روضة البدر
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

روضة البدر
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
روضة البدر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بحـث
 
 

نتائج البحث
 

 


Rechercher بحث متقدم

سحابة الكلمات الدلالية

المواضيع الأخيرة
» فن باعواد الكبريت
تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Emptyالثلاثاء ديسمبر 06, 2016 4:24 pm من طرف fola

» د. شريف الصفتى عالم الكيمياء المصرى النابغة
تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Emptyالثلاثاء ديسمبر 06, 2016 4:05 pm من طرف هدى من الله

» قصة سيدنا عزير
تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Emptyالإثنين نوفمبر 14, 2016 11:15 am من طرف سجدة

» ** قصة أبيار على **
تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Emptyالإثنين نوفمبر 14, 2016 10:58 am من طرف بهيرة

» خلو المكان ومرارة الغياب !!!
تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Emptyالإثنين نوفمبر 14, 2016 10:48 am من طرف هدى من الله

» يا حلاوة اللوبيا والارز بالشعرية
تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Emptyالإثنين نوفمبر 14, 2016 10:08 am من طرف بسملة

» طريقة عمل القراقيش المقرمشة و الهشة
تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Emptyالإثنين نوفمبر 14, 2016 10:07 am من طرف هدى من الله

» إعجاز بناء الكعبة
تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Emptyالإثنين نوفمبر 14, 2016 9:43 am من طرف روز

» صفات اليهود فى القرآن الكريم
تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Emptyالإثنين نوفمبر 14, 2016 9:42 am من طرف هدى من الله

نوفمبر 2024
الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
    123
45678910
11121314151617
18192021222324
252627282930 

اليومية اليومية

التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني




تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

صفحة 15 من اصل 20 الصفحة السابقة  1 ... 9 ... 14, 15, 16 ... 20  الصفحة التالية

اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الخميس أغسطس 15, 2013 9:37 am

تابع تفسير القرطبى لسورة الزمر
============


الآيات: 69 - 70 ( وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون، ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون )

قوله تعالى: « وأشرقت الأرض بنور ربها » إشراقها إضاءتها؛ يقال: أشرقت الشمس إذا أضاءت وشرقت إذا طلعت. ومعنى: « بنور ربها » بعدل ربها؛ قاله الحسن وغيره. وقال الضحاك: بحكم ربها؛ والمعنى واحد؛ أي أنارت وأضاءت بعدل الله وقضائه بالحق بين عباده. والظلم ظلمات والعدل نور. وقيل: إن الله يخلق نورا يوم القيامة يلبسه وجه الأرض فتشرق الأرض به. وقال ابن عباس: النور المذكور ها هنا ليس من نور الشمس والقمر، بل هو نور يخلقه الله فيضيء به الأرض. وروي أن الأرض يومئذ من فضة تشرق بنور الله تعالى حين يأتي لفصل القضاء. والمعنى أنها أشرقت بنور خلقه الله تعالى، فأضاف النور إليه على حد إضافة الملك إلى المالك. وقيل: إنه اليوم الذي يقضي فيه بين خلقه؛ لأنه نهار لا ليل معه. وقرأ ابن عباس وعبيد بن عمير: « وأشرقت الأرض » على ما لم يسم فاعله وهي قراءة على التفسير. وقد ضل قوم ها هنا فتوهموا أن الله عز وجل من جنس النور والضياء المحسوس، وهو متعال عن مشابهة المحسوسات، بل هو منور السماوات والأرض، فمنه كل نور خلقا وإنشاء. وقال أبو جعفر النحاس: وقوله عز وجل: « وأشرقت الأرض بنور ربها » يبين هذا الحديث المرفوع من طرق كثيرة صحاح ( تنظرون إلى الله عز وجل لا تضامون في رؤيته ) وهو يروى على أربعة أوجه: لا تضامون ولا تضارون ولا تضامون ولا تضارون؛ فمعنى ( لا تضامُون ) لا يلحقكم ضيم كما يلحقكم في الدنيا في النظر إلى الملوك. و ( لا تضارُون ) لا يلحقكم ضير. و ( لا تضامُّون ) لا ينضم بعضكم إلى بعض ليسأله أن يريه. و ( لا تضارُّون ) لا يخالف بعضكم بعضا. يقال: ضاره مضارة وضرارا أي خالفه.

قوله تعالى: « ووضع الكتاب » قال ابن عباس: يريد اللوح المحفوظ. وقال قتادة: يريد الكتاب والصحف التي فيها أعمال بني آدم، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله. « وجيء بالنبيين » أي جيء بهم فسألهم عما أجابتهم به أممهم. « والشهداء » الذين شهدوا على الأمم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ كما قال تعالى: « وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس » [ البقرة: 143 ] . وقيل: المراد بالشهداء الذي استشهدوا في سبيل الله، فيشهدون يوم القيامة لمن ذب عن دين الله؛ قاله السدي. قال ابن زيد: هم الحفظة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم. قال الله تعالى: « وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد » [ ق: 21 ] فالسائق يسوقها إلى الحساب والشهيد يشهد عليها، وهو الملك الموكل بالإنسان على ما يأتي بيانه في « ق ] . » وقضي بينهم بالحق « أي بالصدق والعدل. » وهم لا يظلمون « قال سعيد بن جبير: لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم. » ووفيت كل نفس ما عملت « من خير أو شر. » وهو أعلم بما يفعلون « في الدنيا ولا حاجة به عز وجل إلى كتاب ولا إلى شاهد، ومع ذلك فتشهد الكتب، والشهود إلزاما للحجة.»

الآيات: 71 - 72 ( وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين، قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين )

قوله تعالى: « وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا » هذا بيان توفية كل نفس عملها، فيساق الكافر إلى النار والمؤمن إلى الجنة. والزمر: الجماعات واحدتها زمرة كظلمة وغرفة. وقال الأخفش وأبو عبيدة: « زمرا » جماعات متفرقة بعضها إثر بعض. قال الشاعر:

وترى الناس إلى منزله زمرا تنتابه بعد زمر

وقال آخر:

حتى احزألت زمر بعد زمر

وقيل: دفعا وزجرا بصوت كصوت المزمار. « حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها » جواب إذا، وهي سبعة أبواب. وقد مضى في « الحجر » . « وقال لهم خزنتها » واحدهم خازن نحو سدنة وسادن، « ألم يأتكم رسل منكم » يقولون لهم تقريعا وتوبيخا. « ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم » أي الكتب المنزلة على الأنبياء. « وينذرونكم لقاء يومكم هذا » أي يخوفونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى « أي قد جاءتنا، وهذا اعتراف منهم بقيام الحجة عليهم » ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين « وهي قوله تعالى: » لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين « [ السجدة: 13 ] . » قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها « أي يقال لهم ادخلوا جهنم. وقد مضى الكلام في أبوابها. قال وهب: تستقبلهم الزبانية بمقامع من نار فيدفعونهم بمقامعهم، فإنه ليقع في الدفعة الواحدة إلى النار بعدد ربيعة ومضر. » فبئس مثوى المتكبرين « تقدم بيانه.»


الآيات: 73 - 75 ( وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين، وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين، وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين )

قوله تعالى: « وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا » يعني من الشهداء والزهاد والعلماء والقراء وغيرهم، ممن اتقى الله تعالى وعمل بطاعته. وقال في حق الفريقين: « وسيق » بلفظ واحد، فسوق أهل النار طردهم إليها بالخزي والهوان، كما يفعل بالأسارى والخارجين على السلطان إذا سيقوا إلى حبس أو قتل، وسوق أهل الجنان سوق مراكبهم إلى دار الكرامة والرضوان؛ لأنه لا يذهب بهم إلا راكبين كما يفعل بمن يشرف ويكرم من الوافدين على بعض الملوك، فشتان ما بين السوقين. « حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها » قيل: الواو هنا للعطف عطف على جملة والجواب محذوف. قال المبرد: أي سعدوا وفتحت، وحذف الجواب بليغ في كلام العرب. وأنشد:

فلو أنها نفس تموت جميعة ولكنها نفس تساقط أنفسا

فحذف جواب لو والتقدير لكان أروح. وقال الزجاج: « حتى إذا جاؤوها » دخلوها وهو قريب من الأول. وقيل: الواو زائدة. قال الكوفيون وهو خطأ عند البصريين. وقد قيل: إن زيادة الواو دليل على أن الأبواب فتحت لهم قبل أن يأتوا لكرامتهم على الله تعالى، والتقدير حتى إذا جاؤوها وأبوابها مفتحة، بدليل قوله: « جنات عدن مفتحة لهم الأبواب » [ ص: 50 ] وحذف الواو في قصة أهل النار؛ لأنهم وقفوا على النار وفتحت بعد وقوفهم إذلالا وترويعا لهم. ذكره المهدوي وحكى معناه النحاس قبله. قال النحاس: فأما الحكمة في إثبات الواو في الثاني وحذفها من الأول، فقد تكلم فيه بعض أهل العلم بقول لا أعلم أنه سبقه إليه أحد، وهو أنه لما قال الله عز وجل في أهل النار: « حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها » دل بهذا على أنها كانت مغلقة ولما قال في أهل الجنة: « حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها » دل بهذا على أنها كانت مفتحة قبل أن يجيؤوها؛ والله أعلم. وقيل: إنها واو الثمانية. وذلك من عادة قريش أنهم يعدون من الواحد فيقولون خمسة ستة سبعة وثمانية، فإذا بلغوا السبعة قالوا وثمانية. قال أبو بكر بن عياش. قال الله تعالى: « سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام » [ الحاقة: 7 ] وقال: « التائبون العابدون » [ التوبة: 112 ] ثم قال في الثامن: « والناهون عن المنكر » [ التوبة: 112 ] وقال: « ويقولون سبعة وثامنهم » [ الكهف: 22 ] وقال « ثيبات وأبكارا » [ التحريم: 5 ] وقد مضى القول في هذا في « براءة » مستوفى وفي « الكهف » أيضا.

قلت: وقد استدل بهذا من قال إن أبواب الجنة ثمانية؛ وذكروا حديث عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ - أو فيسبغ الوضوء - ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ) خرجه مسلم وغيره. وقد خرج الترمذي حديث عمر هذا وقال فيه: ( فتح له من أبواب الجنة ثمانية أبواب يوم القيامة ) بزيادة من وهو يدل على أن أبواب الجنة أكثر من ثمانية. وقد ذكرنا ذلك في كتاب التذكرة وانتهى عددها إلى ثلاثة عشر بابا، وذكرنا هناك عظم أبوابها وسعتها حسب ما ورد في الحديث من ذلك، فمن أراده وقف عليه هناك.

قوله تعالى: « وقال لهم خزنتها » قيل: الواو ملغاة تقديره حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها « قال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم » أي في الدنيا. قال مجاهد: بطاعة الله. وقيل: بالعمل الصالح. حكاه النقاش والمعنى واحد. وقال مقاتل: إذا قطعوا جسر جهنم حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا وطيبوا قال لهم رضوان وأصحابه: « سلام عليكم » بمعنى التحية « طبتم فادخلوها خالدين » .

قلت: خرج البخاري حديث القنطرة هذا في جامعه من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة فو الذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا ) وحكى النقاش: إن على باب الجنة شجرة ينبع من ساقها عينان يشرب المؤمنون من إحداهما فتطهر أجوافهم وذلك قوله تعالى: « وسقاهم ربهم شرابا طهورا » [ الإنسان: 21 ] ثم يغتسلون من الأخرى فتطيب أبشارهم فعندها يقول لهم خزنتها: « سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين » وهذا يروى معناه عن علي رضي الله عنه.

قوله تعالى: « وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده » أي إذا دخلوا الجنة قالوا هذا. « وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء » أي أرض الجنة قيل: إنهم ورثوا الأرض التي كانت تكون لأهل النار لو كانوا مؤمنين؛ قاله أبو العالية وأبو صالح وقتادة والسدي وأكثر المفسرين وقيل: إنها أرض الدنيا على التقديم والتأخير. « فنعم أجر العاملين » قيل: هو من قولهم أي نعم الثواب هذا. وقيل: هو من قول الله تعالى؛ أي نعم ثواب المحسنين هذا الذي أعطيتهم.

قوله تعالى: « وترى الملائكة » يا محمد « حافين » أي محدقين « من حول العرش » في ذلك اليوم « يسبحون بحمد ربهم » متلذذين بذلك لا متعبدين به؛ أي يصلون حول العرش شكرا لربهم. والحافون أخذ من حافات الشيء ونواحيه. قال الأخفش: واحدهم حاف. وقال الفراء: لا واحد له إذ لا يقع لهم الاسم إلا مجتمعين. ودخلت « من » على « حول » لأنه ظرف والفعل يتعدى إلى الظرف بحرف وبغير حرف. وقال الأخفش: « من » زائدة أي حافين حول العرش. وهو كقولك: ما جاءني من أحد، فمن توكيد. الثعلبي: والعرب تدخل الباء أحيانا في التسبيح وتحذفها أحيانا، فيقولون: سبح بحمد ربك، وسبح حمدا لله؛ قال الله تعالى: « سبح اسم ربك الأعلى » [ الأعلى: 1 ] وقال: « فسبح باسم ربك العظيم » [ الواقعة: 74 ] . « وقضي بينهم بالحق » بين أهل الجنة والنار. وقيل: قضى بين النبيين الذين جيء بهم مع الشهداء وبين أممهم بالحق والعدل. « وقيل الحمد لله رب العالمين » أي يقول المؤمنون الحمد لله على ما أثابنا من نعمه وإحسانه ونصرنا على من ظلمنا. وقال قتادة في هذه الآية: افتتح الله أول الخلق بالحمد لله، فقال: « الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور » [ الأنعام:1 ] وختم بالحمد فقال: « وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين » فلزم الاقتداء به، والأخذ في ابتداء كل أمر بحمده وخاتمته بحمده. وقيل: إن قول « الحمد لله رب العالمين » من قول الملائكة فعلى هذا يكون حمدهم لله تعالى على عدله وقضائه. وروي من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ على المنبر آخر سورة « الزمر » فتحرك المنبر مرتين.

هدى من الله
Admin
Admin

عدد المساهمات : 10627
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الجمعة أغسطس 16, 2013 12:29 am

تفسير سورة غافر للقرطبى
========

مقدمة السورة
سورة غافر، وهي سورة المؤمن، وتسمى سورة الطول وهي مكية في قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر. وعن الحسن إلا قوله: « وسبح بحمد ربك » [ غافر: 55 ] لأن الصلوات نزلت بالمدينة. وقال ابن عباس وقتادة: إلا آيتين منها نزلتا بالمدينة وهما « إن الذين يجادلون في آيات الله » [ غافر: 56 ] والتي بعدها. وهي خمس وثمانون آية. وقيل ثنتان وثمانون آية.

وفي مسند الدارمي قال: حدثنا جعفر بن عون عن مسعر عن سعد بن إبراهيم قال: كن الحواميم يسمين العرائس. وروي من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « الحواميم ديباج القرآن » وروي عن ابن مسعود مثله. وقال الجوهري وأبو عبيدة: وآل حم سور في القرآن. قال ابن مسعود: آل حم ديباج القرآن. قال الفراء: إنما هو كقولك آل فلان وآل فلان كأنه نسب السورة كلها إلى حم؛ قال الكميت:

وجدنا لكم في آل حاميم آية تأولها منا تقي ومعزب

قال أبو عبيدة: هكذا رواها الأموي بالزاي، وكان أبو عمرو يرويها بالراء. فأما قول العامة الحواميم فليس من كلام العرب. وقال أبو عبيدة: الحواميم سور في القرآن على غير قياس؛ وأنشد قائلا:

وبالحواميم التي قد سبغت

قال: والأولى أن تجمع بذوات حم. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لكل شيء ثمرة وإن ثمرة القرآن ذوات حم هن روضات حسان مخصبات متجاورات فمن أحب أن يرتع في رياض الجنة فليقرأ الحواميم ) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( مثل الحواميم في القرآن كمثل الحبرات في الثياب ) ذكرهما الثعلبي. وقال أبو عبيد: وحدثني حجاج بن محمد عن أبي معشر عن محمد بن قيس قال: رأى رجل سبع جوار حسان مزينات في النوم فقال لمن أنتن بارك الله فيكن فقلن نحن لمن قرأنا نحن الحواميم.

الآيات: 1 - 4 ( حم، تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد )
قوله تعالى: « حم » اختلف في معناه؛ فقال عكرمة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( « حم » اسم من أسماء الله تعالى وهي مفاتيح خزائن ربك ) قال ابن عباس: « حم » اسم الله الأعظم. وعنه: « الر » و « حم » و « ن » حروف الرحمن مقطعة. وعنه أيضا: اسم من أسماء الله تعالى أقسم به. وقال قتادة: إنه اسم من أسماء القرآن. مجاهد: فواتح السور. وقال عطاء الخراساني: الحاء افتتاح اسمه حميد وحنان وحليم وحكيم، والميم افتتاح اسمه ملك ومجيد ومنان ومتكبر ومصور؛ يدل عليه ما روى أنس أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: ما « حم » فإنا لا نعرفها في لساننا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( بدء أسماء وفواتح سور ) وقال الضحاك والكسائي: معناه قضي ما هو كائن. كأنه أراد الإشارة إلى تهجي « حم » ؛ لأنها تصير حم بضم الحاء وتشديد الميم؛ أي قضي ووقع. وقال كعب بن مالك:

فلما تلاقيناهم ودارت بنا الرحى وليس لأمر حمه الله مدفع

وعنه أيضا: إن المعنى حم أمر الله أي قرب؛ كما قال الشاعر:

قد حم يومي فسر قوم قوم بهم غفلة ونوم

ومنه سميت الحمى؛ لأنها تقرب من المنية. والمعنى المراد قرب نصره لأوليائه، وانتقامه من أعدائه كيوم بدر. وقيل: حروف هجاء؛ قال الجرمي: ولهذا تقرأ ساكنة الحروف فخرجت مخرج التهجي وإذا سميت سورة بشيء من هذه الحروف أعربت؛ فتقول: قرأت « حم » فتنصب؛ ومنه:

يذكرني حاميم والرمح شاجر فهلا تلا حاميم قبل التقدم

وقرأ عيسى بن عمر الثقفي: « حم » بفتح الميم على معنى اقرأ حم أو لالتقاء الساكنين. ابن أبي إسحاق وأبو السمال بكسرها. والإمالة والكسر للالتقاء الساكنين، أو على وجه القسم. وقرأ أبو جعفر بقطع الحاء من الميم. الباقون بالوصل. وكذلك في « حم. عسق » . وقرأ أبو عمرو وأبو بكر وحمزة والكسائي وخلف وابن ذكوان بالإمالة في الحاء. وروي عن أبي عمرو بين اللفظين وهي قراءة نافع وأبي جعفر وشيبة. الباقون بالفتح مشبعا.
قوله تعالى: « تنزيل الكتاب » ابتداء والخبر « من الله العزيز العليم » . ويجوز أن يكون « تنزيل » خبرا لمبتدأ محذوف؛ أي هذا « تنزيل الكتاب » . ويجوز أن يكون « حم » مبتدأ و « تنزيل » خبره والمعنى: أن القرآن أنزله الله وليس منقولا ولا مما يجوز أن يكذب به.
قوله تعالى: « غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب » قال الفراء: جعلها كالنعت للمعرفة وهي نكرة. وقال الزجاج: هي خفض على البدل. النحاس: وتحقيق الكلام في هذا وتلخيصه أن « غافر الذنب وقابل التوب » يجوز أن يكونا معرفتين على أنهما لما مضى فيكونا نعتين، ويجوز أن يكونا للمستقبل والحال فيكونا نكرتين ولا يجوز أن يكونا نعتين على هذا ولكن يكون خفضهما على البدل، ويجوز النصب على الحال، فأما « شديد العقاب » فهو نكره ويكون خفضه على البدل. قال ابن عباس: « غافر الذنب » لمن قال: « لا إله إلا الله » « وقابل التوب » ممن قال: « لا إله إلا الله » « شديد العقاب » لمن لم يقل: « لا إله إلا الله » . وقال ثابت البناني: كنت إلى سرادق مصعب بن الزبير في مكان لا تمر فيه الدواب، قال: فاستفتحت « حم. تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم » فمر علي رجل على دابة فلما قلت « غافر الذنب » قال: قل يا غافر الذنب اغفر لي ذنبي، فلما قلت: « قابل التوب » قال: قل يا قابل التوب تقبل توبتي، فلما قلت: « شديد العقاب » قال: قل يا شديد العقاب اعف عني، فلما قلت: « ذي الطول » قال: قل يا ذا الطول طل علي بخير؛ فقمت إليه فأخذ ببصري، فالتفت يمينا وشمالا فلم أر شيئا. وقال أهل الإشارة: « غافر الذنب » فضلا « وقابل التوب » وعدا « شديد العقاب » عدلا « لا إله إلا هو إليه المصير » فردا. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه افتقد رجلا ذا بأس شديد من أهل الشام؛ فقيل له: تتابع في هذا الشراب؛ فقال عمر لكاتبه: اكتب من عمر إلى فلان، سلام عليك، وأنا أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو: « بسم الله الرحمن. حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير » ثم ختم الكتاب وقال لرسوله: لا تدفعه إليه حتى تجده صاحيا، ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة، فلما أتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول: قد وعدني الله أن يغفر لي، وحذرني عقابه، فلم يبرح يرددها حتى بكى ثم نزع فأحسن النزع وحسنت توبته. فلما بلغ عمر أمره قال: هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أحدكم قد زل زلة فسددوه وادعوا الله له أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانا للشياطين عليه. و « التوب » يجوز أن يكون مصدر تاب يتوب توبا، ويحتمل أن يكون جمع توبة نحو دومة ودوم وعزمة وعزم؛ ومنه قوله:

فيخبو ساعة ويهب ساعا

ويجوز أن يكون التوب بمعنى التوبة. قال أبو العباس: والذي يسبق إلى قلبي أن يكون مصدرا؛ أي يقبل هذا الفعل، كما تقول قالا قولا، وإذا كان جمعا فمعناه يقبل التوبات. « ذي الطول لا إله إلا هو » على البدل وعلى النعت؛ لأنه معرفة. وأصل الطول الإنعام والفضل يقال منه: اللهم طل علينا أي انعم وتفضل. قال ابن عباس: « ذي الطول » ذي النعم. وقال مجاهد: ذي الغنى والسعة؛ ومنه قوله تعالى: « ومن لم يستطع منكم طولا » [ النساء: 25 ] أي غنى وسعة. وعن ابن عباس أيضا: « ذي الطول » ذي الغنى عمن لا يقول لا إله إلا الله. وقال عكرمة: « ذي الطول » ذي المن. قال الجوهري: والطول بالفتح المن؛ يقال منه طال عليه وتطول عليه إذا امتن عليه. وقال محمد بن كعب: « ذي الطول » ذي التفضل؛ قال الماوردي: والفرق بين المن والتفضل أن المن عفو عن ذنب. والتفضل إحسان غير مستحق. والطول مأخوذ من الطول كأنه طال بإنعامه على غيره. وقيل: لأنه طالت مدة إنعامه. « إليه المصير » أي المرجع.
قوله تعالى: « ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا » سجل سبحانه على المجادلين في آيات الله بالكفر، والمراد الجدال بالباطل، من الطعن فيها، والقصد إلى إدحاض الحق، وإطفاء نور الله تعالى. وقد دل على ذلك في قوله تعالى: « وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق » . [ غافر:5 ] . فأما الجدال فيها لإيضاح ملتبسها، وحل مشكلها، ومقادحة أهل العلم في استنباط معانيها، ورد أهل الزيغ بها وعنها، فأعظم جهاد في سبيل الله. وقد مضى هذا المعنى في « البقرة » عند قوله تعالى: « ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه » [ البقرة: 258 ] مستوفى. « فلا يغررك تقلبهم في البلاد » « فلا يغررك » وقرئ: « فلا يغرك » « تقلبهم » أي تصرفهم « في البلاد » فإني إن أمهلتهم لا أهملهم بل أعاقبهم. قال ابن عباس: يريد تجارتهم من مكة إلى الشام وإلى اليمن. وقيل: « لا يغررك » ما هم فيه من الخير والسعة في الرزق فإنه متاع قليل في الدنيا. وقال الزجاج: « لا يغررك » سلامتهم بعد كفرهم فإن عاقبتهم الهلاك. وقال أبو العالية: آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن: قوله: « ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا » ، وقوله: « وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد » [ البقرة: 176 ] .
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله السبت أغسطس 17, 2013 12:28 am

تابع تفسير القرطبى لسورة غافر
=============


الآيات: 5 - 9 ( كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب، وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار، الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم، ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم، وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم )
قوله تعالى: « كذبت قبلهم قوم نوح » على تأنيث الجماعة أي كذبت الرسل. « والأحزاب من بعدهم » أي والأمم الذين تحزبوا عل أنبيائهم بالتكذيب نحو عاد وثمود فمن بعدهم. « وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه » أي ليحبسوه ويعذبوه. وقال قتادة والسدي: ليقتلوه. والأخذ يرد بمعنى الإهلاك؛ كقوله: « ثم أخذتهم فكيف كان نكير » [ الحج: 44 ] . والعرب تسمي الأسير الأخيذ؛ لأنه مأسور للقتل؛ وأنشد قطرب قول الشاعر:

