( فإن رجعك ) ردك ( الله ) من تبوك ( إلى طائفة منهم ) ممن تخلف بالمدينة من المنافقين ( فاستأذنوك للخروج ) معك إلى غزوة أخرى ( فقل ) لهم ( لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدواً إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين ) المتخلفين عن الغزو من النساء والصبيان وغيرهم
84. ولما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على ابن أُبَيِّ نزل ( ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره ) لدفن أو زيارة ( إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ) كافرون
85. ( ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق ) تخرج ( أنفسهم وهم كافرون )
86. ( وإذا أنزلت سورة ) أي طائفة من القرآن ( أن ) أي بأن ( آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول ) ذوو الغنى ( منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين )
87. ( رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ) جمع خالفة أي النساء اللاتي تخلفهن في البيوت ( وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ) الخبر
88. ( لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات ) في الدنيا والآخرة ( وأولئك هم المفلحون ) أي الفائزون
89. ( أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم )
90. ( وجاء المعذَّرون ) بإدغام التاء في الأصل في الذال أي المعتذرون بمعنى المعذروين وقرئ به ( من الأعراب ) إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( ليؤذن لهم ) في القعود لعذرهم فأذن لهم ( وقعد الذين كذبوا الله ورسوله ) في ادعاء الإيمان من منافقي الأعراب عن المجيء للاعتذار ( سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم )
91. ( ليس على الضعفاء ) كالشيوخ ( ولا على المرضى ) كالعمي والزَّمنى ( ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون ) في الجهاد ( حرج ) إثم في التخلف عنه ( إذا نصحوا لله ورسوله ) في حال قعودهم بعدم الإرجاف والتثبيط والطاعة ( ما على المحسنين ) بذلك ( من سبيل ) طريق بالمؤاخذة ( والله غفور ) لهم ( رحيم ) بهم في التوسعة في ذلك
92. ( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم ) معك إلى الغزو وهم سبعة من الأنصار وقيل بنو مُقَرِّن ( قلت لا أجد ما أحملكم عليه ) حال ( تولَّوا ) جواب إذا أي انصرفوا ( وأعينهم تفيض ) تسيل ( من ) للبيان ( الدمع حزَناً ) لأجل ( ألا يجدوا ما ينفقون ) في الجهاد
93. ( إنما السبيل على الذين يستأذنونك ) في التخلف ( وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون ) تقدم مثله
94. ( يعتذرون إليكم ) في التخلف ( إذا رجعتم إليهم ) من الغزو ( قل ) لهم ( لا تعتذروا لن نؤمن لكم ) نصدقكم ( قد نبأنا الله من أخباركم ) أي أخبرنا بأحوالكم ( وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون ) بالبعث ( إلى عالم الغيب والشهادة ) أي الله ( فينبئكم بما كنتم تعملون ) فيجازيكم عليه
95. ( سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم ) رجعتم ( إليهم ) من تبوك أنهم معذورون في التخلف ( لتعرضوا عنهم ) بترك المعاتبة ( فأعرضوا عنهم إنهم رجس ) قذر لخبث باطنهم ( ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون )
96. ( يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ) أي عنهم ولا ينفع رضاكم مع سخط الله
97. ( الأعراب ) أهل البدو ( أشد كفراً ونفاقاً ) من أهل المدن لجفائهم وغلظ طباعهم وبعدهم عن سماع القرآن ( وأجدر ) أولى ( ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله ) من الأحكام والشرائع ( والله عليم ) بخلقه ( حكيم ) في صنعه بهم
98. ( ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق ) في سبيل الله ( مغرماً ) غرامةً وخسراناً لأنه لا يرجو ثوابه بل ينفقه خوفاً وهم بنو أسد وغطفان ( ويتربص ) ينتظر ( بكم الدوائر ) دوائر الزمان أن تنقلب عليكم فيتخلص ( عليهم دائرة السَّوء ) بالضم الفتح ، أي يدور العذاب والهلاك عليهم لا عليكم ( والله سميع ) لأقوال عباده ( عليم ) بأفعالهم
99. ( ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ) كجهينة ومزينة ( ويتخذ ما ينفق ) في سبيل الله ( قربات ) تقربه ( عند الله و ) وسيلة إلى ( صلوات ) دعوات ( الرسول ) له ( ألا إنها ) أي نفقتهم ( قُرُبة ) بضم الراء وسكونها ( لهم ) عنده ( سيدخلهم الله في رحمته ) جنته ( إن الله غفور ) لأهل طاعته ( رحيم ) بهم
100. ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ) وهم من شهد بدراً أو جميع الصحابة ( والذين اتبعوهم ) إلى يوم القيامة ( بإحسان ) في العمل ( رضي الله عنهم ) بطاعته ( ورضوا عنه ) بثوابه ( وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار ) وفي قراءةٍ بزيادة { من } ( خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم )
101. ( وممن حولكم ) يا أهل المدينة ( من الأعراب منافقون ) كأسلم وأشجع وغفار ( ومن أهل المدينة ) منافقون أيضا ( مردوا على النفاق ) لجُّوا فيه واستمروا ( لا تعلمهم ) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ( نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ) بالفضيحة أو القتل في الدنيا وعذاب القبر ( ثم يردون ) في الآخرة ( إلى عذاب عظيم ) هو النار
102. ( و ) قوم ( آخرون ) مبتدأ ( اعترفوا بذنوبهم ) من التخلف نعته والخبر ( خلطوا عملاً صالحاً ) وهو جهادهم قبل ذلك أو اعترافهم بذنوبهم أو غير ذلك ( وآخر سيئاً ) وهو تخلفهم ( عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم ) نزلت في أبي لبابة وجماعة أوثقوا أنفسهم في سواري المسجد لما بلغهم ما نزل في المتخلفين وحلفوا لا يحلهم إلا النبي صلى الله عليه وسلم فحلهم لما نزلت
103. ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) من ذنوبهم فأخذ ثلث أموالهم وتصدق بها ( وصل عليهم ) أي ادع لهم ( إن صلاتك سكن ) رحمة ( لهم ) وقيل طمأنينة بقبول توبتهم ( والله سميع عليم )
104. ( ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ ) يقبل ( الصدقات وأن الله هو التواب ) على عباده بقبول توبتهم ( الرحيم ) بهم ، والاستفهام للتقرير والقصد به هو تهييجهم إلى التوبة والصدقة
105. ( وقل ) لهم أو للناس ( اعملوا ) ما شئتم ( فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون ) بالبعث ( إلى عالم الغيب والشهادة ) أي الله ( فينبئكم بما كنتم تعملون ) يجازيكم به
106. ( وآخرون ) من المتخلفين ( مُرْجَؤون ) بالهمز وتركه مؤخرون عن التوبة ( لأمر الله ) فيهم بما شاء ( إما يعذبهم ) بأن يميتهم بلا توبة ( وإما يتوب عليهم والله عليم ) بخلقه ( حكيم ) في صنعه بهم ، وهم الثلاثة الآتون بعد مرارة بن الربيع وكعب بن مالك وهلال بن أمية تخلفوا كسلاً وميلاً إلى الدعة لا نفاقاً ولم يعتذروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كغيرهم فوقف أمرهم خمسين ليلة وهجرهم الناس حتى نزلت توبتهم بعد
107. ( و ) منهم ( الذين اتخذوا مسجداً ) وهم اثنا عشر من المنافقين ( ضراراً ) مضارة لأهل مسجد قباء ( وكفراً ) لأنهم بنوه بأمر أبي عامر الراهب ليكون معقلاً له يقدم فيه من يأتي من عنده وكان ذهب ليأتي بجنود من قيصر لقتال النبي صلى الله عليه وسلم ( وتفريقاً بين المؤمنين ) الذين يصلون بقباء بصلاة بعضهم في مسجدهم ( وإرصاداً ) ترقباً ( لمن حارب الله ورسوله من قبل ) أي قبل بنائه وهو أبو عامر المذكور ( وليحلفن إن ) ما ( أردنا ) ببنائه ( إلا ) الفعلة ( الحسنى ) من الرفق بالمسكين في المطر والحر والتوسعة على المسلمين ( والله يشهد إنهم لكاذبون ) في ذلك ، وكانوا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أي يصلي فيه فنزل
108. ( لا تقم ) تصل ( فيه أبداً ) فأرسل جماعة هدموه وحرقوه وجعلوا مكانه كناسة تلقى فيها الجيف ( لمسجد أسس ) بنيت قواعده ( على التقوى من أول يوم ) وضع يوم حللت بدار الهجرة ، وهو مسجد قباء كما في البخاري ( أحق ) منه ( أن ) أي بأن ( تقوم ) تصلي ( فيه فيه رجال ) هم الأنصار ( يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ) أي يثيبهم ، فيه إدغام التاء في الأصل في الطاء ، روى ابن خزيمة في صحيحه عن عويمر بن ساعدة أنه صلى الله عليه وسلم أتاهم في مسجد قباء فقال : إن الله تعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم فما هذا الطهور الذي تطهرون به ، قالوا : والله يا رسول الله ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود وكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا وفي حديث رواه البزار فقالوا : نتبع الحجارة بالماء فقال : هو ذاك فعليكموه
109. ( أفمن أسس بنيانه على تقوى ) مخافة ( من الله و ) رجاء ( رضوان ) منه ( خير أم من أسس بنيانه على شفا ) طرف ( جُرُف ) بضم الراء وسكونها جانب ( هار ) مشرف على السقوط ( فانهار به ) سقط مع بانيه ( في نار جهنم ) خير تمثيل للبناء على ضد التقوى بما يؤول إليه والاستفهام للتقرير ، أي الأول خير وهو مثال مسجد قباء والثاني مثال مسجد الضرار ( والله لا يهدي القوم الظالمين )
110. ( لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة ) شكَّا ( في قلوبهم إلا أن تقطع ) تنفصل ( قلوبهم ) بأن يموتوا ( والله عليم ) بخلقه ( حكيم ) في صنعه بهم
111. ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ) بأن يبذلوها في طاعته كالجهاد ( بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون ) جملة استئناف بيان للشراء ، وفي قراءة بتقديم المبني للمفعول أي فيُقتل بعضهم ويقاتل الباقي ( وعداً عليه حقاً ) مصدران منصوبان بفعلهما المحذوف ( في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله ) أي لا أحد أوفى منه ( فاستبشروا ) فيه التفاتٌ عن الغيبة ( ببيعكم الذي بايعتم به وذلك ) البيع ( هو الفوز العظيم ) المنيل غاية المطلوب
112. ( التائبون ) رفع على المدح بتقدير مبتدأ من الشرك والنفاق ( العابدون ) المخلصون العبادة لله ( الحامدون ) له على كل حال ( السائحون ) الصائمون ( الراكعون الساجدون ) أي المصلون ( الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله ) لأحكامه بالعمل بها ( وبشر المؤمنين ) بالجنة
113. ونزل في استغفاره صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب واستغفار بعض الصحابة لأبويه المشركين ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى ) ذوي قرابة ( من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) النار بأن ماتوا على الكفر
114. ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه ) بقوله : سأستغفر لك ربي ، رجاءَ أن يسلم ( فلما تبين له أنه عدو لله ) بموته على الكفر ( تبرأ منه ) وترك الاستغفار له ( إن إبراهيم لأوَّاه ) كثير التضرع والدعاء ( حليم ) صبور على الأذى
115. ( وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم ) للإسلام ( حتى يبين لهم ما يتقون ) من العمل فلا يتقوه فيستحقوا الإضلال ( إن الله بكل شيء عليم ) ومنه مستحق الإضلال والهداية
116. ( إن الله له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وما لكم ) أيها الناس ( من دون الله ) أي غيره ( من ولي ) يحفظكم منه ( ولا نصير ) يمنعكم من ضرره
117. ( لقد تاب الله ) أي أدام توبته ( على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة ) أي وقتها وهي حالهم في غزوة تبوك كان الرجلان يقتسمان تمرة والعشرة يعتقبون البعير الواحد ، واشتد الحرب حتى شربوا الفَرث ( من بعد ما كاد يزيغ ) بالياء والتاء تميل ( قلوب فريق منهم ) عن اتباعه إلى التخلف لما هم فيه من الشدة ( ثم تاب عليهم ) بالثبات ( إنه بهم رؤوف رحيم )
118. ( و ) تاب ( على الثلاثة الذين خلفوا ) عن التوبة عليهم بقرينة ( حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ) أي مع رحبها ، أي سعتها فلا يجدون مكانا يطمئنون إليه ( وضاقت عليهم أنفسهم ) قلوبهم للغم والوحشة بتأخير توبتهم فلا يسعها سرور ولا أنس ( وظنُّوا ) أيقنوا ( أن ) مخففة ( لا ملجأَ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ) وفقهم للتوبة ( ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم )
119. ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ) بترك معاصيه ( وكونوا مع الصادقين ) في الإيمان والعهود بأن تلزموا الصدق
120. ( ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ) إذا غزا ( ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ) بأن يصونوها عما رضيه لنفسه من الشدائد ، وهو نهي بلفظ الخبر ( ذلك ) النهي عن التخلف ( بأنهم ) بسبب أنهم ( لا يصيبهم ظمأ ) عطش ( ولا نصب ) تعب ( ولا مخمصة ) جوع ( في سبيل الله ولا يطؤون موطئا ) مصدر بمعنى وطأ ( يغيظ ) يغضب ( الكفار ولا ينالون من عدو ) لله ( نيلاً ) قتلاً أو أسراً أو نهباً ( إلا كتب لهم به عمل صالح ) ليجازوا عليه ( إن الله لا يضيع أجر المحسنين ) أي أجرهم بل يثيبهم
121. ( ولا ينفقون ) فيه ( نفقة صغيرة ) ولو تمرة ( ولا كبيرة ولا يقطعون وادياً ) بالسير ( إلا كتب لهم ) به عمل صالح ( ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون ) أي جزاءهم
122. ولما وُبِّخوا على التخلف وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم سرية نفروا جميعا فنزل : ( وما كان المؤمنون لينفروا ) إلى الغزو ( كافة فلولا ) فهلا ( نفر من كل فرقة ) قبيلة ( منهم طائفة ) جماعة ، ومكث الباقون ( ليتفقهوا ) أي الماكثون ( في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ) من الغزو بتعليمهم ما تعلموه من الأحكام ( لعلهم يحذرون ) عقاب الله بامتثال أمره ونهيه ، قال ابن عباس فهذه مخصوصة بالسرايا ، والتي قبلها بالنهي عن تخلف واحد فيما إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم
123. ( يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ) أي الأقرب فالأقرب منهم ( وليجدوا فيكم غلظة ) شدة أي أغلظوا عليهم ( واعلموا أن الله مع المتقين ) بالعون والنصر
124. ( وإذا ما أنزلت سورة ) من القرآن ( فمنهم ) أي المنافقين ( من يقول ) لأصحابه استهزاء ( أيكم زادته هذه إيماناً ) تصديقاً ، قال تعالى ( فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً ) لتصديقهم بها ( وهم يستبشرون ) يفرحون بها
125. ( وأما الذين في قلوبهم مرض ) ضعف اعتقاد ( فزادتهم رجسا إلى رجسهم ) كفراً إلى كفرهم لكفرهم بها ( وماتوا وهم كافرون )
126. ( أولا يرون أنهم ) بالياء أي المنافقون والتاء أيها المؤمنون ( يفتنون في ) يبتلون ( كل عام مرة أو مرتين ثم ) بالقحط والأمراض ( لا يتوبون ) من نفاقهم ( ولا هم يذكرون ) يتعظون
127. ( وإذا ما أنزلت سورة ) فيها ذكرهم وقرأها النبي صلى الله عليه وسلم ( نظر بعضهم إلى بعض ) يريدون الهرب يقولون ( هل يراكم من أحد ) إذا قمتم فإن لم يرهم أحد قاموا وإلا ثبتوا ( ثم انصرفوا ) على كفرهم ( صرف الله قلوبهم ) عن الهدى ( بأنهم قوم لا يفقهون ) الحق لعدم تدبرهم
128. ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) أي منكم : محمد صلى الله عليه وسلم ( عزيز ) شديد ( عليه ما عنتم ) أي عنتكم أي مشقتكم ولقاؤكم المكروه ( حريص عليكم ) أن تهتدوا ( بالمؤمنين رؤوف ) شديد الرحمة ( رحيم ) يريد لهم الخير
129. ( فإن تولوا ) عن الإيمان بك ( فقل حسبي ) كافيّ ( الله لا إله إلا هو عليه توكلت ) به وثقت لا بغيره ( وهو رب العرش ) الكرسي ( العظيم ) خصه بالذكر لأنه أعظم المخلوقات ، وروى الحاكم في المستدرك عن أبي بن كعب قال : آخر آية نزلت { لقد جاءكم رسول } إلى آخر السورة
1. ( براءة من الله ورسوله ) واصلة ( إلى الذين عاهدتم من المشركين ) عهداً مطلقاً أو دون أربعة أشهر أو فوقها ونقض العهد بما يذكر في قوله
2. ( فسيحوا ) سيروا آمنين أيها المشركون ( في الأرض أربعة أشهر ) أولها شوال بدليل ما سيأتي ولا أمان لكم بعدها ( واعلموا أنكم غير معجزي الله ) أي فائتي عذابه ( وأن الله مخزي الكافرين ) مذلهم في الدنيا بالقتل والأخرى بالنار
3. ( وأذان ) إعلام ( من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر ) يوم النحر ( أن ) أي بأن ( الله بريء من المشركين ) وعهودهم ( ورسوله ) بريء أيضا « وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم علياً من السنة وهي سنة تسع فأذن يوم النحر بمنى بهذه الآيات وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان » رواه البخاري ( فإن تبتم ) من الكفر ( فهو خير لكم وإن توليتم ) عن الإيمان ( فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر ) أخبر ( الذين كفروا بعذاب أليم ) مؤلم وهو القتل والأسر في الدنيا والنار في الآخرة
4. ( إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ) من شروط العهد ( ولم يظاهروا ) يعاونوا ( عليكم أحدا ) من الكفار ( فأتموا إليهم عهدهم إلى ) إنقضاء ( مدتهم ) التي عاهدتم عليها ( إن الله يحب المتقين ) بإتمام العهود
5. ( فإذا انسلخ ) خرج ( الأشهر الحرم ) وهي آخر مدة التأجيل ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) في حل أو حرم ( وخذوهم ) بالأسر ( واحصروهم ) في القلاع والحصون حتى يضطروا إلى القتل أو الإسلام ( واقعدوا لهم كل مرصد ) طريق يسلكونه ونصب كل على نزع الخافض ( فإن تابوا ) من الكفر ( وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) ولا تتعرضوا لهم ( إن الله غفور رحيم ) لمن تاب
6. ( وإن أحد من المشركين ) مرفوع بفعل يفسره ( استجارك ) استأمنك من القتل ( فأجره ) أمنه ( حتى يسمع كلام الله ) القرآن ( ثم أبلغه مأمنه ) وهو دار قومه إن لم يؤمن لينظر في أمره ( ذلك ) المذكور ( بأنهم قوم لا يعلمون ) دين الله فلا بد لهم من سماع القرآن ليعلموا
14. ( قاتلوهم يعذبهم الله ) يقتلهم ( بأيديكم ويخزهم ) يذلهم بالأسر والقهر ( وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ) بما فعل بهم بنو خزاعة
15. ( ويذهب غيظ قلوبهم ) كربها ( ويتوب الله على من يشاء ) بالرجوع إلى الإسلام كأبي سفيان ( والله عليم حكيم )
16. ( أم ) بمعنى همزة الإنكار ( حسبتم أن تتركوا ولما ) لم ( يعلم الله ) علم ظهور ( الذين جاهدوا منكم ) بإخلاص ( ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة ) بطانة وأولياء ، المعنى ولم يظهر المخلصون وهم الموصوفون بما ذكر من غيرهم ( والله خبير بما تعملون )
17. ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله ) بالإفراد والجمع بدخوله والقعود فيه ( شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت ) بطلت ( أعمالهم وفي النار هم خالدون )
18. ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش ) أحداً ( إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين )
19. ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ) أي أهل ذلك ( كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله ) في الفضل ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) الكافرين ، نزلت رداً على من قال ذلك وهو العباس أو غيره
20. ( الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة ) رتبة ( عند الله ) من غيرهم ( وأولئك هم الفائزون ) الظافرون بالخير
21. ( يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم ) دائم
22. ( خالدين ) حال مقدرة ( فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم )
23. ونزل فيمن ترك الهجرة لأجل أهله وتجارته ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا ) اختاروا ( الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون )
24. ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم ) أقرباؤكم وفي قراءة { عشيراتكم } ( وأموال اقترفتموها ) اكتسبتموها ( وتجارة تخشون كسادها ) عدم نفاذها ( ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله ) فقعدتم لأجله عن الهجرة والجهاد ( فتربصوا ) انتظروا ( حتى يأتي الله بأمره ) تهديد لهم ( والله لا يهدي القوم الفاسقين )
25. ( لقد نصركم الله في مواطن ) للحرب ( كثيرة ) كبدر وقريظة والنضير ( و ) اذكر ( يوم حنين ) واد بين مكة والطائف ، أي يوم قتالكم فيه هوازن وذلك في شوال سنة ثمان ( إذ ) بدل من يوم ( أعجبتكم كثرتكم ) فقلتم لن نغلب اليوم من قلة وكانوا اثني عشر ألفا والكفار أربعة آلاف ( فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ) ما مصدرية أي مع رحبها أي سمتها فلم تجدوا مكانا تطمئنون إليه لشدة ما لحقكم من الخوف ( ثم وليتم مدبرين ) منهزمين ، وثبت النبي صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء وليس معه غير العباس وأبو سفيان آخذ بركابه
26. ( ثم أنزل الله سكينته ) طمأنينته ( على رسوله وعلى المؤمنين ) فردوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما ناداهم العباس بإذنه وقاتلوا ( وأنزل جنوداً لم تروها ) ملائكة ( وعذب الذين كفروا ) بالقتل والأسر ( وذلك جزاء الكافرين )
27. ( ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء ) منهم بالإسلام ( والله غفور رحيم )
28. ( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس ) قذر لخبث باطنهم ( فلا يقربوا المسجد الحرام ) أي لا يدخلوا الحرم ( بعد عامهم هذا ) عام تسع من الهجرة ( وإن خفتم عَيْلة ) فقراً بانقطاع تجارتهم عنكم ( فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء ) وقد أغناهم بالفتوح والجزية ( إن الله عليم حكيم )
29. ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) وإلا لآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ( ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ) كالخمر ( ولا يدينون دين الحق ) الثابت الناسخ لغيره من الأديان وهو دين الإسلام ( من الذين ) بيان للذين ( أوتوا الكتاب ) أي اليهود والنصارى ( حتى يعطوا الجزية ) الخراج المضروب عليهم كل عام ( عن يد ) حال أي منقادين أو بأيديهم لا يوكلون بها ( وهم صاغرون ) أذلاء منقادون لحكم الإسلام
30. ( وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ) عيسى ( ابن الله ذلك قولهم بأفواههم ) لا مستند لهم عليه بل ( يضاهئون ) يشابهون به ( قول الذين كفروا من قبل ) من آبائهم تقليداً لهم ( قاتلهم ) لعنهم ( الله أنى ) كيف ( يؤفكون ) يُصرفون عن الحق مع قيام الدليل
31. ( اتخذوا أحبارهم ) علماء اليهود ( ورهبانهم ) عبَّاد النصارى ( أرباباً من دون الله ) حيث اتبعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل ( والمسيح ابن مريم وما أمروا ) في التوراة والإنجيل ( إلا ليعبدوا ) أي يعبدوا ( إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه ) تنزيهاً له ( عما يشركون )
32. ( يريدون أن يطفئوا نور الله ) شرعه وبراهينه ( بأفواههم ) بأقوالهم فيه ( ويأبى الله إلا أن يتم ) يظهر ( نوره ولو كره الكافرون ) ذلك
33. ( هو الذي أرسل رسوله ) محمداً صلى الله عليه وسلم ( بالهدى ودين الحق ليظهره ) يعليه ( على الدين كله ) جميع الأديان المخالفة له ( ولو كره المشركون ) ذلك
34. ( يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون ) يأخذون ( أموال الناس بالباطل ) كالرشا في الحكم ( ويصدون ) الناس ( عن سبيل الله ) دينه ( والذين ) مبتدأ ( يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها ) أي الكنوز ( في سبيل الله ) أي لا يؤدون منها حقه للزكاة والخير ( فبشرهم ) أخبرهم ( بعذاب أليم ) مؤلم
35. ( يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى ) تحرق ( بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ) وتوسع جلودهم حتى توضع عليها كلها ويقال لهم ( هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) أي جزاءه
36. ( إن عدة الشهور ) المعتد بها للسنة ( عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله ) اللوح المحفوظ ( يوم خلق السماوات والأرض منها ) أي الشهور ( أربعة حرم ) محرَّمة هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ( ذلك ) أي تحريمها ( الدين القيم ) المستقيم ( فلا تظلموا فيهن ) أي الأشهر الحرم ( أنفسكم ) بالمعاصي فإنها أعظم وزرا وقيل في الأشهر كلها ( وقاتلوا المشركين كافةً ) جميعا في كل الشهور ( كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين ) بالعون والنصر
37. ( إنما النسيء ) أي التأخير لحرمة شهر إلى آخره كما كانت الجاهلية تفعله من تأخير حرمة المحرم إذا حل وهم في القتال إلى صفر ( زيادة في الكفر ) لكفرهم بحكم الله فيه ( يُضل ) بضم الياء وفتحها ( به الذين كفروا يحلونه ) أي النسيء ( عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا ) يوافقوا بتحليل شهر وتحريم آخر بدله ( عدة ) عدد ( ما حرم الله ) من الأشهر فلا يزيدوا على تحريم أربعة ولا ينقصوا ولا ينظروا إلى أعيانها ( فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم ) فظنوه حسناً ( والله لا يهدي القوم الكافرين )
38. ونزل لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى غزوة تبوك وكانوا في عسرة وشدة وحر فشق عليهم ( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم ) بإدغام التاء في الأصل في المثلثة واجتلاب همزة الوصل أي تباطأتم وملتم عن الجهاد ( إلى الأرض ) والقعود فيها والاستفهام للتوبيخ ( أرضيتم بالحياة الدنيا ) ولذاتها ( من الآخرة ) أي بدل نعيمها ( فما متاع الحياة الدنيا في ) جنب متاع ( الآخرة إلا قليل ) حقير
39. ( إلا ) بإدغام لا في نون إن الشرطية في الموضعين ( تنفروا ) تخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم للجهاد ( يعذبكم عذاباً أليماً ) مؤلماً ( ويستبدل قوماً غيركم ) أي يأت بهم بدلكم ( ولا تضروه ) أي الله أو النبي صلى الله عليه وسلم ( شيئا ) بترك نصره فإن الله ناصر دينه ( والله على كل شيء قدير ) ومنه نصر دينه ونبيه
40. ( إلا تنصروه ) أي النبي صلى الله عليه وسلم ( فقد نصره الله إذ ) حين ( أخرجه الذين كفروا ) من مكة أي الجأوه إلى الخروج لما أرادوا قتله أو حبسه أو نفيه بدار الندوة ( ثاني اثنين ) حال أي أحد اثنين والآخر أبو بكر المعنى نصره الله في مثل تلك الحالة فلا يخذله في غيرها ( إذ ) بدل من إذ قبله ( هما في الغار ) نقب في جبل ثور ( إذ ) بدل ثان ( يقول لصاحبه ) أبي بكر وقد قال له لما رأى أقدام المشركين : لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا ( لا تحزن إن الله معنا ) بنصره ( فأنزل الله سكينته ) طمأنينته ( عليه ) قيل على النبي صلى الله عليه وسلم وقيل على أبي بكر ( وأيده ) أي النبي صلى الله عليه وسلم ( بجنود لم تروها ) ملائكة في الغار ومواطن قتاله ( وجعل كلمة الذين كفروا ) أي دعوة الشرك ( السفلى ) المغلوبة ( وكلمة الله ) أي كلمه الشهادة ( هي العليا ) الظاهرة الغالبة ( والله عزيز ) في ملكه ( حكيم ) في صنعه
41. ( انفروا خفافاً وثقالاً ) نشاطاً وغير نشاط وقيل أقوياء وضعفاء أو أغنياء وفقراء وهي منسوخة بآية { ليس على الضعفاء } ( وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) أنه خير لكم فلا تثاقلوا
42. ونزل في المنافقين الذين تخلفوا ( لو كان ) ما دعوتهم إليه ( عرضاً ) متاعاً من الدنيا ( قريباً ) سهل المأخذ ( وسفراً قاصداً ) وسطاً ( لاتبعوك ) طلباً للغنيمة ( ولكن بعدت عليهم الشقة ) المسافة فتخلفوا ( وسيحلفون بالله ) إذا رجعتم إليهم ( لو استطعنا ) الخروج ( لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم ) بالحلف الكاذب ( والله يعلم إنهم لكاذبون ) في قولهم ذلك
43. وكان صلى الله عليه وسلم أذن لجماعة في التخلف باجتهاد منه ، فنزل عتاباً له وقدم العفو تطميناً لقلبه ( عفا الله عنك لم أذنت لهم ) في التخلف وهلا تركتهم ( حتى يتبين لك الذين صدقوا ) في العذر ( وتعلم الكاذبين ) فيه
44. ( لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر ) في التخلف عن ( أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين )
45. ( إنما يستأذنك ) في التخلف ( الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت ) شكت ( قلوبهم ) في الدين ( فهم في ريبهم يترددون ) يتحيرون
46. ( ولو أرادوا الخروج ) معك ( لأعدوا له عدة ) أهبة من الآلة والزاد ( ولكن كره الله انبعاثهم ) أي لم يرد خروجهم ( فثبطهم ) كسلهم ( وقيل ) لهم ( اقعدوا مع القاعدين ) المرضى والنساء والصبيان ، أي قدَّر الله تعالى ذلك
47. ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ) فساداً بتخذيل المؤمنين ( ولأوضعوا خلالكم ) أي أسرعوا بينكم بالمشي بالنميمة ( يبغونكم ) يطلبون لكم ( الفتنة ) بإلقاء العداوة ( وفيكم سمَّاعون لهم ) ما يقولون سماع قبول ( والله عليم بالظالمين )
48. ( لقد ابتغوا ) لك ( الفتنة من قبل ) أول ما قدمت المدينة ( وقلَّبوا لك الأمور ) أي أجالوا الفكر في كيدك وإبطال دينك ( حتى جاء الحق ) النصر ( وظهر ) عن ( أمر الله ) دينه ( وهم كارهون ) له فدخلوا فيه ظاهراً
49. ( ومنهم من يقول ائذن لي ) في التخلف ( ولا تفتني ) وهو الجد بن قيس قال له النبي صلى الله عليه وسلم : « هل لك في جلاد بني الأصفر ؟ » فقال إني مغرم بالنساء وأخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر عنهن فافتتن ، قال تعالى ( ألا في الفتنة سقطوا ) بالتخلف ، وقرئ سقط ( وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) لا محيص لهم عنها
50. ( إن تصبك حسنةٌ ) كنصر وغنيمة ( تسؤهم وإن تصبك مصيبةٌ ) شدة ( يقولوا قد أخذنا أمرنا ) بالحزم حين تخلفنا ( من قبل ) قبل هذه المعصية ( ويتولوا وهم فرحون ) بما أصابك
51. ( قل ) لهم ( لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ) إصابة ( هو مولانا ) ناصرنا ومتولي أمورنا ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون )
52. ( قل هل تربَّصون ) فيه حذف إحدى التاءين من الأصل أي تنتظرون أي يقع ( بنا إلا إحدى ) العاقبتين ( الحسنيين ) تثنية حسنى ، تأنيث أحسن النصر أو الشهادة ( ونحن نتربص ) ننتظر ( بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده ) بقارعة من السماء ( أو بأيدينا ) بأن يؤذن لنا في قتالكم ( فتربصوا ) بنا ذلك ( إنا معكم متربصون ) عاقبتكم
53. ( قل أنفقوا ) في طاعة الله ( طوعاً أو كرهاً لن يتقبل منكم ) ما أنفقتموه ( إنكم كنتم قوماً فاسقين ) والأمر هنا بمعنى الخبر
54. ( وما منعهم أن تقبل ) بالياء والتاء ( منهم نفقاتهم إلا أنهم ) فاعلٌ ، وأن تقبل مفعول ( كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ) متثاقلون ( ولا ينفقون إلا وهم كارهون ) النفقة لأنهم يعدونها مغرماً
55. ( فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم ) أي لا تستحسن نعمنا عليهم فهي استدراج ( إنما يريد الله ليعذبهم ) أي أن يعذبهم ( بها في الحياة الدنيا ) بما يلقون في جمعها من المشقة وفيها من المصائب ( وتزهق ) تخرج ( أنفسهم وهم كافرون ) فيعذبهم في الآخرة أشد العذاب
56. ( ويحلفون بالله إنهم لمنكم ) أي مؤمنون ( وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون ) يخافون أن تفعلوا بهم كالمشركين فيحلفون تقية
57. ( لو يجدون ملجأ ) يلجأون إليه ( أو مغارات ) سراديب ( أو مدخلاً ) موضعاً يدخلونه ( لولوا إليه وهم يجمحون ) يسرعون في دخوله والانصراف عنكم إسراعاً لا يرده شيء كالفرس الجموع
58. ( ومنهم من يلمزك ) يعيبك ( في ) قسم ( الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون )
59. ( ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله ) من الغنائم ونحوها ( وقالوا حسبنا ) كافينا ( الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله ) من غنيمة أخرى ما يكفينا ( إنا إلى الله راغبون ) أن يغنينا ، وجواب لو لكان خيرا لهم
60. ( إنما الصدقات ) الزكوات مصروفة ( للفقراء ) الذين لا يجدون ما يقع موقعاً من كفايتهم ( والمساكين ) الذين لا يجدون ما يكفيهم ( والعاملين عليها ) أي الصدقات من جاب وقاسم وكاتب وحاشر ( والمؤلفة قلوبهم ) ليسلموا أو يثبت إسلامهم أو يسلم نظراؤهم أو يذبوا عن المسلمين أقسام الأول والأخير لا يعطيان اليوم عند الشافعي رضي الله تعالى عنه لعز الإسلام بخلاف الآخرين فيعطيان على الأصح ( وفي ) فك ( الرقاب ) أي المكاتبين ( والغارمين ) أهل الدَّين إن استدانوا لغير معصية أو تابوا وليس لهم وفاء أو لإصلاح ذات البين ولو أغنياء ( وفي سبيل الله ) أي القائمين بالجهاد ممن لا فيء لهم ولو أغنياء ( وابن السبيل ) المنقطع في سفره ( فريضة ) نصب بفعله المقدر ( من الله والله عليم ) بخلقه ( حكيم ) في صنعه فلا يجوز صرفها لغير هؤلاء ولا منع صنف منهم إذا وجد فيقسمها الإمام عليهم السواء وله تفضيل بعض آحاد الصنف على بعض وأفادت اللام وجوب استغراق أفراده لكن لا يجب على صاحب المال إذا قسم لعسره بل يكفي إعطاء ثلاثة من كل صنف ولا يكفي دونها كما أفادته صيغة الجمع وبينت السنة أن شرط المعطى منها الإسلام وأن لا يكون هاشمياً ولا مطلبياً
61. ( ومنهم ) أي المنافقين ( الذين يؤذون النبي ) بعيبه وبنقل حديثه ( ويقولون ) إذا نهوا عن ذلك لئلا يبلغه ( هو أذن ) أي يسمع كل قيل ويقبله فإذا حلفنا له أنا لم نقل صدقنا ( قل ) هو ( أذُن ) مستمع ( خير لكم ) لا مستمع شر ( يؤمن بالله ويؤمن ) يصدق ( للمؤمنين ) فيما أخبروه به لا لغيرهم واللام زائدة للفرق بين إيمان التسليم وغيره ( ورحمة ) بالرفع عطفاً على أذن والجر عطفاً على خير ( للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم )
62. ( يحلفون بالله لكم ) أيها المؤمنون فيما بلغكم عنهم من أذى الرسول أنهم ما أتوه ( ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه ) بالطاعة ( إن كانوا مؤمنين ) حقاً وتوحيد الضمير لتلازم الرضاءين وخبر الله أو رسوله محذوف
63. ( ألم يعلموا أنه ) أي الشأن ( من يحادد ) يشاقق ( الله ورسوله فأن له نار جهنم ) جزاء ( خالدا فيها ذلك الخزي العظيم )
64. ( يحذر ) يخاف ( المنافقون أن تنزل عليهم ) أي المؤمنين ( سورة تنبئهم بما في قلوبهم ) من النفاق وهم مع ذلك يستهزئون ( قل استهزئوا ) أمر تهديد ( إن الله مخرج ) مظهر ( ما تحذرون ) إخراجه من نفاقكم
65. ( ولئن ) لام القسم ( سألتهم ) عن استهزائهم بك والقرآن وهم سائرون معك إلى تبوك ( ليقولن ) معتذرين ( إنما كنا نخوض ونلعب ) في الحديث لنقطع به الطريق ولم نقصد ذلك ( قل ) لهم ( أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون )
66. ( لا تعتذروا ) عنه ( قد كفرتم بعد إيمانكم ) أي ظهر كفركم بعد إظهار الإيمان ( إن نعف ) بالياء مبنياً للمفعول والنون مبنياً للفاعل ( عن طائفة منكم ) بإخلاصها وتوبتها كجحش بن حمير ( نعذب ) بالتاء والنون ( طائفة بأنهم كانوا مجرمين ) مصرين على النفاق والاستهزاء
67. ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ) أي متشابهون في الدين كأبعاض الشيء الواحد ( يأمرون بالمنكر ) الكفر والمعاصي ( وينهون عن المعروف ) الإيمان والطاعة ( ويقبضون أيديهم ) عن الإنفاق في الطاعة ( نسوا الله ) تركوا طاعته ( فنسيهم ) تركهم من لطفه ( إن المنافقين هم الفاسقون )
68. ( وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ) جزاءً وعقاباً ( ولعنهم الله ) أبعدهم عن رحمته ( ولهم عذاب مقيم ) دائم
69. أنتم أيها المنافقون ( كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوةً وأكثر أموالاً وأولاداً فاستمتعوا ) تمتعوا ( بخلاقهم ) نصيبهم من الدنيا ( فاستمتعتم ) أيها المنافقون ( بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم ) في الباطل والطعن في النبي صلى الله عليه وسلم ( كالذي خاضوا ) أي كخوضهم ( أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون )
70. ( ألم يأتهم نبأ ) خبر ( الذين من قبلهم قوم نوح وعاد ) قوم هود ( وثمود ) قوم صالح ( وقوم إبراهيم وأصحاب مدين ) قوم شعيب ( والمؤتفكات ) قرى قوم لوط أي أهلها ( أتتهم رسلهم بالبينات ) بالمعجزات فكذبوهم فأهلكوا ( فما كان الله ليظلمهم ) بأن يعذبهم بغير ذنب ( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) بارتكاب الذنب
71. ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز ) لا يعجزه شيء عن إنجاز وعده ووعيده ( حكيم ) لا يضع شيئا إلا في محله
72. ( وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ) إقامة ( ورضوان من الله أكبر ) أعظم من ذلك كله ( ذلك هو الفوز العظيم )
73. ( يا أيها النبي جاهد الكفار ) بالسيف ( والمنافقين ) باللسان والحجة ( واغلظ عليهم ) بالانتهار والمقت ( ومأواهم جهنم وبئس المصير ) المرجع هي
74. ( يحلفون ) أي المنافقين ( بالله ما قالوا ) ما بلغك عنهم من السب ( ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم ) أظهروا الكفر بعد إظهار الإسلام ( وهموا بما لم ينالوا ) من الفتك بالنبي ليلة العقبة عند عوده من تبوك وهم بضعة عشر رجلاً فضرب عمار بن ياسر وجوه الرواحل لما غشوه فردوا ( وما نقموا ) أنكروا ( إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله ) بالغنائم بعد شدة حاجتهم والمعنى لم ينلهم منه إلا هذا وليس مما ينقم ( فإن يتوبوا ) عن النفاق ويؤمنوا بك ( يك خيرا لهم وإن يتولوا ) عن الإيمان ( يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا ) بالقتل ( والآخرة ) بالنار ( وما لهم في الأرض من ولي ) يحفظهم منه ( ولا نصير ) يمنعهم
75. ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصَّدَّقن ) فيه إدغام التاء في الأصل في الصاد ( ولنكوننَّ من الصالحين ) وهو ثعلبة بن حاطب ، سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له أن يرزقه الله مالا ويؤدي منه إلى كل ذي حق حقه فدعا له فوسع عليه فانقطع عن الجمعة والجماعة ومنع الزكاة كما قال تعالى :
76. ( فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا ) عن طاعة الله ( وهم معرضون )
77. ( فأعقبهم ) أي فصيَّر عاقبتهم ( نفاقاً ) ثابتاً ( في قلوبهم إلى يوم يلقونه ) أي الله وهو يوم القيامة ( بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ) فيه فجاء بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم بركاته فقال إن الله منعني أن أقبل منك فجعل يحثو التراب على رأسه ، ثم جاء إلى أبي بكر فلم يقبلها ، ثم إلى عمر فلم يقبلها ثم إلى عثمان فلم يقبلها ومات في زمانه
78. ( ألم يعلموا ) أي المنافقين ( أن الله يعلم سرهم ) ما أسروه في أنفسهم ( ونجواهم ) ما تناجوا به بينهم ( وأن الله علام الغيوب ) ما غاب عن العيان ولما نزلت آية الصدقة جاء رجل فتصدق بشيء كثير فقال المنافقون مراء ، وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا إن الله غني عن صدقة هذا فنزل
79. ( الذين ) مبتدأ ( يلمزون ) يعيبون ( المطوعين ) المتنفلين ( من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم ) طاقتهم فيأتون به ( فيسخرون منهم ) والخبر ( سخر الله منهم ) جازاهم على سخريتهم ( ولهم عذاب أليم )
80. ( استغفر ) يا محمد ( لهم أو لا تستغفر لهم ) تخيير له في الاستغفار وتركه قال صلى الله عليه وسلم : « إني خيرت فاخترت يعني الاستغفار » رواه البخاري ( إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ) قيل المراد بالسبعين المبالغة في كثرة الاستغفار وفي البخاري حديث « لو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر لزدت عليها » وقيل المراد العدد المخصوص لحديثه أيضاً « وسأزيد على السبعين » فبين له حسم المغفرة بآية { سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم } ( ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين )
81. ( فرح المخلفون ) عن تبوك ( بمقعدهم ) أي بقعودهم ( خلاف ) أي بعد ( رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا ) أي قال بعضهم لبعض ( لا تنفروا ) تخرجوا إلى الجهاد ( في الحر قل نار جهنم أشد حراً ) من تبوك فالأولى أن يتقوها بترك التخلف ( لو كانوا يفقهون ) يعلمون ذلك ما تخلفوا
82. ( فليضحكوا قليلاً ) في الدنيا ( وليبكوا ) في الآخرة ( كثيراً جزاءً بما كانوا يكسبون ) خبر عن حالهم بصيغة الأمر
83. ( فإن رجعك ) ردك ( الله ) من تبوك ( إلى طائفة منهم ) ممن تخلف بالمدينة من المنافقين ( فاستأذنوك للخروج ) معك إلى غزوة أخرى ( فقل ) لهم ( لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدواً إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين ) المتخلفين عن الغزو من النساء والصبيان وغيرهم
84. ولما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على ابن أُبَيِّ نزل ( ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره ) لدفن أو زيارة ( إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ) كافرون
85. ( ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق ) تخرج ( أنفسهم وهم كافرون )
86. ( وإذا أنزلت سورة ) أي طائفة من القرآن ( أن ) أي بأن ( آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول ) ذوو الغنى ( منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين )
87. ( رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ) جمع خالفة أي النساء اللاتي تخلفهن في البيوت ( وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ) الخبر
88. ( لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات ) في الدنيا والآخرة ( وأولئك هم المفلحون ) أي الفائزون
89. ( أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم )
90. ( وجاء المعذَّرون ) بإدغام التاء في الأصل في الذال أي المعتذرون بمعنى المعذروين وقرئ به ( من الأعراب ) إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( ليؤذن لهم ) في القعود لعذرهم فأذن لهم ( وقعد الذين كذبوا الله ورسوله ) في ادعاء الإيمان من منافقي الأعراب عن المجيء للاعتذار ( سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم )
91. ( ليس على الضعفاء ) كالشيوخ ( ولا على المرضى ) كالعمي والزَّمنى ( ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون ) في الجهاد ( حرج ) إثم في التخلف عنه ( إذا نصحوا لله ورسوله ) في حال قعودهم بعدم الإرجاف والتثبيط والطاعة ( ما على المحسنين ) بذلك ( من سبيل ) طريق بالمؤاخذة ( والله غفور ) لهم ( رحيم ) بهم في التوسعة في ذلك
92. ( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم ) معك إلى الغزو وهم سبعة من الأنصار وقيل بنو مُقَرِّن ( قلت لا أجد ما أحملكم عليه ) حال ( تولَّوا ) جواب إذا أي انصرفوا ( وأعينهم تفيض ) تسيل ( من ) للبيان ( الدمع حزَناً ) لأجل ( ألا يجدوا ما ينفقون ) في الجهاد
93. ( إنما السبيل على الذين يستأذنونك ) في التخلف ( وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون ) تقدم مثله
94. ( يعتذرون إليكم ) في التخلف ( إذا رجعتم إليهم ) من الغزو ( قل ) لهم ( لا تعتذروا لن نؤمن لكم ) نصدقكم ( قد نبأنا الله من أخباركم ) أي أخبرنا بأحوالكم ( وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون ) بالبعث ( إلى عالم الغيب والشهادة ) أي الله ( فينبئكم بما كنتم تعملون ) فيجازيكم عليه
95. ( سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم ) رجعتم ( إليهم ) من تبوك أنهم معذورون في التخلف ( لتعرضوا عنهم ) بترك المعاتبة ( فأعرضوا عنهم إنهم رجس ) قذر لخبث باطنهم ( ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون )
96. ( يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ) أي عنهم ولا ينفع رضاكم مع سخط الله
97. ( الأعراب ) أهل البدو ( أشد كفراً ونفاقاً ) من أهل المدن لجفائهم وغلظ طباعهم وبعدهم عن سماع القرآن ( وأجدر ) أولى ( ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله ) من الأحكام والشرائع ( والله عليم ) بخلقه ( حكيم ) في صنعه بهم
98. ( ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق ) في سبيل الله ( مغرماً ) غرامةً وخسراناً لأنه لا يرجو ثوابه بل ينفقه خوفاً وهم بنو أسد وغطفان ( ويتربص ) ينتظر ( بكم الدوائر ) دوائر الزمان أن تنقلب عليكم فيتخلص ( عليهم دائرة السَّوء ) بالضم الفتح ، أي يدور العذاب والهلاك عليهم لا عليكم ( والله سميع ) لأقوال عباده ( عليم ) بأفعالهم
99. ( ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ) كجهينة ومزينة ( ويتخذ ما ينفق ) في سبيل الله ( قربات ) تقربه ( عند الله و ) وسيلة إلى ( صلوات ) دعوات ( الرسول ) له ( ألا إنها ) أي نفقتهم ( قُرُبة ) بضم الراء وسكونها ( لهم ) عنده ( سيدخلهم الله في رحمته ) جنته ( إن الله غفور ) لأهل طاعته ( رحيم ) بهم
100. ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ) وهم من شهد بدراً أو جميع الصحابة ( والذين اتبعوهم ) إلى يوم القيامة ( بإحسان ) في العمل ( رضي الله عنهم ) بطاعته ( ورضوا عنه ) بثوابه ( وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار ) وفي قراءةٍ بزيادة { من } ( خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم )
101. ( وممن حولكم ) يا أهل المدينة ( من الأعراب منافقون ) كأسلم وأشجع وغفار ( ومن أهل المدينة ) منافقون أيضا ( مردوا على النفاق ) لجُّوا فيه واستمروا ( لا تعلمهم ) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ( نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ) بالفضيحة أو القتل في الدنيا وعذاب القبر ( ثم يردون ) في الآخرة ( إلى عذاب عظيم ) هو النار
102. ( و ) قوم ( آخرون ) مبتدأ ( اعترفوا بذنوبهم ) من التخلف نعته والخبر ( خلطوا عملاً صالحاً ) وهو جهادهم قبل ذلك أو اعترافهم بذنوبهم أو غير ذلك ( وآخر سيئاً ) وهو تخلفهم ( عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم ) نزلت في أبي لبابة وجماعة أوثقوا أنفسهم في سواري المسجد لما بلغهم ما نزل في المتخلفين وحلفوا لا يحلهم إلا النبي صلى الله عليه وسلم فحلهم لما نزلت
103. ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) من ذنوبهم فأخذ ثلث أموالهم وتصدق بها ( وصل عليهم ) أي ادع لهم ( إن صلاتك سكن ) رحمة ( لهم ) وقيل طمأنينة بقبول توبتهم ( والله سميع عليم )
104. ( ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ ) يقبل ( الصدقات وأن الله هو التواب ) على عباده بقبول توبتهم ( الرحيم ) بهم ، والاستفهام للتقرير والقصد به هو تهييجهم إلى التوبة والصدقة
105. ( وقل ) لهم أو للناس ( اعملوا ) ما شئتم ( فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون ) بالبعث ( إلى عالم الغيب والشهادة ) أي الله ( فينبئكم بما كنتم تعملون ) يجازيكم به
106. ( وآخرون ) من المتخلفين ( مُرْجَؤون ) بالهمز وتركه مؤخرون عن التوبة ( لأمر الله ) فيهم بما شاء ( إما يعذبهم ) بأن يميتهم بلا توبة ( وإما يتوب عليهم والله عليم ) بخلقه ( حكيم ) في صنعه بهم ، وهم الثلاثة الآتون بعد مرارة بن الربيع وكعب بن مالك وهلال بن أمية تخلفوا كسلاً وميلاً إلى الدعة لا نفاقاً ولم يعتذروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كغيرهم فوقف أمرهم خمسين ليلة وهجرهم الناس حتى نزلت توبتهم بعد
107. ( و ) منهم ( الذين اتخذوا مسجداً ) وهم اثنا عشر من المنافقين ( ضراراً ) مضارة لأهل مسجد قباء ( وكفراً ) لأنهم بنوه بأمر أبي عامر الراهب ليكون معقلاً له يقدم فيه من يأتي من عنده وكان ذهب ليأتي بجنود من قيصر لقتال النبي صلى الله عليه وسلم ( وتفريقاً بين المؤمنين ) الذين يصلون بقباء بصلاة بعضهم في مسجدهم ( وإرصاداً ) ترقباً ( لمن حارب الله ورسوله من قبل ) أي قبل بنائه وهو أبو عامر المذكور ( وليحلفن إن ) ما ( أردنا ) ببنائه ( إلا ) الفعلة ( الحسنى ) من الرفق بالمسكين في المطر والحر والتوسعة على المسلمين ( والله يشهد إنهم لكاذبون ) في ذلك ، وكانوا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أي يصلي فيه فنزل
108. ( لا تقم ) تصل ( فيه أبداً ) فأرسل جماعة هدموه وحرقوه وجعلوا مكانه كناسة تلقى فيها الجيف ( لمسجد أسس ) بنيت قواعده ( على التقوى من أول يوم ) وضع يوم حللت بدار الهجرة ، وهو مسجد قباء كما في البخاري ( أحق ) منه ( أن ) أي بأن ( تقوم ) تصلي ( فيه فيه رجال ) هم الأنصار ( يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ) أي يثيبهم ، فيه إدغام التاء في الأصل في الطاء ، روى ابن خزيمة في صحيحه عن عويمر بن ساعدة أنه صلى الله عليه وسلم أتاهم في مسجد قباء فقال : إن الله تعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم فما هذا الطهور الذي تطهرون به ، قالوا : والله يا رسول الله ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود وكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا وفي حديث رواه البزار فقالوا : نتبع الحجارة بالماء فقال : هو ذاك فعليكموه
109. ( أفمن أسس بنيانه على تقوى ) مخافة ( من الله و ) رجاء ( رضوان ) منه ( خير أم من أسس بنيانه على شفا ) طرف ( جُرُف ) بضم الراء وسكونها جانب ( هار ) مشرف على السقوط ( فانهار به ) سقط مع بانيه ( في نار جهنم ) خير تمثيل للبناء على ضد التقوى بما يؤول إليه والاستفهام للتقرير ، أي الأول خير وهو مثال مسجد قباء والثاني مثال مسجد الضرار ( والله لا يهدي القوم الظالمين )
110. ( لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة ) شكَّا ( في قلوبهم إلا أن تقطع ) تنفصل ( قلوبهم ) بأن يموتوا ( والله عليم ) بخلقه ( حكيم ) في صنعه بهم
111. ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ) بأن يبذلوها في طاعته كالجهاد ( بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتلون ) جملة استئناف بيان للشراء ، وفي قراءة بتقديم المبني للمفعول أي فيُقتل بعضهم ويقاتل الباقي ( وعداً عليه حقاً ) مصدران منصوبان بفعلهما المحذوف ( في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله ) أي لا أحد أوفى منه ( فاستبشروا ) فيه التفاتٌ عن الغيبة ( ببيعكم الذي بايعتم به وذلك ) البيع ( هو الفوز العظيم ) المنيل غاية المطلوب
112. ( التائبون ) رفع على المدح بتقدير مبتدأ من الشرك والنفاق ( العابدون ) المخلصون العبادة لله ( الحامدون ) له على كل حال ( السائحون ) الصائمون ( الراكعون الساجدون ) أي المصلون ( الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله ) لأحكامه بالعمل بها ( وبشر المؤمنين ) بالجنة
113. ونزل في استغفاره صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب واستغفار بعض الصحابة لأبويه المشركين ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى ) ذوي قرابة ( من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) النار بأن ماتوا على الكفر
114. ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه ) بقوله : سأستغفر لك ربي ، رجاءَ أن يسلم ( فلما تبين له أنه عدو لله ) بموته على الكفر ( تبرأ منه ) وترك الاستغفار له ( إن إبراهيم لأوَّاه ) كثير التضرع والدعاء ( حليم ) صبور على الأذى
115. ( وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم ) للإسلام ( حتى يبين لهم ما يتقون ) من العمل فلا يتقوه فيستحقوا الإضلال ( إن الله بكل شيء عليم ) ومنه مستحق الإضلال والهداية
116. ( إن الله له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وما لكم ) أيها الناس ( من دون الله ) أي غيره ( من ولي ) يحفظكم منه ( ولا نصير ) يمنعكم من ضرره
117. ( لقد تاب الله ) أي أدام توبته ( على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة ) أي وقتها وهي حالهم في غزوة تبوك كان الرجلان يقتسمان تمرة والعشرة يعتقبون البعير الواحد ، واشتد الحرب حتى شربوا الفَرث ( من بعد ما كاد يزيغ ) بالياء والتاء تميل ( قلوب فريق منهم ) عن اتباعه إلى التخلف لما هم فيه من الشدة ( ثم تاب عليهم ) بالثبات ( إنه بهم رؤوف رحيم )
118. ( و ) تاب ( على الثلاثة الذين خلفوا ) عن التوبة عليهم بقرينة ( حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ) أي مع رحبها ، أي سعتها فلا يجدون مكانا يطمئنون إليه ( وضاقت عليهم أنفسهم ) قلوبهم للغم والوحشة بتأخير توبتهم فلا يسعها سرور ولا أنس ( وظنُّوا ) أيقنوا ( أن ) مخففة ( لا ملجأَ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ) وفقهم للتوبة ( ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم )
119. ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ) بترك معاصيه ( وكونوا مع الصادقين ) في الإيمان والعهود بأن تلزموا الصدق
120. ( ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ) إذا غزا ( ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ) بأن يصونوها عما رضيه لنفسه من الشدائد ، وهو نهي بلفظ الخبر ( ذلك ) النهي عن التخلف ( بأنهم ) بسبب أنهم ( لا يصيبهم ظمأ ) عطش ( ولا نصب ) تعب ( ولا مخمصة ) جوع ( في سبيل الله ولا يطؤون موطئا ) مصدر بمعنى وطأ ( يغيظ ) يغضب ( الكفار ولا ينالون من عدو ) لله ( نيلاً ) قتلاً أو أسراً أو نهباً ( إلا كتب لهم به عمل صالح ) ليجازوا عليه ( إن الله لا يضيع أجر المحسنين ) أي أجرهم بل يثيبهم
121. ( ولا ينفقون ) فيه ( نفقة صغيرة ) ولو تمرة ( ولا كبيرة ولا يقطعون وادياً ) بالسير ( إلا كتب لهم ) به عمل صالح ( ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون ) أي جزاءهم
122. ولما وُبِّخوا على التخلف وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم سرية نفروا جميعا فنزل : ( وما كان المؤمنون لينفروا ) إلى الغزو ( كافة فلولا ) فهلا ( نفر من كل فرقة ) قبيلة ( منهم طائفة ) جماعة ، ومكث الباقون ( ليتفقهوا ) أي الماكثون ( في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ) من الغزو بتعليمهم ما تعلموه من الأحكام ( لعلهم يحذرون ) عقاب الله بامتثال أمره ونهيه ، قال ابن عباس فهذه مخصوصة بالسرايا ، والتي قبلها بالنهي عن تخلف واحد فيما إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم
123. ( يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ) أي الأقرب فالأقرب منهم ( وليجدوا فيكم غلظة ) شدة أي أغلظوا عليهم ( واعلموا أن الله مع المتقين ) بالعون والنصر
124. ( وإذا ما أنزلت سورة ) من القرآن ( فمنهم ) أي المنافقين ( من يقول ) لأصحابه استهزاء ( أيكم زادته هذه إيماناً ) تصديقاً ، قال تعالى ( فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً ) لتصديقهم بها ( وهم يستبشرون ) يفرحون بها
125. ( وأما الذين في قلوبهم مرض ) ضعف اعتقاد ( فزادتهم رجسا إلى رجسهم ) كفراً إلى كفرهم لكفرهم بها ( وماتوا وهم كافرون )
126. ( أولا يرون أنهم ) بالياء أي المنافقون والتاء أيها المؤمنون ( يفتنون في ) يبتلون ( كل عام مرة أو مرتين ثم ) بالقحط والأمراض ( لا يتوبون ) من نفاقهم ( ولا هم يذكرون ) يتعظون
127. ( وإذا ما أنزلت سورة ) فيها ذكرهم وقرأها النبي صلى الله عليه وسلم ( نظر بعضهم إلى بعض ) يريدون الهرب يقولون ( هل يراكم من أحد ) إذا قمتم فإن لم يرهم أحد قاموا وإلا ثبتوا ( ثم انصرفوا ) على كفرهم ( صرف الله قلوبهم ) عن الهدى ( بأنهم قوم لا يفقهون ) الحق لعدم تدبرهم
128. ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) أي منكم : محمد صلى الله عليه وسلم ( عزيز ) شديد ( عليه ما عنتم ) أي عنتكم أي مشقتكم ولقاؤكم المكروه ( حريص عليكم ) أن تهتدوا ( بالمؤمنين رؤوف ) شديد الرحمة ( رحيم ) يريد لهم الخير
129. ( فإن تولوا ) عن الإيمان بك ( فقل حسبي ) كافيّ ( الله لا إله إلا هو عليه توكلت ) به وثقت لا بغيره ( وهو رب العرش ) الكرسي ( العظيم ) خصه بالذكر لأنه أعظم المخلوقات ، وروى الحاكم في المستدرك عن أبي بن كعب قال : آخر آية نزلت { لقد جاءكم رسول } إلى آخر السورة
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
. سورة يونس
1. ( الر ) الله أعلم بمراده بذلك ( تلك ) أي هذه الآيات ( آيات الكتاب ) القرآن والإضافة بمعنى من ( الحكيم ) المحكم
2. ( أكان للناس ) أي أهل مكة استفهام إنكار والجار والمجرور حال من قوله ( عجباً ) بالنصب خبر كان وبالرفع اسمها والخبر وهو اسمها على الأولى ( أن أوحينا ) أي إيحاؤنا ( إلى رجل منهم ) محمد صلى الله عليه وسلم ( أن ) مفسرة ( أنذر ) خوف ( الناس ) الكافرين بالعذاب ( وبشر الذين آمنوا أن ) أي بأن ( لهم قدم ) سلف ( صدق عند ربهم ) أي أجراً حسناً بما قدموه من الأعمال ( قال الكافرون إن هذا ) النبي صلى الله عليه وسلم ( لسحر مبين ) بيِّن وفي قراءة { لساحر } والمشار إليه القرآن المشتمل على ذلك
3. ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ) من الدنيا ، أي في قدرها لأنه لم يكن ثم شمس ولا قمر ولو شاء لخلقهن في لمحة ، والعدول عنه لتعليم خلقه التثبت ( ثم استوى على العرش ) استواء يليق به ( يدبر الأمر ) بين الخلائق ( ما من ) صلة ( شفيع ) يشفع لأحد ( إلا من بعد إذنه ) رد لقولهم إن الأصنام تشفع لكم ( ذلكم ) الخالق المدبر ( الله ربكم فاعبدوه ) وحدوه ( أفلا تذَّكَّرون ) بإدغام التاء في الأصل في الذال
4. ( إليه ) تعالى ( مرجعكم جميعاً وعد الله حقاً ) مصدران منصوبان بفعلهما المقدر ( إنه ) بالكسر استئنافا والفتح على تقدير اللام ( يبدأ الخلق ) أي بدأه بالإنشاء ( ثم يعيده ) بالبعث ( ليجزي ) يثيب ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم ) ماء بالغ نهاية الحرارة ( وعذاب أليم ) مؤلم ( بما كانوا يكفرون ) أي بسبب كفرهم
5. ( هو الذي جعل الشمس ضياء ) ذات ضياء أي نور ( والقمر نوراً وقدره ) من حيث سيره ( منازل ) ثمانية وعشرين ليلة من كل شهر منزلاً من ثمان وعشرين ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين يوماً أو ليلةً إن كان تسعة وعشرين يوماً ( لتعلموا ) بذلك ( عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك ) المذكور ( إلا بالحق ) لا عبثاً ، تعالى عن ذلك ( يفصل ) بالياء والنون يبين ( الآيات لقوم يعلمون ) يتدبرون
6. ( إن في اختلاف الليل والنهار ) بالذهاب والمجيء والزيادة والنقصان ( وما خلق الله في السماوات ) من ملائكة وشمس وقمر ونجوم وغير ذلك ( والأرض ) في الأرض من حيوان وجبال وبحار وأنهار وأشجار وغيرها ( لآيات ) دلالات على قدرته تعالى ( لقوم يتقون ) فيؤمنون خصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بها
7. ( إن الذين لا يرجون لقاءنا ) بالبعث ( ورضوا بالحياة الدنيا ) بدل الآخرة لإنكارهم لها ( واطمأنوا بها ) سكنوا إليها ( والذين هم عن آياتنا ) دلائل وحدانيتنا ( غافلون ) تاركون النظر فيها
8. ( أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون ) من الشرك والمعاصي
9. ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ) يرشدهم ( ربهم بإيمانهم ) به بأن يجعل لهم نوراً يهتدون به يوم القيامة ( تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم )
10. ( دعواهم فيها ) طلبهم يشتهونه في الجنة أن يقولوا ( سبحانك اللهم ) أي يا الله فإذا ما طلبوه وجدوه بين أيديهم ( وتحيتهم ) فيما بينهم ( فيها سلام وآخر دعواهم أن ) مفسرة ( الحمد لله رب العالمين )
11. ونزل لما استعجل المشركون العذاب ( ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم ) أي كاستعجالهم ( بالخير لقضي ) بالبناء للمفعول وللفاعل ( إليهم أجلهم ) بالرفع والنصب بأن يهلكهم ولكن يمهلهم ( فنذر ) نترك ( الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون ) يترددون متحيرين
12. ( وإذا مس الإنسان ) الكافر ( الضر ) المرض والفقر ( دعانا لجنبه ) أي مضطجعاً ( أو قاعداً أو قائماً ) أي في كل حالٍ ( فلما كشفنا عنه ضره مر ) على كفره ( كأنْ ) مخففة واسمها محذوف أي كأنه ( لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك ) كما زين له الدعاء عند الضرر والإعراض عند الرخاء ( زين للمسرفين ) المشركين ( ما كانوا يعملون )
13. ( ولقد أهلكنا القرون ) الأمم ( من قبلكم ) يا أهل مكة ( لما ظلموا ) بالشرك ( و ) قد ( جاءتهم رسلهم بالبينات ) الدالات على صدقهم ( وما كانوا ليؤمنوا ) عطف على ظلموا ( كذلك ) كما أهلكنا أولئك ( نجزي القوم المجرمين ) الكافرين
14. ( ثم جعلناكم ) يا أهل مكة ( خلائف ) جمع خليفة ( في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون ) فيها وهل تعتبرون بهم فتصدقوا رسلنا
15. ( وإذا تتلى عليهم آياتنا ) القرآن ( بيناتٍ ) ظاهراتٍ حال ( قال الذين لا يرجون لقاءنا ) لا يخافون البعث ( ائت بقرآن غير هذا ) ليس فيه عيب آلهتنا ( أو بدِّله ) من تلقاء نفسك ( قل ) لهم ( ما يكون ) ينبغي ( لي أن أبدله من تلقاء ) قبل ( نفسي إن ) ما ( أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي ) بتبديله ( عذاب يوم عظيم ) هو يوم القيامة
16. ( قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم ) أعلمكم ( به ) ولا نافية عطف على ما قبله ، وفي قراءة بلام جواب لو : أي لأعلمكم به على لسان غيري ( فقد لبثت ) مكثت ( فيكم عمراً ) سنيناً أربعين ( من قبله ) لا أحدثكم بشيء ( أفلا تعقلون ) أنه ليس من قِبَلي
17. ( فمن ) أي لا أحد ( أظلم ممن افترى على الله كذباً ) بنسبة الشريك إليه ( أو كذب بآياته ) القرآن ( إنه ) أي الشأن ( لا يفلح ) يسعد ( المجرمون ) المشركون
18. ( ويعبدون من دون الله ) أي غيره ( ما لا يضرهم ) إن لم يعبدوه ( ولا ينفعهم ) إن عبدوه وهو الأصنام ( ويقولون ) عنها ( هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل ) لهم ( أتنبئون الله ) تخبرونه ( بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض ) استفهام إنكار إذ لو كان له شريك لعلمه إذ لا يخفي عليه شيء ( سبحانه ) تنزيهاً له ( وتعالى عما يشركونـ ) ـه معه
19. ( وما كان الناس إلا أمة واحدة ) على دين واحد وهو الإسلام ، من لدن آدم إلى نوح ، وقيل من عهد إبراهيم إلى عمرو بن لحيّ ( فاختلفوا ) بأن ثبت بعض وكفر بعض ( ولولا كلمة سبقت من ربك ) بتأخير الجزاء إلى يوم القيامة ( لقضي بينهم ) أي الناس في الدنيا ( فيما فيه يختلفون ) من الدين بتعذيب الكافرين
20. ( ويقولون ) أي أهل مكة ( لولا ) هلا ( أنزل عليه ) على محمد صلى الله عليه وسلم ( آية من ربه ) كما كان للأنبياء من الناقة والعصا واليد ( فقل ) لهم ( إنما الغيب ) ما غاب عن العباد أي أمره ( لله ) ومنه الآيات فلا يأتي بها إلا هو وإنما علي التبليغ ( فانتظروا ) العذاب إن لم تؤمنوا ( إني معكم من المنتظرين )
26. ( للذين أحسنوا ) بالإيمان ( الحسنى ) الجنة ( وزيادة ) هي النظر إليه تعالى كما في حديث مسلم ( ولا يرهق ) يغشى ( وجوههم قتر ) سواد ( ولا ذلة ) كآبة ( أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون )
27. ( والذين ) عطف على الذين أحسنوا ، أي وللذين ( كسبوا السيئات ) عملوا الشرك ( جزاء سيئةٍ بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من ) زائدة ( عاصم ) مانع ( كأنما أغشيت ) ألبست ( وجوههم قطَعاً ) بفتح الطاء ، جمع قطعة وإسكانها أي جزءاً ( من الليل مظلماً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
28. ( و ) اذكر ( يوم نحشرهم ) أي الخلق ( جميعاً ثم نقول للذين أشركوا مكانكم ) نصب بالزموا مقدراً ( أنتم ) تأكيد للضمير المستتر في الفعل المقدر ليعطف عليه ( وشركاؤكم ) أي الأصنام ( فزيَّلنا ) ميزنا ( بينهم ) وبين المؤمنين كما في آية { وامتازوا اليوم أيها المجرمون } ( وقال ) لهم ( شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون ) ما نافية وقدم المفعول للفاصلة
29. ( فكفى بالله شهيداً بيننا وبينكم إن ) مخففة أي إنا ( كنا عن عبادتكم لغافلين )
30. ( هنالك ) أي ذلك اليوم ( تبلُو ) من البلوى ، وفي قراءة بتاءين { تتلو } من التلاوة ( كل نفس ما أسلفت ) قدمت من العمل ( وردوا إلى الله مولاهم الحق ) الثابت الدائم ( وضل ) غاب ( عنهم ما كانوا يفترون ) عليه من الشركاء
31. ( قل ) لهم ( من يرزقكم من السماء ) بالمطر ( والأرض ) بالنبات ( أم من يملك السمع ) بمعنى الأسماع أي خلقها ( والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر ) بين الخلائق ( فسيقولون ) هو ( الله فقل ) لهم ( أفلا تتقون ) فتؤمنون
32. ( فذلكم ) الفاعل لهذه الأشياء ( الله ربكم الحق ) الثابت ( فماذا بعد الحق إلا الضلال ) استفهام تقرير ، أي ليس بعده غيره فمن أخطأ الحق وهو عبادة الله وقع في الضلال ( فأنى ) كيف ( تصرفون ) عن الإيمان مع قيام البرهان
33. ( كذلك ) كما صرف هؤلاء عن الإيمان ( حقت كلمة ربك على الذين فسقوا ) كفروا ، وهي { لأملأن جهنم } الآية ، أو هي ( أنهم لا يؤمنون )
34. ( قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون ) تصرفون عن عبادته مع قيام الدليل
35. ( قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق ) بنصب الحجج وخلق الاهتداء ( قل الله يهدي للحق ، أفمن يهدي إلى الحق ) وهو الله ( أحق أن يتبع أم من لا يهدِّي ) يهتدي ( إلا أن يُهدى ) أحق أن يتبع ، استفهام تقرير وتوبيخ ، أي الأول أحق ( فما لكم كيف تحكمون ) هذا الحكم الفاسد من اتباع ما لا يحق اتباعه
36. ( وما يتبع أكثرهم ) في عبادة الأصنام ( إلا ظناً ) حيث قلَّدوا فيه آباءهم ( إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ) فيما المطلوب منه العلم ( إن الله عليم بما يفعلون ) فيجازيهم عليه
37. ( وما كان هذا القرآن أن يفترى ) أي افتراء ( من دون الله ) غيره ( ولكن ) أنزل ( تصديقَ الذي بين يديه ) من الكتب ( وتفصيلَ الكتاب ) تبيين ما كتبه الله من الأحكام وغيرها ( لا ريب ) لا شك ( فيه من رب العالمين ) متعلق بتصديق أو بأنزل المحذوف وقرئ برفع تصديق وتفصيل بتقدير هو
38. ( أم ) بل ( يقولون افتراه ) اختلقه محمد ( قل فأتوا بسورة مثله ) في الفصاحة والبلاغة على وجه الافتراء فإنكم عربيون فصحاء مثلي ( وادعوا ) للإعانة عليه ( من استطعتم من دون الله ) أي غيره ( إن كنتم صادقين ) في أنه افتراء فلم تقدروا على ذلك
39. قال تعالى ( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ) أي القرآن ولم يتدبروه ( ولما ) لم ( يأتهم تأويله ) عاقبة ما فيه من الوعيد ( كذلك ) التكذيب ( كذب الذين من قبلهم ) رسلهم ( فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ) بتكذيب الرسل أي آخر أمرهم من الهلاك فكذلك نهلك هؤلاء
40. ( ومنهم ) أي أهل مكة ( من يؤمن به ) لعلم الله ذلك منهم ( ومنهم من لا يؤمن به ) أبداً ( وربك أعلم بالمفسدين ) تهديد لهم
41. ( وإن كذبوك فقل ) لهم ( لي عملي ولكم عملكم ) أي لكل جزاء عمله ( أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ) وهذا منسوخ بآية السيف
42. ( ومنهم من يستمعون إليك ) إذا قرأت القرآن ( أفأنت تسمع الصم ) شبههم بهم في عدم الانتفاع بما يتلى عليهم ( ولو كانوا ) مع الصمم ( لا يعقلون ) يتدبرون
43. ( ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون ) شبَّههم بهم في عدم الاهتداء بل أعظم { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }
44. ( إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون )
45. ( ويوم يحشرهم كأن ) أي كأنهم ( لم يلبثوا ) في الدنيا أو القبور ( إلا ساعةً من النهار ) لهول ما رأوا ، وجملة التشبيه حال من الضمير ( يتعارفون بينهم ) يعرف بعضهم بعضاً إذا بعثوا ثم ينقطع التعارف لشدة الأحوال والجملة حال مقدرة أو متعلق الظرف ( قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله ) بالبعث ( وما كانوا مهتدين )
46. ( وإما ) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة ( نُرينَّك بعض الذي نعدهم ) به من العذاب في حياتك وجواب الشرط محذوف أي فذاك ( أو نتوفينك ) قبل تعذيبهم ( فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد ) مطلع ( على ما يفعلون ) من تكذيبهم وكفرهم فيعذبهم أشد العذاب
47. ( ولكل أمة ) من الأمم ( رسول فإذا جاء رسولهم ) إليهم فكذبوه ( قضي بينهم بالقسط ) بالعدل فيعذبون وينجى الرسول ومن صدقه ( وهم لا يظلمون ) بتعذيبهم بغير جرم فكذلك نفعل بهؤلاء
48. ( ويقولون متى هذا الوعد ) بالعذاب ( إن كنتم صادقين ) فيه
49. ( قل لا أملك لنفسي ضراً ) أدفعه ( ولا نفعاً ) أجلبه ( إلا ما شاء الله ) أي يقدرني عليه ، فكيف أملك لكم حلول العذاب ( لكل أمة أجل ) مدة معلومة لهلاكهم ( إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ) يتأخرون عنه ( ساعة ولا يستقدمون ) يتقدمون عليه
50. ( قل أرأيتم ) أخبروني ( إن أتاكم عذابه ) أي الله ( بياتاً ) ليلاً ( أو نهاراً ماذا ) أي شيء ( يستعجل منه ) أي العذاب ( المجرمون ) المشركون ، فيه وضع الظاهر موضع المضمر وجملة الاستفهام جواب شرط : كقولك إذا أتيتك ماذا تعطيني ، والمراد به التهويل أي ما أعظم ما استعجلوه
51. ( أثُم إذا ما وقع ) حلَّ بكم ( آمنتم به ) أي الله أو العذاب عند نزوله والهمزة لإنكار التأخير فلا يقبل منكم ويقال لكم ( آلآن ) تؤمنون ( وقد كنتم به تستعجلون ) استهزاء
52. ( ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد ) أي الذي تخلدون فيه ( هل ) ما ( تجزون إلا ) جزاء ( بما كنتم تكسبون )
53. ( ويستنبئونك ) يستخبرونك ( أحق هو ) أي ما وعدتنا به من العذاب والبعث ( قل إي ) نعم ( وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين ) بفائتين العذاب
54. ( ولو أن لكل نفس ظلمت ) كفرت ( ما في الأرض ) جميعاً من الأموال ( لافتدت به ) من العذاب يوم القيامة ( وأسروا الندامة ) على ترك الإيمان ( لما رأوا العذاب ) أخفاها رؤساؤهم عن الضعفاء الذين أضلوهم مخافة التعيير ( وقضي بينهم ) بين الخلائق ( بالقسط ) بالعدل ( وهم لا يظلمون ) شيئاً
55. ( ألا إن لله ما في السماوات والأرض ألا إن وعد الله ) بالبعث والجزاء ( حق ) ثابت ( ولكن أكثرهم ) أي الناس ( لا يعلمون ) ذلك
56. ( هو يحيي ويميت وإليه ترجعون ) في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم
57. ( يا أيها الناس ) أي أهل مكة ( قد جاءتكم موعظة من ربكم ) كتاب فيه ما لكم وما عليكم وهو القرآن ( وشفاء ) دواء ( لما في الصدور ) من العقائد الفاسدة والشكوك ( وهدى ) من الضلال ( ورحمة للمؤمنين ) به
58. ( قل بفضل الله ) الإسلام ( وبرحمته ) القرآن ( فبذلك ) الفضل والرحمة ( فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) من الدنيا بالياء والتاء
59. ( قل أرأيتم ) أخبروني ( ما أنزل الله ) خلق ( لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً ) كالبحيرة والسائبة والميتة ( قل آلله أذن لكم ) في ذلك بالتحليل والتحريم لا ( أم ) بل ( على الله تفترون ) تكذبون بنسبة ذلك إليه
60. ( وما ظن الذين يفترون على الله الكذب ) أي شيء ظنهم به ( يوم القيامة ) أيحسبون أنه لا يعاقبهم لا ( إن الله لذو فضل على الناس ) بإمهالهم والإنعام عليهم ( ولكن أكثرهم لا يشكرون )
61. ( وما تكون ) يا محمد ( في شأن ) أمر ( وما تتلو منه ) أي من الشأن أو الله ( من قرآن ) أنزله عليك ( ولا تعملون ) خاطبه وأمته ( من عمل إلا كنا عليكم شهوداً ) رقباء ( إذ تفيضون ) تأخذون ( فيه ) أي العمل ( وما يعزب ) يغيب ( عن ربك من مثقال ) وزن ( ذرة ) أصغر نملة ( في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ) بيِّن هو اللوح المحفوظ
62. ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) في الآخرة
63. هم ( الذين آمنوا وكانوا يتقون ) الله بامتثال أمره ونهيه
64. ( لهم البشرى في الحياة الدنيا ) فسرت في حديث صححه الحاكم بالرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له ( وفي الآخرة ) الجنة والثواب ( لا تبديل لكلمات الله ) لا خلف لمواعيده ( ذلك ) المذكور ( هو الفوز العظيم )
65. ( ولا يحزنك قولهم ) لك لست مرسلاً وغيره ( إن ) استئناف ( العزة ) القوة ( لله جميعا هو السميع ) للقول ( العليم ) بالفعل فيجازيهم وينصرك
66. ( ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض ) عبيداً وملكاً وخلقاً ( وما يتبع الذين يدعون ) يعبدون ( من دون الله ) أي غيره أصناماً ( شركاء ) له على الحقيقة تعالى على ذلك ( إن ) ما ( يتبعون ) في ذلك ( إلا الظن ) أي ظنهم أنها آلهة تشفع لهم ( وإن ) ما ( هم إلا يخرصون ) يكذبون في ذلك
67. ( هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً ) إسناد الإبصار إليه مجاز لأنه يبصر فيه ( إن في ذلك لآيات ) دلالات على وحدانيته تعالى ( لقوم يسمعون ) سماع تدبرٍ واتعاظ
68. ( قالوا ) أي اليهود والنصارى ومن زعم أن الملائكة بنات الله ( اتخذ الله ولداً ) قال تعالى لهم ( سبحانه ) تنزيهاً له عن الولد ( هو الغني ) عن كل أحد وإنما يطلب الولد من يحتاج إليه ( له ما في السماوات وما في الأرض ) ملكاً وخلقاً وعبيداً ( إن ) ما ( عندكم من سلطانٍ ) حجةٍ ( بهذا ) الذي تقولونه ( أتقولون على الله ما لا تعلمون ) استفهام توبيخ
69. ( قل إن الذين يفترون على الله الكذب ) بنسبه الولد إليه ( لا يفلحون ) لا يسعدون
70. لهم ( متاع ) قليل ( في الدنيا ) يتمتعون به مدة حياتهم ( ثم إلينا مرجعهم ) بالموت ( ثم نذيقهم العذاب الشديد ) بعد الموت ( بما كانوا يكفرون )
71. ( واتل ) يا محمد ( عليهم ) أي كفار مكة ( نبأ ) خبر ( نوح ) ويبدل منه ( إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبُر ) شق ( عليكم مَقامي ) لبثي فيكم ( وتذكيري ) وعظي إياكم ( بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم ) اعزموا على أمر تفعلونه بي ( وشركاءكم ) الواو بمعنى مع ( ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ) مستوراً بل أظهروه وجاهروني به ( ثم اقضوا إلي ) امضوا فيما أردتموه ( ولا تُنظرون ) تمهلون فإني لست مبالياً بكم
72. ( فإن توليتم ) عن تذكيري ( فما سألتكم من أجر ) ثواب عليه فتُوَلُّوا ( إن ) ما ( أجري ) ثوابي ( إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين )
73. ( فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك ) السفينة ( وجعلناهم ) أي من معه ( خلائف ) في الأرض ( وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا ) بالطوفان ( فانظر كيف كان عاقبة المنذَرين ) من إهلاكهم فكذلك نفعل بمن كذب
74. ( ثم بعثنا من بعده ) أي نوح ( رسلاً إلى قومهم ) كإبراهيم وهود وصالح ( فجاؤوهم بالبينات ) المعجزات ( فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل ) أي قبل بعث الرسل إليهم ( كذلك نطبع ) نختم ( على قلوب المعتدين ) فلا تقبل الإيمان كما طبعنا على قلوب أولئك
75. ( ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه ) قومه ( بآياتنا ) التسع ( فاستكبروا ) عن الإيمان بها ( وكانوا قوما مجرمين )
76. ( فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين ) بيِّن ظاهر
77. ( قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم ) إنه لسحر ( أسحر هذا ) وقد أفلح من أتى به وأبطل سحر السحرة ( ولا يفلح الساحرون ) والاستفهام في الموضعين للإنكار
78. ( قالوا أجئتنا لتلفتنا ) لتردنا ( عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء ) الملك ( في الأرض ) أرض مصر ( وما نحن لكما بمؤمنين ) مصدقين
79. ( وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم ) فائق في علم السحر
80. ( فلما جاء السحرة قال لهم موسى ) بعد ما قالوا له { إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين } ( ألقوا ما أنتم ملقون )
81. ( فلما ألقوا ) حبالهم وعصيهم ( قال موسى ما ) استفهامية مبتدأ خبره ( جئتم به السحر ) بدل ، وفي قراءة بهمزة واحدة إخبار ، فما اسم موصول مبتدأ ( إن الله سيبطله ) أي سيمحقه ( إن الله لا يصلح عمل المفسدين )
82. ( ويحق ) يثبت ويظهر ( الله الحق بكلماته ) بمواعيده ( ولو كره المجرمون )
83. ( فما آمن لموسى إلا ذرية ) طائفة ( من ) أولاد ( قومه ) أي فرعون ( على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم ) يصرفهم عن دينه بتعذيبهم ( وإن فرعون لعالٍ ) متكبر ( في الأرض ) أرض مصر ( وإنه لمن المسرفين ) المتجاوزين الحد بادعاء الربوبية
84. ( وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين )
85. ( فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ) أي لا تظهرهم علينا فيظنوا أنهم على الحق فيفتتنوا بنا
86. ( ونجنا برحمتك من القوم الكافرين )
87. ( وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ ) اتخذا ( لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلة ) مصلى تصلون فيه لتأمنوا من الخوف ، وكان فرعون منعهم من الصلاة ( وأقيموا الصلاة ) أتموها ( وبشر المؤمنين ) بالنصر والجنة
88. ( وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ربنا ) آتيتهم ذلك ( ليضلوا ) في عاقبته ( عن سبيلك ) دينك ( ربنا اطمس على أموالهم ) امسخها ( واشدد على قلوبهم ) اطبع عليها واستوثق ( فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ) المؤلم ، دعا عليهم وأمَّن هارون على دعائه
89. ( قال ) تعالى ( قد أجيبت دعوتكما ) فمسخت أموالهم حجارةً ولم يؤمن فرعون حتى أدركه الغرق ( فاستقيما ) على الرسالة والدعوة إلى أن يأتيهم العذاب ( ولا تتبعانِّ سبيل الذين لا يعلمون ) في استعجال قضائي روي أنه مكث بعدها أربعين سنة
90. ( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم ) لحقهم ( فرعون وجنوده بغياً وعدواً ) مفعول له ( حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه ) أي بأنه وفي قراءة بالكسر استئنافا ( لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ) كرره ليقبل منه فلم يقبل ، ودس جبريل في فيه حمأة البحر مخافة أن تناله الرحمة وقال له
91. ( آلآن ) تؤمن ( وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ) بضلالك وإضلالك عن الإيمان
92. ( فاليوم ننجيك ) نخرجك من البحر ( ببدنك ) جسدك الذي لا روح فيه ( لتكون لمن خلفك ) بعدك ( آية ) عبرة فيعرفوا عبوديتك ولا يُقدِموا على مثل فعلك ، وعن ابن عباس أن بعض بني إسرائيل شكُّوا في موته فأُخرج لهم ليروه ( وإن كثيراً من الناس ) أي أهل مكة ( عن آياتنا لغافلون ) لا يعتبرون بها
93. ( ولقد بوأنا ) أنزلنا ( بني إسرائيل مبوَّأ صدق ) منزل كرامة وهو الشام ومصر ( ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا ) بأن آمن بعض وكفر بعض ( حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) من أمر الدين بإنجاء المؤمنين وتعذيب الكافرين
94. ( فإن كنت ) يا محمد ( في شك مما أنزلنا إليك ) من القصص فرضاً ( فاسأل الذين يقرؤون الكتاب ) التوراة ( من قبلك ) فإنه ثابت عندهم يخبرونك بصدقه ، قال صلى الله عليه وسلم : لا أشك ولا أسأل ( لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ) الشاكين فيه
95. ( ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين )
96. ( إن الذين حقت ) وجبت ( عليهم كلمة ربك ) بالعذاب ( لا يؤمنون )
97. ( ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ) فلا ينفعهم حينئذ
98. ( فلولا ) فهلا ( كانت قرية ) أريد أهلها ( آمنت ) قبل نزول العذاب بها ( فنفعها إيمانها إلا ) لكن ( قوم يونس لما آمنوا ) عند رؤية أمارة العذاب ولم يؤخروا إلى حلوله ( كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ) انقضاء آجالهم
99. ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس ) بما لم يشأه الله منهم ( حتى يكونوا مؤمنين ) لا
100. ( وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ) بإرادته ( ويجعل الرجس ) العذاب ( على الذين لا يعقلون ) يتدبرون آيات الله
101. ( قل ) لكفار مكة ( انظروا ماذا ) أي الذي ( في السماوات والأرض ) من الآيات الدالة على وحدانية الله تعالى ( وما تغني الآيات والنذر ) جمع نذير ، أي الرسل ( عن قوم لا يؤمنون ) في علم الله أي ما تنفعهم
102. ( فهل ) فما ( ينتظرون ) بتكذيبك ( إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم ) من الأمم أي مثل وقائعهم من العذاب ( قل فانتظروا ) ذلك ( إني معكم من المنتظرين )
103. ( ثم ننجّي ) المضارع لحكاية الحال الماضي ( رسلنا والذين آمنوا ) من العذاب ( كذلك ) الإنجاء ( حقاً علينا ننج المؤمنين ) النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين تعذيب المشركين
104. ( قل يا أيها الناس ) أي يا أهل مكة ( إن كنتم في شك من ديني ) أنه حق ( فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ) أي غيره ، وهو الأصنام لشككم فيه ( ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم ) يقبض أرواحكم ( وأمرت أن ) أي بأن ( أكون من المؤمنين )
105. ( و ) قيل لي ( أن أقم وجهك للدين حنيفاً ) مائلاً إليه ( ولا تكونن من المشركين )
106. ( ولا تدع ) تعبد ( من دون الله ما لا ينفعك ) إن عبدته ( ولا يضرك ) إن لم تعبده ( فإن فعلت ) ذلك فرضاً ( فإنك إذا من الظالمين )
107. ( وإن يمسسك ) يصيبك ( الله بضر ) كفقر ومرض ( فلا كاشف ) رافع ( له إلا هو وإن يردك بخير فلا رادّ ) دافع ( لفضله ) الذي أرادك به ( يصيب به ) أي بالخير ( من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم )
108. ( قل يا أيها الناس ) أي أهل مكة ( قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ) لأن ثواب اهتدائه له ( ومن ضل فإنما يضل عليها ) لأن وباله ضلاله عليها ( وما أنا عليكم بوكيل ) فأجبركم على الهدى
109. ( واتبع ما يوحى إليك ) من ربك ( واصبر ) على الدعوة وأذاهم ( حتى يحكم الله ) فيهم بأمره ( وهو خير الحاكمين ) أعدَلهم ، وقد صبر حتى حكم على المشركين بالقتال وأهل الكتاب بالجزية
1. ( الر ) الله أعلم بمراده بذلك ( تلك ) أي هذه الآيات ( آيات الكتاب ) القرآن والإضافة بمعنى من ( الحكيم ) المحكم
2. ( أكان للناس ) أي أهل مكة استفهام إنكار والجار والمجرور حال من قوله ( عجباً ) بالنصب خبر كان وبالرفع اسمها والخبر وهو اسمها على الأولى ( أن أوحينا ) أي إيحاؤنا ( إلى رجل منهم ) محمد صلى الله عليه وسلم ( أن ) مفسرة ( أنذر ) خوف ( الناس ) الكافرين بالعذاب ( وبشر الذين آمنوا أن ) أي بأن ( لهم قدم ) سلف ( صدق عند ربهم ) أي أجراً حسناً بما قدموه من الأعمال ( قال الكافرون إن هذا ) النبي صلى الله عليه وسلم ( لسحر مبين ) بيِّن وفي قراءة { لساحر } والمشار إليه القرآن المشتمل على ذلك
3. ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ) من الدنيا ، أي في قدرها لأنه لم يكن ثم شمس ولا قمر ولو شاء لخلقهن في لمحة ، والعدول عنه لتعليم خلقه التثبت ( ثم استوى على العرش ) استواء يليق به ( يدبر الأمر ) بين الخلائق ( ما من ) صلة ( شفيع ) يشفع لأحد ( إلا من بعد إذنه ) رد لقولهم إن الأصنام تشفع لكم ( ذلكم ) الخالق المدبر ( الله ربكم فاعبدوه ) وحدوه ( أفلا تذَّكَّرون ) بإدغام التاء في الأصل في الذال
4. ( إليه ) تعالى ( مرجعكم جميعاً وعد الله حقاً ) مصدران منصوبان بفعلهما المقدر ( إنه ) بالكسر استئنافا والفتح على تقدير اللام ( يبدأ الخلق ) أي بدأه بالإنشاء ( ثم يعيده ) بالبعث ( ليجزي ) يثيب ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم ) ماء بالغ نهاية الحرارة ( وعذاب أليم ) مؤلم ( بما كانوا يكفرون ) أي بسبب كفرهم
5. ( هو الذي جعل الشمس ضياء ) ذات ضياء أي نور ( والقمر نوراً وقدره ) من حيث سيره ( منازل ) ثمانية وعشرين ليلة من كل شهر منزلاً من ثمان وعشرين ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين يوماً أو ليلةً إن كان تسعة وعشرين يوماً ( لتعلموا ) بذلك ( عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك ) المذكور ( إلا بالحق ) لا عبثاً ، تعالى عن ذلك ( يفصل ) بالياء والنون يبين ( الآيات لقوم يعلمون ) يتدبرون
6. ( إن في اختلاف الليل والنهار ) بالذهاب والمجيء والزيادة والنقصان ( وما خلق الله في السماوات ) من ملائكة وشمس وقمر ونجوم وغير ذلك ( والأرض ) في الأرض من حيوان وجبال وبحار وأنهار وأشجار وغيرها ( لآيات ) دلالات على قدرته تعالى ( لقوم يتقون ) فيؤمنون خصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بها
7. ( إن الذين لا يرجون لقاءنا ) بالبعث ( ورضوا بالحياة الدنيا ) بدل الآخرة لإنكارهم لها ( واطمأنوا بها ) سكنوا إليها ( والذين هم عن آياتنا ) دلائل وحدانيتنا ( غافلون ) تاركون النظر فيها
8. ( أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون ) من الشرك والمعاصي
9. ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ) يرشدهم ( ربهم بإيمانهم ) به بأن يجعل لهم نوراً يهتدون به يوم القيامة ( تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم )
10. ( دعواهم فيها ) طلبهم يشتهونه في الجنة أن يقولوا ( سبحانك اللهم ) أي يا الله فإذا ما طلبوه وجدوه بين أيديهم ( وتحيتهم ) فيما بينهم ( فيها سلام وآخر دعواهم أن ) مفسرة ( الحمد لله رب العالمين )
11. ونزل لما استعجل المشركون العذاب ( ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم ) أي كاستعجالهم ( بالخير لقضي ) بالبناء للمفعول وللفاعل ( إليهم أجلهم ) بالرفع والنصب بأن يهلكهم ولكن يمهلهم ( فنذر ) نترك ( الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون ) يترددون متحيرين
12. ( وإذا مس الإنسان ) الكافر ( الضر ) المرض والفقر ( دعانا لجنبه ) أي مضطجعاً ( أو قاعداً أو قائماً ) أي في كل حالٍ ( فلما كشفنا عنه ضره مر ) على كفره ( كأنْ ) مخففة واسمها محذوف أي كأنه ( لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك ) كما زين له الدعاء عند الضرر والإعراض عند الرخاء ( زين للمسرفين ) المشركين ( ما كانوا يعملون )
13. ( ولقد أهلكنا القرون ) الأمم ( من قبلكم ) يا أهل مكة ( لما ظلموا ) بالشرك ( و ) قد ( جاءتهم رسلهم بالبينات ) الدالات على صدقهم ( وما كانوا ليؤمنوا ) عطف على ظلموا ( كذلك ) كما أهلكنا أولئك ( نجزي القوم المجرمين ) الكافرين
14. ( ثم جعلناكم ) يا أهل مكة ( خلائف ) جمع خليفة ( في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون ) فيها وهل تعتبرون بهم فتصدقوا رسلنا
15. ( وإذا تتلى عليهم آياتنا ) القرآن ( بيناتٍ ) ظاهراتٍ حال ( قال الذين لا يرجون لقاءنا ) لا يخافون البعث ( ائت بقرآن غير هذا ) ليس فيه عيب آلهتنا ( أو بدِّله ) من تلقاء نفسك ( قل ) لهم ( ما يكون ) ينبغي ( لي أن أبدله من تلقاء ) قبل ( نفسي إن ) ما ( أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي ) بتبديله ( عذاب يوم عظيم ) هو يوم القيامة
16. ( قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم ) أعلمكم ( به ) ولا نافية عطف على ما قبله ، وفي قراءة بلام جواب لو : أي لأعلمكم به على لسان غيري ( فقد لبثت ) مكثت ( فيكم عمراً ) سنيناً أربعين ( من قبله ) لا أحدثكم بشيء ( أفلا تعقلون ) أنه ليس من قِبَلي
17. ( فمن ) أي لا أحد ( أظلم ممن افترى على الله كذباً ) بنسبة الشريك إليه ( أو كذب بآياته ) القرآن ( إنه ) أي الشأن ( لا يفلح ) يسعد ( المجرمون ) المشركون
18. ( ويعبدون من دون الله ) أي غيره ( ما لا يضرهم ) إن لم يعبدوه ( ولا ينفعهم ) إن عبدوه وهو الأصنام ( ويقولون ) عنها ( هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل ) لهم ( أتنبئون الله ) تخبرونه ( بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض ) استفهام إنكار إذ لو كان له شريك لعلمه إذ لا يخفي عليه شيء ( سبحانه ) تنزيهاً له ( وتعالى عما يشركونـ ) ـه معه
19. ( وما كان الناس إلا أمة واحدة ) على دين واحد وهو الإسلام ، من لدن آدم إلى نوح ، وقيل من عهد إبراهيم إلى عمرو بن لحيّ ( فاختلفوا ) بأن ثبت بعض وكفر بعض ( ولولا كلمة سبقت من ربك ) بتأخير الجزاء إلى يوم القيامة ( لقضي بينهم ) أي الناس في الدنيا ( فيما فيه يختلفون ) من الدين بتعذيب الكافرين
20. ( ويقولون ) أي أهل مكة ( لولا ) هلا ( أنزل عليه ) على محمد صلى الله عليه وسلم ( آية من ربه ) كما كان للأنبياء من الناقة والعصا واليد ( فقل ) لهم ( إنما الغيب ) ما غاب عن العباد أي أمره ( لله ) ومنه الآيات فلا يأتي بها إلا هو وإنما علي التبليغ ( فانتظروا ) العذاب إن لم تؤمنوا ( إني معكم من المنتظرين )
26. ( للذين أحسنوا ) بالإيمان ( الحسنى ) الجنة ( وزيادة ) هي النظر إليه تعالى كما في حديث مسلم ( ولا يرهق ) يغشى ( وجوههم قتر ) سواد ( ولا ذلة ) كآبة ( أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون )
27. ( والذين ) عطف على الذين أحسنوا ، أي وللذين ( كسبوا السيئات ) عملوا الشرك ( جزاء سيئةٍ بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من ) زائدة ( عاصم ) مانع ( كأنما أغشيت ) ألبست ( وجوههم قطَعاً ) بفتح الطاء ، جمع قطعة وإسكانها أي جزءاً ( من الليل مظلماً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
28. ( و ) اذكر ( يوم نحشرهم ) أي الخلق ( جميعاً ثم نقول للذين أشركوا مكانكم ) نصب بالزموا مقدراً ( أنتم ) تأكيد للضمير المستتر في الفعل المقدر ليعطف عليه ( وشركاؤكم ) أي الأصنام ( فزيَّلنا ) ميزنا ( بينهم ) وبين المؤمنين كما في آية { وامتازوا اليوم أيها المجرمون } ( وقال ) لهم ( شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون ) ما نافية وقدم المفعول للفاصلة
29. ( فكفى بالله شهيداً بيننا وبينكم إن ) مخففة أي إنا ( كنا عن عبادتكم لغافلين )
30. ( هنالك ) أي ذلك اليوم ( تبلُو ) من البلوى ، وفي قراءة بتاءين { تتلو } من التلاوة ( كل نفس ما أسلفت ) قدمت من العمل ( وردوا إلى الله مولاهم الحق ) الثابت الدائم ( وضل ) غاب ( عنهم ما كانوا يفترون ) عليه من الشركاء
31. ( قل ) لهم ( من يرزقكم من السماء ) بالمطر ( والأرض ) بالنبات ( أم من يملك السمع ) بمعنى الأسماع أي خلقها ( والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر ) بين الخلائق ( فسيقولون ) هو ( الله فقل ) لهم ( أفلا تتقون ) فتؤمنون
32. ( فذلكم ) الفاعل لهذه الأشياء ( الله ربكم الحق ) الثابت ( فماذا بعد الحق إلا الضلال ) استفهام تقرير ، أي ليس بعده غيره فمن أخطأ الحق وهو عبادة الله وقع في الضلال ( فأنى ) كيف ( تصرفون ) عن الإيمان مع قيام البرهان
33. ( كذلك ) كما صرف هؤلاء عن الإيمان ( حقت كلمة ربك على الذين فسقوا ) كفروا ، وهي { لأملأن جهنم } الآية ، أو هي ( أنهم لا يؤمنون )
34. ( قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون ) تصرفون عن عبادته مع قيام الدليل
35. ( قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق ) بنصب الحجج وخلق الاهتداء ( قل الله يهدي للحق ، أفمن يهدي إلى الحق ) وهو الله ( أحق أن يتبع أم من لا يهدِّي ) يهتدي ( إلا أن يُهدى ) أحق أن يتبع ، استفهام تقرير وتوبيخ ، أي الأول أحق ( فما لكم كيف تحكمون ) هذا الحكم الفاسد من اتباع ما لا يحق اتباعه
36. ( وما يتبع أكثرهم ) في عبادة الأصنام ( إلا ظناً ) حيث قلَّدوا فيه آباءهم ( إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ) فيما المطلوب منه العلم ( إن الله عليم بما يفعلون ) فيجازيهم عليه
37. ( وما كان هذا القرآن أن يفترى ) أي افتراء ( من دون الله ) غيره ( ولكن ) أنزل ( تصديقَ الذي بين يديه ) من الكتب ( وتفصيلَ الكتاب ) تبيين ما كتبه الله من الأحكام وغيرها ( لا ريب ) لا شك ( فيه من رب العالمين ) متعلق بتصديق أو بأنزل المحذوف وقرئ برفع تصديق وتفصيل بتقدير هو
38. ( أم ) بل ( يقولون افتراه ) اختلقه محمد ( قل فأتوا بسورة مثله ) في الفصاحة والبلاغة على وجه الافتراء فإنكم عربيون فصحاء مثلي ( وادعوا ) للإعانة عليه ( من استطعتم من دون الله ) أي غيره ( إن كنتم صادقين ) في أنه افتراء فلم تقدروا على ذلك
39. قال تعالى ( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ) أي القرآن ولم يتدبروه ( ولما ) لم ( يأتهم تأويله ) عاقبة ما فيه من الوعيد ( كذلك ) التكذيب ( كذب الذين من قبلهم ) رسلهم ( فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ) بتكذيب الرسل أي آخر أمرهم من الهلاك فكذلك نهلك هؤلاء
40. ( ومنهم ) أي أهل مكة ( من يؤمن به ) لعلم الله ذلك منهم ( ومنهم من لا يؤمن به ) أبداً ( وربك أعلم بالمفسدين ) تهديد لهم
41. ( وإن كذبوك فقل ) لهم ( لي عملي ولكم عملكم ) أي لكل جزاء عمله ( أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ) وهذا منسوخ بآية السيف
42. ( ومنهم من يستمعون إليك ) إذا قرأت القرآن ( أفأنت تسمع الصم ) شبههم بهم في عدم الانتفاع بما يتلى عليهم ( ولو كانوا ) مع الصمم ( لا يعقلون ) يتدبرون
43. ( ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون ) شبَّههم بهم في عدم الاهتداء بل أعظم { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور }
44. ( إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون )
45. ( ويوم يحشرهم كأن ) أي كأنهم ( لم يلبثوا ) في الدنيا أو القبور ( إلا ساعةً من النهار ) لهول ما رأوا ، وجملة التشبيه حال من الضمير ( يتعارفون بينهم ) يعرف بعضهم بعضاً إذا بعثوا ثم ينقطع التعارف لشدة الأحوال والجملة حال مقدرة أو متعلق الظرف ( قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله ) بالبعث ( وما كانوا مهتدين )
46. ( وإما ) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة ( نُرينَّك بعض الذي نعدهم ) به من العذاب في حياتك وجواب الشرط محذوف أي فذاك ( أو نتوفينك ) قبل تعذيبهم ( فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد ) مطلع ( على ما يفعلون ) من تكذيبهم وكفرهم فيعذبهم أشد العذاب
47. ( ولكل أمة ) من الأمم ( رسول فإذا جاء رسولهم ) إليهم فكذبوه ( قضي بينهم بالقسط ) بالعدل فيعذبون وينجى الرسول ومن صدقه ( وهم لا يظلمون ) بتعذيبهم بغير جرم فكذلك نفعل بهؤلاء
48. ( ويقولون متى هذا الوعد ) بالعذاب ( إن كنتم صادقين ) فيه
49. ( قل لا أملك لنفسي ضراً ) أدفعه ( ولا نفعاً ) أجلبه ( إلا ما شاء الله ) أي يقدرني عليه ، فكيف أملك لكم حلول العذاب ( لكل أمة أجل ) مدة معلومة لهلاكهم ( إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ) يتأخرون عنه ( ساعة ولا يستقدمون ) يتقدمون عليه
50. ( قل أرأيتم ) أخبروني ( إن أتاكم عذابه ) أي الله ( بياتاً ) ليلاً ( أو نهاراً ماذا ) أي شيء ( يستعجل منه ) أي العذاب ( المجرمون ) المشركون ، فيه وضع الظاهر موضع المضمر وجملة الاستفهام جواب شرط : كقولك إذا أتيتك ماذا تعطيني ، والمراد به التهويل أي ما أعظم ما استعجلوه
51. ( أثُم إذا ما وقع ) حلَّ بكم ( آمنتم به ) أي الله أو العذاب عند نزوله والهمزة لإنكار التأخير فلا يقبل منكم ويقال لكم ( آلآن ) تؤمنون ( وقد كنتم به تستعجلون ) استهزاء
52. ( ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد ) أي الذي تخلدون فيه ( هل ) ما ( تجزون إلا ) جزاء ( بما كنتم تكسبون )
53. ( ويستنبئونك ) يستخبرونك ( أحق هو ) أي ما وعدتنا به من العذاب والبعث ( قل إي ) نعم ( وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين ) بفائتين العذاب
54. ( ولو أن لكل نفس ظلمت ) كفرت ( ما في الأرض ) جميعاً من الأموال ( لافتدت به ) من العذاب يوم القيامة ( وأسروا الندامة ) على ترك الإيمان ( لما رأوا العذاب ) أخفاها رؤساؤهم عن الضعفاء الذين أضلوهم مخافة التعيير ( وقضي بينهم ) بين الخلائق ( بالقسط ) بالعدل ( وهم لا يظلمون ) شيئاً
55. ( ألا إن لله ما في السماوات والأرض ألا إن وعد الله ) بالبعث والجزاء ( حق ) ثابت ( ولكن أكثرهم ) أي الناس ( لا يعلمون ) ذلك
56. ( هو يحيي ويميت وإليه ترجعون ) في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم
57. ( يا أيها الناس ) أي أهل مكة ( قد جاءتكم موعظة من ربكم ) كتاب فيه ما لكم وما عليكم وهو القرآن ( وشفاء ) دواء ( لما في الصدور ) من العقائد الفاسدة والشكوك ( وهدى ) من الضلال ( ورحمة للمؤمنين ) به
58. ( قل بفضل الله ) الإسلام ( وبرحمته ) القرآن ( فبذلك ) الفضل والرحمة ( فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) من الدنيا بالياء والتاء
59. ( قل أرأيتم ) أخبروني ( ما أنزل الله ) خلق ( لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً ) كالبحيرة والسائبة والميتة ( قل آلله أذن لكم ) في ذلك بالتحليل والتحريم لا ( أم ) بل ( على الله تفترون ) تكذبون بنسبة ذلك إليه
60. ( وما ظن الذين يفترون على الله الكذب ) أي شيء ظنهم به ( يوم القيامة ) أيحسبون أنه لا يعاقبهم لا ( إن الله لذو فضل على الناس ) بإمهالهم والإنعام عليهم ( ولكن أكثرهم لا يشكرون )
61. ( وما تكون ) يا محمد ( في شأن ) أمر ( وما تتلو منه ) أي من الشأن أو الله ( من قرآن ) أنزله عليك ( ولا تعملون ) خاطبه وأمته ( من عمل إلا كنا عليكم شهوداً ) رقباء ( إذ تفيضون ) تأخذون ( فيه ) أي العمل ( وما يعزب ) يغيب ( عن ربك من مثقال ) وزن ( ذرة ) أصغر نملة ( في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ) بيِّن هو اللوح المحفوظ
62. ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) في الآخرة
63. هم ( الذين آمنوا وكانوا يتقون ) الله بامتثال أمره ونهيه
64. ( لهم البشرى في الحياة الدنيا ) فسرت في حديث صححه الحاكم بالرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له ( وفي الآخرة ) الجنة والثواب ( لا تبديل لكلمات الله ) لا خلف لمواعيده ( ذلك ) المذكور ( هو الفوز العظيم )
65. ( ولا يحزنك قولهم ) لك لست مرسلاً وغيره ( إن ) استئناف ( العزة ) القوة ( لله جميعا هو السميع ) للقول ( العليم ) بالفعل فيجازيهم وينصرك
66. ( ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض ) عبيداً وملكاً وخلقاً ( وما يتبع الذين يدعون ) يعبدون ( من دون الله ) أي غيره أصناماً ( شركاء ) له على الحقيقة تعالى على ذلك ( إن ) ما ( يتبعون ) في ذلك ( إلا الظن ) أي ظنهم أنها آلهة تشفع لهم ( وإن ) ما ( هم إلا يخرصون ) يكذبون في ذلك
67. ( هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً ) إسناد الإبصار إليه مجاز لأنه يبصر فيه ( إن في ذلك لآيات ) دلالات على وحدانيته تعالى ( لقوم يسمعون ) سماع تدبرٍ واتعاظ
68. ( قالوا ) أي اليهود والنصارى ومن زعم أن الملائكة بنات الله ( اتخذ الله ولداً ) قال تعالى لهم ( سبحانه ) تنزيهاً له عن الولد ( هو الغني ) عن كل أحد وإنما يطلب الولد من يحتاج إليه ( له ما في السماوات وما في الأرض ) ملكاً وخلقاً وعبيداً ( إن ) ما ( عندكم من سلطانٍ ) حجةٍ ( بهذا ) الذي تقولونه ( أتقولون على الله ما لا تعلمون ) استفهام توبيخ
69. ( قل إن الذين يفترون على الله الكذب ) بنسبه الولد إليه ( لا يفلحون ) لا يسعدون
70. لهم ( متاع ) قليل ( في الدنيا ) يتمتعون به مدة حياتهم ( ثم إلينا مرجعهم ) بالموت ( ثم نذيقهم العذاب الشديد ) بعد الموت ( بما كانوا يكفرون )
71. ( واتل ) يا محمد ( عليهم ) أي كفار مكة ( نبأ ) خبر ( نوح ) ويبدل منه ( إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبُر ) شق ( عليكم مَقامي ) لبثي فيكم ( وتذكيري ) وعظي إياكم ( بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم ) اعزموا على أمر تفعلونه بي ( وشركاءكم ) الواو بمعنى مع ( ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ) مستوراً بل أظهروه وجاهروني به ( ثم اقضوا إلي ) امضوا فيما أردتموه ( ولا تُنظرون ) تمهلون فإني لست مبالياً بكم
72. ( فإن توليتم ) عن تذكيري ( فما سألتكم من أجر ) ثواب عليه فتُوَلُّوا ( إن ) ما ( أجري ) ثوابي ( إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين )
73. ( فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك ) السفينة ( وجعلناهم ) أي من معه ( خلائف ) في الأرض ( وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا ) بالطوفان ( فانظر كيف كان عاقبة المنذَرين ) من إهلاكهم فكذلك نفعل بمن كذب
74. ( ثم بعثنا من بعده ) أي نوح ( رسلاً إلى قومهم ) كإبراهيم وهود وصالح ( فجاؤوهم بالبينات ) المعجزات ( فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل ) أي قبل بعث الرسل إليهم ( كذلك نطبع ) نختم ( على قلوب المعتدين ) فلا تقبل الإيمان كما طبعنا على قلوب أولئك
75. ( ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه ) قومه ( بآياتنا ) التسع ( فاستكبروا ) عن الإيمان بها ( وكانوا قوما مجرمين )
76. ( فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين ) بيِّن ظاهر
77. ( قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم ) إنه لسحر ( أسحر هذا ) وقد أفلح من أتى به وأبطل سحر السحرة ( ولا يفلح الساحرون ) والاستفهام في الموضعين للإنكار
78. ( قالوا أجئتنا لتلفتنا ) لتردنا ( عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء ) الملك ( في الأرض ) أرض مصر ( وما نحن لكما بمؤمنين ) مصدقين
79. ( وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم ) فائق في علم السحر
80. ( فلما جاء السحرة قال لهم موسى ) بعد ما قالوا له { إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين } ( ألقوا ما أنتم ملقون )
81. ( فلما ألقوا ) حبالهم وعصيهم ( قال موسى ما ) استفهامية مبتدأ خبره ( جئتم به السحر ) بدل ، وفي قراءة بهمزة واحدة إخبار ، فما اسم موصول مبتدأ ( إن الله سيبطله ) أي سيمحقه ( إن الله لا يصلح عمل المفسدين )
82. ( ويحق ) يثبت ويظهر ( الله الحق بكلماته ) بمواعيده ( ولو كره المجرمون )
83. ( فما آمن لموسى إلا ذرية ) طائفة ( من ) أولاد ( قومه ) أي فرعون ( على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم ) يصرفهم عن دينه بتعذيبهم ( وإن فرعون لعالٍ ) متكبر ( في الأرض ) أرض مصر ( وإنه لمن المسرفين ) المتجاوزين الحد بادعاء الربوبية
84. ( وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين )
85. ( فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ) أي لا تظهرهم علينا فيظنوا أنهم على الحق فيفتتنوا بنا
86. ( ونجنا برحمتك من القوم الكافرين )
87. ( وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ ) اتخذا ( لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلة ) مصلى تصلون فيه لتأمنوا من الخوف ، وكان فرعون منعهم من الصلاة ( وأقيموا الصلاة ) أتموها ( وبشر المؤمنين ) بالنصر والجنة
88. ( وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ربنا ) آتيتهم ذلك ( ليضلوا ) في عاقبته ( عن سبيلك ) دينك ( ربنا اطمس على أموالهم ) امسخها ( واشدد على قلوبهم ) اطبع عليها واستوثق ( فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ) المؤلم ، دعا عليهم وأمَّن هارون على دعائه
89. ( قال ) تعالى ( قد أجيبت دعوتكما ) فمسخت أموالهم حجارةً ولم يؤمن فرعون حتى أدركه الغرق ( فاستقيما ) على الرسالة والدعوة إلى أن يأتيهم العذاب ( ولا تتبعانِّ سبيل الذين لا يعلمون ) في استعجال قضائي روي أنه مكث بعدها أربعين سنة
90. ( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم ) لحقهم ( فرعون وجنوده بغياً وعدواً ) مفعول له ( حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه ) أي بأنه وفي قراءة بالكسر استئنافا ( لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ) كرره ليقبل منه فلم يقبل ، ودس جبريل في فيه حمأة البحر مخافة أن تناله الرحمة وقال له
91. ( آلآن ) تؤمن ( وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ) بضلالك وإضلالك عن الإيمان
92. ( فاليوم ننجيك ) نخرجك من البحر ( ببدنك ) جسدك الذي لا روح فيه ( لتكون لمن خلفك ) بعدك ( آية ) عبرة فيعرفوا عبوديتك ولا يُقدِموا على مثل فعلك ، وعن ابن عباس أن بعض بني إسرائيل شكُّوا في موته فأُخرج لهم ليروه ( وإن كثيراً من الناس ) أي أهل مكة ( عن آياتنا لغافلون ) لا يعتبرون بها
93. ( ولقد بوأنا ) أنزلنا ( بني إسرائيل مبوَّأ صدق ) منزل كرامة وهو الشام ومصر ( ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا ) بأن آمن بعض وكفر بعض ( حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) من أمر الدين بإنجاء المؤمنين وتعذيب الكافرين
94. ( فإن كنت ) يا محمد ( في شك مما أنزلنا إليك ) من القصص فرضاً ( فاسأل الذين يقرؤون الكتاب ) التوراة ( من قبلك ) فإنه ثابت عندهم يخبرونك بصدقه ، قال صلى الله عليه وسلم : لا أشك ولا أسأل ( لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ) الشاكين فيه
95. ( ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين )
96. ( إن الذين حقت ) وجبت ( عليهم كلمة ربك ) بالعذاب ( لا يؤمنون )
97. ( ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ) فلا ينفعهم حينئذ
98. ( فلولا ) فهلا ( كانت قرية ) أريد أهلها ( آمنت ) قبل نزول العذاب بها ( فنفعها إيمانها إلا ) لكن ( قوم يونس لما آمنوا ) عند رؤية أمارة العذاب ولم يؤخروا إلى حلوله ( كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ) انقضاء آجالهم
99. ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس ) بما لم يشأه الله منهم ( حتى يكونوا مؤمنين ) لا
100. ( وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ) بإرادته ( ويجعل الرجس ) العذاب ( على الذين لا يعقلون ) يتدبرون آيات الله
101. ( قل ) لكفار مكة ( انظروا ماذا ) أي الذي ( في السماوات والأرض ) من الآيات الدالة على وحدانية الله تعالى ( وما تغني الآيات والنذر ) جمع نذير ، أي الرسل ( عن قوم لا يؤمنون ) في علم الله أي ما تنفعهم
102. ( فهل ) فما ( ينتظرون ) بتكذيبك ( إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم ) من الأمم أي مثل وقائعهم من العذاب ( قل فانتظروا ) ذلك ( إني معكم من المنتظرين )
103. ( ثم ننجّي ) المضارع لحكاية الحال الماضي ( رسلنا والذين آمنوا ) من العذاب ( كذلك ) الإنجاء ( حقاً علينا ننج المؤمنين ) النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين تعذيب المشركين
104. ( قل يا أيها الناس ) أي يا أهل مكة ( إن كنتم في شك من ديني ) أنه حق ( فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ) أي غيره ، وهو الأصنام لشككم فيه ( ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم ) يقبض أرواحكم ( وأمرت أن ) أي بأن ( أكون من المؤمنين )
105. ( و ) قيل لي ( أن أقم وجهك للدين حنيفاً ) مائلاً إليه ( ولا تكونن من المشركين )
106. ( ولا تدع ) تعبد ( من دون الله ما لا ينفعك ) إن عبدته ( ولا يضرك ) إن لم تعبده ( فإن فعلت ) ذلك فرضاً ( فإنك إذا من الظالمين )
107. ( وإن يمسسك ) يصيبك ( الله بضر ) كفقر ومرض ( فلا كاشف ) رافع ( له إلا هو وإن يردك بخير فلا رادّ ) دافع ( لفضله ) الذي أرادك به ( يصيب به ) أي بالخير ( من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم )
108. ( قل يا أيها الناس ) أي أهل مكة ( قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ) لأن ثواب اهتدائه له ( ومن ضل فإنما يضل عليها ) لأن وباله ضلاله عليها ( وما أنا عليكم بوكيل ) فأجبركم على الهدى
109. ( واتبع ما يوحى إليك ) من ربك ( واصبر ) على الدعوة وأذاهم ( حتى يحكم الله ) فيهم بأمره ( وهو خير الحاكمين ) أعدَلهم ، وقد صبر حتى حكم على المشركين بالقتال وأهل الكتاب بالجزية
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
11. سورة هود
1. ( الر ) الله أعلم بمراده بذلك ، هذا ( كتاب أحكمت آياته ) بعجيب النظم وبديع المعاني ( ثم فصِّلت ) بينت بالأحكام والقصص والمواعظ ( من لدن حكيم خبير ) الله
2. ( ألا ) أي بأن لا ( تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير ) بالعذاب إن كفرتم ( وبشير ) بالثواب إن آمنتم
3. ( وأن استغفروا ربكم ) من الشرك ( ثم توبوا ) ارجعوا ( إليه ) بالطاعة ( يمتعكم ) في الدنيا ( متاعاً حسناً ) بطيب عيش وسعة رزق ( إلى أجل مسمى ) هو الموت ( ويؤت ) في الآخرة ( كل ذي فضلٍ ) في العمل ( فضله ) جزاءه ( وإن تَولَّوا ) فيه حذف إحدى التاءين ، أي تعرضوا ( فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير ) هو يوم القيامة
4. ( إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير ) ومنه الثواب والعذاب
5. ونزل كما رواه البخاري عن ابن عباس فيمن كان يستحيي أن يتخلى أو يجامع فيفضي إلى السماء وقيل في المنافقين ( ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ) أي الله ( ألا حين يستغشون ثيابهم ) يتغطَّون بها ( يعلم ) تعالى ( ما يسرون وما يعلنون ) فلا يغني استخفاؤهم ( إنه عليم بذات الصدور ) أي بما في القلوب
6. ( وما من ) زائدة ( دابة في الأرض ) هي ما دب عليها ( إلا على الله رزقها ) تكفل به فضلاً منه تعالى ( ويعلم مستقرها ) مسكنها في الدنيا أو الصلب ( ومستودعها ) بعد الموت أو في الرحم ( كل ) مما ذكر ( في كتاب مبين ) بين هو اللوح المحفوظ
7. ( وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ) أولها الأحد وآخرها الجمعة ( وكان عرشه ) قبل خلقها ( على الماء ) وهو على متن الريح ( ليبلوكم ) متعلق بخلق ، أي خلقهما وما فيهما من منافع لكم ومصالح ليختبركم ( أيكم أحسن عملاً ) أي أطوع لله ( ولئن قلت ) يا محمد لهم ( إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن ) ما ( هذا ) القرآن الناطق بالبعث والذي تقوله ( إلا سحر مبين ) بين ، وفي قراءة { ساحر } ، والمشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم
8. ( ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى ) مجيء ( أمة ) أوقات ( معدودة ليقولُن ) استهزاء ( ما يحبسه ) ما يمنعه من النزول قال تعالى : ( ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً ) مدفوعاً ( عنهم وحاق ) نزل ( بهم ما كانوا به يستهزئون ) من العذاب
9. ( ولئن أذقنا الإنسان ) الكافر ( منا رحمة ) غنى وصحة ( ثم نزعناها منه إنه ليؤوس ) قنوط من رحمة الله ( كفور ) شديد الكفر به
10. ( ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء ) فقر وشدة ( مسته ليقولن ذهب السيئات ) المصائب ( عني ) ولم يتوقع زوالها ولا شكر عليها ( إنه لفرح ) بطر ( فخور ) على الناس بما أوتي
11. ( إلا ) لكن ( الذين صبروا ) على الضراء ( وعملوا الصالحات ) في النعماء ( أولئك لهم مغفرة وأجر كبير ) هو الجنة
12. ( فلعلك ) يا محمد ( تارك بعض ما يوحى إليك ) فلا تبلغهم إياه لتهاونهم به ( وضائق به صدرك ) بتلاوته عليهم لأجل ( أن يقولوا لولا ) هلا ( أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك ) يصدقه كما اقترحنا ( إنما أنت نذير ) فما عليك إلا البلاغ لا الإتيان بما اقترحوه ( والله على كل شيء وكيل ) حفيظ فيجازيهم
13. ( أم ) بل أ ( يقولون افتراه ) أي القرآن ( قل فأتوا بعشر سور مثله ) في الفصاحة والبلاغة ( مفتريات ) فإنكم عربيون فصحاء مثلي ، تحداهم بها أولاً ثم بسورة ( وادعوا ) للمعاونة على ذلك ( من استطعتم من دون الله ) أي غيره ( إن كنتم صادقين ) في أنه افتراء
14. ( فإن لم يستجيبوا لكم ) أي من دعوتموهم للمعاونة ( فاعلموا ) خطاب للمشركين ( أنما أنزل ) ملتبسا ( بعلم الله ) وليس افتراء عليه ( وأن ) مخفّفة أي أنه ( لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون ) بعد هذه الحجة القاطعة أي أسلموا
15. ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ) بأن أصر على الشرك وقيل هي في المرائين ( نوفِّ إليهم أعمالهم ) أي جزاء ما عملوه من خير كصدقة وصلة رحم ( فيها ) بأن نوسِّع عليهم رزقهم ( وهم فيها ) أي الدنيا ( لا يبخسون ) ينقصون شيئاً
16. ( أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ) بطل ( ما صنعوا ) ه ( فيها ) أي الآخرة فلا ثواب له ( وباطل ما كانوا يعملون )
17. ( أفمن كان على بينة ) بيان ( من ربه ) وهو النبي صلى الله عليه وسلم أو المؤمنون وهي القرآن ( ويتلوه ) يتبعه ( شاهد ) له بصدقه ( منه ) أي من الله وهو جبريل ( ومن قبله ) القرآن ( كتاب موسى ) التوراة شاهد له أيضا ( إماماً ورحمة ) حال كمن ليس كذلك لا ( أولئك ) أي من كان على بينة ( يؤمنون به ) أي القرآن فلهم الجنة ( ومن يكفر به من الأحزاب ) جميع الكفار ( فالنار موعده فلا تك في مرية ) شك ( منه ) من القرآن ( إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس ) أي أهل مكة ( لا يؤمنون )
18. ( ومن ) أي لا أحد ( أظلم ممن افترى على الله كذباً ) بنسبة الشريك والولد إليه ( أولئك يعرضون على ربهم ) يوم القيامة في جملة الخلق ( ويقول الأشهاد ) جمع شاهد وهم الملائكة يشهدون للرسل بالبلاغ وعلى الكفار بالتكذيب ( هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ) المشركين
19. ( الذين يصدون عن سبيل الله ) دين الإسلام ( ويبغونها ) يطلبون السبيل ( عوجاً ) معوجة ( وهم بالآخرة هم ) تأكيد ( كافرون )
13. ( أم ) بل أ ( يقولون افتراه ) أي القرآن ( قل فأتوا بعشر سور مثله ) في الفصاحة والبلاغة ( مفتريات ) فإنكم عربيون فصحاء مثلي ، تحداهم بها أولاً ثم بسورة ( وادعوا ) للمعاونة على ذلك ( من استطعتم من دون الله ) أي غيره ( إن كنتم صادقين ) في أنه افتراء
14. ( فإن لم يستجيبوا لكم ) أي من دعوتموهم للمعاونة ( فاعلموا ) خطاب للمشركين ( أنما أنزل ) ملتبسا ( بعلم الله ) وليس افتراء عليه ( وأن ) مخفّفة أي أنه ( لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون ) بعد هذه الحجة القاطعة أي أسلموا
15. ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ) بأن أصر على الشرك وقيل هي في المرائين ( نوفِّ إليهم أعمالهم ) أي جزاء ما عملوه من خير كصدقة وصلة رحم ( فيها ) بأن نوسِّع عليهم رزقهم ( وهم فيها ) أي الدنيا ( لا يبخسون ) ينقصون شيئاً
16. ( أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ) بطل ( ما صنعوا ) ه ( فيها ) أي الآخرة فلا ثواب له ( وباطل ما كانوا يعملون )
17. ( أفمن كان على بينة ) بيان ( من ربه ) وهو النبي صلى الله عليه وسلم أو المؤمنون وهي القرآن ( ويتلوه ) يتبعه ( شاهد ) له بصدقه ( منه ) أي من الله وهو جبريل ( ومن قبله ) القرآن ( كتاب موسى ) التوراة شاهد له أيضا ( إماماً ورحمة ) حال كمن ليس كذلك لا ( أولئك ) أي من كان على بينة ( يؤمنون به ) أي القرآن فلهم الجنة ( ومن يكفر به من الأحزاب ) جميع الكفار ( فالنار موعده فلا تك في مرية ) شك ( منه ) من القرآن ( إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس ) أي أهل مكة ( لا يؤمنون )
18. ( ومن ) أي لا أحد ( أظلم ممن افترى على الله كذباً ) بنسبة الشريك والولد إليه ( أولئك يعرضون على ربهم ) يوم القيامة في جملة الخلق ( ويقول الأشهاد ) جمع شاهد وهم الملائكة يشهدون للرسل بالبلاغ وعلى الكفار بالتكذيب ( هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ) المشركين
19. ( الذين يصدون عن سبيل الله ) دين الإسلام ( ويبغونها ) يطلبون السبيل ( عوجاً ) معوجة ( وهم بالآخرة هم ) تأكيد ( كافرون )
29. ( ويا قوم لا أسألكم عليه ) على تبليغ الرسالة ( مالاً ) تعطونيه ( إنْ ) ما ( أجري ) ثوابي ( إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا ) كما أمرتموني ( إنهم ملاقوا ربهم ) بالبعث فيجازيهم ويأخذ لهم ممن ظلمهم وطردهم ( ولكني أراكم قوما تجهلون ) عاقبة أمركم
30. ( ويا قوم من ينصرني ) يمنعني ( من الله ) أي عذابه ( إن طردتهم ) أي لا ناصر لي ( أفلا ) فهلا ( تذِّكِّرون ) بإدغام التاء الثانية في الأصل في الذال : تتعظون
31. ( ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا ) إني ( أعلم الغيب ولا أقول إني مَلَك ) بل أنا بشر مثلكم ( ولا أقول للذين تزدري ) تحتقر ( أعينكم لن يؤتيهم الله خيراً ، الله أعلم بما في أنفسهم ) قلوبهم ( إني إذاً ) إن قلت ذلك ( لمن الظالمين )
32. ( قالوا يا نوح قد جادلتنا ) خاصمتنا ( فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا ) به من العذاب ( إن كنت من الصادقين ) فيه
33. ( قال إنما يأتيكم به الله إن شاء ) تعجيله لكم فإن أمره إليه لا إلي ( وما أنتم بمعجزين ) بفائتين الله
34. ( ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم ) أي إغواءكم ، وجواب الشرط دل عليه ولا ينفعكم نصحي ( هو ربكم وإليه ترجعون )
35. قال تعالى : ( أم ) بل أ ( يقولون ) أي كفار مكة ( افتراه ) اختلق محمد القرآن ( قل إن افتريته فعلي إجرامي ) إثمي أي عقوبته ( وأنا بريء مما تجرمون ) من إجرامكم في نسبة الافتراء إلي
36. ( وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس ) تحزن ( بما كانوا يفعلون ) من الشرك ، فدعا عليهم بقوله : { رب لا تذر على الأرض } الخ ، فأجاب الله دعاءه فقال : { واصنع الفلك } الآية
37. ( واصنع الفلك ) السفينة ( بأعيننا ) بمرأى منا وحفظنا ( ووحينا ) أمرنا ( ولا تخاطبني في الذين ظلموا ) كفروا بترك إهلاكهم ( إنهم مغرقون )
38. ( ويصنع الفلك ) حكاية حال ماضية ( وكلما مر عليه ملأ ) جماعة ( من قومه سخروا منه ) استهزؤوا به ( قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ) إذا نجونا وغرقتم
39. ( فسوف تعلمون من ) موصولة مفعول العلم ( يأتيه عذابٌ يخزيه ويحل ) ينزل ( عليه عذاب مقيم )
40. ( حتى ) غاية للصنع ( إذا جاء أمرنا ) بإهلاكهم ( وفار التنور ) للخباز بالماء ، وكان ذلك علامة لنوح ( قلنا احمل فيها ) في السفينة ( من كل زوجين ) ذكر وأنثى أي من كل أنواعهما ( اثنين ) ذكراً وأنثى وهو مفعول وفي القصة أن الله حشر لنوح السباع والطير وغيرها ، فجعل يضرب بيده في كل نوع فتقع يده اليمنى على الذكر واليسرى على الأنثى فيحملها في السفينة ( وأهلَكَ ) أي زوجته وأولاده ( إلا من سبق عليه القول ) أي منهم بالإهلاك وهو ولده كنعان وزوجته بخلاف سام وحام ويافث فحملهم وزوجاتهم الثلاثة ( ومن آمن وما آمن معه إلا قليل ) قيل كانوا ستة رجال ونساءهم وقيل جميع من كان في السفينة ثمانون نصفهم رجال ونصفهم نساء
41. ( وقال ) نوح ( اركبوا فيها بسم الله مَجراها ومَرساها ) بفتح الميمين وضمهما مصدران ، أي جريها ورسوها أي منتهى سيرها ( إن ربي لغفور رحيم ) حيث لم يهلكنا
42. ( وهي تجري بهم في موج كالجبال ) في الارتفاع والعظم ( ونادى نوح ابنه ) كنعان ( وكان في معزل ) عن السفينة ( يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين )
43. ( قال سآوي إلى جبل يعصمني ) يمنعني ( من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله ) عذابه ( إلا ) لكن ( من رحم ) الله فهو المعصوم ، قال تعالى ( وحال بينهما الموج فكان من المغرقين )
44. ( وقيل يا أرض ابلعي ماءك ) الذي نبع منك فشربته دون ما نزل من السماء أنهاراً وبحاراً ( ويا سماء أقلعي ) أمسكي عن المطر فأمسكت ( وغيض ) نقص ( الماء وقضي الأمر ) تم أمر هلاك قوم نوح ( واستوت ) وقفت السفينة ( على الجودي ) جبل بالجزيرة بقرب الموصل ( وقيل بُعداً ) هلاكاً ( للقوم الظالمين ) الكافرين
45. ( ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني ) كنعان ( من أهلي ) وقد وعدتني بنجاتهم ( وإن وعدك الحق ) الذي لاخلف فيه ( وأنت أحكم الحاكمين ) أعلمهم وأعدلهم
46. ( قال ) تعالى ( يا نوح إنه ليس من أهلك ) الناجين أو من أهل دينك ( إنه ) أي سؤالك إياي بنجاته ( عملٌ غيرُ صالح ) فإنه كافر ولا نجاة للكافرين ، وفي قراءة { عَمِلَ } بكسر ميم عمل فعل ونصب { غيرَ } فالضمير لابنه ( فلا تسألنِ ) بالتشديد والتخفيف ( ما ليس لك به علم ) من إنجاء ابنك ( إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) بسؤالك ما لم تعلم
47. ( قال رب إني أعوذ بك ) من ( أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي ) ما فرط مني ( وترحمني أكن من الخاسرين )
48. ( قيل يا نوح اهبط ) انزل من السفينة ( بسلام ) أو بتحية ( منا وبركات ) خيرات ( عليك وعلى أمم ممن معك ) في السفينة أي من أولادهم وذريتهم وهم المؤمنون ( وأممٌ ) بالرفع ممن معك ( سنمتعهم ) في الدنيا ( ثم يمسهم منا عذاب أليم ) في الآخرة وهم الكفار
49. ( تلك ) أي هذه الآيات المتضمنة قصة نوح ( من أنباء الغيب ) أخبار ما غاب عنك ( نوحيها إليك ) يا محمد ( ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ) القرآن ( فاصبر ) على التبليغ وأذى قومك كما صبر نوح ( إن العاقبة ) المحمودة ( للمتقين )
50. ( و ) أرسلنا ( إلى عاد أخاهم ) من القبيلة ( هوداً قال يا قوم اعبدوا الله ) وحدوه ( ما لكم من ) زائدة ( إله غيره إن ) ما ( أنتم ) في عبادتكم الأوثان ( إلا مفترون ) كاذبون على الله
51. ( يا قوم لا أسألكم عليه ) على التوحيد ( أجراً إن ) ما ( أجري إلا على الذي فطرني ) خلقني ( أفلا تعقلون )
52. ( ويا قوم استغفروا ربكم ) من الشرك ( ثم توبوا ) ارجعوا ( إليه ) بالطاعة ( يرسل السماء ) المطر وكانوا قد منعوه ( عليكم مدراراً ) كثير الدرور ( ويزدكم قوة إلى ) مع ( قوتكم ) بالمال والولد ( ولا تتولوا مجرمين ) مشركين
53. ( قالوا يا هود ما جئتنا ببينة ) برهان على قولك ( وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك ) أي لقولك ( وما نحن لك بمؤمنين )
54. ( إن ) ما ( نقول ) في شأنك ( إلا اعتراك ) أصابك ( بعض آلهتنا بسوء ) فخبلك لسبك إياها فأنت تهذي ( قال إني أشهد الله ) علي ( واشهدوا أني بريء مما تشركون ) به
55. ( من دونه فكيدوني ) احتالوا في هلاكي ( جميعاً ) أنتم وأوثانكم ( ثم لا تنظرون ) تمهلون
56. ( إني توكلت على الله ربي وربكم ما من ) زائدة ( دابة ) نسمة تدب على الأرض ( إلا هو آخذ بناصيتها ) أي مالكها وقاهرها فلا نفع ولا ضرر إلا بإذنه وخص الناصية بالذكر لأن من أخذ بناصيته يكون في غاية الذل ( إن ربي على صراط مستقيم ) أي طريق الحق والعدل
57. ( فإن تولوا ) فيه حذف إحدى التاءين أي تعرضوا ( فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوماً غيركم ولا تضرونه شيئاً ) بإشراككم ( إن ربي على كل شيء حفيظ ) رقيب
58. ( ولما جاء أمرنا ) عذابنا ( نجينا هوداً والذين آمنوا معه برحمة ) هداية ( منا ونجيناهم من عذاب غليظ ) شديد
59. ( وتلك عاد ) إشارة إلى آثارهم أي فسيحوا في الأرض وانظروا إليها ثم وصف أحوالهم فقال ( جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله ) جمع لأن من عصى رسولاً جميع الرسل لاشتراكهم في أصل ما جاؤوا به وهو التوحيد ( واتبعوا ) أي السفلة ( أمر كل جبار عنيد ) معاند للحق من رؤسائهم
60. ( وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ) من الناس ( ويوم القيامة ) لعنة على رؤوس الخلائق ( ألا إن عاداً كفروا ) جحدوا ( ربهم ألا بعداً ) من رحمة الله ( لعاد قوم هود )
61. ( و ) أرسلنا ( إلى ثمود أخاهم ) من القبيلة ( صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ) وحِّدوه ( ما لكم من إله غيره هو أنشأكم ) ابتدأ خلقكم ( من الأرض ) بخلق أبيكم آدم منها ( واستعمركم فيها ) جعلكم عماراً تسكنون بها ( فاستغفروه ) من الشرك ( ثم توبوا ) ارجعوا ( إليه ) بالطاعة ( إن ربي قريب ) من خلقه بعلمه ( مجيب ) لمن سأله
62. ( قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجواً ) نرجو أن تكون سيداً ( قبل هذا ) الذي صدر منك ( أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ) من الأوثان ( وإننا لفي شك مما تدعونا إليه ) من التوحيد ( مريب ) موقع في الريب
63. ( قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة ) بيان ( من ربي وآتاني منه رحمة ) نبوة ( فمن ينصرني ) يمنعني ( من الله ) أي عذابه ( إن عصيته فما تزيدونني ) بأمركم لي بذلك ( غير تخسير ) تضليل
64. ( ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية ) حال عامله الإشارة ( فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء ) عقر ( فيأخذكم عذاب قريب ) إن عقرتموها
65. ( فعقروها ) عقرها قُدار بأمرهم ( فقال ) صالح ( تمتعوا ) عيشوا ( في داركم ثلاثة أيام ) ثم تهلكون ( ذلك وعد غير مكذوب ) فيه
66. ( فلما جاء أمرنا ) بإهلاكهم ( نجينا صالحاً والذين آمنوا معه ) وهم أربعة آلاف ( برحمة منا ) ونجيناهم ( ومن خزي يومئذ ) بكسر الميم إعرابا وفتحها بناء لإضافته إلى مبني وهو الأكثر ( إن ربك هو القوي العزيز ) الغالب
67. ( وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ) باركين على الركب ميتين
68. ( كأن ) مخففة واسمها محذوف أي كأنهم ( لم يغنوا ) يقيموا ( فيها ) في دارهم ( ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعداً لثمود ) بالصرف وتركه على معنى الحي والقبيلة
69. ( ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ) بإسحاق ويعقوب بعده ( قالوا سلاماً ) مصدر ( قال سلام ) عليكم ( فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ) مشوي
70. ( فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم ) بمعنى أنكرهم ( وأوجس ) أضمر في نفسه ( منهم خيفة ) خوفاً ( قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط ) لنهلكهم
71. ( وامرأته ) أي امرأة إبراهيم سارة ( قائمة ) تخدمهم ( فضحكت ) استبشاراً بهلاكهم ( فبشرناها بإسحاق ومن وراء ) بعد ( إسحاق يعقوب ) ولده تعيش إلى أن تراه
72. ( قالت يا ويلتى ) كلمة تقال عند أمر عظيم ، والألف مبدلة من ياء الإضافة ( أألد وأنا عجوز ) لي تسع وتسعون سنة ( وهذا بعلي شيخاً ) له مائة أو وعشرون سنة ونصبه على الحال والعامل فيه ما في ذا من الإشارة ( إن هذا لشيء عجيب ) أن يولد ولد لهرِمَين
73. ( قالوا أتعجبين من أمر الله ) قدرته ( رحمة الله وبركاته عليكم ) يا ( أهل البيت ) بيت إبراهيم ( إنه حميد ) محمود ( مجيد ) كريم
74. ( فلما ذهب عن إبراهيم الروع ) الخوف ( وجاءته البشرى ) بالولد أخذ ( يجادلنا ) يجادل رسلنا ( في ) شأن ( قوم لوط )
75. ( إن إبراهيم لحليم ) كثير الأناة ( أواه منيب ) رجاع ، فقال لهم : أتهلكون قرية فيها ثلاثمائة مؤمن ؟ قالوا : لا ، قال : أفتهلكون قرية فيها مائتا مؤمن ؟ قالوا : لا ، قال ، أفتهلكون قرية فيها أربعون مؤمنا ؟ قالوا : لا قال : أفتهلكون قرية فيها أربعة عشر مؤمنا ؟ قالوا : لا ، قال : أفرأيتم إن كان فيها مؤمن واحد ؟ قالوا : لا ، قال : إن فيها لوطا ، قالوا : نحن أعلم بمن فيها الخ
76. فلما أطال مجادلتهم قالوا ( يا إبراهيم أعرض عن هذا ) الجدال ( إنه قد جاء أمر ربك ) بهلاكهم ( وإنهم آتيهم عذاب غير مردود )
77. ( ولما جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم ) حزن بسببهم ( وضاق بهم ذرعاً ) صدراً لأنهم حسان الوجوه في صورة أضياف فخاف عليهم قومه ( وقال هذا يوم عصيب ) شديد
78. ( وجاءه قومه ) لما علموا بهم ( يهرعون ) يسرعون ( إليه ومن قبل ) قبل مجيئهم ( كانوا يعملون السيئات ) وهي إتيان الرجال ( قال ) لوط ( يا قوم هؤلاء بناتي ) فتزوجوهن ( هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون ) تفضحون ( في ضيفي ) أضيافي ( أليس منكم رجل رشيد ) يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر
79. ( قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق ) حاجة ( وإنك لتعلم ما نريد ) إتيان الرجال
80. ( قال لو أن لي بكم قوة ) طاقة ( أو آوي إلى ركن شديد ) عشيرة تنصرني لبطشت بكم ، فلما رأت الملائكة ذلك
81. ( قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ) بسوء ( فأَسْرِ بأهلك بقطْع ) طائفة ( من الليل ولا يلتفت منكم أحد ) لئلا يرى عظيم ما ينزل بهم ( إلا امرأتُك ) بالرفع بدل من أحد ، وفي قراءة بالنصب استثناء من الأهل أي فلا تسر بها ( إنه مصيبها ما أصابهم ) فقيل لم يخرج بها وقيل خرجت والتفتت فقالت واقوماه فجاءها حجر فقتلها وسألهم عن وقت هلاكهم فقالوا ( إن موعدهم الصبح ) فقال : أريد أعجل من ذلك قالوا ( أليس الصبح بقريب )
82. ( فلما جاء أمرنا ) بإهلاكهم ( جعلنا عاليها ) أي قراهم ( سافلها ) أي بأن رفعها حبريل إلى السماء وأسقطها مقلوبة إلى الأرض ( وأمطرنا عليها حجارة من سجيل ) طين طبخ بالنار ( منضود ) متتابع
83. ( مسوَّمة ) معلَّمة عليها اسم من يرمى بها ( عند ربك ) ظرف لها ( وما هي ) الحجارة أو بلادهم ( من الظالمين ) أي أهل مكة ( ببعيد )
84. ( و ) أرسلنا ( إلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ) وحدوه ( ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير ) نعمة تغنيكم عن التطفيف ( وإني أخاف عليكم ) إن لم تؤمنوا ( عذاب يوم محيط ) بكم يهلككم ، ووصف اليوم به مجاز لوقوعه فيه
85. ( ويا قوم أوفوا المكيال والميزان ) أتموها ( بالقسط ) بالعدل ( ولا تبخسوا الناس أشياءهم ) لا تنقصوهم من حقهم شيئا ( ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) بالقتل وغيره من عثى بكسر المثلثة أفسد ومفسدين حال مؤكدة لمعنى عاملها تعثوا
86. ( بقيَّت الله ) رزقه الباقي لكم بعد إيفاء الكيل والوزن ( خير لكم ) من البخس ( إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ ) رقيب أجازيكم بأعمالكم إنما بعثت نذيراً
87. ( قالوا ) له استهزاء ( يا شعيب أصلاتك تأمرك ) بتكليف ( أن نترك ما يعبد آباؤنا ) من الأصنام ( أو ) نترك ( أن نفعل في أموالنا ما نشاء ) المعنى هذا أمر باطل لا يدعو إليه داع بخير ( إنك لأنت الحليم الرشيد ) قالوا ذلك استهزاء
88. ( قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا ) حلالا أفأشوبه بالحرام من البخس والتطفيف ( وما أريد أن أخالفكم ) وأذهب ( إلى ما أنهاكم عنه ) فأرتكبه ( إن ) ما ( أريد إلا الإصلاح ) لكم بالعدل ( ما استطعت وما توفيقي ) قدرتي على ذلك وغيره من الطاعات ( إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ) أرجع
89. ( ويا قوم لا يجرمنكم ) يكسبنكم ( شقاقي ) خلافي فاعل يجرم والضمير مفعول أول ، والثاني ( أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح ) من العذاب ( وما قوم لوط ) أي منازلهم أو زمن هلاكهم ( منكم ببعيد ) فاعتبروا
90. ( واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ) بالمؤمنين ( ودود ) محب لهم
91. ( قالوا ) إيذاناً بقلة المبالاة ( يا شعيب ما نفقه ) نفهم ( كثيراً مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفاً ) ذليلاً ( ولولا رهطك ) عشيرتك ( لرجمناك ) بالحجارة ( وما أنت علينا بعزيز ) كريم عن الرجم وإنما رهطك هم الأعزة
92. ( قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله ) فتتركوا قتلي لأجلهم ولا تحفظوني لله ( واتخذتموه ) أي الله ( وراءكم ظهرياً ) منبوذاً خلف ظهوركم لا تراقبونه ( إن ربي بما تعملون محيط ) علماً فيجازيكم
93. ( ويا قوم اعملوا على مكانتكم ) حالتكم ( إني عامل ) على حالتي ( سوف تعلمون من ) موصولة مفعول العلم ( يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا ) انتظروا عاقبة أمركم ( إني معكم رقيب ) منتظر
94. ( ولما جاء أمرنا ) بإهلاكهم ( نجينا شعيباً والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة ) صاح بهم جبريل ( فأصبحوا في ديارهم جاثمين ) باركين على الركب ميتين
95. ( كأنْ ) مخففة أي كأنهم ( لم يغنوا ) يقيموا ( فيها ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود )
96. ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ) برهان ظاهر
97. ( إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد ) سديد
98. ( يقدم ) يتقدم ( قومه يوم القيامة ) فيتبعونه كما اتبعوه في الدنيا ( فأوردهم ) أدخلهم ( النار وبئس الورد المورود ) هي
99. ( وأتبعوا في هذه ) أي الدنيا ( لعنة ويوم القيامة ) لعنة ( بئس الرفد ) العون ( المرفود ) رفدهم
100. ( ذلك ) المذكور مبتدأ خبره ( من أنباء القرى نقصه عليك ) يا محمد ( منها ) أي القرى ( قائم ) هلك أهله دونه ومنها ( وحصيد ) هلك بأهله فلا أثر له كالزرع المحصود بالمناجل
101. ( وما ظلمناهم ) بإهلاكهم بغير ذنب ( ولكن ظلموا أنفسهم ) بالشرك ( فما أغنت ) دفعت ( عنهم آلهتهم التي يدعون ) يعبدون ( من دون الله ) أي غيره ( من ) زائدة ( شيء لما جاء أمر ربك ) عذابه ( وما زادوهم ) بعبادتهم لها ( غير تتبيب ) تخسير
102. ( وكذلك ) مَثَلُ ذلك الأخذ ( أخذ ربك إذا أخذ القرى ) أريد أهلها ( وهي ظالمة ) بالذنوب أي فلا يغني عنهم من أخذه شيء ( إن أخذه أليم شديد ) روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وكذلك أخذ ربك } الآية
103. ( إن في ذلك ) المذكور من القصص ( لآية ) لعبرة ( لمن خاف عذاب الآخرة ذلك ) أي يوم القيامة ( يوم مجموع له ) فيه ( الناس وذلك يوم مشهود ) يشهده جميع الخلائق
104. ( وما نؤخره إلا لأجل معدود ) لوقت معلوم عند الله
105. ( يوم يأت ) ذلك اليوم ( لا تَكَلَّمُ ) فيه حذف إحدى التاءين ( نفس إلا بإذنه ) تعالى ( فمنهم ) أي الخلق ( شقي ) ومنهم ( وسعيد ) كتب كل في الأزل
106. ( فأما الذين شقوا ) في علمه تعالى ( ففي النار لهم فيها زفير ) صوت شديد ( وشهيق ) صوت ضعيف
107. ( خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ) أي مدة دوامهما في الدنيا ( إلا ) غير ( ما شاء ربك ) من الزيادة على مدتهما مما لا منتهى له والمعنى خالدين فيها أبداً ( إن ربك فعال لما يريد )
108. ( وأما الذين سعدوا ) بفتح السين وضمها ( ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ) غير ( ما شاء ربك ) كما تقدم ، ودل عليه فيهم قوله ( عطاء غير مجذوذ ) مقطوع ، وما تقدم من التأويل هو الذي ظهر وهو خال من التكلف والله أعلم بمراده
109. ( فلا تك ) يا محمد ( في مرية ) شك ( مما يعبد هؤلاء ) من الأصنام إنا نعذبهم كما عذبنا من قبلهم ، وهذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ( ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم ) أي كعبادتهم ( من قبل ) وقد عذبناهم ( وإنا لموفوهم ) مثلهم ( نصيبهم ) حظهم من العذاب ( غير منقوص ) أي تاماً
110. ( ولقد آتينا موسى الكتاب ) التوراة ( فاختلف فيه ) بالتصديق والتكذيب كالقرآن ( ولولا كلمة سبقت من ربك ) بتأخير الحساب والجزاء للخلائق إلى يوم القيامة ( لقضي بينهم ) في الدنيا فيما اختلفوا ( وإنهم ) أي المكذبون به ( لفي شك منه مريب ) موقع في الريبة
111. ( وإنْ ) بالتخفيف والتشديد ( كلا ) أي كل الخلائق ( لمَا ) ما زائدة واللام موطئة لقسم مقدر أو فارقة ، وفي قراءة بتشديد لمَّا بمعنى إلا فإن نافية ( ليوفينهم ربك أعمالهم ) أي جزاءها ( إنه بما يعملون خبير ) عالم ببواطنه كظواهره
112. ( فاستقم ) على العمل بأمر ربك والدعاء إليه ( كما أمرت ) وليستقم ( ومن تاب ) آمن ( معك ولا تطغوا ) تجاوزوا حدود الله ( إنه بما تعملون بصير ) فيجازيكم
113. ( ولا تركنوا ) تميلوا ( إلى الذين ظلموا ) بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم ( فتمسكم ) تصيبكم ( النار وما لكم من دون الله ) أي غيره ( من ) زائدة ( أولياء ) يحفظونكم منه ( ثم لا تنصرون ) تمنعون من عذابه
114. ( وأقم الصلاة طرفي النهار ) الغداة والعشي أي : الصبح والظهر والعصر ( وزلفاً ) جمع زلفة أي طائفة ( من الليل ) المغرب والعشاء ( إن الحسنات ) كالصلوات الخمس ( يذهبن السيئات ) الذنوب الصغائر ، نزلت فيمن قبَّل أجنبية فأخبره النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال أَلِيَ هذا ؟ فقال : « لجميع أمتي كلهم » رواه الشيخان ( ذلك ذكرى للذاكرين ) عظة للمتعظين
115. ( واصبر ) يا محمد على أذى قومك أو على الصلاة ( فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ) بالصبر على الطاعة
116. ( فلولا ) فهلا ( كان من القرون ) الأمم الماضية ( من قبلكم أولوا بقية ) أصحاب دين وفضل ( ينهون عن الفساد في الأرض ) المراد به النفي أي ما كان فيهم ذلك ( إلا ) لكن ( قليلا ممن أنجينا منهم ) نهوا فنجوا ومن للبيان ( واتبع الذين ظلموا ) بالفساد وترك النهي ( ما أترفوا ) نعموا ( فيه وكانوا مجرمين )
117. ( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم ) منه لها ( وأهلها مصلحون ) مؤمنون
118. ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ) أهل دين واحد ( ولا يزالون مختلفين ) في الدين
119. ( إلا من رحم ربك ) أراد لهم الخير فلا يختلفون فيه ( ولذلك خلقهم ) أي أهل الاختلاف له وأهل الرحمة لها ( وتمت كلمة ربك ) وهي ( لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين )
120. ( وكلاً ) نُصِب بنقصُّ وتنوينه عوض عن المضاف إليه أي كل ما يحتاج إليه ( نقص عليك من أنباء الرسل ما ) بدل من كلا ( نثبت ) نطمن ( به فؤادك ) قلبك ( وجاءك في هذه ) الأنباء أو الآيات ( الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين ) خصوا بالذكر لانتفاعهم بها في الإيمان بخلاف الكفار
121. ( وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم ) حالتكم ( إنا عاملون ) على حالتنا تهديد لهم
122. ( وانتظروا ) عاقبة أمركم ( إنا منتظرون ) ذلك
123. ( ولله غيب السماوات والأرض ) أي علم ما غاب فيهما ( وإليه يرجع ) بالبناء للفاعل يعود ، وللمفعول يرد ( الأمر كله ) فينتقم ممن عصى ( فاعبده ) وحده ( وتوكل عليه ) ثق به فإنه كافيك ( وما ربك بغافل عما تعملون ) وإنما يؤخرهم لوقتهم ، وفي قراءة بالفوقانية
1. ( الر ) الله أعلم بمراده بذلك ، هذا ( كتاب أحكمت آياته ) بعجيب النظم وبديع المعاني ( ثم فصِّلت ) بينت بالأحكام والقصص والمواعظ ( من لدن حكيم خبير ) الله
2. ( ألا ) أي بأن لا ( تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير ) بالعذاب إن كفرتم ( وبشير ) بالثواب إن آمنتم
3. ( وأن استغفروا ربكم ) من الشرك ( ثم توبوا ) ارجعوا ( إليه ) بالطاعة ( يمتعكم ) في الدنيا ( متاعاً حسناً ) بطيب عيش وسعة رزق ( إلى أجل مسمى ) هو الموت ( ويؤت ) في الآخرة ( كل ذي فضلٍ ) في العمل ( فضله ) جزاءه ( وإن تَولَّوا ) فيه حذف إحدى التاءين ، أي تعرضوا ( فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير ) هو يوم القيامة
4. ( إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير ) ومنه الثواب والعذاب
5. ونزل كما رواه البخاري عن ابن عباس فيمن كان يستحيي أن يتخلى أو يجامع فيفضي إلى السماء وقيل في المنافقين ( ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ) أي الله ( ألا حين يستغشون ثيابهم ) يتغطَّون بها ( يعلم ) تعالى ( ما يسرون وما يعلنون ) فلا يغني استخفاؤهم ( إنه عليم بذات الصدور ) أي بما في القلوب
6. ( وما من ) زائدة ( دابة في الأرض ) هي ما دب عليها ( إلا على الله رزقها ) تكفل به فضلاً منه تعالى ( ويعلم مستقرها ) مسكنها في الدنيا أو الصلب ( ومستودعها ) بعد الموت أو في الرحم ( كل ) مما ذكر ( في كتاب مبين ) بين هو اللوح المحفوظ
7. ( وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ) أولها الأحد وآخرها الجمعة ( وكان عرشه ) قبل خلقها ( على الماء ) وهو على متن الريح ( ليبلوكم ) متعلق بخلق ، أي خلقهما وما فيهما من منافع لكم ومصالح ليختبركم ( أيكم أحسن عملاً ) أي أطوع لله ( ولئن قلت ) يا محمد لهم ( إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن ) ما ( هذا ) القرآن الناطق بالبعث والذي تقوله ( إلا سحر مبين ) بين ، وفي قراءة { ساحر } ، والمشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم
8. ( ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى ) مجيء ( أمة ) أوقات ( معدودة ليقولُن ) استهزاء ( ما يحبسه ) ما يمنعه من النزول قال تعالى : ( ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً ) مدفوعاً ( عنهم وحاق ) نزل ( بهم ما كانوا به يستهزئون ) من العذاب
9. ( ولئن أذقنا الإنسان ) الكافر ( منا رحمة ) غنى وصحة ( ثم نزعناها منه إنه ليؤوس ) قنوط من رحمة الله ( كفور ) شديد الكفر به
10. ( ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء ) فقر وشدة ( مسته ليقولن ذهب السيئات ) المصائب ( عني ) ولم يتوقع زوالها ولا شكر عليها ( إنه لفرح ) بطر ( فخور ) على الناس بما أوتي
11. ( إلا ) لكن ( الذين صبروا ) على الضراء ( وعملوا الصالحات ) في النعماء ( أولئك لهم مغفرة وأجر كبير ) هو الجنة
12. ( فلعلك ) يا محمد ( تارك بعض ما يوحى إليك ) فلا تبلغهم إياه لتهاونهم به ( وضائق به صدرك ) بتلاوته عليهم لأجل ( أن يقولوا لولا ) هلا ( أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك ) يصدقه كما اقترحنا ( إنما أنت نذير ) فما عليك إلا البلاغ لا الإتيان بما اقترحوه ( والله على كل شيء وكيل ) حفيظ فيجازيهم
13. ( أم ) بل أ ( يقولون افتراه ) أي القرآن ( قل فأتوا بعشر سور مثله ) في الفصاحة والبلاغة ( مفتريات ) فإنكم عربيون فصحاء مثلي ، تحداهم بها أولاً ثم بسورة ( وادعوا ) للمعاونة على ذلك ( من استطعتم من دون الله ) أي غيره ( إن كنتم صادقين ) في أنه افتراء
14. ( فإن لم يستجيبوا لكم ) أي من دعوتموهم للمعاونة ( فاعلموا ) خطاب للمشركين ( أنما أنزل ) ملتبسا ( بعلم الله ) وليس افتراء عليه ( وأن ) مخفّفة أي أنه ( لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون ) بعد هذه الحجة القاطعة أي أسلموا
15. ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ) بأن أصر على الشرك وقيل هي في المرائين ( نوفِّ إليهم أعمالهم ) أي جزاء ما عملوه من خير كصدقة وصلة رحم ( فيها ) بأن نوسِّع عليهم رزقهم ( وهم فيها ) أي الدنيا ( لا يبخسون ) ينقصون شيئاً
16. ( أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ) بطل ( ما صنعوا ) ه ( فيها ) أي الآخرة فلا ثواب له ( وباطل ما كانوا يعملون )
17. ( أفمن كان على بينة ) بيان ( من ربه ) وهو النبي صلى الله عليه وسلم أو المؤمنون وهي القرآن ( ويتلوه ) يتبعه ( شاهد ) له بصدقه ( منه ) أي من الله وهو جبريل ( ومن قبله ) القرآن ( كتاب موسى ) التوراة شاهد له أيضا ( إماماً ورحمة ) حال كمن ليس كذلك لا ( أولئك ) أي من كان على بينة ( يؤمنون به ) أي القرآن فلهم الجنة ( ومن يكفر به من الأحزاب ) جميع الكفار ( فالنار موعده فلا تك في مرية ) شك ( منه ) من القرآن ( إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس ) أي أهل مكة ( لا يؤمنون )
18. ( ومن ) أي لا أحد ( أظلم ممن افترى على الله كذباً ) بنسبة الشريك والولد إليه ( أولئك يعرضون على ربهم ) يوم القيامة في جملة الخلق ( ويقول الأشهاد ) جمع شاهد وهم الملائكة يشهدون للرسل بالبلاغ وعلى الكفار بالتكذيب ( هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ) المشركين
19. ( الذين يصدون عن سبيل الله ) دين الإسلام ( ويبغونها ) يطلبون السبيل ( عوجاً ) معوجة ( وهم بالآخرة هم ) تأكيد ( كافرون )
13. ( أم ) بل أ ( يقولون افتراه ) أي القرآن ( قل فأتوا بعشر سور مثله ) في الفصاحة والبلاغة ( مفتريات ) فإنكم عربيون فصحاء مثلي ، تحداهم بها أولاً ثم بسورة ( وادعوا ) للمعاونة على ذلك ( من استطعتم من دون الله ) أي غيره ( إن كنتم صادقين ) في أنه افتراء
14. ( فإن لم يستجيبوا لكم ) أي من دعوتموهم للمعاونة ( فاعلموا ) خطاب للمشركين ( أنما أنزل ) ملتبسا ( بعلم الله ) وليس افتراء عليه ( وأن ) مخفّفة أي أنه ( لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون ) بعد هذه الحجة القاطعة أي أسلموا
15. ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ) بأن أصر على الشرك وقيل هي في المرائين ( نوفِّ إليهم أعمالهم ) أي جزاء ما عملوه من خير كصدقة وصلة رحم ( فيها ) بأن نوسِّع عليهم رزقهم ( وهم فيها ) أي الدنيا ( لا يبخسون ) ينقصون شيئاً
16. ( أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ) بطل ( ما صنعوا ) ه ( فيها ) أي الآخرة فلا ثواب له ( وباطل ما كانوا يعملون )
17. ( أفمن كان على بينة ) بيان ( من ربه ) وهو النبي صلى الله عليه وسلم أو المؤمنون وهي القرآن ( ويتلوه ) يتبعه ( شاهد ) له بصدقه ( منه ) أي من الله وهو جبريل ( ومن قبله ) القرآن ( كتاب موسى ) التوراة شاهد له أيضا ( إماماً ورحمة ) حال كمن ليس كذلك لا ( أولئك ) أي من كان على بينة ( يؤمنون به ) أي القرآن فلهم الجنة ( ومن يكفر به من الأحزاب ) جميع الكفار ( فالنار موعده فلا تك في مرية ) شك ( منه ) من القرآن ( إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس ) أي أهل مكة ( لا يؤمنون )
18. ( ومن ) أي لا أحد ( أظلم ممن افترى على الله كذباً ) بنسبة الشريك والولد إليه ( أولئك يعرضون على ربهم ) يوم القيامة في جملة الخلق ( ويقول الأشهاد ) جمع شاهد وهم الملائكة يشهدون للرسل بالبلاغ وعلى الكفار بالتكذيب ( هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ) المشركين
19. ( الذين يصدون عن سبيل الله ) دين الإسلام ( ويبغونها ) يطلبون السبيل ( عوجاً ) معوجة ( وهم بالآخرة هم ) تأكيد ( كافرون )
29. ( ويا قوم لا أسألكم عليه ) على تبليغ الرسالة ( مالاً ) تعطونيه ( إنْ ) ما ( أجري ) ثوابي ( إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا ) كما أمرتموني ( إنهم ملاقوا ربهم ) بالبعث فيجازيهم ويأخذ لهم ممن ظلمهم وطردهم ( ولكني أراكم قوما تجهلون ) عاقبة أمركم
30. ( ويا قوم من ينصرني ) يمنعني ( من الله ) أي عذابه ( إن طردتهم ) أي لا ناصر لي ( أفلا ) فهلا ( تذِّكِّرون ) بإدغام التاء الثانية في الأصل في الذال : تتعظون
31. ( ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا ) إني ( أعلم الغيب ولا أقول إني مَلَك ) بل أنا بشر مثلكم ( ولا أقول للذين تزدري ) تحتقر ( أعينكم لن يؤتيهم الله خيراً ، الله أعلم بما في أنفسهم ) قلوبهم ( إني إذاً ) إن قلت ذلك ( لمن الظالمين )
32. ( قالوا يا نوح قد جادلتنا ) خاصمتنا ( فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا ) به من العذاب ( إن كنت من الصادقين ) فيه
33. ( قال إنما يأتيكم به الله إن شاء ) تعجيله لكم فإن أمره إليه لا إلي ( وما أنتم بمعجزين ) بفائتين الله
34. ( ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم ) أي إغواءكم ، وجواب الشرط دل عليه ولا ينفعكم نصحي ( هو ربكم وإليه ترجعون )
35. قال تعالى : ( أم ) بل أ ( يقولون ) أي كفار مكة ( افتراه ) اختلق محمد القرآن ( قل إن افتريته فعلي إجرامي ) إثمي أي عقوبته ( وأنا بريء مما تجرمون ) من إجرامكم في نسبة الافتراء إلي
36. ( وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس ) تحزن ( بما كانوا يفعلون ) من الشرك ، فدعا عليهم بقوله : { رب لا تذر على الأرض } الخ ، فأجاب الله دعاءه فقال : { واصنع الفلك } الآية
37. ( واصنع الفلك ) السفينة ( بأعيننا ) بمرأى منا وحفظنا ( ووحينا ) أمرنا ( ولا تخاطبني في الذين ظلموا ) كفروا بترك إهلاكهم ( إنهم مغرقون )
38. ( ويصنع الفلك ) حكاية حال ماضية ( وكلما مر عليه ملأ ) جماعة ( من قومه سخروا منه ) استهزؤوا به ( قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ) إذا نجونا وغرقتم
39. ( فسوف تعلمون من ) موصولة مفعول العلم ( يأتيه عذابٌ يخزيه ويحل ) ينزل ( عليه عذاب مقيم )
40. ( حتى ) غاية للصنع ( إذا جاء أمرنا ) بإهلاكهم ( وفار التنور ) للخباز بالماء ، وكان ذلك علامة لنوح ( قلنا احمل فيها ) في السفينة ( من كل زوجين ) ذكر وأنثى أي من كل أنواعهما ( اثنين ) ذكراً وأنثى وهو مفعول وفي القصة أن الله حشر لنوح السباع والطير وغيرها ، فجعل يضرب بيده في كل نوع فتقع يده اليمنى على الذكر واليسرى على الأنثى فيحملها في السفينة ( وأهلَكَ ) أي زوجته وأولاده ( إلا من سبق عليه القول ) أي منهم بالإهلاك وهو ولده كنعان وزوجته بخلاف سام وحام ويافث فحملهم وزوجاتهم الثلاثة ( ومن آمن وما آمن معه إلا قليل ) قيل كانوا ستة رجال ونساءهم وقيل جميع من كان في السفينة ثمانون نصفهم رجال ونصفهم نساء
41. ( وقال ) نوح ( اركبوا فيها بسم الله مَجراها ومَرساها ) بفتح الميمين وضمهما مصدران ، أي جريها ورسوها أي منتهى سيرها ( إن ربي لغفور رحيم ) حيث لم يهلكنا
42. ( وهي تجري بهم في موج كالجبال ) في الارتفاع والعظم ( ونادى نوح ابنه ) كنعان ( وكان في معزل ) عن السفينة ( يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين )
43. ( قال سآوي إلى جبل يعصمني ) يمنعني ( من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله ) عذابه ( إلا ) لكن ( من رحم ) الله فهو المعصوم ، قال تعالى ( وحال بينهما الموج فكان من المغرقين )
44. ( وقيل يا أرض ابلعي ماءك ) الذي نبع منك فشربته دون ما نزل من السماء أنهاراً وبحاراً ( ويا سماء أقلعي ) أمسكي عن المطر فأمسكت ( وغيض ) نقص ( الماء وقضي الأمر ) تم أمر هلاك قوم نوح ( واستوت ) وقفت السفينة ( على الجودي ) جبل بالجزيرة بقرب الموصل ( وقيل بُعداً ) هلاكاً ( للقوم الظالمين ) الكافرين
45. ( ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني ) كنعان ( من أهلي ) وقد وعدتني بنجاتهم ( وإن وعدك الحق ) الذي لاخلف فيه ( وأنت أحكم الحاكمين ) أعلمهم وأعدلهم
46. ( قال ) تعالى ( يا نوح إنه ليس من أهلك ) الناجين أو من أهل دينك ( إنه ) أي سؤالك إياي بنجاته ( عملٌ غيرُ صالح ) فإنه كافر ولا نجاة للكافرين ، وفي قراءة { عَمِلَ } بكسر ميم عمل فعل ونصب { غيرَ } فالضمير لابنه ( فلا تسألنِ ) بالتشديد والتخفيف ( ما ليس لك به علم ) من إنجاء ابنك ( إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) بسؤالك ما لم تعلم
47. ( قال رب إني أعوذ بك ) من ( أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي ) ما فرط مني ( وترحمني أكن من الخاسرين )
48. ( قيل يا نوح اهبط ) انزل من السفينة ( بسلام ) أو بتحية ( منا وبركات ) خيرات ( عليك وعلى أمم ممن معك ) في السفينة أي من أولادهم وذريتهم وهم المؤمنون ( وأممٌ ) بالرفع ممن معك ( سنمتعهم ) في الدنيا ( ثم يمسهم منا عذاب أليم ) في الآخرة وهم الكفار
49. ( تلك ) أي هذه الآيات المتضمنة قصة نوح ( من أنباء الغيب ) أخبار ما غاب عنك ( نوحيها إليك ) يا محمد ( ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ) القرآن ( فاصبر ) على التبليغ وأذى قومك كما صبر نوح ( إن العاقبة ) المحمودة ( للمتقين )
50. ( و ) أرسلنا ( إلى عاد أخاهم ) من القبيلة ( هوداً قال يا قوم اعبدوا الله ) وحدوه ( ما لكم من ) زائدة ( إله غيره إن ) ما ( أنتم ) في عبادتكم الأوثان ( إلا مفترون ) كاذبون على الله
51. ( يا قوم لا أسألكم عليه ) على التوحيد ( أجراً إن ) ما ( أجري إلا على الذي فطرني ) خلقني ( أفلا تعقلون )
52. ( ويا قوم استغفروا ربكم ) من الشرك ( ثم توبوا ) ارجعوا ( إليه ) بالطاعة ( يرسل السماء ) المطر وكانوا قد منعوه ( عليكم مدراراً ) كثير الدرور ( ويزدكم قوة إلى ) مع ( قوتكم ) بالمال والولد ( ولا تتولوا مجرمين ) مشركين
53. ( قالوا يا هود ما جئتنا ببينة ) برهان على قولك ( وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك ) أي لقولك ( وما نحن لك بمؤمنين )
54. ( إن ) ما ( نقول ) في شأنك ( إلا اعتراك ) أصابك ( بعض آلهتنا بسوء ) فخبلك لسبك إياها فأنت تهذي ( قال إني أشهد الله ) علي ( واشهدوا أني بريء مما تشركون ) به
55. ( من دونه فكيدوني ) احتالوا في هلاكي ( جميعاً ) أنتم وأوثانكم ( ثم لا تنظرون ) تمهلون
56. ( إني توكلت على الله ربي وربكم ما من ) زائدة ( دابة ) نسمة تدب على الأرض ( إلا هو آخذ بناصيتها ) أي مالكها وقاهرها فلا نفع ولا ضرر إلا بإذنه وخص الناصية بالذكر لأن من أخذ بناصيته يكون في غاية الذل ( إن ربي على صراط مستقيم ) أي طريق الحق والعدل
57. ( فإن تولوا ) فيه حذف إحدى التاءين أي تعرضوا ( فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوماً غيركم ولا تضرونه شيئاً ) بإشراككم ( إن ربي على كل شيء حفيظ ) رقيب
58. ( ولما جاء أمرنا ) عذابنا ( نجينا هوداً والذين آمنوا معه برحمة ) هداية ( منا ونجيناهم من عذاب غليظ ) شديد
59. ( وتلك عاد ) إشارة إلى آثارهم أي فسيحوا في الأرض وانظروا إليها ثم وصف أحوالهم فقال ( جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله ) جمع لأن من عصى رسولاً جميع الرسل لاشتراكهم في أصل ما جاؤوا به وهو التوحيد ( واتبعوا ) أي السفلة ( أمر كل جبار عنيد ) معاند للحق من رؤسائهم
60. ( وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ) من الناس ( ويوم القيامة ) لعنة على رؤوس الخلائق ( ألا إن عاداً كفروا ) جحدوا ( ربهم ألا بعداً ) من رحمة الله ( لعاد قوم هود )
61. ( و ) أرسلنا ( إلى ثمود أخاهم ) من القبيلة ( صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ) وحِّدوه ( ما لكم من إله غيره هو أنشأكم ) ابتدأ خلقكم ( من الأرض ) بخلق أبيكم آدم منها ( واستعمركم فيها ) جعلكم عماراً تسكنون بها ( فاستغفروه ) من الشرك ( ثم توبوا ) ارجعوا ( إليه ) بالطاعة ( إن ربي قريب ) من خلقه بعلمه ( مجيب ) لمن سأله
62. ( قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجواً ) نرجو أن تكون سيداً ( قبل هذا ) الذي صدر منك ( أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ) من الأوثان ( وإننا لفي شك مما تدعونا إليه ) من التوحيد ( مريب ) موقع في الريب
63. ( قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة ) بيان ( من ربي وآتاني منه رحمة ) نبوة ( فمن ينصرني ) يمنعني ( من الله ) أي عذابه ( إن عصيته فما تزيدونني ) بأمركم لي بذلك ( غير تخسير ) تضليل
64. ( ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية ) حال عامله الإشارة ( فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء ) عقر ( فيأخذكم عذاب قريب ) إن عقرتموها
65. ( فعقروها ) عقرها قُدار بأمرهم ( فقال ) صالح ( تمتعوا ) عيشوا ( في داركم ثلاثة أيام ) ثم تهلكون ( ذلك وعد غير مكذوب ) فيه
66. ( فلما جاء أمرنا ) بإهلاكهم ( نجينا صالحاً والذين آمنوا معه ) وهم أربعة آلاف ( برحمة منا ) ونجيناهم ( ومن خزي يومئذ ) بكسر الميم إعرابا وفتحها بناء لإضافته إلى مبني وهو الأكثر ( إن ربك هو القوي العزيز ) الغالب
67. ( وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ) باركين على الركب ميتين
68. ( كأن ) مخففة واسمها محذوف أي كأنهم ( لم يغنوا ) يقيموا ( فيها ) في دارهم ( ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعداً لثمود ) بالصرف وتركه على معنى الحي والقبيلة
69. ( ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ) بإسحاق ويعقوب بعده ( قالوا سلاماً ) مصدر ( قال سلام ) عليكم ( فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ) مشوي
70. ( فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم ) بمعنى أنكرهم ( وأوجس ) أضمر في نفسه ( منهم خيفة ) خوفاً ( قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط ) لنهلكهم
71. ( وامرأته ) أي امرأة إبراهيم سارة ( قائمة ) تخدمهم ( فضحكت ) استبشاراً بهلاكهم ( فبشرناها بإسحاق ومن وراء ) بعد ( إسحاق يعقوب ) ولده تعيش إلى أن تراه
72. ( قالت يا ويلتى ) كلمة تقال عند أمر عظيم ، والألف مبدلة من ياء الإضافة ( أألد وأنا عجوز ) لي تسع وتسعون سنة ( وهذا بعلي شيخاً ) له مائة أو وعشرون سنة ونصبه على الحال والعامل فيه ما في ذا من الإشارة ( إن هذا لشيء عجيب ) أن يولد ولد لهرِمَين
73. ( قالوا أتعجبين من أمر الله ) قدرته ( رحمة الله وبركاته عليكم ) يا ( أهل البيت ) بيت إبراهيم ( إنه حميد ) محمود ( مجيد ) كريم
74. ( فلما ذهب عن إبراهيم الروع ) الخوف ( وجاءته البشرى ) بالولد أخذ ( يجادلنا ) يجادل رسلنا ( في ) شأن ( قوم لوط )
75. ( إن إبراهيم لحليم ) كثير الأناة ( أواه منيب ) رجاع ، فقال لهم : أتهلكون قرية فيها ثلاثمائة مؤمن ؟ قالوا : لا ، قال : أفتهلكون قرية فيها مائتا مؤمن ؟ قالوا : لا ، قال ، أفتهلكون قرية فيها أربعون مؤمنا ؟ قالوا : لا قال : أفتهلكون قرية فيها أربعة عشر مؤمنا ؟ قالوا : لا ، قال : أفرأيتم إن كان فيها مؤمن واحد ؟ قالوا : لا ، قال : إن فيها لوطا ، قالوا : نحن أعلم بمن فيها الخ
76. فلما أطال مجادلتهم قالوا ( يا إبراهيم أعرض عن هذا ) الجدال ( إنه قد جاء أمر ربك ) بهلاكهم ( وإنهم آتيهم عذاب غير مردود )
77. ( ولما جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم ) حزن بسببهم ( وضاق بهم ذرعاً ) صدراً لأنهم حسان الوجوه في صورة أضياف فخاف عليهم قومه ( وقال هذا يوم عصيب ) شديد
78. ( وجاءه قومه ) لما علموا بهم ( يهرعون ) يسرعون ( إليه ومن قبل ) قبل مجيئهم ( كانوا يعملون السيئات ) وهي إتيان الرجال ( قال ) لوط ( يا قوم هؤلاء بناتي ) فتزوجوهن ( هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون ) تفضحون ( في ضيفي ) أضيافي ( أليس منكم رجل رشيد ) يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر
79. ( قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق ) حاجة ( وإنك لتعلم ما نريد ) إتيان الرجال
80. ( قال لو أن لي بكم قوة ) طاقة ( أو آوي إلى ركن شديد ) عشيرة تنصرني لبطشت بكم ، فلما رأت الملائكة ذلك
81. ( قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ) بسوء ( فأَسْرِ بأهلك بقطْع ) طائفة ( من الليل ولا يلتفت منكم أحد ) لئلا يرى عظيم ما ينزل بهم ( إلا امرأتُك ) بالرفع بدل من أحد ، وفي قراءة بالنصب استثناء من الأهل أي فلا تسر بها ( إنه مصيبها ما أصابهم ) فقيل لم يخرج بها وقيل خرجت والتفتت فقالت واقوماه فجاءها حجر فقتلها وسألهم عن وقت هلاكهم فقالوا ( إن موعدهم الصبح ) فقال : أريد أعجل من ذلك قالوا ( أليس الصبح بقريب )
82. ( فلما جاء أمرنا ) بإهلاكهم ( جعلنا عاليها ) أي قراهم ( سافلها ) أي بأن رفعها حبريل إلى السماء وأسقطها مقلوبة إلى الأرض ( وأمطرنا عليها حجارة من سجيل ) طين طبخ بالنار ( منضود ) متتابع
83. ( مسوَّمة ) معلَّمة عليها اسم من يرمى بها ( عند ربك ) ظرف لها ( وما هي ) الحجارة أو بلادهم ( من الظالمين ) أي أهل مكة ( ببعيد )
84. ( و ) أرسلنا ( إلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ) وحدوه ( ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير ) نعمة تغنيكم عن التطفيف ( وإني أخاف عليكم ) إن لم تؤمنوا ( عذاب يوم محيط ) بكم يهلككم ، ووصف اليوم به مجاز لوقوعه فيه
85. ( ويا قوم أوفوا المكيال والميزان ) أتموها ( بالقسط ) بالعدل ( ولا تبخسوا الناس أشياءهم ) لا تنقصوهم من حقهم شيئا ( ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) بالقتل وغيره من عثى بكسر المثلثة أفسد ومفسدين حال مؤكدة لمعنى عاملها تعثوا
86. ( بقيَّت الله ) رزقه الباقي لكم بعد إيفاء الكيل والوزن ( خير لكم ) من البخس ( إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ ) رقيب أجازيكم بأعمالكم إنما بعثت نذيراً
87. ( قالوا ) له استهزاء ( يا شعيب أصلاتك تأمرك ) بتكليف ( أن نترك ما يعبد آباؤنا ) من الأصنام ( أو ) نترك ( أن نفعل في أموالنا ما نشاء ) المعنى هذا أمر باطل لا يدعو إليه داع بخير ( إنك لأنت الحليم الرشيد ) قالوا ذلك استهزاء
88. ( قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا ) حلالا أفأشوبه بالحرام من البخس والتطفيف ( وما أريد أن أخالفكم ) وأذهب ( إلى ما أنهاكم عنه ) فأرتكبه ( إن ) ما ( أريد إلا الإصلاح ) لكم بالعدل ( ما استطعت وما توفيقي ) قدرتي على ذلك وغيره من الطاعات ( إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ) أرجع
89. ( ويا قوم لا يجرمنكم ) يكسبنكم ( شقاقي ) خلافي فاعل يجرم والضمير مفعول أول ، والثاني ( أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح ) من العذاب ( وما قوم لوط ) أي منازلهم أو زمن هلاكهم ( منكم ببعيد ) فاعتبروا
90. ( واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ) بالمؤمنين ( ودود ) محب لهم
91. ( قالوا ) إيذاناً بقلة المبالاة ( يا شعيب ما نفقه ) نفهم ( كثيراً مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفاً ) ذليلاً ( ولولا رهطك ) عشيرتك ( لرجمناك ) بالحجارة ( وما أنت علينا بعزيز ) كريم عن الرجم وإنما رهطك هم الأعزة
92. ( قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله ) فتتركوا قتلي لأجلهم ولا تحفظوني لله ( واتخذتموه ) أي الله ( وراءكم ظهرياً ) منبوذاً خلف ظهوركم لا تراقبونه ( إن ربي بما تعملون محيط ) علماً فيجازيكم
93. ( ويا قوم اعملوا على مكانتكم ) حالتكم ( إني عامل ) على حالتي ( سوف تعلمون من ) موصولة مفعول العلم ( يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا ) انتظروا عاقبة أمركم ( إني معكم رقيب ) منتظر
94. ( ولما جاء أمرنا ) بإهلاكهم ( نجينا شعيباً والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة ) صاح بهم جبريل ( فأصبحوا في ديارهم جاثمين ) باركين على الركب ميتين
95. ( كأنْ ) مخففة أي كأنهم ( لم يغنوا ) يقيموا ( فيها ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود )
96. ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ) برهان ظاهر
97. ( إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد ) سديد
98. ( يقدم ) يتقدم ( قومه يوم القيامة ) فيتبعونه كما اتبعوه في الدنيا ( فأوردهم ) أدخلهم ( النار وبئس الورد المورود ) هي
99. ( وأتبعوا في هذه ) أي الدنيا ( لعنة ويوم القيامة ) لعنة ( بئس الرفد ) العون ( المرفود ) رفدهم
100. ( ذلك ) المذكور مبتدأ خبره ( من أنباء القرى نقصه عليك ) يا محمد ( منها ) أي القرى ( قائم ) هلك أهله دونه ومنها ( وحصيد ) هلك بأهله فلا أثر له كالزرع المحصود بالمناجل
101. ( وما ظلمناهم ) بإهلاكهم بغير ذنب ( ولكن ظلموا أنفسهم ) بالشرك ( فما أغنت ) دفعت ( عنهم آلهتهم التي يدعون ) يعبدون ( من دون الله ) أي غيره ( من ) زائدة ( شيء لما جاء أمر ربك ) عذابه ( وما زادوهم ) بعبادتهم لها ( غير تتبيب ) تخسير
102. ( وكذلك ) مَثَلُ ذلك الأخذ ( أخذ ربك إذا أخذ القرى ) أريد أهلها ( وهي ظالمة ) بالذنوب أي فلا يغني عنهم من أخذه شيء ( إن أخذه أليم شديد ) روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وكذلك أخذ ربك } الآية
103. ( إن في ذلك ) المذكور من القصص ( لآية ) لعبرة ( لمن خاف عذاب الآخرة ذلك ) أي يوم القيامة ( يوم مجموع له ) فيه ( الناس وذلك يوم مشهود ) يشهده جميع الخلائق
104. ( وما نؤخره إلا لأجل معدود ) لوقت معلوم عند الله
105. ( يوم يأت ) ذلك اليوم ( لا تَكَلَّمُ ) فيه حذف إحدى التاءين ( نفس إلا بإذنه ) تعالى ( فمنهم ) أي الخلق ( شقي ) ومنهم ( وسعيد ) كتب كل في الأزل
106. ( فأما الذين شقوا ) في علمه تعالى ( ففي النار لهم فيها زفير ) صوت شديد ( وشهيق ) صوت ضعيف
107. ( خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ) أي مدة دوامهما في الدنيا ( إلا ) غير ( ما شاء ربك ) من الزيادة على مدتهما مما لا منتهى له والمعنى خالدين فيها أبداً ( إن ربك فعال لما يريد )
108. ( وأما الذين سعدوا ) بفتح السين وضمها ( ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ) غير ( ما شاء ربك ) كما تقدم ، ودل عليه فيهم قوله ( عطاء غير مجذوذ ) مقطوع ، وما تقدم من التأويل هو الذي ظهر وهو خال من التكلف والله أعلم بمراده
109. ( فلا تك ) يا محمد ( في مرية ) شك ( مما يعبد هؤلاء ) من الأصنام إنا نعذبهم كما عذبنا من قبلهم ، وهذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ( ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم ) أي كعبادتهم ( من قبل ) وقد عذبناهم ( وإنا لموفوهم ) مثلهم ( نصيبهم ) حظهم من العذاب ( غير منقوص ) أي تاماً
110. ( ولقد آتينا موسى الكتاب ) التوراة ( فاختلف فيه ) بالتصديق والتكذيب كالقرآن ( ولولا كلمة سبقت من ربك ) بتأخير الحساب والجزاء للخلائق إلى يوم القيامة ( لقضي بينهم ) في الدنيا فيما اختلفوا ( وإنهم ) أي المكذبون به ( لفي شك منه مريب ) موقع في الريبة
111. ( وإنْ ) بالتخفيف والتشديد ( كلا ) أي كل الخلائق ( لمَا ) ما زائدة واللام موطئة لقسم مقدر أو فارقة ، وفي قراءة بتشديد لمَّا بمعنى إلا فإن نافية ( ليوفينهم ربك أعمالهم ) أي جزاءها ( إنه بما يعملون خبير ) عالم ببواطنه كظواهره
112. ( فاستقم ) على العمل بأمر ربك والدعاء إليه ( كما أمرت ) وليستقم ( ومن تاب ) آمن ( معك ولا تطغوا ) تجاوزوا حدود الله ( إنه بما تعملون بصير ) فيجازيكم
113. ( ولا تركنوا ) تميلوا ( إلى الذين ظلموا ) بمودة أو مداهنة أو رضا بأعمالهم ( فتمسكم ) تصيبكم ( النار وما لكم من دون الله ) أي غيره ( من ) زائدة ( أولياء ) يحفظونكم منه ( ثم لا تنصرون ) تمنعون من عذابه
114. ( وأقم الصلاة طرفي النهار ) الغداة والعشي أي : الصبح والظهر والعصر ( وزلفاً ) جمع زلفة أي طائفة ( من الليل ) المغرب والعشاء ( إن الحسنات ) كالصلوات الخمس ( يذهبن السيئات ) الذنوب الصغائر ، نزلت فيمن قبَّل أجنبية فأخبره النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال أَلِيَ هذا ؟ فقال : « لجميع أمتي كلهم » رواه الشيخان ( ذلك ذكرى للذاكرين ) عظة للمتعظين
115. ( واصبر ) يا محمد على أذى قومك أو على الصلاة ( فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ) بالصبر على الطاعة
116. ( فلولا ) فهلا ( كان من القرون ) الأمم الماضية ( من قبلكم أولوا بقية ) أصحاب دين وفضل ( ينهون عن الفساد في الأرض ) المراد به النفي أي ما كان فيهم ذلك ( إلا ) لكن ( قليلا ممن أنجينا منهم ) نهوا فنجوا ومن للبيان ( واتبع الذين ظلموا ) بالفساد وترك النهي ( ما أترفوا ) نعموا ( فيه وكانوا مجرمين )
117. ( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم ) منه لها ( وأهلها مصلحون ) مؤمنون
118. ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ) أهل دين واحد ( ولا يزالون مختلفين ) في الدين
119. ( إلا من رحم ربك ) أراد لهم الخير فلا يختلفون فيه ( ولذلك خلقهم ) أي أهل الاختلاف له وأهل الرحمة لها ( وتمت كلمة ربك ) وهي ( لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين )
120. ( وكلاً ) نُصِب بنقصُّ وتنوينه عوض عن المضاف إليه أي كل ما يحتاج إليه ( نقص عليك من أنباء الرسل ما ) بدل من كلا ( نثبت ) نطمن ( به فؤادك ) قلبك ( وجاءك في هذه ) الأنباء أو الآيات ( الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين ) خصوا بالذكر لانتفاعهم بها في الإيمان بخلاف الكفار
121. ( وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم ) حالتكم ( إنا عاملون ) على حالتنا تهديد لهم
122. ( وانتظروا ) عاقبة أمركم ( إنا منتظرون ) ذلك
123. ( ولله غيب السماوات والأرض ) أي علم ما غاب فيهما ( وإليه يرجع ) بالبناء للفاعل يعود ، وللمفعول يرد ( الأمر كله ) فينتقم ممن عصى ( فاعبده ) وحده ( وتوكل عليه ) ثق به فإنه كافيك ( وما ربك بغافل عما تعملون ) وإنما يؤخرهم لوقتهم ، وفي قراءة بالفوقانية
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
12. سورة يوسف
1. ( الر ) الله أعلم بمراده ( تلك ) هذه الآيات ( آيات الكتاب ) القرآن ، والإضافة بمعنى من ( المبين ) المظهر للحق من الباطل
2. ( إنا أنزلناه قرآنا عربيا ) بلغة العرب ( لعلكم ) يا أهل مكة ( تعقلون ) تفقهون معانيه
3. ( نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا ) بإيحائنا ( إليك هذا القرآن وإنْ ) مخففة أي وإنه ( كنت من قبله لمن الغافلين )
4. اذكر ( إذ قال يوسف لأبيه ) يعقوب ( يا أبت ) بالكسر دلالة على ألف محذوفة قلبت عن الياء ( إني رأيت ) في المنام ( أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم ) تأكيد ( لي ساجدين ) جمع بالياء والنون للوصف بالسجود الذي هو من صفات العقلاء
5. ( قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً ) يحتالون في هلاكك حسداً لعلمهم بتأويلها من أنهم الكواكب والشمس أمك والقمر أبوك ( إن الشيطان للإنسان عدو مبين ) ظاهر العداوة
6. ( وكذلك ) كما رأيت ( يجتبيك ) يختارك ( ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ) تعبير الرؤيا ( ويتم نعمته عليك ) بالنبوة ( وعلى آل يعقوب ) أولاده ( كما أتمها ) بالنبوة ( على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم ) بخلقه ( حكيم ) في صنعه بهم
7. ( لقد كان في ) خبر ( يوسف وإخوته ) وهم أحد عشر ( آيات ) عبر ( للسائلين )
8. اذكر ( إذ قالوا ) أي بعض إخوة يوسف لبعضهم ( ليوسف ) مبتدأ ( وأخوه ) شقيقه بنيامين ( أحب ) خبر ( إلى أبينا منا ونحن عصبة ) جماعة ( إن أبانا لفي ضلال ) خطأ ( مبين ) بيِّن بإيثارهما علينا
9. ( اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا ) أي بأرض بعيدة ( يخل لكم وجه أبيكم ) بأن يقبل عليكم ولا يلتفت لغيركم ( وتكونوا من بعده ) أي بعد قتل يوسف أو طرحه ( قوماً صالحين ) بأن تتوبوا
10. ( قال قائل منهم ) هو يهوذا ( لا تقتلوا يوسف وألقوه ) اطرحوه ( في غيابة الجب ) مظلم البئر ، وفي قراءة بالجمع ( يلتقطه بعض السيارة ) المسافرين ( إن كنتم فاعلين ) ما أردتم من التفريق فاكتفوا بذلك
11. ( قالوا يا أبانا مالك لا تأمنَّا على يوسف وإنا له لناصحون ) لقائمون بمصالحه
12. ( أرسله معنا غداً ) إلى الصحراء ( يرتع ويلعب ) بالنون والياء فيهما ينشط ويتسع ( وإنا له لحافظون )
13. ( قال إني ليحزنني أن تذهبوا ) أي ذهابكم ( به ) لفراقه ( وأخاف أن يأكله الذئب ) المراد به الجنس وكانت أرضهم كثيرة الذئاب ( وأنتم عنه غافلون ) مشغولون
14. ( قالوا لئن ) لام قسم ( أكله الذئب ونحن عصبة ) جماعة ( إنا إذاً لخاسرون ) عاجزون ، فأرسله معهم
15. ( فلما ذهبوا به وأجمعوا ) عزموا ( أن يجعلوه في غيابة الجب ) وجواب لمَّا محذوف أي فعلوا ذلك بأن نزعوا قميصه بعد ضربه وإهانته وإرادة قتله وأدلوه فلما وصل إلى نصف البئر ألقوه ليموت فسقط في الماء ، ثم أوى إلى صخرة فنادوه فأجابهم يظن رحمتهم فأرادوا رضخه بصخرة فمنعهم يهوذا ( وأوحينا إليه ) في الجب وحيَ حقيقة وله سبع عشرة سنة أو دونها تطميناً لقلبه ( لتنبِّئنَّهم ) بعد اليوم ( بأمرهم ) بصنيعهم ( هذا وهم لا يشعرون ) بك حال الإنباء
16. ( وجاؤوا أباهم عشاء ) وقت المساء ( يبكون )
17. ( قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق ) نرمي ( وتركنا يوسف عند متاعنا ) ثيابنا ( فأكله الذئب وما أنت بمؤمن ) بمصدق ( لنا ولو كنا صادقين ) عندك لاتهمتنا في هذه القصة لمحبة يوسف فكيف وأنت تسيء الظن بنا
18. ( وجاؤوا على قميصه ) محله نصب على الظرفية أي فوقه ( بدم كذب ) أي ذي كذب بأن ذبحوا سخلة ولطخوه بدمها وذهلوا عن شقه وقالوا إنه دمه ( قال ) يعقوب لما رآه صحيحاً وعلم كذبهم ( بل سولت ) زينت ( لكم أنفسكم أمراً ) ففعلتموه به ( فصبر جميل ) لا جزع فيه ، وهو خبر مبتدأ محذوف أي أمري ( والله المستعان ) المطلوب منه العون ( على ما تصفون ) تذكرون من أمر يوسف
19. ( وجاءت سيارة ) مسافرون من مدين إلى مصر فنزلوا قريبا من جب يوسف ( فأرسلوا واردهم ) الذي يرد الماء ليستقي منه ( فأدلى ) أرسل ( دلوه ) في البئر فتعلق بها يوسف فأخرجه فلما رآه ( قال يا بشراي ) وفي قراءة { بشرى } ونداؤها مجاز أي احضري فهذا وقتك ( هذا غلام ) فعلم به فأتوه ( وأسروه ) أي أخفوا أمره جاعليه ( بضاعة ) بأن قالوا هذا عبدنا أبق وسكت يوسف خوفا من أن يقتلوه ( والله عليم بما يعملون )
20. ( وشروه ) باعوه منهم ( بثمن بخس ) ناقص ( دراهم معدودة ) عشرين أو اثنين وعشرين ( وكانوا ) أي إخوته ( فيه من الزاهدين ) فجاءت به السيَّارة إلى مصر فباعه الذي اشتراه بعشرين ديناراً وزوجي نعل وثوبين
21. ( وقال الذي اشتراه من مصر ) وهو قطفير العزيز ( لامرأته ) زليخا ( أكرمي مثواه ) مقامه عندنا ( عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً ) وكان حصوراً ( وكذلك ) كما نجيناه من القتل والجب وعطفنا عليه قلب العزيز ( مكنَّا ليوسف في الأرض ) أرض مصر حتى بلغ ما بلغ ( ولنعلمه من تأويل الأحاديث ) تعبير الرؤيا عطف على مقدر متعلق بمكنَّا أي لنملكه أو الواو زائدة ( والله غالب على أمره ) تعالى لا يعجزه شيء ( ولكن أكثر الناس ) وهم الكفار ( لا يعلمون ) ذلك
22. ( ولما بلغ أشده ) وهو ثلاثون سنة أو ثلاث ( آتيناه حكماً ) حكمةً ( وعلماً ) فقهاً في الدين قبل أن يبعث نبياً ( وكذلك ) كما جزيناه ( نجزي المحسنين ) لأنفسهم
23. ( وراودته التي هو في بيتها ) هي زليخا ( عن نفسه ) أي طلبت منه يواقعها ( وغلَّقت الأبواب ) للبيت ( وقالت ) له ( هيت لك ) أي هلَّم ، واللام للتبيين وفي قراءة بكسر الهاء وأخرى بضم التاء ( قال معاذ الله ) أعوذ بالله من ذلك ( إنه ) الذي اشتراني ( ربي ) سيدي ( أحسن مثواي ) مقامي فلا أخونه في أهله ( إنه ) أي الشأن ( لا يفلح الظالمون ) الزناة