فإما تأخذوني تقتلوني فكم من آخذ يهوى خلودي

وفي وقت أخذهم لرسولهم قولان: أحدهما عند دعائه لهم. الثاني عند نزول العذاب بهم. « وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق » أي ليزيلوا. ومنه مكان دحض أي مزلقة، والباطل داحض؛ لأنه يزلق ويزل فلا يستقر. قال يحيى بن سلام: جادلوا الأنبياء بالشرك ليبطلوا به الإيمان. « فأخذتهم » أي بالعذاب. « فكيف كان عقاب » أي عاقبة الأمم المكذبة. أي أليس وجدوه حقا.
قوله تعالى: « وكذلك حقت » أي وجبت ولزمت؛ مأخوذ من الحق لأنه اللازم. « كلمة ربك » هذه قراءة العامة على التوحيد. وقرأ نافع وابن عامر: « كلمات » جمعا. « على الذين كفروا أنهم أصحاب النار » قال الأخفش: أي لأنهم وبأنهم. قال الزجاج: ويجوز إنهم بكسر الهمزة. « أصحاب النار » أي المعذبون بها وتم الكلام.
قوله تعالى: « الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به » ويروى: أن حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم قد خرقت العرش، وهم خشوع لا يرفعون طرفهم، وهم أشراف الملائكة وأفضلهم. ففي الحديث: ( أن الله تبارك وتعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلا لهم على سائر الملائكة ) . ويقال: خلق الله العرش من جوهرة خضراء، وبين القائمتين من قوامه خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام. وقيل: حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة يطوفون به مهللين مكبرين، ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام، قد وضعوا أيديهم على عواتقهم، ورافعين أصواتهم بالتهليل والتكبير، ومن ورائهم مائة ألف صف، وقد وضعوا الإيمان على الشمائل، ما منهم أحد إلا وهو يسبح بما لا يسبح به الآخر. وقرأ ابن عباس: « العرش » بضم العين؛ ذكر جميعه الزمخشري رحمه الله. وقيل: اتصل هذا بذكر الكفار؛ لأن المعنى والله أعلم - « الذين يحملون العرش ومن حوله » ينزهون الله عز وجل عما يقوله الكفار وأقاويل أهل التفسير على أن العرش هو السرير، وأنه جسم مجسم خلقه الله عز وجل، وأمر ملائكة بحمله، وتعبدهم بتعظيمه والطواف به، كما خلق في الأرض بيتا وأمر بني آدم بالطواف به واستقباله في الصلاة. وروى ابن طهمان، عن موسى بن عقبة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسير سبعمائة عام ) ذكره البيهقي وقد مضى في « البقرة » في آية الكرسي عظم العرش وأنه أعظم المخلوقات. وروى ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن كعب الأحبار أنه قال: لما خلق الله تعالى العرش قال: لن يخلق الله خلقا أعظم مني؛ فاهتز فطوقه الله بحية، للحية سبعون ألف جناح، في الجناح سبعون ألف ريشة، في كل ريشة سبعون ألف وجه، في كل وجه سبعون ألف فم، في كل فم سبعون ألف لسان. يخرج من أفواهها في كل يوم من التسبيح عدد قطر المطر، وعدد ورق الشجر، وعدد الحصى والثرى، وعدد أيام الدنيا وعدد الملائكة أجمعين، فالتوت الحية بالعرش، فالعرش إلى نصف الحية وهي ملتوية به. وقال مجاهد: بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب، حجاب نور وحجاب ظلمة، وحجاب نور وحجاب ظلمة. « ربنا » أي يقولون « ربنا » « وسعت كل شيء رحمة وعلما » أي وسعت رحمتك وعلمك كل شيء، فلما نقل الفعل عن الرحمة والعلم نصب على التفسير. « فاغفر للذين تابوا » أي من الشرك والمعاصي « واتبعوا سبيلك » أي دين الإسلام. « وقهم عذاب الجحيم » أي اصرفه عنهم حتى لا يصل إليهم. قال إبراهيم النخعي: كان أصحاب عبدالله يقولون الملائكة خير من ابن الكواء؛ هم يستغفرون لمن في الأرض وابن الكواء يشهد عليهم بالكفر، قال إبراهيم: وكانوا يقولون لا يحجبون الاستغفار عن أحد من أهل القبلة. وقال مطرف بن عبدالله: وجدنا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة، ووجدنا أغش عباد الله لعباد الله الشيطان، وتلا هذه الآية. وقال يحيى بن معاذ الرازي لأصحابه في هذه الآية: افهموها فما في العالم جنة أرجى منها؛ إن ملكا واحدا لو سأل الله أن يغفر لجميع المؤمنين لغفر لهم، كيف وجميع الملائكة وحملة العرش يستغفرون للمؤمنين. وقال خلف بن هشام البزار القارئ: كنت أقرأ على سليم بن عيسى فلما بلغت: « ويستغفرون للذين آمنوا » بكى ثم قال: يا خلف ما أكرم المؤمن على الله نائما على فراشه والملائكة يستغفرون له.
قوله تعالى: « ربنا وأدخلهم جنات عدن » يروى أن عمر بن الخطاب قال لكعب الأحبار: ما جنات عدن. قال: قصور من ذهب في الجنة يدخلها النبيون والصديقون والشهداء وأئمة العدل. « التي وعدتهم » « التي » في محل نصب نعتا للجنات. « ومن صلح » « من » في محل نصب عطفا على الهاء والميم في قوله: « وأدخلهم » . « ومن صلح » بالإيمان « من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم » وقد مضى في « الرعد » نظير هذه الآية. قال سعيد بن جبير: يدخل الرجل الجنة، فيقول: يا رب أين أبي وجدي وأمي؟ وأين ولدي وولد ولدي؟ وأين زوجاتي؟ فيقال إنهم لم يعملوا كعملك؛ فيقول: يا رب كنت أعمل لي ولهم؛ فيقال ادخلوهم الجنة. ثم تلا: « الذين يحملون العرش ومن حوله » إلى قوله: « ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم » . ويقرب من هذه الآية قوله: « والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم » [ الطور: 21 ] .
قوله تعالى: « وقهم السيئات » قال قتادة: أي وقهم ما يسوءهم، وقيل: التقدير وقهم عذاب السيئات وهو أمر من وقاه الله يقيه وقاية بالكسر؛ أي حفظه. « ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته » أي بدخول الجنة « وذلك هو الفوز العظيم » أي النجاة الكبيرة.

الآيات: 10 - 12 ( إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون، قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل، ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير )
قوله تعالى: « إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم » قال الأخفش: « لمقت » هذه لام الابتداء وقعت بعد « ينادون » لأن معناه يقال لهم والنداء قول. وقال غيره: المعنى يقال لهم: « لمقت الله » إياكم في الدنيا « إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون » « أكبر » من مقت بعضكم بعضا يوم القيامة؛ لأن بعضهم عادى بعضا ومقته يوم القيامة، فأذعنوا عند ذلك، وخضعوا وطلبوا الخروج من النار. وقال الكلبي: يقول كل إنسان من أهل النار لنفسه مقتك يا نفس؛ فتقول الملائكة لهم وهم في النار: لمقت الله إياكم إذ أنتم في الدنيا وقد بعث إليكم الرسل فلم تؤمنوا أشد من مقتكم أنفسكم اليوم. وقال الحسن: يعطون كتابهم فإذا نظروا إلى سيئاتهم مقتوا أنفسهم فينادون « لمقت الله » إياكم في الدنيا « إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون » « أكبر من مقتكم أنفسكم » اليوم. وقال معناه مجاهد. وقال قتادة: المعنى « لمقت الله » لكم « إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون » « أكبر من مقتكم أنفسكم » إذ عاينتم النار. فإن قيل: كيف يصح أن يمقتوا أنفسهم؟ ففيه وجهان: أحدهما أنهم أحلوها بالذنوب محل الممقوت. الثاني أنهم لما صاروا إلى حال زال عنهم الهوى، وعلموا أن نفوسهم هي التي أبقتهم في المعاصي مقتوها. وقال محمد بن كعب القرظي: إن أهل النار لما يئسوا مما عند الخزنة وقال لهم مالك: « إنكم ماكثون » على ما يأتي. قال بعضهم لبعض: يا هؤلاء إنه قد نزل بكم من العذاب والبلاء ما قد ترون، فهلم فلنصبر فلعل الصبر ينفعنا، كما صبر أهل الطاعة على طاعة الله فنفعهم الصبر إذ صبروا، فأجمعوا رأيهم على الصبر فصبروا فطال صبرهم، ثم جزعوا فنادوا « سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص » [ إبراهيم: 21 ] أي من ملجأ؛ فقال إبليس عند ذلك: « إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان » [ إبراهيم: 22 ] إلى قوله: « ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي » [ إبراهيم: 22 ] يقول: بمغن عنكم شيئا « إني كفرت بما أشركتمون من قبل » [ إبراهيم: 22 ] فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم. قال: فنودوا « لمقت الله أكبر من مقتهم أنفسهم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون » إلى قوله: « فهل إلى خروج من سبيل » قال فرد عليهم: « ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير » ذكره ابن المبارك.
قوله تعالى: « قالوا ربنا أمتنا اثنتين » اختلف أهل التأويل في معنى قولهم: « أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين » فقال ابن مسعود وابن عباس وقتادة والضحاك: كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم، ثم أحياهم ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها في الدنيا، ثم أحياهم للبعث والقيامة، فهاتان حياتان موتتان، وهو قوله تعالى: « كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم » [ البقرة: 28 ] . وقال السدي: أميتوا في الدنيا ثم أحياهم في القبور للمسألة، ثم أميتوا ثم أحيوا في الآخرة. وإنما صار إلى هذا؛ لأن لفظ الميت لا ينطلق في العرف على النطفة. واستدل العلماء من هذا في إثبات سؤال القبر، ولو كان الثواب والعقاب للروح دون الجسد فما معنى الإحياء والإماتة؟ والروح عند من يقصر أحكام الآخرة على الأرواح لا تموت ولا تتغير ولا تفسد، وهو حي لنفسه لا يتطرق إليه موت ولا غشية ولا فناء. وقال ابن زيد في قوله: « ربنا أمتنا اثنتين... » الآية قال: خلقهم في ظهر آدم وأخرجهم وأحياهم وأخذ عليهم الميثاق، ثم أماتهم ثم أحياهم في الدنيا ثم أماتهم. وقد مضى هذا في « البقرة » . « فاعترفنا بذنوبنا » اعترفوا حيث لا ينفعهم الاعتراف وندموا حيث لا ينفعهم الندم. « فهل إلى خروج من سبيل » أي هل نرد إلى الدنيا لنعمل بطاعتك؛ نظيره: « هل إلى مرد من سبيل » [ الشورى: 44 ] وقوله: « فارجعنا نعمل صالحا » [ السجدة: 12 ] وقوله: « يا ليتنا نرد » [ الأنعام: 27 ] الآية.
قوله تعالى: « ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم » « ذلكم » في موضع رفع أي الأمر « ذلكم » أو « ذلكم » العذاب الذي أنتم فيه بكفركم. وفي الكلام متروك تقديره فأجيبوا بأن لا سبيل إلى الرد. وذلك لأنكم « إذا دعي الله » أي وحد الله « وحده كفرتم » وأنكرتم أن تكون الألوهية له خاصة، وإن أشرك به مشرك صدقتموه وآمنتم بقوله. قال الثعلبي: وسمعت بعض العلماء يقول: « وإن يشرك به » بعد الرد إلى الدنيا لوكان به « تؤمنوا » تصدقوا المشرك؛ نظيره: « ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه » . « فالحكم لله العلي الكبير » عن أن تكون له صاحبة أو ولد.
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الأحد أغسطس 18, 2013 12:53 am

تابع تفسير القرطبى لسورة غافر
===========


الآيات: 13 - 17 ( هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب، فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق، يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار، اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب )
قوله تعالى: « هو الذي يريكم آياته » أي دلائل توحيده وقدرته « وينزل لكم من السماء رزقا » جمع بين إظهار الآيات وإنزال الرزق؛ لأن بالآيات قوام الأديان، وبالرزق قوام الأبدان. وهذه الآيات هي السموات والأرضون وما فيهما وما بينهما من الشمس والقمر والنجوم والرياح والسحاب والبخار والأنهار والعيون والجبال والأشجار وآثار قوم هلكوا. « وما يتذكر » أي ما يتعظ بهذه الآيات فيوحد الله « إلا من ينيب » أي يرجع إلى طاعة الله. « فادعوا الله » أي اعبدوه « مخلصين له الدين » أي العبادة. وقيل: الطاعة. « ولو كره الكافرون » عبادة الله فلا تعبدوا أنتم غيره.
قوله تعالى: « رفيع الدرجات ذو العرش » « ذو العرش » على إضمار مبتدأ. قال الأخفش: ويجوز نصبه على المدح. ومعنى « رفيع الدرجات » أي رفيع الصفات. وقال ابن عباس والكلبي وسعيد بن جبير: رفيع السموات السبع. وقال يحيى بن سلام: هو رفعة درجة أوليائه في الجنة فـ « رفيع » على هذا بمعنى رافع فعيل بمعنى فاعل. وهو على القول الأول من صفات الذات، ومعناه الذي لا أرفع قدرا منه، وهو المستحق لدرجات المدح والثناء، وهي أصنافها وأبوابها لا مستحق لها غيره قال الحليمي. وقد ذكرناه في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى والحمد لله. « ذو العرش » أي خالقه ومالكه لا أنه محتاج إليه. وقيل: هو من قولهم: ثل عرش فلان أي زال ملكه وعزه، فهو سبحانه « ذو العرش » بمعنى ثبوت ملكه وسلطانه وقد بيناه في الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى. « يلقي الروح » أي الوحي والنبوة « على من يشاء من عباده » وسمي ذلك روحا لأن الناس يحيون به؛ أي يحيون من موت الكفر كما تحيا الأبدان بالأرواح. وقال ابن زيد: الروح القرآن؛ قال الله تعالى: « وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا » [ الشورى: 52 ] . وقيل: الروح جبريل؛ قال الله تعالى: « نزل به الروح الأمين على قلبك » [ الشعراء: 193 ] وقال: « قل نزله روح القدس من ربك بالحق » [ النحل: 102 ] . « من أمره » أي من قوله. وقيل: من قضائه. وقيل: « من » بمعنى الباء أي بأمره. « على من يشاء من عباده » وهم الأنبياء يشاء هو أن يكونوا أنبياء وليس لأحد فيهم مشيئة. « لينذر يوم التلاق » أي إنما يبعث الرسول لإنذار يوم البعث. فقوله: « لينذر » يرجع إلى الرسول. وقيل: أي لينذر الله ببعثه الرسل إلى الخلائق « يوم التلاق » . وقرأ ابن عباس والحسن وابن السميقع « لتنذر » بالتاء خطابا للنبي عليه السلام. « يوم التلاق » قال ابن عباس وقتاده: يوم تلتقي أهل السماء وأهل الأرض. وقال قتادة أيضا وأبو العالية ومقاتل: يلتقي فيه الخلق والخالق. وقيل: العابدون والمعبودون. وقيل: الظالم والمظلوم. وقيل: يلقى كل إنسان جزاء عمله. وقيل: يلتقي الأولون والآخرون على صعيد واحد؛ روي معناه عن ابن عباس. وكله صحيح المعنى.
قوله تعالى: « يوم هم بارزون » يكون بدلا من يوم الأول. وقيل: « هم » في موضع رفع بالابتداء و « بارزون » خبره والجملة في موضع خفض بالإضافة؛ فلذلك حذف التنوين من « يوم » وإنما يكون هذا عند سيبويه إذا كان الظرف بمعنى إذ؛ تقول لقيتك يوم زيد أمير. فإن كان بمعنى إذا لم يجز نحو أنا ألقاك يوم زيد أمير. ومعنى: « بارزون » خارجون من قبورهم لا يسترهم شيء؛ لأن الأرض يومئذ قاع صفصف لا عوج فيها ولا أمتا على ما تقدم في « طه » بيانه. « لا يخفى على الله منهم شيء » قيل: إن هذا هو العامل في « يوم هم بارزون » أي لا يخفى عليه شيء منهم ومن أعمالهم « يوم هم بارزون » . « لمن الملك اليوم لله الواحد القهار » وذلك عند فناء الخلق. وقال الحسن: هو السائل تعالى وهو المجيب؛ لأنه يقول ذلك حين لا أحد يجيبه فيجيب نفسه سبحانه فيقول: « لله الواحد القهار » . النحاس: وأصح ما قيل فيه ما رواه أبو وائل عن ابن مسعود قال: ( يحشر الناس على أرض بيضاء مثل الفضة لم يعص الله جل وعز عليها، فيؤمر مناد ينادي « لمن الملك اليوم » فيقول العباد مؤمنهم وكافرهم « لله الواحد القهار » فيقول المؤمنون هذا الجواب « سرورا وتلذذا، ويقوله الكافرون غما وانقيادا وخضوعا. فأما أن يكون هذا والخلق غير موجودين فبعيد؛ لأنه لا فائدة فيه، والقول صحيح عن ابن مسعود وليس هو مما يؤخذ بالقياس ولا بالتأويل.»

قلت: والقول الأول ظاهر جدا؛ لأن المقصود إظهار انفراده تعالى بالملك عند انقطاع دعاوي المدعين وانتساب المنتسبين؛ إذ قد ذهب كل ملك وملكه ومتكبر وملكه وانقطعت نسبهم ودعاويهم، ودل على هذا قوله الحق عند قبض الأرض والأرواح وطي السماء: « أنا الملك أين ملوك الأرض » كما تقدم في حديث أبي هريرة وفي حديث ابن عمر، ثم يطوي الأرض بشماله والسموات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون. وعنه قوله سبحانه: « لمن الملك اليوم » هو انقطاع زمن الدنيا وبعده يكون البعث والنشر. قال محمد بن كعب قوله سبحانه: « لمن الملك اليوم » يكون بين النفختين حين فني الخلائق وبقي الخالق فلا يرى غير نفسه مالكا ولا مملوكا فيقول: « لمن الملك اليوم » فلا يجيبه أحد؛ لأن الخلق أموات فيجيب نفسه فيقول: « لله الواحد القهار » لأنه بقي وحده وقهر خلقه. وقيل: إنه ينادي مناد فيقول: « لمن الملك اليوم » فيجيبه أهل الجنة: « لله الواحد القهار » فالله أعلم. ذكره الزمخشري.
قوله تعالى: « اليوم تجزى كل نفس بما كسبت » أي يقال لهم إذا أقروا بالملك يومئذ لله وحده « اليوم تجزى كل نفس بما كسبت » من خير أوشر. « لا ظلم اليوم » أي لا ينقص أحد شيئا مما عمله. « إن الله سريع الحساب » أي لا يحتاج إلى تفكر وعقد يد كما يفعله الحساب؛ لأنه العالم الذي لا يعزب عن علمه شيء فلا يؤخر جزاء أحد للاشتغال بغيره؛ وكما يرزقهم في ساعة واحدة يحاسبهم كذلك في ساعة واحدة. وقد مضى هذا المعنى في « البقرة » . وفي الخبر: ولا ينتصف النهار حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار.

الآيات: 18 - 22 ( وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير، أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق، ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب )
قوله تعالى: « وأنذرهم يوم الآزفة » أي يوم القيامة. سميت بذلك لأنها قريبة؛ إذ كل ما هو آت قريب. وأزف فلان أي قرب يأزف أزفا؛ قال النابغة:

أزف الترحل غير أن ركابنا لما تزل برحالنا وكأن قد

أي قرب. ونظير هذه الآية: « أزفت الآزفة » [ النجم: 57 ] أي قربت الساعة. وكان بعضهم يتمثل ويقول:

أزف الرحيل وليس لي من زاد غير الذنوب لشقوتي ونكادي

« إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين » على الحال وهو محمول على المعنى. قال الزجاج: المعنى إذ قلوب الناس « لدى الحناجر » في حال كظمهم. وأجاز الفراء أن يكون التقدير « وأنذرهم » كاظمين. وأجاز رفع « كاظمين » على أنه خبر للقلوب. وقال: المعنى إذ هم كاظمون. وقال الكسائي: يجوز رفع « كاظمين » على الابتداء. وقد قيل: إن المراد بـ « يوم الآزفة » يوم حضور المنية؛ قاله قطرب. وكذا « إذ القلوب لدى الحناجر » عند حضور المنية. والأول أظهر. وقال قتادة: وقعت في الحناجر المخافة فهي لا تخرج ولا تعود في أمكنتها، وهذا لا يكون إلا يوم القيامة كما قال: « وأفئدتهم هواء » . وقيل: هذا إخبار عن نهاية الجزع؛ كما قال: « وبلغت القلوب الحناجر » وأضيف اليوم إلى « الآزفة » على تقدير يوم القيامة « الآزفة » أو يوم المجادلة « الآزفة » . وعند الكوفيين هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه مثل مسجد الجامع وصلاة الأولى. « ما للظالمين من حميم » أي من قريب ينفع « ولا شفيع يطاع » فيشفع فيهم.
قوله تعالى: « يعلم خائنة الأعين » قال المؤرج: فيه تقديم وتأخير أي يعلم الأعين الخائنة وقال ابن عباس: هو الرجل يكون جالسا مع القوم فتمر المرأة فيسارقهم النظر إليها. وعنه: هو الرجل ينظر إلى المرأة فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره، فإذا رأى منهم غفلة تدسس بالنظر، فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره، وقد علم الله عز وجل منه أنه يود لو نظر إلى عورتها. وقال مجاهد هي مسارقة نظر الأعين إلى ما نهى الله عنه. وقال قتادة: هي الهمزة بعينه وإغماضه فيما لا يحب الله تعالى. وقال الضحاك: هي قول الإنسان ما رأيت وقد رأى أو رأيت وما رأى. وقال السدي: إنها الرمز بالعين. وقال سفيان: هي النظرة بعد النظرة. وقال الفراء: « خائنة الأعين » النظرة الثانية « وما تخفي الصدور » النظرة الأولى. وقال ابن عباس: « وما تخفي الصدور » أي هل يزني بها لو خلا بها أو لا. وقيل: « وما تخفي الصدور » تكنه وتضمره. ولما جيء بعبدالله بن أبي سرح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد ما اطمأن أهل مكة وطلب له الأمان عثمان رضي الله عنه، صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا ثم قال: « نعم » فلما انصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله: ( ما صمتُّ إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه ) فقال رجل من الأنصار فهلا أومأت إلي يا رسول الله، فقال: ( إن النبي لا تكون له خائنة أعين ) .
قوله تعالى: « والله يقضي بالحق » أي يجازي من غض بصره عن المحارم، ومن نظر إليها، ومن عزم على مواقعة الفواحش إذا قدر عليها. « والذين يدعون من دونه » يعني الأوثان « لا يقضون بشيء » لأنها لا تعلم شيئا ولا تقدر عليه ولا تملك. وقراءة العامة بالياء على الخبر عن الظالمين وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم. وقرأ نافع وشيبة وهشام: « تدعون » بالتاء. « إن الله هو السميع البصير » « هو » زائدة فاصلة. ويجوز أن تكون في موضع رفع بالابتداء وما بعدها خبر والجملة خبر إن.
قوله تعالى: « أولم يسيروا في الأرض فينظروا » في موضع جزم عطف على « يسيروا » ويجوز أن يكون في موضع نصب على أنه جواب، والجزم والنصب في التثنية والجمع واحد. « كيف كان عاقبة » اسم كان والخبر في « كيف » . و « واق » في موضع خفض معطوف على اللفظ. ويجوز أن يكون في موضع رفع على الموضع فرفعه وخفضه واحد؛ لأن الياء تحذف وتبقى الكسرة دالة عليها وقد مضى الكلام في معنى هذه الآية في غير موضع فأغنى عن الإعادة.

الآيات: 23 - 27 ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين، إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب، فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال، وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد، وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب )
قوله تعالى: « ولقد أرسلنا موسى بآياتنا » وهي التسع الآيات المذكورة في قوله تعالى: « ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات » [ الإسراء: 101 ] وقد مضى تعيينها. « وسلطان مبين » أي بحجة واضحة بينة، وهو يذكر ومؤنث. وقيل: أراد بالسلطان التوراة. « إلى فرعون وهامان وقارون » خصهم بالذكر لأن مدار التدبير في عداوة موسى كان عليهم؛ ففرعون الملك وهامان الوزير وقارون صاحب الأموال والكنوز فجمعه الله معهما؛ لأن عمله في الكفر والتكذيب كأعمالهما. « فقالوا ساحر كذاب » لما عجزوا عن معارضته حملوا المعجزات على السحر.
قوله تعالى: « فلما جاءهم بالحق من عندنا » وهي المعجزة الظاهرة « قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم » قال قتادة: هذا قتل غير القتل الأول؛ لأن فرعون كان قد أمسك عن قتل الولدان بعد ولادة موسى، فلما بعث الله موسى أعاد القتل على بني إسرائيل عقوبة لهم فيمتنع الإنسان من الإيمان؛ ولئلا يكثر جمعهم فيعتضدوا بالذكور من أولادهم، فشغلهم الله عن ذلك بما أنزل عليهم من أنواع العذاب، كالضفادع والقمل والدم والطوفان إلى أن خرجوا من مصر، فأغرقهم الله. « وما كيد الكافرين إلا في ضلال » أي في خسران وهلاك، وإن الناس لا يمتنعون من الإيمان وإن فعل بهم مثل هذا فكيده يذهب باطلا.
قوله تعالى: « وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه » « أقتل » جزم؛ لأنه جواب الأمر « وليدع » جزم؛ لأنه أمر و « ذروني » ليس بمجزوم وإن كان أمرا ولكن لفظه لفظ المجزوم وهو مبني. وقيل: هذا يدل على أنه قيل لفرعون: إنا نخاف أن يدعو عليك فيجاب؛ فقال: « وليدع ربه » أي لا يهولنكم ما يذكر من ربه فإنه لا حقيقة له وأنا ربكم الأعلى. « إني أخاف أن يبدل دينكم » أي عبادتكم لي إلى عبادة ربه « أو أن يظهر في الأرض الفساد » إن لم يبدل دينكم فإنه يظهر في الأرض الفساد. أي يقع بين الناس بسببه الخلاف. وقراءة المدنيين وأبي عبدالرحمن السلمي وابن عامر وأبي عمرو: « وأن يظهر في الأرض الفساد » وقراءة الكوفيين « أو أن يظهر » بفتح الياء « الفساد » بالرفع وكذلك هي في مصاحف الكوفيين: « أو » بألف وإليه يذهب أبو عبيد؛ قال: لأن فيه زيادة حرف وفيه فصل؛ ولأن « أو » تكون بمعنى الواو. النحاس: وهذا عند حذاق النحويين لا يجوز أن تكون بمعنى الواو؛ لأن في ذلك بطلان المعاني؛ ولوجاز أن تكون بمعنى الواو لما احتيج إلى هذا ها هنا؛ لأن معنى الواو « إني أخاف » الأمرين جميعا ومعنى « أو » لأحد الأمرين أي « إني أخاف أن يبدل دينكم » فإن أعوزه ذلك أظهر في الأرض الفساد.
قوله تعالى: « وقال موسى إني عذت بربي وربكم » لما هدده فرعون بالقتل استعاذ موسى بالله « من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب » أي متعظم عن الإيمان بالله، وصفته أنه « لا يؤمن بيوم الحساب » .
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الإثنين أغسطس 19, 2013 12:13 am

تابع تفسير القرطبى لسورة غافر
===========


الآية: 28 ( وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب )
قوله تعالى: « وقال رجل مؤمن من آل فرعون » ذكر بعض المفسرين: أن اسم هذا الرجل حبيب. وقيل: شمعان بالشين المعجمة. قال السهيلي: وهو أصح ما قيل فيه. وفي تاريخ الطبري رحمه الله: اسمه خبرك. وقيل: حزقيل: ذكره الثعلبي عن ابن عباس وأكثر العلماء. الزمخشري: واسمه سمعان أو حبيب. وقيل: خربيل أو حزبيل. واختلف هل كان إسرائيليا أو قبطيا فقال الحسن وغيره: كان قبطيا. ويقال: إنه كان ابن عم فرعون؛ قاله السدي. قال: وهو الذي نجا مع موسى عليه السلام؛ ولهذا قال: « من آل فرعون » وهذا الرجل هو المراد بقوله تعالى: « وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى » [ القصص: 20 ] الآية. وهذا قول مقاتل. وقال ابن عباس: لم يكن من آل فرعون مؤمن غيره وغير امرأة فرعون وغير المؤمن الذي أنذر موسى فقال: « إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك » [ القصص: 20 ] .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( الصديقون حبيب النجار مؤمن آل يس ومؤمن آل فرعون الذي قال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله والثالث أبو بكر الصديق وهو أفضلهم ) وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم أي لا تعجب من مشركي قومك. وكان هذا الرجل له وجاهة عند فرعون؛ فلهذا لم يتعرض له بسوء. وقيل: كان هذا الرجل من بني إسرائيل يكتم إيمانه من آل فرعون؛ عن السدي أيضا. ففي الكلام على هذا تقديم وتأخير، والتقدير: وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون. فمن جعل الرجل قبطيا فـ « من » عنده متعلقة بمحذوف صفة الرجل؛ التقدير؛ وقال رجل مؤمن منسوب من آل فرعون؛ أي من أهله وأقاربه. ومن جعله إسرائيليا فـ « من » متعلقة بـ « يكتم » في موضع المفعول الثاني لـ « يكتم » . القشيري: ومن جعله إسرائيليا ففيه بعد؛ لأنه يقال كتمه أمر كذا ولا يقال كتم منه. قال الله تعالى: « ولا يكتمون الله حديثا » [ النساء: 42 ] وأيضا ما كان فرعون يحتمل من بني إسرائيل مثل هذا القول.
قوله تعالى: « أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله » أي لأن يقول ومن أجل « أن يقول ربي الله » فـ « أن » في موضع نصب بنزع الخافض. « وقد جاءكم بالبينات من ربكم » يعني الآيات التسع « من ربكم وإن يكن كاذبا فعليه كذبه » ولم يكن ذلك لشك منه في رسالته، صدقه، ولكن تلطفا في الاستكفاف واستنزالا عن الأذى. ولوكان و « إن يكن » بالنون جاز ولكن حذفت النون لكثرة الاستعمال على قول سيبويه؛ ولأنها نون الإعراب على قول أبي العباس. « وإن يكن صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم » أي إن لم يصبكم إلا بعض الذي يعدكم به هلكتم. ومذهب أبي عبيدة أن معنى « بعض الذي يعدكم » كل الذي يعدكم وأنشد قول لبيد:

تراك أمكنة إذا لم أرضها أو يرتبط بعض النفوس حمامها

فبعض بمعنى كل؛ لأن البعض إذا أصابهم أصابهم الكل لا محالة لدخوله في الوعيد، وهذا ترقيق الكلام في الوعظ. وذكر الماوردي: أن البعض قد يستعمل في موضع الكل تلطفا في الخطاب وتوسعا في الكلام؛ كما قال الشاعر:

قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل

وقيل أيضا: قال ذلك لأنه حذرهم أنواعا من العذاب كل نوع منها مهلك؛ فكأنه حذرهم أن يصيبهم بعض تلك الأنواع. وقيل: وعدهم موسى بعذاب الدنيا أو بعذاب الآخرة إن كفروا؛ فالمعنى يصبكم أحد العذابين. وقيل: أي يصبكم هذا العذاب الذي يقوله في الدنيا وهو بعض الوعيد، ثم يترادف العذاب في الآخرة أيضا. وقيل: وعدهم العذاب إن كفروا والثواب إن آمنوا، فإذا كفروا يصيبهم بعض ما وعدوا. « إن الله لا يهدي من هو مسرف » على نفسه. وقيل: « مسرف » في عناده « كذاب » على ربه إشارة إلى موسى ويكون هذا من قول المؤمن. وقيل « كذاب » في ادعائه إشارة إلى فرعون ويكون هذا من قول الله تعالى.
قوله تعالى: « يكتم إيمانه » قال القاضي أبو بكر بن العربي: ظن بعضهم أن المكلف إذا كتم إيمانه ولم يتلفظ به بلسانه لا يكون مؤمنا باعتقاده، وقد قال مالك: إن الرجل إذا نوى بقلبه طلاق زوجته أنه يلزمه، كما يكون مؤمنا بقلبه وكافرا بقلبه. فجعل مدار الإيمان على القلب وأنه كذلك، لكن ليس على الإطلاق وقد بيناه في أصول الفقه؛ بما لبابه أن المكلف إذ نوى الكفر بقلبه كان كافرا وإن لم يتلفظ بلسانه، وأما إذا نوى الإيمان بقلبه فلا يكون مؤمنا بحال حتى يتلفظ بلسانه، ولا تمنعه التقية والخوف من أن يتلفظ بلسانه فيما بينه وبين الله تعالى، إنما تمنعه التقية من أن يسمعه غيره، وليس من شرط الإيمان أن يسمعه الغير في صحته من التكليف، وإنما يشترط سماع الغير له ليكف عن نفسه وماله.
روى البخاري ومسلم عن عروة بن الزبير قال: قلت لعبدالله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد ما صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة، إذا أقبل عقبة بن أبي معيط، فأخذ بمنكبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولوى ثوبه في عنقه فخنقه به خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: « أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم » لفظ البخاري. خرجه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: اجتمعت قريش بعد وفاة أبي طالب بثلاث فأرادوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل هذا يجؤه وهذا يتلتله، فاستغاث النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ فلم يغثه أحد إلا أبو بكر وله ضفيرتان، فأقبل يجأ ذا ويتلتل ذا ويقول بأعلى صوته: ويلكم: « أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله » والله إنه لرسول الله؛ فقطعت إحدى ضفيرتي أبي بكر يومئذ. فقال علي: والله ليوم أبي بكر خير من مؤمن آل فرعون؛ إن ذلك رجل كتم إيمانه، فأثنى الله عليه في كتابه، وهذا أبو بكر أظهر إيمانه وبذل مال ودمه لله عز وجل.

قلت: قول علي رضي الله عنه إن ذلك رجل كتم إيمانه يريد في أول أمره بخلاف الصديق فإنه أظهر إيمانه ولم يكتمه؛ وإلا فالقرآن مصرح بأن مؤمن آل فرعون أظهر إيمانه لما أرادوا قتل موسى عليه السلام على ما يأتي بيانه. في نوادر الأصول أيضا عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالوا لها: ما أشد شيء رأيت المشركين بلغوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان المشركون قعودا في المسجد، ويتذاكرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقول في آلهتهم، فبينا هم كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاموا إليه بأجمعهم وكانوا إذا سألوه عن شيء صدقهم، فقالوا: ألست تقول كذا في آلهتنا قال: ( بلى ) فتشبثوا فيه بأجمعهم فأتى الصريخ إلى أبي بكر فقال له: أدرك صاحبك. فخرج من عندنا وإن له غدائر، فدخل المسجد وهو يقول: ويلكم « أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم » فلهوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلوا على أبي بكر، فرجع إلينا أبو بكر فجعل لا يمس شيئا من غدائره إلا جاء معه، وهو يقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام؛ إكرام إكرام.

الآيات: 29 - 33 ( يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد، وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد، ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد، يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد )
قوله تعالى: « ياقوم لكم الملك اليوم » هذا من قول مؤمن آل فرعون، وفي قوله « يا قوم » دليل على أنه قبطي، ولذلك أضافهم إلى نفسه فقال: « يا قوم » ليكونوا أقرب إلى قبول وعظه « لكم الملك » فأشكروا الله على ذلك. « ظاهرين في الأرض » أي غالبين وهو نصب على الحال أي في حال ظهوركم. والمراد بالأرض أرض مصر في قول السدي وغيره، كقوله: « وكذلك مكنا ليوسف في الأرض » . [ يوسف: 21 ] أي في أرض مصر. « فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا » أي من عذاب الله تحذيرا لهم من نقمه إن كان موسى صادقا، فذكر وحذر « قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى » فعلم فرعون ظهور حجته فقال: « ما أريكم إلا ما أرى » . قال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم: ما أشير عليكم إلا ما أرى لنفسي. « وما أهديكم إلا سبيل الرشاد » في تكذيب موسى والإيمان بي.
قوله تعالى: « وقال الذي آمن ياقوم » زادهم في الوعظ « إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب » يعني أيام العذاب التي عذب فيها المتحزبون على الأنبياء المذكورين فيما بعد.
قوله تعالى: « ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد » زاد في الوعظ والتخويف وأفصح عن إيمانه، إما مستسلما موطنا نفسه على القتل، أو واثقا بأنهم لا يقصدونه بسوء، وقد وقاه الله شرهم بقوله الحق « فوقاه الله سيئات ما مكروا » . وقراءة العامة « التناد » بتخفيف الدال وهو يوم القيامة؛ قال أمية بن أبي الصلت:

وبث الخلق فيها إذ دحاها فهم سكانها حتى التناد

سمي بذلك لمناداة الناس بعضهم بعضا؛ فينادي أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم، وينادي أصحاب الجنة أصحاب النار: « أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا » وينادي أصحاب النار أصحاب الجنة: « أن أفيضوا علينا من الماء » وينادي المنادى أيضا بالشقوة والسعادة: ألا إن فلان بن فلان قد شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدا، ألا إن فلان بن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا. وهذا عند وزن الأعمال. وتنادي الملائكة أصحاب الجنة: « أن تلكمو الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون » [ الأعراف: 43 ] وينادى حين يذبح الموت: يا أهل الجنة خلود لا موت ويا أهل النار خلود لا موت. وينادي كل قوم بإمامهم إلى غير ذلك من النداء. وقرأ الحسن وابن السميقع ويعقوب وابن كثير ومجاهد: « التناد » بإثبات الياء في الوصل والوقف على الأصل. وقرأ ابن عباس والضحاك وعكرمة « يوم التناد » بتشديد الدال. قال بعض أهل العربية: هذا لحن؛ لأنه من ند يند إذا مر على وجهه هاربا؛ كما قال الشاعر:

وبرك هجود قد أثارت مخافتي نواديها أسعى بعضب مجرد

قال: فلا معنى لهذا في القيامة. قال أبو جعفر النحاس: وهذا غلط والقراءة بها حسنة على معنى يوم التنافر. قال الضحاك: ذلك إذا سمعوا زفير جهنم ندوا هربا، فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا صفوفا من الملائكة، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه؛ فذلك قوله: « يوم التناد » . وقوله: « يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض » [ الرحمن:33 ] الآية. وقوله: « والملك على أرجائها » [ الحاقة: 17 ] ذكره ابن المبارك بمعناه. قال: وأخبرنا عبدالرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثنا عبدالجبار بن عبيدالله بن سلمان في قوله تعالى: « إني أخاف عليكم يوم التناد. يوم تولون مدبرين » ثم تستجيب لهم أعينهم بالدمع فيبكون حتى ينفد الدمع، ثم تستجيب لهم أعينهم بالدم فيبكون حتى ينفد الدم، ثم تستجيب لهم أعينهم بالقيح. قال: يرسل عليهم من الله أمر فيولون مدبرين، ثم تستجيب لهم أعينهم بالقيح، فيبكون حتى ينفد القيح فتغور أعينهم كالخرق في الطين. وقيل: إن هذا يكون عند نفخ إسرافيل عليه السلام في الصور نفخة الفزع. ذكره علي بن معبد والطبري وغيرهما من حديث أبي هريرة، وفيه فتكون الأرض كالسفينة في البحر تضربها الأمواج فيميد الناس على ظهرها وتذهل المراضع وتضع الحوامل ما في بطونها وتشيب الولدان وتتطاير الشياطين هاربة فتلقاها الملائكة تضرب وجوهها ويولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضا وهي التي يقول الله تعالى: « يوم التناد. يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد » الحديث بكماله. وقد ذكرناه في كتاب التذكرة وتكلمنا عليه هناك. وروي عن علي بن نصر عن أبي عمرو إسكان الدال من « التناد » في الوصل خاصة. وروى أبو معمر عن عبدالوارث زيادة الياء في الوصل خاصة وهو مذهب ورش. والمشهور عن أبي عمرو حذفها في الحالين. وكذلك قرأ سائر السبعة سوى ورش على ما ذكرنا عنه وسوى ابن كثير على ما تقدم. وقيل: سمي يوم القيامة يوم التناد؛ لأن الكافر ينادي فيه بالويل والثبور والحسرة. قاله ابن جريج. وقيل: فيه إضمار أي إني أخاف عليكم عذاب يوم التناد؛ فالله أعلم. « يوم تولون مدبرين » على البدل من « يوم التناد » « ومن يضلل الله فما له من هاد » أي من خلق الله في قلبه الضلال فلا هادي له. وفي قائله قولان: أحدهما موسى. الثاني مؤمن آل فرعون وهو الأظهر. والله أعلم.
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الثلاثاء أغسطس 20, 2013 2:02 am

تابع تفسير القرطبى لسورة غافر
===========


"وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ "(34)
قِيلَ : إِنَّ هَذَا مِنْ قَوْل مُوسَى . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ تَمَام وَعْظ مُؤْمِن آل فِرْعَوْن ; ذَكَّرَهُمْ قَدِيم عُتُوِّهِمْ عَلَى الْأَنْبِيَاء ; وَأَرَادَ يُوسُف بْن يَعْقُوب جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ " أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْر أَمْ اللَّه الْوَاحِد الْقَهَّار " [ يُوسُف : 39 ] قَالَ اِبْن جُرَيْج : هُوَ يُوسُف بْن يَعْقُوب بَعَثَهُ اللَّه تَعَالَى رَسُولًا إِلَى الْقِبْط بَعْد مَوْت الْمَلِك مِنْ قَبْل مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ وَهِيَ الرُّؤْيَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ يُوسُف بْن إفرائيم بْن يُوسُف بْن يَعْقُوب أَقَامَ فِيهِمْ نَبِيًّا عِشْرِينَ سَنَة . وَحَكَى النَّقَّاش عَنْ الضَّحَّاك : أَنَّ اللَّه تَعَالَى بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا مِنْ الْجِنّ يُقَال لَهُ يُوسُف . وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : إِنَّ فِرْعَوْن مُوسَى هُوَ فِرْعَوْن يُوسُف عُمِّرَ . وَغَيْره يَقُول : هُوَ آخَر . النَّحَّاس : وَلَيْسَ فِي الْآيَة مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ ; لِأَنَّهُ إِذَا أَتَى بِالْبَيِّنَاتِ نَبِيّ لِمَنْ مَعَهُ وَلِمَنْ بَعْده فَقَدْ جَاءَهُمْ جَمِيعًا بِهَا وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ بِهَا .

أَيْ أَسْلَافُكُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ .

أَيْ مَنْ يَدَّعِي الرِّسَالَة

أَيْ مِثْل ذَلِكَ الضَّلَال

مُشْرِك

شَاكّ فِي وَحْدَانِيَّة اللَّه تَعَالَى .


" الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۖ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) "
أَيْ فِي حُجَجِهِ الظَّاهِرَة و " الَّذِينَ " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْبَدَل مِنْ " مَنْ " وَقَالَ الزَّجَّاج : أَيْ كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّه الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه فَـ " الَّذِينَ " نَصْب . قَالَ : وَيَجُوز أَنْ يَكُون رَفْعًا عَلَى مَعْنَى هُمْ الَّذِينَ أَوْ عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر " كَبُرَ مَقْتًا " . ثُمَّ قِيلَ : هَذَا مِنْ كَلَام مُؤْمِن آل فِرْعَوْن . وَقِيلَ : اِبْتِدَاء خِطَاب مِنْ اللَّه تَعَالَى .

أَيْ بِغَيْرِ حُجَّة وَبُرْهَان

" مَقْتًا " عَلَى الْبَيَان أَيْ " كَبُرَ " جِدَالُهُمْ " مَقْتًا " ; كَقَوْلِهِ : كَبُرَتْ كَلِمَةً " [ الْكَهْف : 5 ] وَمَقْت اللَّه تَعَالَى ذَمُّهُ لَهُمْ وَلَعْنُهُ إِيَّاهُمْ وَإِحْلَال الْعَذَاب بِهِمْ .

أَيْ كَمَا طَبَعَ اللَّه عَلَى قُلُوب هَؤُلَاءِ الْمُجَادِلِينَ فَكَذَلِكَ

أَيْ يَخْتِم

حَتَّى لَا يَعْقِل الرَّشَاد وَلَا يَقْبَل الْحَقّ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " عَلَى كُلّ قَلْب مُتَكَبِّر " بِإِضَافَةِ قَلْب إِلَى الْمُتَكَبِّر وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم وَأَبُو عُبَيْد . وَفِي الْكَلَام حَذْف وَالْمَعْنَى : " كَذَلِكَ يَطْبَع اللَّه عَلَى كُلّ قَلْب " عَلَى كُلّ " مُتَكَبِّرٍ جَبَّار " فَحَذَفَ " كُلّ " الثَّانِيَة لِتَقَدُّمِ مَا يَدُلّ عَلَيْهَا . وَإِذَا لَمْ يُقَدَّرْ حَذْف " كُلّ " لَمْ يَسْتَقِمْ الْمَعْنَى ; لِأَنَّهُ يَصِير مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَطْبَع عَلَى جَمِيع قَلْبه وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَيْهِ . وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّهُ يَطْبَع عَلَى قُلُوب الْمُتَكَبِّرِينَ الْجَبَّارِينَ قَلْبًا قَلْبًا . وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى حَذْف " كُلّ " قَوْل أَبِي دُوَاد : أَكُلَّ اِمْرِئٍ تَحْسِبِينَ اِمْرَأً وَنَارٍ تَوَقَّدُ بِاللَّيْلِ نَارَا يُرِيد وَكُلّ نَار . وَفِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود " عَلَى قَلْب كُلّ مُتَكَبِّر " فَهَذِهِ قِرَاءَة عَلَى التَّفْسِير وَالْإِضَافَة . وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن مُحَيْصِن وَابْن ذَكْوَان عَنْ أَهْل الشَّام " قَلْبٍ " مُنَوَّن عَلَى أَنَّ " مُتَكَبِّر " نَعْت لِلْقَلْبِ فَكَنَّى بِالْقَلْبِ عَنْ الْجُمْلَة ; لِأَنَّ الْقَلْب هُوَ الَّذِي يَتَكَبَّر وَسَائِر الْأَعْضَاء تَبَعٌ لَهُ ; وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ فِي الْجَسَد مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَد كُلّه وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَد كُلّه أَلَّا وَهِيَ الْقَلْب ) وَيَجُوز أَنْ يَكُون عَلَى حَذْف الْمُضَاف ; أَيْ عَلَى كُلّ ذِي قَلْب مُتَكَبِّر ; تَجْعَل الصِّفَة لِصَاحِبِ الْقَلْب .


" وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ " (36)
لَمَّا قَالَ مُؤْمِن آل فِرْعَوْن مَا قَالَ , وَخَافَ فِرْعَوْن أَنْ يَتَمَكَّنَ كَلَام هَذَا الْمُؤْمِن فِي قُلُوب الْقَوْم , أَوْهَمَ أَنَّهُ يَمْتَحِن مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى مِنْ التَّوْحِيد , فَإِنْ بَانَ لَهُ صَوَابه لَمْ يُخْفِهِ عَنْهُمْ , وَإِنْ لَمْ يَصِحّ ثَبَّتَهُمْ عَلَى دِينهمْ ; فَأَمَرَ وَزِيرَهُ هَامَان بِبِنَاءِ الصَّرْح . وَقَدْ مَضَى فِي [ الْقَصَص ] ذِكْره .


" أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ۚ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37) "
" أَسْبَاب السَّمَوَات " بَدَل مِنْ الْأَوَّل . وَأَسْبَاب السَّمَاء أَبْوَابهَا فِي قَوْل قَتَادَة وَالزُّهْرِيّ وَالسُّدِّيّ وَالْأَخْفَش ; وَأَنْشَدَ : وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ الْمَنَايَا يَنَلْنَهُ وَلَوْ رَامَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ وَقَالَ أَبُو صَالِح : أَسْبَاب السَّمَوَات طُرُقهَا . وَقِيلَ : الْأُمُور الَّتِي تَسْتَمْسِك بِهَا السَّمَوَات . وَكَرَّرَ أَسْبَاب تَفْخِيمًا ; لِأَنَّ الشَّيْء إِذَا أُبْهِمَ ثُمَّ أُوضِحَ كَانَ تَفْخِيمًا لِشَأْنِهِ . وَاَللَّه أَعْلَم .

فَأنْظُرْ إِلَيْهِ نَظَرَ مُشْرِف عَلَيْهِ . تَوَهَّمَ أَنَّهُ جِسْم تَحْوِيهِ الْأَمَاكِن . وَكَانَ فِرْعَوْن يَدَّعِي الْأُلُوهِيَّةَ وَيَرَى تَحْقِيقَهَا بِالْجُلُوسِ فِي مَكَان مُشْرِفٍ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " فَأَطَّلِعُ " بِالرَّفْعِ نَسَقًا عَلَى قَوْله : " أَبْلُغُ " وَقَرَأَ الْأَعْرَج وَالسُّلَمِيّ وَعِيسَى وَحَفْص " فَأَطَّلِعَ " بِالنَّصْبِ ; قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : عَلَى جَوَاب " لَعَلَّ " بِالْفَاءِ . النَّحَّاس : وَمَعْنَى النَّصْب خِلَاف مَعْنَى الرَّفْع ; لِأَنَّ مَعْنَى النَّصْب مَتَى بَلَغْت الْأَسْبَاب اِطَّلَعْت . وَمَعْنَى الرَّفْع " لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب " ثُمَّ لَعَلِّي أَطَّلِع بَعْد ذَلِكَ ; إِلَّا أَنَّ ثُمَّ أَشَدُّ تَرَاخِيًا مِنْ الْفَاء .