24. ( ولقد همَّت به ) قصدت منه الجماع ( وهم بها ) قصد ذلك ( لولا أن رأى برهان ربه ) قال ابن عباس مَثُلَ له يعقوب فضرب صدره فخرجت شهوته من أنامله ، وجواب لولا لجامعها ( كذلك ) أريناه البرهان ( لنصرف عنه السوء ) الخيانة ( والفحشاء ) الزنا ( إنه من عبادنا المخلصين ) في الطاعة ، وفي قراءة بكسر اللام أي المختارين
25. ( واستبقا الباب ) بادر إليه يوسف للفرار وهي للتشبث به فأمسكت ثوبه وجذبته إليها ( وقدت ) شقت ( قميصه من دبر وألفيا ) وجدا ( سيدها ) زوجها ( لدى الباب ) فنزهت نفسها ثم ( قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوء ) زنا ( إلا أن يسجن ) يحبس في سجن ( أو عذاب أليم ) مؤلم بأن يضرب
26. ( قال ) يوسف متبرئاً ( هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها ) ابن عمها رُوي أنه كان في المهد فقال ( إن كان قميصه قد من قبل ) قدام ( فصدقت وهو من الكاذبين )
27. ( وإن كان قميصه قد من دبر ) خلف ( فكذبت وهو من الصادقين )
28. ( فلما رأى ) زوجها ( قميصه قُدَّ من دبر قال إنه ) أي قولك { ما جزاء من أراد } الخ ( من كيدكن ) أيها النساء ( إن كيدكن عظيم )
29. ثم قال يا ( يوسف أعرض عن هذا ) الأمر ولا تذكره لئلا يشيع ( واستغفري ) يا زليخا ( لذنبك إنك كنت من الخاطئين ) الآثمين ، واشتهر الخبر وشاع
30. ( وقال نسوة في المدينة ) مدينة مصر ( امرأة العزيز تراود فتاها ) عبدها ( عن نفسه قد شغفها حباً ) تمييز أي دخل حبه شغاف قلبها أي غلافه ( إنا لنراها في ضلال ) أي في خطأ ( مبين ) بين بحبها إياه
31. ( فلما سمعت بمكرهن ) غيبتهن لها ( أرسلت إليهن وأعتدت ) أعدت ( لهن متكأً ) طعاماً يقطع بالسكين للاتكاء عنده وهو الأترج ( وآتت ) أعطت ( كل واحدة منهن سكيناً وقالت ) ليوسف ( اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه ) أعظمنه ( وقطعن أيديهن ) بالسكاكين ولم يشعرن بالألم لشغل قلبهن بيوسف ( وقلن حاش لله ) تنزيهاً له ( ما هذا ) أي يوسف ( بشراً إن ) ما ( هذا إلا ملك كريم ) لما حواه من الحسن الذي لا يكون عادة في النسمة البشرية وفي الحديث « أنه أعطي شطر الحسن »
32. ( قالت ) امرأة العزيز لما رأت ما حل بهن ( فذلكن ) فهذا هو ( الذي لمتنَّني فيه ) في حبه بيان لعذرها ( ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ) امتنع ( ولئن لم يفعل ما آمره ) به ( ليسجنن وليكوناً من الصاغرين ) الذليلين فقلن له أطع مولاتك
33. ( قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب ) أمل ( إليهن وأكن ) أصير ( من الجاهلين ) المذنبين ، والقصد بذلك الدعاء فلذا قال تعالى
34. ( فاستجاب له ربه ) دعاءه ( فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع ) للقول ( العليم ) بالفعل
35. ( ثم بدا ) ظهر ( لهم من بعد ما رأوا الآيات ) الدالات على براءة يوسف أن يسجنوه دل على هذا ( ليسجننه حتى ) إلى ( حين ) ينقطع فيه كلام الناس فسجن
36. ( ودخل معه السجن فتيان ) غلامان للملك أحدهما ساقيه والآخر صاحب طعامه فرأياه يعبِّر الرؤيا فقالا لنختبرنَّه ( قال أحدهما ) وهو الساقي ( إني أراني أعصر خمرا ) أي عنبا ( وقال الآخر ) وهو صاحب الطعام ( إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا ) خبزنا ( بتأويله ) بتعبيره ( إنا نراك من المحسنين )
37. ( قال ) لهما مخبراً أنه عالم بتعبير الرؤيا ( لا يأتيكما طعام ترزقانه ) في منامكما ( إلا نبأتكما بتأويله ) في اليقظة ( قبل أن يأتيكما ) تأويله ( ذلكما مما علمني ربي ) فيه حث على إيمانهما ثم قواه بقوله ( إني تركت ملة ) دين ( قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم ) تأكيد ( كافرون )
38. ( واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان ) ينبغي ( لنا أن نشرك بالله من ) زائدة ( شيء ) لعصمتنا ( ذلك ) التوحيد ( من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس ) وهم الكفار ( لا يشكرون ) الله فيشركون ثم صرح بدعائهما إلى الإيمان فقال
39. ( يا صاحبي ) ساكني ( السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) خير ؟ استفهام تقرير
40. ( ما تعبدون من دونه ) أي غيره ( إلا أسماء سميتموها ) سميتم بها أصناماً ( أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها ) بعبادتها ( من سلطان ) حجة وبرهان ( إن ) ما ( الحكم ) القضاء ( إلا لله ) وحده ( أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك ) التوحيد ( الدين القيِّم ) المستقيم ( ولكن أكثر الناس ) وهم الكفار ( لا يعلمون ) ما يصيرون إليه من العذاب فهم يشركون
41. ( يا صاحبي السجن أما أحدكما ) اي الساقي فيخرج بعد ثلاث ( فيسقي ربه ) سيده ( خمراً ) على عادته ( وأما الآخر ) فيخرج بعد ثلاث ( فيصلب فتأكل الطير من رأسه ) هذا تأويل رؤياكما فقالا ما رأينا شيئاً فقال ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) سألتما عنه صدقتما أم كذبتما
42. ( وقال للذي ظن ) أيقن ( أنه ناج منهما ) وهو الساقي ( اذكرني عند ربك ) سيدك فقل له إن في السجن غلاماً محبوساً ظلماً فخرج ( فأنساه ) أي الساقي ( الشيطان ذكر ) يوسف عند ( ربه فلبث ) مكث يوسف ( في السجن بضع سنين ) قيل سبعاً وقيل اثنتي عشرة
43. ( وقال الملك ) ملك مصر الريان بن الوليد ( إني أرى ) أي رأيت ( سبع بقرات سمان يأكلهن ) يبتلعهن ( سبع ) من البقر ( عجاف ) جمع عجفاء ( وسبع سنبلات خضر وأخر ) أي سبع سنبلات ( يابسات ) قد التوت على الخضر وعلت عليها ( يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي ) بينوا لي تعبيرها ( إن كنتم للرؤيا تعبرون ) فاعبروها لي
44. ( قالوا ) هذه ( أضغاث ) أخلاط ( أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين )
45. ( وقال الذي نجا منهما ) أي من الفتيين وهو الساقي ( وادَّكر ) فيه إبدال التاء في الأصل دالاً وإدغامها في الدال أي تذكر يوسف ( بعد أمة ) حين قال ( أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون ) فأرسلوه فأتى يوسف فقال :
46. يا ( يوسف أيها الصديق ) الكثير الصدق ( أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس ) أي الملك وأصحابه ( لعلهم يعلمون ) تعبيرها
47. ( قال تزرعون ) أي ازرعوا ( سبع سنين دأباً ) متتابعة وهي تأويل السبع السمان ( فما حصدتم فذروه ) أي اتركوه ( في سنبله ) لئلا يفسد ( إلا قليلا مما تأكلون ) فادرسوه
48. ( ثم يأتي من بعد ذلك ) أي السبع المخصبات ( سبع شداد ) مجدبات صعاب وهي تأويل السبع العجاف ( يأكلن ما قدمتم لهن ) من الحب المزروع في السنين المخصبات أي تأكلونه فيهن ( إلا قليلاً مما تحصنون )
49. ( ثم يأتي من بعد ذلك ) أي السبع المجدبات ( عام فيه يغاث الناس ) بالمطر ( وفيه يعصرون ) الأعناب وغيرها لخصبه
50. ( وقال الملك ) لما جاءه الرسول وأخبره بتأويلها ( ائتوني به ) أي الذي عبرها ( فلما جاءه ) أي يوسف ( الرسول ) وطلبه للخروج ( قال ) قاصداً إظهار براءته ( ارجع إلى ربك فاسأله ) أن يسأل ( ما بال ) حال ( النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي ) سيدي ( بكيدهن عليم ) فرجع فأخبر الملك فجمعهن
51. ( قال ما خطبكن ) شأنكن ( إذ راودتن يوسف عن نفسه ) هل وجدتن منه ميلاً إليكن ( قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص ) وضح ( الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ) في قوله { هي راودتني عن نفسي } فاخبر يوسف بذلك فقال :
52. ( ذلك ) أي طلب البراءة ( ليعلم ) العزيز ( أني لم أخنه ) في أهله ( بالغيب ) حال ( وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ) ثم تواضع لله فقال :
53. ( وما أبرئ نفسي ) من الزلل ( إن النفس ) الجنس ( لأمارة ) كثيرة الأمر ( بالسوء إلا ما ) بمعنى من ( رحم ربي ) فعصمه ( إن ربي غفور رحيم )
54. ( وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي ) أجعله خالصاً لي دون شريك فجاءه الرسول وقال : أجب الملك فقام وودع أهل السجن ودعا لهم ثم اغتسل ولبس ثيابا حسنة ودخل عليه ( فلما كلمه قال ) له ( إنك اليوم لدينا مكين أمين ) ذو مكانة وأمانة على أمرنا فماذا ترى أن نفعل ؟ قال : اجمع الطعام وازرع زرعاً كثيراً في هذه السنين المخصبة وادخر الطعام في سنبله فتأتي إليك الخلق ليمتاروا منك ، فقال : ومن لي بهذا ؟
55. ( قال ) يوسف ( اجعلني على خزائن الأرض ) أرض مصر ( إني حفيظ عليم ) ذو حفظ وعلم بأمرها وقيل كاتب حاسب
56. ( وكذلك ) كإنعامنا عليه بالخلاص من السجن ( مكنا ليوسف في الأرض ) أرض مصر ( يتبوأ ) ينزل ( منها حيث يشاء ) بعد الضيق والحبس . وفي القصة أن الملك توَّجه وختَّمه وولاه مكان العزيز وعزله ومات بعد ، فزوجه امرأته فوجدها عذراء وولدت له ولدين ، وأقام العدل بمصر ودانت له الرقاب ( نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين )
57. ( ولأجر الآخرة خير ) من أجر الدنيا ( للذين آمنوا وكانوا يتقون ) ودخلت سنو القحط وأصاب أرض كنعان والشام
58. ( وجاء إخوة يوسف ) إلا بنيامين ليمتاروا لما بلغهم أن عزيز مصر يعطي الطعام بثمنه ( فدخلوا عليه فعرفهم ) أنهم إخوته ( وهم له منكرون ) لا يعرفونه لبعد عهدهم به وظنهم هلاكه فكلموه بالعبرانية فقال كالمنكر عليهم : ما أقدمكم بلادي ؟ فقالوا : للميرة ، فقال : لعلكم عيون ، قالوا : معاذ الله ، قال : فمن أين أنتم ، قالوا : من بلاد كنعان وأبونا يعقوب نبي الله ، قال : وله أولاد غيركم ، قالوا : نعم ، كنا اثني عشر فذهب أصغرنا هلك في البرية وكان أحبنا إليه وبقي شقيقه فاحتبسه ليتسلى به عنه ، فأمر بإنزالهم وإكرامهم
59. ( ولما جهزهم بجهازهم ) وفَّى لهم كيلهم ( قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ) أي بنيامين لأعلم صدقكم فيما قلتم ( ألا ترون أني أوفي الكيل ) أتمه من غير بخس ( وأنا خير المنزلين )
60. ( فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ) أي ميرة ( ولا تقربون ) نهي أو عطف على محل فلا كيل أي تحرموا ولا تقربوا
61. ( قالوا سنراود عنه أباه ) سنجتهد في طلبه منه ( وإنا لفاعلون ) ذلك
62. ( وقال لفتيته ) وفي قراءة { لفتيانه } غلمانه ( اجعلوا بضاعتهم ) التي أتوا بها ثمن الميرة وكانت دراهم ( في رحالهم ) أوعيتهم ( لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم ) وفرغوا أوعيتهم ( لعلهم يرجعون ) إلينا لأنهم لا يستحلون إمساكها
63. ( فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل ) إن لم ترسل أخانا إليه ( فأرسل معنا أخانا نكتل ) بالنون والياء ( وإنا له لحافظون )
64. ( قال هل ) ما ( آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه ) يوسف ( من قبل ) وقد فعلتم به ما فعلتم ( فالله خير حافظاً ) وفي قراءة { حفظاً } تمييز كقولهم لله دره فارساً ( وهو أرحم الراحمين ) فأرجو أن يمن بحفظه
65. ( ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي ) ما استفهامية أي أي شيء نطلب من إكرام الملك أعظم من هذا ، وقرىء بالفوقانية خطاباً ليعقوب وكانوا ذكروا له إكرامه لهم ( هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ) نأتي بالميرة لهم وهي الطعام ( ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ) لأخينا ( ذلك كيل يسير ) سهل على الملك لسخائه
66. ( قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقاً ) عهداً ( من الله ) بأن تحلفوا ( لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ) بأن تموتوا أو تغلبوا فلا تطيقوا الإتيان به فأجابوه إلى ذلك ( فلما آتوه موثقهم ) بذلك ( قال الله على ما نقول ) نحن وأنتم ( وكيل ) شهيد وأرسله معهم
67. ( وقال يا بني لا تدخلوا ) مصر ( من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة ) لئلا تصيبكم العين ( وما أغني ) أدفع ( عنكم ) بقولي ذلك ( من الله من ) صلة ( شيء ) قدره عليكم وإنما ذلك شفقة ( إن ) ما ( الحكم إلا لله ) وحده ( عليه توكلت ) به وثقت ( وعليه فليتوكل المتوكلون )
68. ( ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ) أي متفرقين ( ما كان يغني عنهم من الله ) أي قضائه ( من ) صلة ( شيء إلا ) لكن ( حاجة في نفس يعقوب قضاها ) وهي إرادة دفع العين شفقة ( وإنه لذو علم لما علَّمناه ) لتعليمنا إياه ( ولكن أكثر الناس ) وهم الكفار ( لا يعلمون ) إلهام الله لأصفيائه
69. ( ولما دخلوا على يوسف آوى ) ضمَّ ( إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس ) تحزن ( بما كانوا يعملون ) من الحسد لنا وأمره أن لا يخبرهم وتواطأ معه على أنه سيحتال على أن يبقيه عنده
70. ( فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية ) هي صاعٌ من ذهب مرصع بالجوهر ( في رحل أخيه ) بنيامين ( ثم أذَّن مؤذن ) نادى منادٍ بعد انفصالهم عن مجلس يوسف ( أيتها العير ) القافلة ( إنكم لسارقون )
71. ( قالوا و ) قد ( أقبلوا عليهم ماذا ) ما الذي ( تفقدونـ ) ـه
72. ( قالوا نفقد صواع ) صاع ( الملك ولمن جاء به حمل بعير ) من الطعام ( وأنا به ) بالحمل ( زعيم ) كفيل
73. ( قالوا تالله ) قسم فيه معنى التعجب ( لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين ) ما سرقنا قط
74. ( قالوا ) أي المؤذن وأصحابه ( فما جزاؤه ) أي السارق ( إن كنتم كاذبين ) في قولكم ما كنا سارقين ووجد فيكم
75. ( قالوا جزاؤه ) مبتدأ خبره ( من وجد في رحله ) يُسترق ثم أكد بقوله ( فهو ) أي السارق ( جزاؤه ) أي المسروق لا غير وكانت سنة آل يعقوب ( كذلك ) الجزاء ( نجزي الظالمين ) بالسرقة فصرحوا ليوسف بتفتيش أوعيتهم
76. ( فبدأ بأوعيتهم ) ففتشها ( قبل وعاء أخيه ) لئلا يتهم ( ثم استخرجها ) أي السقاية ( من وعاء أخيه ) قال تعالى : ( كذلك ) الكيد ( كدنا ليوسف ) علمناه الاحتيال في أخذ أخيه ( ما كان ) يوسف ( ليأخذ أخاه ) رقيقاً عن السرقة ( في دين الملك ) حكم مصر لأن جزاءه الضرب وتغريم مثلي المسروق لا الاسترقاق ( إلا أن يشاء الله ) أخذه بحكم أبيه أي لم يتمكن من أخذه إلا بمشيئة الله بإلهامه سؤال إخوته وجوابهم بسنتهم ( نرفع درجات من نشاء ) بالإضافة والتنوين في العلم كيوسف ( وفوق كل ذي علم ) من المخلوقين ( عليم ) أعلم منه حتى ينتهي إلى الله تعالى
77. ( قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) أي يوسف فقد سرق لأبي أمِّه صنماً من ذهب فكسره لئلا يعبده ( فأسرَّها يوسف في نفسه ولم يبدها ) يظهرها ( لهم ) والضمير للكلمة التي في قوله ( قال ) في نفسه ( أنتم شرٌّ مكاناً ) من يوسف وأخيه لسرقتكم أخاكم من أبيكم وظلمكم له ( والله أعلم ) عالم ( بما تصفون ) تذكرون من أمره
78. ( قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخاً كبيراً ) يحبه أكثر منا ويتسلى به عن ولده الهالك ويحزنه فراقه ( فخذ أحدنا ) استعبده ( مكانه ) بدلاً منه ( إنا نراك من المحسنين ) في أفعالك
79. ( قال معاذ الله ) نصب على المصدر حذف فعله وأضيف إلى المفعول أي نعوذ بالله من ( أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده ) لم يقل من سرق تحرزاً من الكذب ( إنا إذاً ) إن أخذنا غيره ( لظالمون )
80. ( فلما استيأسوا ) يئسوا ( منه خلصوا ) اعتزلوا ( نجيَّاً ) مصدر يصلح للواحد وغيره ، أي يناجي بعضهم بعضاً ( قال كبيرهم ) سِنّاً : روبيل أو رأياً : يهوذا ( ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقاً ) عهداً ( من الله ) في أخيكم ( ومن قبل ما ) زائدة ( فرطتم في يوسف ) وقيل ما مصدرية مبتدأ خبره من قبل ( فلن أبرح ) أفارق ( الأرض ) أرض مصر ( حتى يأذن لي أبي ) بالعودة إليه ( أو يحكم الله لي ) بخلاص أخي ( وهو خير الحاكمين ) أعدلهم
81. ( ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا ) عليه ( إلا بما علمنا ) تيقَّنا من مشاهدة الصاع في رحله ( وما كنا للغيب ) لما غاب عنا حين إعطاء الموثق ( حافظين ) ولو علمنا أنه يسرق لم نأخذه
82. ( واسأل القرية التي كنا فيها ) هي مصر ، أي ارسل إلى أهلها فاسألهم ( والعير ) أي أصحاب العير ( التي أقبلنا فيها ) وهم قوم كنعان ( وإنا لصادقون ) في قولنا فرجعوا إليه وقالوا له ذلك
83. ( قال بل سولت ) زينت ( لكم أنفسكم أمراً ) ففعلتموه ، اتهمهم لما سبق منهم من أمر يوسف ( فصبر جميل ) صبري ( عسى الله أن يأتيني بهم ) بيوسف وأخويه ( جميعاً إنه هو العليم ) بحالي ( الحكيم ) في صنعه
84. ( وتولى عنهم ) تاركاً خطابهم ( وقال يا أسفى ) الألف بدل من ياء الإضافة أي يا حزني ( على يوسف وابيضت عيناه ) انمحق سوادهما وبدل بياضاً من بكائه ( من الحزن ) عليه ( فهو كظيم ) مغموم مكروب لا يظهر كربه
85. ( قالوا تالله ) لا ( تفتأ ) تزال ( تذكر يوسف حتى تكون حرضاً ) مشرفاً على الهلاك لطول مرضك وهو مصدر يستوي فيه الواحد وغيره ( أو تكون من الهالكين ) الموتى
86. ( قال ) لهم ( إنما أشكوا بثي ) هو عظيم الحزن الذي لا يصبر عليه حتى يبث إلى الناس ( وحزني إلى الله ) لا إلى غيره فهو الذي تنفع الشكوى إليه ( وأعلم من الله ما لا تعلمون ) من أن رؤيا يوسف صدق وهو حي ، ثم قال
87. ( يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ) اطلبوا خبرهما ( ولا تيأسوا ) تقنطوا ( من روح الله ) رحمته ( إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ) فانطلقوا نحو مصر ليوسف
88. ( فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسَّنا وأهلنا الضر ) الجوع ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) مدفوعة يدفعها كل من رآها لرداءتها وكانت دراهم زيوفاً أو غيرها ( فأوف ) أتم ( لنا الكيل وتصدق علينا ) بالمسامحة عن رداءة بضاعتنا ( إن الله يجزي المتصدقين ) يثيبهم ، فَرَقَّ لهم وأدركته الرحمة ورفع الحجاب بينه وبينهم
89. ثم ( قال ) لهم توبيخاً ( هل علمتم ما فعلتم بيوسف ) من الضرب والبيع وغير ذلك ( وأخيه ) من هضمكم له بعد فراق أخيه ( إذ أنتم جاهلون ) ما يؤول إليه أمر يوسف
90. ( قالوا ) بعد أن عرفوه لما ظهر من شمائله متثبتين ( أئنك ) بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين ( لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد منَّ ) أنعم ( الله علينا ) بالاجتماع ( إنه من يتق ) يخف الله ( ويصبر ) على ما يناله ( فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ) فيه وضع الظاهر موضع المضمر
91. ( قالوا تالله لقد آثرك ) فضلك ( الله علينا ) بالملك وغيره ( وإن ) مخففة أي إنا ( كنا لخاطئين ) آثمين في أمرك فأذللناك
92. ( قال لا تثريب ) عتب ( عليكم اليوم ) خصَّه بالذكر لأنه مظنة التثريب فغيره أولى ( يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ) وسألهم عن أبيه فقالوا ذهبت عيناه فقال :
93. ( اذهبوا بقميصي هذا ) وهو قميص إبراهيم الذي لبسه حين ألقي في النار كان في عنقه في الجب وهو من الجنة أمره جبريل بإرساله وقال إن فيه ريحها ولا يُلقى على مبتلىً إلا عوفي ( فألقوه على وجه أبي يأت ) يصِر ( بصيراً وأتوني بأهلكم أجمعين )
94. ( ولما فصلت العير ) خرجت من عريش مصر ( قال أبوهم ) لمن حضر من بنيه وأولادهم ( إني لأجد ريح يوسف ) أوصلته إليه الصبا بإذنه تعالى من مسيرة ثلاثة أيام أو ثمانية أو اكثر ( لولا أن تفنِّدون ) تسفهون لصدقتموني
95. ( قالوا ) له ( تالله إنك لفي ضلالك ) خطئك ( القديم ) من إفراطك في محبته ورجاء لقائه على بعد العهد
96. ( فلما أن ) زائدة ( جاء البشير ) يهوذا بالقميص وكان قد حمل قميص الدم فأحب أن يفرحه كما أحزنه ( ألقاه ) طرح القميص ( على وجهه فارتد ) رجع ( بصيراً قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون )
97. ( قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين )
98. ( قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم ) أخر ذلك إلى السحر ليكون أقرب إلى الإجابة أو إلى ليلة الجمعة ، ثم توجهوا إلى مصر وخرج يوسف والأكابر لتلقيهم
99. ( فلما دخلوا على يوسف ) في مضربه ( آوى ) ضم ( إليه أبويه ) أباه وأمه أو خالته ( وقال ) لهم ( ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ) فدخلوا وجلس يوسف على سريره
100. ( ورفع أبويه ) أجلسهما معه ( على العرش ) السرير ( وخروا ) أي أبواه وإخوته ( له سجدَّاً ) سجود انحناء لا وضع جبهة ، وكان تحيتهم في ذلك الزمان ( وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً وقد أحسن بي ) إلي ( إذ أخرجني من السجن ) لم يقل من الجب تكرماً لئلا يخجل إخوته ( وجاء بكم من البدو ) البادية ( من بعد أن نزغ ) أفسد ( الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم ) بخلقه ( الحكيم ) في صنعه ، وأقام عنده أبواه أربعا وعشرين سنة أو سبع عشرة سنة وكانت مدة فراقه ثماني عشرة أو أربعين أو ثمانين سنة وحضره الموت فوصى يوسف أن يحمله ويدفنه عند أبيه فمضى بنفسه ودفنه ثمة ، ثم عاد إلى مصر وأقام بعده ثلاثا وعشرين سنة ولما تم أمره وعلم أنه لا يدوم تاقت نفسه إلى الملك الدائم فقال
101. ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث ) تعبير الرؤيا ( فاطر ) خالق ( السماوات والأرض أنت وليي ) متولي صالحي ( في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين ) من آبائي فعاش بعد ذلك أسبوعا أو أكثر ومات وله مائة وعشرون سنة وتشاحَّ المصريون في قبره فجعلوه في صندوق من مرمر ودفنوه في أعلى النيل لتعم البركة جانبيه فسبحان من لا انقضاء لملكه
102. ( ذلك ) المذكور من أمر يوسف ( من أنباء ) أخبار ( الغيب ) ما غاب عنك يا محمد ( نوحيه إليك وما كنت لديهم ) لدى إخوة يوسف ( إذ أجمعوا أمرهم ) في كيده أي عزموا عليه ( وهم يمكرون ) به ، أي لم تحضرهم فتعرف قصتهم فتخبر بها وإنما حصل لك علمها من جهة الله
103. ( وما أكثر الناس ) أي أهل مكة ( ولو حرصت ) على إيمانهم ( بمؤمنين )
104. ( وما تسألهم عليه ) أي القرآن ( من أجر ) تأخذه ( إن ) ما ( هو ) أي القرآن ( إلا ذكر ) عظة ( للعالمين )
105. ( وكأيِّن ) وكم ( من آية ) دالة على وحدانية الله ( في السماوات والأرض يمرون عليها ) يشاهدونها ( وهم عنها معرضون ) لا يتفكرون بها
106. ( وما يؤمن أكثرهم بالله ) حيث يقرون بأنه الخالق الرزاق ( إلا وهم مشركون ) به بعبادة الأصنام ولذا كانوا يقولون في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك ، تملكه وما ملك . يعنونها
107. ( أفأمنوا أن تأتيهم غاشية ) نقمة تغشاهم ( من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة ) فجأة ( وهم لا يشعرون ) بوقت إتيانها
108. ( قل ) لهم ( هذه سبيلي ) وفسرها بقوله ( أدعوا إلى ) دين ( الله على بصيرة ) حجة واضحة ( أنا ومن اتبعني ) آمن بي عطف على أنا المبتدأ المخبر عنه بما قبله ( وسبحان الله ) تنزيها له عن الشركاء ( وما أنا من المشركين ) من جملة سبيله أيضاً
109. ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يُوحى ) وفي قراءة بالنون وكسر الحاء ( إليهم ) لا ملائكة ( من أهل القرى ) الأمصار لأنهم أعلم وأحلم بخلاف أهل البوادي لجفائهم وجهلهم ( أفلم يسيروا ) أهل مكة ( في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ) أي آخر أمرهم من إهلاكهم بتكذيبهم رسلهم ( ولدار الآخرة ) أي الجنة ( خير للذين اتقوا ) الله ( أفلا تعقلون ) بالياء والتاء يا أهل مكة هذا فتؤمنوا
110. ( حتى ) غاية لما دل عليه { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا } أي فتراخى نصرهم حتى ( إذا استيأس ) يئس ( الرسل وظنوا ) أيقن الرسل ( أنهم قد كُذِّبوا ) بالتشديد تكذيباً لا إيمان بعده ، والتخفيف أي ظن الأمم أن الرسل أخلفوا ما وعدوا به من النصر ( جاءهم نصرنا فننجي ) بنونين مشدداً ومخففاً وبنون مشدداً ماض ( من نشاء ولا يرد بأسنا ) عذابنا ( عن القوم المجرمين ) المشركين
111. ( لقد كان في قصصهم ) أي الرسل ( عبرة لأولي الألباب ) أصحاب العقول ( ما كان ) هذا القرآن ( حديثاً يفترى ) يختلق ( ولكن ) كان ( تصديق الذي بين يديه ) قبله من الكتب ( وتفصيل ) تبيين ( كل شيء ) يحتاج إليه في الدين ( وهدى ) من الضلالة ( ورحمة لقوم يؤمنون ) خصوا بالذكر لانتفاعهم به دون غيرهم
1. ( الر ) الله أعلم بمراده ( تلك ) هذه الآيات ( آيات الكتاب ) القرآن ، والإضافة بمعنى من ( المبين ) المظهر للحق من الباطل
2. ( إنا أنزلناه قرآنا عربيا ) بلغة العرب ( لعلكم ) يا أهل مكة ( تعقلون ) تفقهون معانيه
3. ( نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا ) بإيحائنا ( إليك هذا القرآن وإنْ ) مخففة أي وإنه ( كنت من قبله لمن الغافلين )
4. اذكر ( إذ قال يوسف لأبيه ) يعقوب ( يا أبت ) بالكسر دلالة على ألف محذوفة قلبت عن الياء ( إني رأيت ) في المنام ( أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم ) تأكيد ( لي ساجدين ) جمع بالياء والنون للوصف بالسجود الذي هو من صفات العقلاء
5. ( قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً ) يحتالون في هلاكك حسداً لعلمهم بتأويلها من أنهم الكواكب والشمس أمك والقمر أبوك ( إن الشيطان للإنسان عدو مبين ) ظاهر العداوة
6. ( وكذلك ) كما رأيت ( يجتبيك ) يختارك ( ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ) تعبير الرؤيا ( ويتم نعمته عليك ) بالنبوة ( وعلى آل يعقوب ) أولاده ( كما أتمها ) بالنبوة ( على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم ) بخلقه ( حكيم ) في صنعه بهم
7. ( لقد كان في ) خبر ( يوسف وإخوته ) وهم أحد عشر ( آيات ) عبر ( للسائلين )
8. اذكر ( إذ قالوا ) أي بعض إخوة يوسف لبعضهم ( ليوسف ) مبتدأ ( وأخوه ) شقيقه بنيامين ( أحب ) خبر ( إلى أبينا منا ونحن عصبة ) جماعة ( إن أبانا لفي ضلال ) خطأ ( مبين ) بيِّن بإيثارهما علينا
9. ( اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا ) أي بأرض بعيدة ( يخل لكم وجه أبيكم ) بأن يقبل عليكم ولا يلتفت لغيركم ( وتكونوا من بعده ) أي بعد قتل يوسف أو طرحه ( قوماً صالحين ) بأن تتوبوا
10. ( قال قائل منهم ) هو يهوذا ( لا تقتلوا يوسف وألقوه ) اطرحوه ( في غيابة الجب ) مظلم البئر ، وفي قراءة بالجمع ( يلتقطه بعض السيارة ) المسافرين ( إن كنتم فاعلين ) ما أردتم من التفريق فاكتفوا بذلك
11. ( قالوا يا أبانا مالك لا تأمنَّا على يوسف وإنا له لناصحون ) لقائمون بمصالحه
12. ( أرسله معنا غداً ) إلى الصحراء ( يرتع ويلعب ) بالنون والياء فيهما ينشط ويتسع ( وإنا له لحافظون )
13. ( قال إني ليحزنني أن تذهبوا ) أي ذهابكم ( به ) لفراقه ( وأخاف أن يأكله الذئب ) المراد به الجنس وكانت أرضهم كثيرة الذئاب ( وأنتم عنه غافلون ) مشغولون
14. ( قالوا لئن ) لام قسم ( أكله الذئب ونحن عصبة ) جماعة ( إنا إذاً لخاسرون ) عاجزون ، فأرسله معهم
15. ( فلما ذهبوا به وأجمعوا ) عزموا ( أن يجعلوه في غيابة الجب ) وجواب لمَّا محذوف أي فعلوا ذلك بأن نزعوا قميصه بعد ضربه وإهانته وإرادة قتله وأدلوه فلما وصل إلى نصف البئر ألقوه ليموت فسقط في الماء ، ثم أوى إلى صخرة فنادوه فأجابهم يظن رحمتهم فأرادوا رضخه بصخرة فمنعهم يهوذا ( وأوحينا إليه ) في الجب وحيَ حقيقة وله سبع عشرة سنة أو دونها تطميناً لقلبه ( لتنبِّئنَّهم ) بعد اليوم ( بأمرهم ) بصنيعهم ( هذا وهم لا يشعرون ) بك حال الإنباء
16. ( وجاؤوا أباهم عشاء ) وقت المساء ( يبكون )
17. ( قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق ) نرمي ( وتركنا يوسف عند متاعنا ) ثيابنا ( فأكله الذئب وما أنت بمؤمن ) بمصدق ( لنا ولو كنا صادقين ) عندك لاتهمتنا في هذه القصة لمحبة يوسف فكيف وأنت تسيء الظن بنا
18. ( وجاؤوا على قميصه ) محله نصب على الظرفية أي فوقه ( بدم كذب ) أي ذي كذب بأن ذبحوا سخلة ولطخوه بدمها وذهلوا عن شقه وقالوا إنه دمه ( قال ) يعقوب لما رآه صحيحاً وعلم كذبهم ( بل سولت ) زينت ( لكم أنفسكم أمراً ) ففعلتموه به ( فصبر جميل ) لا جزع فيه ، وهو خبر مبتدأ محذوف أي أمري ( والله المستعان ) المطلوب منه العون ( على ما تصفون ) تذكرون من أمر يوسف
19. ( وجاءت سيارة ) مسافرون من مدين إلى مصر فنزلوا قريبا من جب يوسف ( فأرسلوا واردهم ) الذي يرد الماء ليستقي منه ( فأدلى ) أرسل ( دلوه ) في البئر فتعلق بها يوسف فأخرجه فلما رآه ( قال يا بشراي ) وفي قراءة { بشرى } ونداؤها مجاز أي احضري فهذا وقتك ( هذا غلام ) فعلم به فأتوه ( وأسروه ) أي أخفوا أمره جاعليه ( بضاعة ) بأن قالوا هذا عبدنا أبق وسكت يوسف خوفا من أن يقتلوه ( والله عليم بما يعملون )
20. ( وشروه ) باعوه منهم ( بثمن بخس ) ناقص ( دراهم معدودة ) عشرين أو اثنين وعشرين ( وكانوا ) أي إخوته ( فيه من الزاهدين ) فجاءت به السيَّارة إلى مصر فباعه الذي اشتراه بعشرين ديناراً وزوجي نعل وثوبين
21. ( وقال الذي اشتراه من مصر ) وهو قطفير العزيز ( لامرأته ) زليخا ( أكرمي مثواه ) مقامه عندنا ( عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً ) وكان حصوراً ( وكذلك ) كما نجيناه من القتل والجب وعطفنا عليه قلب العزيز ( مكنَّا ليوسف في الأرض ) أرض مصر حتى بلغ ما بلغ ( ولنعلمه من تأويل الأحاديث ) تعبير الرؤيا عطف على مقدر متعلق بمكنَّا أي لنملكه أو الواو زائدة ( والله غالب على أمره ) تعالى لا يعجزه شيء ( ولكن أكثر الناس ) وهم الكفار ( لا يعلمون ) ذلك
22. ( ولما بلغ أشده ) وهو ثلاثون سنة أو ثلاث ( آتيناه حكماً ) حكمةً ( وعلماً ) فقهاً في الدين قبل أن يبعث نبياً ( وكذلك ) كما جزيناه ( نجزي المحسنين ) لأنفسهم
23. ( وراودته التي هو في بيتها ) هي زليخا ( عن نفسه ) أي طلبت منه يواقعها ( وغلَّقت الأبواب ) للبيت ( وقالت ) له ( هيت لك ) أي هلَّم ، واللام للتبيين وفي قراءة بكسر الهاء وأخرى بضم التاء ( قال معاذ الله ) أعوذ بالله من ذلك ( إنه ) الذي اشتراني ( ربي ) سيدي ( أحسن مثواي ) مقامي فلا أخونه في أهله ( إنه ) أي الشأن ( لا يفلح الظالمون ) الزناة
24. ( ولقد همَّت به ) قصدت منه الجماع ( وهم بها ) قصد ذلك ( لولا أن رأى برهان ربه ) قال ابن عباس مَثُلَ له يعقوب فضرب صدره فخرجت شهوته من أنامله ، وجواب لولا لجامعها ( كذلك ) أريناه البرهان ( لنصرف عنه السوء ) الخيانة ( والفحشاء ) الزنا ( إنه من عبادنا المخلصين ) في الطاعة ، وفي قراءة بكسر اللام أي المختارين
25. ( واستبقا الباب ) بادر إليه يوسف للفرار وهي للتشبث به فأمسكت ثوبه وجذبته إليها ( وقدت ) شقت ( قميصه من دبر وألفيا ) وجدا ( سيدها ) زوجها ( لدى الباب ) فنزهت نفسها ثم ( قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوء ) زنا ( إلا أن يسجن ) يحبس في سجن ( أو عذاب أليم ) مؤلم بأن يضرب
26. ( قال ) يوسف متبرئاً ( هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها ) ابن عمها رُوي أنه كان في المهد فقال ( إن كان قميصه قد من قبل ) قدام ( فصدقت وهو من الكاذبين )
27. ( وإن كان قميصه قد من دبر ) خلف ( فكذبت وهو من الصادقين )
28. ( فلما رأى ) زوجها ( قميصه قُدَّ من دبر قال إنه ) أي قولك { ما جزاء من أراد } الخ ( من كيدكن ) أيها النساء ( إن كيدكن عظيم )
29. ثم قال يا ( يوسف أعرض عن هذا ) الأمر ولا تذكره لئلا يشيع ( واستغفري ) يا زليخا ( لذنبك إنك كنت من الخاطئين ) الآثمين ، واشتهر الخبر وشاع
30. ( وقال نسوة في المدينة ) مدينة مصر ( امرأة العزيز تراود فتاها ) عبدها ( عن نفسه قد شغفها حباً ) تمييز أي دخل حبه شغاف قلبها أي غلافه ( إنا لنراها في ضلال ) أي في خطأ ( مبين ) بين بحبها إياه
31. ( فلما سمعت بمكرهن ) غيبتهن لها ( أرسلت إليهن وأعتدت ) أعدت ( لهن متكأً ) طعاماً يقطع بالسكين للاتكاء عنده وهو الأترج ( وآتت ) أعطت ( كل واحدة منهن سكيناً وقالت ) ليوسف ( اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه ) أعظمنه ( وقطعن أيديهن ) بالسكاكين ولم يشعرن بالألم لشغل قلبهن بيوسف ( وقلن حاش لله ) تنزيهاً له ( ما هذا ) أي يوسف ( بشراً إن ) ما ( هذا إلا ملك كريم ) لما حواه من الحسن الذي لا يكون عادة في النسمة البشرية وفي الحديث « أنه أعطي شطر الحسن »
32. ( قالت ) امرأة العزيز لما رأت ما حل بهن ( فذلكن ) فهذا هو ( الذي لمتنَّني فيه ) في حبه بيان لعذرها ( ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ) امتنع ( ولئن لم يفعل ما آمره ) به ( ليسجنن وليكوناً من الصاغرين ) الذليلين فقلن له أطع مولاتك
33. ( قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب ) أمل ( إليهن وأكن ) أصير ( من الجاهلين ) المذنبين ، والقصد بذلك الدعاء فلذا قال تعالى
34. ( فاستجاب له ربه ) دعاءه ( فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع ) للقول ( العليم ) بالفعل
35. ( ثم بدا ) ظهر ( لهم من بعد ما رأوا الآيات ) الدالات على براءة يوسف أن يسجنوه دل على هذا ( ليسجننه حتى ) إلى ( حين ) ينقطع فيه كلام الناس فسجن
36. ( ودخل معه السجن فتيان ) غلامان للملك أحدهما ساقيه والآخر صاحب طعامه فرأياه يعبِّر الرؤيا فقالا لنختبرنَّه ( قال أحدهما ) وهو الساقي ( إني أراني أعصر خمرا ) أي عنبا ( وقال الآخر ) وهو صاحب الطعام ( إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا ) خبزنا ( بتأويله ) بتعبيره ( إنا نراك من المحسنين )
37. ( قال ) لهما مخبراً أنه عالم بتعبير الرؤيا ( لا يأتيكما طعام ترزقانه ) في منامكما ( إلا نبأتكما بتأويله ) في اليقظة ( قبل أن يأتيكما ) تأويله ( ذلكما مما علمني ربي ) فيه حث على إيمانهما ثم قواه بقوله ( إني تركت ملة ) دين ( قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم ) تأكيد ( كافرون )
38. ( واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان ) ينبغي ( لنا أن نشرك بالله من ) زائدة ( شيء ) لعصمتنا ( ذلك ) التوحيد ( من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس ) وهم الكفار ( لا يشكرون ) الله فيشركون ثم صرح بدعائهما إلى الإيمان فقال
39. ( يا صاحبي ) ساكني ( السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) خير ؟ استفهام تقرير
40. ( ما تعبدون من دونه ) أي غيره ( إلا أسماء سميتموها ) سميتم بها أصناماً ( أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها ) بعبادتها ( من سلطان ) حجة وبرهان ( إن ) ما ( الحكم ) القضاء ( إلا لله ) وحده ( أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك ) التوحيد ( الدين القيِّم ) المستقيم ( ولكن أكثر الناس ) وهم الكفار ( لا يعلمون ) ما يصيرون إليه من العذاب فهم يشركون
41. ( يا صاحبي السجن أما أحدكما ) اي الساقي فيخرج بعد ثلاث ( فيسقي ربه ) سيده ( خمراً ) على عادته ( وأما الآخر ) فيخرج بعد ثلاث ( فيصلب فتأكل الطير من رأسه ) هذا تأويل رؤياكما فقالا ما رأينا شيئاً فقال ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) سألتما عنه صدقتما أم كذبتما
42. ( وقال للذي ظن ) أيقن ( أنه ناج منهما ) وهو الساقي ( اذكرني عند ربك ) سيدك فقل له إن في السجن غلاماً محبوساً ظلماً فخرج ( فأنساه ) أي الساقي ( الشيطان ذكر ) يوسف عند ( ربه فلبث ) مكث يوسف ( في السجن بضع سنين ) قيل سبعاً وقيل اثنتي عشرة
43. ( وقال الملك ) ملك مصر الريان بن الوليد ( إني أرى ) أي رأيت ( سبع بقرات سمان يأكلهن ) يبتلعهن ( سبع ) من البقر ( عجاف ) جمع عجفاء ( وسبع سنبلات خضر وأخر ) أي سبع سنبلات ( يابسات ) قد التوت على الخضر وعلت عليها ( يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي ) بينوا لي تعبيرها ( إن كنتم للرؤيا تعبرون ) فاعبروها لي
44. ( قالوا ) هذه ( أضغاث ) أخلاط ( أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين )
45. ( وقال الذي نجا منهما ) أي من الفتيين وهو الساقي ( وادَّكر ) فيه إبدال التاء في الأصل دالاً وإدغامها في الدال أي تذكر يوسف ( بعد أمة ) حين قال ( أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون ) فأرسلوه فأتى يوسف فقال :
46. يا ( يوسف أيها الصديق ) الكثير الصدق ( أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس ) أي الملك وأصحابه ( لعلهم يعلمون ) تعبيرها
47. ( قال تزرعون ) أي ازرعوا ( سبع سنين دأباً ) متتابعة وهي تأويل السبع السمان ( فما حصدتم فذروه ) أي اتركوه ( في سنبله ) لئلا يفسد ( إلا قليلا مما تأكلون ) فادرسوه
48. ( ثم يأتي من بعد ذلك ) أي السبع المخصبات ( سبع شداد ) مجدبات صعاب وهي تأويل السبع العجاف ( يأكلن ما قدمتم لهن ) من الحب المزروع في السنين المخصبات أي تأكلونه فيهن ( إلا قليلاً مما تحصنون )
49. ( ثم يأتي من بعد ذلك ) أي السبع المجدبات ( عام فيه يغاث الناس ) بالمطر ( وفيه يعصرون ) الأعناب وغيرها لخصبه
50. ( وقال الملك ) لما جاءه الرسول وأخبره بتأويلها ( ائتوني به ) أي الذي عبرها ( فلما جاءه ) أي يوسف ( الرسول ) وطلبه للخروج ( قال ) قاصداً إظهار براءته ( ارجع إلى ربك فاسأله ) أن يسأل ( ما بال ) حال ( النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي ) سيدي ( بكيدهن عليم ) فرجع فأخبر الملك فجمعهن
51. ( قال ما خطبكن ) شأنكن ( إذ راودتن يوسف عن نفسه ) هل وجدتن منه ميلاً إليكن ( قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص ) وضح ( الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ) في قوله { هي راودتني عن نفسي } فاخبر يوسف بذلك فقال :
52. ( ذلك ) أي طلب البراءة ( ليعلم ) العزيز ( أني لم أخنه ) في أهله ( بالغيب ) حال ( وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ) ثم تواضع لله فقال :
53. ( وما أبرئ نفسي ) من الزلل ( إن النفس ) الجنس ( لأمارة ) كثيرة الأمر ( بالسوء إلا ما ) بمعنى من ( رحم ربي ) فعصمه ( إن ربي غفور رحيم )
54. ( وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي ) أجعله خالصاً لي دون شريك فجاءه الرسول وقال : أجب الملك فقام وودع أهل السجن ودعا لهم ثم اغتسل ولبس ثيابا حسنة ودخل عليه ( فلما كلمه قال ) له ( إنك اليوم لدينا مكين أمين ) ذو مكانة وأمانة على أمرنا فماذا ترى أن نفعل ؟ قال : اجمع الطعام وازرع زرعاً كثيراً في هذه السنين المخصبة وادخر الطعام في سنبله فتأتي إليك الخلق ليمتاروا منك ، فقال : ومن لي بهذا ؟
55. ( قال ) يوسف ( اجعلني على خزائن الأرض ) أرض مصر ( إني حفيظ عليم ) ذو حفظ وعلم بأمرها وقيل كاتب حاسب
56. ( وكذلك ) كإنعامنا عليه بالخلاص من السجن ( مكنا ليوسف في الأرض ) أرض مصر ( يتبوأ ) ينزل ( منها حيث يشاء ) بعد الضيق والحبس . وفي القصة أن الملك توَّجه وختَّمه وولاه مكان العزيز وعزله ومات بعد ، فزوجه امرأته فوجدها عذراء وولدت له ولدين ، وأقام العدل بمصر ودانت له الرقاب ( نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين )
57. ( ولأجر الآخرة خير ) من أجر الدنيا ( للذين آمنوا وكانوا يتقون ) ودخلت سنو القحط وأصاب أرض كنعان والشام
58. ( وجاء إخوة يوسف ) إلا بنيامين ليمتاروا لما بلغهم أن عزيز مصر يعطي الطعام بثمنه ( فدخلوا عليه فعرفهم ) أنهم إخوته ( وهم له منكرون ) لا يعرفونه لبعد عهدهم به وظنهم هلاكه فكلموه بالعبرانية فقال كالمنكر عليهم : ما أقدمكم بلادي ؟ فقالوا : للميرة ، فقال : لعلكم عيون ، قالوا : معاذ الله ، قال : فمن أين أنتم ، قالوا : من بلاد كنعان وأبونا يعقوب نبي الله ، قال : وله أولاد غيركم ، قالوا : نعم ، كنا اثني عشر فذهب أصغرنا هلك في البرية وكان أحبنا إليه وبقي شقيقه فاحتبسه ليتسلى به عنه ، فأمر بإنزالهم وإكرامهم
59. ( ولما جهزهم بجهازهم ) وفَّى لهم كيلهم ( قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ) أي بنيامين لأعلم صدقكم فيما قلتم ( ألا ترون أني أوفي الكيل ) أتمه من غير بخس ( وأنا خير المنزلين )
60. ( فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ) أي ميرة ( ولا تقربون ) نهي أو عطف على محل فلا كيل أي تحرموا ولا تقربوا
61. ( قالوا سنراود عنه أباه ) سنجتهد في طلبه منه ( وإنا لفاعلون ) ذلك
62. ( وقال لفتيته ) وفي قراءة { لفتيانه } غلمانه ( اجعلوا بضاعتهم ) التي أتوا بها ثمن الميرة وكانت دراهم ( في رحالهم ) أوعيتهم ( لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم ) وفرغوا أوعيتهم ( لعلهم يرجعون ) إلينا لأنهم لا يستحلون إمساكها
63. ( فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل ) إن لم ترسل أخانا إليه ( فأرسل معنا أخانا نكتل ) بالنون والياء ( وإنا له لحافظون )
64. ( قال هل ) ما ( آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه ) يوسف ( من قبل ) وقد فعلتم به ما فعلتم ( فالله خير حافظاً ) وفي قراءة { حفظاً } تمييز كقولهم لله دره فارساً ( وهو أرحم الراحمين ) فأرجو أن يمن بحفظه
65. ( ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي ) ما استفهامية أي أي شيء نطلب من إكرام الملك أعظم من هذا ، وقرىء بالفوقانية خطاباً ليعقوب وكانوا ذكروا له إكرامه لهم ( هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ) نأتي بالميرة لهم وهي الطعام ( ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ) لأخينا ( ذلك كيل يسير ) سهل على الملك لسخائه
66. ( قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقاً ) عهداً ( من الله ) بأن تحلفوا ( لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ) بأن تموتوا أو تغلبوا فلا تطيقوا الإتيان به فأجابوه إلى ذلك ( فلما آتوه موثقهم ) بذلك ( قال الله على ما نقول ) نحن وأنتم ( وكيل ) شهيد وأرسله معهم
67. ( وقال يا بني لا تدخلوا ) مصر ( من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة ) لئلا تصيبكم العين ( وما أغني ) أدفع ( عنكم ) بقولي ذلك ( من الله من ) صلة ( شيء ) قدره عليكم وإنما ذلك شفقة ( إن ) ما ( الحكم إلا لله ) وحده ( عليه توكلت ) به وثقت ( وعليه فليتوكل المتوكلون )
68. ( ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ) أي متفرقين ( ما كان يغني عنهم من الله ) أي قضائه ( من ) صلة ( شيء إلا ) لكن ( حاجة في نفس يعقوب قضاها ) وهي إرادة دفع العين شفقة ( وإنه لذو علم لما علَّمناه ) لتعليمنا إياه ( ولكن أكثر الناس ) وهم الكفار ( لا يعلمون ) إلهام الله لأصفيائه
69. ( ولما دخلوا على يوسف آوى ) ضمَّ ( إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس ) تحزن ( بما كانوا يعملون ) من الحسد لنا وأمره أن لا يخبرهم وتواطأ معه على أنه سيحتال على أن يبقيه عنده
70. ( فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية ) هي صاعٌ من ذهب مرصع بالجوهر ( في رحل أخيه ) بنيامين ( ثم أذَّن مؤذن ) نادى منادٍ بعد انفصالهم عن مجلس يوسف ( أيتها العير ) القافلة ( إنكم لسارقون )
71. ( قالوا و ) قد ( أقبلوا عليهم ماذا ) ما الذي ( تفقدونـ ) ـه
72. ( قالوا نفقد صواع ) صاع ( الملك ولمن جاء به حمل بعير ) من الطعام ( وأنا به ) بالحمل ( زعيم ) كفيل
73. ( قالوا تالله ) قسم فيه معنى التعجب ( لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين ) ما سرقنا قط
74. ( قالوا ) أي المؤذن وأصحابه ( فما جزاؤه ) أي السارق ( إن كنتم كاذبين ) في قولكم ما كنا سارقين ووجد فيكم
75. ( قالوا جزاؤه ) مبتدأ خبره ( من وجد في رحله ) يُسترق ثم أكد بقوله ( فهو ) أي السارق ( جزاؤه ) أي المسروق لا غير وكانت سنة آل يعقوب ( كذلك ) الجزاء ( نجزي الظالمين ) بالسرقة فصرحوا ليوسف بتفتيش أوعيتهم
76. ( فبدأ بأوعيتهم ) ففتشها ( قبل وعاء أخيه ) لئلا يتهم ( ثم استخرجها ) أي السقاية ( من وعاء أخيه ) قال تعالى : ( كذلك ) الكيد ( كدنا ليوسف ) علمناه الاحتيال في أخذ أخيه ( ما كان ) يوسف ( ليأخذ أخاه ) رقيقاً عن السرقة ( في دين الملك ) حكم مصر لأن جزاءه الضرب وتغريم مثلي المسروق لا الاسترقاق ( إلا أن يشاء الله ) أخذه بحكم أبيه أي لم يتمكن من أخذه إلا بمشيئة الله بإلهامه سؤال إخوته وجوابهم بسنتهم ( نرفع درجات من نشاء ) بالإضافة والتنوين في العلم كيوسف ( وفوق كل ذي علم ) من المخلوقين ( عليم ) أعلم منه حتى ينتهي إلى الله تعالى
77. ( قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) أي يوسف فقد سرق لأبي أمِّه صنماً من ذهب فكسره لئلا يعبده ( فأسرَّها يوسف في نفسه ولم يبدها ) يظهرها ( لهم ) والضمير للكلمة التي في قوله ( قال ) في نفسه ( أنتم شرٌّ مكاناً ) من يوسف وأخيه لسرقتكم أخاكم من أبيكم وظلمكم له ( والله أعلم ) عالم ( بما تصفون ) تذكرون من أمره
78. ( قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخاً كبيراً ) يحبه أكثر منا ويتسلى به عن ولده الهالك ويحزنه فراقه ( فخذ أحدنا ) استعبده ( مكانه ) بدلاً منه ( إنا نراك من المحسنين ) في أفعالك
79. ( قال معاذ الله ) نصب على المصدر حذف فعله وأضيف إلى المفعول أي نعوذ بالله من ( أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده ) لم يقل من سرق تحرزاً من الكذب ( إنا إذاً ) إن أخذنا غيره ( لظالمون )
80. ( فلما استيأسوا ) يئسوا ( منه خلصوا ) اعتزلوا ( نجيَّاً ) مصدر يصلح للواحد وغيره ، أي يناجي بعضهم بعضاً ( قال كبيرهم ) سِنّاً : روبيل أو رأياً : يهوذا ( ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقاً ) عهداً ( من الله ) في أخيكم ( ومن قبل ما ) زائدة ( فرطتم في يوسف ) وقيل ما مصدرية مبتدأ خبره من قبل ( فلن أبرح ) أفارق ( الأرض ) أرض مصر ( حتى يأذن لي أبي ) بالعودة إليه ( أو يحكم الله لي ) بخلاص أخي ( وهو خير الحاكمين ) أعدلهم
81. ( ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا ) عليه ( إلا بما علمنا ) تيقَّنا من مشاهدة الصاع في رحله ( وما كنا للغيب ) لما غاب عنا حين إعطاء الموثق ( حافظين ) ولو علمنا أنه يسرق لم نأخذه
82. ( واسأل القرية التي كنا فيها ) هي مصر ، أي ارسل إلى أهلها فاسألهم ( والعير ) أي أصحاب العير ( التي أقبلنا فيها ) وهم قوم كنعان ( وإنا لصادقون ) في قولنا فرجعوا إليه وقالوا له ذلك
83. ( قال بل سولت ) زينت ( لكم أنفسكم أمراً ) ففعلتموه ، اتهمهم لما سبق منهم من أمر يوسف ( فصبر جميل ) صبري ( عسى الله أن يأتيني بهم ) بيوسف وأخويه ( جميعاً إنه هو العليم ) بحالي ( الحكيم ) في صنعه
84. ( وتولى عنهم ) تاركاً خطابهم ( وقال يا أسفى ) الألف بدل من ياء الإضافة أي يا حزني ( على يوسف وابيضت عيناه ) انمحق سوادهما وبدل بياضاً من بكائه ( من الحزن ) عليه ( فهو كظيم ) مغموم مكروب لا يظهر كربه
85. ( قالوا تالله ) لا ( تفتأ ) تزال ( تذكر يوسف حتى تكون حرضاً ) مشرفاً على الهلاك لطول مرضك وهو مصدر يستوي فيه الواحد وغيره ( أو تكون من الهالكين ) الموتى
86. ( قال ) لهم ( إنما أشكوا بثي ) هو عظيم الحزن الذي لا يصبر عليه حتى يبث إلى الناس ( وحزني إلى الله ) لا إلى غيره فهو الذي تنفع الشكوى إليه ( وأعلم من الله ما لا تعلمون ) من أن رؤيا يوسف صدق وهو حي ، ثم قال
87. ( يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ) اطلبوا خبرهما ( ولا تيأسوا ) تقنطوا ( من روح الله ) رحمته ( إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ) فانطلقوا نحو مصر ليوسف
88. ( فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسَّنا وأهلنا الضر ) الجوع ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) مدفوعة يدفعها كل من رآها لرداءتها وكانت دراهم زيوفاً أو غيرها ( فأوف ) أتم ( لنا الكيل وتصدق علينا ) بالمسامحة عن رداءة بضاعتنا ( إن الله يجزي المتصدقين ) يثيبهم ، فَرَقَّ لهم وأدركته الرحمة ورفع الحجاب بينه وبينهم
89. ثم ( قال ) لهم توبيخاً ( هل علمتم ما فعلتم بيوسف ) من الضرب والبيع وغير ذلك ( وأخيه ) من هضمكم له بعد فراق أخيه ( إذ أنتم جاهلون ) ما يؤول إليه أمر يوسف
90. ( قالوا ) بعد أن عرفوه لما ظهر من شمائله متثبتين ( أئنك ) بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين ( لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد منَّ ) أنعم ( الله علينا ) بالاجتماع ( إنه من يتق ) يخف الله ( ويصبر ) على ما يناله ( فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ) فيه وضع الظاهر موضع المضمر
91. ( قالوا تالله لقد آثرك ) فضلك ( الله علينا ) بالملك وغيره ( وإن ) مخففة أي إنا ( كنا لخاطئين ) آثمين في أمرك فأذللناك
92. ( قال لا تثريب ) عتب ( عليكم اليوم ) خصَّه بالذكر لأنه مظنة التثريب فغيره أولى ( يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ) وسألهم عن أبيه فقالوا ذهبت عيناه فقال :
93. ( اذهبوا بقميصي هذا ) وهو قميص إبراهيم الذي لبسه حين ألقي في النار كان في عنقه في الجب وهو من الجنة أمره جبريل بإرساله وقال إن فيه ريحها ولا يُلقى على مبتلىً إلا عوفي ( فألقوه على وجه أبي يأت ) يصِر ( بصيراً وأتوني بأهلكم أجمعين )
94. ( ولما فصلت العير ) خرجت من عريش مصر ( قال أبوهم ) لمن حضر من بنيه وأولادهم ( إني لأجد ريح يوسف ) أوصلته إليه الصبا بإذنه تعالى من مسيرة ثلاثة أيام أو ثمانية أو اكثر ( لولا أن تفنِّدون ) تسفهون لصدقتموني
95. ( قالوا ) له ( تالله إنك لفي ضلالك ) خطئك ( القديم ) من إفراطك في محبته ورجاء لقائه على بعد العهد
96. ( فلما أن ) زائدة ( جاء البشير ) يهوذا بالقميص وكان قد حمل قميص الدم فأحب أن يفرحه كما أحزنه ( ألقاه ) طرح القميص ( على وجهه فارتد ) رجع ( بصيراً قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون )
97. ( قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين )
98. ( قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم ) أخر ذلك إلى السحر ليكون أقرب إلى الإجابة أو إلى ليلة الجمعة ، ثم توجهوا إلى مصر وخرج يوسف والأكابر لتلقيهم
99. ( فلما دخلوا على يوسف ) في مضربه ( آوى ) ضم ( إليه أبويه ) أباه وأمه أو خالته ( وقال ) لهم ( ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ) فدخلوا وجلس يوسف على سريره
100. ( ورفع أبويه ) أجلسهما معه ( على العرش ) السرير ( وخروا ) أي أبواه وإخوته ( له سجدَّاً ) سجود انحناء لا وضع جبهة ، وكان تحيتهم في ذلك الزمان ( وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً وقد أحسن بي ) إلي ( إذ أخرجني من السجن ) لم يقل من الجب تكرماً لئلا يخجل إخوته ( وجاء بكم من البدو ) البادية ( من بعد أن نزغ ) أفسد ( الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم ) بخلقه ( الحكيم ) في صنعه ، وأقام عنده أبواه أربعا وعشرين سنة أو سبع عشرة سنة وكانت مدة فراقه ثماني عشرة أو أربعين أو ثمانين سنة وحضره الموت فوصى يوسف أن يحمله ويدفنه عند أبيه فمضى بنفسه ودفنه ثمة ، ثم عاد إلى مصر وأقام بعده ثلاثا وعشرين سنة ولما تم أمره وعلم أنه لا يدوم تاقت نفسه إلى الملك الدائم فقال
101. ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث ) تعبير الرؤيا ( فاطر ) خالق ( السماوات والأرض أنت وليي ) متولي صالحي ( في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين ) من آبائي فعاش بعد ذلك أسبوعا أو أكثر ومات وله مائة وعشرون سنة وتشاحَّ المصريون في قبره فجعلوه في صندوق من مرمر ودفنوه في أعلى النيل لتعم البركة جانبيه فسبحان من لا انقضاء لملكه
102. ( ذلك ) المذكور من أمر يوسف ( من أنباء ) أخبار ( الغيب ) ما غاب عنك يا محمد ( نوحيه إليك وما كنت لديهم ) لدى إخوة يوسف ( إذ أجمعوا أمرهم ) في كيده أي عزموا عليه ( وهم يمكرون ) به ، أي لم تحضرهم فتعرف قصتهم فتخبر بها وإنما حصل لك علمها من جهة الله
103. ( وما أكثر الناس ) أي أهل مكة ( ولو حرصت ) على إيمانهم ( بمؤمنين )
104. ( وما تسألهم عليه ) أي القرآن ( من أجر ) تأخذه ( إن ) ما ( هو ) أي القرآن ( إلا ذكر ) عظة ( للعالمين )
105. ( وكأيِّن ) وكم ( من آية ) دالة على وحدانية الله ( في السماوات والأرض يمرون عليها ) يشاهدونها ( وهم عنها معرضون ) لا يتفكرون بها
106. ( وما يؤمن أكثرهم بالله ) حيث يقرون بأنه الخالق الرزاق ( إلا وهم مشركون ) به بعبادة الأصنام ولذا كانوا يقولون في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك ، تملكه وما ملك . يعنونها
107. ( أفأمنوا أن تأتيهم غاشية ) نقمة تغشاهم ( من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة ) فجأة ( وهم لا يشعرون ) بوقت إتيانها
108. ( قل ) لهم ( هذه سبيلي ) وفسرها بقوله ( أدعوا إلى ) دين ( الله على بصيرة ) حجة واضحة ( أنا ومن اتبعني ) آمن بي عطف على أنا المبتدأ المخبر عنه بما قبله ( وسبحان الله ) تنزيها له عن الشركاء ( وما أنا من المشركين ) من جملة سبيله أيضاً
109. ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يُوحى ) وفي قراءة بالنون وكسر الحاء ( إليهم ) لا ملائكة ( من أهل القرى ) الأمصار لأنهم أعلم وأحلم بخلاف أهل البوادي لجفائهم وجهلهم ( أفلم يسيروا ) أهل مكة ( في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ) أي آخر أمرهم من إهلاكهم بتكذيبهم رسلهم ( ولدار الآخرة ) أي الجنة ( خير للذين اتقوا ) الله ( أفلا تعقلون ) بالياء والتاء يا أهل مكة هذا فتؤمنوا
110. ( حتى ) غاية لما دل عليه { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا } أي فتراخى نصرهم حتى ( إذا استيأس ) يئس ( الرسل وظنوا ) أيقن الرسل ( أنهم قد كُذِّبوا ) بالتشديد تكذيباً لا إيمان بعده ، والتخفيف أي ظن الأمم أن الرسل أخلفوا ما وعدوا به من النصر ( جاءهم نصرنا فننجي ) بنونين مشدداً ومخففاً وبنون مشدداً ماض ( من نشاء ولا يرد بأسنا ) عذابنا ( عن القوم المجرمين ) المشركين
111. ( لقد كان في قصصهم ) أي الرسل ( عبرة لأولي الألباب ) أصحاب العقول ( ما كان ) هذا القرآن ( حديثاً يفترى ) يختلق ( ولكن ) كان ( تصديق الذي بين يديه ) قبله من الكتب ( وتفصيل ) تبيين ( كل شيء ) يحتاج إليه في الدين ( وهدى ) من الضلالة ( ورحمة لقوم يؤمنون ) خصوا بالذكر لانتفاعهم به دون غيرهم
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
13. سورة الرعد
1. ( المر ) الله أعلم بمراده بذلك ( تلك ) هذه الآيات ( آيات الكتاب ) القرآن والإضافة بمعنى من ( والذي أنزل إليك من ربك ) أي القرآن مبتدأ خبره ( الحق ) لاشك فيه ( ولكن أكثر الناس ) أي أهل مكة ( لا يؤمنون ) بأنه من عنده تعالى
2. ( الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ) أي العمد جمع عماد وهو الأسطوانة وهو صادق بأن لا عمد أصلا ( ثم استوى على العرش ) استواء يليق به ( وسخر ) ذلّل ( الشمس والقمر كل ) منهما ( يجري ) في فلكه ( لأجل مسمى ) يوم القيامة ( يدبر الأمر ) يقضي أمر ملكه ( يفصل ) يبين ( الآيات ) دلالات قدرته ( لعلكم ) يا أهل مكة ( بلقاء ربكم ) بالبعث ( توقنون )
3. ( وهو الذي مد ) بسط ( الأرض وجعل ) خلق ( فيها رواسي ) جبالاً ثوابت ( وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ) من كل نوع ( يُغشي ) يغطي ( الليلَ ) بظلمته ( النهارَ إن في ذلك ) المذكور ( لآيات ) دلالات على وحدانيته تعالى ( لقوم يتفكرون ) في صنع الله
4. ( وفي الأرض قطع ) بقاع مختلفة ( متجاورات ) متلاصقات فمنها طيب وسبخ وقليل الربيع وكثيره وهو من دلائل قدرته تعالى ( وجنات ) بساتين ( من أعناب وزرع ) بالرفع عطفاً على جنات والجر على أعناب وكذا قوله ( ونخيل صنوان ) جمع صنو ، وهي النخلات يجمعها أصل واحد وتتشعب فروعها ( وغير صنوان ) منفردة ( تسقى ) بالتاء ، أي الجنات وما فيها والياء ، أي المذكور ( بماء واحد ونفضل ) بالنون والياء ( بعضها على بعض في الأُكُل ) بضم الكاف وسكونها فمن حلو وحامض وهو من دلائل قدرته تعالى ( إن في ذلك ) المذكور ( لآيات لقوم يعقلون ) يتدبرون
5. ( وإن تعجب ) يا محمد من تكذيب الكفار لك ( فعجبٌ ) حقيق بالعجب ( قولهم ) منكرين للبعث ( أئذا كنا تراباً أئنا لفي خلق جديد ) لان القادر على إنشاء الخلق وما تقدم على غير مثال قادر على إعادتهم وفي الهمزتين في الموضعين التحقيق وتحقيق الأولى وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين وتركها ، وفي قراءة بالاستفهام في الأول والخبر في الثاني وأخرى وعكسه ( أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
6. ونزل في استعجالهم العذاب استهزاء ( ويستعجلونك بالسيئة ) العذاب ( قبل الحسنة ) الرحمة ( وقد خلت من قبلهم المثلات ) جمع المَثُلة بوزن السمرة أي عقوبات أمثالهم من المكذبين أفلا يعتبرون بها ؟ ( وإن ربك لذو مغفرة للناس على ) مع ( ظلمهم ) وإلا لم يترك على ظهرها دابة ( وإن ربك لشديد العقاب ) لمن عصاه
7. ( ويقول الذين كفروا لولا ) هلا ( أنزل عليه ) على محمد ( آية من ربه ) كالعصا واليد والناقة ، قال تعالى : ( إنما أنت منذر ) مخوف الكافرين وليس عليك إتيان الآيات ( ولكل قوم هاد ) نبي يدعوهم إلى ربهم بما يعطيه من الآيات لا بما يقترحون
8. ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى ) من ذكر وأنثى وواحد ومتعدد وغير ذلك ( وما تغيض ) تنقص ( الأرحام ) من مدة الحمل ( وما تزداد ) منه ( وكل شيء عنده بمقدار ) بقدر واحد لا يتجاوزه
9. ( عالم الغيب والشهادة ) ما غاب وما شوهد ( الكبير ) العظيم ( المتعال ) على خلقه بالقهر بياء ودونها
10. ( سواء منكم ) في علمه تعالى ( من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف ) مستتر ( بالليل ) بظلامه ( وسارب ) ظاهر بذهابه في سربه أي طريقه ( بالنهار )
11. ( له ) للإنسان ( معقبات ) ملائكة تتعقبه ( من بين يديه ) قدامه ( ومن خلفه ) ورائه ( يحفظونه من أمر الله ) أي بأمره من الجن وغيرهم ( إن الله لا يغير ما بقوم ) لا يسلبهم نعمته ( حتى يغيروا ما بأنفسهم ) من الحالة الجميلة بالمعصية ( وإذا أراد الله بقوم سوء ) عذاباً ( فلا مرد له ) من المعقبات ولا غيرها ( وما لهم ) لمن أراد الله بهم سوءاً ( من دونه ) أي غير الله ( من ) زائدة ( وال ) يمنعه عنهم
12. ( هو الذي يريكم البرق خوفاً ) للمسافرين من الصواعق ( وطمعاً ) للمقيم في المطر ( وينشئ ) يخلق ( السحاب الثقال ) بالمطر
13. ( ويسبح الرعد ) هو ملك موكل بالسحاب يسوقه ملتبساً ( بحمده ) أي يقول سبحان الله وبحمده ( و ) يسبح ( الملائكة من خيفته ) أي الله ( ويرسل الصواعق ) وهي نار تخرج من السحاب ( فيصيب بها من يشاء ) فتحرقه ، نزل في رجل بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم من يدعوه فقال من رسول الله وما الله أمن ذهب هو أو من فضة أم نحاس فنزلت به صاعقة فذهبت بقحف رأسه ( وهم ) أي الكفار ( يجادلون ) يخاصمون النبي صلى الله عليه وسلم ( في الله وهو شديد المحال ) القوة أو الأخذ
14. ( له ) تعالى ( دعوة الحق ) أي كلمته وهي لا إله إلا الله ( والذين يدعون ) بالياء والتاء يعبدون ( من دونه ) أي غيره وهم الأصنام ( لا يستجيبون لهم بشيء ) مما يطلبونه ( إلا ) استجابة ( كباسط ) أي كاستجابة باسط ( كفيه إلى الماء ) على شفير البئر يدعوه ( ليبلغ فاه ) بارتفاعه من البئر إليه ( وما هو ببالغه ) أي فاه أبدا فكذلك ما هم بمستجيبين لهم ( وما دعاء الكافرين ) عبادتهم الأصنام أو حقيقة الدعاء ( إلا في ضلال ) ضياع
15. ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً ) كالمؤمنين ( وكرهاً ) كالمنافقين ومن أكره بالسيف ( و ) يسجد ( ظلالهم بالغدوِّ ) البُكَر ( والآصال ) العشايا
16. ( قل ) يا محمد لقومك ( من رب السماوات والأرض قل الله ) إن لم يقولوه لا جواب غيره ( قل ) لهم ( أفاتخذتم من دونه ) أي غيره ( أولياء ) أصناماً تعبدونها ( لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ) وتركتم مالِكَهما ؟ استفهام توبيخ ( قل هل يستوي الأعمى والبصير ) الكافر والمؤمن ( أم هل تستوي الظلمات ) الكفر ( والنور ) الإيمان لا ( أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق ) أي خلق الشركاء بخلق الله ( عليهم ) فاعتقدوا استحقاق عبادتهم بخلقه استفهام إنكار أي ليس الأمر كذلك ولا يستحق العبادة إلا الخالق ( قل الله خالق كل شيء ) لا شريك له فيه فلا شريك له في العبادة ( وهو الواحد القهار ) لعباده
17. ثم ضرب مثلاً للحق والباطل فقال ( أنزل ) تعالى ( من السماء ماء ) مطراً ( فسالت أودية بقدرها ) بمقدار مثلها ( فاحتمل السيل زبداً رابياً ) عالياً عليه وهو ما على وجهه من قذر ونحوه ( ومما توقدون ) بالتاء والياء ( عليه في النار ) من جواهر الأرض كالذهب والفضة والنحاس ( ابتغاء ) طلب ( حلية ) زينة ( أو متاع ) ينتفع به كالأواني إذا أذيبت ( زبد مثله ) أي مثل زبد السيل وهو خبثه ، والذي ينفيه الكير ( كذلك ) المذكور ( يضرب الله الحق والباطل ) أي مثلهما ( فأما الزبد ) من السيل وما أوقد عليه من الجواهر ( فيذهب جفاء ) باطلاً مرمياً به ( وأما ما ينفع الناس ) من الماء والجواهر ( فيمكث ) يبقى ( في الأرض ) زماناً كذلك الباطل يضمحل وينمحق وإن علا على الحق في بعض الأوقات والحق ثابت باق ( كذلك ) المذكور ( يضرب ) يبين ( الله الأمثال )
18. ( للذين استجابوا لربهم ) أجابوه بالطاعة ( الحسنى ) الجنة ( والذين لم يستجيبوا له ) وهم الكفار ( لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به ) من العذاب ( أولئك لهم سوء الحساب ) وهو المؤاخذة بكل ما عملوه لا يغفر منه شيء ( ومأواهم جهنم وبئس المهاد ) الفراش هي
14. ( له ) تعالى ( دعوة الحق ) أي كلمته وهي لا إله إلا الله ( والذين يدعون ) بالياء والتاء يعبدون ( من دونه ) أي غيره وهم الأصنام ( لا يستجيبون لهم بشيء ) مما يطلبونه ( إلا ) استجابة ( كباسط ) أي كاستجابة باسط ( كفيه إلى الماء ) على شفير البئر يدعوه ( ليبلغ فاه ) بارتفاعه من البئر إليه ( وما هو ببالغه ) أي فاه أبدا فكذلك ما هم بمستجيبين لهم ( وما دعاء الكافرين ) عبادتهم الأصنام أو حقيقة الدعاء ( إلا في ضلال ) ضياع
15. ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً ) كالمؤمنين ( وكرهاً ) كالمنافقين ومن أكره بالسيف ( و ) يسجد ( ظلالهم بالغدوِّ ) البُكَر ( والآصال ) العشايا
16. ( قل ) يا محمد لقومك ( من رب السماوات والأرض قل الله ) إن لم يقولوه لا جواب غيره ( قل ) لهم ( أفاتخذتم من دونه ) أي غيره ( أولياء ) أصناماً تعبدونها ( لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ) وتركتم مالِكَهما ؟ استفهام توبيخ ( قل هل يستوي الأعمى والبصير ) الكافر والمؤمن ( أم هل تستوي الظلمات ) الكفر ( والنور ) الإيمان لا ( أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق ) أي خلق الشركاء بخلق الله ( عليهم ) فاعتقدوا استحقاق عبادتهم بخلقه استفهام إنكار أي ليس الأمر كذلك ولا يستحق العبادة إلا الخالق ( قل الله خالق كل شيء ) لا شريك له فيه فلا شريك له في العبادة ( وهو الواحد القهار ) لعباده
17. ثم ضرب مثلاً للحق والباطل فقال ( أنزل ) تعالى ( من السماء ماء ) مطراً ( فسالت أودية بقدرها ) بمقدار مثلها ( فاحتمل السيل زبداً رابياً ) عالياً عليه وهو ما على وجهه من قذر ونحوه ( ومما توقدون ) بالتاء والياء ( عليه في النار ) من جواهر الأرض كالذهب والفضة والنحاس ( ابتغاء ) طلب ( حلية ) زينة ( أو متاع ) ينتفع به كالأواني إذا أذيبت ( زبد مثله ) أي مثل زبد السيل وهو خبثه ، والذي ينفيه الكير ( كذلك ) المذكور ( يضرب الله الحق والباطل ) أي مثلهما ( فأما الزبد ) من السيل وما أوقد عليه من الجواهر ( فيذهب جفاء ) باطلاً مرمياً به ( وأما ما ينفع الناس ) من الماء والجواهر ( فيمكث ) يبقى ( في الأرض ) زماناً كذلك الباطل يضمحل وينمحق وإن علا على الحق في بعض الأوقات والحق ثابت باق ( كذلك ) المذكور ( يضرب ) يبين ( الله الأمثال )
18. ( للذين استجابوا لربهم ) أجابوه بالطاعة ( الحسنى ) الجنة ( والذين لم يستجيبوا له ) وهم الكفار ( لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به ) من العذاب ( أولئك لهم سوء الحساب ) وهو المؤاخذة بكل ما عملوه لا يغفر منه شيء ( ومأواهم جهنم وبئس المهاد ) الفراش هي
29. ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) مبتدأ خبره ( طوبى ) مصدر من الطيب ، أو شجرة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها ( لهم وحسن مآب ) مرجع
30. ( كذلك ) كما أرسلنا الأنبياء قبلك ( أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلوَ ) تقرأ ( عليهم الذي أوحينا إليك ) أي القرآن ( وهم يكفرون بالرحمن ) حيث قالوا لما أمروا بالسجود له وما الرحمن ؟ ( قل ) لهم يا محمد ( هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب )
31. ونزل لما قالوا له إن كنت نبياً فسيِّر عنا جبال مكة ، واجعل لنا فيها أنهاراً وعيوناً لنغرس ونزرع وابعث لنا آباءنا الموتى يكلموننا أنك نبي : ( ولو أن قرآنا سُيِّرت به الجبال ) نقلت عن أماكنها ( أو قُطِّعت ) شققت ( به الأرض أو كُلِّم به الموتى ) بأن يحيوا لما آمنوا ( بل لله الأمر جميعاً ) لا لغيره فلا يؤمن إلا من شاء إيمانه دون غيره إن أوتوا ما اقترحوا ، ونزل لما أراد الصحابة إظهار ما اقترحوا طمعاً في إيمانهم ( أفلم ييأس ) يعلم ( الذين آمنوا أن ) مخففة أي أنه ( لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً ) إلى الإيمان من غير آية ( ولا يزال الذين كفروا ) من أهل مكة ( تصيبهم بما صنعوا ) بصنعهم أي كفرهم ( قارعة ) داهية تقرعهم بصنوف البلاء من القتل والأسر والحرب والجدب ( أو تحُلُّ ) يا محمد بجيشك ( قريباً من دارهم ) مكة ( حتى يأتي وعد الله ) بالنصر عليهم ( إن الله لا يخلف الميعاد ) وقد حل بالحديبية حتى أتى فتح مكة
32. ( ولقد استهزئ برسل من قبلك ) كما استهزىء بك وهذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ( فأمليت ) أمهلت ( للذين كفروا ثم أخذتهم ) بالعقوبة ( فكيف كان عقاب ) أي هو واقع موقعه فكذلك أفعل بمن استهزأ بك
33. ( أفمن هو قائم ) رقيب ( على كل نفس بما كسبت ) عملت من خير وشر وهو الله كمن ليس كذلك من الأصنام ؟ لا ، دل على هذا ( وجعلوا لله شركاء قل سَمُّوهم ) له من هم ( أم ) بل ( تنبئونه ) تخبرون الله ( بما ) أي بشريك ( لا يعلم في الأرض ) استفهام إنكار ، أي لا شريك له إذ لو كان لعلمه تعالى عن ذلك ( أم ) بل تسمونهم شركاء ( بظاهر من القول ) بظن باطل لا حقيقة له في الباطن ( بل زين للذين كفروا مكرهم ) كفرهم ( وصدوا عن السبيل ) طريق الهدى ( ومن يضلل الله فما له من هاد )
34. ( لهم عذاب في الحياة الدنيا ) بالقتل والأسر ( ولعذاب الآخرة أشق ) أشد منه ( وما لهم من الله ) أي عذابه ( من واق ) مانع
35. ( مثل ) صفة ( الجنة التي وعد المتقون ) مبتدأ خبره محذوف أي فيما نقص عليكم ( تجري من تحتها الأنهار أكلها ) ما يؤكل فيها ( دائم ) لا يفنى ( وظلها ) دائم لا تنسخه شمس لعدمها فيها ( تلك ) أي الجنة ( عقبى ) عاقبة ( الذين اتقوا ) الشرك ( وعقبى الكافرين النار )
36. ( والذين آتيناهم الكتاب ) كعبد الله بن سلام وغيره من مؤمني اليهود ( يفرحون بما أنزل إليك ) لموافقته ما عندهم ( ومن الأحزاب ) الذين تحزبوا عليك بالمعاداة من المشركين واليهود ( من ينكر بعضه ) كذكر الرحمن وما عدا القصص ( قل إنما أمرت ) فيما أنزل إلي ( أن ) أي بأن ( أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب ) مرجعي
37. ( وكذلك ) الإنزال ( أنزلناه ) أي القرآن ( حكماً عربياً ) بلغة العرب تحكم به بين الناس ( ولئن اتبعت أهواءهم ) أي الكفار فيما يدعونك إليه من ملتهم فرضاً ( بعد ما جاءك من العلم ) بالتوحيد ( ما لك من الله من ) زائدة ( ولي ) ناصر ( ولا واق ) مانع من عذابه
38. ونزل لما عيروه بكثرة النساء ( ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية ) أولاداً وأنت مثلهم ( وما كان لرسول ) منهم ( أن يأتي بآية إلا بإذن الله ) لأنهم عبيد مربوبون ( لكل أجل ) مدة ( كتاب ) مكتوب فيه تحديده
39. ( يمحو الله ) منه ( ما يشاء ويثبت ) بالتخفيف والتشديد ، فيه ما يشاء من الأحكام وغيرها ( وعنده أم الكتاب ) أصله الذي لا يتغير منه شيء وهو ما كتبه في الأزل
40. ( وإما ) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة ( نرينَّك بعض الذي نعدهم ) به من العذاب في حياتك وجواب الشرط محذوف أي فذاك ( أو نتوفينك ) قبل تعذيبهم ( فإنما عليك البلاغ ) ما عليك إلا التبليغ ( وعلينا الحساب ) إذا صاروا إلينا فنجازيهم
41. ( أولم يروا أنا ) أي أهل مكة ( نأتي الأرض ننقصها ) نقصد أرضهم ( من أطرافها والله ) بالفتح على النبي صلى الله عليه وسلم ( يحكم ) في خلقه بما يشاء ( لا معقب ) لا راد ( لحكمه وهو سريع الحساب )
42. ( وقد مكر الذين من قبلهم ) من الأمم بأنبيائهم كما مكروا بك ( فلله المكر جميعاً ) وليس مكرهم كمكره لأنه تعالى ( يعلم ما تكسب كل نفس ) فيعدلها جزاءه وهذا هو المكر لأنه يأتيهم به من حيث لا يشعرون ( وسيعلم الكافر ) المراد به الجنس ، وفي قراءة { الكفار } ( لمن عقبى الدار ) أي العاقبة المحمودة في الدار الآخرة ألهم أم للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
43. ( ويقول الذين كفروا ) لك ( لست مرسلاً قل ) لهم ( كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ) على صدقي ( ومن عنده علم الكتاب ) من مؤمني اليهود والنصارى
1. ( المر ) الله أعلم بمراده بذلك ( تلك ) هذه الآيات ( آيات الكتاب ) القرآن والإضافة بمعنى من ( والذي أنزل إليك من ربك ) أي القرآن مبتدأ خبره ( الحق ) لاشك فيه ( ولكن أكثر الناس ) أي أهل مكة ( لا يؤمنون ) بأنه من عنده تعالى
2. ( الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ) أي العمد جمع عماد وهو الأسطوانة وهو صادق بأن لا عمد أصلا ( ثم استوى على العرش ) استواء يليق به ( وسخر ) ذلّل ( الشمس والقمر كل ) منهما ( يجري ) في فلكه ( لأجل مسمى ) يوم القيامة ( يدبر الأمر ) يقضي أمر ملكه ( يفصل ) يبين ( الآيات ) دلالات قدرته ( لعلكم ) يا أهل مكة ( بلقاء ربكم ) بالبعث ( توقنون )
3. ( وهو الذي مد ) بسط ( الأرض وجعل ) خلق ( فيها رواسي ) جبالاً ثوابت ( وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ) من كل نوع ( يُغشي ) يغطي ( الليلَ ) بظلمته ( النهارَ إن في ذلك ) المذكور ( لآيات ) دلالات على وحدانيته تعالى ( لقوم يتفكرون ) في صنع الله
4. ( وفي الأرض قطع ) بقاع مختلفة ( متجاورات ) متلاصقات فمنها طيب وسبخ وقليل الربيع وكثيره وهو من دلائل قدرته تعالى ( وجنات ) بساتين ( من أعناب وزرع ) بالرفع عطفاً على جنات والجر على أعناب وكذا قوله ( ونخيل صنوان ) جمع صنو ، وهي النخلات يجمعها أصل واحد وتتشعب فروعها ( وغير صنوان ) منفردة ( تسقى ) بالتاء ، أي الجنات وما فيها والياء ، أي المذكور ( بماء واحد ونفضل ) بالنون والياء ( بعضها على بعض في الأُكُل ) بضم الكاف وسكونها فمن حلو وحامض وهو من دلائل قدرته تعالى ( إن في ذلك ) المذكور ( لآيات لقوم يعقلون ) يتدبرون
5. ( وإن تعجب ) يا محمد من تكذيب الكفار لك ( فعجبٌ ) حقيق بالعجب ( قولهم ) منكرين للبعث ( أئذا كنا تراباً أئنا لفي خلق جديد ) لان القادر على إنشاء الخلق وما تقدم على غير مثال قادر على إعادتهم وفي الهمزتين في الموضعين التحقيق وتحقيق الأولى وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين وتركها ، وفي قراءة بالاستفهام في الأول والخبر في الثاني وأخرى وعكسه ( أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )
6. ونزل في استعجالهم العذاب استهزاء ( ويستعجلونك بالسيئة ) العذاب ( قبل الحسنة ) الرحمة ( وقد خلت من قبلهم المثلات ) جمع المَثُلة بوزن السمرة أي عقوبات أمثالهم من المكذبين أفلا يعتبرون بها ؟ ( وإن ربك لذو مغفرة للناس على ) مع ( ظلمهم ) وإلا لم يترك على ظهرها دابة ( وإن ربك لشديد العقاب ) لمن عصاه
7. ( ويقول الذين كفروا لولا ) هلا ( أنزل عليه ) على محمد ( آية من ربه ) كالعصا واليد والناقة ، قال تعالى : ( إنما أنت منذر ) مخوف الكافرين وليس عليك إتيان الآيات ( ولكل قوم هاد ) نبي يدعوهم إلى ربهم بما يعطيه من الآيات لا بما يقترحون
8. ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى ) من ذكر وأنثى وواحد ومتعدد وغير ذلك ( وما تغيض ) تنقص ( الأرحام ) من مدة الحمل ( وما تزداد ) منه ( وكل شيء عنده بمقدار ) بقدر واحد لا يتجاوزه
9. ( عالم الغيب والشهادة ) ما غاب وما شوهد ( الكبير ) العظيم ( المتعال ) على خلقه بالقهر بياء ودونها
10. ( سواء منكم ) في علمه تعالى ( من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف ) مستتر ( بالليل ) بظلامه ( وسارب ) ظاهر بذهابه في سربه أي طريقه ( بالنهار )
11. ( له ) للإنسان ( معقبات ) ملائكة تتعقبه ( من بين يديه ) قدامه ( ومن خلفه ) ورائه ( يحفظونه من أمر الله ) أي بأمره من الجن وغيرهم ( إن الله لا يغير ما بقوم ) لا يسلبهم نعمته ( حتى يغيروا ما بأنفسهم ) من الحالة الجميلة بالمعصية ( وإذا أراد الله بقوم سوء ) عذاباً ( فلا مرد له ) من المعقبات ولا غيرها ( وما لهم ) لمن أراد الله بهم سوءاً ( من دونه ) أي غير الله ( من ) زائدة ( وال ) يمنعه عنهم
12. ( هو الذي يريكم البرق خوفاً ) للمسافرين من الصواعق ( وطمعاً ) للمقيم في المطر ( وينشئ ) يخلق ( السحاب الثقال ) بالمطر
13. ( ويسبح الرعد ) هو ملك موكل بالسحاب يسوقه ملتبساً ( بحمده ) أي يقول سبحان الله وبحمده ( و ) يسبح ( الملائكة من خيفته ) أي الله ( ويرسل الصواعق ) وهي نار تخرج من السحاب ( فيصيب بها من يشاء ) فتحرقه ، نزل في رجل بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم من يدعوه فقال من رسول الله وما الله أمن ذهب هو أو من فضة أم نحاس فنزلت به صاعقة فذهبت بقحف رأسه ( وهم ) أي الكفار ( يجادلون ) يخاصمون النبي صلى الله عليه وسلم ( في الله وهو شديد المحال ) القوة أو الأخذ
14. ( له ) تعالى ( دعوة الحق ) أي كلمته وهي لا إله إلا الله ( والذين يدعون ) بالياء والتاء يعبدون ( من دونه ) أي غيره وهم الأصنام ( لا يستجيبون لهم بشيء ) مما يطلبونه ( إلا ) استجابة ( كباسط ) أي كاستجابة باسط ( كفيه إلى الماء ) على شفير البئر يدعوه ( ليبلغ فاه ) بارتفاعه من البئر إليه ( وما هو ببالغه ) أي فاه أبدا فكذلك ما هم بمستجيبين لهم ( وما دعاء الكافرين ) عبادتهم الأصنام أو حقيقة الدعاء ( إلا في ضلال ) ضياع
15. ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً ) كالمؤمنين ( وكرهاً ) كالمنافقين ومن أكره بالسيف ( و ) يسجد ( ظلالهم بالغدوِّ ) البُكَر ( والآصال ) العشايا
16. ( قل ) يا محمد لقومك ( من رب السماوات والأرض قل الله ) إن لم يقولوه لا جواب غيره ( قل ) لهم ( أفاتخذتم من دونه ) أي غيره ( أولياء ) أصناماً تعبدونها ( لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ) وتركتم مالِكَهما ؟ استفهام توبيخ ( قل هل يستوي الأعمى والبصير ) الكافر والمؤمن ( أم هل تستوي الظلمات ) الكفر ( والنور ) الإيمان لا ( أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق ) أي خلق الشركاء بخلق الله ( عليهم ) فاعتقدوا استحقاق عبادتهم بخلقه استفهام إنكار أي ليس الأمر كذلك ولا يستحق العبادة إلا الخالق ( قل الله خالق كل شيء ) لا شريك له فيه فلا شريك له في العبادة ( وهو الواحد القهار ) لعباده
17. ثم ضرب مثلاً للحق والباطل فقال ( أنزل ) تعالى ( من السماء ماء ) مطراً ( فسالت أودية بقدرها ) بمقدار مثلها ( فاحتمل السيل زبداً رابياً ) عالياً عليه وهو ما على وجهه من قذر ونحوه ( ومما توقدون ) بالتاء والياء ( عليه في النار ) من جواهر الأرض كالذهب والفضة والنحاس ( ابتغاء ) طلب ( حلية ) زينة ( أو متاع ) ينتفع به كالأواني إذا أذيبت ( زبد مثله ) أي مثل زبد السيل وهو خبثه ، والذي ينفيه الكير ( كذلك ) المذكور ( يضرب الله الحق والباطل ) أي مثلهما ( فأما الزبد ) من السيل وما أوقد عليه من الجواهر ( فيذهب جفاء ) باطلاً مرمياً به ( وأما ما ينفع الناس ) من الماء والجواهر ( فيمكث ) يبقى ( في الأرض ) زماناً كذلك الباطل يضمحل وينمحق وإن علا على الحق في بعض الأوقات والحق ثابت باق ( كذلك ) المذكور ( يضرب ) يبين ( الله الأمثال )
18. ( للذين استجابوا لربهم ) أجابوه بالطاعة ( الحسنى ) الجنة ( والذين لم يستجيبوا له ) وهم الكفار ( لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به ) من العذاب ( أولئك لهم سوء الحساب ) وهو المؤاخذة بكل ما عملوه لا يغفر منه شيء ( ومأواهم جهنم وبئس المهاد ) الفراش هي
14. ( له ) تعالى ( دعوة الحق ) أي كلمته وهي لا إله إلا الله ( والذين يدعون ) بالياء والتاء يعبدون ( من دونه ) أي غيره وهم الأصنام ( لا يستجيبون لهم بشيء ) مما يطلبونه ( إلا ) استجابة ( كباسط ) أي كاستجابة باسط ( كفيه إلى الماء ) على شفير البئر يدعوه ( ليبلغ فاه ) بارتفاعه من البئر إليه ( وما هو ببالغه ) أي فاه أبدا فكذلك ما هم بمستجيبين لهم ( وما دعاء الكافرين ) عبادتهم الأصنام أو حقيقة الدعاء ( إلا في ضلال ) ضياع
15. ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً ) كالمؤمنين ( وكرهاً ) كالمنافقين ومن أكره بالسيف ( و ) يسجد ( ظلالهم بالغدوِّ ) البُكَر ( والآصال ) العشايا
16. ( قل ) يا محمد لقومك ( من رب السماوات والأرض قل الله ) إن لم يقولوه لا جواب غيره ( قل ) لهم ( أفاتخذتم من دونه ) أي غيره ( أولياء ) أصناماً تعبدونها ( لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ) وتركتم مالِكَهما ؟ استفهام توبيخ ( قل هل يستوي الأعمى والبصير ) الكافر والمؤمن ( أم هل تستوي الظلمات ) الكفر ( والنور ) الإيمان لا ( أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق ) أي خلق الشركاء بخلق الله ( عليهم ) فاعتقدوا استحقاق عبادتهم بخلقه استفهام إنكار أي ليس الأمر كذلك ولا يستحق العبادة إلا الخالق ( قل الله خالق كل شيء ) لا شريك له فيه فلا شريك له في العبادة ( وهو الواحد القهار ) لعباده
17. ثم ضرب مثلاً للحق والباطل فقال ( أنزل ) تعالى ( من السماء ماء ) مطراً ( فسالت أودية بقدرها ) بمقدار مثلها ( فاحتمل السيل زبداً رابياً ) عالياً عليه وهو ما على وجهه من قذر ونحوه ( ومما توقدون ) بالتاء والياء ( عليه في النار ) من جواهر الأرض كالذهب والفضة والنحاس ( ابتغاء ) طلب ( حلية ) زينة ( أو متاع ) ينتفع به كالأواني إذا أذيبت ( زبد مثله ) أي مثل زبد السيل وهو خبثه ، والذي ينفيه الكير ( كذلك ) المذكور ( يضرب الله الحق والباطل ) أي مثلهما ( فأما الزبد ) من السيل وما أوقد عليه من الجواهر ( فيذهب جفاء ) باطلاً مرمياً به ( وأما ما ينفع الناس ) من الماء والجواهر ( فيمكث ) يبقى ( في الأرض ) زماناً كذلك الباطل يضمحل وينمحق وإن علا على الحق في بعض الأوقات والحق ثابت باق ( كذلك ) المذكور ( يضرب ) يبين ( الله الأمثال )
18. ( للذين استجابوا لربهم ) أجابوه بالطاعة ( الحسنى ) الجنة ( والذين لم يستجيبوا له ) وهم الكفار ( لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به ) من العذاب ( أولئك لهم سوء الحساب ) وهو المؤاخذة بكل ما عملوه لا يغفر منه شيء ( ومأواهم جهنم وبئس المهاد ) الفراش هي
29. ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) مبتدأ خبره ( طوبى ) مصدر من الطيب ، أو شجرة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها ( لهم وحسن مآب ) مرجع
30. ( كذلك ) كما أرسلنا الأنبياء قبلك ( أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلوَ ) تقرأ ( عليهم الذي أوحينا إليك ) أي القرآن ( وهم يكفرون بالرحمن ) حيث قالوا لما أمروا بالسجود له وما الرحمن ؟ ( قل ) لهم يا محمد ( هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب )
31. ونزل لما قالوا له إن كنت نبياً فسيِّر عنا جبال مكة ، واجعل لنا فيها أنهاراً وعيوناً لنغرس ونزرع وابعث لنا آباءنا الموتى يكلموننا أنك نبي : ( ولو أن قرآنا سُيِّرت به الجبال ) نقلت عن أماكنها ( أو قُطِّعت ) شققت ( به الأرض أو كُلِّم به الموتى ) بأن يحيوا لما آمنوا ( بل لله الأمر جميعاً ) لا لغيره فلا يؤمن إلا من شاء إيمانه دون غيره إن أوتوا ما اقترحوا ، ونزل لما أراد الصحابة إظهار ما اقترحوا طمعاً في إيمانهم ( أفلم ييأس ) يعلم ( الذين آمنوا أن ) مخففة أي أنه ( لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً ) إلى الإيمان من غير آية ( ولا يزال الذين كفروا ) من أهل مكة ( تصيبهم بما صنعوا ) بصنعهم أي كفرهم ( قارعة ) داهية تقرعهم بصنوف البلاء من القتل والأسر والحرب والجدب ( أو تحُلُّ ) يا محمد بجيشك ( قريباً من دارهم ) مكة ( حتى يأتي وعد الله ) بالنصر عليهم ( إن الله لا يخلف الميعاد ) وقد حل بالحديبية حتى أتى فتح مكة
32. ( ولقد استهزئ برسل من قبلك ) كما استهزىء بك وهذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ( فأمليت ) أمهلت ( للذين كفروا ثم أخذتهم ) بالعقوبة ( فكيف كان عقاب ) أي هو واقع موقعه فكذلك أفعل بمن استهزأ بك
33. ( أفمن هو قائم ) رقيب ( على كل نفس بما كسبت ) عملت من خير وشر وهو الله كمن ليس كذلك من الأصنام ؟ لا ، دل على هذا ( وجعلوا لله شركاء قل سَمُّوهم ) له من هم ( أم ) بل ( تنبئونه ) تخبرون الله ( بما ) أي بشريك ( لا يعلم في الأرض ) استفهام إنكار ، أي لا شريك له إذ لو كان لعلمه تعالى عن ذلك ( أم ) بل تسمونهم شركاء ( بظاهر من القول ) بظن باطل لا حقيقة له في الباطن ( بل زين للذين كفروا مكرهم ) كفرهم ( وصدوا عن السبيل ) طريق الهدى ( ومن يضلل الله فما له من هاد )
34. ( لهم عذاب في الحياة الدنيا ) بالقتل والأسر ( ولعذاب الآخرة أشق ) أشد منه ( وما لهم من الله ) أي عذابه ( من واق ) مانع
35. ( مثل ) صفة ( الجنة التي وعد المتقون ) مبتدأ خبره محذوف أي فيما نقص عليكم ( تجري من تحتها الأنهار أكلها ) ما يؤكل فيها ( دائم ) لا يفنى ( وظلها ) دائم لا تنسخه شمس لعدمها فيها ( تلك ) أي الجنة ( عقبى ) عاقبة ( الذين اتقوا ) الشرك ( وعقبى الكافرين النار )
36. ( والذين آتيناهم الكتاب ) كعبد الله بن سلام وغيره من مؤمني اليهود ( يفرحون بما أنزل إليك ) لموافقته ما عندهم ( ومن الأحزاب ) الذين تحزبوا عليك بالمعاداة من المشركين واليهود ( من ينكر بعضه ) كذكر الرحمن وما عدا القصص ( قل إنما أمرت ) فيما أنزل إلي ( أن ) أي بأن ( أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب ) مرجعي
37. ( وكذلك ) الإنزال ( أنزلناه ) أي القرآن ( حكماً عربياً ) بلغة العرب تحكم به بين الناس ( ولئن اتبعت أهواءهم ) أي الكفار فيما يدعونك إليه من ملتهم فرضاً ( بعد ما جاءك من العلم ) بالتوحيد ( ما لك من الله من ) زائدة ( ولي ) ناصر ( ولا واق ) مانع من عذابه
38. ونزل لما عيروه بكثرة النساء ( ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية ) أولاداً وأنت مثلهم ( وما كان لرسول ) منهم ( أن يأتي بآية إلا بإذن الله ) لأنهم عبيد مربوبون ( لكل أجل ) مدة ( كتاب ) مكتوب فيه تحديده
39. ( يمحو الله ) منه ( ما يشاء ويثبت ) بالتخفيف والتشديد ، فيه ما يشاء من الأحكام وغيرها ( وعنده أم الكتاب ) أصله الذي لا يتغير منه شيء وهو ما كتبه في الأزل
40. ( وإما ) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة ( نرينَّك بعض الذي نعدهم ) به من العذاب في حياتك وجواب الشرط محذوف أي فذاك ( أو نتوفينك ) قبل تعذيبهم ( فإنما عليك البلاغ ) ما عليك إلا التبليغ ( وعلينا الحساب ) إذا صاروا إلينا فنجازيهم
41. ( أولم يروا أنا ) أي أهل مكة ( نأتي الأرض ننقصها ) نقصد أرضهم ( من أطرافها والله ) بالفتح على النبي صلى الله عليه وسلم ( يحكم ) في خلقه بما يشاء ( لا معقب ) لا راد ( لحكمه وهو سريع الحساب )
42. ( وقد مكر الذين من قبلهم ) من الأمم بأنبيائهم كما مكروا بك ( فلله المكر جميعاً ) وليس مكرهم كمكره لأنه تعالى ( يعلم ما تكسب كل نفس ) فيعدلها جزاءه وهذا هو المكر لأنه يأتيهم به من حيث لا يشعرون ( وسيعلم الكافر ) المراد به الجنس ، وفي قراءة { الكفار } ( لمن عقبى الدار ) أي العاقبة المحمودة في الدار الآخرة ألهم أم للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
43. ( ويقول الذين كفروا ) لك ( لست مرسلاً قل ) لهم ( كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ) على صدقي ( ومن عنده علم الكتاب ) من مؤمني اليهود والنصارى
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
14. سورة إبراهيم
1. ( الر ) الله أعلم بمراده بذلك هذا القرآن ( كتاب أنزلناه إليك ) يا محمد ( لتخرج الناس من الظلمات ) الكفر ( إلى النور ) الإيمان ( بإذن ) أمر ( ربهم ) ويبدل من : إلى النور ( إلى صراط ) طريق ( العزيز ) الغالب ( الحميد ) المحمود
2. ( الله ) بالجر بدل أو عطف بيان وما بعده صفة والرفع مبتدأ خبره ( الذي له ما في السماوات وما في الأرض ) ملكاً وخلقاً وعبيداً ( وويل للكافرين من عذاب شديد )
3. ( الذين ) نعت ( يستحبون ) يختارون ( الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون ) الناس ( عن سبيل الله ) دين الإسلام ( ويبغونها ) أي السبيل ( عوجاً ) معوجة ( أولئك في ضلال بعيد ) عن الحق
4. ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان ) بلغة ( قومه ليبين لهم ) ليفهمهم ما أتى به ( فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز ) في ملكه ( الحكيم ) في صنعه
5. ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ) التسع وقلنا له ( أن أخرج قومك ) بني إسرائيل ( من الظلمات ) الكفر ( إلى النور ) الإيمان ( وذكرهم بأيام الله ) بنعمه ( إن في ذلك ) التذكير ( لآيات لكل صبار ) على الطاعة ( شكور ) للنعم
6. ( و ) اذكر ( إذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ) المولودين ( ويستحيون ) يستبقون ( نساءكم ) لقول بعض الكهنة إن مولودا يولد في بني إسرائيل يكون سبب ذهاب ملك فرعون ( وفي ذلكم ) الإنجاء أو العذاب ( بلاء ) إنعام أو ابتلاء ( من ربكم عظيم )
7. ( وإذ تأذن ) أعلم ( ربكم لئن شكرتم ) نعمتي بالتوحيد والطاعة ( لأزيدنكم ولئن كفرتم ) جحدتم النعمة بالكفر والمعصية لأعذبنكم دل عليه ( إن عذابي لشديد )
8. ( وقال موسى ) لقومه ( إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني ) عن خلقه ( حميد ) محمود في صنعه بهم
9. ( ألم يأتكم ) استفهام تقرير ( نبأ ) خبر ( الذين من قبلكم قوم نوح وعاد ) قوم هود ( وثمود ) قوم صالح ( والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ) لكثرتهم ( جاءتهم رسلهم بالبينات ) بالحجج الواضحة على صدقهم ( فردوا ) أي الأمم ( أيديهم في أفواههم ) أي إليها ليعضوا عليها من شدة الغيظ ( وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به ) في زعمكم ( وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب ) موقع في الريبة