أَيْ وَإِنِّي لَأَظُنُّ مُوسَى كَاذِبًا فِي اِدِّعَائِهِ إِلَهًا دُونِي , وَإِنَّمَا أَفْعَلُ مَا أَفْعَلُ لِإِزَاحَةِ الْعِلَّة . وَهَذَا يُوجِب شَكَّ فِرْعَوْن فِي أَمْر اللَّه . وَقِيلَ : إِنَّ الظَّنّ بِمَعْنَى الْيَقِين أَيْ وَأَنَا أَتَيَقَّنُ أَنَّهُ كَاذِب وَإِنَّمَا أَقُول مَا أَقُول لِإِزَالَةِ الشُّبْهَة عَمَّنْ لَا يَتَيَقَّنُ مَا أَتَيَقَّنُهُ .

أَيْ كَمَا قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَة وَارْتَابَ زَيَّنَ لَهُ الشَّيْطَان أَوْ زَيَّنَ اللَّه سُوء عَمَله أَيْ الشِّرْك وَالتَّكْذِيب .

قِرَاءَة الْكُوفِيِّينَ " وَصُدَّ " عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله وَهُوَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم ; وَيَجُوز عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة " وَصِدَّ " بِكَسْرِ الصَّاد نُقِلَتْ كَسْرَة الدَّال عَلَى الصَّاد ; وَهِيَ قِرَاءَة يَحْيَى بْن وَثَّاب وَعَلْقَمَة . وَقَرَأَ اِبْن أَبِي إِسْحَاق وَعَبْد الرَّحْمَن بْن بَكْرَة " وَصَدٌّ عَنْ السَّبِيل " بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِين . الْبَاقُونَ " وَصَدَّ " بِفَتْحِ الصَّاد وَالدَّال . أَيْ صَدَّ فِرْعَوْنُ النَّاسَ عَنْ السَّبِيل .

أَيْ فِي خُسْرَان وَضَلَال , وَمِنْهُ : " تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَب " [ الْمَسَد : 1 ] وَقَوْله : " وَمَا زَادُوهُمْ غَيْر تَتْبِيبٍ " [ هُود : 101 ] وَفِي مَوْضِع " غَيْر تَخْسِير " [ هُود : 63 ] فَهَدَّ اللَّه صَرْحه وَغَرَّقَهُ هُوَ وَقَوْمه عَلَى مَا تَقَدَّمَ .


الآيات: 38 - 44 ( وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد، يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار، من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب، ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار، تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار، لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار، فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد )
قوله تعالى: « وقال الذي آمن ياقوم اتبعون » هذا من تمام ما قاله مؤمن آل فرعون؛ أي اقتدوا بي في الدين. « سبيل الرشاد » أي طريق الهدى وهو الجنة. وقيل: من قول موسى. وقرأ معاذ بن جبل « الرشاد » بتشديد الشين وهو لحن عند أكثر أهل العربية؛ لأنه إنما يقال أرشد يرشد ولا يكون فعال من أفعل إنما يكون من الثلاثي، فإن أردت التكثير من الرباعي قلت: مفعال. قال النحاس: يجوز أن يكون رشاد بمعنى يرشد لا على أنه مشتق منه، ولكن كما يقال لآل من اللؤلؤ فهو بمعناه وليس جاريا عليه. ويجوز أن يكون رشاد من رشد يرشد أي صاحب رشاد؛ كما قال:

كليني لهم يا أميمة ناصب

الزمخشري: وقرئ « الرشاد » فعال من رشد بالكسر كعلام أو من رشد بالفتح كعباد. وقيل: من أرشد كجبار من أجبر وليس بذاك؛ لأن فعالا من أفعل لم يجئ إلا في عدة أحرف؛ نحو دراك وسار وقصار وجبار. ولا يصح القياس على هذا القليل. ويجوز أن يكون نسبته إلى الرشد كعواج وبتات غير منظور فيه إلى فعل. ووقع في المصحف « اتبعون » بغير ياء. وقرأها يعقوب وابن كثير بالإثبات في الوصل والوقف. وحذفها أبو عمرو ونافع في الوقف وأثبتوها في الوصل، إلا ورشا حذفها في الحالين، وكذلك الباقون؛ لأنها وقعت في المصحف بغير ياء ومن أثبتها فعلى الأصل.
قوله تعالى: « ياقوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع » أي يتمتع بها قليلا ثم تنقطع وتزول. « وإن الآخرة هي دار القرار » أي الاستقرار والخلود. ومراده بالدار الآخرة الجنة والنار لأنهما لا يفنيان. بين ذلك بقوله: « من عمل سيئة » يعني الشرك « فلا يجزى إلا مثلها » وهو العذاب. « ومن عمل صالحا » قال ابن عباس: يعني لا إله إلا الله. « وهو مؤمن » مصدق بقلبه لله وللأنبياء. « فأولئك يدخلون الجنة » بضم الياء على ما لم يسم فاعله. وهي قراءة ابن كثير وابن محيصن وأبي عمرو ويعقوب وأبي بكر عن عاصم؛ يدل عليه « يرزقون فيها بغير حساب » الباقون « يدخلون » بفتح الياء.
قوله تعالى: « وياقوم ما لي أدعوكم إلى النجاة » أي إلى طريق الإيمان الموصل إلى الجنان « وتدعونني إلى النار » بين أن ما قال فرعون من قوله: « وما أهديكم إلا سبيل الرشاد » [ غافر: 29 ] سبيل الغي عاقبته النار وكانوا دعوه إلى اتباعه؛ ولهذا قال: « تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم » وهو فرعون « وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار » . « لا جرم » تقدم الكلام فيه، ومعناه حقا. « أنما تدعونني إليه » « ما » بمعنى الذي « ليس له دعوة » قال الزجاج: ليس له استجابة دعوة تنفع؛ وقال غيره: ليس له دعوة توجب له الألوهية « في الدنيا ولا في الآخرة » وقال الكلبي: ليس له شفاعة في الدنيا ولا في الآخرة. وكان فرعون أولا يدعو الناس إلى عبادة الأصنام، ثم دعاهم إلى عبادة البقر، فكانت تعبد ما كانت شابة، فإذا هرمت أمر بذبحها، ثم دعا بأخرى لتعبد، ثم لما طال عليه الزمان قال أنا ربكم الأعلى. « وأن المسرفين هم أصحاب النار » قال قتادة وابن سيرين يعني المشركين. وقال مجاهد والشعبي: هم السفهاء والسفاكون للدماء بغير حقها. وقال عكرمة: الجبارون والمتكبرون. وقيل: هم الذي تعدوا حدود الله. وهذا جامع لما ذكر. و « أن » في المواضع في موضع نصب بإسقاط حرف الجر. وعلى ما حكاه سيبويه عن الخليل من أن « لا جرم » رد لكلام يجوز أن يكون موضع « أن » رفعا على تقدير وجب أن ما تدعونني إليه، كأنه قال: وجب بطلان ما تدعونني إليه، والمرد إلى الله، وكون المسرفين هم أصحاب النار.
قوله تعالى: « فستذكرون ما أقول لكم » تهديد ووعيد. و « ما » يجوز أن تكون بمعنى الذي أي الذي أقوله لكم. ويجوز أن تكون مصدرية أي فستذكرون قولي لكم إذا حل بكم العذاب. « وأفوض أمري إلى الله » أي أتوكل عليه وأسلم أمري إليه. وقيل: هذا يدل على أنهم أرادوا قتله. وقال مقاتل: هرب هذا المؤمن إلى الجبل فلم يقدروا عليه. وقد قيل: القائل موسى. والأظهر أنه مؤمن آل فرعون؛ وهو قول ابن عباس.
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الأربعاء أغسطس 21, 2013 2:02 am

تابع تفسير القرطبى لسورة غافر
============


الآيات: 45 - 46 ( فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب، النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب )
قوله تعالى: « فوقاه الله سيئات ما مكروا » أي من إلحاق أنواع العذاب به فطلبوه فما وجدوه؛ لأنه فوض أمره إلى الله. قال قتادة: كان قبطيا فنجاه الله مع بني إسرائيل. فالهاء على هذا لمؤمن آل فرعون. وقيل: إنها لموسى على ما تقدم من الخلاف. « وحاق بآل فرعون سوء العذاب » قال الكسائي: يقال حاق يحيق حيقا وحيوقا إذ نزل ولزم. ثم بين العذاب فقال: « النار يعرضون عليها » وفيه ستة أوجه: يكون رفعا على البدل من « سوء » . ويجوز أن يكون بمعنى هو النار. ويجوز أن يكون مرفوعا بالابتداء. وقال الفراء: يكون مرفوعا بالعائد على معنى النار عليها يعرضون، فهذه أربعة أوجه في الرفع، وأجاز الفراء النصب؛ لأن بعدها عائدا وقبلها ما يتصل به، وأجاز الأخفش الخفض على البدل من « العذاب » . والجمهور على أن هذا العرض في البرزخ. واحتج بعض أهل العلم في تثبيت عذاب القبر بقوله: « النار يعرضون عليها غدوا وعشيا » ما دامت الدنيا. كذلك قال مجاهد وعكرمة ومقاتل ومحمد بن كعب كلهم قال: هذه الآية تدل على عذاب القبر في الدنيا، ألا تراه يقول عن عذاب الآخرة: « ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب » . وفي الحديث عن ابن مسعود: أن أرواح آل فرعون ومن كان مثلهم من الكفار تعرض على النار بالغداة والعشي فيقال هذه داركم. وعنه أيضا: إن أرواحهم في أجواف طير سود تغدو على جهنم وتروح كل يوم مرتين فذلك عرضها. وروى شعبة عن يعلى بن عطاء قال: سمعت ميمون بن مهران يقول: كان أبو هريرة إذا أصبح ينادي: أصبحنا والحمد لله وعرض آل فرعون على النار. فإذا أمسى نادى: أمسينا والحمد لله وعرض آل فرعون على النار؛ فلا يسمع أبا هريرة أحد إلا تعوذ بالله من النار. وفي حديث صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الكافر إذا مات عرض على النار بالغداة والعشي ثم تلا: « النار يعرضون عليها غدوا وعشيا » وإن المؤمن إذا مات عرض روحه عل الجنة بالغداة والعشي ) وخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة ) . قال الفراء: في الغداة والعشي بمقادير دلك في الدنيا. وهو قول مجاهد. قال: « غدوا وعشيا » قال: من أيام الدنيا. وقال حماد بن محمد الفزاري: قال رجل للأوزاعي رأينا طيورا تخرج من البحر تأخذ ناحية الغرب، بيضا صغارا فوجا فوجا لا يعلم عددها إلا الله، فإذا كان العشاء رجعت مثلها سودا. قال: تلك الطيور في حواصلها أرواح آل فرعون، يعرضون على النار غدوا وعشيا، فترجع إلى أوكارها وقد أحترقت رياشها وصارت سودا، فينبت عليها من الليل رياشها بيضا وتتناثر السود، ثم تغدو فتعرض على النار غدوا وعشيا، ثم ترجع إلى وكرها فذلك دأبها ما كانت في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة قال الله تعالى: « أدخلوا آل فرعون أشد العذاب » وهو الهاوية. قال الأوزاعي: فبلغنا أنهم ألفا ألف وستمائة ألف. و « غدوا » مصدر جعل ظرفا على السعة. « وعشيا » عطف عليه وتم الكلام. « ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب » ابتدئ « ويوم تقوم الساعة » على أن تنصب يوما بقوله: « أدخلوا » ويجوز أن يكون منصوبا بـ « يعرضون » على معنى « يعرضون » على النار في الدنيا « ويوم تقوم الساعة » فلا يوقف عليه. وقرأ نافع وأهل المدينة وحمزة والكسائي: « أدخلوا » بقطع الألف وكسر الخاء من أدخل وهي اختيار أبي عبيد؛ أي يأمر الملائكة أن يدخلوهم، ودليله « النار يعرضون عليها » . الباقون « أدخلوا » بوصل الألف وضم الخاء من دخل أي يقال لهم: « أدخلوا » يا « آل فرعون أشد العذاب » وهو اختيار أبي حاتم. قال: في القراءة الأولى: « آل » مفعول أول و « أشد » مفعول ثان بحذف الجر، وفي القراءة الثانية منصوب؛ لأنه نداء مضاف. وآل فرعون: من كان على دينه وعلى مذهبه، وإذا كان من كان على دينه ومذهبه في أشد العذاب كان هو أقرب إلى ذلك. وروى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن العبد يولد مؤمنا ويحيا مؤمنا ويموت مؤمنا منهم يحيى بن زكريا ولد مؤمنا وحيي مؤمنا ومات مؤمنا وإن العبد يولد كافرا ويحيا كافرا ويموت كافرا منهم فرعون ولد كافرا وحيي كافرا ومات كافرا ) ذكره النحاس. وجعل الفراء في الآية تقديما وتأخيرا مجازه: « أدخلوا آل فرعون أشد العذاب » . « النار يعرضون عليها غدوا وعشيا » فجعل العرض في الآخرة؛ وهو خلاف ما ذهب إليه الجمهور من انتظام الكلام على سياقه على ما تقدم. والله أعلم.

الآيات: 47 - 50 ( وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار، قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد، وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب، قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال )

قوله تعالى: « وإذ يتحاجون في النار » أي يختصمون فيها « فيقول الضعفاء للذين استكبروا » عن الانقياد للأنبياء « إنا كنا لكم تبعا » فيما دعوتمونا إليه من الشرك في الدنيا « فهل أنتم مغنون عنا » أي متحملون « نصيبا من النار » أي جزءا من العذاب. والتبع يكون واحدا ويكون جمعا في قول البصريين واحده تابع. وقال أهل الكوفة: هو جمع لا واحد له كالمصدر فلذلك لم يجمع ولو جمع لقيل أتباع. « قال الذين استكبروا إنا كل فيها » أي في جهنم. قال الأخفش: « كل » مرفوع بالابتداء. وأجاز الكسائي والفراء « إنا كلا فيها » بالنصب على النعت والتأكيد للمضمر في « إنا » وكذلك قرأ ابن السميقع وعيسى بن عمر والكوفيون يسمون التأكيد نعتا. ومنع ذلك سيبويه؛ قال: لأن « كلا » لا تنعت ولا ينعت بها. ولا يجوز البدل فيه لأن المخبر عن نفسه لا يبدل منه غيره، وقال معناه المبرد قال: لا يجوز أن يبدل من المضمر هنا؛ لأنه مخاطب ولا يبدل من المخاطَب ولا من المخاطِب؛ لأنهما لا يشكلان فيبدل منهما؛ هذا نص كلامه. « إن الله قد حكم بين العباد » أي لا يؤاخذ أحدا بذنب غيره؛ فكل منا كافر.
قوله تعالى: « وقال الذين في النار » من الأمم الكافرة. ومن العرب من يقول اللذون على أنه جمع مسلم معرب، ومن قال: « الذين » في الرفع بناه كما كان في الواحد مبنيا. وقال الأخفش: ضمت النون إلى الذي فأشبه خمسة عشر فبني على الفتح. « لخزنة جهنم » خزنة جمع خازن ويقال: خزان وخزن. « ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب » « يخفف » جواب مجزوم وإن كان بالفاء كان منصوبا، إلا أن الأكثر في كلام العرب في جواب الأمر وما أشبهه أن يكون بغير فاء وعلى هذا جاء القرآن بأفصح اللغات كما قال:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

قال محمد بن كعب القرظي: بلغني أو ذكر لي أن أهل النار استغاثوا بالخزنة؛ فقال الله تعالى: « وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب » فسألوا يوما واحدا يخفف عنهم فيه العذاب فردت عليهم « أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال » الخبر بطوله. وفي الحديث عن أبي الدرداء خرجه الترمذي وغيره قال: يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون منه فيغاثون بالضريع لا يسمن ولا يغني من جوع، فيأكلونه لا يغني عنهم شيئا، فيستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصة فيغصون به، فيذكرون أنهم كانوا في الدنيا يجيزون الغصص بالماء، فيستغيثوا بالشراب فيرفع لهم الحميم بالكلاليب، فإذا دنا من وجوههم شواها، فإذا وقع في بطونهم قطع أمعاءهم وما في بطونهم، فيستغيثون بالملائكة يقولون: « ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب » فيجيبوهم « أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال » أي خسار وتبار.

الآيات: 51 - 54 ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار، ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب، هدى وذكرى لأولي الألباب )
قوله تعالى: « إنا لننصر رسلنا » ويجوز حذف الضمة لثقلها فيقال: « رسْلنا » والمراد موسى عليه السلام. « والذين آمنوا في الحياة الدنيا » في موضع نصب عطف على الرسل، والمراد المؤمن الذي وعظ. وقيل: هو عام في الرسل والمؤمنين، ونصرهم بإعلاء الحجج وإفلاحها في قول أبي العالية. وقيل: بالانتقام من أعدائهم. قال السدي: ما قتل قوم قط نبيا أو قوما من دعاة الحق من المؤمنين إلا بعث الله عز وجل من ينتقم لهم، فصاروا منصورين فيها وإن قتلوا.
قوله تعالى: « ويوم يقوم الأشهاد » يعني يوم القيامة. قال زيد بن أسلم: « الأشهاد » أربعة: الملائكة والنبيون والمؤمنون والأجساد. وقال مجاهد والسدي: « الأشهاد » الملائكة تشهد للأنبياء بالإبلاغ وعلى الأمم بالتكذيب. وقال قتادة: الملائكة والأنبياء. ثم قيل: « الأشهاد » جمع شهيد مثل شريف وأشراف. وقال الزجاج: « الأشهاد » جمع شاهد مثل صاحب وأصحاب. النحاس: ليس باب فاعل أن يجمع على أفعال ولا يقاس عليه ولكن ما جاء منه مسموعا أدي كما سمع، وكان على حذف الزائد. وأجاز الأخفش والفراء: « ويوم تقوم الأشهاد » بالتاء على تأنيث الجماعة. وفي الحديث عن أبي الدرداء وبعض المحدثين يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من رد عن عرض أخيه المسلم كان حقا على الله عز وجل أن يرد عنه نار جهنم ) ثم تلا: « إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا » . وعنه عليه السلام أنه قال: ( من حمى مؤمنا من منافق يغتابه بعث الله عز وجل يوم القيامة ملكا يحميه من النار ومن ذكر مسلما بشيء يشينه به وقفه الله عز وجل على جسر من جهنم حتى يخرج مما قال ) . « يوم » بدل من يوم الأول. « لا ينفع الظالمين معذرتهم » قرأ نافع والكوفيون « ينفع » بالياء. الباقون بالتاء. « ولهم اللعنة ولهم سوء الدار » « اللعنة » البعد من رحمة الله و « سوء الدار » جهنم.
قوله تعالى: « ولقد آتينا موسى الهدى » هذا دخل في نصرة الرسل في الدنيا والآخرة أي آتيناه التوراة والنبوة. وسميت التوراة هدى بما فيها من الهدى والنور؛ وفي التنزيل: « إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور » [ المائدة:44 ] . « وأورثنا بني إسرائيل الكتاب » يعني التوراة جعلناها لهم ميراثا. « هدى » بدل من الكتاب ويجوز بمعنى هو هدى؛ يعني ذلك الكتاب. « وذكرى لأولي الألباب » أي موعظة لأصحاب العقول.

الآيات: 55 - 59 ( فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار، إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير، لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون، إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون )
قوله تعالى: « فاصبر » أي فاصبر يا محمد على أذى المشركين، كما صبر من قبلك « إن وعد الله حق » بنصرك وإظهارك، كما نصرت موسى وبني إسرائيل. وقال الكلبي: نسخ هذا بآية السيف. « واستغفر لذنبك » قيل: لذنب أمتك حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وقيل: لذنب نفسك على من يجوز الصغائر على الأنبياء. ومن قال لا تجوز قال: هذا تعبد للنبي عليه السلام بدعاء؛ كما قال تعالى: « وآتنا ما وعدتنا » [ آل عمران: 194 ] والفائدة زيادة الدرجات وأن يصير الدعاء سنة لمن بعده. وقيل: فاستغفر الله من ذنب صدر منك قبل النبوة. « وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار » يعني صلاة الفجر وصلاة العصر؛ قال الحسن وقتادة. وقيل: هي صلاة كانت بمكة قبل أن تفرض الصلوات الخمس ركعتان غدوة وركعتان عشية. عن الحسن أيضا ذكره الماوردي. فيكون هذا مما نسخ والله أعلم. وقوله: « بحمد ربك » بالشكر له والثناء عليه. وقيل: « وسبح بحمد ربك » أي استدم التسبيح في الصلاة وخارجا منها لتشتغل بذلك عن استعجال النصر.
قوله تعالى: « إن الذين يجادلون » يخاصمون « في آيات الله بغير سلطان » أي حجة « أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه » قال الزجاج: المعنى ما في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغي إرادتهم فيه. قدره على الحذف. وقال غيره: المعنى ما هم ببالغي الكبر على غير حذف؛ لأن هؤلاء قوم رأوا أنهم أن اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم قل ارتفاعهم، ونقصت أحوالهم، وأنهم يرتفعون إذا لم يكونوا تبعا، فأعلم الله عز وجل أنهم لا يبلغون الارتفاع الذي أملوه بالتكذيب. والمراد المشركون. وقيل: اليهود؛ فالآية مدنية على هذا كما تقدم أول السور. والمعنى: إن تعظموا عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا إن الدجال سيخرج عن قريب فيرد الملك إلينا، وتسير معه الأنهار، وهو آية من آيات الله فذلك كبر لا يبلغونه فنزلت الآية فيهم. قال أبو العالية وغيره. وقد تقدم في « آل عمران » أنه يخرج ويطأ البلاد كلها إلا مكة والمدينة. وقد ذكرنا خبره مستوفى في كتاب التذكرة. وهو يهودي واسمه صاف ويكنى أبا يوسف. وقيل: كل من كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم. وهذا حسن؛ لأنه يعم. وقال مجاهد: معناه في صدورهم عظمة ما هم ببالغيها والمعنى واحد. وقيل: المراد بالكبر الأمر الكبير أي يطلبون النبوة أو أمرا كبيرا يصلون به إليك من القتل ونحوه، ولا يبلغون ذلك. أو يتمنون موتك قبل أن يتم دينك ولا يبلغونه.
قوله تعالى: « فاستعذ بالله » قيل: من فتنة الدجال على قول من قال إن الآية نزلت في اليهود. وعلى القول الآخر من شر الكفار. قيل: من مثل ما ابتلوا به من الكفر والكبر. « إنه هو السميع البصير » « هو » يكون فاصلا ويكون مبتدأ وما بعده خبره والجملة خبر إن على ما تقدم. « لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس » مبتدأ وخبره. قال أبو العالية: أي أعظم من خلق الدجال حين عظمته اليهود. وقال يحيى بن سلام: هو احتجاج على منكري البعث؛ أي هما أكبر من إعادة خلق الناس فلم اعتقدوا عجزي عنها؟. « ولكن أكثر الناس لا يعلمون » أي لا يعلمون ذلك.
قوله تعالى: « وما يستوي الأعمى والبصير » أي المؤمن والكافر والضال والمهتدي. « والذين آمنوا وعملوا الصالحات » أي ولا يستوي العامل للصالحات « ولا المسيء » الذي يعمل السيئات. « قليلا ما تتذكرون » قراءة العامة بياء على الخبر واختاره أبو عبيد وأبو حاتم؛ لأجل ما قبله من الخبر وما بعده. وقرأ الكوفيون بالتاء على الخطاب.
قوله تعالى: « إن الساعة لآتية » هذه لام التأكيد دخلت في خبر إن وسبيلها أن تكون في أول الكلام؛ لأنها توكيد الجملة إلا أنها تزحلق عن موضعها؛ كذا قال سيبويه. تقول: إن عمرا لخارج؛ وإنما أخرت عن موضعها لئلا يجمع بينها وبين إن؛ لأنهما يؤديان عن معنى واحد، وكذا لا يجمع بين إن وأن عند البصريين. وأجاز هشام إن أن زيدا منطلق حق؛ فإن حذفت حقا لم يجز عند أحد من النحويين علمته؛ قاله النحاس. « لا ريب فيها » لا شك ولا مرية. « ولكن أكثر الناس لا يؤمنون » أي لا يصدقون بها وعندها يبين فرق ما بين الطائع والعاصي.

الآيات: 60 - 65 ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين، الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون، ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون، كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون، الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين، هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين )
قوله تعالى: « وقال ربكم ادعوني أستجب لكم » روى النعمان بن بشير قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( الدعاء هو العبادة ) ثم قرأ « وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين » قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. فدل هذا على أن الدعاء هو العبادة. وكذا قال أكثر المفسرون وأن المعنى: وحدوني واعبدوني أتقبل عبادتكم وأغفر لكم. وقيل: هو الذكر والدعاء والسؤال. قال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع ) ويقال الدعاء: هو ترك الذنوب. وحكى قتادة أن كعب الأحبار قال: أعطيت هذه الأمة ثلاثا لم تعطهن أمة قبلهم إلا نبي: كان إذا أرسل نبي قيل له أنت شاهد على أمتك، وقال تعالى لهذه الأمة: « لتكونوا شهداء على الناس » [ البقرة: 143 ] وكان يقال للنبي: ليس عليك في الدين من حرج، وقال لهذه الأمة: « وما جعل عليكم في الدين من حرج » [ الحج: 78 ] وكان يقال للنبي ادعني استجب لك، وقال لهذه الأمة: « ادعوني استجب لكم » .

قلت: مثل هذا لا يقال من جهة الرأي. وقد جاء مرفوعا؛ رواه ليث عن شهر بن حوشب عن عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( أعطيت أمتي ثلاثا لم تعط إلا للأنبياء كان الله تعالى إذا بعث النبي قال ادعني استجب لك وقال لهذه الأمة: « ادعوني استجب لكم » وكان الله إذا بعث النبي قال: ما جعل عليك في الدين من حرج وقال لهذه الأمة: « وما جعل عليكم في الدين من حرج » [ الحج: 78 ] وكان الله إذا بعث النبي جعله شهيدا على قومه وجعل هذه الأمة شهداء على الناس ) ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول. وكان خالد الربعي يقول: عجيب لهذه الأمة قيل لها: « ادعوني استجب لكم » أمرهم بالدعاء ووعدهم الاستجابة وليس بينهما شرط. قال له قائل: مثل ماذا؟ قال: مثل قوله تعالى: « وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات » [ البقرة: 25 ] فها هنا شرط، وقوله: « وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق » [ يونس: 2 ] ، فليس فيه شرط العمل؛ ومثل قوله: « فادعوا الله مخلصين له الدين » [ غافر: 14 ] فها هنا شرط، وقوله تعالى: « ادعوني استجب لكم » ليس فيه شرط. وكانت الأمة تفزع إلى أنبيائها في حوائجها حتى تسأل الأنبياء لهم ذلك. وقد قيل: إن هذا من باب المطلق والمقيد على ما تقدم في « البقرة » بيانه. أي « استجب لكم » إن شئت؛ كقوله: « فيكشف ما تدعون إليه إن شاء » [ الأنعام:41 ] . وقد تكون الاستجابة في غير عين المطلوب على حديث أبي سعيد الخدري على ما تقدم في « البقرة » بيانه فتأمله هناك. وقرأ ابن كثير وابن محيصن ورويس عن يعقوب وعياش عن أبي عمرو وأبو بكر والمفضل عن عاصم « سيدخلون » بضم الياء وفتح الخاء على ما لم يسم فاعله. الباقون « يدخلون » بفتح الياء وضم الخاء. ومعنى « داخرين » صاغرين أذلاء وقد تقدم.
قوله تعالى: « الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه » « جعل » هنا بمعنى خلق؛ والعرب تفرق بين جعل إذا كانت بمعنى خلق وبين جعل إذ لم تكن بمعنى خلق؛ فإذا كانت بمعنى خلق فلا تعديها إلا إلى مفعول واحد، وإذا لم تكن بمعنى خلق عدتها إلى مفعولين؛ نحو قوله:إنا جعلناه قرآنا عربيا « وقد مضى هذا المعنى في موضع. » والنهار مبصرا « أي مضيئا لتبصروا فيه حوائجكم وتتصرفوا في طلب معايشكم. » إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون « فضله وإنعامه عليهم.»
قوله تعالى: « ذلكم الله ربكم خالق كل شيء » بين الدلالة على وحدانيته وقدرته. « لا إله إلا هو فأنى تؤفكون » أي كيف تنقلبون وتنصرفون عن الإيمان بعد أن تبينت لكم دلائله كذلك؛ أي كما صرفتم عن الحق مع قيام الدليل عليه فـ « كذلك يؤفك » يصرف عن الحق الذين كانوا بآيات الله يجحدون.
قوله تعالى: « الله الذي جعل لكم الأرض قرارا » زاد في تأكيد التعريف والدليل؛ أي جعل لكم الأرض مستقرا لكم في حياتكم وبعد الموت. « والسماء بناء » تقدم. « وصوركم فأحسن صوركم » أي خلقكم في أحسن صورة. وقرأ أبو رزين والأشهب العقيلي « صوركم » بكسر الصاد؛ قال الجوهري: والصور بكسر الصاد لغة في الصور جمع صورة، وينشد هذا البيت على هذه اللغة يصف الجواري قائلا:

أشبهن من بقر الخلصاء أعينها وهن أحسن من صيرانها صورا

والصيران جمع صوار وهو القطيع من البقر والصوار أيضا وعاء المسك وقد جمعهما الشاعر:

إذا لاح الصوار ذكرت ليلى وأذكرها إذا نفخ الصوار

والصيار لغة فيه. « ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين » وقد مضى. « هو الحي » أي الباقي الذي لا يموت « لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين » أي مخلصين له الطاعة والعبادة. « الحمد لله رب العالمين » قال الفراء: هو خبر وفيه إضمار أمر أي ادعوه واحمدوه. وقد مضى هدا كله مستوفى في « البقرة » وغيرها. وقال ابن عباس: من قال: « لا إله إلا الله » فليقل « الحمد لله رب العالمين » .
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الخميس أغسطس 22, 2013 8:11 am

تابع تفسير القرطبى لسورة غافر
===========


الآيات: 66 - 68 ( قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين، هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون، هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون )
قوله تعالى: « قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله » أي قل يا محمد: نهاني الله الذي هو الحي القيوم ولا إله غيره « أن اعبد » غيره. « لما جاءني البينات من ربي » أي دلائل توحيده « وأمرت أن أسلم لرب العالمين » أذل وأخضع « لرب العالمين » وكانوا دعوه إلى دين آبائه، فأمر أن يقول هذا.
قوله تعالى: « هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا » أي أطفالا. « ثم لتبلغوا أشدكم » وهي حالة اجتماع القوة وتمام العقل. وقد مضى في « الأنعام » بيانه. « ثم لتكونوا شيوخا » بضم الشين قراءة نافع وابن محيصن وحفص وهشام ويعقوب وأبو عمرو على الأصل؛ لأنه جمع فعل، نحو: قلب وقلوب ورأس ورؤوس. وقرأ الباقون بكسر الشين لمراعاة الياء وكلاهما جمع كثرة، وفي العدد القليل أشياخ والأصل أشيخ؛ مثل فلس وأفلس إلا أن الحركة في الياء ثقيلة. وقرئ « شيخا » على التوحيد؛ كقوله: « طفلا » والمعنى كل واحد منكم؛ واقتصر على الواحد لأن الغرض بيان الجنس. وفي الصحاح: جمع الشيخ شيوخ وأشياخ وشيخة وشيخان ومشيخة ومشايخ ومشيوخاء، والمرأة شيخة. قال عبيد:

كأنها شيخة رقوب

وقد شاخ الرجل يشيخ شيخا بالتحريك على أصله وشيخوخة، وأصل الياء متحركة فسكنت؛ لأنه ليس في الكلام فعلول. وشيخ تشييخا أي شاخ. وشيخته دعوته شيخا للتبجيل. وتصغير الشيخ شييخ وشييخ أيضا بكسر الشين ولا تقل شويخ النحاس: وإن اضطر شاعر جاز أن يقول أشيخ مثل عين وأعين إلا أنه حسن في عين؛ لأنها مؤنثة. والشيخ من جاوز أربعين سنة. « ومنكم من يتوفى من قبل » قال مجاهد: أي من قبل أن يكون شيخا، أومن قبل هذه الأحوال إذا خرج سقطا. « ولتبلغوا أجلا مسمى » قال مجاهد: الموت للكل. واللام لام العاقبة. « ولعلكم تعقلون » تعقلون ذلك فتعلموا أن لا إله غيره.
قوله تعالى: « هو الذي يحيي ويميت » زاد في التنبيه أي هو الذي يقدر على الإحياء والإماتة. « فإذا قضى أمرا » أي أراد فعله « فإنما يقول له كن فيكون » نصب « فيكون » ابن عامر على جواب الأمر. وقد مضى في « البقرة » القول فيه.


أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ (69)
قَالَ اِبْن زَيْد : هُمْ الْمُشْرِكُونَ بِدَلِيلِ قَوْله : " الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلنَا " . وَقَالَ أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ : نَزَلَتْ فِي الْقَدَرِيَّة . قَالَ اِبْن سِيرِينَ : إِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي الْقَدَرِيَّة فَلَا أَدْرِي فِيمَنْ نَزَلَتْ .


الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70)
قَالَ أَبُو قَبِيل : لَا أَحْسِب الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ إِلَّا الَّذِينَ يُجَادِلُونَ الَّذِينَ آمَنُوا . وَقَالَ عُقْبَة بْن عَامِر : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْقَدَرِيَّة ) ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ .


إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71)
أَيْ عَنْ قَرِيب يَعْلَمُونَ بُطْلَان مَا هُمْ فِيهِ إِذَا دَخَلُوا النَّار وَغُلَّتْ أَيْدِيهمْ إِلَى أَعْنَاقهمْ . قَالَ التَّيْمِيّ : لَوْ أَنَّ غُلًّا مِنْ أَغْلَال جَهَنَّم وُضِعَ عَلَى جَبَل لَوَهَصَهُ حَتَّى يَبْلُغ الْمَاء الْأَسْوَد .
بِالرَّفْعِ قِرَاءَة الْعَامَّة عَطْفًا عَلَى الْأَغْلَال . قَالَ أَبُو حَاتِم : " يُسْحَبُونَ " مُسْتَأْنَف عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة . وَقَالَ غَيْره : هُوَ فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال , وَالتَّقْدِير : " إِذْ الْأَغْلَال فِي أَعْنَاقهمْ وَالسَّلَاسِل " مَسْحُوبِينَ . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَأَبُو الْجَوْزَاء وَعِكْرِمَة وَابْن مَسْعُود " وَالسَّلَاسِلَ " بِالنَّصْبِ " يَسْحَبُونَ " بِفَتْحِ الْيَاء وَالتَّقْدِير فِي هَذِهِ الْقِرَاءَة وَيَسْحَبُونَ السَّلَاسِلَ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِذَا كَانُوا يَجُرُّونَهَا فَهُوَ أَشَدُّ عَلَيْهِمْ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضهمْ " وَالسَّلَاسِلِ " بِالْجَرِّ وَوَجْهه أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْمَعْنَى أَعْنَاقهمْ فِي الْأَغْلَال وَالسَّلَاسِل ; قَالَهُ الْفَرَّاء . وَقَالَ الزَّجَّاج : وَمَنْ قَرَأَ " وَالسَّلَاسِل يُسْحَبُونَ " بِالْخَفْضِ فَالْمَعْنَى عِنْده وَفِي " السَّلَاسِل يُسْحَبُونَ " . قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَالْخَفْض عَلَى هَذَا الْمَعْنَى غَيْر جَائِز ; لِأَنَّك إِذَا قُلْت زَيْد فِي الدَّار لَمْ يَحْسُنْ أَنْ تُضْمِر " فِي " فَتَقُول زَيْد الدَّار , وَلَكِنَّ الْخَفْض جَائِز . عَلَى مَعْنَى إِذْ أَعْنَاقهمْ فِي الْأَغْلَال وَالسَّلَاسِل , فَتَخْفِض السَّلَاسِل عَلَى النَّسَق عَلَى تَأْوِيل الْأَغْلَال ; لِأَنَّ الْأَغْلَال فِي تَأْوِيل الْخَفْض ; كَمَا تَقُول : خَاصَمَ عَبْدُ اللَّه زَيْدًا الْعَاقِلَيْنِ فَتَنْصِبُ الْعَاقِلَيْنِ . وَيَجُوزُ رَفْعُهُمَا ; لِأَنَّ أَحَدهمَا إِذَا خَاصَمَ صَاحِبَهُ فَقَدْ خَاصَمَهُ صَاحِبه ; أَنْشَدَ الْفَرَّاء : قَدْ سَالَمَ الْحَيَّاتِ مِنْهُ الْقَدَمَا الْأُفْعُوَانَ وَالشُّجَاعَ الشَّجْعَمَا فَنَصَبَ الْأُفْعُوَانَ عَلَى الْإِتْبَاع لِلْحَيَّاتِ إِذَا سَالَمَتْ الْقَدَمَ فَقَدْ سَالَمَتْهَا الْقَدَمُ . فَمَنْ نَصَبَ السَّلَاسِل أَوْ خَفَضَهَا لَمْ يَقِف عَلَيْهَا .


فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72)
الْمُتَنَاهِي فِي الْحَرّ . وَقِيلَ : الصَّدِيد الْمَغْلِيّ .
أَيْ يُطْرَحُونَ فِيهَا فَيَكُونُونَ وَقُودًا لَهَا ; قَالَ مُجَاهِد . يُقَال : سَجَرْت التَّنُّور أَيْ أَوْقَدْته , وَسَجَرْته مَلَأْته ; وَمِنْهُ " وَالْبَحْر الْمَسْجُور " [ الطُّور : 6 ] أَيْ الْمَمْلُوء . فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا تُمْلَأ بِهِمْ النَّار وَقَالَ الشَّاعِر يَصِف وَعْلًا : إِذَا شَاءَ طَالَعَ مَسْجُورَةً تَرَى حَوْلَهَا النَّبْعَ وَالسِّمْسِمَا أَيْ عَيْنًا مَمْلُوءَة .
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الجمعة أغسطس 23, 2013 1:23 am

تابع تفسير القرطبى لسورة غافر
==========

ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ (73)
وَهَذَا تَقْرِيع وَتَوْبِيخ .


مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُو مِن قَبْلُ شَيْئًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74)
مِنْ الْأَصْنَام وَغَيْرهَا
أَيْ هَلَكُوا وَذَهَبُوا عَنَّا وَتَرَكُونَا فِي الْعَذَاب ; مِنْ ضَلَّ الْمَاء فِي اللَّبَن أَيْ خَفِيَ . وَقِيلَ : أَيْ صَارُوا بِحَيْثُ لَا نَجِدهُمْ
أَيْ شَيْئًا لَا يُبْصِر وَلَا يَسْمَع وَلَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَع . وَلَيْسَ هَذَا إِنْكَارًا لِعِبَادَةِ الْأَصْنَام , بَلْ هُوَ اِعْتِرَاف بِأَنَّ عِبَادَتهمْ الْأَصْنَام كَانَتْ بَاطِلَة ;
أَيْ كَمَا فَعَلَ بِهَؤُلَاءِ مِنْ الْإِضْلَال يَفْعَل بِكُلِّ كَافِر .


ذَٰلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ (75)
أَيْ ذَلِكُمْ الْعَذَاب

بِالْمَعَاصِي يُقَال لَهُمْ ذَلِكَ تَوْبِيخًا . أَيْ إِنَّمَا نَالَكُمْ هَذَا بِمَا كُنْتُمْ تُظْهِرُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ السُّرُور بِالْمَعْصِيَةِ وَكَثْرَة الْمَال وَالْأَتْبَاع وَالصِّحَّة . وَقِيلَ إِنَّ فَرَحَهُمْ بِهَا عِنْدهمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لِلرُّسُلِ : نَحْنُ نَعْلَم أَنَّا لَا نُبْعَثُ وَلَا نُعَذَّبُ . وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله جَلَّ وَعَزَّ : " فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلهمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدهمْ مِنْ الْعِلْم " [ غَافِر : 83 ] .

قَالَ مُجَاهِد وَغَيْره : أَيْ تَبْطَرُونَ وَتَأْشَرُونَ . وَقَدْ مَضَى فِي [ سُبْحَان ] بَيَانه . وَقَالَ الضَّحَّاك : الْفَرَح السُّرُور , وَالْمَرِح الْعُدْوَان . وَرَوَى خَالِد عَنْ ثَوْر عَنْ مُعَاذ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه يُبْغِض الْبَذِخِينَ الْفَرِحِينَ وَيُحِبُّ كُلّ قَلْب حَزِين وَيُبْغِض أَهْل بَيْت لَحِمِينَ وَيُبْغِض كُلّ حَبْر سَمِين ) فَأَمَّا أَهْل بَيْت لَحِمِينَ : فَاَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُوم النَّاس بِالْغِيبَةِ . وَأَمَّا الْحَبْر السَّمِين : فَالْمُتَحَبِّر بِعِلْمِهِ وَلَا يُخْبِر بِعِلْمِهِ النَّاس ; يَعْنِي الْمُسْتَكْثِر مِنْ عِلْمه وَلَا يَنْتَفِع بِهِ النَّاس . ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقَدْ قِيلَ فِي اللَّحِمِينَ : إِنَّهُمْ الَّذِينَ يُكْثِرُونَ أَكْل اللَّحْم ; وَمِنْهُ قَوْل عُمَر : اِتَّقُوا هَذِهِ الْمَجَازِر فَإِنَّ لَهَا ضَرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الْخَمْر ; ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ . وَالْأَوَّل قَوْل سُفْيَان الثَّوْرِيّ .



ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76)
أَيْ يُقَال لَهُمْ ذَلِكَ الْيَوْم , وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : " لَهَا سَبْعَة أَبْوَاب " [ الْحِجْر : 44 ] .
عَنْ الْإِيمَان . وَقَدْ تَقَدَّمَ



فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۚ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77)
هَذَا تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام , أَيْ فَاصْبِرْ يَا مُحَمَّد عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ , كَمَا صَبَرَ مَنْ قَبْلَك
بِنَصْرِك وَإِظْهَارك , كَمَا نَصَرْت مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيل . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : نُسِخَ هَذَا بِآيَةِ السَّيْف . أَيْ إِنَّا لَنَنْتَقِمُ لَك مِنْهُمْ إِمَّا فِي حَيَاتك أَوْ فِي الْآخِرَة .
فِي مَوْضِع جَزْم بِالشَّرْطِ وَمَا زَائِدَة لِلتَّوْكِيدِ وَكَذَا النُّون وَزَالَ الْجَزْم وَبُنِيَ الْفِعْل عَلَى الْفَتْح . " أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ " عَطْف عَلَيْهِ " فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ " الْجَوَاب .



وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ۗ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)
عَزَّاهُ أَيْضًا بِمَا لَقِيَتْ الرُّسُل مِنْ قَبْله .
أَيْ أَنْبَأْنَاك بِأَخْبَارِهِمْ وَمَا لَقُوا مِنْ قَوْمهمْ .
لَا يَأْتِي بِهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسه وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ عِنْد اللَّه
أَيْ إِذَا جَاءَ الْوَقْت الْمُسَمَّى لِعَذَابِهِمْ أَهْلَكَهُمْ اللَّه , وَإِنَّمَا التَّأْخِير لِإِسْلَامِ مَنْ عَلِمَ اللَّه إِسْلَامه مِنْهُمْ , وَلِمَنْ فِي أَصْلَابهمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَقِيلَ : أَشَارَ بِهَذَا إِلَى الْقَتْل بِبَدْرٍ .
أَيْ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الْبَاطِل وَالشِّرْك .



اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79)
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : الْأَنْعَام هَا هُنَا الْإِبِل .
فَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ أَكْل الْخَيْل وَأَبَاحَ أَكَلَ الْجِمَال بِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فِي الْأَنْعَام : " وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ " وَقَالَ فِي الْخَيْل : " وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحَمِير لِتَرْكَبُوهَا " [ النَّحْل : 8 ] وَلَمْ يَذْكُر إِبَاحَة أَكْلهَا . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي [ النَّحْل ] مُسْتَوْفًى .



وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80)
فِي الْوَبَر وَالصُّوف وَالشَّعْر وَاللَّبَن وَالزُّبْد وَالسَّمْن وَالْجُبْن وَغَيْر ذَلِكَ .
أَيْ تَحْمِل الْأَثْقَال وَالْأَسْفَار . وَقَدْ مَضَى فِي [ النَّحْل ] بَيَان هَذَا كُلّه فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ .
يَعْنِي الْأَنْعَام فِي الْبَرّ
فِي الْبَحْر



وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ (81)
أَيْ آيَاته الدَّالَّة عَلَى وَحْدَانِيّته وَقُدْرَته فِيمَا ذُكِرَ .
نَصَبَ " أَيًّا " بِـ " تُنْكِرُونَ " , لِأَنَّ الِاسْتِفْهَام لَهُ صَدْر الْكَلَام فَلَا يَعْمَل فِيهِ مَا قَبْله , وَلَوْ كَانَ مَعَ الْفِعْل هَاء لَكَانَ الِاخْتِيَار فِي " أَيّ " الرَّفْع , وَلَوْ كَانَ الِاسْتِفْهَام بِأَلِفٍ أَوْ هَلْ وَكَانَ بَعْدهمَا اِسْم بَعْده فِعْل مَعَهُ هَاء لَكَانَ الِاخْتِيَار النَّصْب , أَيْ إِذَا كُنْتُمْ لَا تُنْكِرُونَ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاء مِنْ اللَّه فَلِمَ تُنْكِرُونَ قُدْرَته عَلَى الْبَعْث وَالنَّشْر .



أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)
حَتَّى يُشَاهِدُوا آثَار الْأُمَم السَّالِفَة
كَانُوا أَكْثَر مِنْهُمْ عَدَدًا وَقُوَّة
مِنْ الْأَبْنِيَة وَالْأَمْوَال وَمَا أَدَالُوا بِهِ مِنْ الْأَوْلَاد وَالْأَتْبَاع ; يُقَال : دَلَوْت بِفُلَانٍ , إِلَيْك أَيْ اِسْتَشْفَعْت بِهِ إِلَيْك . وَعَلَى هَذَا " مَا " لِلْجَحْدِ أَيْ فَلَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ ذَلِكَ شَيْئًا . وَقِيلَ : " مَا " لِلِاسْتِفْهَامِ أَيْ أَيُّ شَيْء أَغْنَى عَنْهُمْ كَسْبهمْ حِين هَلَكُوا وَلَمْ يَنْصَرِف " أَكْثَر " ; لِأَنَّهُ عَلَى وَزْن أَفْعَل . وَزَعَمَ الْكُوفِيُّونَ أَنَّ كُلّ مَا لَا يَنْصَرِف فَإِنَّهُ يَجُوز أَنْ يَنْصَرِف إِلَّا أَفْعَل مِنْ كَذَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوز صَرْفه بِوَجْهٍ فِي شِعْر وَلَا غَيْره إِذَا كَانَتْ مَعَهُ مِنْ . قَالَ أَبُو الْعَبَّاس : وَلَوْ كَانَتْ مِنْ الْمَانِعَة مِنْ صَرْفه لَوَجَبَ أَلَّا يُقَال : مَرَرْت بِخَيْرٍ مِنْك وَشَرّ مِنْك وَمِنْ عَمْرو .


فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83)
أَيْ بِالْآيَاتِ الْوَاضِحَات .
فِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَة أَقْوَال . قَالَ مُجَاهِد : إِنَّ الْكُفَّار الَّذِينَ فَرِحُوا بِمَا عِنْدهمْ مِنْ الْعِلْم قَالُوا : نَحْنُ أَعْلَمُ مِنْهُمْ لَنْ نُعَذَّبَ وَلَنْ نُبْعَثَ . وَقِيلَ : فَرِحَ الْكُفَّار بِمَا عِنْدهمْ مِنْ عِلْم الدُّنْيَا نَحْو " يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاة الدُّنْيَا " [ الرُّوم : 7 ] . وَقِيلَ : الَّذِينَ فَرِحُوا الرُّسُل لَمَّا كَذَّبَهُمْ قَوْمُهُمْ أَعْلَمَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ مُهْلِكُ الْكَافِرِينَ وَمُنْجِيهمْ وَالْمُؤْمِنِينَ فَـ " فَرِحُوا بِمَا عِنْدهمْ مِنْ الْعِلْم " بِنَجَاةِ الْمُؤْمِنِينَ
أَيْ بِالْكُفَّارِ
أَيْ عِقَاب اِسْتِهْزَائِهِمْ بِمَا جَاءَ بِهِ الرُّسُل صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ .



فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84)
أَيْ عَايَنُوا الْعَذَاب .
أَيْ آمَنَّا بِاَللَّهِ وَكَفَرْنَا بِالْأَوْثَانِ الَّتِي أَشْرَكْنَاهُمْ فِي الْعِبَادَة



فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ۖ سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ 85
فَلَمْ يَنْفَعْهُمْ إِيمَانهمْ بِاَللَّهِ عِنْد مُعَايَنَة الْعَذَاب وَحِين رَأَوْا الْبَأْس .
" سُنَّة اللَّه " مَصْدَر ; لِأَنَّ الْعَرَب تَقُول : سَنَّ يَسُنُّ سَنًّا وَسُنَّةً ; أَيْ سَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي الْكُفَّار أَنَّهُ لَا يَنْفَعهُمْ الْإِيمَان إِذَا رَأَوْا الْعَذَاب . وَقَدْ مَضَى هَذَا مُبَيَّنًا فِي [ النِّسَاء ] وَ [ يُونُس ] وَأَنَّ التَّوْبَة لَا تُقْبَل بَعْد رُؤْيَة الْعَذَاب وَحُصُول الْعِلْم الضَّرُورِيّ . وَقِيلَ : أَيْ اِحْذَرُوا يَا أَهْل مَكَّة سُنَّة اللَّه فِي إِهْلَاك الْكَفَرَة فَـ " سُنَّة اللَّه " مَنْصُوب عَلَى التَّحْذِير وَالْإِغْرَاء .
قَالَ الزَّجَّاج : وَقَدْ كَانُوا خَاسِرِينَ مِنْ قَبْل ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بَيَّنَ لَنَا الْخُسْرَان لَمَّا رَأَوْا الْعَذَاب . وَقِيلَ : فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير ; أَيْ " لَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا " " وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ " كَسُنَّتِنَا فِي جَمِيع الْكَافِرِينَ فَـ " سُنَّة " نُصِبَ بِنَزْعِ الْخَافِض أَيْ كَسُنَّةِ اللَّه فِي الْأُمَم كُلّهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . تَمَّ تَفْسِيرُ سُورَةِ غَافِرٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ .
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله السبت أغسطس 24, 2013 12:24 am

تفسير سورة فصلت للقرطبى
========


الآيات: 1 - 5 ( حم، تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون، بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون، وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون )
قوله تعالى: « حم، تنزيل من الرحمن الرحيم » قال الزجاج: « تنزيل » رفع بالابتداء وخبره « كتاب فصلت آياته » وهذا قول البصريين. وقال الفراء: يجوز أن يكون رفعه على إضمار هذا. ويجوز أن يقال: « كتاب » بدل من قوله: « تنزيل » . وقيل: نعت لقوله: « تنزيل » . وقيل: « حم » أي هذه « حم » كما تقول باب كذا، أي هو باب كذا فـ « حم » خبر ابتداء مضمر أي هو « حم » ، وقوله: « تنزيل » مبتدأ آخر، وقوله: « كتاب » خبره. « فصلت آياته » أي بينت وفسرت. قال قتادة: ببيان حلاله من حرامه، وطاعته من معصيته. الحسن: بالوعد والوعيد. سفيان: بالثواب والعقاب. وقرئ « فصلت » أي فرقت بين الحق والباطل، أو فصل بعضها من بعض باختلاف معانيها؛ من قولك فصل أي تباعد من البلد. « قرآنا عربيا » في نصبه وجوه؛ قال الأخفش: هو نصب على المدح. وقيل: على إضمار فعل؛ أي اذكر « قرآنا عربيا » . وقيل: على إعادة الفعل؛ أي فصلنا « قرآنا عربيا » . وقيل: على الحال أي « فصلت آياته » في حال كونه « قرآنا عربيا » . وقيل: لما شغل « فصلت » بالآيات حتى صارت بمنزلة الفاعل انتصب « قرآنا » لوقوع البيان عليه. وقيل: على القطع. « لقوم يعلمون » قال الضحاك: أي إن القرآن منزل من عند الله. وقال مجاهد: أي يعلمون أنه إله واحد في التوراة والإنجيل. وقيل: يعلمون العربية فيعجزون عن مثله ولو كان غير عربي لما علموه.

قلت: هذا أصح، والسورة نزلت تقريعا وتوبيخا لقريش في إعجاز القرآن.
قوله تعالى: « بشيرا ونذيرا » حالان من الآيات والعامل فيه « فصلت » . وقيل: هما نعتان للقرآن « بشيرا » لأولياء الله « نذيرا » لأعدائه. وقرئ « بشير ونذير » صفة للكتاب. أو خبر مبتدأ محذوف « فأعرض أكثرهم » يعني أهل مكة « فهم لا يسمعون » سماعا ينتفعون به. وروي أن الريان بن حرملة قال: قال الملأ من قريش وأبو جهل قد التبس علينا أمر محمد، فلو التمستم رجلا عالما بالشعر والكهانة والسحر فكلمه ثم آتانا ببيان من أمره؛ فقال عتبة بن ربيعة: والله لقد سمعت الكهانة والشعر والسحر، وعلمت من ذلك علما لا يخفى علي إن كان كذلك. فقالوا: إيته فحدثه. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يا محمد أنت خير أم قصي بن كلاب؟ أنت خير أم هاشم؟ أنت خير أم عبدالمطلب؟ أنت خير أم عبدالله؟ فبم تشتم آلهتنا، وتضلل آباءنا، وتسفه أحلامنا، وتذم ديننا؟ فإن كنت إنما تريد الرياسة عقدنا إليك ألويتنا فكنت رئيسنا ما بقيت، وإن كنت تريد الباءة زوجناك عشر نساء من أي بنات قريش شئت، وإن كنت تريد المال جمعنا لك ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا من الجن قد غلب عليك بذلنا لك أموالنا في طلب ما تتداوى به أو نغلب فيك. والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت، فلما فرغ قال: ( قد فرغت يا أبا الوليد ) ؟ قال: نعم. فقال: ( يا ابن أخي اسمع ) قال: أسمع. قال: « بسم الله الرحمن الرحيم. حم. تنزيل من الرحمن الرحيم. كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون » إلى قوله: « فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود » [ فصلت: 13 ] فوثب عتبة ووضع يده على فم النبي صلى الله عليه وسلم، وناشده الله والرحم ليسكتن، ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش فجاءه أبو جهل؛ فقال:أصبوت إلى محمد؟ أم أعجبك طعامه؟ فغضب عتبة وأقسم ألا يكلم محمدا أبدا، ثم قال: والله لقد تعلمون أني من أكثر قريش مالا، ولكني لما قصصت عليه القصة أجابني بشيء والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر؛ ثم تلا عليهم ما سمع منه إلى قوله: « مثل صاعقة عاد وثمود » [ فصلت: 13 ] وأمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب، فوالله لقد خفت أن ينزل بكم العذاب؛ يعني الصاعقة. وقد روى هذا الخبر أبو بكر الأنباري في كتاب الرد له عن محمد بن كعب القرظي، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ « حم. فصلت » حتى انتهى إلى السجدة فسجد وعتبة مصغ يستمع، قد اعتمد على يديه من وراء ظهره. فلما قطع رسول الله صلى الله علييه وسلم القراءة قال له: ( يا أبا الوليد قد سمعت الذي قرأت عليك فأنت وذاك ) فانصرف عتبة إلى قريش في ناديها فقالوا: والله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي مضى به من عندكم. ثم قالوا: ما وراءك أبا الوليد؟ قال: والله لقد سمعت كلاما من محمد ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالكهانة، فأطيعوني في هذه وأنزلوها بي؛ خلوا محمدا وشأنه واعتزلوه، فوالله ليكونن لما سمعت من كلامه نبأ، فان أصابته العرب كفيتموه بأيدي غيركم، وإن كان ملكا أو نبيا كنتم أسعد الناس به؛ لأن ملكه ملككم وشرفه شرفكم. فقالوا: هيهات سحرك محمد يا أبا الوليد. وقال: هذا رأيي لكم فاصنعوا ما شئتم.
قوله تعالى: « وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه » الأكنة جمع كنان وهو الغطاء. وقد مضى في « البقرة » . قال مجاهد: الكنان للقلب كالجنة للنبل. « وفي آذاننا وقر » أي صمم؛ فكلامك لا يدخل أسماعنا، وقلوبنا مستورة من فهمه. « ومن بيننا وبينك حجاب » أي خلاف في الدين، لأنهم يعبدون الأصنام وهو يعبد الله عز وجل. قال معناه الفراء وغيره. وقيل: ستر مانع عن الإجابة. وقيل: إن أبا جهل استغشى على رأسه ثوبا وقال: يا محمد بيننا وبينك حجاب. استهزاء منه. حكاه النقاش وذكره القشيري. فالحجاب هنا الثوب. « فاعمل إننا عاملون » أي اعمل في هلاكنا فإنا عاملون في هلاكك؛ قاله الكلبي. وقال مقاتل: اعمل لإلهك الذي أرسلك، فإنا نعمل لآلهتنا التي نعبدها. وقيل: أعمل بما يقتضيه دينك، فإنا عاملون بما يقتضيه ديننا. ويحتمل خامسا: فاعمل لآخرتك فإنا نعمل لدنيانا؛ ذكره الماوردي.

الآيات: 6 - 8 ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين، الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون، إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون )
قوله تعالى: « قل إنما أنا بشر مثلكم » أي لست بملك بل أنا من بني آدم. قال الحسن: علمه الله تعالى التواضع. « يوحى إلي » أي من السماء على أيدي الملائكة « أنما إلهكم إله واحد » فآمنوا به « فاستقيموا إليه » أي وجهوا وجوهكم بالدعاء له والمسألة إليه، كما يقول الرجل: استقم إلى منزلك؛ أي لا تعرج على شيء غير القصد إلى منزلك. « واستغفروه » أي من شرككم. « وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة » قال ابن عباس: الذين لا يشهدون « أن لا إله إلا الله » وهي زكاة الأنفس. وقال قتادة: لا يقرون بالزكاة أنها واجبة. وقال الضحاك ومقاتل: لا يتصدقون ولا ينفقون في الطاعة. قرعهم بالشح الذي يأنف منه الفضلاء، وفيه دلالة على أن الكافر يعذب بكفر مع منع وجوب الزكاة عليه. وقال الفراء وغيره: كان المشركون ينفقون النفقات، ويسقون الحجيج ويطعمونهم، فحرموا ذلك على من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، فنزلت فيهم هذه الآية. « وهم بالآخرة هم كافرون » فلهذا لا ينفقون في الطاعة ولا يستقيمون ولا يستغفرون. الزمخشري: فإن قلت لم خص من بين أوصاف المشركين منع الزكاة مقرونا بالكفر بالآخرة؟ قلت: لأن أحب شيء إلى الإنسان ماله، وهو شقيق روحه، فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على ثباته واستقامته وصدق نيته ونصوع طويته ألا ترى إلى قوله عز وجل: « ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم » [ البقرة: 265 ] أي يثبتون أنفسهم، ويدلون على ثباتها بإنفاق الأموال، وما خدع المؤلفة قلوبهم إلا بلمظة من الدنيا، فقويت عصبتهم ولانت شكيمتهم؛ وأهل الردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تظاهروا إلا بمنع الزكاة، فنصبت لهم الحروب وجوهدوا. وفيه بعث للمؤمنين على أداء الزكاة، وتخويف شديد من منعها، حيث جعل المنع من أوصاف المشركين، وقرن بالكفر بالآخرة.
قوله تعالى: « إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون » قال ابن عباس: غير مقطوع؛ مأخوذ من مننت الحبل إذا قطعته؛ ومنه قول ذي الإصبع:
إني لعمرك ما بابي بذي غلق على الصديق ولا خيري بممنون
وقال آخر:
فترى خلفها من الرجع والوقـ ـع منينا كأنه أهباء
يعني بالمنين الغبار المنقطع الضعيف. وعن ابن عباس أيضا ومقاتل: غير منقوص. ومنه المنون؛ لأنها تنقص منه الإنسان أي قوته؛ وقال قطرب؛ وأنشد قول زهير:
فضل الجياد على الخيل البطاء فلا يعطي بذلك ممنونا ولا نزقا
قال الجوهري: والمن القطع، ويقال النقص؛ ومنه قوله تعالى: « لهم أجر غير ممنون » . وقال لبيد:
غبس كواسب لا يمن طعامها
وقال مجاهد: « غير ممنون » غير محسوب. وقيل: « غير ممنون » عليهم به. قال السدي: نزلت في الزمني والمرضى والهرمى إذا ضعفوا عن الطاعة كتب لهم من الأجر كأصح ما كانوا يعملون فيه.
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الأحد أغسطس 25, 2013 12:06 am

تابع تفسير القرطبى لسورة فصلت
===========


الآيات: 9 - 12 ( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين، وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين، فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم )
قوله تعالى: « قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض » « أئنكم » بهمزتين الثانية بين بين و « أائنكم » بألف بين همزتين وهو استفهام معناه التوبيخ. أمره بتوبيخهم والتعجب من فعلهم، أي لم تكفرون بالله وهو خالق السموات والأرض؟ ! « في يومين » الأحد والاثنين « وتجعلون له أندادا » أي أضدادا وشركاء « ذلك رب العالمين » . « وجعل فيها » أي في الأرض « رواسي من فوقها » يعني الجبال. وقال وهب: لما خلق الله الأرض مادت على وجه الماء؛ فقال لجبريل ثبتها يا جبريل. فنزل فأمسكها فغلبته الرياح، قال: يا رب أنت أعلم لقد غلبت فيها فثبتها بالجبال وأرساها « وبارك فيها » بما خلق فيها من المنافع. قال السدي: أنبت فيها شجرها. « وقدر فيها أقواتها » قال السدي والحسن: أرزاق أهلها ومصالحهم. وقال قتادة ومجاهد: خلق فيها أنهارها وأشجارها ودوابها في يوم الثلاثاء والأربعاء. وقال عكرمة والضحاك: معنى « قدر فيها أقواتها » أي أرزاق أهلها وما يصلح لمعايشهم من التجارات والأشجار والمنافع في كل بلدة ما لم يجعله في الأخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة والأسفار من بلد إلى بلد. قال عكرمة: حتى إنه في بعض البلاد ليتبايعون الذهب بالملح مثلا بمثل. وقال مجاهد والضحاك: السابري من سابور، والطيالسة من الري، والحبر اليمانية من اليمن. « في أربعة أيام » يعني في تتمة أربعة أيام. ومثاله قول القائل: خرجت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام، وإلى الكوفة في خمسة عشر يوما؛ أي في تتمة خمسة عشر يوما. قال معناه ابن الأنباري وغيره. « سواء للسائلين » قال الحسن: المعنى في أربعة أيام مستوية تامة. الفراء: في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: وقدر فيها أقواتها سواء للمحتاجين. واختاره الطبري. وقرأ الحسن، البصري ويعقوب الحضرمي « سواء للسائلين » بالجر وعن ابن القعقاع « سواء » بالرفع؛ فالنصب على المصدر و « سواء » بمعنى استواء أي استوت استواء. وقيل: على الحال والقطع؛ والجر على النعت لأيام أو لأربعة أي « في أربعة أيام » مستوية تامة. والرفع على الابتداء والخبر « للسائلين » أو على تقدير هذه « سواء للسائلين » . وقال أهل المعاني: معنى « سواء للسائلين » ولغير السائلين؛ أي خلق الأرض وما فيها لمن سأل ولمن لم يسأل، ويعطي من سأل ومن لا يسأل.
قوله تعالى: « ثم استوى إلى السماء وهي دخان » أي عمد إلى خلقها وقصد لتسويتها. والاستواء من صفة الأفعال على أكثر الأقوال؛ يدل عليه قوله تعالى: « ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات » [ البقرة: 29 ] وقد مضى القول هناك. وروى أبو صالح عن ابن عباس في قوله: « ثم استوى إلى السماء » يعني صعد أمره إلى السماء؛ وقال الحسن. ومن قال: إنه صفة ذاتية زائدة قال: استوى في الأزل بصفاته. و « ثم » ترجع إلى نقل السماء من صفة الدخان إلى حالة الكثافة. وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس؛ على ما مضى في « البقرة » عن ابن مسعود وغيره. « فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها » أي جيئا بما خلقت فيكما من المنافع والمصالح وأخرجاها لخلقي. قال ابن عباس: قال الله تعالى للسماء: أطلعي شمسك وقمرك وكواكبك، واجري رياحك وسحابك، وقال للأرض: شقي أنهارك واخرجي شجرك وثمارك طائعتين أو كارهتين « قالتا أتينا طائعين » في الكلام حذف أي أتينا أمرك « طائعين » . وقيل: معنى هذا الأمر التسخير؛ أي كونا فكانتا كما قال تعالى: « إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون » [ النحل: 40 ] فعلى هذا قال ذلك قبل خلقهما. وعلى القول الأول قال ذلك بعد خلقهما. وهو قول الجمهور. وفي قوله تعالى لهما وجهان: أحدهما أنه قول تكلم به. الثاني أنها قدرة منه ظهرت لهما فقام مقام الكلام في بلوغ المراد؛ ذكره الماوردي. « قالتا أتينا طائعين » فيه أيضا وجهان: أحدهما أنه ظهور الطاعة منهما حيث انقادا وأجابا فقام مقام قولهما، ومنه قول الراجز:
امتلأ الحوض وقال قطني مهلا رويدا قد ملأت بطني
يعني ظهر ذلك فيه. وقال أكثر أهل العلم: بل خلق الله فيهما الكلام فتكلمتا كما أراد تعالى: قال أبو نصر السكسكي: فنطق من الأرض موضع الكعبة، ونطق من السماء ما بحيالها، فوضع الله تعالى فيه حرمه. وقال: « طائعين » ولم يقل طائعتين على اللفظ ولا طائعات على المعنى؛ لأنهما سموات وأرضون، لأنه أخبر عنهما وعمن فيهما، وقيل: لما وصفهن بالقول والإجابة وذلك من صفات من يعقل أجراهما في الكناية مجرى من يعقل، ومثله: « رأيتهم لي ساجدين » [ يوسف: 4 ] وقد تقدم. وفي حديث: إن موسى عليه الصلاة والسلام قال: يا رب لو أن السموات والأرض حين قلت لهما « ائتيا طوعا أو كرها » عصياك ما كنت صانعا بهما؟ قال كنت آمر دابة من دوابي فتبتلعهما. قال: يا رب وأين تلك الدابة؟ قال: في مرج من مروجي. قال: يا رب وأين ذلك المرج؟ قال علم من علمي. ذكره الثعلبي. وقرأ ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة « آتيا » بالمد والفتح. وكذلك قوله: « آتينا طائعين » على معنى أعطيا الطاعة من أنفسكما « قالتا » أعطينا « طائعين » فحذف المفعولين جميعا. ويجوز وهو أحسن أن يكون « آتينا » فاعلنا فحذف مفعول واحد. ومن قرأ « آتينا » فالمعنى جئنا بما فينا؛ على ما تقدم بيانه في غير ما موضع والحمد لله.
قوله تعالى: « فقضاهن سبع سماوات في يومين » أي أكملهن وفرغ منهن. وقيل. أحكمهن كما قال:
وعليهما مسرودتان قضاهما داود أو صنع السوابغ تبع
« في يومين » سوى الأربعة الأيام التي خلق فيها الأرض، فوقع خلق السموات والأرض في ستة أيام؛ كما قال تعالى: « خلق السماوات والأرض في ستة أيام » [ الأعراف: 54 ] على ما تقدم في « الأعراف » بيانه. قال مجاهد: ويوم من الستة الأيام كألف سنة مما تعدون. وعن عبدالله بن سلام قال: خلق الله الأرض في يومين، وقدر فيها أقواتها في يومين، وخلق السموات في يومين؛ خلق الأرض في يوم الأحد والاثنين، وقدر فيها أقواتها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، وخلق السموات في يوم الخميس ويوم الجمعة، وأخر ساعة في يوم الجمعة خلق الله آدم في عجل، وهي التي تقوم فيها الساعة، وما خلق الله من دابة إلا وهي تفزع من يوم الجمعة إلا الإنس والجن. على هذا أهل التفسير؛ إلا ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فقال: ( خلق الله التربة يوم السبت... ) الحديث، وقد تكلمنا على إسناده في أول سورة ( الأنعام ) . « وأوحى في كل سماء أمرها » قال قتادة والسدي: خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وأفلاكها، وخلق في كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها من البحار وجبال البرد والثلوج. وهو قول ابن عباس؛ قال: ولله في كل سماء بيت تحج إليه وتطوف به الملائكة بحذاء الكعبة، والذي في السماء الدنيا هو البيت المعمور. وقيل: أوحى الله في كل سماء؛ أي أوحى فيها ما أراده وما أمر به فيها. والإيحاء قد يكون أمرا؛ لقوله: « بأن ربك أوحى لها » [ الزلزلة: 5 ] وقوله: « وإذ أوحيت إلى الحواريين » [ المائدة: 111 ] أي أمرتهم وهو أمر تكوين.
قوله تعالى: « وزينا السماء الدنيا بمصابيح » أي بكواكب تضيء وقيل: إن في كل سماء كواكب تضيء. وقيل: بل الكواكب مختصة بالسماء الدنيا. « وحفظا » أي وحفظناها حفظا؛ أي من الشياطين الذين يسترقون السمع. وهذا الحفظ بالكواكب التي ترجم بها الشياطين على ما تقدم في « الحجر » بيانه. وظاهر هذه الآية يدل على أن الأرض خلقت قبل السماء. وقال في آية أخرى: « أم السماء بناها » [ النازعات: 27 ] ثم قال: « والأرض بعد ذلك دحاها » [ النازعات: 30 ] وهذا يدل على خلق السماء أولا. وقال قوم: خلقت الأرض قبل السماء؛ فأما قوله: « والأرض بعد ذلك دحاها » [ النازعات: 30 ] فالدحو غير الخلق، فالله خلق الأرض ثم خلق السموات، ثم دحا الأرض أي مدها وبسطها؛ قال ابن عباس. وقد مضى هذا المعنى مجودا في « البقرة » والحمد لله. « ذلك تقدير العزيز العليم » .