10. ( قالت رسلهم أفي الله شك ) استفهام إنكار أي لا شك في توحيده للدلائل الظاهرة عليه ( فاطر ) خالق ( السماوات والأرض يدعوكم ) إلى طاعته ( ليغفر لكم من ذنوبكم ) من صلة فإن الإسلام يغفر به ما قبله أو تبعيضية لإخراج حقوق العباد ( ويؤخركم ) بلا عذاب ( إلى أجل مسمى ) أجل الموت ( قالوا إن ) ما ( أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا ) من الأصنام ( فأتونا بسلطان مبين ) حجة ظاهرة على صدقكم
11. ( قالت لهم رسلهم إن ) ما ( نحن إلا بشر مثلكم ) كما قلتم ( ولكن الله يمن على من يشاء من عباده ) بالنبوة ( وما كان ) ما ينبغي ( لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله ) بأمره لأنا عبيد مربوبون ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) يثقوا به
12. ( وما لنا ) أن ( ألا نتوكل على الله ) أي لا مانع لنا من ذلك ( وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا ) على أذاكم ( وعلى الله فليتوكل المتوكلون )
13. ( وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن ) لتصيرن ( في ملتنا ) ديننا ( فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ) الكافرين
14. ( ولنسكننكم الأرض ) أرضهم ( من بعدهم ) بعد هلاكهم ( ذلك ) النصر وإيراث الأرض ( لمن خاف مقامي ) أي مقامه بين يدي ( وخاف وعيد ) بالعذاب
15. ( واستفتحوا ) استنصر الرسل بالله على قومهم ( وخاب ) وخسر ( كل جبار ) متكبر عن طاعة الله ( عنيد ) معاند للحق
16. ( من ورائه ) أي امامه ( جهنم ) يدخلها ( ويسقى ) فيها ( من ماء صديد ) هو ما يسيل من جوف أهل النار مختلطا بالقيح والدم
17. ( يتجرعه ) يبتلعه مرة بعد مرة لمرارته ( ولا يكاد يسيغه ) يزدرده لقبحه وكراهته ( ويأتيه الموت ) أي أسبابه المقتضية له من أنواع العذاب ( من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه ) بعد ذلك العذاب ( عذاب غليظ ) قوي متصل
18. ( مثل ) صفة ( الذين كفروا بربهم ) مبتدأ ويبدل منه ( أعمالهم ) الصالحات كصلة وصدقة في عدم الانتفاع بها ( كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ) شديد هبوب الريح فجعلته هباء منثورا لا يقدر عليه والجار والمجرور خبر المبتدأ ( لا يقدرون ) أي الكفار ( مما كسبوا ) عملوا في الدنيا ( على شيء ) أي لا يجدون له ثوابا لعدم شرطه ( ذلك هو الضلال ) الهلاك ( البعيد )
19. ( ألم تر ) تنظر يا مخاطب استفهام تقرير ( أن الله خلق السماوات والأرض بالحق ) متعلق بخلق ( إن يشأ يذهبكم ) أيها الناس ( ويأت بخلق جديد ) بدلكم
20. ( وما ذلك على الله بعزيز ) شديد
21. ( وبرزوا ) أي الخلائق والتعبير فيه وفيما بعده بالماضي لتحقق وقوعه ( لله جميعا فقال الضعفاء ) الأتباع ( للذين استكبروا ) المتبوعين ( إنا كنا لكم تبعا ) جمع تابع ( فهل أنتم مغنون ) دافعون ( عنا من عذاب الله من شيء ) من الأولى للتبيين والثانية للتبعيض ( قالوا ) المتبوعون ( لو هدانا الله لهديناكم ) لدعوناكم إلى الهدى ( سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من ) زائدة ( محيص ) ملجأ
22. ( وقال الشيطان ) إبليس ( لما قضي الأمر ) وأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار واجتمعوا عليه ( إن الله وعدكم وعد الحق ) بالبعث والجزاء فصدقكم ( ووعدتكم ) أنه غير كائن ( فأخلفتكم وما كان لي عليكم من ) زائدة ( سلطان ) قوة وقدرة أقهركم على متابعتي ( إلا ) لكن ( أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ) على إجابتي ( ما أنا بمصرخكم ) بمغيثكم ( وما أنتم بمصرخي ) بفتح الياء وكسرها ( إني كفرت بما أشركتمون ) بإشراككم إياي مع الله ( من قبل ) في الدنيا قال تعالى ( إن الظالمين ) الكافرين ( لهم عذاب أليم ) مؤلم
23. ( وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين ) حال مقدرة ( فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها ) من الله ومن الملائكة وفيما بينهم ( سلام )
24. ( ألم تر ) تنظر ( كيف ضرب الله مثلا ) ويبدل منه ( كلمة طيبة ) أي لا إله إلا الله ( كشجرة طيبة ) هي النخلة ( أصلها ثابت ) في الأرض ( وفرعها ) غصنها ( في السماء )
25. ( تؤتي ) تعطي ( أكلها ) ثمرها ( كل حين بإذن ربها ) بإرادته كذلك كلمة الإيمان ثابتة في قلب المؤمن وعمله يصعد إلى السما ويناله بركته وثوابه كل وقت ( ويضرب ) يبين ( الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ) يتعظون فيؤمنوا
26. ( ومثل كلمة خبيثة ) هي كلمة الكفر ( كشجرة خبيثة ) هي الحنظل ( اجتثت ) استؤصلت ( من فوق الأرض ما لها من قرار ) مستقر وثبات كذلك كلمة الكفر لا ثبات لها ولا فرع ولا بركة
27. ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ) هي كلمة التوحيد ( في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) أي القبر لما يسألهم الملكان عن ربهم ودينهم ونبيهم فيجيبون بالصواب كما في حديث الشيخين ( ويضل الله الظالمين ) الكفار فلا يهتدون للجواب بالصواب بل يقولون لا ندري كما في الحديث ( ويفعل الله ما يشاء )
28. ( ألم تر ) تنظر ( إلى الذين بدلوا نعمة الله ) أي شكرها ( كفرا ) هم كفار قريش ( وأحلوا ) أنزلوا ( قومهم ) بإضلالهم إياهم ( دار البوار ) الهلاك
29. ( جهنم ) عطف بيان ( يصلونها ) يدخلونها ( وبئس القرار ) المقر هي
30. ( وجعلوا لله أندادا ) شركاء ( ليضلوا ) بفتح الياء وضمها ( عن سبيله ) دين الإسلام ( قل ) لهم ( تمتعوا ) بدنياكم قليلا ( فإن مصيركم ) مرجعكم ( إلى النار )
31. ( قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع ) فداء ( فيه ولا خلال ) مخالة أي صداقة تنفع هو يوم القيامة
32. ( الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك ) السفن ( لتجري في البحر ) بالركوب والحمل ( بأمره ) بإذنه ( وسخر لكم الأنهار )
33. ( وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ) جاريين في فلكهما لا يفتران ( وسخر لكم الليل ) لتسكنوا فيه ( والنهار ) لتبتغوا من فضله
34. ( وآتاكم من كل ما سألتموه ) على حسب مصالحكم ( وإن تعدوا نعمة الله ) بمعنى إنعامه ( لا تحصوها ) لا تطيقوا عدها ( إن الإنسان ) الكافر ( لظلوم كفار ) كثير الظلم لنفسه بالمعصية والكفر لنعمة ربه
35. واذكر ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد ) مكة ( آمنا ) ذا أمن وقد أجاب الله دعاءه فجعله حرما لا يسفك فيه دم إنسان ولا يظلم فيه أحد ولا يصاد صيده ولا يختلى خلاه ( واجنبني ) بعدني ( وبني ) عن ( أن نعبد الأصنام )
36. ( رب إنهن ) أي الأصنام ( أضللن كثيرا من الناس ) بعبادتهم لها ( فمن تبعني ) على التوحيد ( فإنه مني ) من أهل ديني ( ومن عصاني فإنك غفور رحيم ) هذا قبل علمه أنه تعالى لا يغفر الشرك
37. ( ربنا إني أسكنت من ذريتي ) أي بعضها وهو إسماعيل مع أمه هاجر ( بواد غير ذي زرع ) هو مكة ( عند بيتك المحرم ) الذي كان قبل الطوفان ( ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة ) قلوبا ( من الناس تهوي ) تميل وتحن ( إليهم ) قال ابن عباس لو قال أفئدة الناس لحنت إليه فارس والروم والناس كلهم ( وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ) وقد فعل بنقل الطائف إليه
38. ( ربنا إنك تعلم ما نخفي ) نسر ( وما نعلن وما يخفى على الله من ) زائدة ( شيء في الأرض ولا في السماء ) يحتمل أن يكون من كلامه تعالى أو كلام إبراهيم
39. ( الحمد لله الذي وهب لي ) أعطاني ( على ) مع ( الكبر إسماعيل ) ولد وله تسع وتسعون سنة ( وإسحاق ) ولد وله مائة واثنتا عشرة سنة ( إن ربي لسميع الدعاء )
40. ( رب اجعلني مقيم الصلاة ) اجعل ( ومن ذريتي ) من يقيمها وأتى بمن لإعلام الله تعالى له أن منهم كفارا ( ربنا وتقبل دعاء ) المذكور
41. ( ربنا اغفر لي ولوالدي ) هذا قبل أن يتبين له عداوتهما لله عز وجل وقيل أسلمت أمه وقرىء والدي مفردا وولدي ( وللمؤمنين يوم يقوم ) يثبت ( الحساب ) قال تعالى
42. ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ) الكافرون من أهل مكة ( إنما يؤخرهم ) بلا عذاب ( ليوم تشخص فيه الأبصار ) لهول ما ترى ويقال شخص بصر فلان أي فتحه فلم يغمضه
43. ( مهطعين ) مسرعين حال ( مقنعي ) رافعي ( رؤوسهم ) إلى السماء ( لا يرتد إليهم طرفهم ) بصرهم ( وأفئدتهم ) قلوبهم ( هواء ) خالية من العقل لفزعهم
44. ( وأنذر ) خوف يا محمد ( الناس ) الكفار ( يوم يأتيهم العذاب ) هو يوم القيامة ( فيقول الذين ظلموا ) كفروا ( ربنا أخرنا ) بأن تردنا إلى الدنيا ( إلى أجل قريب نجب دعوتك ) بالتوحيد ( ونتبع الرسل ) فيقال لهم توبيخا ( أولم تكونوا أقسمتم من ) حلفتم ( قبل ما ) في الدنيا ( لكم من زوال ) زائدة ( وسكنتم ) عنها إلى الآخرة
45. ( وسكنتم ) فيها ( في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ) بالكفر من الأمم السابقة ( وتبين لكم كيف فعلنا بهم ) من العقوبة فلم تنزجروا ( وضربنا ) بينا ( لكم الأمثال ) في القرآن فلم تعتبروا
46. ( وقد مكروا ) بالنبي صلى الله عليه وسلم ( مكرهم ) حيث أرادوا قتله أو تقييده أو إخراجه ( وعند الله مكرهم ) أي علمه أو جزاؤه ( وإن ) ما ( كان مكرهم ) وإن عظم ( لتزول منه الجبال ) الامعنى لا يعبأ به ولا يضر إلا أنفسهم والمراد بالجبال هنا قيل حقيقتها وقيل شرائع الإسلام المشبهة بها في القرار والثبات وفي قراءة بفتح لام لتزول ورفع الفعل فإن مخففة والمراد تعظيم مكرهم وقيل المراد بالمكر كفرهم ويناسبه على الثانية تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا وعلى الأول ما قرىء وما كان
47. ( فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله ) بالنصر ( إن الله عزيز ) غالب لا يعجزه شيء ( ذو انتقام ) ممن عصاه
48. اذكر ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) هو يوم القيامة فيحشر الناس على أرض بيضاء نقية كما في حديث الصحيحين وروى مسلم حديث سئل النبي صلى الله عليه وسلم أين الناس يومئذ قال على الصراط ( وبرزوا ) خرجوا من القبور ( لله الواحد القهار )
49. ( وترى ) يا محمد تبصر ( المجرمين ) الكافرين ( يومئذ مقرنين ) مشدودين مع شياطينهم ( في الأصفاد ) القيود أو الأغلال
50. ( سرابيلهم ) قمصهم ( من قطران ) لأنه أبلغ لاشتعال النار ( وتغشى ) تعلو ( وجوههم النار )
51. ( ليجزي ) متعلق ببرزوا ( الله كل نفس ما كسبت ) من خير وشر ( إن الله سريع الحساب ) يحاسب جميع الخلق في قدر نصف نهار من أيام الدنيا لحديث بذلك
52. ( هذا ) القرآن ( بلاغ للناس ) أي أنزل لتبليغهم ( ولينذروا به وليعلموا ) بما فيه من الحجج ( أنما هو ) أي الله ( إله واحد وليذكر ) بإدغام التاء في الأصل في الذال يتعظ ( أولوا الألباب ) أصحاب العقول
1. ( الر ) الله أعلم بمراده بذلك هذا القرآن ( كتاب أنزلناه إليك ) يا محمد ( لتخرج الناس من الظلمات ) الكفر ( إلى النور ) الإيمان ( بإذن ) أمر ( ربهم ) ويبدل من : إلى النور ( إلى صراط ) طريق ( العزيز ) الغالب ( الحميد ) المحمود
2. ( الله ) بالجر بدل أو عطف بيان وما بعده صفة والرفع مبتدأ خبره ( الذي له ما في السماوات وما في الأرض ) ملكاً وخلقاً وعبيداً ( وويل للكافرين من عذاب شديد )
3. ( الذين ) نعت ( يستحبون ) يختارون ( الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون ) الناس ( عن سبيل الله ) دين الإسلام ( ويبغونها ) أي السبيل ( عوجاً ) معوجة ( أولئك في ضلال بعيد ) عن الحق
4. ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان ) بلغة ( قومه ليبين لهم ) ليفهمهم ما أتى به ( فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز ) في ملكه ( الحكيم ) في صنعه
5. ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ) التسع وقلنا له ( أن أخرج قومك ) بني إسرائيل ( من الظلمات ) الكفر ( إلى النور ) الإيمان ( وذكرهم بأيام الله ) بنعمه ( إن في ذلك ) التذكير ( لآيات لكل صبار ) على الطاعة ( شكور ) للنعم
6. ( و ) اذكر ( إذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ) المولودين ( ويستحيون ) يستبقون ( نساءكم ) لقول بعض الكهنة إن مولودا يولد في بني إسرائيل يكون سبب ذهاب ملك فرعون ( وفي ذلكم ) الإنجاء أو العذاب ( بلاء ) إنعام أو ابتلاء ( من ربكم عظيم )
7. ( وإذ تأذن ) أعلم ( ربكم لئن شكرتم ) نعمتي بالتوحيد والطاعة ( لأزيدنكم ولئن كفرتم ) جحدتم النعمة بالكفر والمعصية لأعذبنكم دل عليه ( إن عذابي لشديد )
8. ( وقال موسى ) لقومه ( إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني ) عن خلقه ( حميد ) محمود في صنعه بهم
9. ( ألم يأتكم ) استفهام تقرير ( نبأ ) خبر ( الذين من قبلكم قوم نوح وعاد ) قوم هود ( وثمود ) قوم صالح ( والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ) لكثرتهم ( جاءتهم رسلهم بالبينات ) بالحجج الواضحة على صدقهم ( فردوا ) أي الأمم ( أيديهم في أفواههم ) أي إليها ليعضوا عليها من شدة الغيظ ( وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به ) في زعمكم ( وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب ) موقع في الريبة
10. ( قالت رسلهم أفي الله شك ) استفهام إنكار أي لا شك في توحيده للدلائل الظاهرة عليه ( فاطر ) خالق ( السماوات والأرض يدعوكم ) إلى طاعته ( ليغفر لكم من ذنوبكم ) من صلة فإن الإسلام يغفر به ما قبله أو تبعيضية لإخراج حقوق العباد ( ويؤخركم ) بلا عذاب ( إلى أجل مسمى ) أجل الموت ( قالوا إن ) ما ( أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا ) من الأصنام ( فأتونا بسلطان مبين ) حجة ظاهرة على صدقكم
11. ( قالت لهم رسلهم إن ) ما ( نحن إلا بشر مثلكم ) كما قلتم ( ولكن الله يمن على من يشاء من عباده ) بالنبوة ( وما كان ) ما ينبغي ( لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله ) بأمره لأنا عبيد مربوبون ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) يثقوا به
12. ( وما لنا ) أن ( ألا نتوكل على الله ) أي لا مانع لنا من ذلك ( وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا ) على أذاكم ( وعلى الله فليتوكل المتوكلون )
13. ( وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن ) لتصيرن ( في ملتنا ) ديننا ( فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ) الكافرين
14. ( ولنسكننكم الأرض ) أرضهم ( من بعدهم ) بعد هلاكهم ( ذلك ) النصر وإيراث الأرض ( لمن خاف مقامي ) أي مقامه بين يدي ( وخاف وعيد ) بالعذاب
15. ( واستفتحوا ) استنصر الرسل بالله على قومهم ( وخاب ) وخسر ( كل جبار ) متكبر عن طاعة الله ( عنيد ) معاند للحق
16. ( من ورائه ) أي امامه ( جهنم ) يدخلها ( ويسقى ) فيها ( من ماء صديد ) هو ما يسيل من جوف أهل النار مختلطا بالقيح والدم
17. ( يتجرعه ) يبتلعه مرة بعد مرة لمرارته ( ولا يكاد يسيغه ) يزدرده لقبحه وكراهته ( ويأتيه الموت ) أي أسبابه المقتضية له من أنواع العذاب ( من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه ) بعد ذلك العذاب ( عذاب غليظ ) قوي متصل
18. ( مثل ) صفة ( الذين كفروا بربهم ) مبتدأ ويبدل منه ( أعمالهم ) الصالحات كصلة وصدقة في عدم الانتفاع بها ( كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ) شديد هبوب الريح فجعلته هباء منثورا لا يقدر عليه والجار والمجرور خبر المبتدأ ( لا يقدرون ) أي الكفار ( مما كسبوا ) عملوا في الدنيا ( على شيء ) أي لا يجدون له ثوابا لعدم شرطه ( ذلك هو الضلال ) الهلاك ( البعيد )
19. ( ألم تر ) تنظر يا مخاطب استفهام تقرير ( أن الله خلق السماوات والأرض بالحق ) متعلق بخلق ( إن يشأ يذهبكم ) أيها الناس ( ويأت بخلق جديد ) بدلكم
20. ( وما ذلك على الله بعزيز ) شديد
21. ( وبرزوا ) أي الخلائق والتعبير فيه وفيما بعده بالماضي لتحقق وقوعه ( لله جميعا فقال الضعفاء ) الأتباع ( للذين استكبروا ) المتبوعين ( إنا كنا لكم تبعا ) جمع تابع ( فهل أنتم مغنون ) دافعون ( عنا من عذاب الله من شيء ) من الأولى للتبيين والثانية للتبعيض ( قالوا ) المتبوعون ( لو هدانا الله لهديناكم ) لدعوناكم إلى الهدى ( سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من ) زائدة ( محيص ) ملجأ
22. ( وقال الشيطان ) إبليس ( لما قضي الأمر ) وأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار واجتمعوا عليه ( إن الله وعدكم وعد الحق ) بالبعث والجزاء فصدقكم ( ووعدتكم ) أنه غير كائن ( فأخلفتكم وما كان لي عليكم من ) زائدة ( سلطان ) قوة وقدرة أقهركم على متابعتي ( إلا ) لكن ( أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ) على إجابتي ( ما أنا بمصرخكم ) بمغيثكم ( وما أنتم بمصرخي ) بفتح الياء وكسرها ( إني كفرت بما أشركتمون ) بإشراككم إياي مع الله ( من قبل ) في الدنيا قال تعالى ( إن الظالمين ) الكافرين ( لهم عذاب أليم ) مؤلم
23. ( وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين ) حال مقدرة ( فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها ) من الله ومن الملائكة وفيما بينهم ( سلام )
24. ( ألم تر ) تنظر ( كيف ضرب الله مثلا ) ويبدل منه ( كلمة طيبة ) أي لا إله إلا الله ( كشجرة طيبة ) هي النخلة ( أصلها ثابت ) في الأرض ( وفرعها ) غصنها ( في السماء )
25. ( تؤتي ) تعطي ( أكلها ) ثمرها ( كل حين بإذن ربها ) بإرادته كذلك كلمة الإيمان ثابتة في قلب المؤمن وعمله يصعد إلى السما ويناله بركته وثوابه كل وقت ( ويضرب ) يبين ( الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ) يتعظون فيؤمنوا
26. ( ومثل كلمة خبيثة ) هي كلمة الكفر ( كشجرة خبيثة ) هي الحنظل ( اجتثت ) استؤصلت ( من فوق الأرض ما لها من قرار ) مستقر وثبات كذلك كلمة الكفر لا ثبات لها ولا فرع ولا بركة
27. ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ) هي كلمة التوحيد ( في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) أي القبر لما يسألهم الملكان عن ربهم ودينهم ونبيهم فيجيبون بالصواب كما في حديث الشيخين ( ويضل الله الظالمين ) الكفار فلا يهتدون للجواب بالصواب بل يقولون لا ندري كما في الحديث ( ويفعل الله ما يشاء )
28. ( ألم تر ) تنظر ( إلى الذين بدلوا نعمة الله ) أي شكرها ( كفرا ) هم كفار قريش ( وأحلوا ) أنزلوا ( قومهم ) بإضلالهم إياهم ( دار البوار ) الهلاك
29. ( جهنم ) عطف بيان ( يصلونها ) يدخلونها ( وبئس القرار ) المقر هي
30. ( وجعلوا لله أندادا ) شركاء ( ليضلوا ) بفتح الياء وضمها ( عن سبيله ) دين الإسلام ( قل ) لهم ( تمتعوا ) بدنياكم قليلا ( فإن مصيركم ) مرجعكم ( إلى النار )
31. ( قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع ) فداء ( فيه ولا خلال ) مخالة أي صداقة تنفع هو يوم القيامة
32. ( الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك ) السفن ( لتجري في البحر ) بالركوب والحمل ( بأمره ) بإذنه ( وسخر لكم الأنهار )
33. ( وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ) جاريين في فلكهما لا يفتران ( وسخر لكم الليل ) لتسكنوا فيه ( والنهار ) لتبتغوا من فضله
34. ( وآتاكم من كل ما سألتموه ) على حسب مصالحكم ( وإن تعدوا نعمة الله ) بمعنى إنعامه ( لا تحصوها ) لا تطيقوا عدها ( إن الإنسان ) الكافر ( لظلوم كفار ) كثير الظلم لنفسه بالمعصية والكفر لنعمة ربه
35. واذكر ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد ) مكة ( آمنا ) ذا أمن وقد أجاب الله دعاءه فجعله حرما لا يسفك فيه دم إنسان ولا يظلم فيه أحد ولا يصاد صيده ولا يختلى خلاه ( واجنبني ) بعدني ( وبني ) عن ( أن نعبد الأصنام )
36. ( رب إنهن ) أي الأصنام ( أضللن كثيرا من الناس ) بعبادتهم لها ( فمن تبعني ) على التوحيد ( فإنه مني ) من أهل ديني ( ومن عصاني فإنك غفور رحيم ) هذا قبل علمه أنه تعالى لا يغفر الشرك
37. ( ربنا إني أسكنت من ذريتي ) أي بعضها وهو إسماعيل مع أمه هاجر ( بواد غير ذي زرع ) هو مكة ( عند بيتك المحرم ) الذي كان قبل الطوفان ( ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة ) قلوبا ( من الناس تهوي ) تميل وتحن ( إليهم ) قال ابن عباس لو قال أفئدة الناس لحنت إليه فارس والروم والناس كلهم ( وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ) وقد فعل بنقل الطائف إليه
38. ( ربنا إنك تعلم ما نخفي ) نسر ( وما نعلن وما يخفى على الله من ) زائدة ( شيء في الأرض ولا في السماء ) يحتمل أن يكون من كلامه تعالى أو كلام إبراهيم
39. ( الحمد لله الذي وهب لي ) أعطاني ( على ) مع ( الكبر إسماعيل ) ولد وله تسع وتسعون سنة ( وإسحاق ) ولد وله مائة واثنتا عشرة سنة ( إن ربي لسميع الدعاء )
40. ( رب اجعلني مقيم الصلاة ) اجعل ( ومن ذريتي ) من يقيمها وأتى بمن لإعلام الله تعالى له أن منهم كفارا ( ربنا وتقبل دعاء ) المذكور
41. ( ربنا اغفر لي ولوالدي ) هذا قبل أن يتبين له عداوتهما لله عز وجل وقيل أسلمت أمه وقرىء والدي مفردا وولدي ( وللمؤمنين يوم يقوم ) يثبت ( الحساب ) قال تعالى
42. ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ) الكافرون من أهل مكة ( إنما يؤخرهم ) بلا عذاب ( ليوم تشخص فيه الأبصار ) لهول ما ترى ويقال شخص بصر فلان أي فتحه فلم يغمضه
43. ( مهطعين ) مسرعين حال ( مقنعي ) رافعي ( رؤوسهم ) إلى السماء ( لا يرتد إليهم طرفهم ) بصرهم ( وأفئدتهم ) قلوبهم ( هواء ) خالية من العقل لفزعهم
44. ( وأنذر ) خوف يا محمد ( الناس ) الكفار ( يوم يأتيهم العذاب ) هو يوم القيامة ( فيقول الذين ظلموا ) كفروا ( ربنا أخرنا ) بأن تردنا إلى الدنيا ( إلى أجل قريب نجب دعوتك ) بالتوحيد ( ونتبع الرسل ) فيقال لهم توبيخا ( أولم تكونوا أقسمتم من ) حلفتم ( قبل ما ) في الدنيا ( لكم من زوال ) زائدة ( وسكنتم ) عنها إلى الآخرة
45. ( وسكنتم ) فيها ( في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ) بالكفر من الأمم السابقة ( وتبين لكم كيف فعلنا بهم ) من العقوبة فلم تنزجروا ( وضربنا ) بينا ( لكم الأمثال ) في القرآن فلم تعتبروا
46. ( وقد مكروا ) بالنبي صلى الله عليه وسلم ( مكرهم ) حيث أرادوا قتله أو تقييده أو إخراجه ( وعند الله مكرهم ) أي علمه أو جزاؤه ( وإن ) ما ( كان مكرهم ) وإن عظم ( لتزول منه الجبال ) الامعنى لا يعبأ به ولا يضر إلا أنفسهم والمراد بالجبال هنا قيل حقيقتها وقيل شرائع الإسلام المشبهة بها في القرار والثبات وفي قراءة بفتح لام لتزول ورفع الفعل فإن مخففة والمراد تعظيم مكرهم وقيل المراد بالمكر كفرهم ويناسبه على الثانية تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا وعلى الأول ما قرىء وما كان
47. ( فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله ) بالنصر ( إن الله عزيز ) غالب لا يعجزه شيء ( ذو انتقام ) ممن عصاه
48. اذكر ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) هو يوم القيامة فيحشر الناس على أرض بيضاء نقية كما في حديث الصحيحين وروى مسلم حديث سئل النبي صلى الله عليه وسلم أين الناس يومئذ قال على الصراط ( وبرزوا ) خرجوا من القبور ( لله الواحد القهار )
49. ( وترى ) يا محمد تبصر ( المجرمين ) الكافرين ( يومئذ مقرنين ) مشدودين مع شياطينهم ( في الأصفاد ) القيود أو الأغلال
50. ( سرابيلهم ) قمصهم ( من قطران ) لأنه أبلغ لاشتعال النار ( وتغشى ) تعلو ( وجوههم النار )
51. ( ليجزي ) متعلق ببرزوا ( الله كل نفس ما كسبت ) من خير وشر ( إن الله سريع الحساب ) يحاسب جميع الخلق في قدر نصف نهار من أيام الدنيا لحديث بذلك
52. ( هذا ) القرآن ( بلاغ للناس ) أي أنزل لتبليغهم ( ولينذروا به وليعلموا ) بما فيه من الحجج ( أنما هو ) أي الله ( إله واحد وليذكر ) بإدغام التاء في الأصل في الذال يتعظ ( أولوا الألباب ) أصحاب العقول
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
15. سورة الحجر
1. ( الر ) الله أعلم بمراده بذلك ( تلك ) هذه الآيات ( آيات الكتاب ) القرآن والإضافة بمعنى من ( وقرآن مبين ) مظهر للحق من الباطل عطف بزيادة صفة
2. ( ربما ) بالتشديد والتخفيف ( يود ) يتمنى ( الذين كفروا ) يوم القيامة إذا عاينوا حالهم وحال المسلمين ( لو كانوا مسلمين ) ورب للتكثير فإنه يكثر منهم تمني ذلك وقيل للتقليل فإن الأهوال تدهشهم فلا يفيقون حتى يتمنوا ذلك إلا في أحيان قليلة
3. ( ذرهم ) اترك الكفار يا محمد ( يأكلوا ويتمتعوا ) بدنياهم ( ويلههم ) يشغلهم ( الأمل ) بطول العمر وغيره عن الإيمان ( فسوف يعلمون ) عاقبة أمرهم وهذا قبل الأمر بالقتال
4. ( وما أهلكنا من ) زائدة ( قرية ) اريد أهلها ( إلا ولها كتاب ) أجل ( معلوم ) محدود لإهلاكها
5. ( ما تسبق من ) زائدة ( أمة أجلها وما يستأخرون ) يتأخرون عنه
6. ( وقالوا ) أي كفار مكة للنبي صلى الله عليه وسلم ( يا أيها الذي نزل عليه الذكر ) القرآن في زعمه ( إنك لمجنون )
7. ( لو ما ) هلا ( تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين ) في قولك إنك نبي وإن هذا القرآن من عند الله
8. قال تعالى ( ما ننزل ) فيه حذف إحدى التاءين ( الملائكة إلا بالحق ) بالعذاب ( وما كانوا إذا ) أي حين نزول الملائكة بالعذاب ( منظرين ) مؤخرين
9. ( إنا نحن ) تأكيد لاسم إن أو فصل ( نزلنا الذكر ) القرآن ( وإنا له لحافظون ) من التبديل والتحريف والزيادة والنقصان
10. ( ولقد أرسلنا من قبلك ) رسلا ( في شيع ) فرق ( الأولين )
11. ( وما ) كان ( يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون ) كاستهزاء قومك بك وهذا تسلية له صلى الله عليه وسلم
12. ( كذلك نسلكه ) أي مثل إدخالنا التكذيب في قلوب اولئك ندخله ( في قلوب المجرمين ) أي كفار مكة
13. ( لا يؤمنون به ) بالنبي صلى الله عليه وسلم ( وقد خلت سنة الأولين ) أي سنة الله فيهم من تعذيبهم بتكذيبهم أنبياءهم وهؤلاء مثلهم
14. ( ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه ) في الباب ( يعرجون ) يصعدون
15. ( لقالوا إنما سكرت ) سدت ( أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ) يخيل إلينا ذلك
16. ( ولقد جعلنا في السماء بروجا ) إثني عشر الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت وهي منازل الكواكب السبعة السيارة المريخ وله الحمل والعقرب والزهرة ولها الثور والميزان وعطارد وله الجوزاء والسنبلة والقمر وله السرطان والشمس ولها الأسد والمشتري وله القوس والحوت وزحل وله الجدي والدلو ( وزيناها ) بالكواكب ( للناظرين )
17. ( وحفظناها ) بالشهب ( من كل شيطان رجيم ) مرجوم
18. ( إلا ) لكن ( من استرق السمع ) خطفه ( فأتبعه شهاب مبين ) كوكب يضيء ويحرقه أو يثقبه أو يخلبه
19. ( والأرض مددناها ) بسطناها ( وألقينا فيها رواسي ) جبالا ثوابت لئلا تتحرك بأهلها ( وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ) معلوم مقدر
20. ( وجعلنا لكم فيها معايش ) بالياء من الثمار والحبوب وجعلنا لكم ( ومن لستم له برازقين ) من العبيد والدواب والأنعام فإنما يرزقهم الله
21. ( وإن ) ما ( من ) زائدة ( شيء إلا عندنا خزائنه ) مفاتيح خزائنه ( وما ننزله إلا بقدر معلوم ) على حسب المصالح
22. ( وأرسلنا الرياح لواقح ) تلقح السحاب فيمتلئ ماء ( فأنزلنا من السماء ) السحاب ( ماء ) مطرا ( فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين ) أي ليست خزائنه بأيديكم
23. ( وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون ) الباقون نرث جميع الخلق
24. ( ولقد علمنا المستقدمين منكم ) أي من تقدم من الخلق من لدن آدم ( ولقد علمنا المستأخرين ) المتأخرين إلى يوم القيامة
25. ( وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم ) في صنعه ( عليم ) بخلقه
26. ( ولقد خلقنا الإنسان ) آدم ( من صلصال ) طين يابس يسمع له صلصلة أي صوت إذا نقر ( من حمأ ) طين أسود ( مسنون ) متغير
27. ( والجان ) أبا الجن وهو إبليس ( خلقناه من قبل ) خلق آدم ( من نار السموم ) هي نار لا دخان لها تنفذ من المسام
28. واذكر ( وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون )
29. ( فإذا سويته ) اتممته ( ونفخت ) أجريت ( فيه من روحي ) فصار حيا وإضافة الروح إليه تشريف لآدم ( فقعوا له ساجدين ) سجود تحية بالإنحناء
30. ( فسجد الملائكة كلهم أجمعون ) فيه تأكيدان
31. ( إلا إبليس ) هو أبو الجن كان بين الملائكة ( أبى ) امتنع من ( أن يكون مع الساجدين )
32. ( قال ) تعالى ( يا إبليس ما لك ) ما منعك ( ألا ) زائدة ( تكون مع الساجدين )
33. ( قال لم أكن لأسجد ) لا ينبغي لي أن أسجد ( لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون )
34. ( قال فاخرج منها ) أي الجنة وقيل من السموات ( فإنك رجيم ) مطرود
35. ( وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين ) الجزاء
36. ( قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ) أي الناس
37. ( قال فإنك من المنظرين )
38. ( إلى يوم الوقت المعلوم ) وقت النفخة الأولى
39. ( قال رب بما أغويتني ) أي بإغوائك لي والباء للقسم وجوابه ( لأزينن لهم في الأرض ) المعاصي ( ولأغوينهم أجمعين )
40. ( إلا عبادك منهم المخلصين ) أي المؤمنين
41. ( قال ) تعالى ( هذا صراط علي مستقيم )
42. وهو ( إن عبادي ) أي المؤمنين ( ليس لك عليهم سلطان ) قوة ( إلا ) لكن ( من اتبعك من الغاوين ) الكافرين
43. ( وإن جهنم لموعدهم أجمعين ) أي من اتبعك معك
44. ( لها سبعة أبواب ) أطباق ( لكل باب ) منها ( منهم جزء ) نصيب ( مقسوم )
45. ( إن المتقين في جنات ) بساتين ( وعيون ) تجري فيها
46. ويقال لهم ( ادخلوها بسلام ) أي سالمين من كل مخوف أو مع سلام أي سلموا وادخلوا ( آمنين ) من كل فزع
47. ( ونزعنا ما في صدورهم من غل ) حقد ( إخوانا ) حال منهم ( على سرر متقابلين ) حال أيضا أي لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض لدوران الأسرة بهم
48. ( لا يمسهم فيها نصب ) تعب ( وما هم منها بمخرجين ) أبدا
49. ( نبئ ) خبر يا محمد ( عبادي أني أنا الغفور ) للمؤمنين ( الرحيم ) بهم
50. ( وأن عذابي ) للعصاة ( هو العذاب الأليم ) المؤلم
51. ( ونبئهم عن ضيف إبراهيم ) هم ملائكة اثنا عشر أو عشرة أو ثلاثة منهم جبريل
52. ( إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما ) أي هذا اللفظ ( قال ) إبراهيم لما عرض عليهم الأكل فلم يأكلوا ( إنا منكم وجلون ) خائفون
53. ( قالوا لا توجل ) لا تخف ( إنا ) رسل ربك ( نبشرك بغلام عليم ) ذي علم كثير هو إسحق كما ذكرنا في سورة هود
54. ( قال أبشرتموني ) بالولد ( على أن مسني الكبر ) حال أي مع مسه إياي ( فبم ) فبأي شيء ( تبشرون ) استفهام تعجب
55. ( قالوا بشرناك بالحق ) بالصدق ( فلا تكن من القانطين ) الآيسين
56. ( قال ومن ) أي لا ( يقنط ) بكسر النون وفتحها ( من رحمة ربه إلا الضالون ) الكافرون
57. ( قال فما خطبكم ) شأنكم ( أيها المرسلون )
58. ( قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين ) كافرين أي قوم لوط لإهلاكهم
59. ( إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين ) لإيمانهم
60. ( إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين ) الباقين في العذاب لكفرها
61. ( فلما جاء آل لوط ) أي لوطا ( المرسلون )
62. ( قال ) لهم ( إنكم قوم منكرون ) لا أعرفكم
63. ( قالوا بل جئناك بما كانوا ) أي قومك ( فيه يمترون ) يشكون وهو العذاب
64. ( وأتيناك بالحق وإنا لصادقون ) في قولنا
65. ( فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ) امش خلفهم ( ولا يلتفت منكم أحد ) لئلا يرى عظيم ما ينزل بهم ( وامضوا حيث تؤمرون ) وهو الشام
66. ( وقضينا ) أوحينا ( إليه ذلك الأمر ) وهو ( أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين ) حال أي يتم استئصالهم في الصباح
67. ( وجاء أهل المدينة ) مدينة سدوم وهم قوم لوط لما أخبروه أن في بيت لوط مردا حسانا وهم الملائكة ( يستبشرون ) حال طمعا في فعل الفاحشة بهم
68. ( قال ) لوط ( إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون )
69. ( واتقوا الله ولا تخزون ) بقصدكم إياهم بفعل الفاحشة بهم
70. ( قالوا أولم ننهك عن العالمين قال ) عن إضافتهم
71. ( قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين ) ما تريدون من قضاء الشهوة فتزوجوهن
72. ( لعمرك ) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي وحياتك ( إنهم لفي سكرتهم يعمهون ) يترددون
73. ( فأخذتهم الصيحة ) صيحة جبريل ( مشرقين ) وقت شروق الشمس
74. ( فجعلنا عاليها ) أي قراهم ( سافلها ) بأن رفعها جبريل إلى السماء وأسقطها مقلوبة إلى الأرض ( وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل ) طين طبخ بالنار
75. ( إن في ذلك ) المذكور ( لآيات ) دلالات على وحدانية الله ( للمتوسمين ) للناظرين المعتبرين
76. ( وإنها ) أي قرى قوم لوط ( لبسبيل مقيم ) طريق قريش إلى الشام لم تندرس إفلا يعتبرون بهم
77. ( إن في ذلك لآية ) لعبرة ( للمؤمنين )
78. ( وإن ) مخففة أي إنه ( كان أصحاب الأيكة ) هي غيضة شجر بقرب مدين وهم قوم شعيب ( لظالمين ) بتكذيبهم شعيبا
79. ( فانتقمنا منهم ) بأن أهلكناهم بشدة الحر ( وإنهما ) أي قرى قوم لوط والأيكة ( لبإمام ) طريق ( مبين ) واضح أفلا تعتبرون بهم يا أهل مكة
80. ( ولقد كذب أصحاب الحجر ) واد بين المدينة والشام وهم ثمود ( المرسلين ) بتكذيبهم صالحا لأنه تكذيب لباقي الرسل لاشتراكهم في المجيء بالتوحيد
81. ( وآتيناهم آياتنا ) في الناقة ( فكانوا عنها معرضين ) لا يتفكرون فيها
82. ( وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين )
83. ( فأخذتهم الصيحة مصبحين ) وقت الصباح
84. ( فما أغنى ) دفع ( عنهم ) العذاب ( ما كانوا يكسبون ) من بناء الحصون وجمع الأموال
85. ( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية ) لا محالة فيجازى كل أحد بعمله ( فاصفح ) يا محمد عن قومك ( الصفح الجميل ) أعرض عنهم إعراضا لا جزع فيه
86. ( إن ربك هو الخلاق ) لكل شيء ( العليم ) بكل شيء
87. ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني ) قال صلى الله عليه وسلم هي الفاتحة رواه الشيخان لأنها تثنى في كل ركعة ( والقرآن العظيم )
88. ( لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا ) أصنافا ( منهم ولا تحزن عليهم ) إن لم يؤمنوا ( واخفض جناحك ) ألن جانبك ( للمؤمنين )
89. ( وقل إني أنا النذير ) من عذاب الله أن ينزل عليكم ( المبين ) البين الإنذار
90. ( كما أنزلنا ) العذاب ( على المقتسمين ) اليهود والنصارى
91. ( الذين جعلوا القرآن ) أي كتبهم المنزلة عليهم ( عضين ) أجزاء حيث آمنوا ببعض وكفروا ببعض وقيل المراد بهم الذين اقتسموا طرق مكة يصدون الناس عن الإسلام وقال بعضهم في القرآن سحر وبعضهم كهانة وبعضهم شعر
92. ( فوربك لنسألنهم أجمعين ) سؤال توبيخ
93. ( عما كانوا يعملون )
94. ( فاصدع ) يا محمد ( بما تؤمر ) به أي اجهر به وأمضه ( وأعرض عن المشركين ) هذا قبل الأمر بالجهاد
95. ( إنا كفيناك المستهزئين ) بك بإهلاكنا كلا منهم بآفة وهم الوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل وعدي بن قيس والأسود بن عبد المطلب والأسود بن عبد يغوث
96. ( الذين يجعلون مع الله إلها آخر ) صفة وقيل مبتدأ ولتضمنه معنى الشرط دخلت الفاء في خبره وهو ( فسوف يعلمون ) عاقبة أمرهم
97. ( ولقد ) للتحقيق ( نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون ) من الاستهزاء والتكذيب
98. ( فسبح ) ملتبسا ( بحمد ربك ) أي قل سبحان الله وبحمده ( وكن من الساجدين ) المصلين
99. ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) الموت
1. ( الر ) الله أعلم بمراده بذلك ( تلك ) هذه الآيات ( آيات الكتاب ) القرآن والإضافة بمعنى من ( وقرآن مبين ) مظهر للحق من الباطل عطف بزيادة صفة
2. ( ربما ) بالتشديد والتخفيف ( يود ) يتمنى ( الذين كفروا ) يوم القيامة إذا عاينوا حالهم وحال المسلمين ( لو كانوا مسلمين ) ورب للتكثير فإنه يكثر منهم تمني ذلك وقيل للتقليل فإن الأهوال تدهشهم فلا يفيقون حتى يتمنوا ذلك إلا في أحيان قليلة
3. ( ذرهم ) اترك الكفار يا محمد ( يأكلوا ويتمتعوا ) بدنياهم ( ويلههم ) يشغلهم ( الأمل ) بطول العمر وغيره عن الإيمان ( فسوف يعلمون ) عاقبة أمرهم وهذا قبل الأمر بالقتال
4. ( وما أهلكنا من ) زائدة ( قرية ) اريد أهلها ( إلا ولها كتاب ) أجل ( معلوم ) محدود لإهلاكها
5. ( ما تسبق من ) زائدة ( أمة أجلها وما يستأخرون ) يتأخرون عنه
6. ( وقالوا ) أي كفار مكة للنبي صلى الله عليه وسلم ( يا أيها الذي نزل عليه الذكر ) القرآن في زعمه ( إنك لمجنون )
7. ( لو ما ) هلا ( تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين ) في قولك إنك نبي وإن هذا القرآن من عند الله
8. قال تعالى ( ما ننزل ) فيه حذف إحدى التاءين ( الملائكة إلا بالحق ) بالعذاب ( وما كانوا إذا ) أي حين نزول الملائكة بالعذاب ( منظرين ) مؤخرين
9. ( إنا نحن ) تأكيد لاسم إن أو فصل ( نزلنا الذكر ) القرآن ( وإنا له لحافظون ) من التبديل والتحريف والزيادة والنقصان
10. ( ولقد أرسلنا من قبلك ) رسلا ( في شيع ) فرق ( الأولين )
11. ( وما ) كان ( يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون ) كاستهزاء قومك بك وهذا تسلية له صلى الله عليه وسلم
12. ( كذلك نسلكه ) أي مثل إدخالنا التكذيب في قلوب اولئك ندخله ( في قلوب المجرمين ) أي كفار مكة
13. ( لا يؤمنون به ) بالنبي صلى الله عليه وسلم ( وقد خلت سنة الأولين ) أي سنة الله فيهم من تعذيبهم بتكذيبهم أنبياءهم وهؤلاء مثلهم
14. ( ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه ) في الباب ( يعرجون ) يصعدون
15. ( لقالوا إنما سكرت ) سدت ( أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ) يخيل إلينا ذلك
16. ( ولقد جعلنا في السماء بروجا ) إثني عشر الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت وهي منازل الكواكب السبعة السيارة المريخ وله الحمل والعقرب والزهرة ولها الثور والميزان وعطارد وله الجوزاء والسنبلة والقمر وله السرطان والشمس ولها الأسد والمشتري وله القوس والحوت وزحل وله الجدي والدلو ( وزيناها ) بالكواكب ( للناظرين )
17. ( وحفظناها ) بالشهب ( من كل شيطان رجيم ) مرجوم
18. ( إلا ) لكن ( من استرق السمع ) خطفه ( فأتبعه شهاب مبين ) كوكب يضيء ويحرقه أو يثقبه أو يخلبه
19. ( والأرض مددناها ) بسطناها ( وألقينا فيها رواسي ) جبالا ثوابت لئلا تتحرك بأهلها ( وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ) معلوم مقدر
20. ( وجعلنا لكم فيها معايش ) بالياء من الثمار والحبوب وجعلنا لكم ( ومن لستم له برازقين ) من العبيد والدواب والأنعام فإنما يرزقهم الله
21. ( وإن ) ما ( من ) زائدة ( شيء إلا عندنا خزائنه ) مفاتيح خزائنه ( وما ننزله إلا بقدر معلوم ) على حسب المصالح
22. ( وأرسلنا الرياح لواقح ) تلقح السحاب فيمتلئ ماء ( فأنزلنا من السماء ) السحاب ( ماء ) مطرا ( فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين ) أي ليست خزائنه بأيديكم
23. ( وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون ) الباقون نرث جميع الخلق
24. ( ولقد علمنا المستقدمين منكم ) أي من تقدم من الخلق من لدن آدم ( ولقد علمنا المستأخرين ) المتأخرين إلى يوم القيامة
25. ( وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم ) في صنعه ( عليم ) بخلقه
26. ( ولقد خلقنا الإنسان ) آدم ( من صلصال ) طين يابس يسمع له صلصلة أي صوت إذا نقر ( من حمأ ) طين أسود ( مسنون ) متغير
27. ( والجان ) أبا الجن وهو إبليس ( خلقناه من قبل ) خلق آدم ( من نار السموم ) هي نار لا دخان لها تنفذ من المسام
28. واذكر ( وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون )
29. ( فإذا سويته ) اتممته ( ونفخت ) أجريت ( فيه من روحي ) فصار حيا وإضافة الروح إليه تشريف لآدم ( فقعوا له ساجدين ) سجود تحية بالإنحناء
30. ( فسجد الملائكة كلهم أجمعون ) فيه تأكيدان
31. ( إلا إبليس ) هو أبو الجن كان بين الملائكة ( أبى ) امتنع من ( أن يكون مع الساجدين )
32. ( قال ) تعالى ( يا إبليس ما لك ) ما منعك ( ألا ) زائدة ( تكون مع الساجدين )
33. ( قال لم أكن لأسجد ) لا ينبغي لي أن أسجد ( لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون )
34. ( قال فاخرج منها ) أي الجنة وقيل من السموات ( فإنك رجيم ) مطرود
35. ( وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين ) الجزاء
36. ( قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ) أي الناس
37. ( قال فإنك من المنظرين )
38. ( إلى يوم الوقت المعلوم ) وقت النفخة الأولى
39. ( قال رب بما أغويتني ) أي بإغوائك لي والباء للقسم وجوابه ( لأزينن لهم في الأرض ) المعاصي ( ولأغوينهم أجمعين )
40. ( إلا عبادك منهم المخلصين ) أي المؤمنين
41. ( قال ) تعالى ( هذا صراط علي مستقيم )
42. وهو ( إن عبادي ) أي المؤمنين ( ليس لك عليهم سلطان ) قوة ( إلا ) لكن ( من اتبعك من الغاوين ) الكافرين
43. ( وإن جهنم لموعدهم أجمعين ) أي من اتبعك معك
44. ( لها سبعة أبواب ) أطباق ( لكل باب ) منها ( منهم جزء ) نصيب ( مقسوم )
45. ( إن المتقين في جنات ) بساتين ( وعيون ) تجري فيها
46. ويقال لهم ( ادخلوها بسلام ) أي سالمين من كل مخوف أو مع سلام أي سلموا وادخلوا ( آمنين ) من كل فزع
47. ( ونزعنا ما في صدورهم من غل ) حقد ( إخوانا ) حال منهم ( على سرر متقابلين ) حال أيضا أي لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض لدوران الأسرة بهم
48. ( لا يمسهم فيها نصب ) تعب ( وما هم منها بمخرجين ) أبدا
49. ( نبئ ) خبر يا محمد ( عبادي أني أنا الغفور ) للمؤمنين ( الرحيم ) بهم
50. ( وأن عذابي ) للعصاة ( هو العذاب الأليم ) المؤلم
51. ( ونبئهم عن ضيف إبراهيم ) هم ملائكة اثنا عشر أو عشرة أو ثلاثة منهم جبريل
52. ( إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما ) أي هذا اللفظ ( قال ) إبراهيم لما عرض عليهم الأكل فلم يأكلوا ( إنا منكم وجلون ) خائفون
53. ( قالوا لا توجل ) لا تخف ( إنا ) رسل ربك ( نبشرك بغلام عليم ) ذي علم كثير هو إسحق كما ذكرنا في سورة هود
54. ( قال أبشرتموني ) بالولد ( على أن مسني الكبر ) حال أي مع مسه إياي ( فبم ) فبأي شيء ( تبشرون ) استفهام تعجب
55. ( قالوا بشرناك بالحق ) بالصدق ( فلا تكن من القانطين ) الآيسين
56. ( قال ومن ) أي لا ( يقنط ) بكسر النون وفتحها ( من رحمة ربه إلا الضالون ) الكافرون
57. ( قال فما خطبكم ) شأنكم ( أيها المرسلون )
58. ( قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين ) كافرين أي قوم لوط لإهلاكهم
59. ( إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين ) لإيمانهم
60. ( إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين ) الباقين في العذاب لكفرها
61. ( فلما جاء آل لوط ) أي لوطا ( المرسلون )
62. ( قال ) لهم ( إنكم قوم منكرون ) لا أعرفكم
63. ( قالوا بل جئناك بما كانوا ) أي قومك ( فيه يمترون ) يشكون وهو العذاب
64. ( وأتيناك بالحق وإنا لصادقون ) في قولنا
65. ( فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ) امش خلفهم ( ولا يلتفت منكم أحد ) لئلا يرى عظيم ما ينزل بهم ( وامضوا حيث تؤمرون ) وهو الشام
66. ( وقضينا ) أوحينا ( إليه ذلك الأمر ) وهو ( أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين ) حال أي يتم استئصالهم في الصباح
67. ( وجاء أهل المدينة ) مدينة سدوم وهم قوم لوط لما أخبروه أن في بيت لوط مردا حسانا وهم الملائكة ( يستبشرون ) حال طمعا في فعل الفاحشة بهم
68. ( قال ) لوط ( إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون )
69. ( واتقوا الله ولا تخزون ) بقصدكم إياهم بفعل الفاحشة بهم
70. ( قالوا أولم ننهك عن العالمين قال ) عن إضافتهم
71. ( قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين ) ما تريدون من قضاء الشهوة فتزوجوهن
72. ( لعمرك ) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي وحياتك ( إنهم لفي سكرتهم يعمهون ) يترددون
73. ( فأخذتهم الصيحة ) صيحة جبريل ( مشرقين ) وقت شروق الشمس
74. ( فجعلنا عاليها ) أي قراهم ( سافلها ) بأن رفعها جبريل إلى السماء وأسقطها مقلوبة إلى الأرض ( وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل ) طين طبخ بالنار
75. ( إن في ذلك ) المذكور ( لآيات ) دلالات على وحدانية الله ( للمتوسمين ) للناظرين المعتبرين
76. ( وإنها ) أي قرى قوم لوط ( لبسبيل مقيم ) طريق قريش إلى الشام لم تندرس إفلا يعتبرون بهم
77. ( إن في ذلك لآية ) لعبرة ( للمؤمنين )
78. ( وإن ) مخففة أي إنه ( كان أصحاب الأيكة ) هي غيضة شجر بقرب مدين وهم قوم شعيب ( لظالمين ) بتكذيبهم شعيبا
79. ( فانتقمنا منهم ) بأن أهلكناهم بشدة الحر ( وإنهما ) أي قرى قوم لوط والأيكة ( لبإمام ) طريق ( مبين ) واضح أفلا تعتبرون بهم يا أهل مكة
80. ( ولقد كذب أصحاب الحجر ) واد بين المدينة والشام وهم ثمود ( المرسلين ) بتكذيبهم صالحا لأنه تكذيب لباقي الرسل لاشتراكهم في المجيء بالتوحيد
81. ( وآتيناهم آياتنا ) في الناقة ( فكانوا عنها معرضين ) لا يتفكرون فيها
82. ( وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين )
83. ( فأخذتهم الصيحة مصبحين ) وقت الصباح
84. ( فما أغنى ) دفع ( عنهم ) العذاب ( ما كانوا يكسبون ) من بناء الحصون وجمع الأموال
85. ( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية ) لا محالة فيجازى كل أحد بعمله ( فاصفح ) يا محمد عن قومك ( الصفح الجميل ) أعرض عنهم إعراضا لا جزع فيه
86. ( إن ربك هو الخلاق ) لكل شيء ( العليم ) بكل شيء
87. ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني ) قال صلى الله عليه وسلم هي الفاتحة رواه الشيخان لأنها تثنى في كل ركعة ( والقرآن العظيم )
88. ( لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا ) أصنافا ( منهم ولا تحزن عليهم ) إن لم يؤمنوا ( واخفض جناحك ) ألن جانبك ( للمؤمنين )
89. ( وقل إني أنا النذير ) من عذاب الله أن ينزل عليكم ( المبين ) البين الإنذار
90. ( كما أنزلنا ) العذاب ( على المقتسمين ) اليهود والنصارى
91. ( الذين جعلوا القرآن ) أي كتبهم المنزلة عليهم ( عضين ) أجزاء حيث آمنوا ببعض وكفروا ببعض وقيل المراد بهم الذين اقتسموا طرق مكة يصدون الناس عن الإسلام وقال بعضهم في القرآن سحر وبعضهم كهانة وبعضهم شعر
92. ( فوربك لنسألنهم أجمعين ) سؤال توبيخ
93. ( عما كانوا يعملون )
94. ( فاصدع ) يا محمد ( بما تؤمر ) به أي اجهر به وأمضه ( وأعرض عن المشركين ) هذا قبل الأمر بالجهاد
95. ( إنا كفيناك المستهزئين ) بك بإهلاكنا كلا منهم بآفة وهم الوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل وعدي بن قيس والأسود بن عبد المطلب والأسود بن عبد يغوث
96. ( الذين يجعلون مع الله إلها آخر ) صفة وقيل مبتدأ ولتضمنه معنى الشرط دخلت الفاء في خبره وهو ( فسوف يعلمون ) عاقبة أمرهم
97. ( ولقد ) للتحقيق ( نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون ) من الاستهزاء والتكذيب
98. ( فسبح ) ملتبسا ( بحمد ربك ) أي قل سبحان الله وبحمده ( وكن من الساجدين ) المصلين
99. ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) الموت
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
16. سورة النحل
1. لما استبطأ المشركون العذاب نزل ( أتى أمر الله ) أي الساعة وأتى بصيغة الماضي لتحقق وقوعه أي قرب ( فلا تستعجلوه ) تطلبوه قبل حينه فإنه واقع لا محالة ( سبحانه ) تنزيها له ( وتعالى عما يشركون ) به غيره
2. ( ينزل الملائكة ) أي جبريل ( بالروح ) بالوحي ( من أمره ) بإرادته ( على من يشاء من عباده ) وهم الأنبياء ( أن ) مفسرة ( أنذروا ) خوفوا الكافرين بالعذاب وأعلموهم ( أنه لا إله إلا أنا فاتقون ) خافون
3. ( خلق السماوات والأرض بالحق ) أي محقا ( تعالى عما يشركون ) به من الأصنام
4. ( خلق الإنسان من نطفة ) مني إلى أن صيره قويا شديدا ( فإذا هو خصيم ) شديد الخصومة ( مبين ) بينها في نفي البعث قائلا من يحيي العظام وهي رميم
5. ( والأنعام ) الإبل والبقر والغنم ونصبه بفعل مقدر يفسره ( خلقها لكم ) من جملة الناس ( فيها دفء ) ما تستدفئون به من الأكسية والأردية من أشعارها وأصوافها ( ومنافع ) من النسل والدر والركوب ( ومنها تأكلون ) قدم الظرف للفاصلة
6. ( ولكم فيها جمال ) زينة ( حين تريحون ) تردونها إلى مراحها بالعشي ( وحين تسرحون ) تخرجونها إلى المرعى بالغداة
7. ( وتحمل أثقالكم ) أحماالكم ( إلى بلد لم تكونوا بالغيه ) واصلين إليه على غير الإبل ( إلا بشق الأنفس ) بجهدها ( إن ربكم لرؤوف رحيم ) بكم حيث خلقها لكم
8. وخلق ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ) مفعول له والتعليل بهما بتعريف النعم لا ينافي خلقها لغير ذلك كالأكل في الخيل الثابت بحديث الصحيحين ( ويخلق ما لا تعلمون ) من الأشياء العجيبة الغريبة
9. ( وعلى الله قصد السبيل ) أي بيان الطريق المستقيم ( ومنها ) أي السبيل ( جائر ) حائد عن الاستقامة ( ولو شاء ) هدايتكم ( لهداكم ) إلى قصد السبيل ( أجمعين ) فتهتدون إليه باختيار منكم
10. ( هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ) تشربونه ( ومنه شجر ) ينبت بسببه ( فيه تسيمون ) ترعون دوابكم
11. ( ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك ) المذكور ( لآية ) دالة على وحدانيته تعالى ( لقوم يتفكرون ) في صنعه فيؤمنون
12. ( وسخر لكم الليل والنهار والشمس ) بالنصب عطفا على ما قبله والرفع مبتدأ ( والقمر والنجوم ) بالوجهين ( مسخرات ) بالنصب حال والرفع خبر ( بأمره ) بإرادته ( إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) يتدبرون
13. وسخر لكم ( وما ذرأ ) خلق ( لكم في الأرض ) من الحيوان والنبات وغير ذلك ( مختلفا ألوانه ) كأحمر وأصفر وأخضر وغيرها ( إن في ذلك لآية لقوم يذكرون ) يتعظون
14. ( وهو الذي سخر البحر ) ذلله لركوبه والغوص فيه ( لتأكلوا منه لحما طريا ) هو السمك ( وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ) هي اللؤلؤ والمرجان ( وترى ) تبصر ( الفلك ) السفن ( مواخر فيه ) تمخر الماء أي تشقه بجريها فيه مقبلة ومدبرة بريح واحدة ( ولتبتغوا ) عطف على لتأكلوا تطلبوا ( من فضله ) تعالى بالتجارة ( ولعلكم تشكرون ) الله على ذلك
15. ( وألقى في الأرض رواسي ) جبالا ثوابت ( أن ) لا ( تميد ) تتحرك ( بكم ) جعل فيها ( وأنهارا ) كالنيل ( وسبلا ) طرقا ( لعلكم تهتدون ) إلى مقاصدكم
16. ( وعلامات ) تستدلون بها على الطرق كالجبال بالنهار ( وبالنجم ) بمعنى النجوم ( هم يهتدون ) إلى الطرق والقبلة بالليل
17. ( أفمن يخلق ) وهو الله ( كمن لا يخلق ) وهو الأصنام حيث تشركونها معه في العبادة لا ( أفلا تذكرون ) هذا فتؤمنوا
18. ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) تضبطوها فضلا أن تطيقوا شكرها ( إن الله لغفور رحيم ) حيث ينعم عليكم مع تقصيركم وعصيانكم
19. ( والله يعلم ما تسرون وما تعلنون )
20. ( والذين يدعون ) بالتاء والياء تعبدون ( من دون الله ) وهم الأصنام ( لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ) يصورون من الحجارة وغيرها
21. ( أموات ) لا روح فيهم خبر ثان ( غير أحياء ) تأكيد ( وما يشعرون ) أي الأصنام ( أيان ) وقت ( يبعثون ) أي الخلق فكيف يعبدون إذ لا يكون إلها إلا الخالق الحي العالم بالغيب
22. ( إلهكم ) المستحق للعبادة منكم ( إله واحد ) لا نظير له في ذاته ولا في صفاته وهو الله تعالى ( فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة ) جاحدة للوحدانية ( وهم مستكبرون ) متكبرون عن الإيمان بها
23. ( لا جرم ) حقا ( أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ) فيجازيهم بذلك ( إنه لا يحب المستكبرين ) بمعنى أنه يعاقبهم
24. ونزل في النضر بن الحرث ( وإذا قيل لهم ماذا ) استفهامية موصولة ( أنزل ربكم ) على محمد ( قالوا ) هو ( أساطير ) أكاذيب ( الأولين ) إضلالا للناس
25. ( ليحملوا ) في عاقبة الأمر ( أوزارهم ) ذنوبهم ( كاملة ) لم يكفر منها شيء ( يوم القيامة ومن ) بعض ( أوزار الذين يضلونهم بغير علم ) لأنهم دعوهم إلى الضلال فاتبعوهم فاشتركوا في الإثم ( ألا ساء ) بئس ( ما يزرون ) يحملونه حملهم هذا
26. ( قد مكر الذين من قبلهم ) وهو نمروذ بنى صرحا طويلا ليصعد منه إلى السماء ليقاتل أهلها ( فأتى الله ) قصد ( بنيانهم من القواعد ) الأساس فأرسل عليه الريح والزلزلة فهدمته ( فخر عليهم السقف من فوقهم ) أي وهم تحته ( وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ) من جهة لا تخطر ببالهم وقيل هذا تمثيل لإفساد ما أبرموه من المكر بالرسل
27. ( ثم يوم القيامة يخزيهم ) يذلهم ( ويقول ) الله لهم على لسان الملائكة توبيخا ( أين شركائي ) بزعمكم ( الذين كنتم تشاقون ) تخالفون المؤمنين ( فيهم ) في شأنهم ( قال ) أي يقول ( الذين أوتوا العلم ) من الأنبياء والمؤمنين ( إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين ) يقولونه شماتة بهم
28. ( الذين تتوفاهم ) بالتاء والياء ( الملائكة ظالمي أنفسهم ) بالكفر ( فألقوا السلم ) انقادوا واستسلموا عند الموت قائلين ( ما كنا نعمل من سوء ) شرك فتقول الملائكة ( بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون ) فيجازيكم به
29. ويقال لهم ( فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى ) مأوى ( المتكبرين )
30. ( وقيل للذين اتقوا ) الشرك ( ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا ) بالإيمان ( في هذه الدنيا حسنة ) حياة طيبة ( ولدار الآخرة ) أي الجنة ( خير ) من الدنيا وما فيها قال تعالى فيها ( ولنعم دار المتقين ) هي
31. ( جنات عدن ) إقامة مبتدأ خبره ( يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاؤون كذلك ) الجزاء ( يجزي الله المتقين )
32. ( الذين ) نعت ( تتوفاهم الملائكة طيبين ) طاهرين من الكفر ( يقولون ) لهم عند الموت ( سلام عليكم ) ويقال لهم في الآخرة ( ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون )
33. ( هل ) ما ( ينظرون ) ينتظر الكفار ( إلا أن تأتيهم ) بالتاء والياء ( الملائكة ) لقبض أرواحهم ( أو يأتي أمر ربك ) العذاب أو القيامة المشتملة عليه ( كذلك ) كما فعل هؤلاء ( فعل الذين من قبلهم ) من الأمم كذبوا رسلهم فاهلكوا ( وما ظلمهم الله ) بإهلاكهم بغير ذنب ( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) بالكفر
34. ( فأصابهم سيئات ما عملوا ) أي جزاؤها ( وحاق ) نزل ( بهم ما كانوا به يستهزئون ) أي العذاب
35. ( وقال الذين أشركوا ) من أهل مكة ( لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء ) من البحائر والسوائب فإشراكنا وتحريمنا بمشيئته فهو راض به قال تعالى ( كذلك فعل الذين من قبلهم ) أي كذبوا رسلهم فيما جاؤا به ( فهل ) فما ( على الرسل إلا البلاغ المبين ) الإبلاغ البين وليس عليهم الهداية
36. ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا ) كما بعثناك في هؤلاء ( أن ) أي بأن ( اعبدوا الله ) وحدوه ( واجتنبوا الطاغوت ) الأوثان أن تعبدوها ( فمنهم من هدى الله ) فآمن ( ومنهم من حقت ) وجبت ( عليه الضلالة ) في علم الله فلم يؤمن ( فسيروا ) يا كفار مكة ( في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) رسلهم من الهلاك
37. ( إن تحرص ) يا محمد ( على هداهم ) وقد أضلهم الله لا تقدر على ذلك ( فإن الله لا يهدي ) بالبناء للمفعول وللفاعل ( من يضل ) من يريد إضلاله ( وما لهم من ناصرين ) ما نعين من عذاب الله
38. ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم ) أي غاية اجتهادهم فيها ( لا يبعث الله من يموت ) قال تعالى ( بلى ) يبعثهم ( وعدا عليه حقا ) مصدران مؤكدان منصوبان بفعلهما المقدر أي وعد ذلك وحقه حقا ( ولكن أكثر الناس ) أي أهل مكة ( لا يعلمون ) ذلك
39. ( ليبين ) متعلق بيبعثهم المقدر ( لهم الذي يختلفون ) مع المؤمنين ( فيه ) من أمر الدين بتعذيبهم وإثابة المؤمنين ( وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين ) في إنكار البعث
40. ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه ) أي أردنا إيجاده وقولنا مبتدأ خبره ( أن نقول له كن فيكون ) أي فهو يكون وفي قراءة بالنصب عطفا على نقول والآية لتقرير القدرة على البعث
41. ( والذين هاجروا في الله ) لإقامة دينه ( من بعد ما ظلموا ) بالأذى من أهل مكة وهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ( لنبوئنهم ) ننزلهم ( في الدنيا ) دارا ( حسنة ) هي المدينة ( ولأجر الآخرة ) أي الجنة ( أكبر ) أعظم ( لو كانوا يعلمون ) أي الكفار أو المتخلفون عن الهجرة ما للمهاجرين من الكرامة لوافقوهم
42. هم ( الذين صبروا ) على أذى المشركين والهجرة لإظهار الدين ( وعلى ربهم يتوكلون ) فيرزقهم من حيث لا يحتسبون
43. ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ) لا ملائكة ( فاسألوا أهل الذكر ) العلماء بالتوراة والإنجيل ( إن كنتم لا تعلمون ) ذلك فإنهم يعلمونه وأنتم إلى تصديقهم أقرب من تصديق المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم
44. ( بالبينات ) متعلق بمحذوف فأي أرسلناهم بالحجج الواضحة ( والزبر ) الكتب ( وأنزلنا إليك الذكر ) القرآن ( لتبين للناس ما نزل إليهم ) فيه من الحلال والحرام ( ولعلهم يتفكرون ) في ذلك فيعتبروا
45. ( أفأمن الذين مكروا ) المكرات ( السيئات ) بالنبي صلى الله عليه وسلم في دار الندوة من تقييده أو قتله أو إخراجه كما ذكر في الأنفال ( أن يخسف الله بهم الأرض ) كقارون ( أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون ) أي من جهة لا تخطر ببالهم وقد اهلكوا ببدر ولم يكونوا يقدرون ذلك
46. ( أو يأخذهم في تقلبهم ) في أسفارهم للتجارة ( فما هم بمعجزين ) بفائتين العذاب
47. ( أو يأخذهم على تخوف ) تنقص شيئا فشيئا حتى يهلك الجميع حال من الفاعل أو المفعول ( فإن ربكم لرؤوف رحيم ) حيث لم يعاجلهم بالعقوبة
48. ( أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ) له ظل كشجرة وجبل ( ظلاله ) تتميل ( عن اليمين والشمائل سجدا ) جمع شمال أي عن جانبيهما أول النهار وآخره ( لله وهم ) حال أي خاضعين له بما يراد منهم ( داخرون ) الظلال ( ولله ) صاغرون نزلوا منزلة العقلاء
49. ( ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة ) أي نسمة تدب عليها أي تخضع له بما يراد منها وغلب في الإتيان بما ما لا يعقل لكثرته ( والملائكة ) خصهم بالذكر تفضيلا ( وهم لا يستكبرون ) يتكبرون عن عبادته
50. ( يخافون ) أي الملائكة حال من ضمير يستكبرون ( ربهم من فوقهم ) حال من هم أي عاليا عليهم بالقهر ( ويفعلون ما يؤمرون ) به
51. ( وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين ) تأكيد ( إنما هو إله واحد ) أتى به لاثبات الإلاهية والوحدانية ( فإياي فارهبون ) خافون دون غيري وفيه التفات عن الغيبة
52. ( وله ما في السماوات والأرض ) ملكا وخلقا وعبيدا ( وله الدين ) الطاعة ( واصبا ) دائما حال من الدين والعامل فيه معنى الظرف ( أفغير الله تتقون ) وهو الإله الحق ولا إله غيره والاستفهام للانكار والتوبيخ
53. ( وما بكم من نعمة فمن الله ) لا يأتي بها غيره وما شرطية أو موصولة ( ثم إذا مسكم ) أصابكم ( الضر ) الفقر والمرض ( فإليه تجأرون ) ترفعون أصواتكم بالاستغاثة والدعاء ولا تدعون غيره
54. ( ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون )
55. ( ليكفروا بما آتيناهم ) من النعمة ( فتمتعوا ) باجتماعكم على عبادة الأصنام أمر تهديد ( فسوف تعلمون ) عاقبة ذلك
56. ( ويجعلون ) أي المشركون ( لما لا يعلمون ) أنها تضر ولا تنفع وهي الأصنام ( نصيبا مما رزقناهم ) من الحرث والأنعام بقولهم هذا لله وهذا لشركائنا ( تالله لتسألن ) سؤال توبيخ وفيه التفات عن الغيبة ( عما كنتم تفترون ) على الله من أنه أمركم بذلك
57. ( ويجعلون لله البنات ) بقولهم الملائكة بنات الله ( سبحانه ) تنزيها له عما زعموا ( ولهم ما يشتهون ) أي البنون والجملة في محا رفع أو نصب بيجعلون المعنى يجعلون له البنات التي يكرهونها وهو منزه عن الولد ويجعلون لهم الأبناء الذين يختارونهم فيختصون بالأسنى كقوله فاستفتهم إلربكك البنات ولهم البنون
58. ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ) تولد له ( ظل ) صار ( وجهه مسودا ) متغيرا تغير مغتم ( وهو كظيم ) ممتلئ غما فكيف ينسب البنات إليه تعالى
59. ( يتوارى ) يختفي ( من القوم ) أي قومه ( من سوء ما بشر به ) خوفا من التعيير مترددا فيما يفعل به ( أيمسكه ) يتركه بلا قتل ( على هون ) هوان وذل ( أم يدسه في التراب ) بأن يئده ( ألا ساء ) بئس ( ما يحكمون ) حكمهم هذا حيث نسبوا لخالقهم البنات اللاتي هن عندهم بهذا المحل
60. ( للذين لا يؤمنون بالآخرة ) أي الكفار ( مثل السوء ) أي الصفة السوآى بمعنى القبيحة وهي وأدهم البنات مع احتياجهم إليهن للنكاح ( ولله المثل الأعلى ) الصفة العليا وهو أنه لا إله إلا هو ( وهو العزيز ) في ملكه ( الحكيم ) في خلقه
61. ( ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ) بالمعاصي ( ما ترك عليها ) أي الأرض ( من دابة ) نسمة تدب عليها ( ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ) عنه ( ساعة ولا يستقدمون ) عليه
62. ( ويجعلون لله ما يكرهون ) لأنفسهم من البنات والشريك في الرياسة وإهانة الرسل ( وتصف ) تقول ( ألسنتهم ) مع ذلك ( الكذب ) وهو ( أن لهم الحسنى ) عند الله أي الجنة لقوله ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى قال تعالى ( لا جرم ) حقا ( أن لهم النار وأنهم مفرطون ) متروكون فيها أو مقدمون إليها وفي قراءة بكسر الراء أي متجاوزين الحد
63. ( تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك ) رسلا ( فزين لهم الشيطان أعمالهم ) السيئة فرأوها حسنة فكذبوا الرسل ( فهو وليهم ) متولي امورهم ( اليوم ) أي في الدنيا ( ولهم عذاب أليم ) مؤلم في الآخرة وقيل المراد باليوم يوم القيامة على حكاية الحال الآتية أي لا ولي لهم غيره وهو عاجز عن نصر نفسه فكيف ينصرهم
64. ( وما أنزلنا عليك ) يا محمد ( الكتاب ) القرآن ( إلا لتبين لهم ) للناس ( الذي اختلفوا فيه ) من أمر الدين ( وهدى ) عطف على لتبين ( ورحمة لقوم يؤمنون ) به
65. ( والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض ) بالنبات ( بعد موتها ) يبسها ( إن في ذلك ) المذكور ( لآية ) دالة على البعث ( لقوم يسمعون ) سماع تدبر
66. ( وإن لكم في الأنعام لعبرة ) اعتبارا ( نسقيكم ) بيان للعبرة ( مما في بطونه ) أي الأنعام ( من ) للابتداء متعلقة بنسقيكم ( بين فرث ) ثفل الكرش ( ودم لبنا خالصا ) لا يشوبه شيء من الفرث والدم من طعم أو ريح أو لون وهو بينهما ( سائغا للشاربين ) سهل المرور في حلقهم لا يغص به
67. ( ومن ثمرات النخيل والأعناب ) ثمر ( تتخذون منه سكرا ) خمرا يسكر سميت بالمصدر وهذا قبل تحريمها ( ورزقا حسنا ) كالتمر والزبيب والخل والدبس ( إن في ذلك ) المذكور ( لآية ) دالة على قدرة الله تعالى ( لقوم يعقلون ) يتدبرون
68. ( وأوحى ربك إلى النحل ) وحي إلهام ( أن ) مفسرة أو مصدرية ( اتخذي من الجبال بيوتا ) تأوين إليها ( ومن الشجر ) بيوتا ( ومما يعرشون ) أي الناس يبنون لك من الأماكن وإلا لم تأو إليها
69. ( ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي ) ادخلي ( سبل ربك ) طرقه من طلب المرعى ( ذللا ) جمع ذلول حال من السبل أي مسخرة لك فلا تعسر عليك وإن توعرت ولا تضلي عن العود منها وإن بعدت وقيل من الضمير في اسلكي أي منقادة لما يراد منك ( يخرج من بطونها شراب ) هو العسل ( مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ) من الأوجاع قيل لبعضها كمادل عليه هتنكير شفاء أو لكلها بضميمته إلى غيره أقول وبدونها بنيته وقد أمر به صلى الله عليه وسلم من استطلق عليه بطنه رواه الشيخان ( إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ) في صنعه تعالى
70. ( والله خلقكم ) ولم تكونوا شيئا ( ثم يتوفاكم ) عند انقضاء آجالكم ( ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ) أي أخسه من الهرم والخرف ( لكي لا يعلم بعد علم ) قال عكرمة من قرأ القرآن لم يصر بهذه الحالة ( شيئا إن الله ) بتدبير خلقه ( عليم ) على ما يريده
71. ( والله فضل بعضكم على بعض في الرزق ) فمنكم غني وفقير ومالك ومملوك ( فما الذين فضلوا ) أي الموالي ( برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم ) أي بجاعلي ما رزقناهم من الأموال وغيرها شركة بينهم وبين مماليكم ( فهم ) أي المماليك والموالي ( فيه سواء ) شركاء والمعنى ليس لهم شركاء من مماليكهم في أموالهم فكيف يجعلون بعض مماليك الله شركاء له ( أفبنعمة الله يجحدون ) يكفرون حيث يجعلون له شركاء
72. ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ) فخلق حواء من ضلع آدم وسائر النساء من نطف الرجال والنساء ( وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ) أولاد ددالأولاد ( ورزقكم من الطيبات ) من أنواع الثمار والحبوب والحيوان ( أفبالباطل ) الصنم ( يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون ) بإشراكهم
73. ( ويعبدون من دون الله ) أي غيره ( ما لا يملك لهم رزقا من السماوات ) بالمطر ( والأرض ) بالنبات ( شيئا ) بدل من رزقا ( ولا يستطيعون ) يقدرون على شيء وهم الأصنام
74. ( فلا تضربوا لله الأمثال ) لا تجعلوا لله أشباها تشركونهم به ( إن الله يعلم ) أن لا مثل له ( وأنتم لا تعلمون ) ذلك
75. ( ضرب الله مثلا ) ويبدل منه ( عبدا مملوكا ) صفة تميزه همن الحر فإنه عبد الله ( لا يقدر على شيء ) لعدم ملكه ( ومن ) نكرة موصوفة أي حرا ( رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا ) أي يتصرف به كيف يشاء والأول مثل الأصنام والثاني مثله تعالى ( هل يستوون ) أي العبيد العجزة والحر المتصرف لا ( الحمد لله ) وحده ( بل أكثرهم ) أي أهل مكة ( لا يعلمون ) ما يصيرون إلأيه من العذاب فيشركون
76. ( وضرب الله مثلا ) ويبدل منه ( رجلين أحدهما أبكم ) ولد أخرس ( لا يقدر على شيء ) لأنه لا يفهم ولا يفهم ( وهو كل ) ثقيل ( على مولاه ) ولي أمره ( أينما يوجهه لا ) يصرفه ( يأت بخير ) منه ( هل ) بنجح وهذا مثل الكافر ( يستوي هو ومن ) الأبكم المذكور ( يأمر بالعدل وهو ) أي ومن هو ناطق نافع للناس حيث يأمر به ويحث عليه ( على صراط مستقيم ) طريق ( ولله ) وهو الثاني المؤمن لا وقيل هذا مثل لله والأبكم للأصنام والذي قبله مثل الكافر والمؤمن
77. ( ولله غيب السماوات والأرض ) أي علم ما غاب فيهما ( وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب ) منه لأنه بلفظ كن فيكون ( إن الله على كل شيء قدير )
78. ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا ) الجملة حال ( وجعل لكم السمع ) بمعنى الأسماع ( والأبصار والأفئدة ) القلوب ( لعلكم تشكرون ) على ذلك فتؤمنوا
79. ( ألم يروا إلى الطير مسخرات ) مذللات للطيران ( في جو السماء ) أي الهواء بين السماء والارض ( ما يمسكهن ) عند قبض أجنحتهن أو بسطها أن يقعن ( إلا الله ) بقدرته ( إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ) هي خلقها بحيث يمكنها الطيران وخلق الجو بحيث يمكن الطيران فيه وإمساكها
80. ( والله جعل لكم من بيوتكم سكنا ) موضعا تسكنون فيه ( وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا ) كالخيام والقباب ( تستخفونها ) للحمل ( يوم ظعنكم ) سفركم ( ويوم إقامتكم ومن أصوافها ) أي الغنم ( وأوبارها ) أي الإبل ( وأشعارها ) أي المعز ( أثاثا ) متاعا لبيوتكم كبسط وأكسية ( ومتاعا ) تتمتعون به ( إلى حين ) تبلى فيه
81. ( والله جعل لكم مما خلق ) من البيوت والشجر والغمام ( ظلالا ) جمع ظل تقيكم حر الشمس ( وجعل لكم من الجبال أكنانا ) جمع كن وهو ما يستكن فيه كالغار والسرب ( وجعل لكم سرابيل ) قمصا ( تقيكم الحر ) أي والبرد ( وسرابيل تقيكم بأسكم ) حربكم أي الطعن والضرب فيها كالدروع والجواشن ( كذلك ) كما خلق هذه الأشياء ( يتم نعمته ) في الدنيا ( عليكم ) بخلق ما تحتاجون إليه ( لعلكم ) يا أهل مكة ( تسلمون ) توحدونه
82. ( فإن تولوا ) أعرضوا عن الإسلام ( فإنما عليك ) يا محمد ( البلاغ المبين ) الإبلاغ البين وهذا قبل الأمر بالقتال
83. ( يعرفون نعمة الله ) أي يقرون بأنها من عنده ( ثم ينكرونها ) بإشراكهم ( وأكثرهم الكافرون )
84. واذكر ( ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ) وهو نبيها يشهد لها وعليها وهو يوم القيامة ( ثم لا يؤذن للذين كفروا ) في الاعتذار ( ولا هم يستعتبون ) لا يطلب منهم العتبى أي الرجوع إلى ما يرضي الله
85. ( وإذا رأى الذين ظلموا ) كفروا ( العذاب ) النار ( فلا يخفف عنهم ) العذاب ( ولا هم ينظرون ) يمهلون عنه إذا رأوه
86. ( وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم ) من الشياطين وغيرها ( قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا ) نعبدهم ( من دونك فألقوا إليهم القول ) أي قالوا لهم ( إنكم لكاذبون ) في قولكم إنكم عبدتمونا كما في آية أخرى ما كانوا إيانا يعبدون سيكفرون بعبادتهم
87. ( وألقوا إلى الله يومئذ السلم ) أي استسلموا لحكمه ( وضل ) غاب ( عنهم ما كانوا يفترون ) من أن آلهتهم تشفع لهم
88. ( الذين كفروا وصدوا ) الناس ( عن سبيل الله ) دينه ( زدناهم عذابا فوق العذاب ) الذي استحقوه بكفرهم قال ابن مسعود عقارب أنيابها كالنخل الطوال ( بما كانوا يفسدون ) بصدهم الناس عن الإيمان
89. واذكر ( ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم ) هو نبيهم ( وجئنا بك ) يا محمد ( شهيدا على هؤلاء ) أي قومك ( ونزلنا عليك الكتاب ) القرآن ( تبيانا ) بيانا ( لكل شيء ) يحتاج إليه الناس من أمر الشريعة ( وهدى ) من الضلالة ( ورحمة وبشرى ) بالجنة ( للمسلمين ) الموحدين
90. ( إن الله يأمر بالعدل ) التوحيد أو الإنصاف ( والإحسان ) أداء الفرائض أو أن تعبد الله كأنك تراه كما في الحديث ( وإيتاء ) إعطاء ( ذي القربى ) القرابة خصه بالذكر اهتماما به ( وينهى عن الفحشاء ) الزنا ( والمنكر ) شرعا من الكفر والمعاصي ( والبغي ) الظلم للناس خصه بالذكر اهتماما كما بدأ بالفحشاء كذلك ( يعظكم ) بالأمر والنهي ( لعلكم تذكرون ) تتعظون فيه إدغام التاء في الأصل في الذال وفي المستدرك عن ابن مسعود وهذه آية في القرآن للخير والشر
91. ( وأوفوا بعهد الله ) من البيع والأيمان وغيرها ( إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ) توثيقها ( وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ) بالوفاء حيث حلفتم به والجملة حال ( إن الله يعلم ما تفعلون ) تهديد لهم
92. ( ولا تكونوا كالتي نقضت ) أفسدت ( غزلها ) ما غزلته ( من بعد قوة ) إحكام له وبرم ( أنكاثا ) حال جمع نكث وهو ما ينكث أي يحل إحكامه وهي امرأة حمقاء من مكة كانت تغزل طول يومها ثم تنقضه ( تتخذون ) حال من ضمير تكونوا أي لا تكونوا مثلها في اتخاذكم ( أيمانكم دخلا ) هو ما يدخل في الشيء وليس منه أي فسادا وخديعة ( بينكم ) بأن تنقضوها ( أن ) أي لأن ( تكون أمة ) جماعة ( هي أربى ) أكثر ( من أمة ) وكانوا يحالفون الحلفاء فإذا وجدوا أكثر منهم وأعز نقضوا حلف اولئك وحالفوهم ( إنما يبلوكم ) يختبركم ( الله به ) أي بما أمر به من الوفاء بالعهد لينظر المطيع منكم والعاصي أو بكون امة أربى لينظر أتفون أم لا ( وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ) في الدنيا من أمر العهد وغيره بأن يعذب الناكث ويثيب الوافي
93. ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ) أهل دين واحد ( ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن ) يوم القيامة سؤال تبكيت ( عما كنتم تعملون ) لتجازوا عليه
94. ( ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم ) كرره تأكيدا ( فتزل قدم ) أي أقدامكم عن محجة الإسلام ( بعد ثبوتها ) استقامتها عليها ( وتذوقوا السوء ) أي العذاب ( بما صددتم عن سبيل الله ) أي بصدكم عن الوفاء بالعهد أو بصدكم غيركم عنه لأنه يستن بكم ( ولكم عذاب عظيم ) في الآخرة
95. ( ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا ) من الدنيا بأن تنقضوه لأجله ( إنما عند الله ) من الثواب ( هو خير لكم ) مما في الدنيا ( إن كنتم تعلمون ) ذلك فلا تنقضوا
96. ( ما عندكم ) من الدنيا ( ينفد ) يفنى ( وما عند الله باق ) دائم ( ولنجزين ) بالياء والنون ( الذين صبروا ) على الوفاء بالعهود ( أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) أحسن بمعنى حسن
97. ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ) قيل هي حياة الجنة وقيل في الدنيا بالقناعة أو الرزق الحلال ( ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون )
98. ( فإذا قرأت القرآن ) أي أردت قراءته ( فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) أي قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
99. ( إنه ليس له سلطان ) تسلط ( على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون )
100. ( إنما سلطانه على الذين يتولونه ) بطاعته ( والذين هم به ) أي الله ( مشركون )
101. ( وإذا بدلنا آية مكان آية ) بنسخها وإنزال غيرها لمصلحة العباد ( والله أعلم بما ينزل قالوا ) أي الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم ( إنما أنت مفتر ) كذاب تقوله من عندك ( بل أكثرهم لا يعلمون ) حقيقة القرآن وفائدة النسخ
102. ( قل ) لهم ( نزله روح القدس ) جبريل ( من ربك بالحق ) متعلق بنزل ( ليثبت الذين آمنوا ) بإيمانهم به ( وهدى وبشرى للمسلمين )
103. ( ولقد ) للتحقيق ( نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه ) القرآن ( بشر ) وهو قين نصراني كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل عليه قال تعالى ( لسان ) لغة ( الذي يلحدون ) يميلون ( إليه ) أنه يعلمه ( أعجمي وهذا ) القرآن ( لسان عربي مبين ) ذو بيان وفصاحة فكيف يعلمه أعجمي
104. ( إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم ) مؤلم
105. ( إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله ) القرآن بقولهم هذا من قول البشر ( وأولئك هم الكاذبون ) والتأكيد بالتكرار وما بعدها رد لقولهم إنما أنت مفتر
106. ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره ) على التلفظ بالكفر فتلفظ به ( وقلبه مطمئن بالإيمان ) ومن مبتدأ أو شرطية والخبر أو الجواب لهم وعيد شديد دل على هذا ( ولكن من شرح بالكفر صدرا ) له أي فتحه ووسعه بمعنى طابت له نفسه ( فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم )
107. ( ذلك ) الوعيد لهم ( بأنهم استحبوا الحياة الدنيا ) اختاروها ( على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين )
108. ( أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون ) عما يراد بهم
109. ( لا جرم ) حقا ( أنهم في الآخرة هم الخاسرون ) لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم
110. ( ثم إن ربك للذين هاجروا ) إلى المدينة ( من بعد ما فتنوا ) عذبوا وتلفظوا بالكفر وفي قراءة بالبناء للفاعل أي كفروا أو فتنوا الناس عن الإيمان ( ثم جاهدوا وصبروا ) على الطاعة ( إن ربك من بعدها ) أي الفتنة ( لغفور ) لهم ( رحيم ) بهم وخبر إن الأولى دل عليه خبر الثانية
111. اذكر ( يوم تأتي كل نفس تجادل ) تحاج ( عن نفسها ) لا يهمها غيرها وهو يوم القيامة ( وتوفى كل نفس ) جزاء ( ما عملت وهم لا يظلمون ) شيئا
112. ( وضرب الله مثلا ) ويبدل منه ( قرية ) هي مكة والمراد اهلها ( كانت آمنة ) من الغارات لا تهاج ( مطمئنة ) لا يحتاج إلى الانتقال عنها لضيق أو خوف ( يأتيها رزقها رغدا ) واسعا ( من كل مكان فكفرت بأنعم الله ) بتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم ( فأذاقها الله لباس الجوع ) فقحطوا سبع سنين ( والخوف ) بسرايا النبي صلى الله عليه وسلم ( بما كانوا يصنعون )
113. ( ولقد جاءهم رسول منهم ) محمد صلى الله عليه وسلم ( فكذبوه فأخذهم العذاب ) الجوع والخوف ( وهم ظالمون )
114. ( فكلوا ) أيها المؤمنون ( مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون )
115. ( إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم )
116. ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم ) أي لوصف ألسنتكم ( الكذب هذا حلال وهذا حرام ) لما لم يحله الله ولم يحرمه ( لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون )
117. لهم ( متاع قليل ) في الدنيا ( ولهم ) في الآخرة ( عذاب أليم ) مؤلم
118. ( وعلى الذين هادوا ) أي اليهود ( حرمنا ما قصصنا عليك من قبل ) في آية وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر إلى آخرها ( وما ظلمناهم ) بتحريم ذلك ( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) بارتكاب المعاصي الموجبة لذلك
119. ( ثم إن ربك للذين عملوا السوء ) الشرك ( بجهالة ثم تابوا ) رجعوا ( من بعد ذلك وأصلحوا ) عملهم ( إن ربك من بعدها ) أي الجهالة أو التوبة ( لغفور ) لهم ( رحيم ) بهم
120. ( إن إبراهيم كان أمة ) إماما قدوة جامعا لخصال الخير ( قانتا ) مطيعا ( لله حنيفا ) مائلا إلى الدين القيم ( ولم يك من المشركين )
121. ( شاكرا لأنعمه اجتباه ) اصطفاه ( وهداه إلى صراط مستقيم )
122. ( وآتيناه ) فيه التفات عن الغيبة ( في الدنيا حسنة ) هي الثناء الحسن في أهل الأديان ( وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) الذين لهم الدرجات العلى
123. ( ثم أوحينا إليك ) يا محمد ( أن اتبع ملة ) دين ( إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) كرر ردا على زعم اليهود والنصارى أنهم على دينه
124. ( إنما جعل السبت ) فرض تعظيمه ( على الذين اختلفوا فيه ) على نبيهم وهم اليهود وأمروا أن يتفرغوا للعبادة يوم الجمعة فقالوا لا نريده اختاروا السبت فشدد عليهم فيه ( وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) من أمره بأن يثيب الطائع ويعذب العاصي بانتهاك حرمته
125. ( ادع ) الناس يا محمد ( إلى سبيل ربك ) دينه ( بالحكمة ) بالقرآن ( والموعظة الحسنة ) مواعظه أو القول الرقيق ( وجادلهم بالتي ) أي المجادلة التي ( هي أحسن ) الدعاء إلى الله بآياته والدعاء إلى حججه ( إن ربك هو أعلم ) أي عالم ( بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) فيجازيهم وهذا قبل الأمر بالقتال ونزل لما قتل حمزة ومثل به فقال صلى الله عليه وسلم وقد رآه لأمثلن بسبعين منهم مكانك
126. ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم ) عن الانتقام ( لهو ) أي الصبر ( خير للصابرين ) فكف صلى الله عليه وسلم وكفر عن يمينه رواه البزار
127. ( واصبر وما صبرك إلا بالله ) بتوفيقه ( ولا تحزن عليهم ) أي الكفار إن لم يمنوا لحرصك على إيمانهم ( ولا تك في ضيق مما يمكرون ) أي لا تهتم بمكرهم فأنا ناصرك عليهم
128. ( إن الله مع الذين اتقوا ) الكفر والمعاصي ( والذين هم محسنون ) بالطاعة والصبر بالعون والنصر
1. لما استبطأ المشركون العذاب نزل ( أتى أمر الله ) أي الساعة وأتى بصيغة الماضي لتحقق وقوعه أي قرب ( فلا تستعجلوه ) تطلبوه قبل حينه فإنه واقع لا محالة ( سبحانه ) تنزيها له ( وتعالى عما يشركون ) به غيره
2. ( ينزل الملائكة ) أي جبريل ( بالروح ) بالوحي ( من أمره ) بإرادته ( على من يشاء من عباده ) وهم الأنبياء ( أن ) مفسرة ( أنذروا ) خوفوا الكافرين بالعذاب وأعلموهم ( أنه لا إله إلا أنا فاتقون ) خافون
3. ( خلق السماوات والأرض بالحق ) أي محقا ( تعالى عما يشركون ) به من الأصنام
4. ( خلق الإنسان من نطفة ) مني إلى أن صيره قويا شديدا ( فإذا هو خصيم ) شديد الخصومة ( مبين ) بينها في نفي البعث قائلا من يحيي العظام وهي رميم
5. ( والأنعام ) الإبل والبقر والغنم ونصبه بفعل مقدر يفسره ( خلقها لكم ) من جملة الناس ( فيها دفء ) ما تستدفئون به من الأكسية والأردية من أشعارها وأصوافها ( ومنافع ) من النسل والدر والركوب ( ومنها تأكلون ) قدم الظرف للفاصلة
6. ( ولكم فيها جمال ) زينة ( حين تريحون ) تردونها إلى مراحها بالعشي ( وحين تسرحون ) تخرجونها إلى المرعى بالغداة
7. ( وتحمل أثقالكم ) أحماالكم ( إلى بلد لم تكونوا بالغيه ) واصلين إليه على غير الإبل ( إلا بشق الأنفس ) بجهدها ( إن ربكم لرؤوف رحيم ) بكم حيث خلقها لكم
8. وخلق ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ) مفعول له والتعليل بهما بتعريف النعم لا ينافي خلقها لغير ذلك كالأكل في الخيل الثابت بحديث الصحيحين ( ويخلق ما لا تعلمون ) من الأشياء العجيبة الغريبة
9. ( وعلى الله قصد السبيل ) أي بيان الطريق المستقيم ( ومنها ) أي السبيل ( جائر ) حائد عن الاستقامة ( ولو شاء ) هدايتكم ( لهداكم ) إلى قصد السبيل ( أجمعين ) فتهتدون إليه باختيار منكم
10. ( هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ) تشربونه ( ومنه شجر ) ينبت بسببه ( فيه تسيمون ) ترعون دوابكم
11. ( ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك ) المذكور ( لآية ) دالة على وحدانيته تعالى ( لقوم يتفكرون ) في صنعه فيؤمنون
12. ( وسخر لكم الليل والنهار والشمس ) بالنصب عطفا على ما قبله والرفع مبتدأ ( والقمر والنجوم ) بالوجهين ( مسخرات ) بالنصب حال والرفع خبر ( بأمره ) بإرادته ( إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) يتدبرون
13. وسخر لكم ( وما ذرأ ) خلق ( لكم في الأرض ) من الحيوان والنبات وغير ذلك ( مختلفا ألوانه ) كأحمر وأصفر وأخضر وغيرها ( إن في ذلك لآية لقوم يذكرون ) يتعظون
14. ( وهو الذي سخر البحر ) ذلله لركوبه والغوص فيه ( لتأكلوا منه لحما طريا ) هو السمك ( وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ) هي اللؤلؤ والمرجان ( وترى ) تبصر ( الفلك ) السفن ( مواخر فيه ) تمخر الماء أي تشقه بجريها فيه مقبلة ومدبرة بريح واحدة ( ولتبتغوا ) عطف على لتأكلوا تطلبوا ( من فضله ) تعالى بالتجارة ( ولعلكم تشكرون ) الله على ذلك
15. ( وألقى في الأرض رواسي ) جبالا ثوابت ( أن ) لا ( تميد ) تتحرك ( بكم ) جعل فيها ( وأنهارا ) كالنيل ( وسبلا ) طرقا ( لعلكم تهتدون ) إلى مقاصدكم
16. ( وعلامات ) تستدلون بها على الطرق كالجبال بالنهار ( وبالنجم ) بمعنى النجوم ( هم يهتدون ) إلى الطرق والقبلة بالليل
17. ( أفمن يخلق ) وهو الله ( كمن لا يخلق ) وهو الأصنام حيث تشركونها معه في العبادة لا ( أفلا تذكرون ) هذا فتؤمنوا
18. ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) تضبطوها فضلا أن تطيقوا شكرها ( إن الله لغفور رحيم ) حيث ينعم عليكم مع تقصيركم وعصيانكم
19. ( والله يعلم ما تسرون وما تعلنون )
20. ( والذين يدعون ) بالتاء والياء تعبدون ( من دون الله ) وهم الأصنام ( لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ) يصورون من الحجارة وغيرها
21. ( أموات ) لا روح فيهم خبر ثان ( غير أحياء ) تأكيد ( وما يشعرون ) أي الأصنام ( أيان ) وقت ( يبعثون ) أي الخلق فكيف يعبدون إذ لا يكون إلها إلا الخالق الحي العالم بالغيب
22. ( إلهكم ) المستحق للعبادة منكم ( إله واحد ) لا نظير له في ذاته ولا في صفاته وهو الله تعالى ( فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة ) جاحدة للوحدانية ( وهم مستكبرون ) متكبرون عن الإيمان بها
23. ( لا جرم ) حقا ( أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ) فيجازيهم بذلك ( إنه لا يحب المستكبرين ) بمعنى أنه يعاقبهم
24. ونزل في النضر بن الحرث ( وإذا قيل لهم ماذا ) استفهامية موصولة ( أنزل ربكم ) على محمد ( قالوا ) هو ( أساطير ) أكاذيب ( الأولين ) إضلالا للناس
25. ( ليحملوا ) في عاقبة الأمر ( أوزارهم ) ذنوبهم ( كاملة ) لم يكفر منها شيء ( يوم القيامة ومن ) بعض ( أوزار الذين يضلونهم بغير علم ) لأنهم دعوهم إلى الضلال فاتبعوهم فاشتركوا في الإثم ( ألا ساء ) بئس ( ما يزرون ) يحملونه حملهم هذا
26. ( قد مكر الذين من قبلهم ) وهو نمروذ بنى صرحا طويلا ليصعد منه إلى السماء ليقاتل أهلها ( فأتى الله ) قصد ( بنيانهم من القواعد ) الأساس فأرسل عليه الريح والزلزلة فهدمته ( فخر عليهم السقف من فوقهم ) أي وهم تحته ( وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ) من جهة لا تخطر ببالهم وقيل هذا تمثيل لإفساد ما أبرموه من المكر بالرسل
27. ( ثم يوم القيامة يخزيهم ) يذلهم ( ويقول ) الله لهم على لسان الملائكة توبيخا ( أين شركائي ) بزعمكم ( الذين كنتم تشاقون ) تخالفون المؤمنين ( فيهم ) في شأنهم ( قال ) أي يقول ( الذين أوتوا العلم ) من الأنبياء والمؤمنين ( إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين ) يقولونه شماتة بهم
28. ( الذين تتوفاهم ) بالتاء والياء ( الملائكة ظالمي أنفسهم ) بالكفر ( فألقوا السلم ) انقادوا واستسلموا عند الموت قائلين ( ما كنا نعمل من سوء ) شرك فتقول الملائكة ( بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون ) فيجازيكم به
29. ويقال لهم ( فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى ) مأوى ( المتكبرين )
30. ( وقيل للذين اتقوا ) الشرك ( ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا ) بالإيمان ( في هذه الدنيا حسنة ) حياة طيبة ( ولدار الآخرة ) أي الجنة ( خير ) من الدنيا وما فيها قال تعالى فيها ( ولنعم دار المتقين ) هي
31. ( جنات عدن ) إقامة مبتدأ خبره ( يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاؤون كذلك ) الجزاء ( يجزي الله المتقين )
32. ( الذين ) نعت ( تتوفاهم الملائكة طيبين ) طاهرين من الكفر ( يقولون ) لهم عند الموت ( سلام عليكم ) ويقال لهم في الآخرة ( ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون )
33. ( هل ) ما ( ينظرون ) ينتظر الكفار ( إلا أن تأتيهم ) بالتاء والياء ( الملائكة ) لقبض أرواحهم ( أو يأتي أمر ربك ) العذاب أو القيامة المشتملة عليه ( كذلك ) كما فعل هؤلاء ( فعل الذين من قبلهم ) من الأمم كذبوا رسلهم فاهلكوا ( وما ظلمهم الله ) بإهلاكهم بغير ذنب ( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) بالكفر
34. ( فأصابهم سيئات ما عملوا ) أي جزاؤها ( وحاق ) نزل ( بهم ما كانوا به يستهزئون ) أي العذاب