الآيات: 13 - 16 ( فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فإنا بما أرسلتم به كافرون، فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون، فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون )
قوله تعالى: « فإن أعرضوا » يعني كفار قريش عما تدعوهم إليه يا محمد من الإيمان. « فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود » أي خوفتكم هلاكا مثل هلاك عاد وثمود. « إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم » يعني من أرسل إليهم وإلى من قبلهم « ألا تعبدوا إلا الله » موضع « أن » نصب بإسقاط الخافض أي بـ « ألا تعبدوا » « قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة » بدل الرسل « فإنا بما أرسلتم به كافرون » من الإنذار والتبشير. قيل: هذا استهزاء منهم. وقيل: إقرار منهم بإرسالهم ثم بعده جحود وعناد.
قوله تعالى: « فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق » استكبروا على عباد الله هود ومن آمن معه « وقالوا من أشد منا قوة » اغتروا بأجسامهم حين تهددهم بالعذاب، وقالوا: نحن نقدر على دفع العذاب عن أنفسنا بفضل قوتنا. وذلك أنهم كانوا ذوي أجسام طوال وخلق عظيم. وقد مضى في « الأعراف » عن ابن عباس: أن أطولهم كان مائة ذراع وأقصرهم كان ستين ذراعا. فقال الله تعالى ردا عليهم: « أولم يروا أن الذي خلقهم هو أشد منهم قوة » وقدرة، وإنما يقدر العبد بإقدار الله؛ فالله أقدر إذا. « وكانوا بآياتنا يجحدون » أي بمعجزاتنا يكفرون.
قوله تعالى: « فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا » هذا تفسير الصاعقة التي أرسلها عليهم، أي ريحا باردة شديدة البرد وشديدة الصوت والهبوب. ويقال: أصلها صرر من الصر وهو البرد فأبدلوا مكان الراء الوسطى فاء الفعل؛ كقولهم كبكبوا أصله كببوا، وتجفجف الثوب أصله تجفف. أبو عبيدة: معنى صرصر: شديدة عاصفة. عكرمة وسعيد بن جبير: شديد البرد. وأنشد قطرب قول الحطيئة:
المطعمون إذا هبت بصرصرة والحاملون إذا استودوا على الناس
استودوا: إذا سئلوا الدية. مجاهد: الشديدة السموم. وروى معمر عن قتادة قال: باردة. وقاله عطاء؛ لأن « صرصرا » مأخوذ من صر والصر في كلام العرب البرد كما قال:
لها عذر كقرون النسا ء ركبن في يوم ريح وصر
وقال السدي: الشديدة الصوت. ومنه صر القلم والباب يصر صريرا أي صوت. ويقال: درهم صري وصري للذي له صوت إذا نقد. قال ابن السكيت: صرصر يجوز أن يكون من الصر وهو البرد، ويجوز أن يكون من صرير الباب، ومن الصرة وهي الصيحة. ومنه « فأقبلت امرأته في صرة » [ الذاريات: 29 ] . وصرصر اسم نهر بالعراق. « في أيام نحسات » أي مشؤومات؛ قال مجاهد وقتادة. كن آخر شوال من يوم الأربعاء إلى يوم الأربعاء وذلك « سبع ليال وثمانية أيام حسوما » [ الحاقة:7 ] قال ابن عباس: ما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء. وقيل: « نحسات » باردات؛ حكاه النقاش. وقيل: متتابعات؛ عن ابن عباس وعطية. الضحاك: شداد. وقيل: ذات غبار؛ حكاه ابن عيسى. ومنه قول الراجز:
قد اغتدى قبل طلوع الشمس للصيد في يوم قليل النحس
قال الضحاك وغيره: أمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين، ودرت الرياح عليهم في غير مطر، وخرج منهم قوم إلى مكة يستسقون بها للعباد، وكان الناس في ذلك الزمان إذا نزل بهم بلاء أو جهد طلبوا إلى الله تعالى الفرج منه، وكانت طلبتهم ذلك من الله تعالى عند بيته الحرام مكة مسلمهم وكافرهم، فيجتمع بمكة ناس كثير شتي، مختلفة أديانهم، وكلهم معظم لمكة، عارف حرمتها ومكانها من الله تعالى. وقال جابر بن عبدالله والتيمي: إذا أراد الله بقوم خيرا أرسل عليهم المطر وحبس عنهم كثرة الرياح، وإذا أراد الله بقوم شرا حبس عنهم المطر وسلط عليهم كثرة الرياح. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو « نحسات » بإسكان الحاء على أنه جمع نحس الذي هو مصدر وصف به. الباقون: « نحسات » بكسر الحاء أي ذوات نحس. ومما يدل على أن النحس مصدر قوله: « في يوم نحس مستمر » [ القمر: 19 ] ولو كان صفة لم يضف اليوم إليه؛ وبهذا كان يحتج أبو عمرو على قراءته؛ واختاره أبو حاتم. واختار أبو عبيد القراءة الثانية وقال: لا تصح حجة أبي عمرو؛ لأنه أضاف اليوم إلى النحس فأسكن، وإنما كان يكون حجة لو نون اليوم ونعت وأسكن؛ فقال: « في يوم نحس » [ القمر: 19 ] وهذا لم يقرأ به أحد نعلمه. وقال المهدوي: ولم يسمع في « نحس » إلا الإسكان. قال الجوهري: وقرئ في قوله « في يوم نحس » [ القمر: 19 ] على الصفة، والإضافة أكثر وأجود. وقد نحس الشيء بالكسر فهو نحس أيضا؛ قال الشاعر:
أبلغ جذاما ولخما أن إخوتهم طيا وبهراء قوم نصرهم نحس
ومنه قيل: أيام نحسات. « لنذيقهم » أي لكي نذيقهم « عذاب الخزي في الحياة الدنيا » أي العذاب بالريح العقيم. « ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون » أي أعظم وأشد.
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الإثنين أغسطس 26, 2013 12:02 am

تفسير القرطبى لسورة فصلت
=========


الآيات: 17 - 18 ( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون، ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون )
قوله تعالى: « وأما ثمود فهديناهم » أي بينا لهم الهدى والضلال؛ عن ابن عباس وغيره. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وغيرهما « وأما ثمود » بالنصب وقد مضى الكلام فيه في « الأعراف » . « فاستحبوا العمى على الهدى » أي اختاروا الكفر على الإيمان. وقال أبو العالية: اختاروا العمى على البيان. السدي: اختاروا المعصية على الطاعة. « فأخذتهم صاعقة العذاب الهون » « الهون » بالضم الهوان. وهون بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر أخو كنانة وأسد. وأهانه: استخف به. والاسم الهوان والمهانة. وأضيف الصاعقة إلى العذاب، لأن الصاعقة اسم للمبيد المهلك، فكأنه قال مهلك العذاب؛ أي العذاب المهلك. والهون وإن كان مصدرا فمعناه الإهانة والإهانة عذاب، فجاز أن يجعل أحدهما وصفا للآخر؛ فكأنه قال: صاعقة الهون. وهو كقولك: عندي علم اليقين، وعندي العلم اليقين. ويجوز أن يكون الهون اسما مثل الدون؛ يقال: عذاب هون أي مهين؛ كما قال: « ما لبثوا في العذاب المهين » . [ سبأ: 14 ] . وقيل: أي صاعقة العذاب ذي الهون. « بما كانوا يكسبون » من تكذيبهم صالحا وعقرهم الناقة، على ما تقدم. « ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون » يعني صالحا ومن آمن به؛ أي ميزناهم عن الكفار، فلم يحل بهم ما حل بالكفار، وهكذا يا محمد نفعل بمؤمني قومك وكفارهم.

الآيات: 19 - 21 ( ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون، حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون، وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون )
قوله تعالى: « ويوم يحشر أعداء الله إلى النار » قرأ نافع « نحشر » بالنون « أعداء » بالنصب. الباقون « يحشر » بياء مضمومة « أعداء » بالرفع ومعناهما بين. وأعداء الله: الذين كذبوا رسله وخالفوا أمره. « فهم يوزعون » يساقون ويدفعون إلى جهنم. قال قتادة والسدي: يحبس أولهم عل آخرهم حتى يجتمعوا؛ قال أبو الأحوص: فإذا تكاملت العدة بدئ بالأكابر فالأكابر جرما. وقد مضى في « النمل » الكلام في « يوزعون » [ النمل: 17 ] مستوفى.
قوله تعالى: « حتى إذا ما جاؤوها » « ما » زائدة « شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون » الجلود يعني بها الجلود أعيانها في قول أكثر المفسرين. وقال السدي وعبيدالله بن أبي جعفر والفراء: أراد بالجلود الفروج؛ وأنشد بعض الأدباء لعامر بن جوية:

المرء يسعى للسلا مة والسلامة حسبه

أوسالم من قد تثـ ـنى جلده وابيض رأسه

وقال: جلده كناية عن فرجه. « وقالوا » يعني الكفار « لجلودهم لم شهدتم علينا » وإنما كنا نجادل عنكم « قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء » لما خاطبت وخوطبت أجريت مجرى من يعقل. « وهو خلقكم أول مرة » أي ركب الحياة فيكم بعد أن كنتم نطفا، فمن قدر عليه قدر على أن ينطق الجلود وغيرها من الأعضاء. وقيل: « وهو خلقكم أول مرة » ابتداء كلام من الله. « وإليه ترجعون » وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله فضحك فقال: ( هل تدرون مم أضحك ) قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ( من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب ألم تجزني من الظلم قال: يقول بلى قال فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني قال يقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا قال فيختم على فيه فيقال لأركانه انطقي فتنطق بأعماله قال ثم يخلي بينه وبين الكلام قال فيقول بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل ) وفي حديث أبي هريرة ثم يقال: ( الآن نبعث شاهدنا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد علي فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي سخط الله عليه ) خرجه أيضا مسلم.

الآيات: 22 - 25 ( وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون، وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين، فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين، وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين )
قوله تعالى: « وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم » يجوز أن يكون هذا من قول الجوارح لهم: ويجوز أن يكون من قول الله عز وجل أو الملائكة. وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال: اجتمع عند البيت ثلاثة نفر؛ قرشيان وثقفي أو ثقفيان وقرشي؛ قليل فقه قلوبهم، كثير شحم بطونهم: فقال أحدهم: أترون الله يسمع ما نقول؟ فقال الآخر: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا؛ وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا فهو يسمع إذا أخفينا؛ فأنزل الله عز وجل: « وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم » الآية؛ خرجه الترمذي فقال: اختصم عند البيت ثلاثة نفر. ثم ذكره بلفظه حرفا حرفا وقال: حديث حسن صحيح؛ حدثنا هناد قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبدالرحمن بن يزيد قال: قال عبدالله: كنت مستترا بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم، قرشي وختناه ثقفيان، أو ثقفي وختناه قرشيان، فتكلموا بكلام لم أفهمه؛ فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع كلامنا هذا، فقال الآخر: إنا إذا رفعنا أصواتنا سمعه، وإذا لم نرفع أصواتنا لم يسمعه، فقال الآخر: إن سمع منه شيئا سمعه كله فقال عبدالله: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: « وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم » إلى قوله: « فأصبحتم من الخاسرين » قال: هذا حديث حسن صحيح. قال الثعلبي: والثقفي عبد ياليل، وختناه ربيعة وصفوان بن أمية. ومعنى « تستترون » تستخفون في قول أكثر العلماء؛ أي ما كنتم تستخفون من أنفسكم حذرا من شهادة الجوارح عليكم؛ لأن الإنسان لا يمكنه أن يخفي من نفسه عمله، فيكون الاستخفاء بمعنى ترك المعصية. وقيل: الاستتار بمعنى الاتقاء؛ أي ما كنتم تتقون في الدنيا أن تشهد عليكم جوارحكم في الآخرة فتتركوا المعاصي خوفا من هذه الشهادة. وقال معناه مجاهد. وقال قتادة: « وما كنتم تستترون » أي تظنون « أن يشهد عليكم سمعكم » بأن يقول سمعت الحق وما وعيت وسمعت ما لا يجوز من المعاصي « ولا أبصاركم » فتقول رأيت آيات الله وما اعتبرت ونظرت فيما لا يجوز « ولا جلودكم » تقدم. « ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون » من أعمالكم فجادلتم على ذلك حتى شهدت عليكم جوارحكم بأعمالكم. روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: « أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم » قال: ( إنكم تدعون يوم القيامة مفدمة أفواهكم بفدام فأول ما يبين عن الإنسان فخذه وكفه ) قال عبدالله بن عبدالأعلى الشامي فأحسن.
العمر ينقص والذنوب تزيد وتقال عثرات الفتى فيعود
هل يستطيع جحود ذنب واحد رجل جوارحه عليه شهود
والمرء يسأل عن سنيه فيشتهي تقليلها وعن الممات يحيد

وعن معقل بن يسارعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس من يوم يأتي على ابن آدم إلا ينادي فيه يا ابن آدم أنا خلق جديد وأنا فيما تعمل غدا عليك شهيد فاعمل في خيرا أشهد لك به غدا فإني لو قد مضيت لم ترني أبدا ويقول الليل مثل ذلك ) ذكره أبو نعيم الحافظ وقد ذكرناه في كتاب التذكرة في باب شهادة الأرض والليالي والأيام والمال. وقال محمد بن بشير فأحسن:
مضى أمسك الأدنى شهيدا معدلا ويومك هذا بالفعال شهيد
فإن تك بالأمس اقترفت إساءة فثن بإحسان وأنت حميد
ولا ترج فعل الخير منك إلى غد لعل غدا يأتي وأنت فقيد
قوله تعالى: « وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم » أي أهلككم فأوردكم النار. قال قتادة: الظن هنا بمعنى العلم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله فإن قوما أساؤوا الظن بربهم فأهلكهم ) فذلك قوله: « وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم » . وقال الحسن البصري: إن قوما ألهتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا وما لهم حسنة، ويقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي وكذب، ولو أحسن الظن لأحسن العمل، وتلا قول الله تعالى: « وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين » . وقال قتادة: من استطاع منكم أن يموت وهو حسن الظن بربه فليفعل، فإن الظن اثنان ظن ينجي وظن يردي. وقال عمر بن الخطاب في هذه الآية: هؤلاء قوم كانوا يدمنون المعاصى ولا يتوبون منها ويتكلمون على المغفرة، حتى خرجوا من الدنيا مفاليس، ثم قرأ: « وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين » .
قوله تعالى: « فإن يصبروا فالنار مثوى لهم » أي فإن يصبروا في الدنيا على أعمال أهل النار فالنار مثوى لهم. نظيره: « فما أصبرهم على النار » [ البقرة: 175 ] على ما تقدم. « وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين » في الدنيا وهم مقيمون على كفرهم « فما هم من المعتبين » . وقيل: المعنى « فإن يصبروا » في النار أو يجزعوا « فالنار مثوى لهم » أي لا محيص لهم عنها، ودل على الجزع قوله: « وإن يستعتبوا » لأن المستعتب جزع والمعتب المقبول عتابه؛ قال النابغة:

فإن أك مظلوما فعبد ظلمته وإن تك ذا عتبى فمثلك يعتب

أي مثلك من قبل الصلح والمراجعة إذا سئل. قال الخليل: العتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة. تقول: عاتبته معاتبة، وبينهم أعتوبة يتعاتبون بها. يقال: إذا تعاتبوا أصلح ما بينهم العتاب. وأعتبني فلان: إذا عاد إلى مسرتي راجعا عن الإساءة، والاسم منه العتبى، وهو رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب. واستعتب وأعتب بمعنى، واستعتب أيضا طلب أن يعتب؛ تقول: استعتبته فأعتبني أي استرضيته فأرضاني. فمعنى « وإن يستعتبوا » أي طلبوا الرضا لم ينفعهم ذلك بل لا بد لهم من النار. وفي التفاسير: وإن يستقيلوا ربهم فما هم من المقالين. وقرأ عبيد بن عمير وأبو العالية « وإن يستعتبوا » بفتح التاء الثانية وضم الياء على الفعل المجهول « فما هم من المعتبين » بكسر التاء أي إن أقالهم الله وردهم إلى الدنيا لم يعملوا بطاعته لما سبق لهم في علم الله من الشقاء، قال الله تعالى: « ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه » [ الأنعام: 28 ] ذكره الهروي. وقال ثعلب: يقال أعتب إذا غضب وأعتب إذا رضي.
قوله تعالى: « وقيضنا لهم قرناء » قال النقاش: أي هيأنا لهم شياطين. وقيل: سلطنا عليهم قرناء يزينون عندهم المعاصي، وهؤلاء القرناء من الجن والشياطين ومن الإنس أيضا؛ أي سببنا لهم قرناء؛ يقال: قيض الله فلانا لفلان أي جاءه به وأتاحه له، ومنه قوله تعالى: « وقيضنا لهم قرناء » . القشيري: ويقال قيض الله لي رزقا أي أتاحه كما كنت أطلبه، والتقييض الإبدال ومنه المقايضة، قايضت الرجل مقايضة أي عاوضته بمتاع، وهما قيضان كما تقول بيعان. « فزينوا لهم ما بين أيديهم » من أمر الدنيا فحسنوه لهم حتى آثروه على الآخرة « وما خلفهم » حسنوا لهم ما بعد مماتهم ودعوهم إلى التكذيب بأمور الآخرة؛ عن مجاهد. وقيل: المعنى « قيضنا لهم قرناء » في النار « فزينوا لهم » أعمالهم في الدنيا؛ والمعنى قدرنا عليهم أن ذلك سيكون وحكمنا به عليهم. وقيل: المعنى أحوجناهم إلى الأقران؛ أي أحوجنا الفقير إلى الغني لينال منه، والغني إلى الفقير ليستعين به فزين بعضهم لبعض المعاصي. وليس قوله: « وما خلفهم » عطفا على « ما بين أيديهم » بل المعنى وأنسوهم ما خلفهم ففيه هذا الإضمار. قال ابن عباس: « ما بين أيديهم » تكذيبهم بأمور الآخرة « وما خلفهم » التسويف والترغيب في الدنيا. الزجاج: « ما بين أيديهم » ما عملوه « وما خلفهم » ما عزموا على أن يعملوه. وقد تقدم قول مجاهد. وقيل: المعنى لهم مثل ما تقدم من المعاصي « وما خلفهم » ما يعمل بعدهم. « وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس » أي وجب عليهم من العذاب ما وجب على الأمم الذين من قبلهم الذين كفروا ككفرهم. وقيل: « في » بمعنى مع؛ فالمعنى هم داخلون مع الأمم الكافرة قبلهم فيما دخلوا فيه. وقيل: « في أمم » في جملة أمم، ومثله قول الشاعر:
إن تك عن أحسن الصنيعة مأ فوكا ففي آخرين قد أفكوا
يريد فأنت في جملة آخرين لست في ذلك بأوحد. ومحل « في أمم » النصب على الحال من الضمير في « عليهم » أي حق عليهم القول كائنين في جملة أمم. « إنهم كانوا خاسرين » أعمالهم في الدنيا وأنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الثلاثاء أغسطس 27, 2013 12:09 am

تابع تفسير القرطبى لسورة فصلت
============

الآيات: 26 - 29 ( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون، فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون، ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون، وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين )
قوله تعالى: « وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن » لما أخبر تعالى عن كفر قوم هود وصالح وغيرهم أخبر عن مشركي قريش وأنهم كذبوا القرآن فقالوا: « لا تسمعوا » . وقيل: معنى « لا تسمعوا » لا تطيعوا؛ يقال: سمعت لك أي أطعتك. « والغوا فيه » قال ابن عباس: قال أبو جهل إذا قرأ محمد فصيحوا في وجهه حتى لا يدري ما يقول. وقيل: إنهم فعلوا ذلك لما أعجزهم القرآن. وقال مجاهد: المعنى « والغوا فيه » بالمكاء والتصفيق والتخليط في المنطق حتى يصير لغوا. وقال الضحاك: أكثروا الكلام ليختلط عليه ما يقول. وقال أبو العالية وابن عباس أيضا: قعوا فيه. وعيبوه. « لعلكم تغلبون » محمدا على قراءته فلا يظهر ولا يستميل القلوب. وقرأ عيسى بن عمر والجحدري وابن أبي إسحاق وأبو حيوة وبكر بن حبيب السهمي « والغوا » بضم الغين وهي لغة من لغا يلغو. وقراءة الجماعة من لغي يلغى. قال الهروي: وقوله: « والغوا فيه » قيل: عارضوه بكلام لا يفهم. يقال: لغوت ألغو وألغى، ولغي يلغى ثلاث لغات. وقد مضى معنى اللغو في « البقرة » وهو ما لا يعلم له حقيقة ولا تحصيل.
قوله تعالى: « فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا » قد تقدم أن الذوق يكون محسوسا، ومعنى العذاب الشديد: ما يتوالى فلا ينقطع. وقيل: هو العذاب في جميع أجزائهم. « ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون » أي ولنجزينهم في الآخرة جزاء قبح أعمالهم التي عملوها في الدنيا. وأسوأ الأعمال الشرك. « ذلك جزاء أعداء الله النار » أي ذلك العذاب الشديد، ثم بينه بقوله « النار » وقرأ ابن عباس « ذلك جزاء أعداء الله النار دار الخلد » فترجم بالدار عن النار وهو مجاز الآية. و « ذلك » ابتداء و « جزاء » الخبر و « النار » بدل من « جزاء » أوخبر مبتدأ مضمر، والجملة في موضع بيان للجملة الأولى.
قوله تعالى: « وقال الذين كفروا » يعني في النار فذكره بلفظ الماضي والمراد المستقبل « ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس » يعني إبليس وابن آدم الذي قتل أخاه. عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما؛ ويشهد لهذا القول الحديث المرفوع: ( ما من مسلم يقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من ذنبه لأنه أول من سن القتل ) خرجه الترمذي، وقيل: هو بمعنى الجنس وبني على التثنية لاختلاف الجنسين. « نجعلهما تحت أقدامنا » سألوا ذلك حتى يشتفوا منهم بأن يجعلوهم تحت أقدامهم « ليكونا من الأسفلين » في النار وهو الدرك الأسفل سألوا أن يضعف الله عذاب من كان سبب ضلالتهم من الجن والإنس. وقرأ ابن محيصن والسوسي عن أبي عمرو وابن عامر وأبو بكر والمفضل « أرنا » بإسكان الراء، وعن أبي عمرو أيضا باختلاسها. وأشبع الباقون كسرتها وقد تقدم في « الأعراف » .

الآيات: 30 - 32 ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون، نزلا من غفور رحيم )
قوله تعالى: « إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا » قال عطاء عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ وذلك أن المشركين قالوا ربنا الله والملائكة بناته وهؤلاء شفعاؤنا عند الله؛ فلم يستقيموا. وقال أبو بكر: ربنا الله وحده لا شريك له ومحمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله؛ فاستقام. وفي الترمذي عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ « إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا » قال: ( قد قال الناس ثم كفر أكثرهم فمن مات عليها فهو ممن استقام ) قال: حديث غريب. ويروى في هذه الآية عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي معنى « استقاموا » ؛ ففي صحيح مسلم عن سفيان بن عبدالله الثقفي قال: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك - وفي رواية - غيرك. قال: ( قل آمنت بالله ثم استقم ) زاد الترمذي قلت: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ بلسان نفسه وقال: ( هذا ) . وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: « ثم استقاموا » لم يشركوا بالله شيئا. وروى عنه الأسود بن هلال أنه قال لأصحابه: ما تقولون في هاتين الآيتين « إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا » و « الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم » فقالوا: استقاموا فلم يذنبوا ولم يلبسوا إيمانهم بخطيئة؛ فقال أبو بكر: لقد حملتموها على غير المحمل « قالوا ربنا الله ثم استقاموا » فلم يلتفتوا إلى إله غيره « ولم يلبسوا إيمانهم » بشرك « أولئك لهم الأمن وهم مهتدون » . وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر وهو يخطب: « إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا » فقال: استقاموا والله على الطريقة لطاعته ثم لم يرغوا روغان الثعالب. وقال عثمان رضي الله عنه: ثم أخلصوا العمل لله. وقال علي رضي الله عنه: ثم أدوا الفرائض. وأقوال التابعين بمعناها. قال ابن زيد وقتادة: استقاموا على الطاعة لله. الحسن: استقاموا على أمر الله فعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته. وقال مجاهد وعكرمة: استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى ماتوا. وقال سفيان الثوري: عملوا على وفاق ما قالوا. وقال الربيع: اعرضوا عما سوى الله. وقال الفضيل بن عياض: زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية. وقيل: استقاموا إسرارا كما استقاموا إقرارا. وقيل: استقاموا فعلا كما استقاموا قولا. وقال أنس: لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( هم أمتي ورب الكعبة ) . وقال الإمام ابن فورك: السين سين الطلب مئل استسقى أي سألوا من الله أن يثبتهم على الدين. وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية قال: اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة.

قلت: وهذه الأقوال وإن تداخلت فتلخيصها: اعتدلوا على طاعة الله عقدا وقولا وفعلا، وداموا على ذلك.
قوله تعالى: « تتنزل عليهم الملائكة » قال ابن زيد ومجاهد: عند الموت. وقال مقاتل وقتادة: إذا قاموا من قبورهم للبعث. وقال ابن عباس: هي بشرى تكون لهم من الملائكة في الآخرة. وقال وكيع وابن زيد: البشرى في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث. « ألا تخافوا » أي بـ « ألا تخافوا » فحذف الجار. وقال مجاهد: لا تخافوا الموت. وقال عطاء بن أبي رباح: لا تخافوا رد ثوابكم فإنه مقبول، وقال عكرمة ولا تخافوا أمامكم، ولا تحزنوا على ذنوبكم. « ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون » على أولادكم فإن الله خليفتكم عليهم. وقال عطاء بن أبي رباح: لا تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم. وقال عكرمة: لا تحزنوا على ذنوبكم.
قوله تعالى: « نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة » أي تقول لهم الملائكة الذين تتنزل عليهم بالبشارة « نحن أولياؤكم » قال مجاهد: أي نحن قرناؤكم الذين كنا معكم في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة قالوا لا نفارقكم حتى ندخلكم الجنة. وقال السدي: أي نحن الحفظة لأعمالكم في الدنيا وأولياؤكم في الآخرة. ويجوز أن يكون هذا من قول الله تعالى؛ والله ولي المؤمنين ومولاهم. « ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم » أي من الملاذ. « ولكم فيها ما تدعون » تسألون وتتمنون. « نزلا » أي رزقا وضيافة من الله الغفور الرحيم. وقد تقدم في « آل عمران » وهو منصوب على المصدر أي أنزلناه نزلا. وقيل: على الحال. وقيل: هو جمع نازل، أي لكم ما تدعون نازلين، فيكون حالا من الضمير المرفوع في « تدعون » أو من المجرور في « لكم » .
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الأربعاء أغسطس 28, 2013 12:06 am

تابع تفسير القرطبى لسورة فصلت
==========


الآيات: 33 - 36 ( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين، ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم، وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم )
قوله تعالى: « ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا » هذا توبيخ للذين تواصوا باللغو في القرآن. والمعنى: أي كلام أحسن من القرآن، ومن أحسن قولا من الداعي إلى الله وطاعته وهو محمد صلى الله عليه وسلم. قال ابن سيرين والسدي وابن زيد والحسن: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان الحسن إذا تلا هذه الآية يقول: هذا رسول الله، هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا والله أحب أهل الأرض إلى الله؛ أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب إليه. وقالت عائشة رضي الله عنها وعكرمة وقيس بن أبي حازم ومجاهد: نزلت في المؤذنين. قال فضيل بن رفيدة: كنت مؤذنا لأصحاب عبدالله بن مسعود، فقال لي عاصم بن هبيرة: إذا أذنت فقلت: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، فقل وأنا من المسلمين؛ ثم قرأ هذه الآية؛ قال ابن العربي: الأول أصح؛ لأن الآية مكية والأذان مدني؛ وإنما يدخل فيها بالمعنى؛ لا أنه كان المقصود وقت القول، ويدخل فيها أبو بكر الصديق حين قال في النبي صلى الله عليه وسلم وقد خنقه الملعون: « أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله » [ غافر: 28 ] وتتضمن كل كلام حسن فيه ذكر التوحيد والإيمان.