35. ( وقال الذين أشركوا ) من أهل مكة ( لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء ) من البحائر والسوائب فإشراكنا وتحريمنا بمشيئته فهو راض به قال تعالى ( كذلك فعل الذين من قبلهم ) أي كذبوا رسلهم فيما جاؤا به ( فهل ) فما ( على الرسل إلا البلاغ المبين ) الإبلاغ البين وليس عليهم الهداية
36. ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا ) كما بعثناك في هؤلاء ( أن ) أي بأن ( اعبدوا الله ) وحدوه ( واجتنبوا الطاغوت ) الأوثان أن تعبدوها ( فمنهم من هدى الله ) فآمن ( ومنهم من حقت ) وجبت ( عليه الضلالة ) في علم الله فلم يؤمن ( فسيروا ) يا كفار مكة ( في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) رسلهم من الهلاك
37. ( إن تحرص ) يا محمد ( على هداهم ) وقد أضلهم الله لا تقدر على ذلك ( فإن الله لا يهدي ) بالبناء للمفعول وللفاعل ( من يضل ) من يريد إضلاله ( وما لهم من ناصرين ) ما نعين من عذاب الله
38. ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم ) أي غاية اجتهادهم فيها ( لا يبعث الله من يموت ) قال تعالى ( بلى ) يبعثهم ( وعدا عليه حقا ) مصدران مؤكدان منصوبان بفعلهما المقدر أي وعد ذلك وحقه حقا ( ولكن أكثر الناس ) أي أهل مكة ( لا يعلمون ) ذلك
39. ( ليبين ) متعلق بيبعثهم المقدر ( لهم الذي يختلفون ) مع المؤمنين ( فيه ) من أمر الدين بتعذيبهم وإثابة المؤمنين ( وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين ) في إنكار البعث
40. ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه ) أي أردنا إيجاده وقولنا مبتدأ خبره ( أن نقول له كن فيكون ) أي فهو يكون وفي قراءة بالنصب عطفا على نقول والآية لتقرير القدرة على البعث
41. ( والذين هاجروا في الله ) لإقامة دينه ( من بعد ما ظلموا ) بالأذى من أهل مكة وهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ( لنبوئنهم ) ننزلهم ( في الدنيا ) دارا ( حسنة ) هي المدينة ( ولأجر الآخرة ) أي الجنة ( أكبر ) أعظم ( لو كانوا يعلمون ) أي الكفار أو المتخلفون عن الهجرة ما للمهاجرين من الكرامة لوافقوهم
42. هم ( الذين صبروا ) على أذى المشركين والهجرة لإظهار الدين ( وعلى ربهم يتوكلون ) فيرزقهم من حيث لا يحتسبون
43. ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ) لا ملائكة ( فاسألوا أهل الذكر ) العلماء بالتوراة والإنجيل ( إن كنتم لا تعلمون ) ذلك فإنهم يعلمونه وأنتم إلى تصديقهم أقرب من تصديق المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم
44. ( بالبينات ) متعلق بمحذوف فأي أرسلناهم بالحجج الواضحة ( والزبر ) الكتب ( وأنزلنا إليك الذكر ) القرآن ( لتبين للناس ما نزل إليهم ) فيه من الحلال والحرام ( ولعلهم يتفكرون ) في ذلك فيعتبروا
45. ( أفأمن الذين مكروا ) المكرات ( السيئات ) بالنبي صلى الله عليه وسلم في دار الندوة من تقييده أو قتله أو إخراجه كما ذكر في الأنفال ( أن يخسف الله بهم الأرض ) كقارون ( أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون ) أي من جهة لا تخطر ببالهم وقد اهلكوا ببدر ولم يكونوا يقدرون ذلك
46. ( أو يأخذهم في تقلبهم ) في أسفارهم للتجارة ( فما هم بمعجزين ) بفائتين العذاب
47. ( أو يأخذهم على تخوف ) تنقص شيئا فشيئا حتى يهلك الجميع حال من الفاعل أو المفعول ( فإن ربكم لرؤوف رحيم ) حيث لم يعاجلهم بالعقوبة
48. ( أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ) له ظل كشجرة وجبل ( ظلاله ) تتميل ( عن اليمين والشمائل سجدا ) جمع شمال أي عن جانبيهما أول النهار وآخره ( لله وهم ) حال أي خاضعين له بما يراد منهم ( داخرون ) الظلال ( ولله ) صاغرون نزلوا منزلة العقلاء
49. ( ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة ) أي نسمة تدب عليها أي تخضع له بما يراد منها وغلب في الإتيان بما ما لا يعقل لكثرته ( والملائكة ) خصهم بالذكر تفضيلا ( وهم لا يستكبرون ) يتكبرون عن عبادته
50. ( يخافون ) أي الملائكة حال من ضمير يستكبرون ( ربهم من فوقهم ) حال من هم أي عاليا عليهم بالقهر ( ويفعلون ما يؤمرون ) به
51. ( وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين ) تأكيد ( إنما هو إله واحد ) أتى به لاثبات الإلاهية والوحدانية ( فإياي فارهبون ) خافون دون غيري وفيه التفات عن الغيبة
52. ( وله ما في السماوات والأرض ) ملكا وخلقا وعبيدا ( وله الدين ) الطاعة ( واصبا ) دائما حال من الدين والعامل فيه معنى الظرف ( أفغير الله تتقون ) وهو الإله الحق ولا إله غيره والاستفهام للانكار والتوبيخ
53. ( وما بكم من نعمة فمن الله ) لا يأتي بها غيره وما شرطية أو موصولة ( ثم إذا مسكم ) أصابكم ( الضر ) الفقر والمرض ( فإليه تجأرون ) ترفعون أصواتكم بالاستغاثة والدعاء ولا تدعون غيره
54. ( ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون )
55. ( ليكفروا بما آتيناهم ) من النعمة ( فتمتعوا ) باجتماعكم على عبادة الأصنام أمر تهديد ( فسوف تعلمون ) عاقبة ذلك
56. ( ويجعلون ) أي المشركون ( لما لا يعلمون ) أنها تضر ولا تنفع وهي الأصنام ( نصيبا مما رزقناهم ) من الحرث والأنعام بقولهم هذا لله وهذا لشركائنا ( تالله لتسألن ) سؤال توبيخ وفيه التفات عن الغيبة ( عما كنتم تفترون ) على الله من أنه أمركم بذلك
57. ( ويجعلون لله البنات ) بقولهم الملائكة بنات الله ( سبحانه ) تنزيها له عما زعموا ( ولهم ما يشتهون ) أي البنون والجملة في محا رفع أو نصب بيجعلون المعنى يجعلون له البنات التي يكرهونها وهو منزه عن الولد ويجعلون لهم الأبناء الذين يختارونهم فيختصون بالأسنى كقوله فاستفتهم إلربكك البنات ولهم البنون
58. ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ) تولد له ( ظل ) صار ( وجهه مسودا ) متغيرا تغير مغتم ( وهو كظيم ) ممتلئ غما فكيف ينسب البنات إليه تعالى
59. ( يتوارى ) يختفي ( من القوم ) أي قومه ( من سوء ما بشر به ) خوفا من التعيير مترددا فيما يفعل به ( أيمسكه ) يتركه بلا قتل ( على هون ) هوان وذل ( أم يدسه في التراب ) بأن يئده ( ألا ساء ) بئس ( ما يحكمون ) حكمهم هذا حيث نسبوا لخالقهم البنات اللاتي هن عندهم بهذا المحل
60. ( للذين لا يؤمنون بالآخرة ) أي الكفار ( مثل السوء ) أي الصفة السوآى بمعنى القبيحة وهي وأدهم البنات مع احتياجهم إليهن للنكاح ( ولله المثل الأعلى ) الصفة العليا وهو أنه لا إله إلا هو ( وهو العزيز ) في ملكه ( الحكيم ) في خلقه
61. ( ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ) بالمعاصي ( ما ترك عليها ) أي الأرض ( من دابة ) نسمة تدب عليها ( ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ) عنه ( ساعة ولا يستقدمون ) عليه
62. ( ويجعلون لله ما يكرهون ) لأنفسهم من البنات والشريك في الرياسة وإهانة الرسل ( وتصف ) تقول ( ألسنتهم ) مع ذلك ( الكذب ) وهو ( أن لهم الحسنى ) عند الله أي الجنة لقوله ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى قال تعالى ( لا جرم ) حقا ( أن لهم النار وأنهم مفرطون ) متروكون فيها أو مقدمون إليها وفي قراءة بكسر الراء أي متجاوزين الحد
63. ( تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك ) رسلا ( فزين لهم الشيطان أعمالهم ) السيئة فرأوها حسنة فكذبوا الرسل ( فهو وليهم ) متولي امورهم ( اليوم ) أي في الدنيا ( ولهم عذاب أليم ) مؤلم في الآخرة وقيل المراد باليوم يوم القيامة على حكاية الحال الآتية أي لا ولي لهم غيره وهو عاجز عن نصر نفسه فكيف ينصرهم
64. ( وما أنزلنا عليك ) يا محمد ( الكتاب ) القرآن ( إلا لتبين لهم ) للناس ( الذي اختلفوا فيه ) من أمر الدين ( وهدى ) عطف على لتبين ( ورحمة لقوم يؤمنون ) به
65. ( والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض ) بالنبات ( بعد موتها ) يبسها ( إن في ذلك ) المذكور ( لآية ) دالة على البعث ( لقوم يسمعون ) سماع تدبر
66. ( وإن لكم في الأنعام لعبرة ) اعتبارا ( نسقيكم ) بيان للعبرة ( مما في بطونه ) أي الأنعام ( من ) للابتداء متعلقة بنسقيكم ( بين فرث ) ثفل الكرش ( ودم لبنا خالصا ) لا يشوبه شيء من الفرث والدم من طعم أو ريح أو لون وهو بينهما ( سائغا للشاربين ) سهل المرور في حلقهم لا يغص به
67. ( ومن ثمرات النخيل والأعناب ) ثمر ( تتخذون منه سكرا ) خمرا يسكر سميت بالمصدر وهذا قبل تحريمها ( ورزقا حسنا ) كالتمر والزبيب والخل والدبس ( إن في ذلك ) المذكور ( لآية ) دالة على قدرة الله تعالى ( لقوم يعقلون ) يتدبرون
68. ( وأوحى ربك إلى النحل ) وحي إلهام ( أن ) مفسرة أو مصدرية ( اتخذي من الجبال بيوتا ) تأوين إليها ( ومن الشجر ) بيوتا ( ومما يعرشون ) أي الناس يبنون لك من الأماكن وإلا لم تأو إليها
69. ( ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي ) ادخلي ( سبل ربك ) طرقه من طلب المرعى ( ذللا ) جمع ذلول حال من السبل أي مسخرة لك فلا تعسر عليك وإن توعرت ولا تضلي عن العود منها وإن بعدت وقيل من الضمير في اسلكي أي منقادة لما يراد منك ( يخرج من بطونها شراب ) هو العسل ( مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ) من الأوجاع قيل لبعضها كمادل عليه هتنكير شفاء أو لكلها بضميمته إلى غيره أقول وبدونها بنيته وقد أمر به صلى الله عليه وسلم من استطلق عليه بطنه رواه الشيخان ( إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ) في صنعه تعالى
70. ( والله خلقكم ) ولم تكونوا شيئا ( ثم يتوفاكم ) عند انقضاء آجالكم ( ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ) أي أخسه من الهرم والخرف ( لكي لا يعلم بعد علم ) قال عكرمة من قرأ القرآن لم يصر بهذه الحالة ( شيئا إن الله ) بتدبير خلقه ( عليم ) على ما يريده
71. ( والله فضل بعضكم على بعض في الرزق ) فمنكم غني وفقير ومالك ومملوك ( فما الذين فضلوا ) أي الموالي ( برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم ) أي بجاعلي ما رزقناهم من الأموال وغيرها شركة بينهم وبين مماليكم ( فهم ) أي المماليك والموالي ( فيه سواء ) شركاء والمعنى ليس لهم شركاء من مماليكهم في أموالهم فكيف يجعلون بعض مماليك الله شركاء له ( أفبنعمة الله يجحدون ) يكفرون حيث يجعلون له شركاء
72. ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ) فخلق حواء من ضلع آدم وسائر النساء من نطف الرجال والنساء ( وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ) أولاد ددالأولاد ( ورزقكم من الطيبات ) من أنواع الثمار والحبوب والحيوان ( أفبالباطل ) الصنم ( يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون ) بإشراكهم
73. ( ويعبدون من دون الله ) أي غيره ( ما لا يملك لهم رزقا من السماوات ) بالمطر ( والأرض ) بالنبات ( شيئا ) بدل من رزقا ( ولا يستطيعون ) يقدرون على شيء وهم الأصنام
74. ( فلا تضربوا لله الأمثال ) لا تجعلوا لله أشباها تشركونهم به ( إن الله يعلم ) أن لا مثل له ( وأنتم لا تعلمون ) ذلك
75. ( ضرب الله مثلا ) ويبدل منه ( عبدا مملوكا ) صفة تميزه همن الحر فإنه عبد الله ( لا يقدر على شيء ) لعدم ملكه ( ومن ) نكرة موصوفة أي حرا ( رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا ) أي يتصرف به كيف يشاء والأول مثل الأصنام والثاني مثله تعالى ( هل يستوون ) أي العبيد العجزة والحر المتصرف لا ( الحمد لله ) وحده ( بل أكثرهم ) أي أهل مكة ( لا يعلمون ) ما يصيرون إلأيه من العذاب فيشركون
76. ( وضرب الله مثلا ) ويبدل منه ( رجلين أحدهما أبكم ) ولد أخرس ( لا يقدر على شيء ) لأنه لا يفهم ولا يفهم ( وهو كل ) ثقيل ( على مولاه ) ولي أمره ( أينما يوجهه لا ) يصرفه ( يأت بخير ) منه ( هل ) بنجح وهذا مثل الكافر ( يستوي هو ومن ) الأبكم المذكور ( يأمر بالعدل وهو ) أي ومن هو ناطق نافع للناس حيث يأمر به ويحث عليه ( على صراط مستقيم ) طريق ( ولله ) وهو الثاني المؤمن لا وقيل هذا مثل لله والأبكم للأصنام والذي قبله مثل الكافر والمؤمن
77. ( ولله غيب السماوات والأرض ) أي علم ما غاب فيهما ( وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب ) منه لأنه بلفظ كن فيكون ( إن الله على كل شيء قدير )
78. ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا ) الجملة حال ( وجعل لكم السمع ) بمعنى الأسماع ( والأبصار والأفئدة ) القلوب ( لعلكم تشكرون ) على ذلك فتؤمنوا
79. ( ألم يروا إلى الطير مسخرات ) مذللات للطيران ( في جو السماء ) أي الهواء بين السماء والارض ( ما يمسكهن ) عند قبض أجنحتهن أو بسطها أن يقعن ( إلا الله ) بقدرته ( إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ) هي خلقها بحيث يمكنها الطيران وخلق الجو بحيث يمكن الطيران فيه وإمساكها
80. ( والله جعل لكم من بيوتكم سكنا ) موضعا تسكنون فيه ( وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا ) كالخيام والقباب ( تستخفونها ) للحمل ( يوم ظعنكم ) سفركم ( ويوم إقامتكم ومن أصوافها ) أي الغنم ( وأوبارها ) أي الإبل ( وأشعارها ) أي المعز ( أثاثا ) متاعا لبيوتكم كبسط وأكسية ( ومتاعا ) تتمتعون به ( إلى حين ) تبلى فيه
81. ( والله جعل لكم مما خلق ) من البيوت والشجر والغمام ( ظلالا ) جمع ظل تقيكم حر الشمس ( وجعل لكم من الجبال أكنانا ) جمع كن وهو ما يستكن فيه كالغار والسرب ( وجعل لكم سرابيل ) قمصا ( تقيكم الحر ) أي والبرد ( وسرابيل تقيكم بأسكم ) حربكم أي الطعن والضرب فيها كالدروع والجواشن ( كذلك ) كما خلق هذه الأشياء ( يتم نعمته ) في الدنيا ( عليكم ) بخلق ما تحتاجون إليه ( لعلكم ) يا أهل مكة ( تسلمون ) توحدونه
82. ( فإن تولوا ) أعرضوا عن الإسلام ( فإنما عليك ) يا محمد ( البلاغ المبين ) الإبلاغ البين وهذا قبل الأمر بالقتال
83. ( يعرفون نعمة الله ) أي يقرون بأنها من عنده ( ثم ينكرونها ) بإشراكهم ( وأكثرهم الكافرون )
84. واذكر ( ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ) وهو نبيها يشهد لها وعليها وهو يوم القيامة ( ثم لا يؤذن للذين كفروا ) في الاعتذار ( ولا هم يستعتبون ) لا يطلب منهم العتبى أي الرجوع إلى ما يرضي الله
85. ( وإذا رأى الذين ظلموا ) كفروا ( العذاب ) النار ( فلا يخفف عنهم ) العذاب ( ولا هم ينظرون ) يمهلون عنه إذا رأوه
86. ( وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم ) من الشياطين وغيرها ( قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا ) نعبدهم ( من دونك فألقوا إليهم القول ) أي قالوا لهم ( إنكم لكاذبون ) في قولكم إنكم عبدتمونا كما في آية أخرى ما كانوا إيانا يعبدون سيكفرون بعبادتهم
87. ( وألقوا إلى الله يومئذ السلم ) أي استسلموا لحكمه ( وضل ) غاب ( عنهم ما كانوا يفترون ) من أن آلهتهم تشفع لهم
88. ( الذين كفروا وصدوا ) الناس ( عن سبيل الله ) دينه ( زدناهم عذابا فوق العذاب ) الذي استحقوه بكفرهم قال ابن مسعود عقارب أنيابها كالنخل الطوال ( بما كانوا يفسدون ) بصدهم الناس عن الإيمان
89. واذكر ( ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم ) هو نبيهم ( وجئنا بك ) يا محمد ( شهيدا على هؤلاء ) أي قومك ( ونزلنا عليك الكتاب ) القرآن ( تبيانا ) بيانا ( لكل شيء ) يحتاج إليه الناس من أمر الشريعة ( وهدى ) من الضلالة ( ورحمة وبشرى ) بالجنة ( للمسلمين ) الموحدين
90. ( إن الله يأمر بالعدل ) التوحيد أو الإنصاف ( والإحسان ) أداء الفرائض أو أن تعبد الله كأنك تراه كما في الحديث ( وإيتاء ) إعطاء ( ذي القربى ) القرابة خصه بالذكر اهتماما به ( وينهى عن الفحشاء ) الزنا ( والمنكر ) شرعا من الكفر والمعاصي ( والبغي ) الظلم للناس خصه بالذكر اهتماما كما بدأ بالفحشاء كذلك ( يعظكم ) بالأمر والنهي ( لعلكم تذكرون ) تتعظون فيه إدغام التاء في الأصل في الذال وفي المستدرك عن ابن مسعود وهذه آية في القرآن للخير والشر
91. ( وأوفوا بعهد الله ) من البيع والأيمان وغيرها ( إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ) توثيقها ( وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ) بالوفاء حيث حلفتم به والجملة حال ( إن الله يعلم ما تفعلون ) تهديد لهم
92. ( ولا تكونوا كالتي نقضت ) أفسدت ( غزلها ) ما غزلته ( من بعد قوة ) إحكام له وبرم ( أنكاثا ) حال جمع نكث وهو ما ينكث أي يحل إحكامه وهي امرأة حمقاء من مكة كانت تغزل طول يومها ثم تنقضه ( تتخذون ) حال من ضمير تكونوا أي لا تكونوا مثلها في اتخاذكم ( أيمانكم دخلا ) هو ما يدخل في الشيء وليس منه أي فسادا وخديعة ( بينكم ) بأن تنقضوها ( أن ) أي لأن ( تكون أمة ) جماعة ( هي أربى ) أكثر ( من أمة ) وكانوا يحالفون الحلفاء فإذا وجدوا أكثر منهم وأعز نقضوا حلف اولئك وحالفوهم ( إنما يبلوكم ) يختبركم ( الله به ) أي بما أمر به من الوفاء بالعهد لينظر المطيع منكم والعاصي أو بكون امة أربى لينظر أتفون أم لا ( وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ) في الدنيا من أمر العهد وغيره بأن يعذب الناكث ويثيب الوافي
93. ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ) أهل دين واحد ( ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن ) يوم القيامة سؤال تبكيت ( عما كنتم تعملون ) لتجازوا عليه
94. ( ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم ) كرره تأكيدا ( فتزل قدم ) أي أقدامكم عن محجة الإسلام ( بعد ثبوتها ) استقامتها عليها ( وتذوقوا السوء ) أي العذاب ( بما صددتم عن سبيل الله ) أي بصدكم عن الوفاء بالعهد أو بصدكم غيركم عنه لأنه يستن بكم ( ولكم عذاب عظيم ) في الآخرة
95. ( ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا ) من الدنيا بأن تنقضوه لأجله ( إنما عند الله ) من الثواب ( هو خير لكم ) مما في الدنيا ( إن كنتم تعلمون ) ذلك فلا تنقضوا
96. ( ما عندكم ) من الدنيا ( ينفد ) يفنى ( وما عند الله باق ) دائم ( ولنجزين ) بالياء والنون ( الذين صبروا ) على الوفاء بالعهود ( أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) أحسن بمعنى حسن
97. ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ) قيل هي حياة الجنة وقيل في الدنيا بالقناعة أو الرزق الحلال ( ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون )
98. ( فإذا قرأت القرآن ) أي أردت قراءته ( فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) أي قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
99. ( إنه ليس له سلطان ) تسلط ( على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون )
100. ( إنما سلطانه على الذين يتولونه ) بطاعته ( والذين هم به ) أي الله ( مشركون )
101. ( وإذا بدلنا آية مكان آية ) بنسخها وإنزال غيرها لمصلحة العباد ( والله أعلم بما ينزل قالوا ) أي الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم ( إنما أنت مفتر ) كذاب تقوله من عندك ( بل أكثرهم لا يعلمون ) حقيقة القرآن وفائدة النسخ
102. ( قل ) لهم ( نزله روح القدس ) جبريل ( من ربك بالحق ) متعلق بنزل ( ليثبت الذين آمنوا ) بإيمانهم به ( وهدى وبشرى للمسلمين )
103. ( ولقد ) للتحقيق ( نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه ) القرآن ( بشر ) وهو قين نصراني كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل عليه قال تعالى ( لسان ) لغة ( الذي يلحدون ) يميلون ( إليه ) أنه يعلمه ( أعجمي وهذا ) القرآن ( لسان عربي مبين ) ذو بيان وفصاحة فكيف يعلمه أعجمي
104. ( إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم ) مؤلم
105. ( إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله ) القرآن بقولهم هذا من قول البشر ( وأولئك هم الكاذبون ) والتأكيد بالتكرار وما بعدها رد لقولهم إنما أنت مفتر
106. ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره ) على التلفظ بالكفر فتلفظ به ( وقلبه مطمئن بالإيمان ) ومن مبتدأ أو شرطية والخبر أو الجواب لهم وعيد شديد دل على هذا ( ولكن من شرح بالكفر صدرا ) له أي فتحه ووسعه بمعنى طابت له نفسه ( فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم )
107. ( ذلك ) الوعيد لهم ( بأنهم استحبوا الحياة الدنيا ) اختاروها ( على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين )
108. ( أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون ) عما يراد بهم
109. ( لا جرم ) حقا ( أنهم في الآخرة هم الخاسرون ) لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم
110. ( ثم إن ربك للذين هاجروا ) إلى المدينة ( من بعد ما فتنوا ) عذبوا وتلفظوا بالكفر وفي قراءة بالبناء للفاعل أي كفروا أو فتنوا الناس عن الإيمان ( ثم جاهدوا وصبروا ) على الطاعة ( إن ربك من بعدها ) أي الفتنة ( لغفور ) لهم ( رحيم ) بهم وخبر إن الأولى دل عليه خبر الثانية
111. اذكر ( يوم تأتي كل نفس تجادل ) تحاج ( عن نفسها ) لا يهمها غيرها وهو يوم القيامة ( وتوفى كل نفس ) جزاء ( ما عملت وهم لا يظلمون ) شيئا
112. ( وضرب الله مثلا ) ويبدل منه ( قرية ) هي مكة والمراد اهلها ( كانت آمنة ) من الغارات لا تهاج ( مطمئنة ) لا يحتاج إلى الانتقال عنها لضيق أو خوف ( يأتيها رزقها رغدا ) واسعا ( من كل مكان فكفرت بأنعم الله ) بتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم ( فأذاقها الله لباس الجوع ) فقحطوا سبع سنين ( والخوف ) بسرايا النبي صلى الله عليه وسلم ( بما كانوا يصنعون )
113. ( ولقد جاءهم رسول منهم ) محمد صلى الله عليه وسلم ( فكذبوه فأخذهم العذاب ) الجوع والخوف ( وهم ظالمون )
114. ( فكلوا ) أيها المؤمنون ( مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون )
115. ( إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم )
116. ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم ) أي لوصف ألسنتكم ( الكذب هذا حلال وهذا حرام ) لما لم يحله الله ولم يحرمه ( لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون )
117. لهم ( متاع قليل ) في الدنيا ( ولهم ) في الآخرة ( عذاب أليم ) مؤلم
118. ( وعلى الذين هادوا ) أي اليهود ( حرمنا ما قصصنا عليك من قبل ) في آية وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر إلى آخرها ( وما ظلمناهم ) بتحريم ذلك ( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) بارتكاب المعاصي الموجبة لذلك
119. ( ثم إن ربك للذين عملوا السوء ) الشرك ( بجهالة ثم تابوا ) رجعوا ( من بعد ذلك وأصلحوا ) عملهم ( إن ربك من بعدها ) أي الجهالة أو التوبة ( لغفور ) لهم ( رحيم ) بهم
120. ( إن إبراهيم كان أمة ) إماما قدوة جامعا لخصال الخير ( قانتا ) مطيعا ( لله حنيفا ) مائلا إلى الدين القيم ( ولم يك من المشركين )
121. ( شاكرا لأنعمه اجتباه ) اصطفاه ( وهداه إلى صراط مستقيم )
122. ( وآتيناه ) فيه التفات عن الغيبة ( في الدنيا حسنة ) هي الثناء الحسن في أهل الأديان ( وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) الذين لهم الدرجات العلى
123. ( ثم أوحينا إليك ) يا محمد ( أن اتبع ملة ) دين ( إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) كرر ردا على زعم اليهود والنصارى أنهم على دينه
124. ( إنما جعل السبت ) فرض تعظيمه ( على الذين اختلفوا فيه ) على نبيهم وهم اليهود وأمروا أن يتفرغوا للعبادة يوم الجمعة فقالوا لا نريده اختاروا السبت فشدد عليهم فيه ( وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ) من أمره بأن يثيب الطائع ويعذب العاصي بانتهاك حرمته
125. ( ادع ) الناس يا محمد ( إلى سبيل ربك ) دينه ( بالحكمة ) بالقرآن ( والموعظة الحسنة ) مواعظه أو القول الرقيق ( وجادلهم بالتي ) أي المجادلة التي ( هي أحسن ) الدعاء إلى الله بآياته والدعاء إلى حججه ( إن ربك هو أعلم ) أي عالم ( بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) فيجازيهم وهذا قبل الأمر بالقتال ونزل لما قتل حمزة ومثل به فقال صلى الله عليه وسلم وقد رآه لأمثلن بسبعين منهم مكانك
126. ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم ) عن الانتقام ( لهو ) أي الصبر ( خير للصابرين ) فكف صلى الله عليه وسلم وكفر عن يمينه رواه البزار
127. ( واصبر وما صبرك إلا بالله ) بتوفيقه ( ولا تحزن عليهم ) أي الكفار إن لم يمنوا لحرصك على إيمانهم ( ولا تك في ضيق مما يمكرون ) أي لا تهتم بمكرهم فأنا ناصرك عليهم
128. ( إن الله مع الذين اتقوا ) الكفر والمعاصي ( والذين هم محسنون ) بالطاعة والصبر بالعون والنصر
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
17. سورة الإسراء
1. ( سبحان ) أي تنزيه ( الذي أسرى بعبده ) محمد صلى الله عليه وسلم ( ليلا ) نصب على الظرف والإسراء سير الليل وفائدة ذكره الاشارة بتنكيره إلى تقليل مدته ( من المسجد الحرام ) أي مكة ( إلى المسجد الأقصى ) بيت المقدس لبعده منه ( الذي باركنا حوله ) بالثمار والأنهار ( لنريه من آياتنا ) عجائب قدرتنا ( إنه هو السميع البصير ) أي العالم بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله فأنعم عليه بالإسراء المشتمل على اجتماعه بالأنبياء وعروجه إلى السماء ورؤية عجائب الملكوت ومناجاته له تعالى فإنه صلى الله عليه وسلم
2. قال تعالى ( وآتينا موسى الكتاب ) التوراة ( وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا ) يفوضون إليه أمرهم وفي قراءة تتخذوا بالفوقانية التفاتا فأن زائدة والقول مضمر
3. ( ذرية من حملنا مع نوح ) في السفينة ( إنه كان عبدا شكورا ) كثير الشكر لنا حامدا في جميع احواله
4. ( وقضينا ) أوحينا ( إلى بني إسرائيل في الكتاب ) التوراة ( لتفسدن في الأرض ) أرض الشام بالمعاصي ( مرتين ولتعلن علوا كبيرا ) تبغون بغيا عظيما
5. ( فإذا جاء وعد أولاهما ) اولى مرتي بالفساد ( بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد ) أصحاب قوة في الحرب والبطش ( فجاسوا ) ترددوا لطلبكم ( خلال الديار ) وسط دياركم ليقتلوكم ويسبوكم ( وكان وعدا مفعولا ) وقد أفسدوا الأولى بقتل ذكريا فبعث عليهم جالوت وجنوده فقتلوهم وسبوا أولادهم موخربوا بيت المقدس
6. ( ثم رددنا لكم الكرة ) الدولة والغلبة ( عليهم ) بعد مائة سنة بقتل جالوت ( وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ) عشيرة
7. وقلنا ( إن أحسنتم ) بالطاعة ( أحسنتم لأنفسكم ) لأن ثوابه لها ( وإن أسأتم ) بالفساد ( فلها ) إساءتكم ( فإذا جاء وعد ) المرة ( الآخرة ) بعثناهم ( ليسوؤوا وجوهكم ) يحزنوكم بالقتل والسبي حزنا يظهر في وجوهكم ( وليدخلوا المسجد ) بيت المقدس فيخربوه ( كما دخلوه ) وخربوه ( أول مرة وليتبروا ) يهلكوا ( ما علوا ) غلبوا عليه ( تتبيرا ) هلاكا وقد أفسدوا ثانيا بقتل يحيى فبعث عليهم بختنصر فقتل منهم الوفا وسبى ذريتهم وخرب بيت المقدس
8. وقلنا في الكتاب ( عسى ربكم أن يرحمكم ) بعد المرة الثانية إن تبتم ( وإن عدتم ) إلى الفساد ( عدنا ) الى العقوبة وقد عادوا بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم فسلط عليهم بقتل قريظة ونفي بني النضير وضرب الجزية عليهم ( وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ) محبسا وسجنا
9. ( إن هذا القرآن يهدي للتي ) أي الطريقة التي ( هي أقوم ) أعدل وأصوب ( ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا )
10. ويخبر ( وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا ) أعددنا ( لهم عذابا أليما ) مؤلما هو النار
11. ( ويدع الإنسان بالشر ) على نفسه وأهله إذا ضجر ( دعاءه ) أي كدعائه له ( بالخير وكان الإنسان ) الجنس ( عجولا ) بالدعاء على نفسه وعدم النظر في عاقبته
12. ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) دالتين على قدرتنا ( فمحونا آية الليل ) طمسنا نورها بالظلام لتسكنوا فيه والإضافة للبيان ( وجعلنا آية النهار مبصرة ) أي مبصرا فيها بالضوء ( لتبتغوا ) فيه ( فضلا من ربكم ) بالكسب ( ولتعلموا ) بهما ( عدد السنين والحساب ) للاوقات ( وكل شيء ) يحتاج إليه ( فصلناه تفصيلا ) بيناه تبيينا
13. ( وكل إنسان ألزمناه طائره ) عمله يحمله ( في عنقه ) خص بالذكر لأن اللزوم فيه أشد وقال مجاهد ما من مولود يولد إلا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد ( ونخرج له يوم القيامة كتابا ) مكتوبا فيه عمله ( يلقاه منشورا ) صفتان لكتابا
14. ويقال له ( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) محاسبا
15. ( من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ) لأن ثواب اهتدائه له ( ومن ضل فإنما يضل عليها ) لأن إثمه عليها ( ولا تزر ) نفس ( وازرة ) آثمة أي لا تحمل ( وزر ) نفس ( أخرى وما كنا معذبين ) أحدا ( حتى نبعث رسولا ) يبين له ما يجب عليه
16. ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ) منعميها بمعنى رؤسائها بالطاعة على لسان رسلنا ( ففسقوا فيها ) فخرجوا عن أمرنا ( فحق عليها القول ) بالعذاب ( فدمرناها تدميرا ) اهلكناها بإهلاك أهلها وتخريبها
17. ( وكم ) أي كثيرا ( أهلكنا من القرون ) الأمم ( من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا ) عالما ببواطنها وظواهرها وبه يتعلق بذنوب
18. ( من كان يريد ) بعمله ( العاجلة ) أي الدنيا ( عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ) التعجيل له بدل من له بإعادة الجار ( ثم جعلنا له ) في الآخرة ( جهنم يصلاها ) يدخلها ( مذموما ) ملوما ( مدحورا ) مطرودا من الرحمة
19. ( ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها ) عمل عملها اللائق بها ( وهو مؤمن ) حال ( فأولئك كان سعيهم مشكورا ) عند الله أي مقبولا مثابا عليه
20. ( كلا ) من الفريقين ( نمد ) نعطي ( هؤلاء وهؤلاء ) بدل ( من ) متعلق بنمد ( عطاء ربك ) في الدنيا ( وما كان عطاء ربك ) فيها ( محظورا ) ممنوعا عن احد
21. ( انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض ) في الرزق والجاه ( وللآخرة أكبر ) أعظم ( درجات وأكبر تفضيلا ) من الدنيا فينبغي الاعتناء بها دونها
22. ( لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا ) لا ناصر لك
23. ( وقضى ) أمر ( ربك ) أن أي بأن ( ألا تعبدوا إلا إياه ) أن تحسنوا ( وبالوالدين إحسانا ) بأن تبروهما ( إما يبلغن عندك الكبر أحدهما ) فاعل ( أو كلاهما ) وفي قراءة يبلغان فأحدهما بدل من ألفه ( فلا تقل لهما أف ) بفتح الفاء وكسرها منونا وغير منون مصدر بمعنى تبا وقبحا ( ولا تنهرهما ) تزجرهما ( وقل لهما قولا كريما ) جميلا لينا
24. ( واخفض لهما جناح الذل ) ألن لهما جانبك الذليل ( من الرحمة ) أي لرقتك عليهما ( وقل رب ارحمهما كما ) رحماني حين ( ربياني صغيرا )
25. ( ربكم أعلم بما في نفوسكم ) من إضمار البر والعقوق ( إن تكونوا صالحين ) طائعين لله ( فإنه كان للأوابين ) الرجاعين إلى طاعته ( غفورا ) لما صدر منهم في حق الوالدين من بادرة وهم لا يضمرون عقوقا
26. ( وآت ) أعط ( ذا القربى ) القرابة ( حقه ) من البر والصلة ( والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا ) بالإنفاق في غير طاعة الله
27. ( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ) أي على طريقتهم ( وكان الشيطان لربه كفورا ) شديد الكفر لنعمه فكذلك أخوه المبذر
28. ( وإما تعرضن عنهم ) أي المذكورين من ذي القربى وما بعدهم فلم تعطهم ( ابتغاء رحمة من ربك ترجوها ) أي لطلب رزق تنتظره يأتيك فتعطيهم منه ( فقل لهم قولا ميسورا ) لينا سهلا بأن تعدهم بالإعطاء عند مجيء الرزق
29. ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ) أي لا تمسكها عن الإنفاق كل المسك ( ولا تبسطها ) في الإنفاق ( كل البسط فتقعد ملوما ) راجع للأول ( محسورا ) منقطعا لا شيء عندك راجع للثاني
30. ( إن ربك يبسط الرزق ) يوسعه ( لمن يشاء ويقدر ) يضيقه لمن يشاء ( إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ) عالما ببواطنهم وظواهرهم فيرزقهم على حسب مصالحهم
31. ( ولا تقتلوا أولادكم ) بالوأد ( خشية ) مخافة ( إملاق ) فقر ( نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ ) إثما ( كبيرا ) عظيما
32. ( ولا تقربوا الزنى ) أبلغ من لا تأتوه ( إنه كان فاحشة ) قبيحا ( وساء ) بئس ( سبيلا ) طريقا هو
33. ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه ) لوارثه ( سلطانا ) تسلطا على القاتل ( فلا يسرف ) يتجاوز الحد ( في القتل ) بأن يقتل غير قاتله أو بغير ما قتل به ( إنه كان منصورا )
34. ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد ) إذا عاهدتم الله أو الناس ( إن العهد كان مسؤولا ) عنه
35. ( وأوفوا الكيل ) أتموه ( إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ) الميزان السوي ( ذلك خير وأحسن تأويلا ) مآلا
36. ( ولا تقف ) تتبع ( ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد ) القلب ( كل أولئك كان عنه مسؤولا ) صاحبه ماذا فعل به
37. ( ولا تمش في الأرض مرحا ) أي ذا مرح بالكبر والخيلاء ( إنك لن تخرق الأرض ) تثقبها حتى تبلغ آخرها بكبرك ( ولن تبلغ الجبال طولا ) المعنى أنك لا تبلغ هذا المبلغ فكيف تحتال
38. ( كل ذلك ) المذكور ( كان سيئه عند ربك مكروها )
39. ( ذلك مما أوحى إليك ) يا محمد ( ربك من الحكمة ) الموعظة ( ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا ) مطرودا من رحمة الله
40. ( أفأصفاكم ) أخلصكم يا أهل مكة ( ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا ) بنات لنفسه بزعمكم ( إنكم لتقولون ) بذلك ( قولا عظيما )
41. ( ولقد صرفنا ) بينا ( في هذا القرآن ) من الأمثال والوعد والوعيد ( ليذكروا ) يتعظوا ( وما يزيدهم ) ذلك ( إلا نفورا ) عن الحق
42. ( قل ) لهم ( لو كان معه ) أي الله ( آلهة كما يقولون إذا لابتغوا ) طلبوا ( إلى ذي العرش ) أي الله ( سبيلا ) ليقاتلوه
43. ( سبحانه ) تنزيها له ( وتعالى عما يقولون ) من الشركاء ( علوا كبيرا )
44. ( تسبح له ) تنزهه ( السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن ) ما ( من شيء ) من المخلوقات ( إلا يسبح ) متلبسا ( بحمده ) أي يقول سبحان الله وبحمده ( ولكن لا تفقهون ) تفهمون ( تسبيحهم ) لأنه ليس بلغتكم ( إنه كان حليما غفورا ) حيث لم يعاجلكم بالعقوبة
45. ( وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ) أي ساترا لك عنهم فلا يرونك نزل فيمن أراد الفتك به صلى الله عليه وسلم
46. ( وجعلنا على قلوبهم أكنة ) أغطية ( أن يفقهوه ) من أن يفهموا القرآن أي فلا يفهمونه ( وفي آذانهم وقرا ) ثقلا فلا يسمعونه ( وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا ) عنه
47. ( نحن أعلم بما يستمعون به ) بسببه من الهزء ( إذ يستمعون إليك ) قراءتك ( وإذ هم نجوى ) يتناجون بينهم أي يتحدثون ( إذ ) بدل من إذ قبله ( يقول الظالمون ) في تناجيهم ( إن ) ما ( تتبعون إلا رجلا مسحورا ) مخدوعا مغلوبا على عقله
48. ( انظر كيف ضربوا لك الأمثال ) بالمسحور والكاهن والشاعر ( فضلوا ) بذلك عن الهدى ( فلا يستطيعون سبيلا ) طريقا إليه
49. ( وقالوا ) منكرين للبعث ( أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا )
50. ( قل ) لهم ( كونوا حجارة أو حديدا )
51. ( أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) يعظم عن قبول الحياة فضلا عن العظام والرفات فلا بد من إيجاد الروح فيكم ( فسيقولون من يعيدنا ) إلى الحياة ( قل الذي فطركم ) خلقكم ( أول مرة ) ولم تكونوا شيئا لان القادر على البدء قادر على الإعادة بل هي أهون ( فسينغضون ) يحركون ( إليك رؤوسهم ) تعجبا ( ويقولون ) استهزاء ( متى هو ) أي البعث ( قل عسى أن يكون قريبا )
52. ( يوم يدعوكم ) يناديكم من القبور على لسان إسرافيل ( فتستجيبون ) فتجيبون دعوته من القبور ( بحمده ) بأمره وقيل وله الحمد ( وتظنون إن ) ما ( لبثتم ) في الدنيا ( إلا قليلا ) لهول ما ترون
53. ( وقل لعبادي ) المؤمنين ( يقولوا ) للكفار الكلمة ( التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ ) يفسد ( بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ) بين العداوة والكلمة التي هي أحسن هي
54. ( ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم ) بالتوبة والإيمان ( أو إن يشأ ) تعذيبكم ( يعذبكم ) بالموت على الكفر ( وما أرسلناك عليهم وكيلا ) فتجبرهم على الإيمان وهذا قبل الأمر بالقتال
55. ( وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ) فيخصهم بما شاء على قدر أحوالهم ( ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض ) بتخصيص كل منهم بفضيلة كموسى بالكلام وإبراهيم بالخلة ومحمد بالإسراء ( وآتينا داود زبورا )
56. ( قل ) لهم ( ادعوا الذين زعمتم ) أنهم آلهة ( من دونه ) كالملائكة وعيسى وعزيز ( فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ) له إلى غيركم
57. ( أولئك الذين يدعون ) آلهة ( يبتغون ) يطلبون ( إلى ربهم الوسيلة ) القربة بالطاعة ( أيهم ) بدل من واو يبتغون أي يبتغيها الذي هو ( أقرب ) إليه فكيف بغيره ( ويرجون رحمته ويخافون عذابه ) كغيرهم فكيف تدعونهم آلهة ( إن عذاب ربك كان محذورا )
58. ( وإن ) ما ( من قرية ) أريد أهلها ( إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة ) بالموت ( أو معذبوها عذابا شديدا ) بالقتل وغيره ( كان ذلك في الكتاب ) اللوح المحفوظ ( مسطورا ) مكتوبا
59. ( وما منعنا أن نرسل بالآيات ) التي اقترحها أهل مكة ( إلا أن كذب بها الأولون ) لما أرسلناها فأهلكناهم ولو أرسلناها إلى هؤلاء وقد حكمنا بإمهالهم لاتمام أمر محمد صلى الله عليه وسلم ( وآتينا ثمود الناقة ) آية ( مبصرة ) بينة واضحة ( فظلموا ) كفروا ( بها ) فأهلكوا ( وما نرسل بالآيات ) المعجزات ( إلا تخويفا ) للعباد فيؤمنوا
60. واذكر ( وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس ) علما وقدرة فهم في قبضته فبلغهم ولا تخف أحدا فهو يعصمك منهم ( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك ) عيانا ليلة الإسراء ( إلا فتنة للناس ) أهل مكة إذ كذبوا بها وارتد بعضهم لما أخبرهم بها ( والشجرة الملعونة في القرآن ) وهي الزقوم التي تنبت في أصل الجحيم جعلناها فتنة لهم إذ قالوا النار تحرق الشجرة فكيف تنبته ( ونخوفهم ) بها ( فما يزيدهم ) تخويفنا ( إلا طغيانا كبيرا )
61. واذكر ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) سجود تحية بالانحناء ( فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا ) نصب بنزع الخافض أي من طين
62. ( قال أرأيتك ) أي أخبرني ( هذا الذي كرمت ) فضلت ( علي ) بالأمر بالسجود له وأنا خير منه خلقتني من نار ( لئن ) لام قسم ( أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ) لأستأصلن ( ذريته ) بالإغواء ( إلا قليلا ) منهم ممن عصمته
63. ( قال ) تعالى له ( اذهب ) منظرا إلى وقت النفخة الأولى ( فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم ) أنت وهم ( جزاء موفورا ) وافرا كاملا
64. ( واستفزز ) استخف ( من استطعت منهم بصوتك ) بدعائك بالغناء والمزامير وكل داع إلى المعصية ( وأجلب ) صح ( عليهم بخيلك ورجلك ) وهم الركاب والمشاة في المعاصي ( وشاركهم في الأموال ) المحرمة كالربا والغصب ( والأولاد ) من الزنى ( وعدهم ) بأن لا بعث ولا جزاء ( وما يعدهم الشيطان ) بذلك ( إلا غرورا ) باطلا
65. ( إن عبادي ) المؤمنين ( ليس لك عليهم سلطان ) تسلط وقوة ( وكفى بربك وكيلا ) حافظا لهم منك
66. ( ربكم الذي يزجي ) يجري ( لكم الفلك ) السفن ( في البحر لتبتغوا ) تطلبوا ( من فضله ) تعالى بالتجارة ( إنه كان بكم رحيما ) في تسخيرها لكم
67. ( وإذا مسكم الضر ) الشدة ( في البحر ) خوف الغرق ( ضل ) غاب عنكم ( من تدعون ) تعبدون من الآلهة فلا تدعونه ( إلا إياه ) تعالى فإنكم تدعونه وحده لأنكم في شدة لا يكشفها إلا هو ( فلما نجاكم ) من الغرق وأوصلكم ( إلى البر أعرضتم ) عن التوحيد ( وكان الإنسان كفورا ) جحودا للنعم
68. ( أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر ) أي الارض كقارون ( أو يرسل عليكم حاصبا ) أي يرميكم بالحصباء كقوم لوط ( ثم لا تجدوا لكم وكيلا ) حافظا منه
1. ( سبحان ) أي تنزيه ( الذي أسرى بعبده ) محمد صلى الله عليه وسلم ( ليلا ) نصب على الظرف والإسراء سير الليل وفائدة ذكره الاشارة بتنكيره إلى تقليل مدته ( من المسجد الحرام ) أي مكة ( إلى المسجد الأقصى ) بيت المقدس لبعده منه ( الذي باركنا حوله ) بالثمار والأنهار ( لنريه من آياتنا ) عجائب قدرتنا ( إنه هو السميع البصير ) أي العالم بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله فأنعم عليه بالإسراء المشتمل على اجتماعه بالأنبياء وعروجه إلى السماء ورؤية عجائب الملكوت ومناجاته له تعالى فإنه صلى الله عليه وسلم
2. قال تعالى ( وآتينا موسى الكتاب ) التوراة ( وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا ) يفوضون إليه أمرهم وفي قراءة تتخذوا بالفوقانية التفاتا فأن زائدة والقول مضمر
3. ( ذرية من حملنا مع نوح ) في السفينة ( إنه كان عبدا شكورا ) كثير الشكر لنا حامدا في جميع احواله
4. ( وقضينا ) أوحينا ( إلى بني إسرائيل في الكتاب ) التوراة ( لتفسدن في الأرض ) أرض الشام بالمعاصي ( مرتين ولتعلن علوا كبيرا ) تبغون بغيا عظيما
5. ( فإذا جاء وعد أولاهما ) اولى مرتي بالفساد ( بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد ) أصحاب قوة في الحرب والبطش ( فجاسوا ) ترددوا لطلبكم ( خلال الديار ) وسط دياركم ليقتلوكم ويسبوكم ( وكان وعدا مفعولا ) وقد أفسدوا الأولى بقتل ذكريا فبعث عليهم جالوت وجنوده فقتلوهم وسبوا أولادهم موخربوا بيت المقدس
6. ( ثم رددنا لكم الكرة ) الدولة والغلبة ( عليهم ) بعد مائة سنة بقتل جالوت ( وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ) عشيرة
7. وقلنا ( إن أحسنتم ) بالطاعة ( أحسنتم لأنفسكم ) لأن ثوابه لها ( وإن أسأتم ) بالفساد ( فلها ) إساءتكم ( فإذا جاء وعد ) المرة ( الآخرة ) بعثناهم ( ليسوؤوا وجوهكم ) يحزنوكم بالقتل والسبي حزنا يظهر في وجوهكم ( وليدخلوا المسجد ) بيت المقدس فيخربوه ( كما دخلوه ) وخربوه ( أول مرة وليتبروا ) يهلكوا ( ما علوا ) غلبوا عليه ( تتبيرا ) هلاكا وقد أفسدوا ثانيا بقتل يحيى فبعث عليهم بختنصر فقتل منهم الوفا وسبى ذريتهم وخرب بيت المقدس
8. وقلنا في الكتاب ( عسى ربكم أن يرحمكم ) بعد المرة الثانية إن تبتم ( وإن عدتم ) إلى الفساد ( عدنا ) الى العقوبة وقد عادوا بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم فسلط عليهم بقتل قريظة ونفي بني النضير وضرب الجزية عليهم ( وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ) محبسا وسجنا
9. ( إن هذا القرآن يهدي للتي ) أي الطريقة التي ( هي أقوم ) أعدل وأصوب ( ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا )
10. ويخبر ( وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا ) أعددنا ( لهم عذابا أليما ) مؤلما هو النار
11. ( ويدع الإنسان بالشر ) على نفسه وأهله إذا ضجر ( دعاءه ) أي كدعائه له ( بالخير وكان الإنسان ) الجنس ( عجولا ) بالدعاء على نفسه وعدم النظر في عاقبته
12. ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) دالتين على قدرتنا ( فمحونا آية الليل ) طمسنا نورها بالظلام لتسكنوا فيه والإضافة للبيان ( وجعلنا آية النهار مبصرة ) أي مبصرا فيها بالضوء ( لتبتغوا ) فيه ( فضلا من ربكم ) بالكسب ( ولتعلموا ) بهما ( عدد السنين والحساب ) للاوقات ( وكل شيء ) يحتاج إليه ( فصلناه تفصيلا ) بيناه تبيينا
13. ( وكل إنسان ألزمناه طائره ) عمله يحمله ( في عنقه ) خص بالذكر لأن اللزوم فيه أشد وقال مجاهد ما من مولود يولد إلا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد ( ونخرج له يوم القيامة كتابا ) مكتوبا فيه عمله ( يلقاه منشورا ) صفتان لكتابا
14. ويقال له ( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) محاسبا
15. ( من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ) لأن ثواب اهتدائه له ( ومن ضل فإنما يضل عليها ) لأن إثمه عليها ( ولا تزر ) نفس ( وازرة ) آثمة أي لا تحمل ( وزر ) نفس ( أخرى وما كنا معذبين ) أحدا ( حتى نبعث رسولا ) يبين له ما يجب عليه
16. ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ) منعميها بمعنى رؤسائها بالطاعة على لسان رسلنا ( ففسقوا فيها ) فخرجوا عن أمرنا ( فحق عليها القول ) بالعذاب ( فدمرناها تدميرا ) اهلكناها بإهلاك أهلها وتخريبها
17. ( وكم ) أي كثيرا ( أهلكنا من القرون ) الأمم ( من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا ) عالما ببواطنها وظواهرها وبه يتعلق بذنوب
18. ( من كان يريد ) بعمله ( العاجلة ) أي الدنيا ( عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ) التعجيل له بدل من له بإعادة الجار ( ثم جعلنا له ) في الآخرة ( جهنم يصلاها ) يدخلها ( مذموما ) ملوما ( مدحورا ) مطرودا من الرحمة
19. ( ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها ) عمل عملها اللائق بها ( وهو مؤمن ) حال ( فأولئك كان سعيهم مشكورا ) عند الله أي مقبولا مثابا عليه
20. ( كلا ) من الفريقين ( نمد ) نعطي ( هؤلاء وهؤلاء ) بدل ( من ) متعلق بنمد ( عطاء ربك ) في الدنيا ( وما كان عطاء ربك ) فيها ( محظورا ) ممنوعا عن احد
21. ( انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض ) في الرزق والجاه ( وللآخرة أكبر ) أعظم ( درجات وأكبر تفضيلا ) من الدنيا فينبغي الاعتناء بها دونها
22. ( لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا ) لا ناصر لك
23. ( وقضى ) أمر ( ربك ) أن أي بأن ( ألا تعبدوا إلا إياه ) أن تحسنوا ( وبالوالدين إحسانا ) بأن تبروهما ( إما يبلغن عندك الكبر أحدهما ) فاعل ( أو كلاهما ) وفي قراءة يبلغان فأحدهما بدل من ألفه ( فلا تقل لهما أف ) بفتح الفاء وكسرها منونا وغير منون مصدر بمعنى تبا وقبحا ( ولا تنهرهما ) تزجرهما ( وقل لهما قولا كريما ) جميلا لينا
24. ( واخفض لهما جناح الذل ) ألن لهما جانبك الذليل ( من الرحمة ) أي لرقتك عليهما ( وقل رب ارحمهما كما ) رحماني حين ( ربياني صغيرا )
25. ( ربكم أعلم بما في نفوسكم ) من إضمار البر والعقوق ( إن تكونوا صالحين ) طائعين لله ( فإنه كان للأوابين ) الرجاعين إلى طاعته ( غفورا ) لما صدر منهم في حق الوالدين من بادرة وهم لا يضمرون عقوقا
26. ( وآت ) أعط ( ذا القربى ) القرابة ( حقه ) من البر والصلة ( والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا ) بالإنفاق في غير طاعة الله
27. ( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ) أي على طريقتهم ( وكان الشيطان لربه كفورا ) شديد الكفر لنعمه فكذلك أخوه المبذر
28. ( وإما تعرضن عنهم ) أي المذكورين من ذي القربى وما بعدهم فلم تعطهم ( ابتغاء رحمة من ربك ترجوها ) أي لطلب رزق تنتظره يأتيك فتعطيهم منه ( فقل لهم قولا ميسورا ) لينا سهلا بأن تعدهم بالإعطاء عند مجيء الرزق
29. ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ) أي لا تمسكها عن الإنفاق كل المسك ( ولا تبسطها ) في الإنفاق ( كل البسط فتقعد ملوما ) راجع للأول ( محسورا ) منقطعا لا شيء عندك راجع للثاني
30. ( إن ربك يبسط الرزق ) يوسعه ( لمن يشاء ويقدر ) يضيقه لمن يشاء ( إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ) عالما ببواطنهم وظواهرهم فيرزقهم على حسب مصالحهم
31. ( ولا تقتلوا أولادكم ) بالوأد ( خشية ) مخافة ( إملاق ) فقر ( نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ ) إثما ( كبيرا ) عظيما
32. ( ولا تقربوا الزنى ) أبلغ من لا تأتوه ( إنه كان فاحشة ) قبيحا ( وساء ) بئس ( سبيلا ) طريقا هو
33. ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه ) لوارثه ( سلطانا ) تسلطا على القاتل ( فلا يسرف ) يتجاوز الحد ( في القتل ) بأن يقتل غير قاتله أو بغير ما قتل به ( إنه كان منصورا )
34. ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد ) إذا عاهدتم الله أو الناس ( إن العهد كان مسؤولا ) عنه
35. ( وأوفوا الكيل ) أتموه ( إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ) الميزان السوي ( ذلك خير وأحسن تأويلا ) مآلا
36. ( ولا تقف ) تتبع ( ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد ) القلب ( كل أولئك كان عنه مسؤولا ) صاحبه ماذا فعل به
37. ( ولا تمش في الأرض مرحا ) أي ذا مرح بالكبر والخيلاء ( إنك لن تخرق الأرض ) تثقبها حتى تبلغ آخرها بكبرك ( ولن تبلغ الجبال طولا ) المعنى أنك لا تبلغ هذا المبلغ فكيف تحتال
38. ( كل ذلك ) المذكور ( كان سيئه عند ربك مكروها )
39. ( ذلك مما أوحى إليك ) يا محمد ( ربك من الحكمة ) الموعظة ( ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا ) مطرودا من رحمة الله
40. ( أفأصفاكم ) أخلصكم يا أهل مكة ( ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا ) بنات لنفسه بزعمكم ( إنكم لتقولون ) بذلك ( قولا عظيما )
41. ( ولقد صرفنا ) بينا ( في هذا القرآن ) من الأمثال والوعد والوعيد ( ليذكروا ) يتعظوا ( وما يزيدهم ) ذلك ( إلا نفورا ) عن الحق
42. ( قل ) لهم ( لو كان معه ) أي الله ( آلهة كما يقولون إذا لابتغوا ) طلبوا ( إلى ذي العرش ) أي الله ( سبيلا ) ليقاتلوه
43. ( سبحانه ) تنزيها له ( وتعالى عما يقولون ) من الشركاء ( علوا كبيرا )
44. ( تسبح له ) تنزهه ( السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن ) ما ( من شيء ) من المخلوقات ( إلا يسبح ) متلبسا ( بحمده ) أي يقول سبحان الله وبحمده ( ولكن لا تفقهون ) تفهمون ( تسبيحهم ) لأنه ليس بلغتكم ( إنه كان حليما غفورا ) حيث لم يعاجلكم بالعقوبة
45. ( وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ) أي ساترا لك عنهم فلا يرونك نزل فيمن أراد الفتك به صلى الله عليه وسلم
46. ( وجعلنا على قلوبهم أكنة ) أغطية ( أن يفقهوه ) من أن يفهموا القرآن أي فلا يفهمونه ( وفي آذانهم وقرا ) ثقلا فلا يسمعونه ( وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا ) عنه
47. ( نحن أعلم بما يستمعون به ) بسببه من الهزء ( إذ يستمعون إليك ) قراءتك ( وإذ هم نجوى ) يتناجون بينهم أي يتحدثون ( إذ ) بدل من إذ قبله ( يقول الظالمون ) في تناجيهم ( إن ) ما ( تتبعون إلا رجلا مسحورا ) مخدوعا مغلوبا على عقله
48. ( انظر كيف ضربوا لك الأمثال ) بالمسحور والكاهن والشاعر ( فضلوا ) بذلك عن الهدى ( فلا يستطيعون سبيلا ) طريقا إليه
49. ( وقالوا ) منكرين للبعث ( أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا )
50. ( قل ) لهم ( كونوا حجارة أو حديدا )
51. ( أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) يعظم عن قبول الحياة فضلا عن العظام والرفات فلا بد من إيجاد الروح فيكم ( فسيقولون من يعيدنا ) إلى الحياة ( قل الذي فطركم ) خلقكم ( أول مرة ) ولم تكونوا شيئا لان القادر على البدء قادر على الإعادة بل هي أهون ( فسينغضون ) يحركون ( إليك رؤوسهم ) تعجبا ( ويقولون ) استهزاء ( متى هو ) أي البعث ( قل عسى أن يكون قريبا )
52. ( يوم يدعوكم ) يناديكم من القبور على لسان إسرافيل ( فتستجيبون ) فتجيبون دعوته من القبور ( بحمده ) بأمره وقيل وله الحمد ( وتظنون إن ) ما ( لبثتم ) في الدنيا ( إلا قليلا ) لهول ما ترون
53. ( وقل لعبادي ) المؤمنين ( يقولوا ) للكفار الكلمة ( التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ ) يفسد ( بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ) بين العداوة والكلمة التي هي أحسن هي
54. ( ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم ) بالتوبة والإيمان ( أو إن يشأ ) تعذيبكم ( يعذبكم ) بالموت على الكفر ( وما أرسلناك عليهم وكيلا ) فتجبرهم على الإيمان وهذا قبل الأمر بالقتال
55. ( وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ) فيخصهم بما شاء على قدر أحوالهم ( ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض ) بتخصيص كل منهم بفضيلة كموسى بالكلام وإبراهيم بالخلة ومحمد بالإسراء ( وآتينا داود زبورا )
56. ( قل ) لهم ( ادعوا الذين زعمتم ) أنهم آلهة ( من دونه ) كالملائكة وعيسى وعزيز ( فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ) له إلى غيركم
57. ( أولئك الذين يدعون ) آلهة ( يبتغون ) يطلبون ( إلى ربهم الوسيلة ) القربة بالطاعة ( أيهم ) بدل من واو يبتغون أي يبتغيها الذي هو ( أقرب ) إليه فكيف بغيره ( ويرجون رحمته ويخافون عذابه ) كغيرهم فكيف تدعونهم آلهة ( إن عذاب ربك كان محذورا )
58. ( وإن ) ما ( من قرية ) أريد أهلها ( إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة ) بالموت ( أو معذبوها عذابا شديدا ) بالقتل وغيره ( كان ذلك في الكتاب ) اللوح المحفوظ ( مسطورا ) مكتوبا
59. ( وما منعنا أن نرسل بالآيات ) التي اقترحها أهل مكة ( إلا أن كذب بها الأولون ) لما أرسلناها فأهلكناهم ولو أرسلناها إلى هؤلاء وقد حكمنا بإمهالهم لاتمام أمر محمد صلى الله عليه وسلم ( وآتينا ثمود الناقة ) آية ( مبصرة ) بينة واضحة ( فظلموا ) كفروا ( بها ) فأهلكوا ( وما نرسل بالآيات ) المعجزات ( إلا تخويفا ) للعباد فيؤمنوا
60. واذكر ( وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس ) علما وقدرة فهم في قبضته فبلغهم ولا تخف أحدا فهو يعصمك منهم ( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك ) عيانا ليلة الإسراء ( إلا فتنة للناس ) أهل مكة إذ كذبوا بها وارتد بعضهم لما أخبرهم بها ( والشجرة الملعونة في القرآن ) وهي الزقوم التي تنبت في أصل الجحيم جعلناها فتنة لهم إذ قالوا النار تحرق الشجرة فكيف تنبته ( ونخوفهم ) بها ( فما يزيدهم ) تخويفنا ( إلا طغيانا كبيرا )
61. واذكر ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) سجود تحية بالانحناء ( فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا ) نصب بنزع الخافض أي من طين
62. ( قال أرأيتك ) أي أخبرني ( هذا الذي كرمت ) فضلت ( علي ) بالأمر بالسجود له وأنا خير منه خلقتني من نار ( لئن ) لام قسم ( أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ) لأستأصلن ( ذريته ) بالإغواء ( إلا قليلا ) منهم ممن عصمته
63. ( قال ) تعالى له ( اذهب ) منظرا إلى وقت النفخة الأولى ( فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم ) أنت وهم ( جزاء موفورا ) وافرا كاملا
64. ( واستفزز ) استخف ( من استطعت منهم بصوتك ) بدعائك بالغناء والمزامير وكل داع إلى المعصية ( وأجلب ) صح ( عليهم بخيلك ورجلك ) وهم الركاب والمشاة في المعاصي ( وشاركهم في الأموال ) المحرمة كالربا والغصب ( والأولاد ) من الزنى ( وعدهم ) بأن لا بعث ولا جزاء ( وما يعدهم الشيطان ) بذلك ( إلا غرورا ) باطلا
65. ( إن عبادي ) المؤمنين ( ليس لك عليهم سلطان ) تسلط وقوة ( وكفى بربك وكيلا ) حافظا لهم منك
66. ( ربكم الذي يزجي ) يجري ( لكم الفلك ) السفن ( في البحر لتبتغوا ) تطلبوا ( من فضله ) تعالى بالتجارة ( إنه كان بكم رحيما ) في تسخيرها لكم
67. ( وإذا مسكم الضر ) الشدة ( في البحر ) خوف الغرق ( ضل ) غاب عنكم ( من تدعون ) تعبدون من الآلهة فلا تدعونه ( إلا إياه ) تعالى فإنكم تدعونه وحده لأنكم في شدة لا يكشفها إلا هو ( فلما نجاكم ) من الغرق وأوصلكم ( إلى البر أعرضتم ) عن التوحيد ( وكان الإنسان كفورا ) جحودا للنعم
68. ( أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر ) أي الارض كقارون ( أو يرسل عليكم حاصبا ) أي يرميكم بالحصباء كقوم لوط ( ثم لا تجدوا لكم وكيلا ) حافظا منه
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
تابع سورة الاسراء تفسير الجلالين
69. ( أم أمنتم أن يعيدكم فيه ) أي البحر ( تارة ) مرة ( أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح ) أي ريحا شديدة لا تمر بشيء إلا قصفته فتكسر فلككم ( فيغرقكم بما كفرتم ) بكفركم ( ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا ) ناصرا وتابعا يطالبنا بما فعلنا بكم
70. ( ولقد كرمنا ) فضلنا ( بني آدم ) بالعلم والنطق واعتدال الخلق وغير ذلك ومنه طهارتهم بعد الموت ( وحملناهم في البر ) على الدواب ( والبحر ) على السفن ( ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا ) كالبهائم والوحوش ( تفضيلا ) فمن بمعنى ما أو على بابها وتشمل الملائكة والمراد تفضيل الجنس ولا يلزم تفضيل افراده إذ هم أفضل من البشر غير الأنبياء
71. اذكر ( يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ) نبيهم فيقال يا أمة فلان أو بكتاب أعمالهم فيقال يا صاحب الشر وهو يوم القيامة ( فمن أوتي ) منهم ( كتابه بيمينه ) وهم السعداء اولو البصائر في الدنيا ( فأولئك يقرؤون كتابهم ولا يظلمون ) ينقصون من أعمالهم ( فتيلا ) قدر قشرة النواة
72. ( ومن كان في هذه ) أي الدنيا ( أعمى ) عن الحق ( فهو في الآخرة أعمى ) عن طريق النجاة وقراءة القرآن ( وأضل سبيلا ) أبعد طريقا عنه ونزل في ثقيف وقد سألوه صلى الله عليه وسلم أن يحرم واديهم وألحوا عليه
73. ( وإن ) مخففة ( كادوا ) قاربوا ( ليفتنونك ) ليستنزلونك ( عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا ) لو فعلت ذلك ( لاتخذوك خليلا )
74. ( ولولا أن ثبتناك ) على الحق بالعصمة ( لقد كدت ) قاربت ( تركن ) تميل ( إليهم شيئا ) ركونا ( قليلا ) لشدة احتيالهم وإلحاحهم وهو صريح في أنه صلى الله عليه وسلم لم يركن ولا قارب
75. ( إذا ) لو ركنت ( لأذقناك ضعف ) عذاب ( الحياة وضعف ) عذاب ( الممات ) أي مثلي ما يعذب غيرك في الدنيا والآخرة ( ثم لا تجد لك علينا نصيرا ) مانعا منه
76. ونزل لما قال له اليهود إن كنت نبيا حقا فالحق بالشام فإنها أرض الأنبياء ( وإن ) مخففة ( كادوا ليستفزونك من الأرض ) أرض المدينة ( ليخرجوك منها وإذا ) لو أخرجوك ( لا يلبثون خلافك ) فيها ( إلا قليلا ) ثم يهلكون
77. ( سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ) أي كسنتنا فيهم من اهلاك من أخرجهم ( ولا تجد لسنتنا تحويلا ) تبديلا
78. ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) أي من وقت زوالها ( إلى غسق الليل ) إقبال الظلمة أي الظهر والعصر والمغرب والعشاء ( وقرآن الفجر ) صلاة الصبح ( إن قرآن الفجر كان مشهودا ) تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار
79. ( ومن الليل فتهجد ) فصل ( به ) بالقرآن ( نافلة لك ) فريضة زائدة لك دون امتك أو فضيلة على الصلوات المفروضة ( عسى أن يبعثك ) يقيمك ( ربك ) في الآخرة ( مقاما محمودا ) يحمدك فيه الأولون والآخرون وهو مقام الشفاعة في فصل القضاء ونزل لما أمر بالهجرة
80. ( وقل رب أدخلني ) المدينة ( مدخل صدق ) إدخالا مرضيا لا أرى فيه ما أكره ( وأخرجني ) من مكة ( مخرج صدق ) إخراجا لا ألتفت بقلبي إليها ( واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ) قوة تنصرني بها على أعدائك
81. ( وقل ) عند دخولك مكة ( جاء الحق ) الإسلام ( وزهق الباطل ) بطل الكفر ( إن الباطل كان زهوقا ) مضمحلا زائلا وقد دخلها صلى الله عليه وسلم وحول البيت ثلثمائة وستون صنما فجعل يطعنها بعود في يده ويقول ذلك حتى سقطت رواه الشيخان
82. ( وننزل من ) للبيان ( القرآن ما هو شفاء ) من الضلالة ( ورحمة للمؤمنين ) به ( ولا يزيد الظالمين ) الكافرين ( إلا خسارا ) لكفرهم به
83. ( وإذا أنعمنا على الإنسان ) الكافر ( أعرض ) عن الشكر ( ونأى بجانبه ) ثنى عطفه متبخترا ( وإذا مسه الشر ) الفقر والشدة ( كان يئوسا ) قنوطا من رحمة الله
84. ( قل كل ) منا ومنكم ( يعمل على شاكلته ) طريقته ( فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا ) طريقا فيثيبه
85. ( ويسألونك ) أي اليهود ( عن الروح ) الذي يحيا به البدن ( قل ) لهم ( الروح من أمر ربي ) أي علمه لا تعلمونه ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) بالنسبة إلى علمه تعالى
86. ( ولئن ) لام قسم ( شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ) أي القرآن بأن نمحوه من الصدور والمصاحف ( ثم لا تجد لك به علينا وكيلا )
87. ( إلا ) لكن أبقيناه ( رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا ) عظيما حيث أنزله عليك وأعطاك المقام المحمود وغير ذلك من الفضائل
88. ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ) في الفصاحة والبلاغة ( لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) معينا نزل ردا لقولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا
89. ( ولقد صرفنا ) بينا ( للناس في هذا القرآن من كل مثل ) صفة لمحذوف أي مثلا من جنس كل مثل ليتعظوا ( فأبى أكثر الناس ) أي أهل مكة ( إلا كفورا ) جحودا للحق
90. ( وقالوا ) عطف على ابى ( لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ) عينا ينبع منها الماء
91. ( أو تكون لك جنة ) بستان ( من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها ) وسطها ( تفجيرا )
92. ( أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ) قطعا ( أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ) مقابلة وعيانا فنراهم
93. ( أو يكون لك بيت من زخرف ) ذهب ( أو ترقى ) تصعد ( في السماء ) على السلم ( ولن نؤمن لرقيك ) لو رقيت فيها ( حتى تنزل علينا ) منها ( كتابا ) فيه تصديقك ( نقرؤه قل ) لهم ( سبحان ربي ) تعجب ( هل ) ما ( كنت إلا بشرا رسولا ) كسائر الرسل ولم يكونوا يأتون بآية إلا بإذن الله
94. ( وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا ) أي قولهم منكرين ( أبعث الله بشرا رسولا ) ولم يبعث ملكا
95. ( قل ) لهم ( لو كان في الأرض ) بدل البشر ( ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ) إذ لا يرسل إلى قوم رسولا إلا من جنسهم يمكنهم مخاطبته والفهم عنه
96. ( قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ) على صدقي ( إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ) عالما ببواطنهم وظواهرهم
97. ( ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء ) يهدونهم ( من دونه ونحشرهم يوم القيامة ) ماشين ( على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت ) سكن لهبها ( زدناهم سعيرا ) تلهبا واشتعالا
98. ( ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا ) منكرين للبعث ( أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا )
99. ( أولم يروا أن ) يعلموا ( الله الذي خلق السماوات والأرض قادر ) مع عظمها ( على أن يخلق مثلهم وجعل ) أي الاناسي في الصغر ( لهم أجلا لا ) للموت والبعث ( ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا قل ) جحودا له
100. ( قل ) لهم ( لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي ) من الرزق والمطر ( إذا لأمسكتم ) لبخلتم ( خشية الإنفاق ) خوف نفادها بالإنفاق فتقتروا ( وكان الإنسان قتورا ) بخيلا
101. ( ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ) وهي اليد والعصا والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس والسنين ونقص الثمرات ( فاسأل ) يا محمد ( بني إسرائيل ) عنه سؤال تقرير للمشركين على صدقك أو فقلنا له إسأل وفي قراءة بلفظ الماضي ( إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا ) مخدوعا مغلوبا على عقلك
102. ( قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء ) الآيات ( إلا رب السماوات والأرض بصائر ) عبرا ولكنك تعاند وفي قراءة بضم التاء ( وإني لأظنك يا فرعون مثبورا ) هالكا أو مصروفا عن الخير
103. ( فأراد ) فرعون ( أن يستفزهم ) يخرج موسى وقومه ( من الأرض ) أرض مصر ( فأغرقناه ومن معه جميعا )
104. ( وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة ) أي الساعة ( جئنا بكم لفيفا ) جميعا أنتم وهم
105. ( وبالحق أنزلناه ) أي القرآن ( وبالحق ) المشتمل عليه ( نزل ) كما انزل لم يعتره تبديل ( وما أرسلناك ) يا محمد ( إلا مبشرا ) من آمن بالجنة ( ونذيرا ) من كفر بالنار
106. ( وقرآنا ) منصوب بفعل يفسره ( فرقناه ) نزلناه مفرقا في عشرين سنة أو وثلاث ( لتقرأه على الناس على مكث ) مهل وتؤدة ليفهموه ( ونزلناه تنزيلا ) شيئا بعد شيء على حسب المصالح
107. ( قل ) لكفار مكة ( آمنوا به أو لا تؤمنوا ) تهديد لهم ( إن الذين أوتوا العلم من قبله ) قبل نزوله وهم مؤمنوا أهل الكتاب ( إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا )
108. ( ويقولون سبحان ربنا ) تنزيها له عن خلف الوعد ( إن ) مخففة ( كان وعد ربنا ) بنزوله وبعث النبي صلى الله عليه وسلم ( لمفعولا )
109. ( ويخرون للأذقان يبكون ) عطف بزيادة صفة ( ويزيدهم ) القرآن ( خشوعا ) تواضعا لله
110. وكان صلى الله عليه وسلم يقول يا رحمن فقالوا ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلاها آخر معه فنزل ( قل ) لهم ( ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ) أي سموه بأيهما أو نادوه بأن تقولوا يا الله يا رحمن ( أيا ) شرطية ( ما ) زائدة أي أي هذين ( تدعوا ) فهو حسن دل على هذا ( فله ) أي لمسماهما ( الأسماء الحسنى ) وهذان منها فإنها كما في الحديث الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارىء المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدىء المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الأحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعال البر التواب المنتقم العفو الرؤف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور رواه الترمذي قال تعالى ( ولا تجهر بصلاتك ) بقراءتك فيها فيسمعك المشركون فيسبوك ويسبوا القرآن ومن أنزله ( ولا تخافت ) تسر ( بها ) لينتفع أصحابك ( وابتغ ) اقصد ( بين ذلك ) الجهر والمخافتة ( سبيلا ) طريقا وسطا
111. ( وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ) في الالوهية ( ولم يكن له ولي ) ينصره ( من ) أجل ( الذل ) أي لم يذل فيحتاج إلى ناصر ( وكبره تكبيرا ) عظمه عظمة تامة عن اتخاذ الولد والشريك والذل وكل ما لا يليق به وترتيب الحمد على ذلك للدلالة على أنه المستحق لجميع المحامد لكمال ذاته وتفرده في صفاته
69. ( أم أمنتم أن يعيدكم فيه ) أي البحر ( تارة ) مرة ( أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح ) أي ريحا شديدة لا تمر بشيء إلا قصفته فتكسر فلككم ( فيغرقكم بما كفرتم ) بكفركم ( ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا ) ناصرا وتابعا يطالبنا بما فعلنا بكم
70. ( ولقد كرمنا ) فضلنا ( بني آدم ) بالعلم والنطق واعتدال الخلق وغير ذلك ومنه طهارتهم بعد الموت ( وحملناهم في البر ) على الدواب ( والبحر ) على السفن ( ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا ) كالبهائم والوحوش ( تفضيلا ) فمن بمعنى ما أو على بابها وتشمل الملائكة والمراد تفضيل الجنس ولا يلزم تفضيل افراده إذ هم أفضل من البشر غير الأنبياء
71. اذكر ( يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ) نبيهم فيقال يا أمة فلان أو بكتاب أعمالهم فيقال يا صاحب الشر وهو يوم القيامة ( فمن أوتي ) منهم ( كتابه بيمينه ) وهم السعداء اولو البصائر في الدنيا ( فأولئك يقرؤون كتابهم ولا يظلمون ) ينقصون من أعمالهم ( فتيلا ) قدر قشرة النواة
72. ( ومن كان في هذه ) أي الدنيا ( أعمى ) عن الحق ( فهو في الآخرة أعمى ) عن طريق النجاة وقراءة القرآن ( وأضل سبيلا ) أبعد طريقا عنه ونزل في ثقيف وقد سألوه صلى الله عليه وسلم أن يحرم واديهم وألحوا عليه
73. ( وإن ) مخففة ( كادوا ) قاربوا ( ليفتنونك ) ليستنزلونك ( عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا ) لو فعلت ذلك ( لاتخذوك خليلا )
74. ( ولولا أن ثبتناك ) على الحق بالعصمة ( لقد كدت ) قاربت ( تركن ) تميل ( إليهم شيئا ) ركونا ( قليلا ) لشدة احتيالهم وإلحاحهم وهو صريح في أنه صلى الله عليه وسلم لم يركن ولا قارب
75. ( إذا ) لو ركنت ( لأذقناك ضعف ) عذاب ( الحياة وضعف ) عذاب ( الممات ) أي مثلي ما يعذب غيرك في الدنيا والآخرة ( ثم لا تجد لك علينا نصيرا ) مانعا منه
76. ونزل لما قال له اليهود إن كنت نبيا حقا فالحق بالشام فإنها أرض الأنبياء ( وإن ) مخففة ( كادوا ليستفزونك من الأرض ) أرض المدينة ( ليخرجوك منها وإذا ) لو أخرجوك ( لا يلبثون خلافك ) فيها ( إلا قليلا ) ثم يهلكون
77. ( سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ) أي كسنتنا فيهم من اهلاك من أخرجهم ( ولا تجد لسنتنا تحويلا ) تبديلا
78. ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) أي من وقت زوالها ( إلى غسق الليل ) إقبال الظلمة أي الظهر والعصر والمغرب والعشاء ( وقرآن الفجر ) صلاة الصبح ( إن قرآن الفجر كان مشهودا ) تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار
79. ( ومن الليل فتهجد ) فصل ( به ) بالقرآن ( نافلة لك ) فريضة زائدة لك دون امتك أو فضيلة على الصلوات المفروضة ( عسى أن يبعثك ) يقيمك ( ربك ) في الآخرة ( مقاما محمودا ) يحمدك فيه الأولون والآخرون وهو مقام الشفاعة في فصل القضاء ونزل لما أمر بالهجرة
80. ( وقل رب أدخلني ) المدينة ( مدخل صدق ) إدخالا مرضيا لا أرى فيه ما أكره ( وأخرجني ) من مكة ( مخرج صدق ) إخراجا لا ألتفت بقلبي إليها ( واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ) قوة تنصرني بها على أعدائك
81. ( وقل ) عند دخولك مكة ( جاء الحق ) الإسلام ( وزهق الباطل ) بطل الكفر ( إن الباطل كان زهوقا ) مضمحلا زائلا وقد دخلها صلى الله عليه وسلم وحول البيت ثلثمائة وستون صنما فجعل يطعنها بعود في يده ويقول ذلك حتى سقطت رواه الشيخان
82. ( وننزل من ) للبيان ( القرآن ما هو شفاء ) من الضلالة ( ورحمة للمؤمنين ) به ( ولا يزيد الظالمين ) الكافرين ( إلا خسارا ) لكفرهم به
83. ( وإذا أنعمنا على الإنسان ) الكافر ( أعرض ) عن الشكر ( ونأى بجانبه ) ثنى عطفه متبخترا ( وإذا مسه الشر ) الفقر والشدة ( كان يئوسا ) قنوطا من رحمة الله
84. ( قل كل ) منا ومنكم ( يعمل على شاكلته ) طريقته ( فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا ) طريقا فيثيبه
85. ( ويسألونك ) أي اليهود ( عن الروح ) الذي يحيا به البدن ( قل ) لهم ( الروح من أمر ربي ) أي علمه لا تعلمونه ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) بالنسبة إلى علمه تعالى
86. ( ولئن ) لام قسم ( شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ) أي القرآن بأن نمحوه من الصدور والمصاحف ( ثم لا تجد لك به علينا وكيلا )
87. ( إلا ) لكن أبقيناه ( رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا ) عظيما حيث أنزله عليك وأعطاك المقام المحمود وغير ذلك من الفضائل
88. ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ) في الفصاحة والبلاغة ( لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) معينا نزل ردا لقولهم لو نشاء لقلنا مثل هذا
89. ( ولقد صرفنا ) بينا ( للناس في هذا القرآن من كل مثل ) صفة لمحذوف أي مثلا من جنس كل مثل ليتعظوا ( فأبى أكثر الناس ) أي أهل مكة ( إلا كفورا ) جحودا للحق
90. ( وقالوا ) عطف على ابى ( لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ) عينا ينبع منها الماء
91. ( أو تكون لك جنة ) بستان ( من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها ) وسطها ( تفجيرا )
92. ( أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ) قطعا ( أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ) مقابلة وعيانا فنراهم
93. ( أو يكون لك بيت من زخرف ) ذهب ( أو ترقى ) تصعد ( في السماء ) على السلم ( ولن نؤمن لرقيك ) لو رقيت فيها ( حتى تنزل علينا ) منها ( كتابا ) فيه تصديقك ( نقرؤه قل ) لهم ( سبحان ربي ) تعجب ( هل ) ما ( كنت إلا بشرا رسولا ) كسائر الرسل ولم يكونوا يأتون بآية إلا بإذن الله
94. ( وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا ) أي قولهم منكرين ( أبعث الله بشرا رسولا ) ولم يبعث ملكا
95. ( قل ) لهم ( لو كان في الأرض ) بدل البشر ( ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ) إذ لا يرسل إلى قوم رسولا إلا من جنسهم يمكنهم مخاطبته والفهم عنه
96. ( قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ) على صدقي ( إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ) عالما ببواطنهم وظواهرهم
97. ( ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء ) يهدونهم ( من دونه ونحشرهم يوم القيامة ) ماشين ( على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت ) سكن لهبها ( زدناهم سعيرا ) تلهبا واشتعالا
98. ( ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا ) منكرين للبعث ( أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا )
99. ( أولم يروا أن ) يعلموا ( الله الذي خلق السماوات والأرض قادر ) مع عظمها ( على أن يخلق مثلهم وجعل ) أي الاناسي في الصغر ( لهم أجلا لا ) للموت والبعث ( ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا قل ) جحودا له
100. ( قل ) لهم ( لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي ) من الرزق والمطر ( إذا لأمسكتم ) لبخلتم ( خشية الإنفاق ) خوف نفادها بالإنفاق فتقتروا ( وكان الإنسان قتورا ) بخيلا
101. ( ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ) وهي اليد والعصا والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس والسنين ونقص الثمرات ( فاسأل ) يا محمد ( بني إسرائيل ) عنه سؤال تقرير للمشركين على صدقك أو فقلنا له إسأل وفي قراءة بلفظ الماضي ( إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا ) مخدوعا مغلوبا على عقلك
102. ( قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء ) الآيات ( إلا رب السماوات والأرض بصائر ) عبرا ولكنك تعاند وفي قراءة بضم التاء ( وإني لأظنك يا فرعون مثبورا ) هالكا أو مصروفا عن الخير
103. ( فأراد ) فرعون ( أن يستفزهم ) يخرج موسى وقومه ( من الأرض ) أرض مصر ( فأغرقناه ومن معه جميعا )
104. ( وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة ) أي الساعة ( جئنا بكم لفيفا ) جميعا أنتم وهم
105. ( وبالحق أنزلناه ) أي القرآن ( وبالحق ) المشتمل عليه ( نزل ) كما انزل لم يعتره تبديل ( وما أرسلناك ) يا محمد ( إلا مبشرا ) من آمن بالجنة ( ونذيرا ) من كفر بالنار
106. ( وقرآنا ) منصوب بفعل يفسره ( فرقناه ) نزلناه مفرقا في عشرين سنة أو وثلاث ( لتقرأه على الناس على مكث ) مهل وتؤدة ليفهموه ( ونزلناه تنزيلا ) شيئا بعد شيء على حسب المصالح
107. ( قل ) لكفار مكة ( آمنوا به أو لا تؤمنوا ) تهديد لهم ( إن الذين أوتوا العلم من قبله ) قبل نزوله وهم مؤمنوا أهل الكتاب ( إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا )
108. ( ويقولون سبحان ربنا ) تنزيها له عن خلف الوعد ( إن ) مخففة ( كان وعد ربنا ) بنزوله وبعث النبي صلى الله عليه وسلم ( لمفعولا )
109. ( ويخرون للأذقان يبكون ) عطف بزيادة صفة ( ويزيدهم ) القرآن ( خشوعا ) تواضعا لله
110. وكان صلى الله عليه وسلم يقول يا رحمن فقالوا ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلاها آخر معه فنزل ( قل ) لهم ( ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ) أي سموه بأيهما أو نادوه بأن تقولوا يا الله يا رحمن ( أيا ) شرطية ( ما ) زائدة أي أي هذين ( تدعوا ) فهو حسن دل على هذا ( فله ) أي لمسماهما ( الأسماء الحسنى ) وهذان منها فإنها كما في الحديث الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارىء المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدىء المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الأحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعال البر التواب المنتقم العفو الرؤف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور رواه الترمذي قال تعالى ( ولا تجهر بصلاتك ) بقراءتك فيها فيسمعك المشركون فيسبوك ويسبوا القرآن ومن أنزله ( ولا تخافت ) تسر ( بها ) لينتفع أصحابك ( وابتغ ) اقصد ( بين ذلك ) الجهر والمخافتة ( سبيلا ) طريقا وسطا
111. ( وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ) في الالوهية ( ولم يكن له ولي ) ينصره ( من ) أجل ( الذل ) أي لم يذل فيحتاج إلى ناصر ( وكبره تكبيرا ) عظمه عظمة تامة عن اتخاذ الولد والشريك والذل وكل ما لا يليق به وترتيب الحمد على ذلك للدلالة على أنه المستحق لجميع المحامد لكمال ذاته وتفرده في صفاته
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
18. سورة الكهف
1. ( الحمد ) وهو الوصف بالجميل ثابت ( لله ) تعالى وهل المراد الإعلام بذلك للإيمان به أو الثناء به أو هما احتمالات أفيدها الثالث ( الذي أنزل على عبده ) محمد ( الكتاب ) القرآن ( ولم يجعل له ) أي فيه ( عوجا ) اختلافا أو تناقضا والجملة حال من الكتاب
2. ( قيما ) مستقيما حال ثانية مؤكدة ( لينذر ) يخوف بالكتاب الكافرين ( بأسا ) عذابا ( شديدا من لدنه ) من قبل الله ( ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا )
3. ( ماكثين فيه أبدا ) هو الجنة
4. ( وينذر ) من جملة الكافرين ( الذين قالوا اتخذ الله ولدا )
5. ( ما لهم به ) بهذا القول ( من علم ولا لآبائهم ) من قبلهم القائلين له ( كبرت ) عظمت ( كلمة تخرج من أفواههم ) كلمة تمييز مفسر للضمير المبهم والمخصوص بالذم محذوف أي مقالتهم المذكورة ( إن ) ما ( يقولون ) في ذلك ( إلا ) مقولا ( كذبا )
6. ( فلعلك باخع ) مهلك ( نفسك على آثارهم ) بعدهم أي بعد توليهم عنك ( إن لم يؤمنوا بهذا الحديث ) القرآن ( أسفا ) غيظا وحزنا منك لحرصك على إيمانهم ونصبه على المفعول له
7. ( إنا جعلنا ما على الأرض ) من الحيوان والنبات والشجر والأنهار وغير ذلك ( زينة لها لنبلوهم ) لنختبر الناس ناظرين إلى ذلك ( أيهم أحسن عملا ) فيه أي أزهد له
8. ( وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا ) فتاتا ( جرزا ) يابسا لا ينبت
9. ( أم حسبت ) أي ظننت ( أن أصحاب الكهف ) الغار في الجبل ( والرقيم ) اللوح المكتوب فيه أسماؤهم وأنسابهم وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن قصتهم ( كانوا ) في قصتهم ( من ) جملة ( آياتنا عجبا ) خبر كان وما قبله حال أي كانوا عجبا دون باقي الآيات أو أعجبها ليس الأمر كذلك
10. اذكر ( إذ أوى الفتية إلى الكهف ) جمع فتى وهو الشاب الكامل خائفين على إيمانهم من قومهم الكفار ( فقالوا ربنا آتنا من لدنك ) من قبلك ( رحمة وهيئ ) أصلح ( لنا من أمرنا رشدا ) هداية
11. ( فضربنا على آذانهم ) أي أنمناهم ( في الكهف سنين عددا ) معدودة
12. ( ثم بعثناهم ) أيقظناهم ( لنعلم ) علم مشاهدة ( أي الحزبين ) الفريقين المختلفين في مدة لبثهم ( أحصى ) أفعل بمعنى أضبط ( لما لبثوا ) للبثهم متعلق بما بعده ( أمدا ) غاية
13. ( نحن نقص ) نقرأ ( عليك نبأهم بالحق ) بالصدق ( إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى )
14. ( وربطنا على قلوبهم ) قويناهم على قول الحق ( إذ قاموا ) بين يدي يملكهم وقد أمرهم بالسجود للأصنام ( فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه ) أي غيره ( إلها لقد قلنا إذا شططا ) أي قولا ذا شطط أي إفراط في الكفر إن دعونا إلها غير الله فرضا
15. ( هؤلاء ) مبتدأ ( قومنا ) عطف بيان ( اتخذوا من دونه آلهة لولا ) هلا ( يأتون عليهم ) على عبادتهم ( بسلطان بين ) بحجة ظاهرة ( فمن أظلم ) أي لا أحد اظلم ( ممن افترى على الله كذبا ) بنسبة الشريك إليك تعالى قال بعض الفتية لبعض
16. ( وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهييء لكم من أمركم مرفقا ) بكسر الميم وفتح الفاء وبالعكس ما ترتفقون به من غداء وعشاء
17. ( وترى الشمس إذا طلعت تزاور ) بالتشديد والتخفيف تميل ( عن كهفهم ذات اليمين ) ناحيته ( وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال ) تتركهم وتتجاوز عنهم فلا تصيبهم البتة ( وهم في فجوة منه ) متسع من الكهف ينالهم برد الريح ونسيمها ( ذلك ) المذكور ( من آيات الله ) دلائل قدرته ( من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا )
18. ( وتحسبهم ) لو رأيتهم ( أيقاظا ) أي منتبهين لأن أعينهم منتفخة جمع يقظ بكسر القاف ( وهم رقود ) نيام جمع راقد ( ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ) لئلا تأكل الأرض لحومهم ( وكلبهم باسط ذراعيه ) يديه ( بالوصيد ) بفناء الكهف وكانوا إذا انقلبوا انقلب هو مثلهم في النوم واليقظة ( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت ) بالتشديد والتخفيف ( منهم رعبا ) بسكون العين وضمها منعهم الله بالرعب من دخول أحد عليهم
19. ( وكذلك ) كما فعلنا بهم ما ذكرنا ( بعثناهم ) أيقظناهم ( ليتساءلوا بينهم ) عن حالهم ومدة لبثهم ( قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ) لأنهم دخلوا الكهف عند طلوع الشمس وبعثوا عند غروبها فظنوا أنه غروب يوم الدخول ثم ( قالوا ) متوقفين في ذلك ( ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم ) بسكون الراء وكسرها بفضتكم ( هذه إلى المدينة ) يقال إنها المسماة الآن طرطوس بفتح الراء ( فلينظر أيها أزكى طعاما ) أي أطعمة المدينة أحل ( فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا )
20. ( إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم ) يقتلوكم بالرجم ( أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا ) أي إن عدتم في ملتهم ( أبدا )
21. ( وكذلك ) كما بعثناهم ( أعثرنا ) أطلعنا ( عليهم ) قومهم والمؤمنين ( ليعلموا ) أي قومهم ( أن وعد الله ) بالبعث ( حق ) بطريق أن القادر على إنامتهم المدة الطويلة وإبقائهم على حالهم بلا غذاء قادر على إحياء الموتى ( وأن الساعة لا ريب ) لا شك ( فيها إذ ) معمول لأعثرنا ( يتنازعون ) أي المؤمنين والكفار ( بينهم أمرهم ) أمر الفتية في البناء حولهم ( فقالوا ) أي الكفار ( ابنوا عليهم ) أي حولهم ( بنيانا ) يسترهم ( ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم ) أمر الفتية وهم المؤمنون ( لنتخذن عليهم ) حولهم ( مسجدا ) يصلى فيه وفعل ذلك على باب الكهف
22. ( سيقولون ) أي المتنازعون في عدد الفتية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أي يقول بعضهم هم ( ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون ) أي بعضهم ( خمسة سادسهم كلبهم ) والقولان لنصارى نجران ( رجما بالغيب ) أي ظنا بالغيبة عنهم وهو راجع إلى القولين معا ونصبه على المفعول له أي لظنهم ذلك ( ويقولون ) أي المؤمنون ( سبعة وثامنهم كلبهم ) الجملة من المبتدأ وخبره صفة سبعة بزيادة الواو وقيل تأكيد ودالة على لصوق الصفة بالموصوف ووصف الأولين بالرجم دون الثالث دليل على أنه مرضي وصحيح ( قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل ) وقال ابن عباس أنا من القليل وذكرهم سبعة ( فلا تمار ) تجادل ( فيهم إلا مراء ظاهرا ) مما أنزل عليك ( ولا تستفت فيهم ) تطلب الفتيا ( منهم ) من أهل الكتاب اليهود ( أحدا ) وسأله أهل مكة عن خبر أهل الكهف فقال اخبركم به غدا ولم يقل إن شاء الله فنزل
23. ( ولا تقولن لشيء ) أي لأجل شيء ( إني فاعل ذلك غدا ) أي فيما يستقبل من الزمان
24. ( إلا أن يشاء الله ) أي إلا متلبسا بمشيئة الله تعالى بأن تقول إن شاء الله ( واذكر ربك ) أي مشيئته معلقا بها ( إذا نسيت ) التعليق بها ويكون ذكرها بعد االنسيان كذكرها مع القول قال الحسن وغيره ما دام في المجلس ( وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا ) من خبر أهل الكهف في الدلالة على نبوتي ( رشدا ) هداية وقد فعل الله ذلك
25. ( ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة ) بالتنوين ( سنين ) عطف بيان لثلاثمائة وهذه السنون الثلاثمائة عند أهل الكتاب شمسية وتزيد القمرية عليها عند العرب تسع سنين وقد ذكرت في قوله ( وازدادوا تسعا ) أي تسع سنين فثلاثمائة الشمسية ثلثمائة وتسع قمرية
26. ( قل الله أعلم بما لبثوا ) ممن اختلفوا فيه وهو ما تقدم ذكره ( له غيب السماوات والأرض ) أي علمه ( أبصر به ) أي بالله هي صيغة تعجب ( وأسمع ) به كذلك بمعنى ما أبصره وما أسمعه وهما على جهة المجاز والمراد أنه تعالى لا يغيب عن بصره وسمعه شيء ( ما لهم ) لأهل السموات والأرض ( من دونه من ولي ) ناصر ( ولا يشرك في حكمه أحدا ) لأنه غني عن الشريك
27. ( واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا ) ملجأ
28. ( واصبر نفسك ) احبسها ( مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون ) بعبادتهم ( وجهه ) تعالى لا شيئا من أعراض الدنيا وهم الفقراء ( ولا تعد ) تنصرف ( عيناك عنهم ) عبر بهما عن صاحبهما ( تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ) أي القرآن هو عيينة بن حصن وأصحابه ( واتبع هواه ) في الشرك ( وكان أمره فرطا ) إسرافا
29. ( وقل ) له ولأصحابه هذا القرآن ( الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) تهديد لهم ( إنا أعتدنا للظالمين ) أي الكافرين ( نارا أحاط بهم سرادقها ) ما أحاط بها ( وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل ) كعكر الزيت ( يشوي الوجوه ) من حره إذا قرب منها ( بئس الشراب ) هو ( وساءت ) أي النار ( مرتفقا ) تمييز منقول عن الفاعل أي قبح مرتفقها وهو مقابل لقوله الآتي في الجنة وحسنت مرتفقا وإلا فأي ارتفاق في النار
30. ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ) الجملة خبر إن الذين وفيها إقامة الظاهر مقام المضمر والمعنى أجرهم أي نثيبهم بما تضمنه
31. ( أولئك لهم جنات عدن ) إقامة ( تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور ) قيل من زائدة وقيل للتبعيض وهي جمع اسورة كأحمرة جمع سوار ( من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس ) مارق من الديباج ( وإستبرق ) ما غلظ منه وفي آية الرحمن بطائنها من استبرق ( متكئين فيها على الأرائك ) جمع أريكة وهي السرير في الحجلة وهي بيت يزين بالثياب والستور للعروس ( نعم الثواب ) الجزاء الجنة ( وحسنت مرتفقا )
32. ( واضرب ) اجعل ( لهم ) للكفار مع المؤمنين ( مثلا رجلين ) بدل وهو وما بعده تفسير للمثل ( جعلنا لأحدهما ) الكافر ( جنتين ) بستانين ( من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا ) يقتات به
33. ( كلتا الجنتين ) كلتا مفرد يدل على التثنية مبتدأ ( آتت ) خبره ( أكلها ) ثمرها ( ولم تظلم ) تنقص ( منه شيئا وفجرنا ) أي شققنا ( خلالهما نهرا ) يجري بينهما
34. ( وكان له ) مع الجنتين ( ثمر ) بفتح الثاء والميم وبضمهما وبضم الأول وسكون الثاني وهو جمع ثمرة كشجرة وشجر وخشبة وخشب وبدنة وبدن ( فقال لصاحبه ) المؤمن ( وهو يحاوره ) يفاخره ( أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ) عشيرة
35. ( ودخل جنته ) بصاحبه يطوف به فيها ويريه أثمارها ولم يقل جنتيه إرادة للروضة وقيل اكتفاء بالواحد ( وهو ظالم لنفسه ) بالكفر ( قال ما أظن أن تبيد ) تنعدم ( هذه أبدا )
36. ( وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي ) في الآخرة على زعمك ( لأجدن خيرا منها منقلبا ) مرجعا
37. ( قال له صاحبه وهو يحاوره ) يجاوبه ( أكفرت بالذي خلقك من تراب ) لأن آدم خلق منه ( ثم من نطفة ) مني ( ثم سواك ) عدلك وصيرك ( رجلا )
38. ( لكن ) أصله لكن أنا نقلت حركة الهمزة إلى النون أو حذفت الهمزة ثم ادغمت النون في مثلها ( هو ) ضمير الشأن تفسره الجملة بعده والمعنى أنا أقول ( الله ربي ولا أشرك بربي أحدا )
39. ( ولولا ) هلا ( إذ دخلت جنتك قلت ) عند إعجابك بها هذا ( ما شاء الله لا قوة إلا بالله ) وفي الحديث من أعطي خيرا من مال أو أهل فيقول عند ذلك ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم ير فيه مكروها ( إن ترن أنا ) ضمير فصل بين المفعولين ( أقل منك مالا وولدا )
40. ( فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ) جواب الشرط ( ويرسل عليها حسبانا ) جمع حسبانة أي صواعق ( من السماء فتصبح صعيدا زلقا ) أرضا ملساء لا يثبت عليها قدم
41. ( أو يصبح ماؤها غورا ) بمعنى غائرا عطف على يرسل دون تصبح لأن غور الماء لا يتسبب عن الصواعق ( فلن تستطيع له طلبا ) حيلة تدركه بها
42. ( وأحيط بثمره ) بأوجه الضبط السابقة مع جنته بالهلاك فهلكت ( فأصبح يقلب كفيه ) ندما وتحسرا ( على ما أنفق فيها ) في عمارة جنته ( وهي خاوية ) ساقطة ( على عروشها ) دعائمها للكرم بأن سقطت ثم سقط الكرم ( ويقول يا ) للتنبيه ( ليتني لم أشرك بربي أحدا )
43. ( ولم تكن ) بالتاء والياء ( له فئة ) جماعة ( ينصرونه من دون الله ) عند هلاكها ( وما كان منتصرا ) عند هلاكها بنفسه
44. ( هنالك ) أي يوم القيامة ( الولاية ) بفتح الواو النصرة وبكسرها الملك ( لله الحق ) بالرفع صفة الولاية وبالجر صفة الجلالة ( هو خير ثوابا ) من ثواب غيره لو كان يثيب ( وخير عقبا ) بضم القاف وسكونها عاقبة المؤمنين ونصبهما على التمييز
45. ( واضرب ) صير ( لهم ) لقومك ( مثل الحياة الدنيا ) مفعول أول ( كماء ) مفعول ثان ( أنزلناه من السماء فاختلط به ) تكاثف بسبب نزول الماء ( نبات الأرض ) أو امتزج الماء بالنبات فروي وحسن ( فأصبح ) صار النبات ( هشيما ) يابسا متفرقة أجزاؤه ( تذروه ) تنثره وتفرقه ( الرياح ) فتذهب به المعنى شبه الدنيا بنبات حسن فيبس فتكسر ففرقته الرياح وفي قراءة الريح ( وكان الله على كل شيء مقتدرا ) قادرا
46. ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) يتجمل بهما فيها ( والباقيات الصالحات ) هي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر زاد بعضهم ولا حول ولا قوة إلا بالله ( خير عند ربك ثوابا وخير أملا ) أي ما يأمله الإنسان ويرجوه عند الله تعالى
47. واذكر ( ويوم نسير الجبال ) يذهب بها عن وجه الأرض فتصير هباء منبثا وفي قراءة بالنون وكسر الياء ونصب الجبال ( وترى الأرض بارزة ) ظاهرة ليس عليها شيء من جبل ولا غيره ( وحشرناهم ) المؤمنين والكافرين ( فلم نغادر ) نترك ( منهم أحدا )
48. ( وعرضوا على ربك صفا ) حال أي مصطفين كل امة صف ويقال لهم ( لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ) أي فرادى حفاة عراة عزلا ويقال لمنكري البعث ( بل زعمتم ) أن مخففة من الثقيلة أي أنه ( ألن نجعل لكم موعدا ) للبعث
49. ( ووضع الكتاب ) كتاب كل امرئ في يمينه من المؤمنين وفي شماله من الكافرين ( فترى المجرمين ) الكافرين ( مشفقين ) خائفين ( مما فيه ويقولون ) عند معاينتهم ما فيه من السيئات ( يا ) للتنبيه ( ويلتنا ) هلكتنا وهو مصدر لا فعل له من لفظه ( ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ) من ذنوبنا ( إلا أحصاها ) عدها وأثبتها تعجبوا منه في ذلك ( ووجدوا ما عملوا حاضرا ) مثبتا في كتابهم ( ولا يظلم ربك أحدا ) لا يعاقبه بغير جرم ولا ينقص من ثواب مؤمن
50. ( وإذ ) منصوب باذكر ( قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) سجود انحناء وضع جبهة تحية له ( فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ) قيل هم نوع من الملائكة فالاستثناء متصل وقيل منقطع وإبليس هو أبو الجن فله ذرية ذكرت معه بعد والملائكة لا ذرية لهم ( ففسق عن أمر ربه ) أي خرج عن طاعته بترك السجود ( أفتتخذونه وذريته ) الخطاب لآدم وذريته والهاء في الموضعين لإبليس ( أولياء من دوني ) تطيعونهم ( وهم لكم عدو ) أي أعداء ( بئس للظالمين بدلا ) إبليس وذريته في إطاعتهم بدل إطاعة الله
51. ( ما أشهدتهم ) أي إبليس وذريته ( خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم ) أي لم أحضر بعضهم خلق بعض ( وما كنت متخذ المضلين ) الشياطين ( عضدا ) أعوانا في الخلق فكيف تطيعونهم
52. ( ويوم ) منصوب باذكر ( يقول ) بالياء والنون ( نادوا شركائي ) الأوثان ( الذين زعمتم ) ليشفعوا لكم بزعمكم ( فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ) لم يجيبوهم ( وجعلنا بينهم ) وبين الأوثان وعابديها ( موبقا ) واديا من أودية جهنم يهلكون فيه جميعا وهو من وبق بالفتح هلك
53. ( ورأى المجرمون النار فظنوا ) أي أيقنوا ( أنهم مواقعوها ) أي واقعون فيها ( ولم يجدوا عنها مصرفا ) معدلا
54. ( ولقد صرفنا ) بينا ( في هذا القرآن للناس من كل مثل ) صفة لمحذوف أي مثلا من جنس كل مثل ليتعظوا ( وكان الإنسان ) أي الكافر ( أكثر شيء جدلا ) خصومة في الباطل وهو تمييز منقول من اسم كان المعنى وكان جدل الإنسان أكثر شيء فيه
55. ( وما منع الناس ) أي كفار مكة ( أن يؤمنوا ) مفعول ثان ( إذ جاءهم الهدى ) القرآن ( ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين ) فاعل أي سنتنا فيهم وهي الإهلاك المقدر عليهم ( أو يأتيهم العذاب قبلا ) مقابلة وعيانا وهو القتل يوم بدر وفي قراءة بضمتين جمع قبيل أي أنواعا
56. ( وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ) للمؤمنين ( ومنذرين ) مخوفين للكافرين ( ويجادل الذين كفروا بالباطل ) بقولهم أبعث الله بشرا رسولا ونحوه ( ليدحضوا به ) ليبطلوا بجدالهم ( الحق ) القرآن ( واتخذوا آياتي ) أي القرآن ( وما أنذروا ) به من النار ( هزوا ) سخرية
57. ( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه ) ما عمل من الكفر والمعاصي ( إنا جعلنا على قلوبهم أكنة ) أغطية ( أن يفقهوه ) أي من أن يفهموا القرآن أي فلا يفهمونه ( وفي آذانهم وقرا ) ثقلا فلا يسمعونه ( وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا ) أي بالجعل المذكور ( أبدا )
58. ( وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم ) في الدنيا ( بما كسبوا لعجل لهم العذاب ) فيها ( بل لهم موعد ) وهو يوم القيامة ( لن يجدوا من دونه موئلا ) ملجأ
59. ( وتلك القرى ) أي أهلها كعاد وثمود وغيرهما ( أهلكناهم لما ظلموا ) كفروا ( وجعلنا لمهلكهم ) لإهلاكهم وفي قراءة بفتح الميم أي لهلاكهم ( موعدا )
60. واذكر ( وإذ قال موسى ) هو ابن عمران ( لفتاه ) يوشع بن نون كان يتبعه ويخدمه ويأخذ عنه العلم ( لا أبرح ) لا أزال أسير ( حتى أبلغ مجمع البحرين ) ملتقى بحر الروم وبحر فارس مما يلي المشرق أي المكان الجامع لذلك ( أو أمضي حقبا ) دهرا طويلا في بلوغه إن بعد
61. ( فلما بلغا مجمع بينهما ) بين البحرين ( نسيا حوتهما ) نسي يوشع حمله عند الرحيل ونسي موسى تذكيره ( فاتخذ ) الحوت ( سبيله في البحر ) أي جعله بجعل الله ( سربا ) أي مثل السرب وهو الشق الطويل لانفاذ له وذلك أن الله تعالى أمسك عن الحوت جري الماء فانجاب عنه فبقي كالكوة لم يلتئم وجمد ما تحته منه
62. ( فلما جاوزا ) ذلك المكان بالسير إلى وقت الغداء من ثاني يوم ( قال ) موسى ( لفتاه آتنا غداءنا ) هو ما يؤكل أول النهار ( لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ) تعبا وحصوله بعد المجاوزة
63. ( قال أرأيت ) أي تنبه ( إذ أوينا إلى الصخرة ) بذلك المكان ( فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان ) يبدل من الهاء ( أن أذكره ) بدل اشتمال أي أنساني ذكره ( واتخذ ) الحوت ( سبيله في البحر عجبا ) مفعول ثان أي يتعجب منه موسى وفتاه لما تقدم في بيانه
64. ( قال ) موسى ( ذلك ) أي فقدنا الحوت ( ما ) أي الذي ( كنا نبغ ) نطلبه فإنه علامة لنا على وجود من نطلبه ( فارتدا ) رجعا ( على آثارهما ) يقصانها ( قصصا ) فأتيا الصخرة
65. ( فوجدا عبدا من عبادنا ) هو الخضر ( آتيناه رحمة من عندنا ) نبوة في قول وولاية في آخر وعليه أكثر العلماء ( وعلمناه من لدنا ) من قبلنا ( علما ) مفعول ثان أي معلوما من المغيبات روى البخاري حديث أن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم فقال أنا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى يا رب فكيف لي به قال تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى أتيا الصخرة ووضعا رأسيهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا وأمسك الله عن الحوت جريه بالماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كانا من الغداة قال موسى لفتاه آتنا غداءنا إلى قوله واتخذ سبيله في البحر عجبا قال وكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا الخ
66. ( قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ) أي صوابا ارشد به وفي قراءة بضم الراء وسكون الشين وسأله ذلك لأن الزيادة في العلم مطلوبة
67. ( قال إنك لن تستطيع معي صبرا )
68. ( وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ) في الحديث السابق عقب هذه الآية يا موسى إني على علم من الله علمنية لا تعلمه وأنت على علم من الله علمكه الله لا أعلمه وقوله خبرا مصدر بمعنى لم تحط أي لم تخبر حقيقته
69. ( قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي ) أي وغير عاص ( لك أمرا ) تأمرني به وقيد بالمشيئة لأنه لم يكن على ثقة من نفسه فيما التزم وهذه عادة الأنبياء والأولياء أن لا يثقوا بأنفسهم طرفة عين
70. ( قال فإن اتبعتني فلا تسألني ) وفي قراءة بفتح اللام وتشديد النون ( عن شيء ) تنكره مني في علمك واصبر ( حتى أحدث لك منه ذكرا ) أي أذكره لك بعلته فقبل موسى شرطه رعاية لأدب المتعلم مع العالم
71. ( فانطلقا ) يمشيان على ساحل البحر ( حتى إذا ركبا في السفينة ) التي مرت بهما ( خرقها ) الخضر بأن اقتلع لوحا أو لوحين منها من جهة البحر بفأس لما بلغت اللجج ( قال ) له موسى ( أخرقتها لتغرق أهلها ) وفي قراءة بفتح التحتية والراء ورفع أهلها ( لقد جئت شيئا إمرا ) أي عظيما منكرا روي أن الماء لم يدخلها
72. ( قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا )
73. ( قال لا تؤاخذني بما نسيت ) أي غفلت عن التسليم لك وترك الإنكار عليك ( ولا ترهقني ) تكلفني ( من أمري عسرا ) مشقة في صحبتي إياك أي عاملني فيها بالعفو واليسر
74. ( فانطلقا ) بعد خروجهما من السفينة يمشيان ( حتى إذا لقيا غلاما ) لم يبلغ الحنث يلعب مع الصبيان أحسنهم وجها ( فقتله ) الخضر بأن ذبحه بالسكين أو اقتلع رأسه بيده أو ضرب رأسه بالجدار أقوال وأتى هنا بالفاء العاطفة لأن القتل عقب اللقاء وجواب إذا ( قال ) موسى ( أقتلت نفسا زكية ) أي طاهرة لم تبلغ حد التكليف وفي قراءة ذكية بتشديد الياء بلا ألف ( بغير نفس ) أي لم تقتل نفسا ( لقد جئت شيئا نكرا ) بسكون الكاف وضمها أي منكرا
75. ( قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ) زاد لك على ما قبله لعدم العذر هنا
76. ولهذا ( قال إن سألتك عن شيء بعدها ) أي بعد هذه المرة ( فلا تصاحبني ) لا تتركني أتبعك ( قد بلغت من لدني ) بالتشديد والتخفيف من قبلي ( عذرا ) في مفارقتك لي
77. ( فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية ) هي أنطاكية ( استطعما أهلها ) طلبا منهم الطعام بضيافة ( فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا ) ارتفاعه مائة ذراع ( يريد أن ينقض ) أي يقرب أن يسقط لميلانه ( فأقامه ) الخضر بيده ( قال ) له موسى ( لو شئت لاتخذت ) وفي قراءة لاتخذت ( عليه أجرا ) جعلا حيث لم يضيفونا مع حاجتنا إلى الطعام
78. ( قال ) له الخضر ( هذا فراق ) أي وقت فراق ( بيني وبينك ) فيه إضافة بين إلى غير متعدد سوغها تكريره بالعطف بالواو ( سأنبئك ) قبل فراقي لك ( بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا )
79. ( أما السفينة فكانت لمساكين ) عشرة ( يعملون في البحر ) بها مؤاجرة لها طلبا للكسب ( فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ) إذا رجعوا أو أمامهم الآن ( ملك ) كافر ( يأخذ كل سفينة ) صالحة ( غصبا ) نصبه على المصدر المبين لنوع الأخذ
80. ( وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا ) فإنه كما في حديث مسلم طبع كافرا ولو عاش لأرهقهما ذلك لمحبتهما له يتبعانه في ذلك
81. ( فأردنا أن يبدلهما ) بالتشديد والتخفيف ( ربهما خيرا منه زكاة ) أي صلاحا وتقى ( وأقرب ) منه ( رحما ) بسكون الحاء وضمها رحمة وهي البر بوالديه فأبدلهما تعالى جارية تزوجت نبيا فولدت نبيا فهدى الله تعالى به أمة
82. ( وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز ) مال مدفون من ذهب وفضة ( لهما وكان أبوهما صالحا ) فحفظا بصلاحه في أنفسهما ومالهما ( فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ) أي إيناس رشدهما ( ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك ) مفعول له عامله أراد ( وما فعلته ) أي ما ذكر من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار ( عن أمري ) أي اختياري بل بأمر إلهام من الله ( ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ) ويقال استطاع واستطاع بمعنى أطاق ففي هذا وما قبله جمع بين اللغتين ونوعت العبارة فأردت فأردنا فأراد ربك
83. ( ويسألونك ) أي اليهود ( عن ذي القرنين ) اسمه الإسكندر ولم يكن نبيا ( قل سأتلوا ) سأقص ( عليكم منه ) من حاله ( ذكرا ) خبرا
84. ( إنا مكنا له في الأرض ) بتسهيل السير فيها ( وآتيناه من كل شيء ) يحتاج إليه ( سببا ) طريقا يوصله إلى مراده
85. ( فأتبع سببا ) سلك طريقا نحو الغرب
86. ( حتى إذا بلغ مغرب الشمس ) موضع غروبها ( وجدها تغرب في عين حمئة ) ذات حمأة وهي الطين الأسود وغروبها في العين في رأي العين وإلا فهي اعظم من الدنيا ( ووجد عندها ) أي العين ( قوما ) كافرين ( قلنا يا ذا القرنين ) بإلهام ( إما أن تعذب ) القوم بالقتل ( وإما أن تتخذ فيهم حسنا ) بالأسر
87. ( قال أما من ظلم ) بالشرك ( فسوف نعذبه ) نقتله ( ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ) بسكون الكاف وضمها شديدا في النار
88. ( وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى ) أي الجنة والإضافة للبيان وفي قراءة جزاء وتنوينه قال الفراء ونصبه على التفسير أي لجهة النسبة ( وسنقول له من أمرنا يسرا ) أي نأمره بما يسهل عليه
89. ( ثم أتبع سببا ) نحو المشرق
90. ( حتى إذا بلغ مطلع الشمس ) موضع طلوعها ( وجدها تطلع على قوم ) هم الزنج ( لم نجعل لهم من دونها ) أي الشمس ( سترا ) من لباس ولا سقف لأن أرضهم لا تحمل بناء ولهم سروب يغيبون فيها عند طلوع الشمس ويظهرون عند ارتفاعها
91. ( كذلك ) أي الأمر كما قلنا ( وقد أحطنا بما لديه ) أي عند ذي القرنين من الآلات والجند وغيرهما ( خبرا ) علما
92. ( ثم أتبع سببا )
93. ( حتى إذا بلغ بين السدين ) بفتح السين وضمها هنا وبعدهما جبلان بمنقطع بلاد الترك سد الإسكندر ما بينهما كما سيأتي ( وجد من دونهما ) أي أمامهما ( قوما لا يكادون يفقهون قولا ) أي لا يفهمونه إلا بعد بطء وفي قراءة بضم االياء وكسر القاف
94. ( قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج ) بالهمز وتركه هما اسمان أعجميان لقبيلتين فلم ينصرفا ( مفسدون في الأرض ) بالنهب والغي عند خروجهم إلينا ( فهل نجعل لك خرجا ) جعلا من المال وفي قراءة خراجا ( على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ) حاجزا فلا يصلوا إلينا
95. ( قال ما مكني ) وفي قراءة بنونين من غير إدغام ( فيه ربي ) من المال وغيره ( خير ) من خرجكم الذي تجعلونه لي فلا حاجة بي إليه وأجعل لكم السد تبرعا ( فأعينوني بقوة ) لما أطلبه منكم ( أجعل بينكم وبينهم ردما ) حاجزا حصينا
96. ( آتوني زبر الحديد ) قطعة على قدر الحجارة التي يبنى بها فبنى بها وجعل بينها الحطب والفحم ( حتى إذا ساوى بين الصدفين ) بضم الحرفين وفتحهما وضم الأول وسكون الثاني أي جانبي الجبلين بالبناء ووضع المنافخ والنار حول ذلك ( قال انفخوا ) فنفخوا ( حتى إذا جعله ) أي الحديد ( نارا ) أي كالنار ( قال آتوني أفرغ عليه قطرا ) هو النحاس المذاب تنازع فيه الفعلان وحذف من الأول لاعمال الثاني فأفرغ النحاس المذاب على الحديد المحمي فدخل بين زبره فصار شيئا واحدا
97. ( فما اسطاعوا ) أي يأجوج ومأجوج ( أن يظهروه ) يعلوا ظهره لارتفاعه وملاسته ( وما استطاعوا له نقبا ) خرفا لصلابته وسمكه
98. ( قال ) ذو القرنين ( هذا ) أي السد أي الإقدار عليه ( رحمة من ربي ) نعمة لأنه مانع من خروجهم ( فإذا جاء وعد ربي ) بخروجهم القريب من البعث ( جعله دكاء ) مدكوكا مبسوطا ( وكان وعد ربي ) بخروجهم وغيره ( حقا ) كائنا
99. ( وتركنا بعضهم يومئذ ) يوم خروجهم ( يموج في بعض ) يختلط به لكثرتهم ( ونفخ في الصور ) أي القرن للبعث ( فجمعناهم ) أي الخلائق في مكان واحد يوم القيامة ( جمعا )
100. ( وعرضنا ) قربنا ( جهنم يومئذ للكافرين عرضا )
101. ( الذين كانت أعينهم ) بدل من الكافرين ( في غطاء عن ذكري ) أي القرآن فهم عمي لا يهتدون به ( وكانوا لا يستطيعون سمعا ) أي لا يقدرون أن يسمعوا من النبي ما يتلو عليهم بغضا له فلا يؤمنوا به
102. ( أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي ) أي ملائكتي وعيسى وعزيزا ( من دوني أولياء ) أربابا مفعول ثان ليتخذوا والمفعول الثاني لحسب محذوف المعنى أظنوا أن الاتخاذ المذكور لا يغضبني ولا أعاقبهم عليه كلا ( إنا أعتدنا جهنم للكافرين ) هؤلاء وغيرهم ( نزلا ) أي هي معدة لهم كالمنزل المعد للضيف
103. ( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ) تمييز طابق المميز وبينهم بقوله
104. ( الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ) بطل عملهم ( وهم يحسبون ) يظنون ( أنهم يحسنون صنعا ) عملا يجازون عليه
105. ( أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ) بدلائل توحيده من القرآن وغيره ( ولقائه ) أي وبالبعث والحساب والثواب والعقاب ( فحبطت أعمالهم ) بطلت ( فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ) أي لا نجعل لهم قدرا
106. ( ذلك ) أي الأمر الذي ذكرت عن حبوط أعمالهم وغيره مبتدأ خبره ( جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا ) أي مهزوءا بهما
107. ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم ) في علم الله ( جنات الفردوس ) هو وسط الجنة وأعلاها والإضافة إليه للبيان ( نزلا ) منزلا
108. ( خالدين فيها لا يبغون ) يطلبون ( عنها حولا ) تحولا إلى غيرها
109. ( قل لو كان البحر ) أي ماؤه ( مدادا ) هو ما يكتب به ( لكلمات ربي ) الدالة على حكمه وعجائبه بأن تكتب به ( لنفد البحر ) في كتابتها ( قبل أن تنفد ) بالتاء والياء تفرغ ( كلمات ربي ولو جئنا بمثله ) أي البحر ( مددا ) زيادة فيه لنفد ولم تفرغ هي ونصبه على التمييز
110. ( قل إنما أنا بشر ) آدمي ( مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ) أن المكفوفة بما باقية على مصدريتها والمعنى يوحى إلي وحدانية الإله ( فمن كان يرجوا ) يأمل ( لقاء ربه ) بالبعث والجزاء ( فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه ) أي فيها بأن يرائي ( أحدا )
1. ( الحمد ) وهو الوصف بالجميل ثابت ( لله ) تعالى وهل المراد الإعلام بذلك للإيمان به أو الثناء به أو هما احتمالات أفيدها الثالث ( الذي أنزل على عبده ) محمد ( الكتاب ) القرآن ( ولم يجعل له ) أي فيه ( عوجا ) اختلافا أو تناقضا والجملة حال من الكتاب
2. ( قيما ) مستقيما حال ثانية مؤكدة ( لينذر ) يخوف بالكتاب الكافرين ( بأسا ) عذابا ( شديدا من لدنه ) من قبل الله ( ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا )
3. ( ماكثين فيه أبدا ) هو الجنة
4. ( وينذر ) من جملة الكافرين ( الذين قالوا اتخذ الله ولدا )
5. ( ما لهم به ) بهذا القول ( من علم ولا لآبائهم ) من قبلهم القائلين له ( كبرت ) عظمت ( كلمة تخرج من أفواههم ) كلمة تمييز مفسر للضمير المبهم والمخصوص بالذم محذوف أي مقالتهم المذكورة ( إن ) ما ( يقولون ) في ذلك ( إلا ) مقولا ( كذبا )
6. ( فلعلك باخع ) مهلك ( نفسك على آثارهم ) بعدهم أي بعد توليهم عنك ( إن لم يؤمنوا بهذا الحديث ) القرآن ( أسفا ) غيظا وحزنا منك لحرصك على إيمانهم ونصبه على المفعول له
7. ( إنا جعلنا ما على الأرض ) من الحيوان والنبات والشجر والأنهار وغير ذلك ( زينة لها لنبلوهم ) لنختبر الناس ناظرين إلى ذلك ( أيهم أحسن عملا ) فيه أي أزهد له
8. ( وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا ) فتاتا ( جرزا ) يابسا لا ينبت
9. ( أم حسبت ) أي ظننت ( أن أصحاب الكهف ) الغار في الجبل ( والرقيم ) اللوح المكتوب فيه أسماؤهم وأنسابهم وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن قصتهم ( كانوا ) في قصتهم ( من ) جملة ( آياتنا عجبا ) خبر كان وما قبله حال أي كانوا عجبا دون باقي الآيات أو أعجبها ليس الأمر كذلك
10. اذكر ( إذ أوى الفتية إلى الكهف ) جمع فتى وهو الشاب الكامل خائفين على إيمانهم من قومهم الكفار ( فقالوا ربنا آتنا من لدنك ) من قبلك ( رحمة وهيئ ) أصلح ( لنا من أمرنا رشدا ) هداية
11. ( فضربنا على آذانهم ) أي أنمناهم ( في الكهف سنين عددا ) معدودة
12. ( ثم بعثناهم ) أيقظناهم ( لنعلم ) علم مشاهدة ( أي الحزبين ) الفريقين المختلفين في مدة لبثهم ( أحصى ) أفعل بمعنى أضبط ( لما لبثوا ) للبثهم متعلق بما بعده ( أمدا ) غاية
13. ( نحن نقص ) نقرأ ( عليك نبأهم بالحق ) بالصدق ( إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى )
14. ( وربطنا على قلوبهم ) قويناهم على قول الحق ( إذ قاموا ) بين يدي يملكهم وقد أمرهم بالسجود للأصنام ( فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه ) أي غيره ( إلها لقد قلنا إذا شططا ) أي قولا ذا شطط أي إفراط في الكفر إن دعونا إلها غير الله فرضا
15. ( هؤلاء ) مبتدأ ( قومنا ) عطف بيان ( اتخذوا من دونه آلهة لولا ) هلا ( يأتون عليهم ) على عبادتهم ( بسلطان بين ) بحجة ظاهرة ( فمن أظلم ) أي لا أحد اظلم ( ممن افترى على الله كذبا ) بنسبة الشريك إليك تعالى قال بعض الفتية لبعض
16. ( وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهييء لكم من أمركم مرفقا ) بكسر الميم وفتح الفاء وبالعكس ما ترتفقون به من غداء وعشاء
17. ( وترى الشمس إذا طلعت تزاور ) بالتشديد والتخفيف تميل ( عن كهفهم ذات اليمين ) ناحيته ( وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال ) تتركهم وتتجاوز عنهم فلا تصيبهم البتة ( وهم في فجوة منه ) متسع من الكهف ينالهم برد الريح ونسيمها ( ذلك ) المذكور ( من آيات الله ) دلائل قدرته ( من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا )
18. ( وتحسبهم ) لو رأيتهم ( أيقاظا ) أي منتبهين لأن أعينهم منتفخة جمع يقظ بكسر القاف ( وهم رقود ) نيام جمع راقد ( ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ) لئلا تأكل الأرض لحومهم ( وكلبهم باسط ذراعيه ) يديه ( بالوصيد ) بفناء الكهف وكانوا إذا انقلبوا انقلب هو مثلهم في النوم واليقظة ( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت ) بالتشديد والتخفيف ( منهم رعبا ) بسكون العين وضمها منعهم الله بالرعب من دخول أحد عليهم
19. ( وكذلك ) كما فعلنا بهم ما ذكرنا ( بعثناهم ) أيقظناهم ( ليتساءلوا بينهم ) عن حالهم ومدة لبثهم ( قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ) لأنهم دخلوا الكهف عند طلوع الشمس وبعثوا عند غروبها فظنوا أنه غروب يوم الدخول ثم ( قالوا ) متوقفين في ذلك ( ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم ) بسكون الراء وكسرها بفضتكم ( هذه إلى المدينة ) يقال إنها المسماة الآن طرطوس بفتح الراء ( فلينظر أيها أزكى طعاما ) أي أطعمة المدينة أحل ( فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا )
20. ( إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم ) يقتلوكم بالرجم ( أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا ) أي إن عدتم في ملتهم ( أبدا )
21. ( وكذلك ) كما بعثناهم ( أعثرنا ) أطلعنا ( عليهم ) قومهم والمؤمنين ( ليعلموا ) أي قومهم ( أن وعد الله ) بالبعث ( حق ) بطريق أن القادر على إنامتهم المدة الطويلة وإبقائهم على حالهم بلا غذاء قادر على إحياء الموتى ( وأن الساعة لا ريب ) لا شك ( فيها إذ ) معمول لأعثرنا ( يتنازعون ) أي المؤمنين والكفار ( بينهم أمرهم ) أمر الفتية في البناء حولهم ( فقالوا ) أي الكفار ( ابنوا عليهم ) أي حولهم ( بنيانا ) يسترهم ( ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم ) أمر الفتية وهم المؤمنون ( لنتخذن عليهم ) حولهم ( مسجدا ) يصلى فيه وفعل ذلك على باب الكهف
22. ( سيقولون ) أي المتنازعون في عدد الفتية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أي يقول بعضهم هم ( ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون ) أي بعضهم ( خمسة سادسهم كلبهم ) والقولان لنصارى نجران ( رجما بالغيب ) أي ظنا بالغيبة عنهم وهو راجع إلى القولين معا ونصبه على المفعول له أي لظنهم ذلك ( ويقولون ) أي المؤمنون ( سبعة وثامنهم كلبهم ) الجملة من المبتدأ وخبره صفة سبعة بزيادة الواو وقيل تأكيد ودالة على لصوق الصفة بالموصوف ووصف الأولين بالرجم دون الثالث دليل على أنه مرضي وصحيح ( قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل ) وقال ابن عباس أنا من القليل وذكرهم سبعة ( فلا تمار ) تجادل ( فيهم إلا مراء ظاهرا ) مما أنزل عليك ( ولا تستفت فيهم ) تطلب الفتيا ( منهم ) من أهل الكتاب اليهود ( أحدا ) وسأله أهل مكة عن خبر أهل الكهف فقال اخبركم به غدا ولم يقل إن شاء الله فنزل
23. ( ولا تقولن لشيء ) أي لأجل شيء ( إني فاعل ذلك غدا ) أي فيما يستقبل من الزمان
24. ( إلا أن يشاء الله ) أي إلا متلبسا بمشيئة الله تعالى بأن تقول إن شاء الله ( واذكر ربك ) أي مشيئته معلقا بها ( إذا نسيت ) التعليق بها ويكون ذكرها بعد االنسيان كذكرها مع القول قال الحسن وغيره ما دام في المجلس ( وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا ) من خبر أهل الكهف في الدلالة على نبوتي ( رشدا ) هداية وقد فعل الله ذلك
25. ( ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة ) بالتنوين ( سنين ) عطف بيان لثلاثمائة وهذه السنون الثلاثمائة عند أهل الكتاب شمسية وتزيد القمرية عليها عند العرب تسع سنين وقد ذكرت في قوله ( وازدادوا تسعا ) أي تسع سنين فثلاثمائة الشمسية ثلثمائة وتسع قمرية
26. ( قل الله أعلم بما لبثوا ) ممن اختلفوا فيه وهو ما تقدم ذكره ( له غيب السماوات والأرض ) أي علمه ( أبصر به ) أي بالله هي صيغة تعجب ( وأسمع ) به كذلك بمعنى ما أبصره وما أسمعه وهما على جهة المجاز والمراد أنه تعالى لا يغيب عن بصره وسمعه شيء ( ما لهم ) لأهل السموات والأرض ( من دونه من ولي ) ناصر ( ولا يشرك في حكمه أحدا ) لأنه غني عن الشريك
27. ( واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا ) ملجأ
28. ( واصبر نفسك ) احبسها ( مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون ) بعبادتهم ( وجهه ) تعالى لا شيئا من أعراض الدنيا وهم الفقراء ( ولا تعد ) تنصرف ( عيناك عنهم ) عبر بهما عن صاحبهما ( تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ) أي القرآن هو عيينة بن حصن وأصحابه ( واتبع هواه ) في الشرك ( وكان أمره فرطا ) إسرافا
29. ( وقل ) له ولأصحابه هذا القرآن ( الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) تهديد لهم ( إنا أعتدنا للظالمين ) أي الكافرين ( نارا أحاط بهم سرادقها ) ما أحاط بها ( وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل ) كعكر الزيت ( يشوي الوجوه ) من حره إذا قرب منها ( بئس الشراب ) هو ( وساءت ) أي النار ( مرتفقا ) تمييز منقول عن الفاعل أي قبح مرتفقها وهو مقابل لقوله الآتي في الجنة وحسنت مرتفقا وإلا فأي ارتفاق في النار
30. ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ) الجملة خبر إن الذين وفيها إقامة الظاهر مقام المضمر والمعنى أجرهم أي نثيبهم بما تضمنه
31. ( أولئك لهم جنات عدن ) إقامة ( تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور ) قيل من زائدة وقيل للتبعيض وهي جمع اسورة كأحمرة جمع سوار ( من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس ) مارق من الديباج ( وإستبرق ) ما غلظ منه وفي آية الرحمن بطائنها من استبرق ( متكئين فيها على الأرائك ) جمع أريكة وهي السرير في الحجلة وهي بيت يزين بالثياب والستور للعروس ( نعم الثواب ) الجزاء الجنة ( وحسنت مرتفقا )
32. ( واضرب ) اجعل ( لهم ) للكفار مع المؤمنين ( مثلا رجلين ) بدل وهو وما بعده تفسير للمثل ( جعلنا لأحدهما ) الكافر ( جنتين ) بستانين ( من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا ) يقتات به
33. ( كلتا الجنتين ) كلتا مفرد يدل على التثنية مبتدأ ( آتت ) خبره ( أكلها ) ثمرها ( ولم تظلم ) تنقص ( منه شيئا وفجرنا ) أي شققنا ( خلالهما نهرا ) يجري بينهما
34. ( وكان له ) مع الجنتين ( ثمر ) بفتح الثاء والميم وبضمهما وبضم الأول وسكون الثاني وهو جمع ثمرة كشجرة وشجر وخشبة وخشب وبدنة وبدن ( فقال لصاحبه ) المؤمن ( وهو يحاوره ) يفاخره ( أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ) عشيرة
35. ( ودخل جنته ) بصاحبه يطوف به فيها ويريه أثمارها ولم يقل جنتيه إرادة للروضة وقيل اكتفاء بالواحد ( وهو ظالم لنفسه ) بالكفر ( قال ما أظن أن تبيد ) تنعدم ( هذه أبدا )
36. ( وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي ) في الآخرة على زعمك ( لأجدن خيرا منها منقلبا ) مرجعا
37. ( قال له صاحبه وهو يحاوره ) يجاوبه ( أكفرت بالذي خلقك من تراب ) لأن آدم خلق منه ( ثم من نطفة ) مني ( ثم سواك ) عدلك وصيرك ( رجلا )
38. ( لكن ) أصله لكن أنا نقلت حركة الهمزة إلى النون أو حذفت الهمزة ثم ادغمت النون في مثلها ( هو ) ضمير الشأن تفسره الجملة بعده والمعنى أنا أقول ( الله ربي ولا أشرك بربي أحدا )
39. ( ولولا ) هلا ( إذ دخلت جنتك قلت ) عند إعجابك بها هذا ( ما شاء الله لا قوة إلا بالله ) وفي الحديث من أعطي خيرا من مال أو أهل فيقول عند ذلك ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم ير فيه مكروها ( إن ترن أنا ) ضمير فصل بين المفعولين ( أقل منك مالا وولدا )
40. ( فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ) جواب الشرط ( ويرسل عليها حسبانا ) جمع حسبانة أي صواعق ( من السماء فتصبح صعيدا زلقا ) أرضا ملساء لا يثبت عليها قدم
41. ( أو يصبح ماؤها غورا ) بمعنى غائرا عطف على يرسل دون تصبح لأن غور الماء لا يتسبب عن الصواعق ( فلن تستطيع له طلبا ) حيلة تدركه بها
42. ( وأحيط بثمره ) بأوجه الضبط السابقة مع جنته بالهلاك فهلكت ( فأصبح يقلب كفيه ) ندما وتحسرا ( على ما أنفق فيها ) في عمارة جنته ( وهي خاوية ) ساقطة ( على عروشها ) دعائمها للكرم بأن سقطت ثم سقط الكرم ( ويقول يا ) للتنبيه ( ليتني لم أشرك بربي أحدا )
43. ( ولم تكن ) بالتاء والياء ( له فئة ) جماعة ( ينصرونه من دون الله ) عند هلاكها ( وما كان منتصرا ) عند هلاكها بنفسه
44. ( هنالك ) أي يوم القيامة ( الولاية ) بفتح الواو النصرة وبكسرها الملك ( لله الحق ) بالرفع صفة الولاية وبالجر صفة الجلالة ( هو خير ثوابا ) من ثواب غيره لو كان يثيب ( وخير عقبا ) بضم القاف وسكونها عاقبة المؤمنين ونصبهما على التمييز
45. ( واضرب ) صير ( لهم ) لقومك ( مثل الحياة الدنيا ) مفعول أول ( كماء ) مفعول ثان ( أنزلناه من السماء فاختلط به ) تكاثف بسبب نزول الماء ( نبات الأرض ) أو امتزج الماء بالنبات فروي وحسن ( فأصبح ) صار النبات ( هشيما ) يابسا متفرقة أجزاؤه ( تذروه ) تنثره وتفرقه ( الرياح ) فتذهب به المعنى شبه الدنيا بنبات حسن فيبس فتكسر ففرقته الرياح وفي قراءة الريح ( وكان الله على كل شيء مقتدرا ) قادرا
46. ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) يتجمل بهما فيها ( والباقيات الصالحات ) هي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر زاد بعضهم ولا حول ولا قوة إلا بالله ( خير عند ربك ثوابا وخير أملا ) أي ما يأمله الإنسان ويرجوه عند الله تعالى
47. واذكر ( ويوم نسير الجبال ) يذهب بها عن وجه الأرض فتصير هباء منبثا وفي قراءة بالنون وكسر الياء ونصب الجبال ( وترى الأرض بارزة ) ظاهرة ليس عليها شيء من جبل ولا غيره ( وحشرناهم ) المؤمنين والكافرين ( فلم نغادر ) نترك ( منهم أحدا )
48. ( وعرضوا على ربك صفا ) حال أي مصطفين كل امة صف ويقال لهم ( لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ) أي فرادى حفاة عراة عزلا ويقال لمنكري البعث ( بل زعمتم ) أن مخففة من الثقيلة أي أنه ( ألن نجعل لكم موعدا ) للبعث
49. ( ووضع الكتاب ) كتاب كل امرئ في يمينه من المؤمنين وفي شماله من الكافرين ( فترى المجرمين ) الكافرين ( مشفقين ) خائفين ( مما فيه ويقولون ) عند معاينتهم ما فيه من السيئات ( يا ) للتنبيه ( ويلتنا ) هلكتنا وهو مصدر لا فعل له من لفظه ( ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ) من ذنوبنا ( إلا أحصاها ) عدها وأثبتها تعجبوا منه في ذلك ( ووجدوا ما عملوا حاضرا ) مثبتا في كتابهم ( ولا يظلم ربك أحدا ) لا يعاقبه بغير جرم ولا ينقص من ثواب مؤمن
50. ( وإذ ) منصوب باذكر ( قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) سجود انحناء وضع جبهة تحية له ( فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ) قيل هم نوع من الملائكة فالاستثناء متصل وقيل منقطع وإبليس هو أبو الجن فله ذرية ذكرت معه بعد والملائكة لا ذرية لهم ( ففسق عن أمر ربه ) أي خرج عن طاعته بترك السجود ( أفتتخذونه وذريته ) الخطاب لآدم وذريته والهاء في الموضعين لإبليس ( أولياء من دوني ) تطيعونهم ( وهم لكم عدو ) أي أعداء ( بئس للظالمين بدلا ) إبليس وذريته في إطاعتهم بدل إطاعة الله
51. ( ما أشهدتهم ) أي إبليس وذريته ( خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم ) أي لم أحضر بعضهم خلق بعض ( وما كنت متخذ المضلين ) الشياطين ( عضدا ) أعوانا في الخلق فكيف تطيعونهم
52. ( ويوم ) منصوب باذكر ( يقول ) بالياء والنون ( نادوا شركائي ) الأوثان ( الذين زعمتم ) ليشفعوا لكم بزعمكم ( فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ) لم يجيبوهم ( وجعلنا بينهم ) وبين الأوثان وعابديها ( موبقا ) واديا من أودية جهنم يهلكون فيه جميعا وهو من وبق بالفتح هلك
53. ( ورأى المجرمون النار فظنوا ) أي أيقنوا ( أنهم مواقعوها ) أي واقعون فيها ( ولم يجدوا عنها مصرفا ) معدلا
54. ( ولقد صرفنا ) بينا ( في هذا القرآن للناس من كل مثل ) صفة لمحذوف أي مثلا من جنس كل مثل ليتعظوا ( وكان الإنسان ) أي الكافر ( أكثر شيء جدلا ) خصومة في الباطل وهو تمييز منقول من اسم كان المعنى وكان جدل الإنسان أكثر شيء فيه
55. ( وما منع الناس ) أي كفار مكة ( أن يؤمنوا ) مفعول ثان ( إذ جاءهم الهدى ) القرآن ( ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين ) فاعل أي سنتنا فيهم وهي الإهلاك المقدر عليهم ( أو يأتيهم العذاب قبلا ) مقابلة وعيانا وهو القتل يوم بدر وفي قراءة بضمتين جمع قبيل أي أنواعا
56. ( وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ) للمؤمنين ( ومنذرين ) مخوفين للكافرين ( ويجادل الذين كفروا بالباطل ) بقولهم أبعث الله بشرا رسولا ونحوه ( ليدحضوا به ) ليبطلوا بجدالهم ( الحق ) القرآن ( واتخذوا آياتي ) أي القرآن ( وما أنذروا ) به من النار ( هزوا ) سخرية
57. ( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه ) ما عمل من الكفر والمعاصي ( إنا جعلنا على قلوبهم أكنة ) أغطية ( أن يفقهوه ) أي من أن يفهموا القرآن أي فلا يفهمونه ( وفي آذانهم وقرا ) ثقلا فلا يسمعونه ( وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا ) أي بالجعل المذكور ( أبدا )
58. ( وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم ) في الدنيا ( بما كسبوا لعجل لهم العذاب ) فيها ( بل لهم موعد ) وهو يوم القيامة ( لن يجدوا من دونه موئلا ) ملجأ
59. ( وتلك القرى ) أي أهلها كعاد وثمود وغيرهما ( أهلكناهم لما ظلموا ) كفروا ( وجعلنا لمهلكهم ) لإهلاكهم وفي قراءة بفتح الميم أي لهلاكهم ( موعدا )
60. واذكر ( وإذ قال موسى ) هو ابن عمران ( لفتاه ) يوشع بن نون كان يتبعه ويخدمه ويأخذ عنه العلم ( لا أبرح ) لا أزال أسير ( حتى أبلغ مجمع البحرين ) ملتقى بحر الروم وبحر فارس مما يلي المشرق أي المكان الجامع لذلك ( أو أمضي حقبا ) دهرا طويلا في بلوغه إن بعد
61. ( فلما بلغا مجمع بينهما ) بين البحرين ( نسيا حوتهما ) نسي يوشع حمله عند الرحيل ونسي موسى تذكيره ( فاتخذ ) الحوت ( سبيله في البحر ) أي جعله بجعل الله ( سربا ) أي مثل السرب وهو الشق الطويل لانفاذ له وذلك أن الله تعالى أمسك عن الحوت جري الماء فانجاب عنه فبقي كالكوة لم يلتئم وجمد ما تحته منه
62. ( فلما جاوزا ) ذلك المكان بالسير إلى وقت الغداء من ثاني يوم ( قال ) موسى ( لفتاه آتنا غداءنا ) هو ما يؤكل أول النهار ( لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ) تعبا وحصوله بعد المجاوزة
63. ( قال أرأيت ) أي تنبه ( إذ أوينا إلى الصخرة ) بذلك المكان ( فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان ) يبدل من الهاء ( أن أذكره ) بدل اشتمال أي أنساني ذكره ( واتخذ ) الحوت ( سبيله في البحر عجبا ) مفعول ثان أي يتعجب منه موسى وفتاه لما تقدم في بيانه
64. ( قال ) موسى ( ذلك ) أي فقدنا الحوت ( ما ) أي الذي ( كنا نبغ ) نطلبه فإنه علامة لنا على وجود من نطلبه ( فارتدا ) رجعا ( على آثارهما ) يقصانها ( قصصا ) فأتيا الصخرة
65. ( فوجدا عبدا من عبادنا ) هو الخضر ( آتيناه رحمة من عندنا ) نبوة في قول وولاية في آخر وعليه أكثر العلماء ( وعلمناه من لدنا ) من قبلنا ( علما ) مفعول ثان أي معلوما من المغيبات روى البخاري حديث أن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم فقال أنا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى يا رب فكيف لي به قال تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى أتيا الصخرة ووضعا رأسيهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا وأمسك الله عن الحوت جريه بالماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كانا من الغداة قال موسى لفتاه آتنا غداءنا إلى قوله واتخذ سبيله في البحر عجبا قال وكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا الخ
66. ( قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ) أي صوابا ارشد به وفي قراءة بضم الراء وسكون الشين وسأله ذلك لأن الزيادة في العلم مطلوبة
67. ( قال إنك لن تستطيع معي صبرا )
68. ( وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ) في الحديث السابق عقب هذه الآية يا موسى إني على علم من الله علمنية لا تعلمه وأنت على علم من الله علمكه الله لا أعلمه وقوله خبرا مصدر بمعنى لم تحط أي لم تخبر حقيقته
69. ( قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي ) أي وغير عاص ( لك أمرا ) تأمرني به وقيد بالمشيئة لأنه لم يكن على ثقة من نفسه فيما التزم وهذه عادة الأنبياء والأولياء أن لا يثقوا بأنفسهم طرفة عين
70. ( قال فإن اتبعتني فلا تسألني ) وفي قراءة بفتح اللام وتشديد النون ( عن شيء ) تنكره مني في علمك واصبر ( حتى أحدث لك منه ذكرا ) أي أذكره لك بعلته فقبل موسى شرطه رعاية لأدب المتعلم مع العالم
71. ( فانطلقا ) يمشيان على ساحل البحر ( حتى إذا ركبا في السفينة ) التي مرت بهما ( خرقها ) الخضر بأن اقتلع لوحا أو لوحين منها من جهة البحر بفأس لما بلغت اللجج ( قال ) له موسى ( أخرقتها لتغرق أهلها ) وفي قراءة بفتح التحتية والراء ورفع أهلها ( لقد جئت شيئا إمرا ) أي عظيما منكرا روي أن الماء لم يدخلها
72. ( قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا )
73. ( قال لا تؤاخذني بما نسيت ) أي غفلت عن التسليم لك وترك الإنكار عليك ( ولا ترهقني ) تكلفني ( من أمري عسرا ) مشقة في صحبتي إياك أي عاملني فيها بالعفو واليسر
74. ( فانطلقا ) بعد خروجهما من السفينة يمشيان ( حتى إذا لقيا غلاما ) لم يبلغ الحنث يلعب مع الصبيان أحسنهم وجها ( فقتله ) الخضر بأن ذبحه بالسكين أو اقتلع رأسه بيده أو ضرب رأسه بالجدار أقوال وأتى هنا بالفاء العاطفة لأن القتل عقب اللقاء وجواب إذا ( قال ) موسى ( أقتلت نفسا زكية ) أي طاهرة لم تبلغ حد التكليف وفي قراءة ذكية بتشديد الياء بلا ألف ( بغير نفس ) أي لم تقتل نفسا ( لقد جئت شيئا نكرا ) بسكون الكاف وضمها أي منكرا
75. ( قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ) زاد لك على ما قبله لعدم العذر هنا
76. ولهذا ( قال إن سألتك عن شيء بعدها ) أي بعد هذه المرة ( فلا تصاحبني ) لا تتركني أتبعك ( قد بلغت من لدني ) بالتشديد والتخفيف من قبلي ( عذرا ) في مفارقتك لي
77. ( فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية ) هي أنطاكية ( استطعما أهلها ) طلبا منهم الطعام بضيافة ( فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا ) ارتفاعه مائة ذراع ( يريد أن ينقض ) أي يقرب أن يسقط لميلانه ( فأقامه ) الخضر بيده ( قال ) له موسى ( لو شئت لاتخذت ) وفي قراءة لاتخذت ( عليه أجرا ) جعلا حيث لم يضيفونا مع حاجتنا إلى الطعام
78. ( قال ) له الخضر ( هذا فراق ) أي وقت فراق ( بيني وبينك ) فيه إضافة بين إلى غير متعدد سوغها تكريره بالعطف بالواو ( سأنبئك ) قبل فراقي لك ( بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا )
79. ( أما السفينة فكانت لمساكين ) عشرة ( يعملون في البحر ) بها مؤاجرة لها طلبا للكسب ( فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ) إذا رجعوا أو أمامهم الآن ( ملك ) كافر ( يأخذ كل سفينة ) صالحة ( غصبا ) نصبه على المصدر المبين لنوع الأخذ
80. ( وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا ) فإنه كما في حديث مسلم طبع كافرا ولو عاش لأرهقهما ذلك لمحبتهما له يتبعانه في ذلك
81. ( فأردنا أن يبدلهما ) بالتشديد والتخفيف ( ربهما خيرا منه زكاة ) أي صلاحا وتقى ( وأقرب ) منه ( رحما ) بسكون الحاء وضمها رحمة وهي البر بوالديه فأبدلهما تعالى جارية تزوجت نبيا فولدت نبيا فهدى الله تعالى به أمة
82. ( وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز ) مال مدفون من ذهب وفضة ( لهما وكان أبوهما صالحا ) فحفظا بصلاحه في أنفسهما ومالهما ( فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ) أي إيناس رشدهما ( ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك ) مفعول له عامله أراد ( وما فعلته ) أي ما ذكر من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار ( عن أمري ) أي اختياري بل بأمر إلهام من الله ( ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ) ويقال استطاع واستطاع بمعنى أطاق ففي هذا وما قبله جمع بين اللغتين ونوعت العبارة فأردت فأردنا فأراد ربك
83. ( ويسألونك ) أي اليهود ( عن ذي القرنين ) اسمه الإسكندر ولم يكن نبيا ( قل سأتلوا ) سأقص ( عليكم منه ) من حاله ( ذكرا ) خبرا
84. ( إنا مكنا له في الأرض ) بتسهيل السير فيها ( وآتيناه من كل شيء ) يحتاج إليه ( سببا ) طريقا يوصله إلى مراده
85. ( فأتبع سببا ) سلك طريقا نحو الغرب
86. ( حتى إذا بلغ مغرب الشمس ) موضع غروبها ( وجدها تغرب في عين حمئة ) ذات حمأة وهي الطين الأسود وغروبها في العين في رأي العين وإلا فهي اعظم من الدنيا ( ووجد عندها ) أي العين ( قوما ) كافرين ( قلنا يا ذا القرنين ) بإلهام ( إما أن تعذب ) القوم بالقتل ( وإما أن تتخذ فيهم حسنا ) بالأسر
87. ( قال أما من ظلم ) بالشرك ( فسوف نعذبه ) نقتله ( ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ) بسكون الكاف وضمها شديدا في النار
88. ( وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى ) أي الجنة والإضافة للبيان وفي قراءة جزاء وتنوينه قال الفراء ونصبه على التفسير أي لجهة النسبة ( وسنقول له من أمرنا يسرا ) أي نأمره بما يسهل عليه
89. ( ثم أتبع سببا ) نحو المشرق
90. ( حتى إذا بلغ مطلع الشمس ) موضع طلوعها ( وجدها تطلع على قوم ) هم الزنج ( لم نجعل لهم من دونها ) أي الشمس ( سترا ) من لباس ولا سقف لأن أرضهم لا تحمل بناء ولهم سروب يغيبون فيها عند طلوع الشمس ويظهرون عند ارتفاعها
91. ( كذلك ) أي الأمر كما قلنا ( وقد أحطنا بما لديه ) أي عند ذي القرنين من الآلات والجند وغيرهما ( خبرا ) علما
92. ( ثم أتبع سببا )
93. ( حتى إذا بلغ بين السدين ) بفتح السين وضمها هنا وبعدهما جبلان بمنقطع بلاد الترك سد الإسكندر ما بينهما كما سيأتي ( وجد من دونهما ) أي أمامهما ( قوما لا يكادون يفقهون قولا ) أي لا يفهمونه إلا بعد بطء وفي قراءة بضم االياء وكسر القاف
94. ( قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج ) بالهمز وتركه هما اسمان أعجميان لقبيلتين فلم ينصرفا ( مفسدون في الأرض ) بالنهب والغي عند خروجهم إلينا ( فهل نجعل لك خرجا ) جعلا من المال وفي قراءة خراجا ( على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ) حاجزا فلا يصلوا إلينا
95. ( قال ما مكني ) وفي قراءة بنونين من غير إدغام ( فيه ربي ) من المال وغيره ( خير ) من خرجكم الذي تجعلونه لي فلا حاجة بي إليه وأجعل لكم السد تبرعا ( فأعينوني بقوة ) لما أطلبه منكم ( أجعل بينكم وبينهم ردما ) حاجزا حصينا
96. ( آتوني زبر الحديد ) قطعة على قدر الحجارة التي يبنى بها فبنى بها وجعل بينها الحطب والفحم ( حتى إذا ساوى بين الصدفين ) بضم الحرفين وفتحهما وضم الأول وسكون الثاني أي جانبي الجبلين بالبناء ووضع المنافخ والنار حول ذلك ( قال انفخوا ) فنفخوا ( حتى إذا جعله ) أي الحديد ( نارا ) أي كالنار ( قال آتوني أفرغ عليه قطرا ) هو النحاس المذاب تنازع فيه الفعلان وحذف من الأول لاعمال الثاني فأفرغ النحاس المذاب على الحديد المحمي فدخل بين زبره فصار شيئا واحدا
97. ( فما اسطاعوا ) أي يأجوج ومأجوج ( أن يظهروه ) يعلوا ظهره لارتفاعه وملاسته ( وما استطاعوا له نقبا ) خرفا لصلابته وسمكه
98. ( قال ) ذو القرنين ( هذا ) أي السد أي الإقدار عليه ( رحمة من ربي ) نعمة لأنه مانع من خروجهم ( فإذا جاء وعد ربي ) بخروجهم القريب من البعث ( جعله دكاء ) مدكوكا مبسوطا ( وكان وعد ربي ) بخروجهم وغيره ( حقا ) كائنا
99. ( وتركنا بعضهم يومئذ ) يوم خروجهم ( يموج في بعض ) يختلط به لكثرتهم ( ونفخ في الصور ) أي القرن للبعث ( فجمعناهم ) أي الخلائق في مكان واحد يوم القيامة ( جمعا )
100. ( وعرضنا ) قربنا ( جهنم يومئذ للكافرين عرضا )
101. ( الذين كانت أعينهم ) بدل من الكافرين ( في غطاء عن ذكري ) أي القرآن فهم عمي لا يهتدون به ( وكانوا لا يستطيعون سمعا ) أي لا يقدرون أن يسمعوا من النبي ما يتلو عليهم بغضا له فلا يؤمنوا به
102. ( أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي ) أي ملائكتي وعيسى وعزيزا ( من دوني أولياء ) أربابا مفعول ثان ليتخذوا والمفعول الثاني لحسب محذوف المعنى أظنوا أن الاتخاذ المذكور لا يغضبني ولا أعاقبهم عليه كلا ( إنا أعتدنا جهنم للكافرين ) هؤلاء وغيرهم ( نزلا ) أي هي معدة لهم كالمنزل المعد للضيف
103. ( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ) تمييز طابق المميز وبينهم بقوله
104. ( الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ) بطل عملهم ( وهم يحسبون ) يظنون ( أنهم يحسنون صنعا ) عملا يجازون عليه
105. ( أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ) بدلائل توحيده من القرآن وغيره ( ولقائه ) أي وبالبعث والحساب والثواب والعقاب ( فحبطت أعمالهم ) بطلت ( فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ) أي لا نجعل لهم قدرا
106. ( ذلك ) أي الأمر الذي ذكرت عن حبوط أعمالهم وغيره مبتدأ خبره ( جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا ) أي مهزوءا بهما
107. ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم ) في علم الله ( جنات الفردوس ) هو وسط الجنة وأعلاها والإضافة إليه للبيان ( نزلا ) منزلا
108. ( خالدين فيها لا يبغون ) يطلبون ( عنها حولا ) تحولا إلى غيرها
109. ( قل لو كان البحر ) أي ماؤه ( مدادا ) هو ما يكتب به ( لكلمات ربي ) الدالة على حكمه وعجائبه بأن تكتب به ( لنفد البحر ) في كتابتها ( قبل أن تنفد ) بالتاء والياء تفرغ ( كلمات ربي ولو جئنا بمثله ) أي البحر ( مددا ) زيادة فيه لنفد ولم تفرغ هي ونصبه على التمييز
110. ( قل إنما أنا بشر ) آدمي ( مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ) أن المكفوفة بما باقية على مصدريتها والمعنى يوحى إلي وحدانية الإله ( فمن كان يرجوا ) يأمل ( لقاء ربه ) بالبعث والجزاء ( فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه ) أي فيها بأن يرائي ( أحدا )
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
19. سورة مريم
1. ( كهيعص ) الله أعلم بمراده بذلك
2. هذا ( ذكر رحمة ربك عبده ) مفعول لرحمة ( زكريا ) بيان له
3. ( إذ ) متعلق برحمة ( نادى ربه نداء ) مشتملا على دعاء ( خفيا ) سرا جوف الليل لأنه أسرع للإجابة
4. ( قال رب إني وهن ) ضعف ( العظم ) جميعه ( مني واشتعل الرأس ) مني ( شيبا ) تمييز محول عن الفاعل أي انتشر الشيب في شعره كما ينتشر النار في الحطب وإني أريد أن ادعوك ( ولم أكن بدعائك ) أي بدعائي إياك ( رب شقيا ) أي خائبا فيما مضى فلا تخيبني فيما يأتي
5. ( وإني خفت الموالي ) أي الذين يلوني في النسب كبني العم ( من ورائي ) أي بعد موتي على الدين أن يضيعوه كما شاهدته في بني إسرائيل من تبديل الدين ( وكانت امرأتي عاقرا ) لا تلد ( فهب لي من لدنك ) من عندك ( وليا ) ابنا
6. ( يرثني ) بالجزم جواب الأمر وبالرفع صفة وليا ( ويرث ) بالوجهين ( من آل يعقوب ) جدي العلم والنبوة ( واجعله رب رضيا ) أي مرضيا عندك قال تعالى في إجابة طلبه الابن الحاصل به رحمته
7. ( يا زكريا إنا نبشرك بغلام ) يرث كما سألت ( اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ) أي مسمى بيحيى
8. ( قال رب أنى ) كيف ( يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ) من عتا يبس إلى نهاية السن مائة وعشرين سنة وبلغت امرأته ثمانية وتسعين سنة وأصل عتي عتو وكسرت التاء تخفيفا وقلبت الواو الأولى ياء لمناسبة الكسرة والثانية ياء لتدغم فيها الياء
9. ( قال ) الأمر ( كذلك ) من خلق غلام منكما ( قال ربك هو علي هين ) أي بأن أرد عليك من قوة الجماع وأفتق رحم امرأتك للعلوق ( وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ) قبل خلقك ولإظهار الله هذه القدرة العظيمة ألهمه السؤال ليجاب بما يدل عليها ولما تاقت نفسه إلى سرعة المبشر به
10. ( قال رب اجعل لي آية ) أي علامة على حمل امرأتي ( قال آيتك ) عليه ( ألا تكلم الناس ) أي تمتنع من كلامهم بخلاف ذكر الله ( ثلاث ليال ) أي بأيامها ( سويا ) حال من فاعل تكلم أي بلا علة
11. ( فخرج على قومه من المحراب ) أي المسجد وكانوا ينتظرون فتحه ليصلوا فيه بأمره على العادة ( فأوحى ) أشار ( إليهم أن سبحوا ) صلوا ( بكرة وعشيا ) أوائل النهار وأواخره على العادة فعلم بمنعه من كلامهم حملها بيحيى وبعد ولادته بسنتين قال تعالى له
12. ( يا يحيى خذ الكتاب ) أي التوراة ( بقوة ) بجد ( وآتيناه الحكم ) النبوة ( صبيا ) ابن ثلاث سنين
13. ( وحنانا ) رحمة للناس ( من لدنا ) من عندنا ( وزكاة ) صدقة عليهم ( وكان تقيا ) روي أنه لم يعمل خطيئة ولم يهم بها
14. ( وبرا بوالديه ) أي محسنا إليهما ( ولم يكن جبارا ) متكبرا ( عصيا ) عاصيا لربه
15. ( وسلام ) منا ( عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ) أي في هذه الأيام المخوفة التي يرى فيها ما لم يره قبلها فهو آمن فيها
16. ( واذكر في الكتاب ) القرآن ( مريم ) أي خبرها ( إذ ) حين ( انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ) أي اعتزلت تفي مكان نحو الشرق من الدار
17. ( فاتخذت من دونهم حجابا ) أرسلت سترا تستتر به لتفلي رأسها أو ثيابها أو تغتسل من حيضها ( فأرسلنا إليها روحنا ) جبريل ( فتمثل لها ) بعد لبسها ثيابها ( بشرا سويا ) تام الخلق
18. ( قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ) فتنتهي عني بتعوذي
19. ( قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ) بالنبوة
20. ( قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ) بتزوج ( ولم أك بغيا ) زانية
21. ( قال ) الأمر ( كذلك ) من خلق غلام منك من غير أب ( قال ربك هو علي هين ) أي بأن ينفخ بأمري جبريل فيك فتحملي به ولكون ما ذكر في معنى العلة عطف عليه ( ولنجعله آية للناس ) على قدرتنا ( ورحمة منا ) لمن آمن به ( وكان ) خلقه ( أمرا مقضيا ) به في علمي فنفخ جبريل في جيب درعها فأحست بالحمل في بطنها مصورا
22. ( فحملته فانتبذت ) تنحت ( به مكانا قصيا ) بعيدا عن أهلها
23. ( فأجاءها ) جاء بها ( المخاض ) وجع الولادة ( إلى جذع النخلة ) لتعتمد عليه فولدت والحمل والتصوير والولادة في ساعة ( قالت يا ) للتنبيه ( ليتني مت قبل هذا ) الأمر ( وكنت نسيا منسيا ) شيئا متروكا لا يعرف ولا يذكر
24. ( فناداها من تحتها ) أي جبريل وكان أسفل منها ( ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا ) نهر ماء كان قد انقطع
25. ( وهزي إليك بجذع النخلة ) كانت يابسة والباء زائدة ( تساقط ) أصله بتاءين قلبت الثانية سينا وادغمت في السين وفي قراءة تركها ( عليك رطبا ) تمييز ( جنيا ) صفته
26. ( فكلي ) من الرطب ( واشربي ) من السري ( وقري عينا ) بالولد تمييز محول من الفاعل أي لتقر عينك به أي تسكن فلا تطمح إلى غيره ( فإما ) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما الزائدة ( ترين ) حذفت منه لام الفعل وعينه والقيت حركتها على الراء وكسرت ياء الضمير لإلتقاء الساكنين ( من البشر أحدا ) فيسألك عن ولدك ( فقولي إني نذرت للرحمن صوما ) أي إمساكا عن الكلام في شأنه وغيره من الأناسي بدليل ( فلن أكلم اليوم إنسيا ) أي بعد ذلك
27. ( فأتت به قومها تحمله ) حال فرأوه ( قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ) عظيما حيث أتيت بولد من غير أب
28. ( يا أخت هارون ) هو رجل صالح أي يا شبيهته في العفة ( ما كان أبوك امرأ سوء ) أي زانيا ( وما كانت أمك بغيا ) أي زانية فمن أين لك هذا الولد
29. ( فأشارت ) لهم ( إليه ) أن كلموه ( قالوا كيف نكلم من كان ) أي وجد ( في المهد صبيا )
30. ( قال إني عبد الله آتاني الكتاب ) أي الإنجيل ( وجعلني نبيا )
31. ( وجعلني مباركا أين ما كنت ) أي نفاعا للناس إخبار ما كتب له ( وأوصاني بالصلاة والزكاة ) أمرني بهما ( ما دمت حيا )
32. ( وبرا بوالدتي ) منصوب بجعلني مقدرا ( ولم يجعلني جبارا ) متعاظما ( شقيا ) عاصيا لربه
33. ( والسلام ) من الله ( علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ) يقال فيه ما تقدم في السيد يحيى
34. ( ذلك عيسى ابن مريم قول الحق ) بالرفع خبر مبتدأ مقدر أي قول ابن مريم وبالنصب بتقدير قلت والمعنى القول الحق ( الذي فيه يمترون ) من المرية أي يشكون وهم النصارى قالوا إن عيسى ابن الله كذبوا
35. ( ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه ) تنزيها له عن ذلك ( إذا قضى أمرا ) أي أراد أن يحدثه ( فإنما يقول له كن فيكون ) بالرفع بتقدير هو وبالنصب بتقدير أن ومن ذلك خلق عيسى من غير أب
36. ( وإن الله ربي وربكم فاعبدوه ) بفتح أن بتقدير اذكر وبكسرها بتقدير قل بدليل ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم ( هذا ) المذكور ( صراط ) طريق ( مستقيم ) مؤد إلى الجنة
37. ( فاختلف الأحزاب من بينهم ) أي النصارى في عيسى أهو ابن الله أم إله معه أو ثالث ثلاثة ( فويل ) فشدة عذاب ( للذين كفروا ) بما ذكر وغيره ( من مشهد يوم عظيم ) أي حضور يوم القيامة وأهواله
38. ( أسمع بهم وأبصر ) بهم صيغة تعجب بمعنى ما أسمعهم وما أبصرهم ( يوم يأتوننا ) في الآخرة ( لكن الظالمون ) من إقامة الظاهر مقام المضمر ( اليوم ) أي في الدنيا ( في ضلال مبين ) أي بين به صموا عن سماع الحق وعموا عن إبصاره أي إعجب منهم يا مخاطب في سمعهم وإبصارهم في الآخرة بعد أن كانوا في الدنيا صما عميا
39. ( وأنذرهم ) خوف يا محمد كفار مكة ( يوم الحسرة ) هو يوم القيامة يتحسر فيه المسيء على ترك الإحسان في الدنيا ( إذ قضي الأمر ) لهم فيه بالعذاب ( وهم ) في الدنيا ( في غفلة ) عنه ( وهم لا يؤمنون ) به
40. ( إنا نحن ) تأكيد ( نرث الأرض ومن عليها ) العقلاء وغيرهم بإهلاكهم ( وإلينا يرجعون ) فيه للجزاء
41. ( واذكر ) لهم ( في الكتاب إبراهيم ) أي خبره ( إنه كان صديقا ) مبالغا في الصدق ( نبيا ) ويبدل من خبره
42. ( إذ قال لأبيه ) آزر ( يا أبت ) التاء عوض عن ياء الإضافة ولا يجمع بينهما وكان يعبد الأصنام ( لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك ) لا يكفيك ( شيئا ) من نفع أو ضر
43. ( يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا ) طريقا ( سويا ) مستقيما
44. ( يا أبت لا تعبد الشيطان ) بطاعتك إياه في عبادة الأصنام ( إن الشيطان كان للرحمن عصيا ) كثير العصيان
45. ( يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن ) إن لم تتب ( فتكون للشيطان وليا ) ناصرا وقرينا في النار
46. ( قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ) فتعيبها ( لئن لم تنته ) عن التعرض لها ( لأرجمنك ) بالحجارة أو بالكلام القبيح فاحذرني ( واهجرني مليا ) دهرا طويلا
47. ( قال سلام عليك ) مني أي لا أصيبك بمكروه ( سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ) من حفي أي بارا فيجيب دعائي وقد وفى بوعده المذكور في الشعراء واغفر لابي وهذا قبل أن يتبين له أنه عدو لله كما ذكره في براءة
48. ( وأعتزلكم وما تدعون ) تعبدون ( من دون الله وأدعوا ) أعبد ( ربي عسى ) أن ( ألا أكون بدعاء ربي ) بعبادته ( شقيا ) كما شقيتم بعبادة الأصنام
49. ( فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله ) بأن ذهب الى الأرض المقدسة ( وهبنا له ) ابنين يأنس بهما ( إسحاق ويعقوب وكلا ) منهما ( جعلنا نبيا )
50. ( ووهبنا لهم ) للثلاثة ( من رحمتنا ) المال والولد ( وجعلنا لهم لسان صدق عليا ) رفيعا هو الثناء الحسن في جميع أهل الأديان
51. ( واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا ) بكسر اللام وفتحها من أخلص في عبادته وخلصه الله من الدنس ( وكان رسولا نبيا )
52. ( وناديناه ) بقول يا موسى إني انا الله ( من جانب الطور ) اسم الجبل ( الأيمن ) أي الذي يلي يمين موسى حين أقبل من مدين ( وقربناه نجيا ) مناجيا بأن أسمعه الله تعالى كلامه
53. ( ووهبنا له من رحمتنا ) نعمتنا ( أخاه هارون ) بدل أو عطف بيان ( نبيا ) حال هي المقصودة بالهبة إجابة لسؤاله أن يرسل أخاه معه وكان أسن منه
54. ( واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد ) لم يعد شيئا إلا وفى به وانتظر من وعد ثلاثة أيام أو حولا حتى رجع إليه في مكانه ( وكان رسولا ) إلى جرهم ( نبيا )
55. ( وكان يأمر أهله ) أي قومه ( بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا ) اصله مرضو وأقبلت الواوان ياءين والضمة كسرة
56. ( واذكر في الكتاب إدريس ) هو جد أبي نوح ( إنه كان صديقا نبيا )
57. ( ورفعناه مكانا عليا ) هو حي في السماء الرابعة أو السادسة أو السابعة أو في الجنة ادخلها بعد أن اذيق الموت واحيي ولم يخرج منها
58. ( أولئك ) مبتدأ ( الذين أنعم الله عليهم ) صفة له ( من النبيين ) بيان له وهو في معنى الصفة وما بعده الى جملة الشرط صفة للنبيين فقوله ( من ذرية آدم ) أي إدريس ( وممن حملنا مع نوح ) في السفينة أي إبراهيم ابن ابنه سام ( ومن ذرية إبراهيم ) أي إسمعيل وإسحق ويعقوب ومن ذرية ( وإسرائيل ) وهو يعقوب أي موسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسى ( وممن هدينا واجتبينا ) أي من جملتهم وخبر اولئك ( إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ) جمع ساجد وباك أي فكونوا مثلهم وأصل بكي بكوي قلبت الواو ياء والضمة كسرة
59. ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة ) بتركها كاليهود والنصارى ( واتبعوا الشهوات ) من المعاصي ( فسوف يلقون غيا ) وهو واد في جهنم أي يقعون فيه
60. ( إلا ) لكن ( من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون ) ينقصون ( شيئا ) من ثوابهم
61. ( جنات عدن ) إقامة بدل من الجنة ( التي وعد الرحمن عباده بالغيب ) حال أي غائبين عنها ( إنه كان وعده ) أي موعوده ( مأتيا ) بمعنى آتيا وأصله مأتوي أو موعوده هنا الجنة يأتيه أهله
62. ( لا يسمعون فيها لغوا ) من الكلام ( إلا ) لكن يسمعون ( سلاما ) من الملائكة عليهم أو من بعضهم على بعض ( ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ) أي على قدرهما في الدنيا وليس في الجنة نهار ولا ليل بل ضوء ونور أبدا
63. ( تلك الجنة التي نورث ) نعطي وننزل ( من عبادنا من كان تقيا ) بطاعته ونزل لما تأخر الوحي أياما وقال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل ما يمنعك أن تزورنا
64. ( وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا ) أي أمامنا من أمور الآخرة ( وما خلفنا ) من امور الدنيا ( وما بين ذلك ) أي ما يكون في هذا الوقت إلى قيام الساعة أي له علم ذلك جميعه ( وما كان ربك نسيا ) بمعنى ناسيا أي تاركا لك بتأخير الوحي عنك
65. هو ( رب ) مالك ( السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته ) أي اصبر عليها ( هل تعلم له سميا ) أي مسمى بذلك لا
66. ( ويقول الإنسان ) المنكر للبعث ابي بن خلف أو الوليد بن المغيرة النازل فيه الآية ( أئذا ) بتحقيق الهمزة الثانية وتسهيلها وإدخال الألف بينهما بوجهيها وبين الأخرى ( ما مت لسوف أخرج حيا ) من القبر كما يقول محمد فالاستفهام بمعنى النفي أي لا أحيا بعد الموت وما زائدة للتأكيد وكذا اللام ورد عليه بقوله تعالى
67. ( أولا يذكر الإنسان أنا ) أصله يتذكر أبدلت التاء ذالا وادغمت في الذال وفي قراءة تركها وسكون الذال وضم الكاف ( خلقناه من قبل ولم يك شيئا فوربك ) فيستدل بالابتداء على الإعادة
68. ( فوربك لنحشرنهم ) أي المنكرين للبعث ( والشياطين ) أي نجمع كلا منهم وشيطانه في سلسلة ( ثم لنحضرنهم حول جهنم ) من خارجها ( جثيا ) على الركب جمع جاث وأصله جثوو أو جثوي من جثا يجثو أو يجثي لغتان
69. ( ثم لننزعن من كل شيعة ) فرقة منهم ( أيهم أشد على الرحمن عتيا ) جراءة
70. ( ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها ) أحق بجهنم الأشد وغيره منهم ( صليا ) دخولا واحتراقا فتبدأ بهم وأصله صلوي من صلي بكسر اللام وفتحها
71. ( وإن ) أي ما ( منكم ) أحد ( إلا واردها ) أي داخل جهنم ( كان على ربك حتما مقضيا ) حتمه وقضى به لا يتركه
72. ( ثم ننجي ) مشددا ومخففا ( الذين اتقوا ) الشرك والكفر منها ( ونذر الظالمين ) بالشرك والكفر ( فيها جثيا ) على الركب
73. ( وإذا تتلى عليهم ) أي المؤمنين والكافرين ( آياتنا ) من القرآن ( بينات ) واضحات حال ( قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين ) نحن وأنتم ( خير مقاما ) منزلا ومسكنا بالفتح من قام وبالضم من أقام ( وأحسن نديا ) بمعنى النادي وهو مجتمع القوم يتحدثون فيه يعنون نحن فنكون خيرا منكم
74. ( وكم ) أي كثيرا ( أهلكنا قبلهم من قرن ) أي امة من الأمم الماضية ( هم أحسن أثاثا ) مالا ومتاعا ( ورئيا ) منظرا من الرؤية فكما أهلكناهم لكفرهم نهلك هؤلاء
75. ( قل من كان في الضلالة ) شرط جوابه ( فليمدد ) بمعنى الخبر أي يمد ( له الرحمن مدا ) في الدنيا يستدرجه ( حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب ) كالقتل والأسر ( وإما الساعة ) المشتملة على جهنم فيدخلونها ( فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا ) أعوانا أهم أم المؤمنون وجندهم الشياطين وجند المؤمنين عليهم الملائكة
76. ( ويزيد الله الذين اهتدوا ) بالإيمان ( هدى ) بما ينزل عليهم من الآيات ( والباقيات الصالحات ) هي الطاعة تبقى لصاحبها ( خير عند ربك ثوابا وخير مردا ) أي ما يرد إليه ويرجع بخلاف أعمال الكفار والخيرية هنا في مقابلة قولهم أي الفريقين خير مقاما
77. ( أفرأيت الذي كفر بآياتنا ) العاصي بن وائل ( وقال ) لخباب بن الأرث القائل له تبعث بعد الموت والمطالب له بمال ( لأوتين ) على تقدير البعث ( مالا وولدا ) فأقضيك
78. ( أطلع الغيب ) أي أعلمه وأن يؤتى ما قاله واستغني بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل فحذفت ( أم اتخذ عند الرحمن عهدا ) بأن يؤتى ما قاله
79. ( كلا ) أي لا يؤتى ذلك ( سنكتب ) نأمر بكتب ( ما يقول ونمد له من العذاب مدا ) نزيده بذلك عذابا فوق عذاب كفره
80. ( ونرثه ما يقول ) من المال والولد ( ويأتينا ) يوم القيامة ( فردا ) لا مال له ولا ولد
81. ( واتخذوا ) أي كفار مكة ( من دون الله ) الأوثان ( آلهة ) يعبدونهم ( ليكونوا لهم عزا ) شفعاء عند الله بأن لا يعذبوا
82. ( كلا ) أي لا مانع من عذابهم ( سيكفرون ) أي الآلهة ( بعبادتهم ) أي ينفونها كما في آية أخرى ما كانوا إيانا يعبدون ( ويكونون عليهم ضدا ) اعوانا وأعداء
83. ( ألم تر أنا أرسلنا الشياطين ) سلطناهم ( على الكافرين تؤزهم ) تهيجهم الى المعاصي ( أزا )
84. ( فلا تعجل عليهم ) بطلب العذاب ( إنما نعد لهم ) الأيام والليالي أو الأنفاس ( عدا ) إلى وقت عذابهم
85. اذكر ( يوم نحشر المتقين ) بإيمانهم ( إلى الرحمن وفدا ) جمع وافد بمعنى راكب
86. ( ونسوق المجرمين ) بكفرهم ( إلى جهنم وردا ) جمع وارد بمعنى ماش عطشان
87. ( لا يملكون ) أي الناس ( الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ) أي شهادة أن لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله
88. ( وقالوا ) أي اليهود والنصارى ومن زعم أن الملائكة بنات الله ( اتخذ الرحمن ولدا ) قال تعالى لهم
89. ( لقد جئتم شيئا إدا ) أي منكرا عظيما
90. ( تكاد ) بالتاء والياء ( السماوات يتفطرن ) بالنون وفي قراءة بالتاء وتشديد الطاء بالانشقاق ( منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ) أي تنطبق عليهم من أجل
91. ( أن دعوا للرحمن ولدا )
92. ( وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ) أي ما يليق به ذلك
93. ( إن ) أي ما ( كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا ) ذليلا خاضعا يوم القيامة منهم عزيز وعيسى
94. ( لقد أحصاهم وعدهم عدا ) فلا يخفى عليه مبلغ جميعهم ولا واحد منهم
95. ( وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ) بلا مال ولا نصير يمنعه
96. ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) فيما بينهم يتوادون ويتحابون ويحبهم الله تعالى
97. ( فإنما يسرناه ) أي القرآن ( بلسانك ) العربي ( لتبشر به المتقين ) الفائزين بالإيمان ( وتنذر ) تخوف ( به قوما لدا ) جمع ألد أي جدل بالباطل وهم كفار مكة
98. ( وكم ) أي كثيرا ( أهلكنا قبلهم من قرن ) أي أمة من الأمم الماضية بتكذيبهم الرسل ( هل تحس ) تجد ( منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ) صوتا خفيا لا فكما أهلكنا اولئك نهلك هؤلاء
1. ( كهيعص ) الله أعلم بمراده بذلك
2. هذا ( ذكر رحمة ربك عبده ) مفعول لرحمة ( زكريا ) بيان له
3. ( إذ ) متعلق برحمة ( نادى ربه نداء ) مشتملا على دعاء ( خفيا ) سرا جوف الليل لأنه أسرع للإجابة
4. ( قال رب إني وهن ) ضعف ( العظم ) جميعه ( مني واشتعل الرأس ) مني ( شيبا ) تمييز محول عن الفاعل أي انتشر الشيب في شعره كما ينتشر النار في الحطب وإني أريد أن ادعوك ( ولم أكن بدعائك ) أي بدعائي إياك ( رب شقيا ) أي خائبا فيما مضى فلا تخيبني فيما يأتي
5. ( وإني خفت الموالي ) أي الذين يلوني في النسب كبني العم ( من ورائي ) أي بعد موتي على الدين أن يضيعوه كما شاهدته في بني إسرائيل من تبديل الدين ( وكانت امرأتي عاقرا ) لا تلد ( فهب لي من لدنك ) من عندك ( وليا ) ابنا
6. ( يرثني ) بالجزم جواب الأمر وبالرفع صفة وليا ( ويرث ) بالوجهين ( من آل يعقوب ) جدي العلم والنبوة ( واجعله رب رضيا ) أي مرضيا عندك قال تعالى في إجابة طلبه الابن الحاصل به رحمته
7. ( يا زكريا إنا نبشرك بغلام ) يرث كما سألت ( اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ) أي مسمى بيحيى
8. ( قال رب أنى ) كيف ( يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ) من عتا يبس إلى نهاية السن مائة وعشرين سنة وبلغت امرأته ثمانية وتسعين سنة وأصل عتي عتو وكسرت التاء تخفيفا وقلبت الواو الأولى ياء لمناسبة الكسرة والثانية ياء لتدغم فيها الياء
9. ( قال ) الأمر ( كذلك ) من خلق غلام منكما ( قال ربك هو علي هين ) أي بأن أرد عليك من قوة الجماع وأفتق رحم امرأتك للعلوق ( وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ) قبل خلقك ولإظهار الله هذه القدرة العظيمة ألهمه السؤال ليجاب بما يدل عليها ولما تاقت نفسه إلى سرعة المبشر به
10. ( قال رب اجعل لي آية ) أي علامة على حمل امرأتي ( قال آيتك ) عليه ( ألا تكلم الناس ) أي تمتنع من كلامهم بخلاف ذكر الله ( ثلاث ليال ) أي بأيامها ( سويا ) حال من فاعل تكلم أي بلا علة
11. ( فخرج على قومه من المحراب ) أي المسجد وكانوا ينتظرون فتحه ليصلوا فيه بأمره على العادة ( فأوحى ) أشار ( إليهم أن سبحوا ) صلوا ( بكرة وعشيا ) أوائل النهار وأواخره على العادة فعلم بمنعه من كلامهم حملها بيحيى وبعد ولادته بسنتين قال تعالى له
12. ( يا يحيى خذ الكتاب ) أي التوراة ( بقوة ) بجد ( وآتيناه الحكم ) النبوة ( صبيا ) ابن ثلاث سنين
13. ( وحنانا ) رحمة للناس ( من لدنا ) من عندنا ( وزكاة ) صدقة عليهم ( وكان تقيا ) روي أنه لم يعمل خطيئة ولم يهم بها
14. ( وبرا بوالديه ) أي محسنا إليهما ( ولم يكن جبارا ) متكبرا ( عصيا ) عاصيا لربه
15. ( وسلام ) منا ( عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ) أي في هذه الأيام المخوفة التي يرى فيها ما لم يره قبلها فهو آمن فيها
16. ( واذكر في الكتاب ) القرآن ( مريم ) أي خبرها ( إذ ) حين ( انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ) أي اعتزلت تفي مكان نحو الشرق من الدار
17. ( فاتخذت من دونهم حجابا ) أرسلت سترا تستتر به لتفلي رأسها أو ثيابها أو تغتسل من حيضها ( فأرسلنا إليها روحنا ) جبريل ( فتمثل لها ) بعد لبسها ثيابها ( بشرا سويا ) تام الخلق
18. ( قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ) فتنتهي عني بتعوذي
19. ( قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ) بالنبوة
20. ( قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ) بتزوج ( ولم أك بغيا ) زانية
21. ( قال ) الأمر ( كذلك ) من خلق غلام منك من غير أب ( قال ربك هو علي هين ) أي بأن ينفخ بأمري جبريل فيك فتحملي به ولكون ما ذكر في معنى العلة عطف عليه ( ولنجعله آية للناس ) على قدرتنا ( ورحمة منا ) لمن آمن به ( وكان ) خلقه ( أمرا مقضيا ) به في علمي فنفخ جبريل في جيب درعها فأحست بالحمل في بطنها مصورا
22. ( فحملته فانتبذت ) تنحت ( به مكانا قصيا ) بعيدا عن أهلها
23. ( فأجاءها ) جاء بها ( المخاض ) وجع الولادة ( إلى جذع النخلة ) لتعتمد عليه فولدت والحمل والتصوير والولادة في ساعة ( قالت يا ) للتنبيه ( ليتني مت قبل هذا ) الأمر ( وكنت نسيا منسيا ) شيئا متروكا لا يعرف ولا يذكر
24. ( فناداها من تحتها ) أي جبريل وكان أسفل منها ( ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا ) نهر ماء كان قد انقطع
25. ( وهزي إليك بجذع النخلة ) كانت يابسة والباء زائدة ( تساقط ) أصله بتاءين قلبت الثانية سينا وادغمت في السين وفي قراءة تركها ( عليك رطبا ) تمييز ( جنيا ) صفته
26. ( فكلي ) من الرطب ( واشربي ) من السري ( وقري عينا ) بالولد تمييز محول من الفاعل أي لتقر عينك به أي تسكن فلا تطمح إلى غيره ( فإما ) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما الزائدة ( ترين ) حذفت منه لام الفعل وعينه والقيت حركتها على الراء وكسرت ياء الضمير لإلتقاء الساكنين ( من البشر أحدا ) فيسألك عن ولدك ( فقولي إني نذرت للرحمن صوما ) أي إمساكا عن الكلام في شأنه وغيره من الأناسي بدليل ( فلن أكلم اليوم إنسيا ) أي بعد ذلك
27. ( فأتت به قومها تحمله ) حال فرأوه ( قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ) عظيما حيث أتيت بولد من غير أب
28. ( يا أخت هارون ) هو رجل صالح أي يا شبيهته في العفة ( ما كان أبوك امرأ سوء ) أي زانيا ( وما كانت أمك بغيا ) أي زانية فمن أين لك هذا الولد
29. ( فأشارت ) لهم ( إليه ) أن كلموه ( قالوا كيف نكلم من كان ) أي وجد ( في المهد صبيا )
30. ( قال إني عبد الله آتاني الكتاب ) أي الإنجيل ( وجعلني نبيا )
31. ( وجعلني مباركا أين ما كنت ) أي نفاعا للناس إخبار ما كتب له ( وأوصاني بالصلاة والزكاة ) أمرني بهما ( ما دمت حيا )
32. ( وبرا بوالدتي ) منصوب بجعلني مقدرا ( ولم يجعلني جبارا ) متعاظما ( شقيا ) عاصيا لربه
33. ( والسلام ) من الله ( علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ) يقال فيه ما تقدم في السيد يحيى
34. ( ذلك عيسى ابن مريم قول الحق ) بالرفع خبر مبتدأ مقدر أي قول ابن مريم وبالنصب بتقدير قلت والمعنى القول الحق ( الذي فيه يمترون ) من المرية أي يشكون وهم النصارى قالوا إن عيسى ابن الله كذبوا
35. ( ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه ) تنزيها له عن ذلك ( إذا قضى أمرا ) أي أراد أن يحدثه ( فإنما يقول له كن فيكون ) بالرفع بتقدير هو وبالنصب بتقدير أن ومن ذلك خلق عيسى من غير أب
36. ( وإن الله ربي وربكم فاعبدوه ) بفتح أن بتقدير اذكر وبكسرها بتقدير قل بدليل ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم ( هذا ) المذكور ( صراط ) طريق ( مستقيم ) مؤد إلى الجنة
37. ( فاختلف الأحزاب من بينهم ) أي النصارى في عيسى أهو ابن الله أم إله معه أو ثالث ثلاثة ( فويل ) فشدة عذاب ( للذين كفروا ) بما ذكر وغيره ( من مشهد يوم عظيم ) أي حضور يوم القيامة وأهواله
38. ( أسمع بهم وأبصر ) بهم صيغة تعجب بمعنى ما أسمعهم وما أبصرهم ( يوم يأتوننا ) في الآخرة ( لكن الظالمون ) من إقامة الظاهر مقام المضمر ( اليوم ) أي في الدنيا ( في ضلال مبين ) أي بين به صموا عن سماع الحق وعموا عن إبصاره أي إعجب منهم يا مخاطب في سمعهم وإبصارهم في الآخرة بعد أن كانوا في الدنيا صما عميا
39. ( وأنذرهم ) خوف يا محمد كفار مكة ( يوم الحسرة ) هو يوم القيامة يتحسر فيه المسيء على ترك الإحسان في الدنيا ( إذ قضي الأمر ) لهم فيه بالعذاب ( وهم ) في الدنيا ( في غفلة ) عنه ( وهم لا يؤمنون ) به
40. ( إنا نحن ) تأكيد ( نرث الأرض ومن عليها ) العقلاء وغيرهم بإهلاكهم ( وإلينا يرجعون ) فيه للجزاء
41. ( واذكر ) لهم ( في الكتاب إبراهيم ) أي خبره ( إنه كان صديقا ) مبالغا في الصدق ( نبيا ) ويبدل من خبره
42. ( إذ قال لأبيه ) آزر ( يا أبت ) التاء عوض عن ياء الإضافة ولا يجمع بينهما وكان يعبد الأصنام ( لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك ) لا يكفيك ( شيئا ) من نفع أو ضر
43. ( يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا ) طريقا ( سويا ) مستقيما
44. ( يا أبت لا تعبد الشيطان ) بطاعتك إياه في عبادة الأصنام ( إن الشيطان كان للرحمن عصيا ) كثير العصيان
45. ( يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن ) إن لم تتب ( فتكون للشيطان وليا ) ناصرا وقرينا في النار
46. ( قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ) فتعيبها ( لئن لم تنته ) عن التعرض لها ( لأرجمنك ) بالحجارة أو بالكلام القبيح فاحذرني ( واهجرني مليا ) دهرا طويلا
47. ( قال سلام عليك ) مني أي لا أصيبك بمكروه ( سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ) من حفي أي بارا فيجيب دعائي وقد وفى بوعده المذكور في الشعراء واغفر لابي وهذا قبل أن يتبين له أنه عدو لله كما ذكره في براءة
48. ( وأعتزلكم وما تدعون ) تعبدون ( من دون الله وأدعوا ) أعبد ( ربي عسى ) أن ( ألا أكون بدعاء ربي ) بعبادته ( شقيا ) كما شقيتم بعبادة الأصنام
49. ( فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله ) بأن ذهب الى الأرض المقدسة ( وهبنا له ) ابنين يأنس بهما ( إسحاق ويعقوب وكلا ) منهما ( جعلنا نبيا )
50. ( ووهبنا لهم ) للثلاثة ( من رحمتنا ) المال والولد ( وجعلنا لهم لسان صدق عليا ) رفيعا هو الثناء الحسن في جميع أهل الأديان
51. ( واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا ) بكسر اللام وفتحها من أخلص في عبادته وخلصه الله من الدنس ( وكان رسولا نبيا )
52. ( وناديناه ) بقول يا موسى إني انا الله ( من جانب الطور ) اسم الجبل ( الأيمن ) أي الذي يلي يمين موسى حين أقبل من مدين ( وقربناه نجيا ) مناجيا بأن أسمعه الله تعالى كلامه
53. ( ووهبنا له من رحمتنا ) نعمتنا ( أخاه هارون ) بدل أو عطف بيان ( نبيا ) حال هي المقصودة بالهبة إجابة لسؤاله أن يرسل أخاه معه وكان أسن منه
54. ( واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد ) لم يعد شيئا إلا وفى به وانتظر من وعد ثلاثة أيام أو حولا حتى رجع إليه في مكانه ( وكان رسولا ) إلى جرهم ( نبيا )
55. ( وكان يأمر أهله ) أي قومه ( بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا ) اصله مرضو وأقبلت الواوان ياءين والضمة كسرة
56. ( واذكر في الكتاب إدريس ) هو جد أبي نوح ( إنه كان صديقا نبيا )
57. ( ورفعناه مكانا عليا ) هو حي في السماء الرابعة أو السادسة أو السابعة أو في الجنة ادخلها بعد أن اذيق الموت واحيي ولم يخرج منها
58. ( أولئك ) مبتدأ ( الذين أنعم الله عليهم ) صفة له ( من النبيين ) بيان له وهو في معنى الصفة وما بعده الى جملة الشرط صفة للنبيين فقوله ( من ذرية آدم ) أي إدريس ( وممن حملنا مع نوح ) في السفينة أي إبراهيم ابن ابنه سام ( ومن ذرية إبراهيم ) أي إسمعيل وإسحق ويعقوب ومن ذرية ( وإسرائيل ) وهو يعقوب أي موسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسى ( وممن هدينا واجتبينا ) أي من جملتهم وخبر اولئك ( إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ) جمع ساجد وباك أي فكونوا مثلهم وأصل بكي بكوي قلبت الواو ياء والضمة كسرة
59. ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة ) بتركها كاليهود والنصارى ( واتبعوا الشهوات ) من المعاصي ( فسوف يلقون غيا ) وهو واد في جهنم أي يقعون فيه
60. ( إلا ) لكن ( من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون ) ينقصون ( شيئا ) من ثوابهم
61. ( جنات عدن ) إقامة بدل من الجنة ( التي وعد الرحمن عباده بالغيب ) حال أي غائبين عنها ( إنه كان وعده ) أي موعوده ( مأتيا ) بمعنى آتيا وأصله مأتوي أو موعوده هنا الجنة يأتيه أهله
62. ( لا يسمعون فيها لغوا ) من الكلام ( إلا ) لكن يسمعون ( سلاما ) من الملائكة عليهم أو من بعضهم على بعض ( ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ) أي على قدرهما في الدنيا وليس في الجنة نهار ولا ليل بل ضوء ونور أبدا
63. ( تلك الجنة التي نورث ) نعطي وننزل ( من عبادنا من كان تقيا ) بطاعته ونزل لما تأخر الوحي أياما وقال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل ما يمنعك أن تزورنا
64. ( وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا ) أي أمامنا من أمور الآخرة ( وما خلفنا ) من امور الدنيا ( وما بين ذلك ) أي ما يكون في هذا الوقت إلى قيام الساعة أي له علم ذلك جميعه ( وما كان ربك نسيا ) بمعنى ناسيا أي تاركا لك بتأخير الوحي عنك
65. هو ( رب ) مالك ( السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته ) أي اصبر عليها ( هل تعلم له سميا ) أي مسمى بذلك لا
66. ( ويقول الإنسان ) المنكر للبعث ابي بن خلف أو الوليد بن المغيرة النازل فيه الآية ( أئذا ) بتحقيق الهمزة الثانية وتسهيلها وإدخال الألف بينهما بوجهيها وبين الأخرى ( ما مت لسوف أخرج حيا ) من القبر كما يقول محمد فالاستفهام بمعنى النفي أي لا أحيا بعد الموت وما زائدة للتأكيد وكذا اللام ورد عليه بقوله تعالى
67. ( أولا يذكر الإنسان أنا ) أصله يتذكر أبدلت التاء ذالا وادغمت في الذال وفي قراءة تركها وسكون الذال وضم الكاف ( خلقناه من قبل ولم يك شيئا فوربك ) فيستدل بالابتداء على الإعادة
68. ( فوربك لنحشرنهم ) أي المنكرين للبعث ( والشياطين ) أي نجمع كلا منهم وشيطانه في سلسلة ( ثم لنحضرنهم حول جهنم ) من خارجها ( جثيا ) على الركب جمع جاث وأصله جثوو أو جثوي من جثا يجثو أو يجثي لغتان
69. ( ثم لننزعن من كل شيعة ) فرقة منهم ( أيهم أشد على الرحمن عتيا ) جراءة
70. ( ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها ) أحق بجهنم الأشد وغيره منهم ( صليا ) دخولا واحتراقا فتبدأ بهم وأصله صلوي من صلي بكسر اللام وفتحها
71. ( وإن ) أي ما ( منكم ) أحد ( إلا واردها ) أي داخل جهنم ( كان على ربك حتما مقضيا ) حتمه وقضى به لا يتركه
72. ( ثم ننجي ) مشددا ومخففا ( الذين اتقوا ) الشرك والكفر منها ( ونذر الظالمين ) بالشرك والكفر ( فيها جثيا ) على الركب
73. ( وإذا تتلى عليهم ) أي المؤمنين والكافرين ( آياتنا ) من القرآن ( بينات ) واضحات حال ( قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين ) نحن وأنتم ( خير مقاما ) منزلا ومسكنا بالفتح من قام وبالضم من أقام ( وأحسن نديا ) بمعنى النادي وهو مجتمع القوم يتحدثون فيه يعنون نحن فنكون خيرا منكم
74. ( وكم ) أي كثيرا ( أهلكنا قبلهم من قرن ) أي امة من الأمم الماضية ( هم أحسن أثاثا ) مالا ومتاعا ( ورئيا ) منظرا من الرؤية فكما أهلكناهم لكفرهم نهلك هؤلاء
75. ( قل من كان في الضلالة ) شرط جوابه ( فليمدد ) بمعنى الخبر أي يمد ( له الرحمن مدا ) في الدنيا يستدرجه ( حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب ) كالقتل والأسر ( وإما الساعة ) المشتملة على جهنم فيدخلونها ( فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا ) أعوانا أهم أم المؤمنون وجندهم الشياطين وجند المؤمنين عليهم الملائكة
76. ( ويزيد الله الذين اهتدوا ) بالإيمان ( هدى ) بما ينزل عليهم من الآيات ( والباقيات الصالحات ) هي الطاعة تبقى لصاحبها ( خير عند ربك ثوابا وخير مردا ) أي ما يرد إليه ويرجع بخلاف أعمال الكفار والخيرية هنا في مقابلة قولهم أي الفريقين خير مقاما
77. ( أفرأيت الذي كفر بآياتنا ) العاصي بن وائل ( وقال ) لخباب بن الأرث القائل له تبعث بعد الموت والمطالب له بمال ( لأوتين ) على تقدير البعث ( مالا وولدا ) فأقضيك
78. ( أطلع الغيب ) أي أعلمه وأن يؤتى ما قاله واستغني بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل فحذفت ( أم اتخذ عند الرحمن عهدا ) بأن يؤتى ما قاله
79. ( كلا ) أي لا يؤتى ذلك ( سنكتب ) نأمر بكتب ( ما يقول ونمد له من العذاب مدا ) نزيده بذلك عذابا فوق عذاب كفره
80. ( ونرثه ما يقول ) من المال والولد ( ويأتينا ) يوم القيامة ( فردا ) لا مال له ولا ولد
81. ( واتخذوا ) أي كفار مكة ( من دون الله ) الأوثان ( آلهة ) يعبدونهم ( ليكونوا لهم عزا ) شفعاء عند الله بأن لا يعذبوا
82. ( كلا ) أي لا مانع من عذابهم ( سيكفرون ) أي الآلهة ( بعبادتهم ) أي ينفونها كما في آية أخرى ما كانوا إيانا يعبدون ( ويكونون عليهم ضدا ) اعوانا وأعداء
83. ( ألم تر أنا أرسلنا الشياطين ) سلطناهم ( على الكافرين تؤزهم ) تهيجهم الى المعاصي ( أزا )
84. ( فلا تعجل عليهم ) بطلب العذاب ( إنما نعد لهم ) الأيام والليالي أو الأنفاس ( عدا ) إلى وقت عذابهم
85. اذكر ( يوم نحشر المتقين ) بإيمانهم ( إلى الرحمن وفدا ) جمع وافد بمعنى راكب
86. ( ونسوق المجرمين ) بكفرهم ( إلى جهنم وردا ) جمع وارد بمعنى ماش عطشان
87. ( لا يملكون ) أي الناس ( الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ) أي شهادة أن لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله
88. ( وقالوا ) أي اليهود والنصارى ومن زعم أن الملائكة بنات الله ( اتخذ الرحمن ولدا ) قال تعالى لهم
89. ( لقد جئتم شيئا إدا ) أي منكرا عظيما
90. ( تكاد ) بالتاء والياء ( السماوات يتفطرن ) بالنون وفي قراءة بالتاء وتشديد الطاء بالانشقاق ( منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ) أي تنطبق عليهم من أجل
91. ( أن دعوا للرحمن ولدا )
92. ( وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ) أي ما يليق به ذلك
93. ( إن ) أي ما ( كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا ) ذليلا خاضعا يوم القيامة منهم عزيز وعيسى
94. ( لقد أحصاهم وعدهم عدا ) فلا يخفى عليه مبلغ جميعهم ولا واحد منهم
95. ( وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ) بلا مال ولا نصير يمنعه
96. ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) فيما بينهم يتوادون ويتحابون ويحبهم الله تعالى
97. ( فإنما يسرناه ) أي القرآن ( بلسانك ) العربي ( لتبشر به المتقين ) الفائزين بالإيمان ( وتنذر ) تخوف ( به قوما لدا ) جمع ألد أي جدل بالباطل وهم كفار مكة
98. ( وكم ) أي كثيرا ( أهلكنا قبلهم من قرن ) أي أمة من الأمم الماضية بتكذيبهم الرسل ( هل تحس ) تجد ( منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ) صوتا خفيا لا فكما أهلكنا اولئك نهلك هؤلاء
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
20. سورة طه
1. ( طه ) الله أعلم بمراده بذلك
2. ( ما أنزلنا عليك القرآن ) يا محمد ( لتشقى ) لتتعب بما فعلت بعد نزوله من طول قيامك بصلاة الليل أي خفف عن نفسك
3. ( إلا ) لكن أنزلناه ( تذكرة ) به ( لمن يخشى ) يخاف الله
4. ( تنزيلا ) بدل من اللفظ بفعله الناصب له ( ممن خلق الأرض والسماوات العلى ) جمع عليا ككبرى وكبر
5. هو ( الرحمن على العرش ) وهو في اللغة سرير الملك ( استوى ) استواء يليق به
6. ( له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما ) من المخلوقات ( وما تحت الثرى ) هو التراب الندي والمراد الأرضون السبع لأنها تحته
7. ( وإن تجهر بالقول ) في ذكر أو دعاء فالله غني عن الجهر به ( فإنه يعلم السر وأخفى ) منه أي ما حدثت به النفس وما خطر ولم تحدث به فلا تجهد نفسك بالجهر
8. ( الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ) التسع والتسعون الوارد بها الحديث والحسنى مؤنث الأحسن
9. ( وهل ) قد ( أتاك حديث موسى )
10. ( إذ رأى نارا فقال لأهله ) لامرأته ( امكثوا ) هنا وذلك في مسيره من مدين طالبا مصر ( إني آنست ) أبصرت ( نارا لعلي آتيكم منها بقبس ) بشعلة في رأس فتيلة أو عود ( أو أجد على النار هدى ) أي هاديا يدلني على الطريق وكان أخطأها لظلمة الليل وقال لعل لعدم الجزم بوفاء الوعد
11. ( فلما أتاها ) وهي شجرة عوسج ( نودي يا موسى )
12. ( إني ) بكسر الهمزة بتأويل نودي بقيل وبفتحها بتقدير الباء ( أنا ) تأكيد لياء المتكلم ( ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس ) المطهر أو المبارك ( طوى ) بدل أو عطف بيان بالتنوين وتركه مصروف باعتبار المكان وغير مصروف للتأنيث باعتبار البقعة مع العلمية
13. ( وأنا اخترتك ) من قومك ( فاستمع لما يوحى ) إليك مني
14. ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ) فيها
15. ( إن الساعة آتية أكاد أخفيها ) عن الناس ويظهر لهم قربها بعلاماتها ( لتجزى ) فيها ( كل نفس بما تسعى ) به من خير أو شر
16. ( فلا يصدنك ) يصرفنك ( عنها ) أي عن الإيمان بها ( من لا يؤمن بها واتبع هواه ) في إنكارها ( فتردى ) أي فتهلك إن صددت عنها
17. ( وما تلك ) كائنة ( بيمينك يا موسى ) الاستفهام للتقرير ليرتب عليه المعجزة فيها
18. ( قال هي عصاي أتوكأ ) أعتمد ( عليها ) عند الوثوب والمشي ( وأهش ) أخبط ورق الشجر ( بها ) ليسقط ( على غنمي ) فتأكله ( ولي فيها مآرب ) جمع مأربة مثلث الراء أي حوائج ( أخرى ) كحمل الزاد والسقاء وطرد الهوان وزاد في الجواب بيان حاجاته بها
19. ( قال ألقها يا موسى )
20. ( فألقاها فإذا هي حية ) ثعبان عظيم ( تسعى ) تمشي على بطنها سريعا كسرعة الثعبان المسمى بالجان المعبر به فيها في آية أخرى
21. ( قال خذها ولا تخف ) منها ( سنعيدها سيرتها ) منصوب بنزع الخافض أي إلى حالتها ( الأولى ) فأدخل يده في فمها فعادت عصا فتبين أن موضع الإدخال موضع مسكها بين شعبتيها وأري ذلك السيد موسى لئلا يجزع إذا انقلبت حية لدى فرعون
22. ( واضمم يدك ) اليمنى بمعنى الكف ( إلى جناحك ) أي جنبك الأيسر تحت العضد إلى الإبط وأخرجها ( تخرج ) خلاف ما كانت عليه من الأدمة ( بيضاء من غير سوء ) أي برص تضيء كشعاع الشمس تغشي البصر ( آية أخرى ) وهي وبيضاء حالان من ضمير تخرج
23. ( لنريك ) بها إذا فعلت ذلك لإظهارها ( من آياتنا ) الآية ( الكبرى ) أي العظمى على رسالتك وإذا أراد عودها إلى حالتها الأولى ضمها إلى جناحه كما تقدم وأخرجها
24. ( اذهب ) رسولا ( إلى فرعون ) ومن معه ( إنه طغى ) جاوز الحد في كفره إلى ادعاء الإله
25. ( قال رب اشرح لي صدري ) وسعه لتحمل الرسالة
26. ( ويسر ) سهل ( لي أمري ) لأبلغها
27. ( واحلل عقدة من لساني ) حدثت من احتراقه بجمرة وضعها بفيه وهو صغير
28. ( يفقهوا ) يفهموا ( قولي ) عند تبليغ الرسالة
29. ( واجعل لي وزيرا ) معينا عليها ( من أهلي )
30. ( هارون ) مفعول ثاني ( أخي ) عطف بيان
31. ( اشدد به أزري ) ظهري
32. ( وأشركه في أمري ) أي الرسالة والفعلان بصيغتي الأمر والمضارع المجزوم وهو جواب الطلب
33. ( كي نسبحك ) تسبيحا ( كثيرا )
34. ( ونذكرك ) ذكرا ( كثيرا )
35. ( إنك كنت بنا بصيرا ) عالما فأنعمت بالرسالة
36. ( قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ) منا عليك
37. ( ولقد مننا عليك مرة أخرى )
38. ( إذ ) للتعليل ( أوحينا إلى أمك ) مناما أو إلهاما لما ولدتك وخافت أن يقتلك فرعون في جملة من يولد ( ما يوحى ) في أمرك ويبدل منه
39. ( أن اقذفيه ) ألقيه ( في التابوت فاقذفيه ) بالتابوت ( في اليم ) بحر النيل ( فليلقه اليم بالساحل ) أي شاطئه والأمر بمعنى الخبر ( يأخذه عدو لي وعدو له ) وهو فرعون ( وألقيت ) بعد أن أخذك ( عليك محبة مني ) لتحب في الناس فأحبك فرعون وكل من رآك ( ولتصنع على عيني ) تربى على رعايتي وحفظي لك
40. ( إذ ) للتعليل ( تمشي أختك ) مريم لتتعرف من خبرك وقد أحضروا مراضع وأنت لا تقبل ثدي واحدة منهن ( فتقول هل أدلكم على من يكفله ) فأجيبت فجاءت بأمه فقبل ثديها ( فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ) بلقائك ( ولا تحزن ) حينئذ ( وقتلت نفسا ) هو القبطي بمصر فاغتممت لقتله من جهة فرعون ( فنجيناك من الغم وفتناك فتونا ) اختبرناك في الإيقاع في غير ذلك وخلصناك منه ( فلبثت سنين ) عشرا ( في أهل مدين ) بعد مجيئك إليها من مصر عند شعيب النبي وتزوجك بابنته ( ثم جئت على قدر ) في علمي بالرسالة وهو أربعون سنة من عمرك ( يا موسى )
41. ( واصطنعتك ) اخترتك ( لنفسي ) بالرسالة
42. ( اذهب أنت وأخوك ) إلى الناس ( بآياتي ) التسع ( ولا تنيا ) تفترا ( في ذكري ) بتسبيح وغيره
43. ( اذهبا إلى فرعون إنه طغى ) بادعائه الربوبية
44. ( فقولا له قولا لينا ) في رجوعه عن ذلك ( لعله يتذكر ) يتعظ ( أو يخشى ) الله فيرجع والترجي بالنسبة إليهما لعلمه تعالى بأنه لايرجع
45. ( قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا ) أي يعجل بالعقوبة ( أو أن يطغى ) علينا أي يتكبر
46. ( قال لا تخافا إنني معكما ) بعوني ( أسمع ) ما يقول ( وأرى ) ما يفعل
47. ( فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ) إلى الشام ( ولا تعذبهم ) أي خل عنهم من استعمالك إياهم في أشغالك الشاقة كالحفر والبناء وحمل الثقيل ( قد جئناك بآية ) بحجة ( من ربك ) على صدقنا بالرسالة ( والسلام على من اتبع الهدى ) أي السلامة له من العذاب
48. ( إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب ) ما جئنا به ( وتولى ) أعرض عنه فأتياه وقالا جميع ما ذكره
49. ( قال فمن ربكما يا موسى ) اقتصر عليه لأنه الأصل ولإدلاله عليه بالتربية
50. ( قال ربنا الذي أعطى كل شيء ) من الخلق ( خلقه ) الذي هو عليه متميز به من غيره ( ثم هدى ) الحيوان منه
51. ( قال ) فرعون ( فما بال ) حال ( القرون ) الأمم ( الأولى ) كقوم نوح وهود ولوط وصالح في عبادتهم الأوثان
52. ( قال ) موسى ( علمها ) أي علم حالهم محفوظ ( عند ربي في كتاب ) هو اللوح المحفوظ يجازيهم عليها يوم القيامة ( لا يضل ) يغيب ( ربي ) عن شيء ( ولا ينسى ) ربي شيئا
53. هو ( الذي جعل لكم ) في جملة الخلق ( الأرض مهدا ) فراشا ( وسلك ) سهل ( لكم فيها سبلا ) طرقا ( وأنزل من السماء ماء ) مطرا قال تعالى تتميما لما وصفه به موسى وخطابا لأهل مكة ( فأخرجنا به أزواجا ) أصنافا ( من نبات شتى ) صفة أزواجا أي مختلفة الألوان والطعوم وغيرهما وشتى جمع شتيت كمريض ومرضى من شت الأمر تفرق
54. ( كلوا ) منها ( وارعوا أنعامكم ) فيها جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم يقال رعت الأنعام ورعيتها والأمر للاباحة وتذكير النعمة والجملة حال من ضمير أخرجنا أي مبيحين لكم الأكل ورعي الإنعام ( إن في ذلك ) المكور هنا ( لآيات ) لعبرا ( لأولي النهى ) لأصحاب العقول جمع نهية كغرفة وغرف سمي به العقل لأنه ينهى صاحبه عن ارتكاب القبائح
55. ( منها ) أي من الأرض ( خلقناكم ) بخلق أبيكم آدم منها ( وفيها نعيدكم ) مقبورين بعد الموت ( ومنها نخرجكم ) عند البعث ( تارة ) مرة ( أخرى ) كما أخرجناكم عند ابتداء خلقكم
56. ( ولقد أريناه ) أي أبصرنا فرعون ( آياتنا كلها ) التسع ( فكذب ) بها وزعم أنها سحر ( وأبى ) أن يوحد الله تعالى
57. ( قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا ) مصر ويكون لك الملك فيها ( بسحرك يا موسى )
58. ( فلنأتينك بسحر مثله ) يعارضه ( فاجعل بيننا وبينك موعدا ) لذلك ( لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا ) منصوب بنزع الخافض في ( سوى ) بكسر أوله وضمه أي وسطا تستوي إليه مسافة الجائي من الطرفين
59. ( قال ) موسى ( موعدكم يوم الزينة ) يوم عيد لهم يتزينون فيه ويجتمعون ( وأن يحشر الناس ) يجمع أهل مصر ( ضحى ) وقته للنظر فيما يقع
60. ( فتولى فرعون ) أدبر ( فجمع كيده ) أي ذوي كيده من السحرة ( ثم أتى ) بهم الموعد
61. ( قال لهم موسى ) وهم اثنان وسبعون مع كل واحد حبل وعصا ( ويلكم ) أي ألزمكم الله الويل ( لا تفتروا على الله كذبا ) بإشراك أحد معه ( فيسحتكم ) بضم الياء وكسر الحاء وبفتحهما أي يهلككم ( بعذاب ) من عنده ( وقد خاب ) خسر ( من افترى ) كذب على الله
62. ( فتنازعوا أمرهم بينهم ) في موسى وأخيه ( وأسروا النجوى ) أي الكلام بينهم فيهما
63. ( قالوا ) لأنفسهم ( إن هذان ) لأبي عمرو ولغيره وهو موافق للغة من يأتي في المثنى بالألف في أحواله الثلاث ( لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى ) مؤنث أمثل بمعنى أشرف أي باشرافكم بميلهم إليهما لغلبتهما
64. ( فأجمعوا كيدكم ) من السحر بهمزة وصل وفتح الميم من جمع أي لممم وبهمزة قطع وكسر الميم من أجمع أحكم ( ثم ائتوا صفا ) حال أي مصطفين ( وقد أفلح ) فاز ( اليوم من استعلى ) غلب
65. ( قالوا يا موسى ) اختر ( إما أن تلقي ) عصاك أولا ( وإما أن نكون أول من ألقى ) عصاه
66. ( قال بل ألقوا ) فألقوا ( فإذا حبالهم وعصيهم ) أصله عصوو قلبت الواوان ياءين وكسرت العين والصاد ( يخيل إليه من سحرهم أنها ) حيات ( تسعى ) على بطونها
67. ( فأوجس ) أحس ( في نفسه خيفة موسى ) أي خاف من جهة أن سحرهم من جنس معجزته أن يلتبس أمره على الناس فلا يؤمنوا به
68. ( قلنا ) له ( لا تخف إنك أنت الأعلى ) عليهم بالغلبة
69. ( وألق ما في يمينك ) وهي عصاه ( تلقف ) تبتلع ( ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ) أي جنسه ( ولا يفلح الساحر حيث أتى ) بسحره فألقى موسى عصاه فتلقفت كل ما صنعوه
70. ( فألقي السحرة سجدا ) خروا ساجدين لله تعالى ( قالوا آمنا برب هارون وموسى )
71. ( قال ) فرعون ( آمنتم ) بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفا ( له قبل أن آذن ) أنا ( لكم إنه لكبيركم ) معلمكم ( الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ) حال بمعنى مختلفة أي الأيدي اليمنى والأرجل اليسرى ( ولأصلبنكم في جذوع النخل ) أي عليها ( ولتعلمن أينا ) يعني نفسه ورب موسى ( أشد عذابا وأبقى ) أدوم على مخالفته
72. ( قالوا لن نؤثرك ) نختارك ( على ما جاءنا من البينات ) الدالة على صدق موسى ( والذي فطرنا ) خلقنا قسم أو عطف على ما ( فاقض ما أنت قاض ) أي إصنع ما قلته ( إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ) النصب على الاتساع أي فيها وتجزى عليه في الآخرة
73. ( إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا ) من الإشراك وغيره ( وما أكرهتنا عليه من السحر ) تعلما وعملا لمعارضة موسى ( والله خير ) منك ثوابا إذا اطيع ( وأبقى ) منك عذابا إذا عصي
74. قال تعالى ( إنه من يأت ربه مجرما ) كافرا كفرعون ( فإن له جهنم لا يموت فيها ) فيستريح ( ولا يحيى ) حياة تنفعه
75. ( ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات ) الفرائض والنوافل ( فأولئك لهم الدرجات العلى ) جمع عليا مؤنث أعلى
76. ( جنات عدن ) أي إقامة بيان له ( تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى ) تطهر من الذنوب
77. ( ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي ) بهمزة قطع من أسرى وبهمزة وصل وكسر النون من سرى لغتان أي أسر بهم ليلا من أرض مصر ( فاضرب لهم ) اجعل لهم بعصاك ( طريقا في البحر يبسا ) أي يابسا فامتثل ما أمر به وأيبس الله الأرض فمروا فيها ( لا تخاف دركا ) أي أن يدركك فرعون ( ولا تخشى ) غرقا
78. ( فأتبعهم فرعون بجنوده ) وهو معهم ( فغشيهم من اليم ) أي البحر ( ما غشيهم ) فأغرقهم
79. ( وأضل فرعون قومه ) بدعائهم إلى عبادته ( وما هدى ) بل أوقعهم في الهلاك خلاف قوله وما أهديكم إلا سبيل الرشاد
80. ( يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم ) فرعون بإغراقه ( وواعدناكم جانب الطور الأيمن ) فنؤتي موسى التوراة للعمل بها ( ونزلنا عليكم المن والسلوى ) هما الترنجبين والطير السماني بتخفيف الميم والقصر والمنادى من وجد من اليهود زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخوطبوا بما أنعم الله به على أجدادهم زمن النبي موسى توطئة لقوله تعالى لهم
81. ( كلوا من طيبات ما رزقناكم ) أي المنعم به عليكم ( ولا تطغوا فيه ) بأن تكفروا النعمة به ( فيحل عليكم غضبي ) بكسر الحاء أي يجب وبضمها أي ينزل ( ومن يحلل عليه غضبي ) بكسر اللام وضمها ( فقد هوى ) سقط في النار
82. ( وإني لغفار لمن تاب ) من الشرك ( وآمن ) وحد الله ( وعمل صالحا ) يصدق بالفرض والنفل ( ثم اهتدى ) باستمراره على ما ذكر إلى موته
83. ( وما أعجلك عن قومك ) لمجيء ميعاد أخذ التوراة ( يا موسى )
84. ( قال هم أولاء ) أي بالقرب مني يأتون ( على أثري وعجلت إليك رب لترضى ) عني أي زيادة على رضاك وقبل الجواب أتى بالاعتذار بحسب ظنه وتخلف المظنون لما
85. ( قال ) تعالى ( فإنا قد فتنا قومك من بعدك ) أي بعد فراقك لهم ( وأضلهم السامري ) فعبدوا العجل
86. ( فرجع موسى إلى قومه غضبان ) من جهتهم ( أسفا ) شديد الحزن ( قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا ) أي صدقا أنه يعطيكم التوراة ( أفطال عليكم العهد ) مدة مفارقتي إياكم ( أم أردتم أن يحل ) يجب ( عليكم غضب من ربكم ) بعبادتكم العجل ( فأخلفتم موعدي ) وتركتم المجيء بعدي
87. ( قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ) مثلث الميم أي بقدرتنا أو أمرنا ( ولكنا حملنا ) بفتح الحاء مخففا وبضمها وكسر الميم مشددا ( أوزارا ) أثقالا ( من زينة القوم ) أي حلي قوم فرعون استعارها منهم بنو إسرائيل بعلة عرس فبقيت عندهم ( فقذفناها ) طرحناها في النار بأمر السامري ( فكذلك ) كما ألقينا ( ألقى السامري ) ما معه من حليهم ومن التراب الذي أخذه من أثر حافر فرس جبريل على الوجه الآتي
88. ( فأخرج لهم عجلا ) صاغه من الحلي ( جسدا ) لحما ودما ( له خوار ) أي صوت يسمع أي انقلب كذلك بسبب التراب الذي أثره الحياة فيما يوضع فيه ووضعه بعد صوغه في فمه ( فقالوا ) أي السامري وأتباعه ( هذا إلهكم وإله موسى فنسي ) موسى ربه هنا وذهب يطلبه
89. ( أفلا يرون ألا ) ن مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي أنه لا ( يرجع ) العجل ( إليهم قولا ) أي لا يرد لهم جوابا ( ولا يملك لهم ضرا ) أي دفعه ( ولا نفعا ) أي جلبه أي فكيف يتخذ إلها
90. ( ولقد قال لهم هارون من قبل ) أي قبل أن يرجع أن موسى ( يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني ) في ( وأطيعوا أمري ) فيها
91. ( قالوا لن نبرح ) نزال ( عليه عاكفين ) على عبادته مقيمين ( حتى يرجع إلينا موسى )
92. ( قال ) موسى بعد رجوعه ( يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ) بعبادته
93. ( ألا تتبعن ) لا زائدة ( أفعصيت أمري ) بإقامتك بين من يعبد غير الله تعالى
94. ( قال ) هارون ( يا ابن أم ) بكسر الميم وفتحها أراد امي وذكرها أعطف لقلبه ( لا تأخذ بلحيتي ) وكان أخذها بشماله ( ولا برأسي ) وكان أخذ شعره بيمينه غضبا ( إني خشيت ) لو اتبعتك ولا بد أن يتبعني جمع ممن لم يعبدوا العجل ( أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ) وتغضب علي ( ولم ترقب ) تنتظر ( قولي ) فيما رأيته في ذلك
95. ( قال فما خطبك ) شأنك الداعي إلى ما صنعت ( يا سامري )
96. ( قال بصرت بما لم يبصروا به ) بالياء والتاء أي علمت بما لم يعلموه ( فقبضت قبضة من ) تراب ( أثر ) حافر فرس ( الرسول ) جبريل ( فنبذتها ) القيتها في صورة العجل المصاغ ( وكذلك سولت ) زينت ( لي نفسي ) والقي فيها أن آخذ قبضة من تراب ما ذكر والقيها على ما لا روح له يصير له روح ورأيت قومك طلبوا منك أن تجعل لهم إلها فحدثتني نفسي أن يكون ذلك العجل إلاههم
97. ( قال ) له موسى ( فاذهب ) من بيننا ( فإن لك في الحياة ) أي مدة حياتك ( أن تقول ) لمن رأيته ( لا مساس ) أي لا تقربني فكان يهيم في البرية وإذ مس أحدا أو مسه أحد حما جميعا ( وإن لك موعدا ) لعذابك ( لن تخلفه ) بكسر اللام أي لن تغيب عنه وبفتحها أي بل تبعث إليه ( وانظر إلى إلهك الذي ظلت ) أصله ظللت بلا مين اولاهما مكسورة حذفت تخفيفا أي دمت ( عليه عاكفا ) أي مقيما تعبده ( لنحرقنه ) بالنار ( ثم لننسفنه في اليم نسفا ) نذرينه في هواء البحر وفعل موسى بعد ذبحه ما ذكره
98. ( إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما ) تمييز محول عن الفاعل أي وسع علمه كل شيء
319 ناقص
114. ( فتعالى الله الملك الحق ) عما يقول المشركون ( ولا تعجل بالقرآن ) أي بقراءته ( من قبل أن يقضى إليك وحيه ) أي يفرغ جبريل من إبلاغه ( وقل رب زدني علما ) أي بالقرآن فكلما انزل عليه شيء منه زاد به علمه
115. ( ولقد عهدنا إلى آدم ) ووصيناه أن لا يأكل من الشجرة ( من قبل ) أي قبل أكله منها ( فنسي ) ترك عهدنا ( ولم نجد له عزما ) حزما وصبرا عما منعناه عنه
116. ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس ) وهو أبو الجن كان يصحب الملائكة ويعبد الله معهم ( أبى ) عن السجود لآدم فقال أنا خير منه
117. ( فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك ) حواء بالمد ( فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ) تتعب بالحرث والزرع والحصد والطحن والخبز وغير ذلك واقتصر على شقائه لأن الرجل يسعى على زوجته
118. ( إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى )
119. ( وأنك ) بفتح الهمزة وكسرها عطف على اسم إن وجملتها ( لا تظمأ فيها ) تعطش ( ولا تضحى ) لا يحصل لك حر شمس الضحى لانتقاء شمس الضحى في الجنة
120. ( فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد ) أي التي يخلد من يأكل منها ( وملك لا يبلى ) لا يفنى وهو لازم الخلد
121. ( فأكلا ) أي آدم وحواء ( منها فبدت لهما سوآتهما ) أي ظهر لكل منهما قبله وقبل الآخر ودبره وسمي كل منهما سوأة لأن انكشافه يسوء صاحبه ( وطفقا يخصفان ) أخذا يلزقان ( عليهما من ورق الجنة ) ليستترا به ( وعصى آدم ربه فغوى ) بالأكل من الشجرة
122. ( ثم اجتباه ربه ) قربه ( فتاب عليه ) قبل توبته ( وهدى ) أي هداه إلى المداومة على التوبة
123. ( قال اهبطا ) أي آدم وحواء بما اشتملتما عليه من ذريتكما ( منها ) من الجنة ( جميعا بعضكم ) بعض الذرية ( لبعض عدو ) من ظلم بعضهم بعضا ( فإما ) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة ( يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي ) أي القرآن ( فلا يضل ) في الدنيا ( ولا يشقى ) في الآخرة
124. ( ومن أعرض عن ذكري ) أي القرآن فلم يؤمن به ( فإن له معيشة ضنكا ) بالتنوين مصدر بمعنى ضيقة وفسرت في حديث بعذاب الكافر في قبره ( ونحشره ) أي المعرض عن القرآن ( يوم القيامة أعمى ) أعمى البصر
125. ( قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا ) في الدنيا وعند البعث
126. ( قال ) الأمر ( كذلك أتتك آياتنا فنسيتها ) تركتها ولم تؤمن بها ( وكذلك ) مثل نسيانك آياتنا ( اليوم تنسى ) تترك في النار
127. ( وكذلك ) ومثل جزائنا من أعرض عن القرآن ( نجزي من أسرف ) أشرك ( ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد ) من عذاب الدنيا وعذاب القبر ( وأبقى ) أدوم
128. ( أفلم يهد ) يتبين ( لهم ) لكفار مكة ( كم ) خبرية مفعول ( أهلكنا ) أي كثيرا إهلاكنا ( قبلهم من القرون ) أي الأمم الماضية لتكذيب الرسل ( يمشون ) حال من ضمير لهم ( في مساكنهم ) في سفرهم إلى الشام وغيرها فيعتبروا وما ذكر من أخذ إهلاك من فعله الخالي عن حرف مصدري لرعاية المعنى لا مانع منه ( إن في ذلك لآيات ) لعبرا ( لأولي النهى ) لذوي العقول
129. ( ولولا كلمة سبقت من ربك ) لتأخير العذاب عنهم إلى الآخرة ( لكان ) الإهلاك ( لزاما ) لازما لهم في الدنيا ( وأجل مسمى ) مضروب لهم معطوف على الضمير المستتر في كان وقام الفصل بخبرها مقام التأكيد
130. ( فاصبر على ما يقولون ) منسوخ بآية القتال ( وسبح ) صل ( بحمد ربك ) حال أي ملتبسا به ( قبل طلوع الشمس ) صلاة الصبح ( وقبل غروبها ) صلاة العصر ( ومن آناء الليل ) ساعاته ( فسبح ) صل المغرب والعشاء ( وأطراف النهار ) عطف على محل من آناء المنصوب أي صل الظهر لأن وقتها يدخل بزوال الشمس فهو طرف النصف الأول وطرف النصف الثاني ( لعلك ترضى ) بما تعطى من الثواب
131. ( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا ) أصنافا ( منهم زهرة الحياة الدنيا ) زينتها وبهجتها ( لنفتنهم فيه ) بأن يطغوا ( ورزق ربك ) في الجنة ( خير ) مما أوتوه في الدنيا ( وأبقى ) أدوم
132. ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر ) اصبر ( عليها لا نسألك ) نكلفك ( رزقا ) لنفسك ولا لغيرك ( نحن نرزقك والعاقبة ) الجنة ( للتقوى ) لأهلها
133. ( وقالوا ) أي المشركون ( لولا ) هلا ( يأتينا ) محمد ( بآية من ربه ) مما يقترحونه ( أولم تأتهم بينة ) بالتاء والياء ( ما ) بيان ( في الصحف الأولى ولو ) المشتمل عليه القرآن من أنباء الأمم الماضية وإهلاكهم بتكذيب الرسل
134. ( ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله ) قبل محمد الرسول ( لقالوا ) يوم القيامة ( ربنا لولا ) هلا ( أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ) المرسل بها ( من قبل أن نذل ) في القيامة ( ونخزى ) في جهنم
135. ( قل ) لهم ( كل ) منا ومنكم ( متربص ) منتظر ما يؤول إليه الأمر ( فتربصوا فستعلمون ) في القيامة ( من أصحاب الصراط ) الطريق ( السوي ) المستقيم ( ومن اهتدى ) من الضلالة أنحن أم أنتم
1. ( طه ) الله أعلم بمراده بذلك
2. ( ما أنزلنا عليك القرآن ) يا محمد ( لتشقى ) لتتعب بما فعلت بعد نزوله من طول قيامك بصلاة الليل أي خفف عن نفسك
3. ( إلا ) لكن أنزلناه ( تذكرة ) به ( لمن يخشى ) يخاف الله
4. ( تنزيلا ) بدل من اللفظ بفعله الناصب له ( ممن خلق الأرض والسماوات العلى ) جمع عليا ككبرى وكبر
5. هو ( الرحمن على العرش ) وهو في اللغة سرير الملك ( استوى ) استواء يليق به
6. ( له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما ) من المخلوقات ( وما تحت الثرى ) هو التراب الندي والمراد الأرضون السبع لأنها تحته
7. ( وإن تجهر بالقول ) في ذكر أو دعاء فالله غني عن الجهر به ( فإنه يعلم السر وأخفى ) منه أي ما حدثت به النفس وما خطر ولم تحدث به فلا تجهد نفسك بالجهر
8. ( الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ) التسع والتسعون الوارد بها الحديث والحسنى مؤنث الأحسن
9. ( وهل ) قد ( أتاك حديث موسى )
10. ( إذ رأى نارا فقال لأهله ) لامرأته ( امكثوا ) هنا وذلك في مسيره من مدين طالبا مصر ( إني آنست ) أبصرت ( نارا لعلي آتيكم منها بقبس ) بشعلة في رأس فتيلة أو عود ( أو أجد على النار هدى ) أي هاديا يدلني على الطريق وكان أخطأها لظلمة الليل وقال لعل لعدم الجزم بوفاء الوعد
11. ( فلما أتاها ) وهي شجرة عوسج ( نودي يا موسى )
12. ( إني ) بكسر الهمزة بتأويل نودي بقيل وبفتحها بتقدير الباء ( أنا ) تأكيد لياء المتكلم ( ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس ) المطهر أو المبارك ( طوى ) بدل أو عطف بيان بالتنوين وتركه مصروف باعتبار المكان وغير مصروف للتأنيث باعتبار البقعة مع العلمية
13. ( وأنا اخترتك ) من قومك ( فاستمع لما يوحى ) إليك مني
14. ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ) فيها
15. ( إن الساعة آتية أكاد أخفيها ) عن الناس ويظهر لهم قربها بعلاماتها ( لتجزى ) فيها ( كل نفس بما تسعى ) به من خير أو شر
16. ( فلا يصدنك ) يصرفنك ( عنها ) أي عن الإيمان بها ( من لا يؤمن بها واتبع هواه ) في إنكارها ( فتردى ) أي فتهلك إن صددت عنها
17. ( وما تلك ) كائنة ( بيمينك يا موسى ) الاستفهام للتقرير ليرتب عليه المعجزة فيها
18. ( قال هي عصاي أتوكأ ) أعتمد ( عليها ) عند الوثوب والمشي ( وأهش ) أخبط ورق الشجر ( بها ) ليسقط ( على غنمي ) فتأكله ( ولي فيها مآرب ) جمع مأربة مثلث الراء أي حوائج ( أخرى ) كحمل الزاد والسقاء وطرد الهوان وزاد في الجواب بيان حاجاته بها
19. ( قال ألقها يا موسى )
20. ( فألقاها فإذا هي حية ) ثعبان عظيم ( تسعى ) تمشي على بطنها سريعا كسرعة الثعبان المسمى بالجان المعبر به فيها في آية أخرى
21. ( قال خذها ولا تخف ) منها ( سنعيدها سيرتها ) منصوب بنزع الخافض أي إلى حالتها ( الأولى ) فأدخل يده في فمها فعادت عصا فتبين أن موضع الإدخال موضع مسكها بين شعبتيها وأري ذلك السيد موسى لئلا يجزع إذا انقلبت حية لدى فرعون
22. ( واضمم يدك ) اليمنى بمعنى الكف ( إلى جناحك ) أي جنبك الأيسر تحت العضد إلى الإبط وأخرجها ( تخرج ) خلاف ما كانت عليه من الأدمة ( بيضاء من غير سوء ) أي برص تضيء كشعاع الشمس تغشي البصر ( آية أخرى ) وهي وبيضاء حالان من ضمير تخرج
23. ( لنريك ) بها إذا فعلت ذلك لإظهارها ( من آياتنا ) الآية ( الكبرى ) أي العظمى على رسالتك وإذا أراد عودها إلى حالتها الأولى ضمها إلى جناحه كما تقدم وأخرجها
24. ( اذهب ) رسولا ( إلى فرعون ) ومن معه ( إنه طغى ) جاوز الحد في كفره إلى ادعاء الإله
25. ( قال رب اشرح لي صدري ) وسعه لتحمل الرسالة
26. ( ويسر ) سهل ( لي أمري ) لأبلغها
27. ( واحلل عقدة من لساني ) حدثت من احتراقه بجمرة وضعها بفيه وهو صغير
28. ( يفقهوا ) يفهموا ( قولي ) عند تبليغ الرسالة
29. ( واجعل لي وزيرا ) معينا عليها ( من أهلي )
30. ( هارون ) مفعول ثاني ( أخي ) عطف بيان
31. ( اشدد به أزري ) ظهري
32. ( وأشركه في أمري ) أي الرسالة والفعلان بصيغتي الأمر والمضارع المجزوم وهو جواب الطلب
33. ( كي نسبحك ) تسبيحا ( كثيرا )
34. ( ونذكرك ) ذكرا ( كثيرا )
35. ( إنك كنت بنا بصيرا ) عالما فأنعمت بالرسالة
36. ( قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ) منا عليك
37. ( ولقد مننا عليك مرة أخرى )
38. ( إذ ) للتعليل ( أوحينا إلى أمك ) مناما أو إلهاما لما ولدتك وخافت أن يقتلك فرعون في جملة من يولد ( ما يوحى ) في أمرك ويبدل منه
39. ( أن اقذفيه ) ألقيه ( في التابوت فاقذفيه ) بالتابوت ( في اليم ) بحر النيل ( فليلقه اليم بالساحل ) أي شاطئه والأمر بمعنى الخبر ( يأخذه عدو لي وعدو له ) وهو فرعون ( وألقيت ) بعد أن أخذك ( عليك محبة مني ) لتحب في الناس فأحبك فرعون وكل من رآك ( ولتصنع على عيني ) تربى على رعايتي وحفظي لك
40. ( إذ ) للتعليل ( تمشي أختك ) مريم لتتعرف من خبرك وقد أحضروا مراضع وأنت لا تقبل ثدي واحدة منهن ( فتقول هل أدلكم على من يكفله ) فأجيبت فجاءت بأمه فقبل ثديها ( فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ) بلقائك ( ولا تحزن ) حينئذ ( وقتلت نفسا ) هو القبطي بمصر فاغتممت لقتله من جهة فرعون ( فنجيناك من الغم وفتناك فتونا ) اختبرناك في الإيقاع في غير ذلك وخلصناك منه ( فلبثت سنين ) عشرا ( في أهل مدين ) بعد مجيئك إليها من مصر عند شعيب النبي وتزوجك بابنته ( ثم جئت على قدر ) في علمي بالرسالة وهو أربعون سنة من عمرك ( يا موسى )
41. ( واصطنعتك ) اخترتك ( لنفسي ) بالرسالة
42. ( اذهب أنت وأخوك ) إلى الناس ( بآياتي ) التسع ( ولا تنيا ) تفترا ( في ذكري ) بتسبيح وغيره
43. ( اذهبا إلى فرعون إنه طغى ) بادعائه الربوبية
44. ( فقولا له قولا لينا ) في رجوعه عن ذلك ( لعله يتذكر ) يتعظ ( أو يخشى ) الله فيرجع والترجي بالنسبة إليهما لعلمه تعالى بأنه لايرجع
45. ( قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا ) أي يعجل بالعقوبة ( أو أن يطغى ) علينا أي يتكبر
46. ( قال لا تخافا إنني معكما ) بعوني ( أسمع ) ما يقول ( وأرى ) ما يفعل
47. ( فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ) إلى الشام ( ولا تعذبهم ) أي خل عنهم من استعمالك إياهم في أشغالك الشاقة كالحفر والبناء وحمل الثقيل ( قد جئناك بآية ) بحجة ( من ربك ) على صدقنا بالرسالة ( والسلام على من اتبع الهدى ) أي السلامة له من العذاب
48. ( إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب ) ما جئنا به ( وتولى ) أعرض عنه فأتياه وقالا جميع ما ذكره
49. ( قال فمن ربكما يا موسى ) اقتصر عليه لأنه الأصل ولإدلاله عليه بالتربية
50. ( قال ربنا الذي أعطى كل شيء ) من الخلق ( خلقه ) الذي هو عليه متميز به من غيره ( ثم هدى ) الحيوان منه
51. ( قال ) فرعون ( فما بال ) حال ( القرون ) الأمم ( الأولى ) كقوم نوح وهود ولوط وصالح في عبادتهم الأوثان
52. ( قال ) موسى ( علمها ) أي علم حالهم محفوظ ( عند ربي في كتاب ) هو اللوح المحفوظ يجازيهم عليها يوم القيامة ( لا يضل ) يغيب ( ربي ) عن شيء ( ولا ينسى ) ربي شيئا
53. هو ( الذي جعل لكم ) في جملة الخلق ( الأرض مهدا ) فراشا ( وسلك ) سهل ( لكم فيها سبلا ) طرقا ( وأنزل من السماء ماء ) مطرا قال تعالى تتميما لما وصفه به موسى وخطابا لأهل مكة ( فأخرجنا به أزواجا ) أصنافا ( من نبات شتى ) صفة أزواجا أي مختلفة الألوان والطعوم وغيرهما وشتى جمع شتيت كمريض ومرضى من شت الأمر تفرق
54. ( كلوا ) منها ( وارعوا أنعامكم ) فيها جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم يقال رعت الأنعام ورعيتها والأمر للاباحة وتذكير النعمة والجملة حال من ضمير أخرجنا أي مبيحين لكم الأكل ورعي الإنعام ( إن في ذلك ) المكور هنا ( لآيات ) لعبرا ( لأولي النهى ) لأصحاب العقول جمع نهية كغرفة وغرف سمي به العقل لأنه ينهى صاحبه عن ارتكاب القبائح
55. ( منها ) أي من الأرض ( خلقناكم ) بخلق أبيكم آدم منها ( وفيها نعيدكم ) مقبورين بعد الموت ( ومنها نخرجكم ) عند البعث ( تارة ) مرة ( أخرى ) كما أخرجناكم عند ابتداء خلقكم
56. ( ولقد أريناه ) أي أبصرنا فرعون ( آياتنا كلها ) التسع ( فكذب ) بها وزعم أنها سحر ( وأبى ) أن يوحد الله تعالى
57. ( قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا ) مصر ويكون لك الملك فيها ( بسحرك يا موسى )
58. ( فلنأتينك بسحر مثله ) يعارضه ( فاجعل بيننا وبينك موعدا ) لذلك ( لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا ) منصوب بنزع الخافض في ( سوى ) بكسر أوله وضمه أي وسطا تستوي إليه مسافة الجائي من الطرفين
59. ( قال ) موسى ( موعدكم يوم الزينة ) يوم عيد لهم يتزينون فيه ويجتمعون ( وأن يحشر الناس ) يجمع أهل مصر ( ضحى ) وقته للنظر فيما يقع
60. ( فتولى فرعون ) أدبر ( فجمع كيده ) أي ذوي كيده من السحرة ( ثم أتى ) بهم الموعد
61. ( قال لهم موسى ) وهم اثنان وسبعون مع كل واحد حبل وعصا ( ويلكم ) أي ألزمكم الله الويل ( لا تفتروا على الله كذبا ) بإشراك أحد معه ( فيسحتكم ) بضم الياء وكسر الحاء وبفتحهما أي يهلككم ( بعذاب ) من عنده ( وقد خاب ) خسر ( من افترى ) كذب على الله
62. ( فتنازعوا أمرهم بينهم ) في موسى وأخيه ( وأسروا النجوى ) أي الكلام بينهم فيهما
63. ( قالوا ) لأنفسهم ( إن هذان ) لأبي عمرو ولغيره وهو موافق للغة من يأتي في المثنى بالألف في أحواله الثلاث ( لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى ) مؤنث أمثل بمعنى أشرف أي باشرافكم بميلهم إليهما لغلبتهما
64. ( فأجمعوا كيدكم ) من السحر بهمزة وصل وفتح الميم من جمع أي لممم وبهمزة قطع وكسر الميم من أجمع أحكم ( ثم ائتوا صفا ) حال أي مصطفين ( وقد أفلح ) فاز ( اليوم من استعلى ) غلب
65. ( قالوا يا موسى ) اختر ( إما أن تلقي ) عصاك أولا ( وإما أن نكون أول من ألقى ) عصاه
66. ( قال بل ألقوا ) فألقوا ( فإذا حبالهم وعصيهم ) أصله عصوو قلبت الواوان ياءين وكسرت العين والصاد ( يخيل إليه من سحرهم أنها ) حيات ( تسعى ) على بطونها
67. ( فأوجس ) أحس ( في نفسه خيفة موسى ) أي خاف من جهة أن سحرهم من جنس معجزته أن يلتبس أمره على الناس فلا يؤمنوا به
68. ( قلنا ) له ( لا تخف إنك أنت الأعلى ) عليهم بالغلبة
69. ( وألق ما في يمينك ) وهي عصاه ( تلقف ) تبتلع ( ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ) أي جنسه ( ولا يفلح الساحر حيث أتى ) بسحره فألقى موسى عصاه فتلقفت كل ما صنعوه
70. ( فألقي السحرة سجدا ) خروا ساجدين لله تعالى ( قالوا آمنا برب هارون وموسى )
71. ( قال ) فرعون ( آمنتم ) بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفا ( له قبل أن آذن ) أنا ( لكم إنه لكبيركم ) معلمكم ( الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ) حال بمعنى مختلفة أي الأيدي اليمنى والأرجل اليسرى ( ولأصلبنكم في جذوع النخل ) أي عليها ( ولتعلمن أينا ) يعني نفسه ورب موسى ( أشد عذابا وأبقى ) أدوم على مخالفته
72. ( قالوا لن نؤثرك ) نختارك ( على ما جاءنا من البينات ) الدالة على صدق موسى ( والذي فطرنا ) خلقنا قسم أو عطف على ما ( فاقض ما أنت قاض ) أي إصنع ما قلته ( إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ) النصب على الاتساع أي فيها وتجزى عليه في الآخرة
73. ( إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا ) من الإشراك وغيره ( وما أكرهتنا عليه من السحر ) تعلما وعملا لمعارضة موسى ( والله خير ) منك ثوابا إذا اطيع ( وأبقى ) منك عذابا إذا عصي
74. قال تعالى ( إنه من يأت ربه مجرما ) كافرا كفرعون ( فإن له جهنم لا يموت فيها ) فيستريح ( ولا يحيى ) حياة تنفعه
75. ( ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات ) الفرائض والنوافل ( فأولئك لهم الدرجات العلى ) جمع عليا مؤنث أعلى
76. ( جنات عدن ) أي إقامة بيان له ( تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى ) تطهر من الذنوب
77. ( ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي ) بهمزة قطع من أسرى وبهمزة وصل وكسر النون من سرى لغتان أي أسر بهم ليلا من أرض مصر ( فاضرب لهم ) اجعل لهم بعصاك ( طريقا في البحر يبسا ) أي يابسا فامتثل ما أمر به وأيبس الله الأرض فمروا فيها ( لا تخاف دركا ) أي أن يدركك فرعون ( ولا تخشى ) غرقا
78. ( فأتبعهم فرعون بجنوده ) وهو معهم ( فغشيهم من اليم ) أي البحر ( ما غشيهم ) فأغرقهم
79. ( وأضل فرعون قومه ) بدعائهم إلى عبادته ( وما هدى ) بل أوقعهم في الهلاك خلاف قوله وما أهديكم إلا سبيل الرشاد
80. ( يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم ) فرعون بإغراقه ( وواعدناكم جانب الطور الأيمن ) فنؤتي موسى التوراة للعمل بها ( ونزلنا عليكم المن والسلوى ) هما الترنجبين والطير السماني بتخفيف الميم والقصر والمنادى من وجد من اليهود زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخوطبوا بما أنعم الله به على أجدادهم زمن النبي موسى توطئة لقوله تعالى لهم
81. ( كلوا من طيبات ما رزقناكم ) أي المنعم به عليكم ( ولا تطغوا فيه ) بأن تكفروا النعمة به ( فيحل عليكم غضبي ) بكسر الحاء أي يجب وبضمها أي ينزل ( ومن يحلل عليه غضبي ) بكسر اللام وضمها ( فقد هوى ) سقط في النار
82. ( وإني لغفار لمن تاب ) من الشرك ( وآمن ) وحد الله ( وعمل صالحا ) يصدق بالفرض والنفل ( ثم اهتدى ) باستمراره على ما ذكر إلى موته
83. ( وما أعجلك عن قومك ) لمجيء ميعاد أخذ التوراة ( يا موسى )
84. ( قال هم أولاء ) أي بالقرب مني يأتون ( على أثري وعجلت إليك رب لترضى ) عني أي زيادة على رضاك وقبل الجواب أتى بالاعتذار بحسب ظنه وتخلف المظنون لما
85. ( قال ) تعالى ( فإنا قد فتنا قومك من بعدك ) أي بعد فراقك لهم ( وأضلهم السامري ) فعبدوا العجل
86. ( فرجع موسى إلى قومه غضبان ) من جهتهم ( أسفا ) شديد الحزن ( قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا ) أي صدقا أنه يعطيكم التوراة ( أفطال عليكم العهد ) مدة مفارقتي إياكم ( أم أردتم أن يحل ) يجب ( عليكم غضب من ربكم ) بعبادتكم العجل ( فأخلفتم موعدي ) وتركتم المجيء بعدي
87. ( قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ) مثلث الميم أي بقدرتنا أو أمرنا ( ولكنا حملنا ) بفتح الحاء مخففا وبضمها وكسر الميم مشددا ( أوزارا ) أثقالا ( من زينة القوم ) أي حلي قوم فرعون استعارها منهم بنو إسرائيل بعلة عرس فبقيت عندهم ( فقذفناها ) طرحناها في النار بأمر السامري ( فكذلك ) كما ألقينا ( ألقى السامري ) ما معه من حليهم ومن التراب الذي أخذه من أثر حافر فرس جبريل على الوجه الآتي
88. ( فأخرج لهم عجلا ) صاغه من الحلي ( جسدا ) لحما ودما ( له خوار ) أي صوت يسمع أي انقلب كذلك بسبب التراب الذي أثره الحياة فيما يوضع فيه ووضعه بعد صوغه في فمه ( فقالوا ) أي السامري وأتباعه ( هذا إلهكم وإله موسى فنسي ) موسى ربه هنا وذهب يطلبه
89. ( أفلا يرون ألا ) ن مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي أنه لا ( يرجع ) العجل ( إليهم قولا ) أي لا يرد لهم جوابا ( ولا يملك لهم ضرا ) أي دفعه ( ولا نفعا ) أي جلبه أي فكيف يتخذ إلها
90. ( ولقد قال لهم هارون من قبل ) أي قبل أن يرجع أن موسى ( يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني ) في ( وأطيعوا أمري ) فيها
91. ( قالوا لن نبرح ) نزال ( عليه عاكفين ) على عبادته مقيمين ( حتى يرجع إلينا موسى )
92. ( قال ) موسى بعد رجوعه ( يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ) بعبادته
93. ( ألا تتبعن ) لا زائدة ( أفعصيت أمري ) بإقامتك بين من يعبد غير الله تعالى
94. ( قال ) هارون ( يا ابن أم ) بكسر الميم وفتحها أراد امي وذكرها أعطف لقلبه ( لا تأخذ بلحيتي ) وكان أخذها بشماله ( ولا برأسي ) وكان أخذ شعره بيمينه غضبا ( إني خشيت ) لو اتبعتك ولا بد أن يتبعني جمع ممن لم يعبدوا العجل ( أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ) وتغضب علي ( ولم ترقب ) تنتظر ( قولي ) فيما رأيته في ذلك
95. ( قال فما خطبك ) شأنك الداعي إلى ما صنعت ( يا سامري )
96. ( قال بصرت بما لم يبصروا به ) بالياء والتاء أي علمت بما لم يعلموه ( فقبضت قبضة من ) تراب ( أثر ) حافر فرس ( الرسول ) جبريل ( فنبذتها ) القيتها في صورة العجل المصاغ ( وكذلك سولت ) زينت ( لي نفسي ) والقي فيها أن آخذ قبضة من تراب ما ذكر والقيها على ما لا روح له يصير له روح ورأيت قومك طلبوا منك أن تجعل لهم إلها فحدثتني نفسي أن يكون ذلك العجل إلاههم
97. ( قال ) له موسى ( فاذهب ) من بيننا ( فإن لك في الحياة ) أي مدة حياتك ( أن تقول ) لمن رأيته ( لا مساس ) أي لا تقربني فكان يهيم في البرية وإذ مس أحدا أو مسه أحد حما جميعا ( وإن لك موعدا ) لعذابك ( لن تخلفه ) بكسر اللام أي لن تغيب عنه وبفتحها أي بل تبعث إليه ( وانظر إلى إلهك الذي ظلت ) أصله ظللت بلا مين اولاهما مكسورة حذفت تخفيفا أي دمت ( عليه عاكفا ) أي مقيما تعبده ( لنحرقنه ) بالنار ( ثم لننسفنه في اليم نسفا ) نذرينه في هواء البحر وفعل موسى بعد ذبحه ما ذكره
98. ( إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما ) تمييز محول عن الفاعل أي وسع علمه كل شيء
319 ناقص
114. ( فتعالى الله الملك الحق ) عما يقول المشركون ( ولا تعجل بالقرآن ) أي بقراءته ( من قبل أن يقضى إليك وحيه ) أي يفرغ جبريل من إبلاغه ( وقل رب زدني علما ) أي بالقرآن فكلما انزل عليه شيء منه زاد به علمه
115. ( ولقد عهدنا إلى آدم ) ووصيناه أن لا يأكل من الشجرة ( من قبل ) أي قبل أكله منها ( فنسي ) ترك عهدنا ( ولم نجد له عزما ) حزما وصبرا عما منعناه عنه
116. ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس ) وهو أبو الجن كان يصحب الملائكة ويعبد الله معهم ( أبى ) عن السجود لآدم فقال أنا خير منه
117. ( فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك ) حواء بالمد ( فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ) تتعب بالحرث والزرع والحصد والطحن والخبز وغير ذلك واقتصر على شقائه لأن الرجل يسعى على زوجته
118. ( إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى )
119. ( وأنك ) بفتح الهمزة وكسرها عطف على اسم إن وجملتها ( لا تظمأ فيها ) تعطش ( ولا تضحى ) لا يحصل لك حر شمس الضحى لانتقاء شمس الضحى في الجنة
120. ( فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد ) أي التي يخلد من يأكل منها ( وملك لا يبلى ) لا يفنى وهو لازم الخلد
121. ( فأكلا ) أي آدم وحواء ( منها فبدت لهما سوآتهما ) أي ظهر لكل منهما قبله وقبل الآخر ودبره وسمي كل منهما سوأة لأن انكشافه يسوء صاحبه ( وطفقا يخصفان ) أخذا يلزقان ( عليهما من ورق الجنة ) ليستترا به ( وعصى آدم ربه فغوى ) بالأكل من الشجرة
122. ( ثم اجتباه ربه ) قربه ( فتاب عليه ) قبل توبته ( وهدى ) أي هداه إلى المداومة على التوبة
123. ( قال اهبطا ) أي آدم وحواء بما اشتملتما عليه من ذريتكما ( منها ) من الجنة ( جميعا بعضكم ) بعض الذرية ( لبعض عدو ) من ظلم بعضهم بعضا ( فإما ) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما المزيدة ( يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي ) أي القرآن ( فلا يضل ) في الدنيا ( ولا يشقى ) في الآخرة
124. ( ومن أعرض عن ذكري ) أي القرآن فلم يؤمن به ( فإن له معيشة ضنكا ) بالتنوين مصدر بمعنى ضيقة وفسرت في حديث بعذاب الكافر في قبره ( ونحشره ) أي المعرض عن القرآن ( يوم القيامة أعمى ) أعمى البصر
125. ( قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا ) في الدنيا وعند البعث
126. ( قال ) الأمر ( كذلك أتتك آياتنا فنسيتها ) تركتها ولم تؤمن بها ( وكذلك ) مثل نسيانك آياتنا ( اليوم تنسى ) تترك في النار
127. ( وكذلك ) ومثل جزائنا من أعرض عن القرآن ( نجزي من أسرف ) أشرك ( ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد ) من عذاب الدنيا وعذاب القبر ( وأبقى ) أدوم
128. ( أفلم يهد ) يتبين ( لهم ) لكفار مكة ( كم ) خبرية مفعول ( أهلكنا ) أي كثيرا إهلاكنا ( قبلهم من القرون ) أي الأمم الماضية لتكذيب الرسل ( يمشون ) حال من ضمير لهم ( في مساكنهم ) في سفرهم إلى الشام وغيرها فيعتبروا وما ذكر من أخذ إهلاك من فعله الخالي عن حرف مصدري لرعاية المعنى لا مانع منه ( إن في ذلك لآيات ) لعبرا ( لأولي النهى ) لذوي العقول
129. ( ولولا كلمة سبقت من ربك ) لتأخير العذاب عنهم إلى الآخرة ( لكان ) الإهلاك ( لزاما ) لازما لهم في الدنيا ( وأجل مسمى ) مضروب لهم معطوف على الضمير المستتر في كان وقام الفصل بخبرها مقام التأكيد
130. ( فاصبر على ما يقولون ) منسوخ بآية القتال ( وسبح ) صل ( بحمد ربك ) حال أي ملتبسا به ( قبل طلوع الشمس ) صلاة الصبح ( وقبل غروبها ) صلاة العصر ( ومن آناء الليل ) ساعاته ( فسبح ) صل المغرب والعشاء ( وأطراف النهار ) عطف على محل من آناء المنصوب أي صل الظهر لأن وقتها يدخل بزوال الشمس فهو طرف النصف الأول وطرف النصف الثاني ( لعلك ترضى ) بما تعطى من الثواب
131. ( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا ) أصنافا ( منهم زهرة الحياة الدنيا ) زينتها وبهجتها ( لنفتنهم فيه ) بأن يطغوا ( ورزق ربك ) في الجنة ( خير ) مما أوتوه في الدنيا ( وأبقى ) أدوم
132. ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر ) اصبر ( عليها لا نسألك ) نكلفك ( رزقا ) لنفسك ولا لغيرك ( نحن نرزقك والعاقبة ) الجنة ( للتقوى ) لأهلها
133. ( وقالوا ) أي المشركون ( لولا ) هلا ( يأتينا ) محمد ( بآية من ربه ) مما يقترحونه ( أولم تأتهم بينة ) بالتاء والياء ( ما ) بيان ( في الصحف الأولى ولو ) المشتمل عليه القرآن من أنباء الأمم الماضية وإهلاكهم بتكذيب الرسل
134. ( ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله ) قبل محمد الرسول ( لقالوا ) يوم القيامة ( ربنا لولا ) هلا ( أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ) المرسل بها ( من قبل أن نذل ) في القيامة ( ونخزى ) في جهنم
135. ( قل ) لهم ( كل ) منا ومنكم ( متربص ) منتظر ما يؤول إليه الأمر ( فتربصوا فستعلمون ) في القيامة ( من أصحاب الصراط ) الطريق ( السوي ) المستقيم ( ومن اهتدى ) من الضلالة أنحن أم أنتم
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
21. سورة الأنبياء
1. ( اقترب ) قرب ( للناس ) أهل مكة منكري البعث ( حسابهم ) يوم القيامة ( وهم في غفلة ) عنه ( معرضون ) عن التأهب له بالإيمان
2. ( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ) شيئا فشيئا أي لفظ القرآن ( إلا استمعوه وهم يلعبون ) يستهزئون
3. ( لاهية ) غافلة ( قلوبهم ) عن معناه ( وأسروا النجوى ) أي الكلام ( الذين ظلموا ) بدل من واو وأسروا النجوى ( هل هذا ) أي محمد ( إلا بشر مثلكم ) فما يأتي به سحر ( أفتأتون السحر ) تتبعونه ( وأنتم تبصرون ) تعلمون أنه سحر
4. ( قال ) لهم ( ربي يعلم القول ) كائنا ( في السماء والأرض وهو السميع ) لما أسروه ( العليم ) به
5. ( بل ) للانتقال من غرض إلى آخر في المواضع الثلاثة ( قالوا ) فيما أتى به من القرآن هو ( أضغاث أحلام ) أخلاط رآها في النوم ( بل افتراه ) اختلقه ( بل هو شاعر ) فما أتى به شعر ( فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ) كالناقة والعصا واليد
6. ( ما آمنت قبلهم من قرية ) أي أهلها ( أهلكناها ) بتكذيبها ما أتاها من الآيات ( أفهم يؤمنون ) لا
7. ( وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي ) وفي قراءة بالنون وكسر الحاء ( إليهم ) لا ملائكة ( فاسألوا أهل الذكر ) العلماء بالتوراة والإنجيل ( إن كنتم لا تعلمون ) ذلك فإنهم يعلمونه وأنتم إلى تصديقهم أقرب من تصديق المؤمنين بمحمد
8. ( وما جعلناهم ) الرسل ( جسدا ) بمعنى أجسادا ( لا يأكلون الطعام ) بل يأكلونه ( وما كانوا خالدين ) في الدنيا
9. ( ثم صدقناهم الوعد ) بإنجائهم ( فأنجيناهم ومن نشاء ) أي المصدقين لهم ( وأهلكنا المسرفين ) المكذبين لهم
10. ( لقد أنزلنا إليكم ) يا معشر قريش ( كتابا فيه ذكركم ) لأنه بلغتكم ( أفلا تعقلون ) فتؤمنوا به
11. ( وكم قصمنا ) أهلكنا ( من قرية ) أي أهلها ( كانت ظالمة ) كافرة ( وأنشأنا بعدها قوما آخرين )
12. ( فلما أحسوا بأسنا ) أي شعر أهل القرية بالإهلاك ( إذا هم منها يركضون ) يهربون مسرعين
13. فقالت لهم الملائكة استهزاء ( لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم ) نعمتم ( فيه ومساكنكم لعلكم تسألون ) شيئا من دنياكم على العادة
14. ( قالوا يا ) للتنبيه ( ويلنا ) هلاكنا ( إنا كنا ظالمين ) بالكفر
15. ( فما زالت تلك ) الكلمات ( دعواهم ) يدعون بها ويرددونها ( حتى جعلناهم حصيدا ) أي كالزرع المحصود بالمناجل بأن قتلوا بالسيف ( خامدين ) ميتين كخمود النار إذا طفئت
16. ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين ) عابثين بل دالين على قدرتنا ونافعين عبادنا
17. ( لو أردنا أن نتخذ لهوا ) ما يلهى به من زوجة أو ولد ( لاتخذناه من لدنا ) من عندنا من الحور العين والملائكة ( إن كنا فاعلين ) ذلك لكنا لم نفعله فلم نرده
18. ( بل نقذف ) نرمي ( بالحق ) الإيمان ( على الباطل ) الكفر ( فيدمغه ) يذهبه ( فإذا هو زاهق ) ذاهب ودمغه في الأصل أصاب دماغه بالضرب وهو مقتل ( ولكم ) يا كفار مكة ( الويل ) العذاب الشديد ( مما تصفون ) الله به من الزوجة أو الولد
19. ( وله ) تعالى ( من في السماوات والأرض ) ملكا ( ومن عنده ) أي الملائكة مبتدأ خبره ( لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون ) لا يعيون
20. ( يسبحون الليل والنهار لا يفترون ) عنه فهو منهم كالنفس منا لا يشغلنا عنه شاغل
21. ( أم ) بمعنى بل للانتقال والهمزة للانكار ( اتخذوا آلهة ) كائنة ( من الأرض ) كحجر وذهب وفضة ( هم ) أي الآلهة ( ينشرون ) أي يحيون الموتى لا ولا يكون إلها إلا من يحي الموتى
22. ( لو كان فيهما ) أي السموات والأرض ( آلهة إلا الله ) أي غيره ( لفسدتا ) خرجتا عن نظامهما المشاهد لوجود التمانع بينهم على وفق العادة عند تعدد الحاكم من التمانع في الشيء وعدم الاتفاق عليه ( فسبحان ) تنزيه ( الله رب ) خالق ( العرش ) الكرسي ( عما يصفون ) الكفار الله به من الشريك له وغيره
23. ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) عن أفعالهم
24. ( أم اتخذوا من دونه ) تعالى أي سواه ( آلهة ) فيه استفهام توبيخ ( قل هاتوا برهانكم ) على ذلك ولا سبيل إليه ( هذا ذكر من معي ) امتي وهو القرآن ( وذكر من قبلي ) من الأمم وهو التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله ليس في واحد منها أن مع الله إلها مما قالوا تعالى عن ذلك ( بل أكثرهم لا يعلمون الحق ) أي توحيد الله ( فهم معرضون ) عن النظر الموصل إليه
25. ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي ) وفي قراءة بالنون وكسر الحاء ( إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) أي وحدوني
26. ( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا ) من الملائكة ( سبحانه بل ) هم ( عباد مكرمون ) عنده والعبودية تنافي الولادة
27. ( لا يسبقونه بالقول ) لا يأتون بقولهم إلا بعد قوله ( وهم بأمره يعملون ) أي بعده
28. ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ) أي ما عملوا وما هم عاملون ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) تعالى أن يشفع له ( وهم من خشيته ) تعالى ( مشفقون ) خائفون
29. ( ومن يقل منهم إني إله من دونه ) الله أي غيره وهو إبليس دعا إلى عبادة نفسه وأمر بطاعتها ( فذلك نجزيه جهنم كذلك ) كما نجزيه ( نجزي الظالمين ) أي المشركين
30. ( أولم ير ) بواو وتركها ( الذين ) يعلم ( كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ) أي سدا بمعنى مسدودة ( وجعلنا ) جعلنا السماء سبعا والأرض سبعا أو فتق السماء أن كانت لا تمطر فأمطرت وفتق الأرض أن كانت لا تنبت فأنبتت ( من الماء كل ) النازل من السماء والنابع من الأرض ( شيء حي أفلا ) من نبات وغيره أي فالماء سبب لحياته ( يؤمنون وجعلنا ) بتوحيدي
31. ( وجعلنا في الأرض رواسي ) جبالا ثوابت ( أن ) لا ( تميد ) تتحرك ( بهم وجعلنا فيها ) أي الرواسي ( فجاجا ) مسالك ( سبلا ) بدل طرفا نافذة واسعة ( لعلهم يهتدون ) إلى مقاصدهم في الأسفار
32. ( وجعلنا السماء سقفا ) للأرض كالسقف للبيت ( محفوظا ) عن الوقوع ( وهم عن آياتها ) من الشمس والقمر والنجوم ( معرضون ) لا يتفكرون فيها فيعلمون أن خالقها لا شريك له
33. ( وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل ) تنوينه عوض عن المضاف إليه من الشمس والقمر وتابعه وهو النجوم ( في فلك ) أي مستدير كالطاحونة في السماء ( يسبحون ) يسيرون بسرعة كالسابح في الماء وللتشبيه به أتى بضمير جمع من يعقل
34. ونزل لما قال الكفار إن محمدا سيموت ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد ) أي البقاء ( أفئن مت فهم الخالدون ) فيهالا فالجملة الأخيرة محل الاستفهام الإنكاري
35. ( كل نفس ذائقة الموت ) في الدنيا ( ونبلوكم ) نختبركم ( بالشر والخير ) كفقر وغنى وسقم وصحة ( فتنة ) مفعول له أي لننظر أتصبرون وتشكرون أم لا ( وإلينا ترجعون ) فنجازيكم
36. ( وإذا رآك الذين كفروا إن ) ما ( يتخذونك إلا هزوا ) أي مهزوءا به يقولون ( أهذا الذي يذكر آلهتكم ) أي يعيبها ( وهم بذكر الرحمن ) لهم ( هم ) تأكيد ( كافرون ) به إذ قالوا ما نعرفه
37. ونزل في استعجالهم العذاب ( خلق الإنسان من عجل ) أي أنه لكثرة عجله في أحواله كأنه خلق منه ( سأريكم آياتي ) مواعيدي بالعذاب ( فلا تستعجلون ) فيه فأراهم القتل ببدر
38. ( ويقولون متى هذا الوعد ) بالقيامة ( إن كنتم صادقين ) فيه
39. ( لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون ) يدفعون ( عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون ) يمنعون منها في القيامة وجواب لو ما قالوا ذلك
40. ( بل تأتيهم ) القيامة ( بغتة فتبهتهم ) تحيرهم ( فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون ) يمهلون لتوبة أو معذرة
41. ( ولقد استهزئ برسل من قبلك ) فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ( فحاق ) نزل ( بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون ) وهو العذاب فكذا يحيق بمن استهزأ بك
42. ( قل ) لهم ( من يكلؤكم ) يحفظكم ( بالليل والنهار من الرحمن ) من عذابه إن نزل بكم أي لا أحد يفعل ذلك والمخاطبون لا يخافون عذاب الله لإنكارهم له ( بل هم عن ذكر ربهم ) أي القرآن ( معرضون ) لا يتفكرون فيه
43. ( أم ) فيها معنى الهمزة للانكار أي أ ( لهم آلهة تمنعهم ) مما يسوؤهم ( من دوننا ) أي ألهم من يمنعهم منه غيرنا لا ( لا يستطيعون ) أي الآلهة ( نصر أنفسهم ) فلا ينصرونهم ( ولا هم ) أي الكفار ( منا ) من عذابنا ( يصحبون ) يجارون يقال صحبك الله أي حفظ وأجارك
44. ( بل متعنا هؤلاء وآباءهم ) بما أنعمنا عليهم ( حتى طال عليهم العمر ) فاعتروا بذلك ( أفلا يرون أنا نأتي الأرض ) نقصد أرضهم ( ننقصها من أطرافها ) بالفتح على النبي ( أفهم الغالبون ) لا بل النبي وأصحابه
45. ( قل ) لهم ( إنما أنذركم بالوحي ) من الله لا من قبل نفسي ( ولا يسمع الصم الدعاء إذا ) بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية بينها وبين الياء ( ما ينذرون ) هم لتركهم العمل بما سمعوه من الإنذار كالصم
46. ( ولئن مستهم نفحة ) وقعة خفيفة ( من عذاب ربك ليقولن يا ) للتنبيه ( ويلنا ) هلاكنا ( إنا كنا ظالمين ) بالإشراك وتكذيب محمد
47. ( ونضع الموازين القسط ) ذوات العدل ( ليوم القيامة ) أي فيه ( فلا تظلم نفس شيئا ) من نقص حسنة أو زيادة سيئة ( وإن كان ) العمل ( مثقال ) زنة ( حبة من خردل أتينا بها ) بموزونها ( وكفى بنا حاسبين ) محصين كل شيء
48. ( ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ) أي التوراة الفارقة بين الحق والباطل والحلال والحرام ( وضياء ) بها ( وذكرا ) عظة بها ( للمتقين )
49. ( الذين يخشون ربهم بالغيب ) عن الناس أي في الخلاء عنهم ( وهم من الساعة ) أي أهوالها ( مشفقون ) خائفون
50. ( وهذا ) أي القرآن ( ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون ) الاستفهام فيه للتوبيخ
51. ( ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل ) أي هداه قبل بلوغه ( وكنا به عالمين ) أي بأنه أهل لذلك
52. ( إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل ) الأصنام ( التي أنتم لها عاكفون ) أي على عبادتها مقيمون
53. ( قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين ) فاقتدينا بهم
54. ( قال ) لهم ( لقد كنتم أنتم وآباؤكم ) بعبادتها ( في ضلال مبين ) بين
55. ( قالوا أجئتنا بالحق ) في قولك هذا ( أم أنت من اللاعبين ) فيه
56. ( قال بل ربكم ) المستحق للعبادة ( رب ) مالك ( السماوات والأرض الذي فطرهن ) خلقهن على غير مثال سبق ( وأنا على ذلكم ) الذي قلته ( من الشاهدين ) به
57. ( وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين )
58. ( فجعلهم ) بعد ذهابهم إلى مجتمعهم في يوم عيد لهم ( جذاذا ) بضم الجيم وكسرها فتاتا بفأس ( إلا كبيرا لهم ) علق الفأس في عنقه ( لعلهم إليه ) أي إلى الكبير ( يرجعون ) فيروا ما فعل بغيره
59. ( قالوا ) بعد رجوعهم ورؤيتهم ما فعل ( من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين ) فيه
60. ( قالوا ) أي بعضهم لبعض ( سمعنا فتى يذكرهم ) أي يعيبهم ( يقال له إبراهيم )
61. ( قالوا فأتوا به على أعين الناس ) أي ظاهرا ( لعلهم يشهدون ) عليه أنه الفاعل
62. ( قالوا ) بعد إتيانه ( أأنت ) بتحقيق الهمزتينن وإبدال الثانية ألفا وتسهيلها وإدخال ألف بين المسهلة والأخرى وتركه ( فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم )
63. ( قال ) ساكتا عن فعله ( بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم ) عن فاعله ( إن كانوا ينطقون ) فيه تقديم جواب الشرط وفيما قبله تعريض لهم بأن الصنم المعلوم عجزه عن الفعل لا يكون إلاها
64. ( فرجعوا إلى أنفسهم ) بالتفكر ( فقالوا ) لأنفسهم ( إنكم أنتم الظالمون ) أي بعبادتكم من لا ينطق
65. ( ثم نكسوا ) من الله ( على رؤوسهم ) أي ردوا إلى كفرهم وقالوا والله ( لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ) أي فكيف تأمرنا بسؤالهم
66. ( قال أفتعبدون من دون الله ) أي بدله ( ما لا ينفعكم شيئا ) من رزق وغيره ( ولا يضركم ) شيئا إذا لم تعبدوه
67. ( أف ) بكسر الفاء وفتحها بمعنى مصدر أي نتنا وقبحا ( لكم ولما تعبدون من دون الله ) أي غيره ( أفلا تعقلون ) أن هذه الأصنام لا تستحق العبادة ولا تصلح لها وإنما يستحقها الله تعالى
68. ( قالوا حرقوه ) أي إبراهيم ( وانصروا آلهتكم ) أي بتحريقه ( إن كنتم فاعلين ) نصرتها فجمعوا له الحطب الكثير وأضرموا النار في جميعه وأوثقوا إبراهيم وجعلوه في منجنيق ورموه في النار
69. ( قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ) فلم تحرق منه غير وثاقه وذهبت حرارتها وبقيت إضاءتها وبقوله وسلاما سلم من الموت ببردها
70. ( وأرادوا به كيدا ) وهو التحريق ( فجعلناهم الأخسرين ) في مرادهم
71. ( ونجيناه ولوطا ) ابن أخيه هاران من العراق ( إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ) بكثرة الأنهار والأشجار وهي الشام نزل إبراهيم بفلسطين ولوط بالمؤتفكة وبينهما يوم
72. ( ووهبنا له ) أي لإبراهيم وكان سأل ولدا كما ذكر في الصافات ( إسحاق ويعقوب نافلة ) أي زيادة على المسئول أو هو ولد الولد ( وكلا ) أي هو وولداه ( جعلنا صالحين ) أنبياء
73. ( وجعلناهم أئمة ) بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ياء يقتدى بهم في الخير ( يهدون ) الناس ( بأمرنا ) إلى ديننا ( وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ) أي أن تفعل وتقام وتؤتى منهم ومن أتباعهم وحذف هاء إقامة تخفيف ( وكانوا لنا عابدين )
74. ( ولوطا آتيناه حكما ) فصلا بين الخصوم ( وعلما ونجيناه من القرية التي كانت تعمل ) أي أهلها الأعمال ( الخبائث ) من اللواط والرمي بالبندق واللعب بالطيور وغير ذلك ( إنهم كانوا قوم سوء ) مصدر ساءه نقيض سره ( فاسقين )
75. ( وأدخلناه في رحمتنا ) بأن أنجيناه من قومه ( إنه من الصالحين )
76. واذكر ( ونوحا ) وما بعده بدل منه ( إذ نادى ) دعا على قومه بقوله رب لا تذر الخ ( من قبل ) أي قبل إبراهيم ولوط ( فاستجبنا له فنجيناه وأهله ) الذين في سفينته ( من الكرب العظيم ) أي الغرق وتكذيب قومه له
77. ( ونصرناه ) منعناه ( من القوم الذين كذبوا بآياتنا ) الدالة على رسالته أن لا يصلوا إليه بسوء ( إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين )
78. واذكر ( وداود وسليمان ) أي قصتهما ويبدل منهما ( إذ يحكمان في الحرث ) هو زرع أو كرم ( إذ نفشت فيه غنم القوم ) أي رعته ليلا بلا راع بأن انفلتت ( وكنا لحكمهم شاهدين ) فيه استعمال ضمير الجمع لاثنين قال داوود لصاحب الحرث رقاب الغنم وقال سليمان ينتفع بدرها ونسلها وصوفهاالى أن يعود الحرث كما كان بإصلاح صاحبها فيردها إليه
79. ( ففهمناها ) أي الحكومة ( سليمان ) وحكمهما باجتهاد ورجع داود إلى سليمان وقيل بوحي والثاني ناسخ للأول ( وكلا ) منهما ( آتينا ) ـه ( حكما ) نبوة ( وعلما ) بامور الدين ( وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير ) كذلك سخر للتسبيح معه لأمره به إذا وجد فترة لينشط له ( وكنا فاعلين ) تسخير تسبيحهما معه وإن كان عجبا عندكم أي مجاوبته للسيد دود
80. ( وعلمناه صنعة لبوس ) وهي الدرع لأنها تلبس وهو أول من صنعها وكان قبلها صفائح ( لكم ) في جملة الناس ( لتحصنكم ) بالنون لله وبالتحتانية لداود وبالفوقانية للبوس ( من بأسكم ) حربكم مع أعدائكم ( فهل أنتم ) يا أهل مكة ( شاكرون ) نعمتي بتصديق الرسول اشكروني بذلك
81. وسخرنا ( ولسليمان الريح عاصفة ) وفي آية أخرى رخاء أي شديدة الهبوب وخفيفته بحسب إرادته ( تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها ) وهي الشام ( وكنا بكل شيء عالمين ) من ذلك علم الله تعالى بأن ما يعطيه سليمان يدعوه للخضوع لربه ففعله تعالى على مقتضى علمه
82. وسخرنا ( ومن الشياطين من يغوصون له ) يدخلون في البحر فيخرجون منه الجواهر لسليمان ( ويعملون عملا دون ذلك ) أي سوى الغوص من البناء وغيره ( وكنا لهم حافظين ) من أن يفسدوا ما عملوا لأنهم كانوا إذا فرغوا من عمل قبل الليل أفسدوه إن لم يشتغلوا بغيره
83. واذكر ( وأيوب ) ويبدل منه ( إذ نادى ربه ) لما ابتلي بفقد جميع ماله وولده وتمزيق جسده وهجر جميع الناس له إلا زوجته سنين ثلاثا أو سبعا أو ثماني عشرة وضيق عيشه ( أني ) بفتح الهمزة بتقدير الباء ( مسني الضر ) أي الشدة ( وأنت أرحم الراحمين )
84. ( فاستجبنا له ) نداءه ( فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ) أولاده الذكور والإناث بأن احيوا له وكل من الصنفين ثلاث أو سبع ( ومثلهم معهم ) من زوجته وزيد في شبابها وكان له أندر للقمح وأندر للشعير فبعث الله سحابتين أفرغت إحداهما على أندر القمح الذهب وأفرغت الأخرى على أندر الشعير الورق حتى فاض ( رحمة ) مفعول له ( من عندنا ) صفة ( وذكرى للعابدين ) ليصبروا فيثابوا
85. واذكر ( وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين ) على طاعة الله وعن معاصيه
86. ( وأدخلناهم في رحمتنا ) من النبوة ( إنهم من الصالحين ) لها وسمي ذا الكفل لأنه تكفل بصيام جميع نهاره وقيام جميع ليله وأن يقضي بين الناس ولا يغضب فوفى بذلك وقيل لم يكن نبيا
87. واذكر ( وذا النون ) صاحب الحوت وهو يونس بن متى ويبدل منه ( إذ ذهب مغاضبا ) لقومه أي غضبان عليهم مما قاسى منهم ولم يؤذن له في ذلك ( فظن أن لن نقدر عليه ) أي نقضي عليه ما قضيناه من حبسه في بطن الحوت أو نضيق عيه بذلك ( فنادى في الظلمات ) ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت ( أن ) أي بأن ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) في ذهابي من بين قومي بلا إذن
88. ( فاستجبنا له ونجيناه من الغم ) بتلك الكلمات ( وكذلك ) كما نجيناه ( ننجي المؤمنين ) من كربهم إذا استغاثوا بنا داعين
89. واذكر ( وزكريا ) ويبدل منه ( إذ نادى ربه ) بقوله ( رب لا تذرني فردا ) أي بلا ولد يرثني ( وأنت خير الوارثين ) الباقي بعد فناء خلقك
90. ( فاستجبنا له ) نداءه ( ووهبنا له يحيى ) ولدا ( وأصلحنا له زوجه ) فأتت بالولد بعد عقمها ( إنهم ) أي من ذكر الأنبياء ( كانوا يسارعون ) يبادرون ( في الخيرات ) الطاعات ( ويدعوننا رغبا ) في رحمتنا ( ورهبا ) من عذابنا ( وكانوا لنا خاشعين ) متواضعين في عبادنهم
91. واذكر مريم ( والتي أحصنت فرجها ) حفظته من أن ينال ( فنفخنا فيها من روحنا ) أي جبريل حيث نفخ في جييب درعها فحملت بعيسى ( وجعلناها وابنها آية للعالمين ) الإنس والجن والملائكة حيث ولدته من غير فحل
92. ( إن هذه ) أي ملة الإسلام ( أمتكم ) دينكم أيها المخاطبون أي يجب أن تكونوا عليها ( أمة واحدة ) حال لازمة ( وأنا ربكم فاعبدون ) وحدون
93. ( وتقطعوا ) أي بعض المخاطبين ( أمرهم بينهم ) أي تفرقوا أمر دينهم متخالفين فيه وهم طوائف اليهود والنصارى ( كل إلينا راجعون ) أي فنجازيه بعمله
94. ( فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران ) أي لاجحود ( لسعيه وإنا له كاتبون ) بأن نأمر الحفظة بكتبه فنجازيه عليه
95. ( وحرام على قرية أهلكناها ) اريد أهلها ( أنهم لا ) زائدة ( يرجعون ) أي ممتنع رجوعهم إلى الدنيا
96. ( حتى ) غاية لامتناع رجوعهم ( إذا فتحت ) بالتخفيف والتشديد ( يأجوج ومأجوج ) بالهمز وتركه اسمان أعجميان لقبيلتين ويقدر قبله مضاف أي سدهما وذلك قرب القيامة ( وهم من كل حدب ) مرتفع من الأرض ( ينسلون ) يسرعون
97. ( واقترب الوعد الحق ) أي يوم القيامة ( فإذا هي ) أي القصة ( شاخصة أبصار الذين كفروا ) في ذلك اليوم لشدته يقولون ( يا ) للتنبيه ( ويلنا ) هلاكنا ( قد كنا ) في الدنيا ( في غفلة من هذا ) اليوم ( بل كنا ظالمين ) أنفسنا بتكذيبنا الرسل
98. ( إنكم ) يا أهل مكة ( وما تعبدون من دون الله ) أي غيره من الأوثان ( حصب جهنم ) وقودها ( أنتم لها واردون ) داخلون فيها
99. ( لو كان هؤلاء ) الأوثان ( آلهة ) كما زعمتم ( ما وردوها ) دخلوها ( وكل ) من العابدين والمعبودين ( فيها خالدون )
100. ( لهم ) للعابدين ( فيها زفير وهم فيها لا يسمعون ) شيئا لشدة غليانها ونزل لما قال ابن الزبعري عبد العزيز والمسيح والملائكة فهم في النار على مقتضى ما تقدم
101. ( إن الذين سبقت لهم منا ) المنزلة ( الحسنى ) ومنهم من ذكر ( أولئك عنها مبعدون )
102. ( لا يسمعون حسيسها ) صوتها ( وهم في ما اشتهت ) من النعيم ( أنفسهم )
103. ( لا يحزنهم الفزع الأكبر ) وهو أن يؤمر بالعبد إلى النار ( وتتلقاهم ) تستقبلهم ( الملائكة ) عند خروجهم من القبور يقولون لهم ( هذا يومكم الذي كنتم توعدون ) في الدنيا
104. ( يوم ) منصوب باذكر مقدرا قبله ( نطوي السماء كطي السجل ) اسم ملك ( للكتب ) صحيفة ابن آدم عند موته واللام زائدة أو السجل الصحيفة والكتتتاب بمعنى مكتوب واللام بمعنى على وفي قراءة للكتب جمعا ( كما بدأنا أول خلق ) من عدم ( نعيده ) بعد إعدامه فالكاف متعلقة بنعيد وضميره عائد إلى أول وما مصدرية ( وعدا علينا ) منصوب بوعدنا مقدرا قبله وهو مؤكد لمضمون ما قبله ( إنا كنا فاعلين ) ما وعدنا
105. ( ولقد كتبنا في الزبور ) بمعنى الكتاب أي كتب الله المنزلة ( من بعد الذكر ) بمعنى أم الكتاب الذي عند الله ( أن الأرض ) أرض الجنة ( يرثها عبادي الصالحون ) عام في كل صالح
106. ( إن في هذا ) القرآن ( لبلاغا ) كفاية في دخول الجنة ( لقوم عابدين ) عاملين به
107. ( وما أرسلناك ) يامحمد ( إلا رحمة ) أي للرحمة ( للعالمين ) الإنس والجن بك
108. ( قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ) أي ما يوحى إلي في أمر الإله إلا وحدانيته ( فهل أنتم مسلمون ) منقادون لما يوحى إلي من وحدانية الإله والاستفهام بمعنى الأمر
109. ( فإن تولوا ) عن ذلك ( فقل آذنتكم ) بالحرب ( على سواء ) حال من الفاعل والمفعول أي مستوين في علمه لا أستبد به دونكم لتتأهبوا ( وإن ) ما ( أدري أقريب أم بعيد ما توعدون ) من العذاب أو القيامة المشتملة عليه وإنما يعلمه الله
110. ( إنه ) تعالى ( يعلم الجهر من القول ) والفعل منكم ومن غيركم ( ويعلم ما تكتمون ) أنتم وغيركم من السر
111. ( وإن ) ما ( أدري لعله ) أي ما أعلمتكم به ولم يعلم وقته ( فتنة ) اختبار ( لكم ) ليرى كيف صنعكم ( ومتاع ) تمتع ( إلى حين ) أي انقضاء آجالكم وهذا مقابل للأول المترجى بلعل وليس الثاني محلا للترجي
112. ( قال ) وفي قراءة قال ( رب احكم ) بيني وبين مكذبي ( بالحق ) بالعذاب لهم أو النصر عليهم فعذبوا ببدر وأحد وحنين والأحزاب والخندق ونصر عليهم ( وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون ) من كذبكم على الله في قولكم اتخذ ولدا وعلي في قولكم ساحر وعلى القرآن في قولكم شعر
1. ( اقترب ) قرب ( للناس ) أهل مكة منكري البعث ( حسابهم ) يوم القيامة ( وهم في غفلة ) عنه ( معرضون ) عن التأهب له بالإيمان
2. ( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ) شيئا فشيئا أي لفظ القرآن ( إلا استمعوه وهم يلعبون ) يستهزئون
3. ( لاهية ) غافلة ( قلوبهم ) عن معناه ( وأسروا النجوى ) أي الكلام ( الذين ظلموا ) بدل من واو وأسروا النجوى ( هل هذا ) أي محمد ( إلا بشر مثلكم ) فما يأتي به سحر ( أفتأتون السحر ) تتبعونه ( وأنتم تبصرون ) تعلمون أنه سحر
4. ( قال ) لهم ( ربي يعلم القول ) كائنا ( في السماء والأرض وهو السميع ) لما أسروه ( العليم ) به
5. ( بل ) للانتقال من غرض إلى آخر في المواضع الثلاثة ( قالوا ) فيما أتى به من القرآن هو ( أضغاث أحلام ) أخلاط رآها في النوم ( بل افتراه ) اختلقه ( بل هو شاعر ) فما أتى به شعر ( فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ) كالناقة والعصا واليد
6. ( ما آمنت قبلهم من قرية ) أي أهلها ( أهلكناها ) بتكذيبها ما أتاها من الآيات ( أفهم يؤمنون ) لا
7. ( وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي ) وفي قراءة بالنون وكسر الحاء ( إليهم ) لا ملائكة ( فاسألوا أهل الذكر ) العلماء بالتوراة والإنجيل ( إن كنتم لا تعلمون ) ذلك فإنهم يعلمونه وأنتم إلى تصديقهم أقرب من تصديق المؤمنين بمحمد
8. ( وما جعلناهم ) الرسل ( جسدا ) بمعنى أجسادا ( لا يأكلون الطعام ) بل يأكلونه ( وما كانوا خالدين ) في الدنيا
9. ( ثم صدقناهم الوعد ) بإنجائهم ( فأنجيناهم ومن نشاء ) أي المصدقين لهم ( وأهلكنا المسرفين ) المكذبين لهم
10. ( لقد أنزلنا إليكم ) يا معشر قريش ( كتابا فيه ذكركم ) لأنه بلغتكم ( أفلا تعقلون ) فتؤمنوا به
11. ( وكم قصمنا ) أهلكنا ( من قرية ) أي أهلها ( كانت ظالمة ) كافرة ( وأنشأنا بعدها قوما آخرين )
12. ( فلما أحسوا بأسنا ) أي شعر أهل القرية بالإهلاك ( إذا هم منها يركضون ) يهربون مسرعين
13. فقالت لهم الملائكة استهزاء ( لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم ) نعمتم ( فيه ومساكنكم لعلكم تسألون ) شيئا من دنياكم على العادة
14. ( قالوا يا ) للتنبيه ( ويلنا ) هلاكنا ( إنا كنا ظالمين ) بالكفر
15. ( فما زالت تلك ) الكلمات ( دعواهم ) يدعون بها ويرددونها ( حتى جعلناهم حصيدا ) أي كالزرع المحصود بالمناجل بأن قتلوا بالسيف ( خامدين ) ميتين كخمود النار إذا طفئت
16. ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين ) عابثين بل دالين على قدرتنا ونافعين عبادنا
17. ( لو أردنا أن نتخذ لهوا ) ما يلهى به من زوجة أو ولد ( لاتخذناه من لدنا ) من عندنا من الحور العين والملائكة ( إن كنا فاعلين ) ذلك لكنا لم نفعله فلم نرده
18. ( بل نقذف ) نرمي ( بالحق ) الإيمان ( على الباطل ) الكفر ( فيدمغه ) يذهبه ( فإذا هو زاهق ) ذاهب ودمغه في الأصل أصاب دماغه بالضرب وهو مقتل ( ولكم ) يا كفار مكة ( الويل ) العذاب الشديد ( مما تصفون ) الله به من الزوجة أو الولد
19. ( وله ) تعالى ( من في السماوات والأرض ) ملكا ( ومن عنده ) أي الملائكة مبتدأ خبره ( لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون ) لا يعيون
20. ( يسبحون الليل والنهار لا يفترون ) عنه فهو منهم كالنفس منا لا يشغلنا عنه شاغل
21. ( أم ) بمعنى بل للانتقال والهمزة للانكار ( اتخذوا آلهة ) كائنة ( من الأرض ) كحجر وذهب وفضة ( هم ) أي الآلهة ( ينشرون ) أي يحيون الموتى لا ولا يكون إلها إلا من يحي الموتى
22. ( لو كان فيهما ) أي السموات والأرض ( آلهة إلا الله ) أي غيره ( لفسدتا ) خرجتا عن نظامهما المشاهد لوجود التمانع بينهم على وفق العادة عند تعدد الحاكم من التمانع في الشيء وعدم الاتفاق عليه ( فسبحان ) تنزيه ( الله رب ) خالق ( العرش ) الكرسي ( عما يصفون ) الكفار الله به من الشريك له وغيره
23. ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) عن أفعالهم
24. ( أم اتخذوا من دونه ) تعالى أي سواه ( آلهة ) فيه استفهام توبيخ ( قل هاتوا برهانكم ) على ذلك ولا سبيل إليه ( هذا ذكر من معي ) امتي وهو القرآن ( وذكر من قبلي ) من الأمم وهو التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله ليس في واحد منها أن مع الله إلها مما قالوا تعالى عن ذلك ( بل أكثرهم لا يعلمون الحق ) أي توحيد الله ( فهم معرضون ) عن النظر الموصل إليه
25. ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي ) وفي قراءة بالنون وكسر الحاء ( إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) أي وحدوني
26. ( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا ) من الملائكة ( سبحانه بل ) هم ( عباد مكرمون ) عنده والعبودية تنافي الولادة
27. ( لا يسبقونه بالقول ) لا يأتون بقولهم إلا بعد قوله ( وهم بأمره يعملون ) أي بعده
28. ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ) أي ما عملوا وما هم عاملون ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) تعالى أن يشفع له ( وهم من خشيته ) تعالى ( مشفقون ) خائفون
29. ( ومن يقل منهم إني إله من دونه ) الله أي غيره وهو إبليس دعا إلى عبادة نفسه وأمر بطاعتها ( فذلك نجزيه جهنم كذلك ) كما نجزيه ( نجزي الظالمين ) أي المشركين
30. ( أولم ير ) بواو وتركها ( الذين ) يعلم ( كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ) أي سدا بمعنى مسدودة ( وجعلنا ) جعلنا السماء سبعا والأرض سبعا أو فتق السماء أن كانت لا تمطر فأمطرت وفتق الأرض أن كانت لا تنبت فأنبتت ( من الماء كل ) النازل من السماء والنابع من الأرض ( شيء حي أفلا ) من نبات وغيره أي فالماء سبب لحياته ( يؤمنون وجعلنا ) بتوحيدي
31. ( وجعلنا في الأرض رواسي ) جبالا ثوابت ( أن ) لا ( تميد ) تتحرك ( بهم وجعلنا فيها ) أي الرواسي ( فجاجا ) مسالك ( سبلا ) بدل طرفا نافذة واسعة ( لعلهم يهتدون ) إلى مقاصدهم في الأسفار
32. ( وجعلنا السماء سقفا ) للأرض كالسقف للبيت ( محفوظا ) عن الوقوع ( وهم عن آياتها ) من الشمس والقمر والنجوم ( معرضون ) لا يتفكرون فيها فيعلمون أن خالقها لا شريك له
33. ( وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل ) تنوينه عوض عن المضاف إليه من الشمس والقمر وتابعه وهو النجوم ( في فلك ) أي مستدير كالطاحونة في السماء ( يسبحون ) يسيرون بسرعة كالسابح في الماء وللتشبيه به أتى بضمير جمع من يعقل
34. ونزل لما قال الكفار إن محمدا سيموت ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد ) أي البقاء ( أفئن مت فهم الخالدون ) فيهالا فالجملة الأخيرة محل الاستفهام الإنكاري
35. ( كل نفس ذائقة الموت ) في الدنيا ( ونبلوكم ) نختبركم ( بالشر والخير ) كفقر وغنى وسقم وصحة ( فتنة ) مفعول له أي لننظر أتصبرون وتشكرون أم لا ( وإلينا ترجعون ) فنجازيكم
36. ( وإذا رآك الذين كفروا إن ) ما ( يتخذونك إلا هزوا ) أي مهزوءا به يقولون ( أهذا الذي يذكر آلهتكم ) أي يعيبها ( وهم بذكر الرحمن ) لهم ( هم ) تأكيد ( كافرون ) به إذ قالوا ما نعرفه
37. ونزل في استعجالهم العذاب ( خلق الإنسان من عجل ) أي أنه لكثرة عجله في أحواله كأنه خلق منه ( سأريكم آياتي ) مواعيدي بالعذاب ( فلا تستعجلون ) فيه فأراهم القتل ببدر
38. ( ويقولون متى هذا الوعد ) بالقيامة ( إن كنتم صادقين ) فيه
39. ( لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون ) يدفعون ( عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون ) يمنعون منها في القيامة وجواب لو ما قالوا ذلك
40. ( بل تأتيهم ) القيامة ( بغتة فتبهتهم ) تحيرهم ( فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون ) يمهلون لتوبة أو معذرة
41. ( ولقد استهزئ برسل من قبلك ) فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ( فحاق ) نزل ( بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون ) وهو العذاب فكذا يحيق بمن استهزأ بك
42. ( قل ) لهم ( من يكلؤكم ) يحفظكم ( بالليل والنهار من الرحمن ) من عذابه إن نزل بكم أي لا أحد يفعل ذلك والمخاطبون لا يخافون عذاب الله لإنكارهم له ( بل هم عن ذكر ربهم ) أي القرآن ( معرضون ) لا يتفكرون فيه
43. ( أم ) فيها معنى الهمزة للانكار أي أ ( لهم آلهة تمنعهم ) مما يسوؤهم ( من دوننا ) أي ألهم من يمنعهم منه غيرنا لا ( لا يستطيعون ) أي الآلهة ( نصر أنفسهم ) فلا ينصرونهم ( ولا هم ) أي الكفار ( منا ) من عذابنا ( يصحبون ) يجارون يقال صحبك الله أي حفظ وأجارك
44. ( بل متعنا هؤلاء وآباءهم ) بما أنعمنا عليهم ( حتى طال عليهم العمر ) فاعتروا بذلك ( أفلا يرون أنا نأتي الأرض ) نقصد أرضهم ( ننقصها من أطرافها ) بالفتح على النبي ( أفهم الغالبون ) لا بل النبي وأصحابه
45. ( قل ) لهم ( إنما أنذركم بالوحي ) من الله لا من قبل نفسي ( ولا يسمع الصم الدعاء إذا ) بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية بينها وبين الياء ( ما ينذرون ) هم لتركهم العمل بما سمعوه من الإنذار كالصم
46. ( ولئن مستهم نفحة ) وقعة خفيفة ( من عذاب ربك ليقولن يا ) للتنبيه ( ويلنا ) هلاكنا ( إنا كنا ظالمين ) بالإشراك وتكذيب محمد
47. ( ونضع الموازين القسط ) ذوات العدل ( ليوم القيامة ) أي فيه ( فلا تظلم نفس شيئا ) من نقص حسنة أو زيادة سيئة ( وإن كان ) العمل ( مثقال ) زنة ( حبة من خردل أتينا بها ) بموزونها ( وكفى بنا حاسبين ) محصين كل شيء
48. ( ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ) أي التوراة الفارقة بين الحق والباطل والحلال والحرام ( وضياء ) بها ( وذكرا ) عظة بها ( للمتقين )
49. ( الذين يخشون ربهم بالغيب ) عن الناس أي في الخلاء عنهم ( وهم من الساعة ) أي أهوالها ( مشفقون ) خائفون
50. ( وهذا ) أي القرآن ( ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون ) الاستفهام فيه للتوبيخ
51. ( ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل ) أي هداه قبل بلوغه ( وكنا به عالمين ) أي بأنه أهل لذلك
52. ( إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل ) الأصنام ( التي أنتم لها عاكفون ) أي على عبادتها مقيمون
53. ( قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين ) فاقتدينا بهم
54. ( قال ) لهم ( لقد كنتم أنتم وآباؤكم ) بعبادتها ( في ضلال مبين ) بين
55. ( قالوا أجئتنا بالحق ) في قولك هذا ( أم أنت من اللاعبين ) فيه
56. ( قال بل ربكم ) المستحق للعبادة ( رب ) مالك ( السماوات والأرض الذي فطرهن ) خلقهن على غير مثال سبق ( وأنا على ذلكم ) الذي قلته ( من الشاهدين ) به
57. ( وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين )
58. ( فجعلهم ) بعد ذهابهم إلى مجتمعهم في يوم عيد لهم ( جذاذا ) بضم الجيم وكسرها فتاتا بفأس ( إلا كبيرا لهم ) علق الفأس في عنقه ( لعلهم إليه ) أي إلى الكبير ( يرجعون ) فيروا ما فعل بغيره
59. ( قالوا ) بعد رجوعهم ورؤيتهم ما فعل ( من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين ) فيه
60. ( قالوا ) أي بعضهم لبعض ( سمعنا فتى يذكرهم ) أي يعيبهم ( يقال له إبراهيم )
61. ( قالوا فأتوا به على أعين الناس ) أي ظاهرا ( لعلهم يشهدون ) عليه أنه الفاعل
62. ( قالوا ) بعد إتيانه ( أأنت ) بتحقيق الهمزتينن وإبدال الثانية ألفا وتسهيلها وإدخال ألف بين المسهلة والأخرى وتركه ( فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم )
63. ( قال ) ساكتا عن فعله ( بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم ) عن فاعله ( إن كانوا ينطقون ) فيه تقديم جواب الشرط وفيما قبله تعريض لهم بأن الصنم المعلوم عجزه عن الفعل لا يكون إلاها
64. ( فرجعوا إلى أنفسهم ) بالتفكر ( فقالوا ) لأنفسهم ( إنكم أنتم الظالمون ) أي بعبادتكم من لا ينطق
65. ( ثم نكسوا ) من الله ( على رؤوسهم ) أي ردوا إلى كفرهم وقالوا والله ( لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ) أي فكيف تأمرنا بسؤالهم
66. ( قال أفتعبدون من دون الله ) أي بدله ( ما لا ينفعكم شيئا ) من رزق وغيره ( ولا يضركم ) شيئا إذا لم تعبدوه
67. ( أف ) بكسر الفاء وفتحها بمعنى مصدر أي نتنا وقبحا ( لكم ولما تعبدون من دون الله ) أي غيره ( أفلا تعقلون ) أن هذه الأصنام لا تستحق العبادة ولا تصلح لها وإنما يستحقها الله تعالى
68. ( قالوا حرقوه ) أي إبراهيم ( وانصروا آلهتكم ) أي بتحريقه ( إن كنتم فاعلين ) نصرتها فجمعوا له الحطب الكثير وأضرموا النار في جميعه وأوثقوا إبراهيم وجعلوه في منجنيق ورموه في النار
69. ( قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ) فلم تحرق منه غير وثاقه وذهبت حرارتها وبقيت إضاءتها وبقوله وسلاما سلم من الموت ببردها
70. ( وأرادوا به كيدا ) وهو التحريق ( فجعلناهم الأخسرين ) في مرادهم
71. ( ونجيناه ولوطا ) ابن أخيه هاران من العراق ( إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ) بكثرة الأنهار والأشجار وهي الشام نزل إبراهيم بفلسطين ولوط بالمؤتفكة وبينهما يوم
72. ( ووهبنا له ) أي لإبراهيم وكان سأل ولدا كما ذكر في الصافات ( إسحاق ويعقوب نافلة ) أي زيادة على المسئول أو هو ولد الولد ( وكلا ) أي هو وولداه ( جعلنا صالحين ) أنبياء
73. ( وجعلناهم أئمة ) بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ياء يقتدى بهم في الخير ( يهدون ) الناس ( بأمرنا ) إلى ديننا ( وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ) أي أن تفعل وتقام وتؤتى منهم ومن أتباعهم وحذف هاء إقامة تخفيف ( وكانوا لنا عابدين )
74. ( ولوطا آتيناه حكما ) فصلا بين الخصوم ( وعلما ونجيناه من القرية التي كانت تعمل ) أي أهلها الأعمال ( الخبائث ) من اللواط والرمي بالبندق واللعب بالطيور وغير ذلك ( إنهم كانوا قوم سوء ) مصدر ساءه نقيض سره ( فاسقين )
75. ( وأدخلناه في رحمتنا ) بأن أنجيناه من قومه ( إنه من الصالحين )
76. واذكر ( ونوحا ) وما بعده بدل منه ( إذ نادى ) دعا على قومه بقوله رب لا تذر الخ ( من قبل ) أي قبل إبراهيم ولوط ( فاستجبنا له فنجيناه وأهله ) الذين في سفينته ( من الكرب العظيم ) أي الغرق وتكذيب قومه له
77. ( ونصرناه ) منعناه ( من القوم الذين كذبوا بآياتنا ) الدالة على رسالته أن لا يصلوا إليه بسوء ( إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين )
78. واذكر ( وداود وسليمان ) أي قصتهما ويبدل منهما ( إذ يحكمان في الحرث ) هو زرع أو كرم ( إذ نفشت فيه غنم القوم ) أي رعته ليلا بلا راع بأن انفلتت ( وكنا لحكمهم شاهدين ) فيه استعمال ضمير الجمع لاثنين قال داوود لصاحب الحرث رقاب الغنم وقال سليمان ينتفع بدرها ونسلها وصوفهاالى أن يعود الحرث كما كان بإصلاح صاحبها فيردها إليه
79. ( ففهمناها ) أي الحكومة ( سليمان ) وحكمهما باجتهاد ورجع داود إلى سليمان وقيل بوحي والثاني ناسخ للأول ( وكلا ) منهما ( آتينا ) ـه ( حكما ) نبوة ( وعلما ) بامور الدين ( وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير ) كذلك سخر للتسبيح معه لأمره به إذا وجد فترة لينشط له ( وكنا فاعلين ) تسخير تسبيحهما معه وإن كان عجبا عندكم أي مجاوبته للسيد دود
80. ( وعلمناه صنعة لبوس ) وهي الدرع لأنها تلبس وهو أول من صنعها وكان قبلها صفائح ( لكم ) في جملة الناس ( لتحصنكم ) بالنون لله وبالتحتانية لداود وبالفوقانية للبوس ( من بأسكم ) حربكم مع أعدائكم ( فهل أنتم ) يا أهل مكة ( شاكرون ) نعمتي بتصديق الرسول اشكروني بذلك
81. وسخرنا ( ولسليمان الريح عاصفة ) وفي آية أخرى رخاء أي شديدة الهبوب وخفيفته بحسب إرادته ( تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها ) وهي الشام ( وكنا بكل شيء عالمين ) من ذلك علم الله تعالى بأن ما يعطيه سليمان يدعوه للخضوع لربه ففعله تعالى على مقتضى علمه
82. وسخرنا ( ومن الشياطين من يغوصون له ) يدخلون في البحر فيخرجون منه الجواهر لسليمان ( ويعملون عملا دون ذلك ) أي سوى الغوص من البناء وغيره ( وكنا لهم حافظين ) من أن يفسدوا ما عملوا لأنهم كانوا إذا فرغوا من عمل قبل الليل أفسدوه إن لم يشتغلوا بغيره
83. واذكر ( وأيوب ) ويبدل منه ( إذ نادى ربه ) لما ابتلي بفقد جميع ماله وولده وتمزيق جسده وهجر جميع الناس له إلا زوجته سنين ثلاثا أو سبعا أو ثماني عشرة وضيق عيشه ( أني ) بفتح الهمزة بتقدير الباء ( مسني الضر ) أي الشدة ( وأنت أرحم الراحمين )
84. ( فاستجبنا له ) نداءه ( فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ) أولاده الذكور والإناث بأن احيوا له وكل من الصنفين ثلاث أو سبع ( ومثلهم معهم ) من زوجته وزيد في شبابها وكان له أندر للقمح وأندر للشعير فبعث الله سحابتين أفرغت إحداهما على أندر القمح الذهب وأفرغت الأخرى على أندر الشعير الورق حتى فاض ( رحمة ) مفعول له ( من عندنا ) صفة ( وذكرى للعابدين ) ليصبروا فيثابوا
85. واذكر ( وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين ) على طاعة الله وعن معاصيه
86. ( وأدخلناهم في رحمتنا ) من النبوة ( إنهم من الصالحين ) لها وسمي ذا الكفل لأنه تكفل بصيام جميع نهاره وقيام جميع ليله وأن يقضي بين الناس ولا يغضب فوفى بذلك وقيل لم يكن نبيا
87. واذكر ( وذا النون ) صاحب الحوت وهو يونس بن متى ويبدل منه ( إذ ذهب مغاضبا ) لقومه أي غضبان عليهم مما قاسى منهم ولم يؤذن له في ذلك ( فظن أن لن نقدر عليه ) أي نقضي عليه ما قضيناه من حبسه في بطن الحوت أو نضيق عيه بذلك ( فنادى في الظلمات ) ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت ( أن ) أي بأن ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) في ذهابي من بين قومي بلا إذن
88. ( فاستجبنا له ونجيناه من الغم ) بتلك الكلمات ( وكذلك ) كما نجيناه ( ننجي المؤمنين ) من كربهم إذا استغاثوا بنا داعين
89. واذكر ( وزكريا ) ويبدل منه ( إذ نادى ربه ) بقوله ( رب لا تذرني فردا ) أي بلا ولد يرثني ( وأنت خير الوارثين ) الباقي بعد فناء خلقك
90. ( فاستجبنا له ) نداءه ( ووهبنا له يحيى ) ولدا ( وأصلحنا له زوجه ) فأتت بالولد بعد عقمها ( إنهم ) أي من ذكر الأنبياء ( كانوا يسارعون ) يبادرون ( في الخيرات ) الطاعات ( ويدعوننا رغبا ) في رحمتنا ( ورهبا ) من عذابنا ( وكانوا لنا خاشعين ) متواضعين في عبادنهم
91. واذكر مريم ( والتي أحصنت فرجها ) حفظته من أن ينال ( فنفخنا فيها من روحنا ) أي جبريل حيث نفخ في جييب درعها فحملت بعيسى ( وجعلناها وابنها آية للعالمين ) الإنس والجن والملائكة حيث ولدته من غير فحل
92. ( إن هذه ) أي ملة الإسلام ( أمتكم ) دينكم أيها المخاطبون أي يجب أن تكونوا عليها ( أمة واحدة ) حال لازمة ( وأنا ربكم فاعبدون ) وحدون
93. ( وتقطعوا ) أي بعض المخاطبين ( أمرهم بينهم ) أي تفرقوا أمر دينهم متخالفين فيه وهم طوائف اليهود والنصارى ( كل إلينا راجعون ) أي فنجازيه بعمله
94. ( فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران ) أي لاجحود ( لسعيه وإنا له كاتبون ) بأن نأمر الحفظة بكتبه فنجازيه عليه
95. ( وحرام على قرية أهلكناها ) اريد أهلها ( أنهم لا ) زائدة ( يرجعون ) أي ممتنع رجوعهم إلى الدنيا
96. ( حتى ) غاية لامتناع رجوعهم ( إذا فتحت ) بالتخفيف والتشديد ( يأجوج ومأجوج ) بالهمز وتركه اسمان أعجميان لقبيلتين ويقدر قبله مضاف أي سدهما وذلك قرب القيامة ( وهم من كل حدب ) مرتفع من الأرض ( ينسلون ) يسرعون
97. ( واقترب الوعد الحق ) أي يوم القيامة ( فإذا هي ) أي القصة ( شاخصة أبصار الذين كفروا ) في ذلك اليوم لشدته يقولون ( يا ) للتنبيه ( ويلنا ) هلاكنا ( قد كنا ) في الدنيا ( في غفلة من هذا ) اليوم ( بل كنا ظالمين ) أنفسنا بتكذيبنا الرسل
98. ( إنكم ) يا أهل مكة ( وما تعبدون من دون الله ) أي غيره من الأوثان ( حصب جهنم ) وقودها ( أنتم لها واردون ) داخلون فيها
99. ( لو كان هؤلاء ) الأوثان ( آلهة ) كما زعمتم ( ما وردوها ) دخلوها ( وكل ) من العابدين والمعبودين ( فيها خالدون )
100. ( لهم ) للعابدين ( فيها زفير وهم فيها لا يسمعون ) شيئا لشدة غليانها ونزل لما قال ابن الزبعري عبد العزيز والمسيح والملائكة فهم في النار على مقتضى ما تقدم
101. ( إن الذين سبقت لهم منا ) المنزلة ( الحسنى ) ومنهم من ذكر ( أولئك عنها مبعدون )
102. ( لا يسمعون حسيسها ) صوتها ( وهم في ما اشتهت ) من النعيم ( أنفسهم )
103. ( لا يحزنهم الفزع الأكبر ) وهو أن يؤمر بالعبد إلى النار ( وتتلقاهم ) تستقبلهم ( الملائكة ) عند خروجهم من القبور يقولون لهم ( هذا يومكم الذي كنتم توعدون ) في الدنيا
104. ( يوم ) منصوب باذكر مقدرا قبله ( نطوي السماء كطي السجل ) اسم ملك ( للكتب ) صحيفة ابن آدم عند موته واللام زائدة أو السجل الصحيفة والكتتتاب بمعنى مكتوب واللام بمعنى على وفي قراءة للكتب جمعا ( كما بدأنا أول خلق ) من عدم ( نعيده ) بعد إعدامه فالكاف متعلقة بنعيد وضميره عائد إلى أول وما مصدرية ( وعدا علينا ) منصوب بوعدنا مقدرا قبله وهو مؤكد لمضمون ما قبله ( إنا كنا فاعلين ) ما وعدنا
105. ( ولقد كتبنا في الزبور ) بمعنى الكتاب أي كتب الله المنزلة ( من بعد الذكر ) بمعنى أم الكتاب الذي عند الله ( أن الأرض ) أرض الجنة ( يرثها عبادي الصالحون ) عام في كل صالح
106. ( إن في هذا ) القرآن ( لبلاغا ) كفاية في دخول الجنة ( لقوم عابدين ) عاملين به
107. ( وما أرسلناك ) يامحمد ( إلا رحمة ) أي للرحمة ( للعالمين ) الإنس والجن بك
108. ( قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ) أي ما يوحى إلي في أمر الإله إلا وحدانيته ( فهل أنتم مسلمون ) منقادون لما يوحى إلي من وحدانية الإله والاستفهام بمعنى الأمر
109. ( فإن تولوا ) عن ذلك ( فقل آذنتكم ) بالحرب ( على سواء ) حال من الفاعل والمفعول أي مستوين في علمه لا أستبد به دونكم لتتأهبوا ( وإن ) ما ( أدري أقريب أم بعيد ما توعدون ) من العذاب أو القيامة المشتملة عليه وإنما يعلمه الله
110. ( إنه ) تعالى ( يعلم الجهر من القول ) والفعل منكم ومن غيركم ( ويعلم ما تكتمون ) أنتم وغيركم من السر
111. ( وإن ) ما ( أدري لعله ) أي ما أعلمتكم به ولم يعلم وقته ( فتنة ) اختبار ( لكم ) ليرى كيف صنعكم ( ومتاع ) تمتع ( إلى حين ) أي انقضاء آجالكم وهذا مقابل للأول المترجى بلعل وليس الثاني محلا للترجي
112. ( قال ) وفي قراءة قال ( رب احكم ) بيني وبين مكذبي ( بالحق ) بالعذاب لهم أو النصر عليهم فعذبوا ببدر وأحد وحنين والأحزاب والخندق ونصر عليهم ( وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون ) من كذبكم على الله في قولكم اتخذ ولدا وعلي في قولكم ساحر وعلى القرآن في قولكم شعر
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
22. سورة الحج
1. ( يا أيها الناس ) أي أهل مكة وغيرهم ( اتقوا ربكم ) أي عقابه بأن تطيعوه ( إن زلزلة الساعة ) أي الحركة الشديدة للأرض التي يكون بعدها طلوع الشمس من مغربها الذي هو قرب الساعة ( شيء عظيم ) في إزعاج الناس الذي هو نوع من العقاب
2. ( يوم ترونها تذهل ) بسببها ( كل مرضعة ) بالفعل ( عما أرضعت ) أي تنساه ( وتضع كل ذات حمل ) أي حبلى ( حملها وترى الناس سكارى ) من شدة الخوف ( وما هم بسكارى ) من الشراب ( ولكن عذاب الله شديد ) فهم يخافونه
3. ونزل في النضر بن الحارث وجماعته ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ) قالوا الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين وأنكروا البعث وإحياء من صار ترابا ( ويتبع ) في جداله ( كل شيطان مريد ) أي متمرد
4. ( كتب عليه ) قضي على الشيطان ( أنه من تولاه ) أي اتبعه ( فأنه يضله ويهديه ) يدعوه ( إلى عذاب السعير ) أي النار
5. ( يا أيها الناس ) أي أهل مكة ( إن كنتم في ريب ) شك ( من البعث فإنا خلقناكم ) أي أصلكم آدم ( من تراب ثم ) خلقنا ذريته ( من نطفة ) مني ( ثم من علقة ) وهي الدم الجامد ( ثم من مضغة ) وهي لحمة قدر ما يمضغ ( مخلقة ) مصورة تامة الخلق ( وغير مخلقة ) أي غير تامة الخلقة ( لنبين لكم ) كمال قدرتنا لتستدلوا بها في ابتداء الخلق على إعادته ( ونقر ) مستأنف ( في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ) وقت خروجه ( ثم نخرجكم ) من بطون أمهاتكم ( طفلا ) بمعنى أطفالا ( ثم ) نعمركم ( لتبلغوا أشدكم ) أي الكمال والقوة وهو بين الثلاثين إلى الأربعين سنة ( ومنكم من يتوفى ) يموت قبل بلوغ الأشد ( ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ) أخسه من الهرم والخرف ( لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ) قال عكرمة من قرأ القرآن لم يصر بهذه الحالة ( وترى الأرض هامدة ) يابسة ( فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت ) تحركت ( وربت ) ارتفعت وزادت ( وأنبتت من ) زائدة ( كل زوج ) صنف ( بهيج ) حسن
6. ( ذلك ) المذكور من بدء خلق الإنسان الى آخر إحياء الأرض ( بأن ) بسبب أن ( الله هو الحق ) الثابت الدائم ( وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير )
7. ( وأن الساعة آتية لا ريب ) شك ( فيها وأن الله يبعث من في القبور ) ونزل في أبي جهل
8. ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ) معه ( ولا كتاب منير ) له نور معه
9. ( ثاني عطفه ) حال أي لاوي عنقه تكبرا عن الإيمان والعطف الجانب عن يمين أو شمال ( ليضل ) بفتح الياء وضمها ( عن سبيل الله ) أي دينه ( له في الدنيا خزي ) عذاب فقتل يوم بدر ( ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ) أي الإحراق بالنار ويقال له
10. ( ذلك بما قدمت يداك ) أي قدمته عبر عنه بهما دون غيرهما لأن أكثر الأفعال تزاول بهما ( وأن الله ليس بظلام ) أي بذي ظلم ( للعبيد ) فيعذبهم بغير ذنب
11. ( ومن الناس من يعبد الله على حرف ) أي شك في عبادته شبه بالحال على حرف جبل في عدم ثباته ( فإن أصابه خير ) صحة وسلامة في نفسه وماله ( اطمأن به وإن أصابته فتنة ) محنة وسقم في نفسه وماله ( انقلب على وجهه ) أي رجع إلى الكفر ( خسر الدنيا ) بفوات ما أمله منها ( والآخرة ) بالكفر ( ذلك هو الخسران المبين ) البين
12. ( يدعو ) يعبد ( من دون الله ) من الصنم ( ما لا يضره ) إن لم يعبده ( وما لا ينفعه ) إن عبده ( ذلك ) الدعاء ( هو الضلال البعيد ) عن الحق
13. ( يدعو لمن ) اللام زائدة ( ضره ) بعبادته ( أقرب من نفعه ) إن نفع بتخيله ( لبئس المولى ) هو أي الناصر ( ولبئس العشير ) الصاحب هو وعقب ذكر الشاك بالخسران بذكر المؤمنين بالثواب في
14. ( إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) من الفروض والنوافل ( جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد ) من إكرام من يطيعه وإهانة من يعصيه
15. ( من كان يظن أن لن ينصره الله ) أي محمدا نبيه ( في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب ) بحبل ( إلى السماء ) أي سقف بيته يشده فيه وفي عنقه ( ثم ليقطع ) أي ليختنق به بأن يقطع نفسه من الأرض كما في الصحاح ( فلينظر هل يذهبن كيده ) في عدم نصره النبي ( ما يغيظ ) منها المعنى فليختنق غيظا منها فلا بد منها
16. ( وكذلك ) أي مثل إنزالنا الآية السابقة ( أنزلناه ) أي القرآن الباقي ( آيات بينات ) ظاهرات حال ( وأن الله يهدي من يريد ) هداه معطوف على هاء أنزلناه
17. ( إن الذين آمنوا والذين هادوا ) هم اليهود ( والصابئين ) طائفة منهم ( والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة ) بإدخال المؤمنين الجنة وإدخال غيرهم النار ( إن الله على كل شيء ) من عملهم ( شهيد ) عالم به علم مشاهدة
18. ( ألم تر ) تعلم ( أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب ) أن يخضع له بما يراد منه ( وكثير من الناس ) وهم المؤمنون بزيادة على الخضوع في سجود الصلاة ( وكثير حق عليه العذاب ) وهم الكافرون لأنهم أبوا السجود المتوقف على الإيمان ( ومن يهن الله ) يشقه ( فما له من مكرم ) مسعد ( إن الله يفعل ما يشاء ) من الإهانة والإكرام
19. ( هذان خصمان ) أي المؤمنون خصم والكفار الخمسة خصم وهو يطلق على الواحد والجماعة ( اختصموا في ربهم ) أي في دينه ( فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار ) يلبسونها يعني احيطت بهم النار ( يصب من فوق رؤوسهم الحميم ) الماء البالغ نهاية الحرارة
20. ( يصهر ) يذاب ( به ما في بطونهم ) من شحوم وغيرها تشوى به ( والجلود )
21. ( ولهم مقامع من حديد ) لضرب رؤوسهم
22. ( كلما أرادوا أن يخرجوا منها ) أي النار ( من غم ) يلحقهم بها ( أعيدوا فيها ) ردوا إليها بالمقامع وقيل لهم ( وذوقوا عذاب الحريق ) أي البالغ نهاية الإحراق
23. وقال في المؤمنين ( إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ) بالجر أي منهما بأن يرصع اللؤلؤ بالذهب وبالنصب عطفا على محل من أساور ( ولباسهم فيها حرير ) هو المحرم لبسه على الرجال في الدنيا
24. ( وهدوا ) في الدنيا ( إلى الطيب من القول ) وهو لا إله إلا الله ( وهدوا إلى صراط الحميد ) أي طريق الله المحمودة ودينه
25. ( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله ) طاعته وعن ( والمسجد الحرام الذي جعلناه ) منسكا ومتعبدا ( للناس سواء العاكف ) المقيم ( فيه والباد ) الطارىء ( ومن يرد فيه بإلحاد ) الباء زائدة ( بظلم ) أي بسببه بأن ارتكب منهيا ولو شتم الخادم ( نذقه من عذاب أليم ) مؤلم أي بعضه ومن هذا يؤخر خبر إن أي نذيقهم من عذاب أليم
26. واذكر ( وإذ بوأنا ) بينا ( لإبراهيم مكان البيت ) ليبنيه وكان قد رفع من زمن الطوفان وأمرناه ( أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي ) من الأوثان ( للطائفين والقائمين ) المقيمين به ( والركع السجود ) جمع راكع وساجد المصلين
27. ( وأذن ) ناد ( في الناس بالحج ) فنادى على جبل أبي قبيس يا أيها الناس إن ربكم بنى بيتا وأوجب عليكم الحج إليه فأجيبوا ربككم والتفت بوجهه يمينا وشمالا وشرقا وغربا فأجابه كل من كتب له أن يحج من أصلاب الرجال وأرحام الأمهات لبيك اللهم لبيك وجواب الأمر ( يأتوك رجالا ) مشاة جمع راجل كقائم وقيام وركبانا ( وعلى كل ضامر ) أي بعير مهزول وهو يطلق على الذكر والأنثى ( يأتين ) أي الضوامر حملا على المعنى ( من كل فج عميق ) طريد بعيد
28. ( ليشهدوا ) أن يحضروا ( منافع لهم ) في الدنيا بالتجارة أو في الآخرة أو فيهما أقوال ( ويذكروا اسم الله في أيام معلومات ) أي عشر ذي الحجة أو يوم عرفة أو يوم النحر إلى آخر أيام التشريق أقوال ( على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) الإبل والبقر والغنم التي تنحر في يوم العيد وما بعده من الهدايا والضحايا ( فكلوا منها ) إذا كانت مستحبة ( وأطعموا البائس الفقير ) أي شديد الفقر
29. ( ثم ليقضوا تفثهم ) أي يزيلوا أوساخهم وشعثهم كطول الظفر ( وليوفوا ) بالتخفيف والتشديد ( نذورهم ) من الهدايا والضحايا ( وليطوفوا ) طواف الإفاضة ( بالبيت العتيق ) أي القديم لأنه أول بيت وضع للناس
30. ( ذلك ) خبر مبتدأ مقدر أي الأمر أو الشأن ذلك مذكور ( ومن يعظم حرمات الله ) هي ما لا يحل انتهاكه ( فهو ) أي تعظيمها ( خير له عند ربه ) في الآخرة ( وأحلت لكم الأنعام ) أكلا بعد الذبح ( إلا ما يتلى عليكم ) تحريمه في حرمت عليكم الميتة الآية فالاستثناء منقطع ويجوز أن يكون متصلا والتحريم لما عرض من الموت ونحوه ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان ) من للبيان أي الذي هو الأوثان ( واجتنبوا قول الزور ) أي الشرك بالله في تلبيتكم أو شهادة الزور
31. ( حنفاء لله ) مسلمين عادلين عن كل دين سوى دينه ( غير مشركين به ) تأكيد لما قبله وهما حالان من الواو ( ومن يشرك بالله فكأنما خر ) سقط ( من السماء فتخطفه الطير ) أي تأخذه بسرعة ( أو تهوي به الريح ) أي تسقطه ( في مكان سحيق ) بعيد أي فهو لا يرجى خلاصه
32. ( ذلك ) يقدر قبله الأمر مبتدأ ( ومن يعظم شعائر الله فإنها ) أي فإن تعظيمها وهي البدن التي تهدى للحرم بأن تستحسن وتستسمن ( من تقوى القلوب ) منهم وسميت شعائر لإشعارها بما تعرف به أنها هدي كطعن حديدة بسنامها
33. ( لكم فيها منافع ) كركوبها والحمل عليها ما لا يضرها ( إلى أجل مسمى ) وقت نحرها ( ثم محلها ) أي مكان حل نحرها ( إلى البيت العتيق ) أي عنده والمراد الحرم جميعه
34. ( ولكل أمة ) أي جماعة مؤمنة سلفت قبلكم ( جعلنا منسكا ) بفتح السين مصدر وبكسرها اسم مكان أي ذبحا قربانا أو مكانه ( ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) عند ذبحها ( فإلهكم إله واحد فله أسلموا ) انقادوا ( وبشر المخبتين ) المطيعين المتواضعين
35. ( الذين إذا ذكر الله وجلت ) خافت ( قلوبهم والصابرين على ما أصابهم ) من البلايا ( والمقيمي الصلاة ) في أوقاتها ( ومما رزقناهم ينفقون ) يتصدقون
36. ( والبدن ) جمع بدنة وهي الإبل ( جعلناها لكم من شعائر الله ) أعلام دينه ( لكم فيها خير ) نفع في الدنيا كما تقدم وأجر في العقبى ( فاذكروا اسم الله عليها ) عند نحرها ( صواف ) قائمة على ثلاث معقولة اليد اليسرى ( فإذا وجبت جنوبها ) سقطت إلى الأرض بعد النحر وهو وقت الأكل منها ( فكلوا منها ) إن شئتم ( وأطعموا القانع ) الذي يقنع بما يعطى ولا يسأل ولا يعترض ( والمعتر ) السائل أو المعترض ( كذلك ) أي مثل ذلك التسخير ( سخرناها لكم ) بأن تنحر وتركب وإلا لم تطق ( لعلكم تشكرون ) إنعامي عليكم
37. ( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ) أي لا يرفعان إليه ( ولكن يناله التقوى منكم ) أي يرفع إليه منكم العمل الصالح الخالص له مع الإيمان ( كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم ) أرشدكم لمعالم دينه ومناسك حجه ( وبشر المحسنين ) أي الموحدين
38. ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا ) غوائل المشركين ( إن الله لا يحب كل خوان ) في أمانته ( كفور ) لنعمته وهم المشركون المعنى أنه يعاقبهم
39. ( أذن للذين يقاتلون ) أي للمؤمنين أن يقاتلوا وهذه أول آية نزلت في الجهاد ( بأنهم ) أي بسبب أنهم ( ظلموا ) بظلم الكافرين إياهم ( وإن الله على نصرهم لقدير )
40. هم ( الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق ) في الإخراج ما أخرجوا ( إلا أن يقولوا ) أي بقولهم ( ربنا الله ) وحده وهذا القول حق فالإخراج به إخراج بغير حق ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ) بدل بعض من الناس ( ببعض لهدمت ) بالتشديد للتكثير وبالتخفيف ( صوامع ) للرهبان ( وبيع ) كنائس للنصارى ( وصلوات ) كنائس لليهود بالعبرانية ( ومساجد ) للمسلمين ( يذكر فيها ) أي المواضع المذكورة ( اسم الله كثيرا ) وتنقطع العبادات بخرابها ( ولينصرن الله من ينصره ) أي ينصر دينه ( إن الله لقوي ) على خلقه ( عزيز ) منيع في سلطانه وقدرته
41. ( الذين إن مكناهم في الأرض ) بنصرهم على عدوهم ( أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ) جواب الشرط وهو جوابه صلة الموصول ويقدر قبله هم مبتدأ ( ولله عاقبة الأمور ) أي إليه مرجعها في الآخرة
42. ( وإن يكذبوك ) فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ( فقد كذبت قبلهم قوم نوح ) تأنيث قوم باعتبار المعنى ( وعاد ) قوم هود ( وثمود ) قوم صالح
43. ( وقوم إبراهيم وقوم لوط )
44. ( وأصحاب مدين ) قوم شعيب ( وكذب موسى ) كذبه القبط لا قومه بنو اسرائيل أي كذب هؤلاء رسلهم فلك اسوة بهم ( فأمليت للكافرين ) أمهلتهم بتأخير العقاب لهم ( ثم أخذتهم ) بالعذاب ( فكيف كان نكير ) أي إنكاري عليهم بتكذيبهم بإهلاكهم والاستفهام للتقرير أي هو واقع موقعه
45. ( فكأين ) أي كم ( من قرية أهلكناها ) وفي قراءة أهلكناها ( وهي ظالمة ) أي أهلها بكفرهم ( فهي خاوية ) ساقطة ( على عروشها ) سقوفها وكم من ( وبئر معطلة ) متروكة بموت أهلها ( وقصر مشيد ) رفيع خاليي بموت أهله
46. ( أفلم يسيروا ) أي كفار مكة ( في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها ) ما نزل بالمكذبين قبلهم ( أو آذان يسمعون بها ) إخبارهم بالإهلاك وخراب الديار فيعتبروا ( فإنها ) أي القصة ( لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) تأكيد
47. ( ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده ) بإنزال العذاب فأنزله يوم بدر ( وإن يوما عند ربك ) من أيام الآخرة بسبب العذاب ( كألف سنة مما تعدون ) بالتاء والياء في الدنيا
48. ( وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها ) المراد أهلها ( وإلي المصير ) المرجع
49. ( قل يا أيها الناس ) أي أهل مكة ( إنما أنا لكم نذير مبين ) بين الإنذار وأنا بشير للمؤمنين
50. ( فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ) من الذنوب ( ورزق كريم ) هو الجنة
51. ( والذين سعوا في آياتنا ) القرآن بإبطالها ( معاجزين ) من اتبع النبي أي ينسبونهم إلى العجز ويثبطونهم عن الإيمان أو مقدرين عجزنا عنهم وفي قراءة معاجزين مسابقين لنا أي يظنون أن يفوتونا بإنكارهم البعث والعقاب ( أولئك أصحاب الجحيم ) النار
52. ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ) هو نبي أمر بالتبليغ ( ولا نبي ) أي لم يؤمر بالتبليغ ( إلا إذا تمنى ) قرأ ( ألقى الشيطان في أمنيته ) قراءته ما ليس من القرآن مما يرضاه المرسل إليهم وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في سورة النجم بمجلس من قريش بعد أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى بالقاء الشيطان على لسانه من غير علمه صلى الله عليه وسلم تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى ففرحوا بذلك ثم أخبره جبريل بما ألقاه الشيطان على لسانه من ذلك فحزن فسلي بهذه الآية ( فينسخ الله ) يبطل ( ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ) يثبتها ( والله عليم ) بإلقاء الشيطان ما ذكر ( حكيم ) في تمكينه منه يفعل ما يشاء
53. ( ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة ) محنة ( للذين في قلوبهم مرض ) شك ونفاق ( والقاسية قلوبهم ) أي المشركين عن قبول الحق ( وإن الظالمين ) الكافرين ( لفي شقاق بعيد ) خلاف طويل مع النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين حيث جرى على لسانه ذكر آلهتهم بما يرضيهم ثم أبطل ذلك
54. ( وليعلم الذين أوتوا العلم ) التوحيد والقرآن ( أنه ) أي القرآن ( الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت ) تطمئن ( له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط ) طريق ( مستقيم ) أي دين الإسلام
55. ( ولا يزال الذين كفروا في مرية ) شك ( منه ) أي القرآن بما ألقاه الشيطان على لسان النبي ثم أبطل ( حتى تأتيهم الساعة بغتة ) أي ساعة موتهم أو القيامة فجأة ( أو يأتيهم عذاب يوم عقيم ) هو يوم بدر لا خير فيه للكفار كالريح العقيم التي لا تأتي بخير أو هو يوم القيامة لا ليل بعده
56. ( الملك يومئذ ) أي يوم القيامة ( لله ) وحده وما تضمنه من الاستقرار ناصب للظرف ( يحكم بينهم ) بين المؤمنين والكافرين بما بين بعد ( فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم ) فضلا من الله
57. ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين ) شديد بسبب كفرهم
58. ( والذين هاجروا في سبيل الله ) أي طاعته من مكة إلى المدينة ( ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا ) هو رزق الجنة ( وإن الله لهو خير الرازقين ) أفضل المعطين
59. ( ليدخلنهم مدخلا ) بضم الميم وفتحها أي إدخالا أو موضعا ( يرضونه ) وهو الجنة ( وإن الله لعليم ) بنياتهم ( حليم ) عن عقابهم
60. الأمر ( ذلك ) الذي قصصناه عليك ( ومن عاقب ) جازى من المؤمنين ( بمثل ما عوقب به ) ظلما من المشركين أي قاتلهم كما قاتلوه في الشهر المحرم ( ثم بغي عليه ) منهم أي ظلم بإخراجه من منزله ( لينصرنه الله إن الله لعفو ) عن المؤمنين ( غفور ) لهم عن قتالهم في الشهر الحرام
61. ( ذلك ) النصر ( بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ) أي يدخل كلا منهما في الآخر بأن يزيد به ذلك من أثر قدرته تعالى التي بها النصر ( وأن الله سميع ) دعاء المؤمنين ( بصير ) بهم حيث جعل فيهم الإيمان فأجاب دعاءهم
62. ( ذلك ) النصر أيضا ( بأن الله هو الحق ) الثابت ( وأن ما يدعون ) بالياء والتاء يعبدون ( من دونه ) وهو الأصنام ( هو الباطل ) الزائل ( وأن الله هو العلي ) أي العالي على كل شيء بقدرته ( الكبير ) الذي يصغر كل شيء سواه
63. ( ألم تر ) تعلم ( أن الله أنزل من السماء ماء ) مطرا ( فتصبح الأرض مخضرة ) بالنبات وهذا من أثر قدرته ( إن الله لطيف ) بعباده في إخراج النبات بالماء ( خبير ) بما في قلوبهم عند تأخير المطر
64. ( له ما في السماوات وما في الأرض ) على جهة الملك ( وإن الله لهو الغني ) عن عباده ( الحميد ) لأوليائه
65. ( ألم تر ) تعلم ( أن الله سخر لكم ما في الأرض ) من البهائم ( والفلك ) السفن ( تجري في البحر ) للركوب والحمل ( بأمره ) بإذنه ( ويمسك السماء ) من ( أن ) أو لئلا ( تقع على الأرض إلا بإذنه ) فتهلكوا ( إن الله بالناس لرؤوف رحيم ) في التسخير والإمساك
66. ( وهو الذي أحياكم ) بالإنشاء ( ثم يميتكم ) عند انتهاء آجالكم ( ثم يحييكم ) عند البعث ( إن الإنسان ) المشرك ( لكفور ) لنعم الله بتركه توحيده
67. ( لكل أمة جعلنا منسكا ) بفتح السين شريعة ( هم ناسكوه ) عاملون به ( فلا ينازعنك ) يراد به لا تنازعهم ( في الأمر ) أي أمر الذبيحة إذ قالوا ما قتل الله أحق أن تأكلوه مما قتلتم ( وادع إلى ربك ) أي إلى دينه ( إنك لعلى هدى ) دين ( مستقيم )
68. ( وإن جادلوك ) في أمر الدين ( فقل الله أعلم بما تعملون ) فيجازيكم عليه وهذا قبل الأمر بالقتال
69. ( الله يحكم بينكم ) أيها المؤمنون والكافرون ( يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون ) بأن يقول كل من الفريقين خلاف قول الآخر
70. ( ألم تعلم ) الاستفهام فيه للتقرير ( أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك ) أي ما ذكر ( في كتاب ) هو اللوح المحفوظ ( إن ذلك ) علم ما ذكر ( على الله يسير ) سهل
71. ( ويعبدون ) أي المشركون ( من دون الله ما لم ينزل به ) هو الأصنام ( سلطانا ) حجة ( وما ليس لهم به علم ) أنها آلهة ( وما للظالمين ) بالإشراك ( من نصير ) يمنع عنهم عذاب الله
72. ( وإذا تتلى عليهم آياتنا ) من القرآن ( بينات ) ظاهرات حال ( تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر ) أي الإنكار لها أي أثره من الكراهة والعبوس ( يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا ) أي يقعون فيهم بالبطش ( قل أفأنبئكم بشر من ذلكم ) بأكره إليكم من القرآن المتلو عليكم هو ( النار وعدها الله الذين كفروا ) بأن مصيرهم إليها ( وبئس المصير ) هي
73. ( يا أيها الناس ) أي أهل مكة ( ضرب مثل فاستمعوا له ) وهو ( إن الذين تدعون ) تعبدون ( من دون الله ) أي غيره وهم الأصنام ( لن يخلقوا ذبابا ) اسم جنس واحده ذبابة يقع على المذكر والمؤنث ( ولو اجتمعوا له ) لخلقه ( وإن يسلبهم الذباب شيئا ) مما عليهم من الطيب والزعفران الملطخين به ( لا يستنقذوه ) لا يستردوه ( منه ) لعجزهم فكيف يعبدون شركاء الله تعالى هذا أمر مستغرب عبر عنه بضرب المثل ( ضعف الطالب ) العابد ( والمطلوب ) المعبود
74. ( ما قدروا الله ) عظموه ( حق قدره ) عظمته إذ أشركوا به ما لم يمتنع ممن الذباب ولا ينتصف منه ( إن الله لقوي عزيز ) غالب
75. ( الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ) رسلا نزل لما قال المشركون ءأنزل عليه الذكر من بيننا ( إن الله سميع ) لمقالتهم ( بصير ) بمن يتخذه رسولا كجبريل وميكائيل وإبراهيم ومحمد وغيرهم صلى الله عليهم وسلم
76. ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ) أي ما قدموا وما خلفوا وما عملوا وما هم عاملون بعد ( وإلى الله ترجع الأمور )
77. ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا ) أي صلوا ( واعبدوا ربكم ) وحدوه ( وافعلوا الخير ) كصلة اللاحم ومكارم الأخلاق ( لعلكم تفلحون ) تفوزون بالبقاء في الجنة
78. ( وجاهدوا في الله ) لإقامة دينه ( حق جهاده ) باستفراغ الطاقة فيه ونصب حق على المصدر ( هو اجتباكم ) اختاركم لدينه ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) أي ضيق بأن سهله عند الضرورات كالقصر والتيمم وأكل الميتة والفطر للمرض والسفر ( ملة أبيكم ) منصوب بنزع الخافض الكاف ( إبراهيم ) عطف بيان ( هو ) أي الله ( سماكم المسلمين من قبل ) أي قبل هذا الكتاب ( وفي هذا ) أي القرآن ( ليكون الرسول شهيدا عليكم ) يوم القيامة أنه بلغكم ( وتكونوا ) أنتم ( شهداء على الناس ) أن رسلهم بلغوهم ( فأقيموا الصلاة ) داوموا عليها ( وآتوا الزكاة واعتصموا بالله ) ثقوا به ( هو مولاكم ) ناصركم ومتولي أموركم ( فنعم المولى ) هو ( ونعم النصير ) أي الناصر لكم
1. ( يا أيها الناس ) أي أهل مكة وغيرهم ( اتقوا ربكم ) أي عقابه بأن تطيعوه ( إن زلزلة الساعة ) أي الحركة الشديدة للأرض التي يكون بعدها طلوع الشمس من مغربها الذي هو قرب الساعة ( شيء عظيم ) في إزعاج الناس الذي هو نوع من العقاب
2. ( يوم ترونها تذهل ) بسببها ( كل مرضعة ) بالفعل ( عما أرضعت ) أي تنساه ( وتضع كل ذات حمل ) أي حبلى ( حملها وترى الناس سكارى ) من شدة الخوف ( وما هم بسكارى ) من الشراب ( ولكن عذاب الله شديد ) فهم يخافونه
3. ونزل في النضر بن الحارث وجماعته ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ) قالوا الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين وأنكروا البعث وإحياء من صار ترابا ( ويتبع ) في جداله ( كل شيطان مريد ) أي متمرد
4. ( كتب عليه ) قضي على الشيطان ( أنه من تولاه ) أي اتبعه ( فأنه يضله ويهديه ) يدعوه ( إلى عذاب السعير ) أي النار
5. ( يا أيها الناس ) أي أهل مكة ( إن كنتم في ريب ) شك ( من البعث فإنا خلقناكم ) أي أصلكم آدم ( من تراب ثم ) خلقنا ذريته ( من نطفة ) مني ( ثم من علقة ) وهي الدم الجامد ( ثم من مضغة ) وهي لحمة قدر ما يمضغ ( مخلقة ) مصورة تامة الخلق ( وغير مخلقة ) أي غير تامة الخلقة ( لنبين لكم ) كمال قدرتنا لتستدلوا بها في ابتداء الخلق على إعادته ( ونقر ) مستأنف ( في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ) وقت خروجه ( ثم نخرجكم ) من بطون أمهاتكم ( طفلا ) بمعنى أطفالا ( ثم ) نعمركم ( لتبلغوا أشدكم ) أي الكمال والقوة وهو بين الثلاثين إلى الأربعين سنة ( ومنكم من يتوفى ) يموت قبل بلوغ الأشد ( ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ) أخسه من الهرم والخرف ( لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ) قال عكرمة من قرأ القرآن لم يصر بهذه الحالة ( وترى الأرض هامدة ) يابسة ( فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت ) تحركت ( وربت ) ارتفعت وزادت ( وأنبتت من ) زائدة ( كل زوج ) صنف ( بهيج ) حسن
6. ( ذلك ) المذكور من بدء خلق الإنسان الى آخر إحياء الأرض ( بأن ) بسبب أن ( الله هو الحق ) الثابت الدائم ( وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير )
7. ( وأن الساعة آتية لا ريب ) شك ( فيها وأن الله يبعث من في القبور ) ونزل في أبي جهل
8. ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ) معه ( ولا كتاب منير ) له نور معه
9. ( ثاني عطفه ) حال أي لاوي عنقه تكبرا عن الإيمان والعطف الجانب عن يمين أو شمال ( ليضل ) بفتح الياء وضمها ( عن سبيل الله ) أي دينه ( له في الدنيا خزي ) عذاب فقتل يوم بدر ( ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ) أي الإحراق بالنار ويقال له
10. ( ذلك بما قدمت يداك ) أي قدمته عبر عنه بهما دون غيرهما لأن أكثر الأفعال تزاول بهما ( وأن الله ليس بظلام ) أي بذي ظلم ( للعبيد ) فيعذبهم بغير ذنب
11. ( ومن الناس من يعبد الله على حرف ) أي شك في عبادته شبه بالحال على حرف جبل في عدم ثباته ( فإن أصابه خير ) صحة وسلامة في نفسه وماله ( اطمأن به وإن أصابته فتنة ) محنة وسقم في نفسه وماله ( انقلب على وجهه ) أي رجع إلى الكفر ( خسر الدنيا ) بفوات ما أمله منها ( والآخرة ) بالكفر ( ذلك هو الخسران المبين ) البين
12. ( يدعو ) يعبد ( من دون الله ) من الصنم ( ما لا يضره ) إن لم يعبده ( وما لا ينفعه ) إن عبده ( ذلك ) الدعاء ( هو الضلال البعيد ) عن الحق
13. ( يدعو لمن ) اللام زائدة ( ضره ) بعبادته ( أقرب من نفعه ) إن نفع بتخيله ( لبئس المولى ) هو أي الناصر ( ولبئس العشير ) الصاحب هو وعقب ذكر الشاك بالخسران بذكر المؤمنين بالثواب في
14. ( إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) من الفروض والنوافل ( جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد ) من إكرام من يطيعه وإهانة من يعصيه
15. ( من كان يظن أن لن ينصره الله ) أي محمدا نبيه ( في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب ) بحبل ( إلى السماء ) أي سقف بيته يشده فيه وفي عنقه ( ثم ليقطع ) أي ليختنق به بأن يقطع نفسه من الأرض كما في الصحاح ( فلينظر هل يذهبن كيده ) في عدم نصره النبي ( ما يغيظ ) منها المعنى فليختنق غيظا منها فلا بد منها
16. ( وكذلك ) أي مثل إنزالنا الآية السابقة ( أنزلناه ) أي القرآن الباقي ( آيات بينات ) ظاهرات حال ( وأن الله يهدي من يريد ) هداه معطوف على هاء أنزلناه
17. ( إن الذين آمنوا والذين هادوا ) هم اليهود ( والصابئين ) طائفة منهم ( والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة ) بإدخال المؤمنين الجنة وإدخال غيرهم النار ( إن الله على كل شيء ) من عملهم ( شهيد ) عالم به علم مشاهدة
18. ( ألم تر ) تعلم ( أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب ) أن يخضع له بما يراد منه ( وكثير من الناس ) وهم المؤمنون بزيادة على الخضوع في سجود الصلاة ( وكثير حق عليه العذاب ) وهم الكافرون لأنهم أبوا السجود المتوقف على الإيمان ( ومن يهن الله ) يشقه ( فما له من مكرم ) مسعد ( إن الله يفعل ما يشاء ) من الإهانة والإكرام
19. ( هذان خصمان ) أي المؤمنون خصم والكفار الخمسة خصم وهو يطلق على الواحد والجماعة ( اختصموا في ربهم ) أي في دينه ( فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار ) يلبسونها يعني احيطت بهم النار ( يصب من فوق رؤوسهم الحميم ) الماء البالغ نهاية الحرارة
20. ( يصهر ) يذاب ( به ما في بطونهم ) من شحوم وغيرها تشوى به ( والجلود )
21. ( ولهم مقامع من حديد ) لضرب رؤوسهم
22. ( كلما أرادوا أن يخرجوا منها ) أي النار ( من غم ) يلحقهم بها ( أعيدوا فيها ) ردوا إليها بالمقامع وقيل لهم ( وذوقوا عذاب الحريق ) أي البالغ نهاية الإحراق
23. وقال في المؤمنين ( إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ) بالجر أي منهما بأن يرصع اللؤلؤ بالذهب وبالنصب عطفا على محل من أساور ( ولباسهم فيها حرير ) هو المحرم لبسه على الرجال في الدنيا
24. ( وهدوا ) في الدنيا ( إلى الطيب من القول ) وهو لا إله إلا الله ( وهدوا إلى صراط الحميد ) أي طريق الله المحمودة ودينه
25. ( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله ) طاعته وعن ( والمسجد الحرام الذي جعلناه ) منسكا ومتعبدا ( للناس سواء العاكف ) المقيم ( فيه والباد ) الطارىء ( ومن يرد فيه بإلحاد ) الباء زائدة ( بظلم ) أي بسببه بأن ارتكب منهيا ولو شتم الخادم ( نذقه من عذاب أليم ) مؤلم أي بعضه ومن هذا يؤخر خبر إن أي نذيقهم من عذاب أليم
26. واذكر ( وإذ بوأنا ) بينا ( لإبراهيم مكان البيت ) ليبنيه وكان قد رفع من زمن الطوفان وأمرناه ( أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي ) من الأوثان ( للطائفين والقائمين ) المقيمين به ( والركع السجود ) جمع راكع وساجد المصلين
27. ( وأذن ) ناد ( في الناس بالحج ) فنادى على جبل أبي قبيس يا أيها الناس إن ربكم بنى بيتا وأوجب عليكم الحج إليه فأجيبوا ربككم والتفت بوجهه يمينا وشمالا وشرقا وغربا فأجابه كل من كتب له أن يحج من أصلاب الرجال وأرحام الأمهات لبيك اللهم لبيك وجواب الأمر ( يأتوك رجالا ) مشاة جمع راجل كقائم وقيام وركبانا ( وعلى كل ضامر ) أي بعير مهزول وهو يطلق على الذكر والأنثى ( يأتين ) أي الضوامر حملا على المعنى ( من كل فج عميق ) طريد بعيد
28. ( ليشهدوا ) أن يحضروا ( منافع لهم ) في الدنيا بالتجارة أو في الآخرة أو فيهما أقوال ( ويذكروا اسم الله في أيام معلومات ) أي عشر ذي الحجة أو يوم عرفة أو يوم النحر إلى آخر أيام التشريق أقوال ( على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) الإبل والبقر والغنم التي تنحر في يوم العيد وما بعده من الهدايا والضحايا ( فكلوا منها ) إذا كانت مستحبة ( وأطعموا البائس الفقير ) أي شديد الفقر
29. ( ثم ليقضوا تفثهم ) أي يزيلوا أوساخهم وشعثهم كطول الظفر ( وليوفوا ) بالتخفيف والتشديد ( نذورهم ) من الهدايا والضحايا ( وليطوفوا ) طواف الإفاضة ( بالبيت العتيق ) أي القديم لأنه أول بيت وضع للناس
30. ( ذلك ) خبر مبتدأ مقدر أي الأمر أو الشأن ذلك مذكور ( ومن يعظم حرمات الله ) هي ما لا يحل انتهاكه ( فهو ) أي تعظيمها ( خير له عند ربه ) في الآخرة ( وأحلت لكم الأنعام ) أكلا بعد الذبح ( إلا ما يتلى عليكم ) تحريمه في حرمت عليكم الميتة الآية فالاستثناء منقطع ويجوز أن يكون متصلا والتحريم لما عرض من الموت ونحوه ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان ) من للبيان أي الذي هو الأوثان ( واجتنبوا قول الزور ) أي الشرك بالله في تلبيتكم أو شهادة الزور
31. ( حنفاء لله ) مسلمين عادلين عن كل دين سوى دينه ( غير مشركين به ) تأكيد لما قبله وهما حالان من الواو ( ومن يشرك بالله فكأنما خر ) سقط ( من السماء فتخطفه الطير ) أي تأخذه بسرعة ( أو تهوي به الريح ) أي تسقطه ( في مكان سحيق ) بعيد أي فهو لا يرجى خلاصه
32. ( ذلك ) يقدر قبله الأمر مبتدأ ( ومن يعظم شعائر الله فإنها ) أي فإن تعظيمها وهي البدن التي تهدى للحرم بأن تستحسن وتستسمن ( من تقوى القلوب ) منهم وسميت شعائر لإشعارها بما تعرف به أنها هدي كطعن حديدة بسنامها
33. ( لكم فيها منافع ) كركوبها والحمل عليها ما لا يضرها ( إلى أجل مسمى ) وقت نحرها ( ثم محلها ) أي مكان حل نحرها ( إلى البيت العتيق ) أي عنده والمراد الحرم جميعه
34. ( ولكل أمة ) أي جماعة مؤمنة سلفت قبلكم ( جعلنا منسكا ) بفتح السين مصدر وبكسرها اسم مكان أي ذبحا قربانا أو مكانه ( ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) عند ذبحها ( فإلهكم إله واحد فله أسلموا ) انقادوا ( وبشر المخبتين ) المطيعين المتواضعين
35. ( الذين إذا ذكر الله وجلت ) خافت ( قلوبهم والصابرين على ما أصابهم ) من البلايا ( والمقيمي الصلاة ) في أوقاتها ( ومما رزقناهم ينفقون ) يتصدقون
36. ( والبدن ) جمع بدنة وهي الإبل ( جعلناها لكم من شعائر الله ) أعلام دينه ( لكم فيها خير ) نفع في الدنيا كما تقدم وأجر في العقبى ( فاذكروا اسم الله عليها ) عند نحرها ( صواف ) قائمة على ثلاث معقولة اليد اليسرى ( فإذا وجبت جنوبها ) سقطت إلى الأرض بعد النحر وهو وقت الأكل منها ( فكلوا منها ) إن شئتم ( وأطعموا القانع ) الذي يقنع بما يعطى ولا يسأل ولا يعترض ( والمعتر ) السائل أو المعترض ( كذلك ) أي مثل ذلك التسخير ( سخرناها لكم ) بأن تنحر وتركب وإلا لم تطق ( لعلكم تشكرون ) إنعامي عليكم
37. ( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ) أي لا يرفعان إليه ( ولكن يناله التقوى منكم ) أي يرفع إليه منكم العمل الصالح الخالص له مع الإيمان ( كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم ) أرشدكم لمعالم دينه ومناسك حجه ( وبشر المحسنين ) أي الموحدين
38. ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا ) غوائل المشركين ( إن الله لا يحب كل خوان ) في أمانته ( كفور ) لنعمته وهم المشركون المعنى أنه يعاقبهم
39. ( أذن للذين يقاتلون ) أي للمؤمنين أن يقاتلوا وهذه أول آية نزلت في الجهاد ( بأنهم ) أي بسبب أنهم ( ظلموا ) بظلم الكافرين إياهم ( وإن الله على نصرهم لقدير )
40. هم ( الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق ) في الإخراج ما أخرجوا ( إلا أن يقولوا ) أي بقولهم ( ربنا الله ) وحده وهذا القول حق فالإخراج به إخراج بغير حق ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ) بدل بعض من الناس ( ببعض لهدمت ) بالتشديد للتكثير وبالتخفيف ( صوامع ) للرهبان ( وبيع ) كنائس للنصارى ( وصلوات ) كنائس لليهود بالعبرانية ( ومساجد ) للمسلمين ( يذكر فيها ) أي المواضع المذكورة ( اسم الله كثيرا ) وتنقطع العبادات بخرابها ( ولينصرن الله من ينصره ) أي ينصر دينه ( إن الله لقوي ) على خلقه ( عزيز ) منيع في سلطانه وقدرته
41. ( الذين إن مكناهم في الأرض ) بنصرهم على عدوهم ( أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ) جواب الشرط وهو جوابه صلة الموصول ويقدر قبله هم مبتدأ ( ولله عاقبة الأمور ) أي إليه مرجعها في الآخرة
42. ( وإن يكذبوك ) فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ( فقد كذبت قبلهم قوم نوح ) تأنيث قوم باعتبار المعنى ( وعاد ) قوم هود ( وثمود ) قوم صالح
43. ( وقوم إبراهيم وقوم لوط )
44. ( وأصحاب مدين ) قوم شعيب ( وكذب موسى ) كذبه القبط لا قومه بنو اسرائيل أي كذب هؤلاء رسلهم فلك اسوة بهم ( فأمليت للكافرين ) أمهلتهم بتأخير العقاب لهم ( ثم أخذتهم ) بالعذاب ( فكيف كان نكير ) أي إنكاري عليهم بتكذيبهم بإهلاكهم والاستفهام للتقرير أي هو واقع موقعه
45. ( فكأين ) أي كم ( من قرية أهلكناها ) وفي قراءة أهلكناها ( وهي ظالمة ) أي أهلها بكفرهم ( فهي خاوية ) ساقطة ( على عروشها ) سقوفها وكم من ( وبئر معطلة ) متروكة بموت أهلها ( وقصر مشيد ) رفيع خاليي بموت أهله
46. ( أفلم يسيروا ) أي كفار مكة ( في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها ) ما نزل بالمكذبين قبلهم ( أو آذان يسمعون بها ) إخبارهم بالإهلاك وخراب الديار فيعتبروا ( فإنها ) أي القصة ( لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) تأكيد
47. ( ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده ) بإنزال العذاب فأنزله يوم بدر ( وإن يوما عند ربك ) من أيام الآخرة بسبب العذاب ( كألف سنة مما تعدون ) بالتاء والياء في الدنيا
48. ( وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها ) المراد أهلها ( وإلي المصير ) المرجع
49. ( قل يا أيها الناس ) أي أهل مكة ( إنما أنا لكم نذير مبين ) بين الإنذار وأنا بشير للمؤمنين
50. ( فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ) من الذنوب ( ورزق كريم ) هو الجنة
51. ( والذين سعوا في آياتنا ) القرآن بإبطالها ( معاجزين ) من اتبع النبي أي ينسبونهم إلى العجز ويثبطونهم عن الإيمان أو مقدرين عجزنا عنهم وفي قراءة معاجزين مسابقين لنا أي يظنون أن يفوتونا بإنكارهم البعث والعقاب ( أولئك أصحاب الجحيم ) النار
52. ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ) هو نبي أمر بالتبليغ ( ولا نبي ) أي لم يؤمر بالتبليغ ( إلا إذا تمنى ) قرأ ( ألقى الشيطان في أمنيته ) قراءته ما ليس من القرآن مما يرضاه المرسل إليهم وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في سورة النجم بمجلس من قريش بعد أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى بالقاء الشيطان على لسانه من غير علمه صلى الله عليه وسلم تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى ففرحوا بذلك ثم أخبره جبريل بما ألقاه الشيطان على لسانه من ذلك فحزن فسلي بهذه الآية ( فينسخ الله ) يبطل ( ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ) يثبتها ( والله عليم ) بإلقاء الشيطان ما ذكر ( حكيم ) في تمكينه منه يفعل ما يشاء
53. ( ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة ) محنة ( للذين في قلوبهم مرض ) شك ونفاق ( والقاسية قلوبهم ) أي المشركين عن قبول الحق ( وإن الظالمين ) الكافرين ( لفي شقاق بعيد ) خلاف طويل مع النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين حيث جرى على لسانه ذكر آلهتهم بما يرضيهم ثم أبطل ذلك
54. ( وليعلم الذين أوتوا العلم ) التوحيد والقرآن ( أنه ) أي القرآن ( الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت ) تطمئن ( له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط ) طريق ( مستقيم ) أي دين الإسلام
55. ( ولا يزال الذين كفروا في مرية ) شك ( منه ) أي القرآن بما ألقاه الشيطان على لسان النبي ثم أبطل ( حتى تأتيهم الساعة بغتة ) أي ساعة موتهم أو القيامة فجأة ( أو يأتيهم عذاب يوم عقيم ) هو يوم بدر لا خير فيه للكفار كالريح العقيم التي لا تأتي بخير أو هو يوم القيامة لا ليل بعده
56. ( الملك يومئذ ) أي يوم القيامة ( لله ) وحده وما تضمنه من الاستقرار ناصب للظرف ( يحكم بينهم ) بين المؤمنين والكافرين بما بين بعد ( فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم ) فضلا من الله
57. ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين ) شديد بسبب كفرهم
58. ( والذين هاجروا في سبيل الله ) أي طاعته من مكة إلى المدينة ( ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا ) هو رزق الجنة ( وإن الله لهو خير الرازقين ) أفضل المعطين
59. ( ليدخلنهم مدخلا ) بضم الميم وفتحها أي إدخالا أو موضعا ( يرضونه ) وهو الجنة ( وإن الله لعليم ) بنياتهم ( حليم ) عن عقابهم
60. الأمر ( ذلك ) الذي قصصناه عليك ( ومن عاقب ) جازى من المؤمنين ( بمثل ما عوقب به ) ظلما من المشركين أي قاتلهم كما قاتلوه في الشهر المحرم ( ثم بغي عليه ) منهم أي ظلم بإخراجه من منزله ( لينصرنه الله إن الله لعفو ) عن المؤمنين ( غفور ) لهم عن قتالهم في الشهر الحرام
61. ( ذلك ) النصر ( بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ) أي يدخل كلا منهما في الآخر بأن يزيد به ذلك من أثر قدرته تعالى التي بها النصر ( وأن الله سميع ) دعاء المؤمنين ( بصير ) بهم حيث جعل فيهم الإيمان فأجاب دعاءهم
62. ( ذلك ) النصر أيضا ( بأن الله هو الحق ) الثابت ( وأن ما يدعون ) بالياء والتاء يعبدون ( من دونه ) وهو الأصنام ( هو الباطل ) الزائل ( وأن الله هو العلي ) أي العالي على كل شيء بقدرته ( الكبير ) الذي يصغر كل شيء سواه
63. ( ألم تر ) تعلم ( أن الله أنزل من السماء ماء ) مطرا ( فتصبح الأرض مخضرة ) بالنبات وهذا من أثر قدرته ( إن الله لطيف ) بعباده في إخراج النبات بالماء ( خبير ) بما في قلوبهم عند تأخير المطر
64. ( له ما في السماوات وما في الأرض ) على جهة الملك ( وإن الله لهو الغني ) عن عباده ( الحميد ) لأوليائه
65. ( ألم تر ) تعلم ( أن الله سخر لكم ما في الأرض ) من البهائم ( والفلك ) السفن ( تجري في البحر ) للركوب والحمل ( بأمره ) بإذنه ( ويمسك السماء ) من ( أن ) أو لئلا ( تقع على الأرض إلا بإذنه ) فتهلكوا ( إن الله بالناس لرؤوف رحيم ) في التسخير والإمساك
66. ( وهو الذي أحياكم ) بالإنشاء ( ثم يميتكم ) عند انتهاء آجالكم ( ثم يحييكم ) عند البعث ( إن الإنسان ) المشرك ( لكفور ) لنعم الله بتركه توحيده
67. ( لكل أمة جعلنا منسكا ) بفتح السين شريعة ( هم ناسكوه ) عاملون به ( فلا ينازعنك ) يراد به لا تنازعهم ( في الأمر ) أي أمر الذبيحة إذ قالوا ما قتل الله أحق أن تأكلوه مما قتلتم ( وادع إلى ربك ) أي إلى دينه ( إنك لعلى هدى ) دين ( مستقيم )
68. ( وإن جادلوك ) في أمر الدين ( فقل الله أعلم بما تعملون ) فيجازيكم عليه وهذا قبل الأمر بالقتال
69. ( الله يحكم بينكم ) أيها المؤمنون والكافرون ( يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون ) بأن يقول كل من الفريقين خلاف قول الآخر
70. ( ألم تعلم ) الاستفهام فيه للتقرير ( أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك ) أي ما ذكر ( في كتاب ) هو اللوح المحفوظ ( إن ذلك ) علم ما ذكر ( على الله يسير ) سهل
71. ( ويعبدون ) أي المشركون ( من دون الله ما لم ينزل به ) هو الأصنام ( سلطانا ) حجة ( وما ليس لهم به علم ) أنها آلهة ( وما للظالمين ) بالإشراك ( من نصير ) يمنع عنهم عذاب الله
72. ( وإذا تتلى عليهم آياتنا ) من القرآن ( بينات ) ظاهرات حال ( تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر ) أي الإنكار لها أي أثره من الكراهة والعبوس ( يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا ) أي يقعون فيهم بالبطش ( قل أفأنبئكم بشر من ذلكم ) بأكره إليكم من القرآن المتلو عليكم هو ( النار وعدها الله الذين كفروا ) بأن مصيرهم إليها ( وبئس المصير ) هي
73. ( يا أيها الناس ) أي أهل مكة ( ضرب مثل فاستمعوا له ) وهو ( إن الذين تدعون ) تعبدون ( من دون الله ) أي غيره وهم الأصنام ( لن يخلقوا ذبابا ) اسم جنس واحده ذبابة يقع على المذكر والمؤنث ( ولو اجتمعوا له ) لخلقه ( وإن يسلبهم الذباب شيئا ) مما عليهم من الطيب والزعفران الملطخين به ( لا يستنقذوه ) لا يستردوه ( منه ) لعجزهم فكيف يعبدون شركاء الله تعالى هذا أمر مستغرب عبر عنه بضرب المثل ( ضعف الطالب ) العابد ( والمطلوب ) المعبود
74. ( ما قدروا الله ) عظموه ( حق قدره ) عظمته إذ أشركوا به ما لم يمتنع ممن الذباب ولا ينتصف منه ( إن الله لقوي عزيز ) غالب
75. ( الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ) رسلا نزل لما قال المشركون ءأنزل عليه الذكر من بيننا ( إن الله سميع ) لمقالتهم ( بصير ) بمن يتخذه رسولا كجبريل وميكائيل وإبراهيم ومحمد وغيرهم صلى الله عليهم وسلم
76. ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ) أي ما قدموا وما خلفوا وما عملوا وما هم عاملون بعد ( وإلى الله ترجع الأمور )
77. ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا ) أي صلوا ( واعبدوا ربكم ) وحدوه ( وافعلوا الخير ) كصلة اللاحم ومكارم الأخلاق ( لعلكم تفلحون ) تفوزون بالبقاء في الجنة
78. ( وجاهدوا في الله ) لإقامة دينه ( حق جهاده ) باستفراغ الطاقة فيه ونصب حق على المصدر ( هو اجتباكم ) اختاركم لدينه ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) أي ضيق بأن سهله عند الضرورات كالقصر والتيمم وأكل الميتة والفطر للمرض والسفر ( ملة أبيكم ) منصوب بنزع الخافض الكاف ( إبراهيم ) عطف بيان ( هو ) أي الله ( سماكم المسلمين من قبل ) أي قبل هذا الكتاب ( وفي هذا ) أي القرآن ( ليكون الرسول شهيدا عليكم ) يوم القيامة أنه بلغكم ( وتكونوا ) أنتم ( شهداء على الناس ) أن رسلهم بلغوهم ( فأقيموا الصلاة ) داوموا عليها ( وآتوا الزكاة واعتصموا بالله ) ثقوا به ( هو مولاكم ) ناصركم ومتولي أموركم ( فنعم المولى ) هو ( ونعم النصير ) أي الناصر لكم
رد: تفسير القرآن الكريم الجلالين
23. سورة المؤمنون
1. ( قد ) للتحقيق ( أفلح ) فاز ( المؤمنون )
2. ( الذين هم في صلاتهم خاشعون ) متواضعون
3. ( والذين هم عن اللغو ) من الكلام وغيره ( معرضون )
4. ( والذين هم للزكاة فاعلون ) مؤدون
5. ( والذين هم لفروجهم حافظون ) عن الحرام
6. ( إلا على أزواجهم ) أي من زوجاتهم ( أو ما ملكت أيمانهم ) أي السراري ( فإنهم غير ملومين ) في إتيانهن
7. ( فمن ابتغى وراء ذلك ) من الزوجات والسراري كالاستمناء بيده في اتيانهن ( فأولئك هم العادون ) المتجاوزون إلى ما لا يحل لهم
8. ( والذين هم لأماناتهم ) جمعا ومفردا ( وعهدهم ) فيما بينهم أو فيما بينهم وبين الله من صلاة وغيرها ( راعون ) حافظون
9. ( والذين هم على صلواتهم ) جميعا ومفردا ( يحافظون ) يقيمونها في أوقاتها
10. ( أولئك هم الوارثون ) لا غيرهم
11. ( الذين يرثون الفردوس ) هو جنة أعلى الجنان ( هم فيها خالدون ) في ذلك إشارة إلى المعاد ويناسبه ذكر المبدأ بعده
12. والله ( ولقد خلقنا الإنسان ) آدم ( من سلالة ) هي من سللت الشيء من الشيء أي استخرجته منه وهو خلاصته ( من طين ) متعلق بسلالة
13. ( ثم جعلناه ) أي الإنسان نسل آدم ( نطفة ) منيا ( في قرار مكين ) هو الرحم
14. ( ثم خلقنا النطفة علقة ) دما جامدا ( فخلقنا العلقة مضغة ) لحمة قدر ما يمضغ ( فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ) وفي قراءة عظما في الموضعين وخلقنا في المواضع الثلاث بمعنى صيرنا ( ثم أنشأناه خلقا آخر ) بنفخ الروح فيه ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) أي المقدرين ومميز أحسن محذوف للعلم به أي خلقا
15. ( ثم إنكم بعد ذلك لميتون )
16. ( ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ) للحساب والجزاء
17. ( ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق ) أي سموات جمع طريقة لأنها طرق الملائكة ( وما كنا عن الخلق ) التي تحتها ( غافلين ) أن تسقط عليهم فتهلكهم بل نمسكها كآية ويمسك السماء أن تقع على الأرض
18. ( وأنزلنا من السماء ماء بقدر ) من كفايتهم ( فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون ) فيموتون مع دوابهم عطشا
19. ( فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب ) هما أكثر فواكه العرب ( لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون ) صيفا وشتاء
20. وأنشأنا ( وشجرة تخرج من طور سيناء ) جبل بكسر السين وفتحها ومنع الصرف للعلمية والتأنيث للبقعة ( تنبت ) من الرباعي والثلاثي ( بالدهن ) الباء زائدة على الأول ومعدية على الثاني وهي شجرة الزيتون ( وصبغ للآكلين ) عطف على الدهن أي إدام يصبغ اللقمة بغمسها فيه وهو الزيت
21. ( وإن لكم في الأنعام ) الإبل والبقر والغنم ( لعبرة ) عظة تعتبرون بها ( نسقيكم ) بفتح النون وضمها ( مما في بطونها ) أي اللبن ( ولكم فيها منافع كثيرة ) من الأصواف والأوبار والأشعار وغير ذلك ( ومنها تأكلون )
22. ( وعليها ) الإبل ( وعلى الفلك ) السفن ( تحملون )
23. ( ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ) أطيعوا الله ووحدوه ( ما لكم من إله غيره ) وهو اسم ما وما قبله الخبر ومن زائدة ( أفلا تتقون ) تخافون عقوبته بعبادتكم غيره
24. ( فقال الملأ الذين كفروا من قومه ) لأتباعهم ( ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل ) يتشرف ( عليكم ) بأن يكون متبوعا وأنتم أتباعه ( ولو شاء الله ) أن لا يعبد غيره ( لأنزل ملائكة ) بذلك لابشرا ( ما سمعنا بهذا ) الذي دعا إليه نوح من التوحيد ( في آبائنا الأولين ) الأمم الماضية
25. ( إن هو ) ما نوح ( إلا رجل به جنة ) حالة جنون ( فتربصوا به ) انتظروه ( حتى حين ) إلى زمن موته
26. ( قال ) نوح ( رب انصرني ) عليهم ( بما كذبون ) بسبب تكذيبهم إياي بأن تهلكهم قال تعالى مجيبا دعاءه
27. ( فأوحينا إليه أن اصنع الفلك ) السفينة ( بأعيننا ) بمرأى منا وحفظنا ( ووحينا ) أمرنا ( فإذا جاء أمرنا ) بإهلاكهم ( وفار التنور ) للخباز بالماء وكان ذلك علامة لنوح ( فاسلك فيها ) أدخل في السفينة ( من كل زوجين ) ذكر وأنثى أي من كل أنواعهما ( اثنين ) ذكرا وأنثى وهو مفعول ومن متعلقة باسلك وفي القصة أن الله تعالى حشر لنوح السباع والطير وغيرهما فجعل يضرب بيديه في كل نوع فتقع يده اليمنى على الذكر واليسرى على الأنثى فيحملها في السفينة وفي قراءة كل بالتنوين فزوجين مفعول واثنين تاكيد له ( وأهلك ) زوجته وأولاده ( إلا من سبق عليه القول منهم ) بالإهلاك وهو زوجته وولده كنعان بخلاف سام وحام ويافث فحملهم وزوجاتهم ثلاثة وفي سورة هود ومن آمن وما آمن معه إلا قليل قيل كانوا ستة رجال ونساؤهم وقيل جميع من كان في السفينة ثمانية وسبعون نصفهم رجال ونصفهم نساء ( ولا تخاطبني في الذين ظلموا ) كفروا بترك إهلاكهم ( إنهم مغرقون )
28. ( فإذا استويت ) اعتدلت ( أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين ) الكافرين وإهلاكهم
29. ( وقل ) عند نزولك من الفلك ( رب أنزلني منزلا ) بضم المبم وفتح الزاي مصدر واسم مكان وبفتح الميم وكسر الزاي مكان النزول ( مباركا ) ذلك الإنزال أو المكان ( وأنت خير المنزلين ) ما ذكر
30. ( إن في ذلك ) المذكور من أمر نوح والسفينة وإهلاك الكفار ( لآيات ) دلالات على قدرة الله تعالى ( وإن ) مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ( كنا لمبتلين ) مختبرين قوم نوح بإرساله إليهم ووعظه
31. ( ثم أنشأنا من بعدهم قرنا ) قوما ( آخرين ) هم عاد
32. ( فأرسلنا فيهم رسولا منهم ) هودا ( أن ) بأن ( اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون ) عقابه فتؤمنوا
33. ( وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة ) بالمصير إليها ( وأترفناهم ) نعمناهم ( في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون )
34. والله ( ولئن أطعتم بشرا مثلكم ) فيه قسم وشرط والجواب لأولهما وهو مغن عن جواب الثاني ( إنكم إذا ) أي إذا أطعتموه ( لخاسرون ) أي مغبونون
35. ( أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون ) هو خبر أنكم الأولى وأنكم الثانية تأكيد لها لما طال الفصل
36. ( هيهات هيهات ) اسم فعل ماض بمعنى مصدر أي بعد بعد ( لما توعدون ) من الإخراج من القبور والام زائدة للبيان
37. ( إن هي ) ما الحياة ( إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ) بحياة آبائنا ( وما نحن بمبعوثين )
38. ( إن هو ) ما الرسول ( إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين ) مصدقين بالبعث بعد الموت
39. ( قال رب انصرني بما كذبون )
40. ( قال عما قليل ) من الزمان وما زائدة ( ليصبحن ) ليصيرن ( نادمين ) على كفرهم وتكذيبهم
41. ( فأخذتهم الصيحة ) صيحة العذاب والهلاك كائنة ( بالحق ) فماتوا ( فجعلناهم غثاء ) وهو نبت يبس أي صيرناهم مثله في اليبس ( فبعدا ) من الرحمة ( للقوم الظالمين ) المكذبين
42. ( ثم أنشأنا من بعدهم قرونا ) أقواما ( آخرين )
43. ( ما تسبق من أمة أجلها ) بأن تموت قبله ( وما يستأخرون ) عنه ذكر الضمير بعد تأنيثه رعاية للمعنى
44. ( ثم أرسلنا رسلنا تترا ) بالتنوين وعدمه متتابعين بين كل اثنين زمان طويل ( كلما جاء أمة ) بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية بينهما وبين الواو ( رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا ) في الهلاك ( وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون )
45. ( ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين ) حجة بينة وهي اليد والعصا وغيرهما من الآيات
46. ( إلى فرعون وملئه فاستكبروا ) عن الإيمان بها والله ( وكانوا قوما عالين ) قاهرين بني إسرائيل بالظلم
47. ( فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون ) مطيعون خاضعون
48. ( فكذبوهما فكانوا من المهلكين )
49. ( ولقد آتينا موسى الكتاب ) التوراة ( لعلهم ) قومه بني إسرائيل ( يهتدون ) به من الضلالة واوتيها بعد هلاك فرعون وقومه جملة واحدة
50. ( وجعلنا ابن مريم ) عيسى ( وأمه آية ) لم يقل آيتين لأن الآية فيها واحدة ولادته من غير فحل ( وآويناهما إلى ربوة ) مكان مرتفع وهو البيت المقدس أو دمشق أو فلسطين أقوال ( ذات قرار ) أي مستوية يستقر عليها ساكنوها ( ومعين ) ماء جار ظاهر تراه العيون
51. ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات ) الحلالات ( واعملوا صالحا ) من فرض ونفل ( إني بما تعملون عليم ) فأجازيكم عليه
52. واعلموا ( وإن هذه ) ملة الإسلام ( أمتكم ) دينكم أيها المخاطبون يجب أن تكونوا عليها ( أمة واحدة ) حال لازمة وفي قراءة بتخفيف النون وفي أخرى بكسرها مشددة استئنافا ( وأنا ربكم فاتقون ) فاحذرون
53. ( فتقطعوا ) أي الأتباع ( أمرهم ) دينهم ( بينهم زبرا ) حال من فاعل تقطعوا أي أحزابا متخالفين كاليهود والنصارى وغيرهم ( كل حزب بما لديهم ) عندهم من الدين ( فرحون ) مسرورين
54. ( فذرهم ) اترك كفار مكة ( في غمرتهم ) ضلالتهم ( حتى حين ) إلى حين موتهم
55. ( أيحسبون أنما نمدهم به ) نعطيهم ( من مال وبنين ) في الدنيا
56. ( نسارع ) نعجل ( لهم في الخيرات ) لا ( بل لا يشعرون ) أن ذلك استدراج لهم
57. ( إن الذين هم من خشية ربهم ) خوفهم منه ( مشفقون ) خائفون من عذابه
58. ( والذين هم بآيات ربهم ) القرآن ( يؤمنون ) يصدقون
59. ( والذين هم بربهم لا يشركون ) معه غيره
60. ( والذين يؤتون ) يعطون ( ما آتوا ) أعطوا من الصدقة والأعمال الصالحة ( وقلوبهم وجلة ) خائفة أن لا تقبل منهم ( أنهم ) يقدر قبله لام الجر ( إلى ربهم راجعون )
61. ( أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ) في علم الله
62. ( ولا نكلف نفسا إلا وسعها ) طاقتها فمن لم يستطع أن يصلي قائما فليصلي جالسا ومن لم يستطع أن يصوم فليأكل ( ولدينا ) عندنا ( كتاب ينطق بالحق ) بما عملته وهو اللوح المحفوظ تسطر فيه الأعمال ( وهم ) أي النفوس العاملة ( لا يظلمون ) شيئا منها فلا ينقص من ثواب أعمال الخيرات ولا يزاد في السيئات
63. ( بل قلوبهم ) أي الكفار ( في غمرة ) جهالة ( من هذا ) القرآن ( ولهم أعمال من دون ذلك ) المذكون للمؤمنين ( هم لها عاملون ) فيعذبون عليها
64. ( حتى ) ابتدائية ( إذا أخذنا مترفيهم ) أغنياءهم ورؤساءهم ( بالعذاب ) السيف يوم بدر ( إذا هم يجأرون ) يضجون يقال لهم
65. ( لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون ) لا تمنعون
66. ( قد كانت آياتي ) من القرآن ( تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون ) ترجعون القهقرى
67. ( مستكبرين ) عن الإيمان ( به ) أي بالبيت أو الحرم بأنهم أهله في أمن بخلاف سائر الناس في مواطنهم ( سامرا ) حال أي جماعة يتحدثون بالليل حول البيت ( تهجرون ) من الثلاثي تتركون القرآن ومن الرباعي أي تقولون غير الحق في النبي والقرآن
68. ( أفلم يدبروا ) أصله بتدبروا فادغمت التاء في الدال ( القول ) أي القرآن الدال على صدق النبي ( أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين )
69. ( أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون )
70. ( أم يقولون به جنة ) الاستفهام فيه للتقرير بالحق من صدق النبي ومجيء الرسل للامم الماضية ومعرفة رسولهم بالصدق والأمانة وأن لا جنون به ( بل ) للانتقال ( جاءهم بالحق ) أي القرآن المشتمل على التوحيد وشرائع الإسلام ( وأكثرهم للحق كارهون )
71. ( ولو اتبع الحق ) أي القرآن ( أهواءهم ) بأن جاء بما يهوونه من الشريك والولد لله تعالى الله عن ذلك ( لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ) خرجت عن نظامها المشاهد لوجود التمانع في الشيء عادة عند تعدد الحاكم ( بل أتيناهم بذكرهم ) القرآن الذي فيه ذكرهم وشرفهم ( فهم عن ذكرهم معرضون )
72. ( أم تسألهم خرجا ) أجرا على ما جئتهم به من الإيمان ( فخراج ربك ) أجره وثوابه ورزقه ( خير ) وفي قراءة خرجا في الموضعين وفي قراءة أخرى خراجا فيهما ( وهو خير الرازقين ) أفضل من أعطى وآجر
73. ( وإنك لتدعوهم إلى صراط ) طريق ( مستقيم ) دين الإسلام
74. ( وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة ) بالبعث والثواب والعقاب ( عن الصراط ) الطريق ( لناكبون ) عادلون
75. ( ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر ) جوع أصابهم بمكة سبع سنين ( للجوا ) تمادوا ( في طغيانهم ) ضلالتهم ( يعمهون ) يترددون
76. ( ولقد أخذناهم بالعذاب ) الجوع ( فما استكانوا ) تواضعوا ( لربهم وما يتضرعون ) يرغبون إلى الله بالدعاء
77. ( حتى ) ابتدائية ( إذا فتحنا عليهم بابا ذا ) صاحب ( عذاب شديد ) هو يوم بدر بالقتل ( إذا هم فيه مبلسون ) آيسون من كل خير
78. ( وهو الذي أنشأ ) خلق ( لكم السمع ) بمعنى الأسماع ( والأبصار والأفئدة ) القلوب ( قليلا ما ) تأكيد للقلة ( تشكرون )
79. ( وهو الذي ذرأكم ) خلقكم ( في الأرض وإليه تحشرون ) تبعثون
80. ( وهو الذي يحيي ) بنفخ الروح في المضغة ( ويميت وله اختلاف الليل والنهار ) بالسواد والبياض والزيادة والنقصان ( أفلا تعقلون ) صنعه تعالى فتعتبروا
81. ( بل قالوا مثل ما قال الأولون )
82. ( قالوا ) الأولون ( أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ) لا وفي الهمزتين في الموضعين التحقيق وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين
83. ( لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا ) البعث بعد الموت ( من قبل إن ) ما ( هذا إلا أساطير ) أكاذيب ( الأولين ) كالأضاحيك والأعاجيب جمع أسطورة بالضم
84. ( قل ) لهم ( لمن الأرض ومن فيها ) من الخلق ( إن كنتم تعلمون ) خالقها ومالكها
85. ( سيقولون لله قل ) لهم ( أفلا تذكرون ) بإدغام التاء الثانية في الذال تتعظون فتعلموا أن القادر على الخلق ابتداء قادر على الإحياء بعد الموت
86. ( قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ) الكرسي
87. ( سيقولون لله قل أفلا تتقون ) تحذرون عبادة غيره
88. ( قل من بيده ملكوت ) ملك ( كل شيء ) والتاء للمبالغة ( وهو يجير ولا يجار عليه ) يحمي ولا يحمى عليه ( إن كنتم تعلمون )
89. ( سيقولون لله ) وفي قراءة لله بلام الجر في الموضعين نظرا إلى أن المعنى من له ما ذكر ( قل فأنى تسحرون ) تخدعون وتصرفون عن الحق عبادة الله وحده أي كيف تخيل لكم أنه باطل
90. ( بل أتيناهم بالحق ) بالصدق ( وإنهم لكاذبون ) في نفيه وهو
91. ( ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا ) لو كان معه إله ( لذهب كل إله بما خلق ) انفرد به ومنع الآخر من الاستيلاء عليه ( ولعلا بعضهم على بعض ) مغالبة كفعل ملوك الدنيا ( سبحان الله ) تنزيها له ( عما يصفون ) به مما ذكر
92. ( عالم الغيب والشهادة ) ما غاب وما شوهد بالجر صفة والرفع خبر هو مقدرا ( فتعالى ) تعظم ( عما يشركون ) معه
93. ( قل رب إما ) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما الزائدة ( تريني ما يوعدون ) ـه من العذاب هو صادق بالقتل ببدر
94. ( رب فلا تجعلني في القوم الظالمين ) فأهلك بإهلاكهم
95. ( وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون )
96. ( ادفع بالتي هي أحسن ) أي الخصلة من الصفح والإعراض عنهم ( السيئة ) أذاهم إياك وهذا قبل الأمر بالقتال ( نحن أعلم بما يصفون ) يكذبون ويقولون فنجازيهم عليه
97. ( وقل رب أعوذ ) اعتصم ( بك من همزات الشياطين ) نزعاتهم بما يوسوسون به
98. ( وأعوذ بك رب أن يحضرون ) في أموري لأنهم إنما يحضرون بسوء
99. ( حتى ) ابتدائية ( إذا جاء أحدهم الموت ) ورأى مقعده من النار ومقعده من الجنة لو آمن ( قال رب ارجعون ) الجمع للتعظيم
100. ( لعلي أعمل صالحا ) بأن أشهد أن لا إله إلا الله يكون ( فيما تركت ) ضيعت من عمري أي في مقابلته قال تعالى ( كلا ) أي لا رجوع ( إنها ) أي رب ارجعون ( كلمة هو قائلها ) ولا فائدة له فيها ( ومن ورائهم ) أمامهم ( برزخ ) حاجز يصدهم عن الرجوع ( إلى يوم يبعثون ) ولا رجوع بعده
101. ( فإذا نفخ في الصور ) القرن النفخة الأولى أو الثانية ( فلا أنساب بينهم يومئذ ) يتفاخرون بها ( ولا يتساءلون ) عنها خلاف حالهم في الدنيا لما يشغلهم من عظم الأمر عن ذلك في بعض مواطن القيامة وفي بعضها يفيقون وفي آية فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون
102. ( فمن ثقلت موازينه ) بالحسنات ( فأولئك هم المفلحون ) الفائزون
103. ( ومن خفت موازينه ) بالسيئات ( فأولئك الذين خسروا أنفسهم ) فهم ( في جهنم خالدون )
104. ( تلفح وجوههم النار ) تحرقها ( وهم فيها كالحون ) شمرت شفاههم العليا والسفلى عن أسنانهم ويقال لهم
105. ( ألم تكن آياتي ) من القرآن ( تتلى عليكم ) تخوفون بها ( فكنتم بها تكذبون )
106. ( قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا ) وفي قراءة شقاوتنا بفتح أوله وألف وهما مصدران بمعنى ( وكنا قوما ضالين ) عن الهدية
107. ( ربنا أخرجنا منها فإن عدنا ) إلى المخالفة ( فإنا ظالمون )
108. ( قال ) لهم بلسان مالك بعد قدر الدنيا مرتين ( اخسئوا فيها ) ابعدوا في النار اذلاء ( ولا تكلمون ) في رفع العذاب عنكم فينقطع رجاؤهم
109. ( إنه كان فريق من عبادي ) هم المهاجرون ( يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين )
110. ( فاتخذتموهم سخريا ) بضم السين وكسرها مصدر بمعنى الهزء منهم بلال وصهيب وعمار وسلمان ( حتى أنسوكم ذكري ) فتركتموه لاشتغالكم بالاستهزاء بهم فهم سبب الإنساء فنسب إليهم ( وكنتم منهم تضحكون )
111. ( إني جزيتهم اليوم ) النعيم المقيم ( بما صبروا ) على استهزائهم بهم وأذاكم إياهم ( أنهم ) بكسر الهمزة استئناف وبفتحها مفعول ثان لجزيتهم ( هم الفائزون ) بمطلوبهم
112. ( قال ) تعالى لهم بلسان مالك وفي قراءة قل ( كم لبثتم في الأرض ) في الدنيا وفي قبوركم ( عدد سنين ) تمييز
113. ( قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ) شكوا في ذلك واستقصروه لعظم ما هم فيه من العذاب ( فاسأل العادين ) الملائكة المحصين أعمال الخلق
114. ( قال ) تعالى بلسان مالك وفي قراءة أيضا قل ( إن ) ما ( لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون ) مقدار لبثكم من الطول كان قليلا بالنسبة إلى لبثكم في النار
115. ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ) لا لحكمة ( وأنكم إلينا لا ترجعون ) بالبناء للفاعل وللمفعول لا بل لنتعبدكم بالأمر والنهي وترجعون إلينا ونجازي على ذلك وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون
116. ( فتعالى الله ) عن العبث وغيره مما لا يليق به ( الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ) الكرسي الحسن
117. ( ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به ) صفة كاشفة لا مفهوم لها ( فإنما حسابه ) جزاؤه ( عند ربه إنه لا يفلح الكافرون ) لا يسعدون
118. ( وقل رب اغفر وارحم ) المؤمنين في الرحمة زيادة عن المغفرة ( وأنت خير الراحمين ) أفضل راحم
1. ( قد ) للتحقيق ( أفلح ) فاز ( المؤمنون )
2. ( الذين هم في صلاتهم خاشعون ) متواضعون
3. ( والذين هم عن اللغو ) من الكلام وغيره ( معرضون )
4. ( والذين هم للزكاة فاعلون ) مؤدون
5. ( والذين هم لفروجهم حافظون ) عن الحرام
6. ( إلا على أزواجهم ) أي من زوجاتهم ( أو ما ملكت أيمانهم ) أي السراري ( فإنهم غير ملومين ) في إتيانهن
7. ( فمن ابتغى وراء ذلك ) من الزوجات والسراري كالاستمناء بيده في اتيانهن ( فأولئك هم العادون ) المتجاوزون إلى ما لا يحل لهم
8. ( والذين هم لأماناتهم ) جمعا ومفردا ( وعهدهم ) فيما بينهم أو فيما بينهم وبين الله من صلاة وغيرها ( راعون ) حافظون
9. ( والذين هم على صلواتهم ) جميعا ومفردا ( يحافظون ) يقيمونها في أوقاتها
10. ( أولئك هم الوارثون ) لا غيرهم
11. ( الذين يرثون الفردوس ) هو جنة أعلى الجنان ( هم فيها خالدون ) في ذلك إشارة إلى المعاد ويناسبه ذكر المبدأ بعده
12. والله ( ولقد خلقنا الإنسان ) آدم ( من سلالة ) هي من سللت الشيء من الشيء أي استخرجته منه وهو خلاصته ( من طين ) متعلق بسلالة
13. ( ثم جعلناه ) أي الإنسان نسل آدم ( نطفة ) منيا ( في قرار مكين ) هو الرحم
14. ( ثم خلقنا النطفة علقة ) دما جامدا ( فخلقنا العلقة مضغة ) لحمة قدر ما يمضغ ( فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ) وفي قراءة عظما في الموضعين وخلقنا في المواضع الثلاث بمعنى صيرنا ( ثم أنشأناه خلقا آخر ) بنفخ الروح فيه ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) أي المقدرين ومميز أحسن محذوف للعلم به أي خلقا
15. ( ثم إنكم بعد ذلك لميتون )
16. ( ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ) للحساب والجزاء
17. ( ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق ) أي سموات جمع طريقة لأنها طرق الملائكة ( وما كنا عن الخلق ) التي تحتها ( غافلين ) أن تسقط عليهم فتهلكهم بل نمسكها كآية ويمسك السماء أن تقع على الأرض
18. ( وأنزلنا من السماء ماء بقدر ) من كفايتهم ( فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون ) فيموتون مع دوابهم عطشا
19. ( فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب ) هما أكثر فواكه العرب ( لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون ) صيفا وشتاء
20. وأنشأنا ( وشجرة تخرج من طور سيناء ) جبل بكسر السين وفتحها ومنع الصرف للعلمية والتأنيث للبقعة ( تنبت ) من الرباعي والثلاثي ( بالدهن ) الباء زائدة على الأول ومعدية على الثاني وهي شجرة الزيتون ( وصبغ للآكلين ) عطف على الدهن أي إدام يصبغ اللقمة بغمسها فيه وهو الزيت
21. ( وإن لكم في الأنعام ) الإبل والبقر والغنم ( لعبرة ) عظة تعتبرون بها ( نسقيكم ) بفتح النون وضمها ( مما في بطونها ) أي اللبن ( ولكم فيها منافع كثيرة ) من الأصواف والأوبار والأشعار وغير ذلك ( ومنها تأكلون )
22. ( وعليها ) الإبل ( وعلى الفلك ) السفن ( تحملون )
23. ( ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ) أطيعوا الله ووحدوه ( ما لكم من إله غيره ) وهو اسم ما وما قبله الخبر ومن زائدة ( أفلا تتقون ) تخافون عقوبته بعبادتكم غيره
24. ( فقال الملأ الذين كفروا من قومه ) لأتباعهم ( ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل ) يتشرف ( عليكم ) بأن يكون متبوعا وأنتم أتباعه ( ولو شاء الله ) أن لا يعبد غيره ( لأنزل ملائكة ) بذلك لابشرا ( ما سمعنا بهذا ) الذي دعا إليه نوح من التوحيد ( في آبائنا الأولين ) الأمم الماضية
25. ( إن هو ) ما نوح ( إلا رجل به جنة ) حالة جنون ( فتربصوا به ) انتظروه ( حتى حين ) إلى زمن موته
26. ( قال ) نوح ( رب انصرني ) عليهم ( بما كذبون ) بسبب تكذيبهم إياي بأن تهلكهم قال تعالى مجيبا دعاءه
27. ( فأوحينا إليه أن اصنع الفلك ) السفينة ( بأعيننا ) بمرأى منا وحفظنا ( ووحينا ) أمرنا ( فإذا جاء أمرنا ) بإهلاكهم ( وفار التنور ) للخباز بالماء وكان ذلك علامة لنوح ( فاسلك فيها ) أدخل في السفينة ( من كل زوجين ) ذكر وأنثى أي من كل أنواعهما ( اثنين ) ذكرا وأنثى وهو مفعول ومن متعلقة باسلك وفي القصة أن الله تعالى حشر لنوح السباع والطير وغيرهما فجعل يضرب بيديه في كل نوع فتقع يده اليمنى على الذكر واليسرى على الأنثى فيحملها في السفينة وفي قراءة كل بالتنوين فزوجين مفعول واثنين تاكيد له ( وأهلك ) زوجته وأولاده ( إلا من سبق عليه القول منهم ) بالإهلاك وهو زوجته وولده كنعان بخلاف سام وحام ويافث فحملهم وزوجاتهم ثلاثة وفي سورة هود ومن آمن وما آمن معه إلا قليل قيل كانوا ستة رجال ونساؤهم وقيل جميع من كان في السفينة ثمانية وسبعون نصفهم رجال ونصفهم نساء ( ولا تخاطبني في الذين ظلموا ) كفروا بترك إهلاكهم ( إنهم مغرقون )
28. ( فإذا استويت ) اعتدلت ( أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين ) الكافرين وإهلاكهم
29. ( وقل ) عند نزولك من الفلك ( رب أنزلني منزلا ) بضم المبم وفتح الزاي مصدر واسم مكان وبفتح الميم وكسر الزاي مكان النزول ( مباركا ) ذلك الإنزال أو المكان ( وأنت خير المنزلين ) ما ذكر
30. ( إن في ذلك ) المذكور من أمر نوح والسفينة وإهلاك الكفار ( لآيات ) دلالات على قدرة الله تعالى ( وإن ) مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ( كنا لمبتلين ) مختبرين قوم نوح بإرساله إليهم ووعظه
31. ( ثم أنشأنا من بعدهم قرنا ) قوما ( آخرين ) هم عاد
32. ( فأرسلنا فيهم رسولا منهم ) هودا ( أن ) بأن ( اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون ) عقابه فتؤمنوا
33. ( وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة ) بالمصير إليها ( وأترفناهم ) نعمناهم ( في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون )
34. والله ( ولئن أطعتم بشرا مثلكم ) فيه قسم وشرط والجواب لأولهما وهو مغن عن جواب الثاني ( إنكم إذا ) أي إذا أطعتموه ( لخاسرون ) أي مغبونون
35. ( أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون ) هو خبر أنكم الأولى وأنكم الثانية تأكيد لها لما طال الفصل
36. ( هيهات هيهات ) اسم فعل ماض بمعنى مصدر أي بعد بعد ( لما توعدون ) من الإخراج من القبور والام زائدة للبيان
37. ( إن هي ) ما الحياة ( إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ) بحياة آبائنا ( وما نحن بمبعوثين )
38. ( إن هو ) ما الرسول ( إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين ) مصدقين بالبعث بعد الموت
39. ( قال رب انصرني بما كذبون )
40. ( قال عما قليل ) من الزمان وما زائدة ( ليصبحن ) ليصيرن ( نادمين ) على كفرهم وتكذيبهم
41. ( فأخذتهم الصيحة ) صيحة العذاب والهلاك كائنة ( بالحق ) فماتوا ( فجعلناهم غثاء ) وهو نبت يبس أي صيرناهم مثله في اليبس ( فبعدا ) من الرحمة ( للقوم الظالمين ) المكذبين
42. ( ثم أنشأنا من بعدهم قرونا ) أقواما ( آخرين )
43. ( ما تسبق من أمة أجلها ) بأن تموت قبله ( وما يستأخرون ) عنه ذكر الضمير بعد تأنيثه رعاية للمعنى
44. ( ثم أرسلنا رسلنا تترا ) بالتنوين وعدمه متتابعين بين كل اثنين زمان طويل ( كلما جاء أمة ) بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية بينهما وبين الواو ( رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا ) في الهلاك ( وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون )
45. ( ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين ) حجة بينة وهي اليد والعصا وغيرهما من الآيات
46. ( إلى فرعون وملئه فاستكبروا ) عن الإيمان بها والله ( وكانوا قوما عالين ) قاهرين بني إسرائيل بالظلم
47. ( فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون ) مطيعون خاضعون
48. ( فكذبوهما فكانوا من المهلكين )
49. ( ولقد آتينا موسى الكتاب ) التوراة ( لعلهم ) قومه بني إسرائيل ( يهتدون ) به من الضلالة واوتيها بعد هلاك فرعون وقومه جملة واحدة
50. ( وجعلنا ابن مريم ) عيسى ( وأمه آية ) لم يقل آيتين لأن الآية فيها واحدة ولادته من غير فحل ( وآويناهما إلى ربوة ) مكان مرتفع وهو البيت المقدس أو دمشق أو فلسطين أقوال ( ذات قرار ) أي مستوية يستقر عليها ساكنوها ( ومعين ) ماء جار ظاهر تراه العيون
51. ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات ) الحلالات ( واعملوا صالحا ) من فرض ونفل ( إني بما تعملون عليم ) فأجازيكم عليه
52. واعلموا ( وإن هذه ) ملة الإسلام ( أمتكم ) دينكم أيها المخاطبون يجب أن تكونوا عليها ( أمة واحدة ) حال لازمة وفي قراءة بتخفيف النون وفي أخرى بكسرها مشددة استئنافا ( وأنا ربكم فاتقون ) فاحذرون
53. ( فتقطعوا ) أي الأتباع ( أمرهم ) دينهم ( بينهم زبرا ) حال من فاعل تقطعوا أي أحزابا متخالفين كاليهود والنصارى وغيرهم ( كل حزب بما لديهم ) عندهم من الدين ( فرحون ) مسرورين
54. ( فذرهم ) اترك كفار مكة ( في غمرتهم ) ضلالتهم ( حتى حين ) إلى حين موتهم
55. ( أيحسبون أنما نمدهم به ) نعطيهم ( من مال وبنين ) في الدنيا
56. ( نسارع ) نعجل ( لهم في الخيرات ) لا ( بل لا يشعرون ) أن ذلك استدراج لهم
57. ( إن الذين هم من خشية ربهم ) خوفهم منه ( مشفقون ) خائفون من عذابه
58. ( والذين هم بآيات ربهم ) القرآن ( يؤمنون ) يصدقون
59. ( والذين هم بربهم لا يشركون ) معه غيره
60. ( والذين يؤتون ) يعطون ( ما آتوا ) أعطوا من الصدقة والأعمال الصالحة ( وقلوبهم وجلة ) خائفة أن لا تقبل منهم ( أنهم ) يقدر قبله لام الجر ( إلى ربهم راجعون )
61. ( أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ) في علم الله
62. ( ولا نكلف نفسا إلا وسعها ) طاقتها فمن لم يستطع أن يصلي قائما فليصلي جالسا ومن لم يستطع أن يصوم فليأكل ( ولدينا ) عندنا ( كتاب ينطق بالحق ) بما عملته وهو اللوح المحفوظ تسطر فيه الأعمال ( وهم ) أي النفوس العاملة ( لا يظلمون ) شيئا منها فلا ينقص من ثواب أعمال الخيرات ولا يزاد في السيئات
63. ( بل قلوبهم ) أي الكفار ( في غمرة ) جهالة ( من هذا ) القرآن ( ولهم أعمال من دون ذلك ) المذكون للمؤمنين ( هم لها عاملون ) فيعذبون عليها
64. ( حتى ) ابتدائية ( إذا أخذنا مترفيهم ) أغنياءهم ورؤساءهم ( بالعذاب ) السيف يوم بدر ( إذا هم يجأرون ) يضجون يقال لهم
65. ( لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون ) لا تمنعون
66. ( قد كانت آياتي ) من القرآن ( تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون ) ترجعون القهقرى
67. ( مستكبرين ) عن الإيمان ( به ) أي بالبيت أو الحرم بأنهم أهله في أمن بخلاف سائر الناس في مواطنهم ( سامرا ) حال أي جماعة يتحدثون بالليل حول البيت ( تهجرون ) من الثلاثي تتركون القرآن ومن الرباعي أي تقولون غير الحق في النبي والقرآن
68. ( أفلم يدبروا ) أصله بتدبروا فادغمت التاء في الدال ( القول ) أي القرآن الدال على صدق النبي ( أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين )
69. ( أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون )
70. ( أم يقولون به جنة ) الاستفهام فيه للتقرير بالحق من صدق النبي ومجيء الرسل للامم الماضية ومعرفة رسولهم بالصدق والأمانة وأن لا جنون به ( بل ) للانتقال ( جاءهم بالحق ) أي القرآن المشتمل على التوحيد وشرائع الإسلام ( وأكثرهم للحق كارهون )
71. ( ولو اتبع الحق ) أي القرآن ( أهواءهم ) بأن جاء بما يهوونه من الشريك والولد لله تعالى الله عن ذلك ( لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ) خرجت عن نظامها المشاهد لوجود التمانع في الشيء عادة عند تعدد الحاكم ( بل أتيناهم بذكرهم ) القرآن الذي فيه ذكرهم وشرفهم ( فهم عن ذكرهم معرضون )
72. ( أم تسألهم خرجا ) أجرا على ما جئتهم به من الإيمان ( فخراج ربك ) أجره وثوابه ورزقه ( خير ) وفي قراءة خرجا في الموضعين وفي قراءة أخرى خراجا فيهما ( وهو خير الرازقين ) أفضل من أعطى وآجر
73. ( وإنك لتدعوهم إلى صراط ) طريق ( مستقيم ) دين الإسلام
74. ( وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة ) بالبعث والثواب والعقاب ( عن الصراط ) الطريق ( لناكبون ) عادلون
75. ( ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر ) جوع أصابهم بمكة سبع سنين ( للجوا ) تمادوا ( في طغيانهم ) ضلالتهم ( يعمهون ) يترددون
76. ( ولقد أخذناهم بالعذاب ) الجوع ( فما استكانوا ) تواضعوا ( لربهم وما يتضرعون ) يرغبون إلى الله بالدعاء
77. ( حتى ) ابتدائية ( إذا فتحنا عليهم بابا ذا ) صاحب ( عذاب شديد ) هو يوم بدر بالقتل ( إذا هم فيه مبلسون ) آيسون من كل خير
78. ( وهو الذي أنشأ ) خلق ( لكم السمع ) بمعنى الأسماع ( والأبصار والأفئدة ) القلوب ( قليلا ما ) تأكيد للقلة ( تشكرون )
79. ( وهو الذي ذرأكم ) خلقكم ( في الأرض وإليه تحشرون ) تبعثون
80. ( وهو الذي يحيي ) بنفخ الروح في المضغة ( ويميت وله اختلاف الليل والنهار ) بالسواد والبياض والزيادة والنقصان ( أفلا تعقلون ) صنعه تعالى فتعتبروا
81. ( بل قالوا مثل ما قال الأولون )
82. ( قالوا ) الأولون ( أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ) لا وفي الهمزتين في الموضعين التحقيق وتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما على الوجهين
83. ( لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا ) البعث بعد الموت ( من قبل إن ) ما ( هذا إلا أساطير ) أكاذيب ( الأولين ) كالأضاحيك والأعاجيب جمع أسطورة بالضم
84. ( قل ) لهم ( لمن الأرض ومن فيها ) من الخلق ( إن كنتم تعلمون ) خالقها ومالكها
85. ( سيقولون لله قل ) لهم ( أفلا تذكرون ) بإدغام التاء الثانية في الذال تتعظون فتعلموا أن القادر على الخلق ابتداء قادر على الإحياء بعد الموت
86. ( قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ) الكرسي
87. ( سيقولون لله قل أفلا تتقون ) تحذرون عبادة غيره
88. ( قل من بيده ملكوت ) ملك ( كل شيء ) والتاء للمبالغة ( وهو يجير ولا يجار عليه ) يحمي ولا يحمى عليه ( إن كنتم تعلمون )
89. ( سيقولون لله ) وفي قراءة لله بلام الجر في الموضعين نظرا إلى أن المعنى من له ما ذكر ( قل فأنى تسحرون ) تخدعون وتصرفون عن الحق عبادة الله وحده أي كيف تخيل لكم أنه باطل
90. ( بل أتيناهم بالحق ) بالصدق ( وإنهم لكاذبون ) في نفيه وهو
91. ( ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا ) لو كان معه إله ( لذهب كل إله بما خلق ) انفرد به ومنع الآخر من الاستيلاء عليه ( ولعلا بعضهم على بعض ) مغالبة كفعل ملوك الدنيا ( سبحان الله ) تنزيها له ( عما يصفون ) به مما ذكر
92. ( عالم الغيب والشهادة ) ما غاب وما شوهد بالجر صفة والرفع خبر هو مقدرا ( فتعالى ) تعظم ( عما يشركون ) معه
93. ( قل رب إما ) فيه إدغام نون إن الشرطية في ما الزائدة ( تريني ما يوعدون ) ـه من العذاب هو صادق بالقتل ببدر
94. ( رب فلا تجعلني في القوم الظالمين ) فأهلك بإهلاكهم
95. ( وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون )
96. ( ادفع بالتي هي أحسن ) أي الخصلة من الصفح والإعراض عنهم ( السيئة ) أذاهم إياك وهذا قبل الأمر بالقتال ( نحن أعلم بما يصفون ) يكذبون ويقولون فنجازيهم عليه
97. ( وقل رب أعوذ ) اعتصم ( بك من همزات الشياطين ) نزعاتهم بما يوسوسون به
98. ( وأعوذ بك رب أن يحضرون ) في أموري لأنهم إنما يحضرون بسوء
99. ( حتى ) ابتدائية ( إذا جاء أحدهم الموت ) ورأى مقعده من النار ومقعده من الجنة لو آمن ( قال رب ارجعون ) الجمع للتعظيم
100. ( لعلي أعمل صالحا ) بأن أشهد أن لا إله إلا الله يكون ( فيما تركت ) ضيعت من عمري أي في مقابلته قال تعالى ( كلا ) أي لا رجوع ( إنها ) أي رب ارجعون ( كلمة هو قائلها ) ولا فائدة له فيها ( ومن ورائهم ) أمامهم ( برزخ ) حاجز يصدهم عن الرجوع ( إلى يوم يبعثون ) ولا رجوع بعده
101. ( فإذا نفخ في الصور ) القرن النفخة الأولى أو الثانية ( فلا أنساب بينهم يومئذ ) يتفاخرون بها ( ولا يتساءلون ) عنها خلاف حالهم في الدنيا لما يشغلهم من عظم الأمر عن ذلك في بعض مواطن القيامة وفي بعضها يفيقون وفي آية فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون
102. ( فمن ثقلت موازينه ) بالحسنات ( فأولئك هم المفلحون ) الفائزون
103. ( ومن خفت موازينه ) بالسيئات ( فأولئك الذين خسروا أنفسهم ) فهم ( في جهنم خالدون )
104. ( تلفح وجوههم النار ) تحرقها ( وهم فيها كالحون ) شمرت شفاههم العليا والسفلى عن أسنانهم ويقال لهم
105. ( ألم تكن آياتي ) من القرآن ( تتلى عليكم ) تخوفون بها ( فكنتم بها تكذبون )
106. ( قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا ) وفي قراءة شقاوتنا بفتح أوله وألف وهما مصدران بمعنى ( وكنا قوما ضالين ) عن الهدية
107. ( ربنا أخرجنا منها فإن عدنا ) إلى المخالفة ( فإنا ظالمون )
108. ( قال ) لهم بلسان مالك بعد قدر الدنيا مرتين ( اخسئوا فيها ) ابعدوا في النار اذلاء ( ولا تكلمون ) في رفع العذاب عنكم فينقطع رجاؤهم
109. ( إنه كان فريق من عبادي ) هم المهاجرون ( يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين )
110. ( فاتخذتموهم سخريا ) بضم السين وكسرها مصدر بمعنى الهزء منهم بلال وصهيب وعمار وسلمان ( حتى أنسوكم ذكري ) فتركتموه لاشتغالكم بالاستهزاء بهم فهم سبب الإنساء فنسب إليهم ( وكنتم منهم تضحكون )
111. ( إني جزيتهم اليوم ) النعيم المقيم ( بما صبروا ) على استهزائهم بهم وأذاكم إياهم ( أنهم ) بكسر الهمزة استئناف وبفتحها مفعول ثان لجزيتهم ( هم الفائزون ) بمطلوبهم
112. ( قال ) تعالى لهم بلسان مالك وفي قراءة قل ( كم لبثتم في الأرض ) في الدنيا وفي قبوركم ( عدد سنين ) تمييز
113. ( قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ) شكوا في ذلك واستقصروه لعظم ما هم فيه من العذاب ( فاسأل العادين ) الملائكة المحصين أعمال الخلق
114. ( قال ) تعالى بلسان مالك وفي قراءة أيضا قل ( إن ) ما ( لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون ) مقدار لبثكم من الطول كان قليلا بالنسبة إلى لبثكم في النار
115. ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ) لا لحكمة ( وأنكم إلينا لا ترجعون ) بالبناء للفاعل وللمفعول لا بل لنتعبدكم بالأمر والنهي وترجعون إلينا ونجازي على ذلك وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون
116. ( فتعالى الله ) عن العبث وغيره مما لا يليق به ( الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ) الكرسي الحسن
117. ( ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به ) صفة كاشفة لا مفهوم لها ( فإنما حسابه ) جزاؤه ( عند ربه إنه لا يفلح الكافرون ) لا يسعدون
118. ( وقل رب اغفر وارحم ) المؤمنين في الرحمة زيادة عن المغفرة ( وأنت خير الراحمين ) أفضل راحم
صفحة 1 من اصل 4 • 1, 2, 3, 4
مواضيع مماثلة
» تفسير القرآن الكريم .. تفسير بن كثير
» تفسير القرآن الكريم .. تفسير الطبرى
» تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى
» أنواع القلوب فى القرآن الكريم
» انواع المياه في القرآن الكريم
» تفسير القرآن الكريم .. تفسير الطبرى
» تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى
» أنواع القلوب فى القرآن الكريم
» انواع المياه في القرآن الكريم
صفحة 1 من اصل 4
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء ديسمبر 06, 2016 4:24 pm من طرف fola
» د. شريف الصفتى عالم الكيمياء المصرى النابغة
الثلاثاء ديسمبر 06, 2016 4:05 pm من طرف هدى من الله
» قصة سيدنا عزير
الإثنين نوفمبر 14, 2016 11:15 am من طرف سجدة
» ** قصة أبيار على **
الإثنين نوفمبر 14, 2016 10:58 am من طرف بهيرة
» خلو المكان ومرارة الغياب !!!
الإثنين نوفمبر 14, 2016 10:48 am من طرف هدى من الله
» يا حلاوة اللوبيا والارز بالشعرية
الإثنين نوفمبر 14, 2016 10:08 am من طرف بسملة
» طريقة عمل القراقيش المقرمشة و الهشة
الإثنين نوفمبر 14, 2016 10:07 am من طرف هدى من الله
» إعجاز بناء الكعبة
الإثنين نوفمبر 14, 2016 9:43 am من طرف روز
» صفات اليهود فى القرآن الكريم
الإثنين نوفمبر 14, 2016 9:42 am من طرف هدى من الله