قلت: وقول ثالث وهو أحسنها؛ قال الحسن: هذه الآية عامة في كل من دعا إلى الله. وكذا قال قيس بن أبي حازم قال: نزلت في كل مؤمن. قال: ومعنى « وعمل صالحا » الصلاة بين الأذان والإقامة. وقاله أبو أمامة؛ قال: صلي ركعتين بين الأذان والإقامة. وقال عكرمة: « وعمل صالحا » صلى وصام. وقال الكلبي: أدى الفرائض.

قلت: وهذا أحسنها مع اجتناب المحارم وكثرة المندوب. والله أعلم.
قوله تعالى: « وقال إنني من المسلمين » قال ابن العربي: وما تقدم يدل على الإسلام، لكن لما كان الدعاء بالقول والسيف يكون للاعتقاد ويكون للحجة، وكان العمل يكون للرياء والإخلاص، دل على أنه لا بد من التصريح بالاعتقاد لله في ذلك كله، وأن العمل لوجهه.

مسألة: لما قال الله تعالى: « وقال إنني من المسلمين » ولم يقل له اشترط إن شاء الله، كان في ذلك رد على من يقول أنا مسلم إن شاء الله.
قوله تعالى: « ولا تستوي الحسنة ولا السيئة » قال الفراء: « لا » صلة أي « ولا تستوي الحسنة والسيئة » وأنشد:

ما كان يرضى رسول الله فعلهم والطيبان أبو بكر ولا عمر

أراد أبو بكر وعمر؛ أي لا يستوي ما أنت عليه من التوحيد، وما المشركون عليه من الشرك. قال ابن عباس: الحسنة لا إله إلا الله، والسيئة الشرك. وقيل: الحسنة الطاعة، والسيئة الشرك. وهو الأول بعينه. وقيل: الحسنة المداراة، والسيئة الغلظة. وقيل: الحسنة العفو، والسيئة الانتصار. وقال الضحاك: الحسنة العلم، والسيئة الفحش. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الحسنة حب آل الرسول، والسيئة بغضهم. « ادفع بالتي هي أحسن » نسخت بآية السيف، وبقي المستحب من ذلك: حسن العشرة والاحتمال والإغضاء. قال ابن عباس: أي ادفع بحلمك جهل من يجهل عليك. وعنه أيضا: هو الرجل يسب الرجل فيقول الآخر إن كنت صادقا فغفر الله لي، وإن كنت كاذبا فغفر الله لك. وكذلك يروى في الأثر: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال ذلك لرجل نال منه. وقال مجاهد: « بالتي هي أحسن » يعني السلام إذا لقي من يعاديه؛ وقال عطاء. وقول ثالث ذكره القاضي أبو بكر بن العربي في الأحكام وهو المصافحة. وفي الأثر: ( تصافحوا يذهب الغل ) . ولم ير مالك المصافحة، وقد اجتمع مع سفيان فتكلما فيها فقال سفيان: قد صافح رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفرا حين قدم من أرض الحبشة؛ فقال له مالك: ذلك خاص. فقال له سفيان: ما خص رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصنا، وما عمه يعمنا، والمصافحة ثابتة فلا وجه لإنكارها. وقد روى قتادة قال قلت لأنس: هل كانت المصافحة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. وهو حديث صحيح. وفي الأثر: ( من تمام المحبة الأخذ باليد ) . ومن حديث محمد بن إسحاق وهو إمام مقدم، عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فقرع الباب فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا يجر ثوبه - والله ما رأيته عريانا قبله ولا بعده - فاعتنقه وقبله.

قلت: قد روي عن مالك جواز المصافحة وعليها جماعة من العلماء. وقد مضى ذلك في « يوسف » وذكرنا هناك حديث البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما من مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد صاحبه مودة بينهما ونصيحة إلا ألقيت ذنوبهما بينهما ) .
قوله تعالى: « فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم » أي قريب صديق. قال مقاتل: نزلت في أبي سفيان بن حرب، كان مؤذيا للنبي صلى الله عليه وسلم، فصار له وليا بعد أن كان عدوا بالمصاهرة التي وقعت بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أسلم فصار وليا في الإسلام حميما بالقرابة. وقيل: هذه الآية نزلت في أبي جهل بن هشام، كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، فأمره الله تعالى بالصبر عليه والصفح عنه؛ ذكره الماوردي. والأول ذكره الثعلبي والقشيري وهو أظهر؛ لقوله تعالى: « فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم » . وقيل: كان هذا قبل الأمر بالقتال. قال ابن عباس: أمره الله تعالى في هذه الآية بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعل الناس ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم. وروي أن رجلا شتم قنبرا مولى علي بن أبي طالب فناداه علي يا قنبر دع شاتمك، وآله عنه ترضي الرحمن وتسخط الشيطان، وتعاقب شاتمك، فما عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه. وأنشدوا:

وللكف عن شتم اللئيم تكرما أضر له من شتمه حين يشتم

وقال آخر:

وما شيء أحب إلى سفيه إذا سب الكريم من الجواب

متاركة السفيه بلا جواب أشد على السفيه من السباب

وقال محمود الوراق:

سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب وإن كثرت منه لدي الجرائم

فما الناس إلا واحد من ثلاثة شريف ومشرف ومثل مقاوم

فأما الذي فوقي فأعرف قدره واتبع فيه الحق والحق لازم

وأما الذي دوني فإن قال صنت عن إجابته عرضي وإن لام لائم

وأما الذي مثلي فإن زل أو هفا تفضلت إن الفضل بالحلم حاكم

« وما يلقاها » يعني هذه الفعلة الكريمة والخصلة الشريفة « إلا الذين صبروا » بكظم الغيظ واحتمال الأذى. وقيل: الكناية في « يلقاها » عن الجنة؛ أي ما يلقاها إلا الصابرون؛ والمعنى متقارب. « وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم » أي نصيب وافر من الخير؛ قال ابن عباس. وقال قتادة ومجاهد: الحظ العظيم الجنة. قال الحسن: والله ما عظم حظ قط دون الجنة. « وإما ينزغنك من الشيطان نزغ » تقدم في آخر « الأعراف » . « فاستعذ بالله » من كيده وشره « إنه هو السميع » لاستعاذتك « العليم » بأفعالك وأقوالك.

الآيات: 37 - 39 ( ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون، فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون، ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير )
قوله تعالى: « ومن آياته » علاماته الدالة على وحدانيته وقدرته « الليل والنهار والشمس والقمر » وقد مضى في غير موضع. « لا تسجدوا للشمس ولا للقمر » نهى عن السجود لهما؛ لأنهما وإن كانا خلقين فليس ذلك لفضيلة لهما في أنفسهما فيستحقان بها العبادة مع الله؛ لأن خالقهما هو الله ولو شاء لأعدمهما أو طمس نورهما. « واسجدوا لله الذي خلقهن » وصورهن وسخرهن؛ فالكناية ترجع إلى الشمس والقمر والليل والنهار. وقيل: للشمس والقمر خاصة؛ لأن الاثنين جمع. وقيل: الضمير عائد على معنى الآيات « إن كنتم إياه تعبدون » وإنما أنث على جمع التكثير ولم يجر على طريق التغليب للمذكر والمؤنث لأنه فيما لا يعقل. « فإن استكبروا » يعني الكفار عن السجود لله « فالذين عند ربك » من الملائكة « يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون » أي لا يملون عبادته. قال زهير:

سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أبا لك يسأم

مسألة: هذه الآية آية سجدة بلا خلاف؛ واختلفوا في موضع السجود منها. فقال مالك: موضعه « إن كنتم إياه تعبدون » ؛ لأنه متصل بالأمر. وكان علي وابن مسعود وغيرهم يسجدون عند قوله: « تعبدون » . وقال ابن وهب والشافعي: موضعه « وهم لا يسأمون » لأنه تمام الكلام وغاية العبادة والامتثال. وبه قال أبو حنيفة. وكان ابن عباس يسجد عند قوله: « يسأمون » . وقال ابن عمر: اسجدوا بالآخرة منهما. وكذلك يروى عن مسروق وأبي عبدالرحمن السلمي وإبراهيم النخعي وأبي صالح ويحيى بن وثاب وطلحة وزبيد الياميين والحسن وابن سيرين. وكان أبو وائل وقتادة وبكر بن عبدالله يسجدون عند قوله: « يسأمون » . قال ابن العربي: والأمر قريب.

مسألة: ذكر ابن خويز منداد: أن هذه الآية تضمنت صلاة كسوف القمر والشمس؛ وذلك أن العرب كانت تقول: إن الشمس والقمر لا يكسفان إلا لموت عظيم، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف.

قلت: صلاة الكسوف ثابتة في الصحاح البخاري ومسلم وغيرهما. واختلفوا في كيفيتها اختلافا كثيرا، لاختلاف الآثار، وحسبك ما في صحيح مسلم من ذلك، وهو العمدة في الباب. والله الموفق للصواب.
قوله تعالى: « ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة » الخطاب لكل عاقل أي « ومن آياته » الدالة على أنه يحيي الموتى « أنك ترى الأرض خاشعة » أي يابسة جدبة؛ هذا وصف الأرض بالخشوع؛ قال النابغة:

رماد ككحل العين لأيا أبينه ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع

والأرض الخاشعة؛ الغبراء التي تنبت. وبلدة خاشعة: أي مغبرة لا منزل بها. ومكان خاشع. « فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت » أي بالنبات؛ قال مجاهد. يقال: اهتز الإنسان أي تحرك؛ ومنه:

تراه كنصل السيف يهتز للندى إذا لم تجد عند امرئ السوء مطمعا

« وربت » أي انتفخت وعلت قبل أن تنبت؛ قال مجاهد. أي تصعدت عن النبات بعد موتها. وعلى هذا التقدير يكون في الكلام تقديم وتأخير وتقديره: ربت واهتزت. والاهتزاز والربو قد يكونان قبل الخروج من الأرض؛ وقد يكونان بعد خروج النبات إلى وجه الأرض؛ فربوها ارتفاعها. ويقال للموضع المرتفع: ربوة ورابية؛ فالنبات يتحرك للبروز ثم يزداد في جسمه بالكبر طولا وعرضا. وقرأ أبو جعفر وخالد « وربأت » ومعناه عظمت؛ من الربيئة. وقيل: « اهتزت » أي استبشرت بالمطر « وربت » أي انتفخت بالنبات. والأرض إذا انشقت بالنبات: وصفت بالضحك، فيجوز وصفها بالاستبشار أيضا. ويجوز أن يقال الربو والاهتزاز واحد؛ وهي حالة خروج النبات. وقد مضى هذا المعنى في « الحج » « إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير » تقدم في غير موضع.
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الخميس أغسطس 29, 2013 12:30 am

تابع تفسير القرطبى لسورة فصلت
===========


الآيات: 40 - 43 ( إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير، إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم )
قوله تعالى: « إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا » أي يميلون عن الحق في أدلتنا. والإلحاد: الميل والعدول. ومنه اللحد في القبر؛ لأنه أميل إلى ناحية منه. يقال: ألحد في دين الله أي حاد عنه وعدل. ولحد لغة فيه. وهذا يرجع إلى الذين قالوا: « لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه » وهم الذين ألحدوا في آياته ومالوا عن الحق فقالوا: ليس القرآن من عند الله، أو هو شعر أو سحر؛ فالآيات آيات القرآن. قال مجاهد: « يلحدون في آياتنا » أي عند تلاوة القرآن بالمكاء والتصدية واللغو والغناء. وقال ابن عباس: هو تبديل الكلام ووضعه في غير موضعه. وقال قتادة: « يلحدون في آياتنا » يكذبون في آياتنا. وقال السدي: يعاندون ويشاقون. وقال ابن زيد: يشركون ويكذبون. والمعنى متقارب. وقال مقاتل: نزلت في أبي جهل. وقيل: الآيات المعجزات، وهو يرجع إلى الأول فإن القرآن معجز. « أفمن يلقى في النار » على وجهه وهو أبو جهل في قول ابن عباس وغيره. « خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة » قيل: النبي صلى الله عليه وسلم؛ قاله مقاتل. وقيل: عمار بن ياسر. وقيل: حمزة. وقيل: عمر بن الخطاب. وقيل: أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي. وقيل: المؤمنون. وقيل: إنها على العموم؛ فالذي يلقى في النار الكافر، والذي يأتي آمنا يوم القيامة المؤمن؛ قاله ابن بحر. « اعملوا ما شئتم » أمر تهديد؛ أي بعد ما علمتم أنهما لا يستويان فلا بد لكم من الجزاء. « إنه بما تعملون بصير » وعيد بتهديد وتوعد.
قوله تعالى: « إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم » الذكر ها هنا القرآن في قول الجميع؛ لأن فيه ذكر ما يحتاج إليه من الأحكام. والخبر محذوف تقديره هالكون أومعذبون. وقيل: الخبر « أولئك ينادون من مكان بعيد » [ فصلت: 44 ] واعترض قوله: « ما يقال لك » ثم رجع إلى الذكر فقال: « ولو جعلناه قرآنا أعجميا » ثم قال: « أولئك ينادون » [ فصلت: 44 ] والأول الاختيار؛ قال النحاس: عند النحويين جميعا فيما علمت. « وإنه لكتاب عزيز » أي عزيز على الله؛ قاله ابن عباس؛ وعنه: عزيز من عند الله. وقيل: كريم على الله. وقيل: « عزيز » أي أعزه الله فلا يتطرق إليه باطل. وقيل: ينبغي أن يعز ويجل وألا يلغى فيه. وقيل: « عزيز » من الشيطان أن يبدله؛ قاله السدي. مقاتل: منع من الشيطان والباطل. السدي: غير مخلوق فلا مثل له. وقال ابن عباس أيضا: « عزيز » أي ممتنع عن الناس أن يقولوا مثله. « لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه » أي لا يكذبه شيء مما أنزل الله من قبل ولا ينزل من بعده يبطله وينسخه؛ قال الكلبي. وقال السدي وقتادة: « لا يأتيه الباطل » يعني الشيطان « من بين يديه ولا من خلفه » لا يستطيع أن يغير ولا يزيد ولا ينقص. وقال سعيد بن جبير: لا يأتيه التكذيب « من بين يديه ولا من خلفه » . ابن جريج: « لا يأتيه الباطل » فيما أخبر عما مضى ولا فيما أخبر عما يكون. وعن ابن عباس: « من بين يديه » من الله تعالى: « ولا من خلفه » يريد من جبريل صلى الله عليه وسلم، ولا من محمد صلى الله عليه وسلم. « تنزيل من حكيم حميد » ابن عباس: « حكيم » في خلقه « حميد » إليهم. قتادة: « حكيم » في أمره « حميد » إلى خلقه.
قوله تعالى: « ما يقال لك » أي من الأذى والتكذيب « إلا ما قد قيل للرسل من قبلك » يعزي نبيه ويسليه « إن ربك لذو مغفرة » لك ولأصحابك « وذو عقاب أليم » يريد لأعدائك وجيعا. وقيل: أي ما يقال لك من إخلاص العبادة لله إلا ما قد أوحي إلى من قبلك، ولا خلاف بين الشرائع فيما يتعلق بالتوحيد، وهو كقوله: « ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك » [ الزمر: 65 ] أي لم تدعهم إلا ما تدعو إليه جميع الأنبياء، فلا معنى لإنكارهم عليك. قيل: هو استفهام، أي أي شيء يقال لك « إلا ما قد قيل للرسل من قبلك » . وقيل: « إن ربك » كلام مبتدأ وما قبله كلام تام إذا كان الخبر مضمرا. وقيل: هو متصل بـ « ما يقال لك » . « إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم » أي إنما أمرت بالإنذار والتبشير.

الآية: 44 ( ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد )
قوله تعالى: « ولو جعلناه قرآنا أعجميا » أي بلغة غير العرب « لقالوا لولا فصلت آياته » أي بينت بلغتنا فإننا عرب لا نفهم الأعجمية. فبين أنه أنزل بلسانهم ليتقرر به معنى الإعجاز؛ إذ هم أعلم الناس بأنواع الكلام نظما ونثرا. وإذا عجزوا عن معارضته كان من أدل الدليل على أنه من عند الله، ولو كان بلسان العجم لقالوا لا علم لنا بهذا اللسان.

وإذا ثبت هذا ففيه دليل على أن القرآن عربي، وأنه نزل بلغة العرب، وأنه ليس أعجميا، وأنه إذا نقل عنها إلى غيرها لم يكن قرآنا.
قوله تعالى: « أأعجمي وعربي » وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي « اَاَعجمي وعربي » بهمزتين مخففتين، والعجمي الذي ليس من العرب كان فصيحا أوغير فصيح، والأعجمي الذي لا يفصح كان من العرب أو من العجم، فالأعجم ضد الفصيح وهو الذي لا يبين كلامه. ويقال للحيوان غير الناطق أعجم، ومنه ( صلاة النهار عجماء ) أي لا يجهر فيها بالقراءة فكانت النسبة إلى الأعجم آكد، لأن الرجل العجمي الذي ليس من العرب قد يكون فصيحا بالعربية، والعربي قد يكون غير فصيح؛ فالنسبة إلى الأعجمي آكد في البيان. والمعنى أقرآن أعجمي، ونبي عربي؟ وهو استفهام إنكار. وقرأ الحسن وأبو العالية ونصر بن عاصم والمغيرة وهشام عن ابن عامر « أعجمي » بهمزة واحدة على الخبر. والمعنى « لولا فصلت آياته » فكان منها عربي يفهمه العرب، وأعجمي يفهمه العجم. وروى سعيد بن جبير قال: قالت قريش: لولا أنزل القرآن أعجميا وعربيا فيكون بعض آياته عجميا وبعض آياته عربيا فنزلت الآية. وأنزل في القرآن من كل لغة فمنه « السجيل » وهي فارسية وأصلها سنك كيل؛ أي طين وحجر، ومنه « الفردوس » رومية وكذلك « القسطاس » وقرأ أهل الحجاز وأبو عمرو وابن ذكوان وحفص على الاستفهام، إلا أنهم لينوا الهمزة على أصولهم. والقراءة الصحيحة قراءة الاستفهام. والله أعلم.
قوله تعالى: « قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء » أعلم الله أن القرآن هدى وشفاء لكل من آمن به من الشك والريب والأوجاع. « والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر » أي صمم عن سماع القرآن. ولهذا تواصوا باللغو فيه. ونظير هذه الآية: « وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا » [ الإسراء: 82 ] وقد مضى مستوفى. وقراءة العامة « عمى » على المصدر. وقرأ ابن عباس وعبدالله بن الزبير وعمرو بن العاص ومعاوية وسليمان بن قتة « وهو عليهم عم » بكسر الميم أي لا يتبين لهم. واختار أبو عبيد القراءة الأولى؛ لإجماع الناس فيها؛ ولقوله أولا: « هدى وشفاء » ولوكان هاد وشاف لكان الكسر في « عمى » أجود؛ ليكون نعتا مثلهما؛ تقديره: « والذين لا يؤمنون » في ترك قبوله بمنزلة من في آذانهم « وقر » . « وهو عليهم عمى » يعني القرآن « عليهم » ذو عمى، لأنهم لا يفقهون فحذف المضاف. وقيل المعنى والوقر عليهم عمى. « أولئك ينادون من مكان بعيد » يقال ذلك لمن لا يفهم من التمثيل. وحكى أهل اللغة أنه يقال للذي يفهم: أنت تسمع من قريب. ويقال للذي لا يفهم: أنت تنادى من بعيد. أي كأنه ينادى من موضع بعيد منه فهو لا يسمع النداء ولا يفهمه. وقال الضحاك: « ينادون » يوم القيامة بأقبح أسمائهم « من مكان بعيد » فيكون ذلك أشد لتوبيخهم وفضيحتهم. وقيل: أي من لم يتدبر القرآن صار كالأعمى الأصم، فهو ينادى من مكان بعيد فينقطع صوت المنادي عنه وهو لم يسمع. وقال علي رضي الله عنه ومجاهد: أي بعيد من قلوبهم. وفي التفسير: كأنما ينادون من السماء فلا يسمعون. وحكى معناه النقاش.

الآيات: 45 - 46 ( ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب، من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد )
قوله تعالى: « ولقد آتينا موسى الكتاب » يعني التوراة « فاختلف فيه » أي آمن به قوم وكذب به قوم. والكناية ترجع إلى الكتاب، وهو تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم؛ أي لا يحزنك اختلاف قومك في كتابك، فقد اختلف من قبلهم في كتابهم. وقيل: الكناية ترجع إلى موسى. « ولولا كلمة سبقت من ربك » أي في إمهالهم. « لقضي بينهم » أي بتعجيل العذاب. « وإنهم لفي شك منه » من القرآن « مريب » أي شديد الريبة. وقد تقدم. وقال الكلبي في هذه الآية: لولا أن الله أخر عذاب هذه الأمة إلى يوم القيامة لآتاهم العذاب كما فعل بغيرهم من الأمم. وقيل: تأخير العذاب لما يخرج من أصلابهم من المؤمنين.
قوله تعالى: « من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها » شرط وجوابه « ومن أساء فعليها » . والله جل وعز مستغن عن طاعة العباد، فمن أطاع فالثواب له، ومن أساء فالعقاب عليه. « وما ربك بظلام للعبيد » نفى الظلم عن نفسه جل وعز قليله وكثيره، وإذا انتفت المبالغة انتفى غيرها، دليله قوله الحق: « إن الله لا يظلم الناس شيئا » [ يونس: 44 ] وروى العدول الثقات، والأئمة الأثبات، عن الزاهد العدل، عن أمين الأرض، عن أمين السماء، عن الرب جل جلاله: ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا... ) الحديث. وأيضا فهو الحكيم المالك، وما يفعله المالك في ملكه لا اعتراض عليه؛ إذ له التصرف في ملكه بما يريد.
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الجمعة أغسطس 30, 2013 12:06 am

تابع تفسير القرطبى لسورة فصلت
===========


الآيات: 47 - 48 ( إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ويوم يناديهم أين شركائي قالوا آذناك ما منا من شهيد، وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل وظنوا ما لهم من محيص )
قوله تعالى: « إليه يرد علم الساعة » أي حين وقتها. وذلك أنهم قالوا: يا محمد إن كنت نبيا فخبرنا متى قيام الساعة فنزلت: « وما تخرج من ثمرات » « من » زائدة أي وما تخرج ثمرة. « من أكمامها » أي من أوعيتها، فالأكمام أوعية الثمرة، واحدها كمة وهي كل ظرف لمال أو غيره؛ ولذلك سمي قشر الطلع أعني كفراه الذي ينشق عن الثمرة كمة؛ قال ابن عباس: الكمة الكفرى قبل أن تنشق، فإذا انشقت فليست بكمة. وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة [ الرحمن ] . وقرأ نافع وابن عامر وحفص « من ثمرات » على الجمع. الباقون « ثمرة » على التوحيد والمراد الجمع، لقوله: « وما تحمل من أنثى » والمراد الجمع، يقول: « إليه يرد علم الساعة » كما يرد إليه علم الثمار والنتاج. « ويوم يناديهم » أي ينادي الله المشركين « أين شركائي » الذين زعمتم في الدنيا أنها آلهة تشفع. « قالوا » يعني الأصنام. وقيل: المشركون. ويحتمل أن يريدهم جميعا العابد والمعبود « آذناك » أسمعناك وأعلمناك. يقال: آذن يؤذن: إذا أعلم، قال:

آذنتنا ببينها أسماء رب ثاو يمل منه الثواء
قوله تعالى: « ما منا من شهيد » أي نعلمك ما منا أحد يشهد بأن لك شريكا. لما عاينوا القيامة تبرؤوا من الأصنام وتبرأت الأصنام منهم كما تقدم في غير موضع. « وضل عنهم » أي بطل عنهم « ما كانوا يدعون من قبل » في الدنيا « وظنوا » أي أيقنوا وعلموا « ما لهم من محيص » أي فرار عن النار. و « ما » هنا حرف وليس باسم؛ فلذلك لم يعمل فيه الظن وجعل الفعل ملغى؛ تقديره: وظنوا أنهم ما لهم محيص ولا مهرب. يقال: حاص يحيص. حيصا ومحيصا إذا هرب. وقيل: إن الظن هنا الذي هو أغلب الرأي، لا يشكون في أنهم أصحاب النار ولكن يطمعون أن يخرجوا منها. وليس يبعد أن يكون لهم ظن ورجاء إلى أن يؤيسوا.

الآيات: 49 - 51 ( لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيؤوس قنوط، ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ، وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض )
قوله تعالى: « لا يسأم الإنسان من دعاء الخير » أي لا يمل من دعائه بالخير. والخير هنا المال والصحة والسلطان والعز. قال السدي: والإنسان ها هنا يراد به الكافر. وقيل: الوليد بن المغيرة. وقيل: عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأمية بن خلف. وفي قراءة عبدالله « لا يسأم الإنسان من دعاء المال » . « وإن مسه الشر » الفقر والمرض « فيؤوس قنوط » « فيؤوس » من روح الله « قنوط » من رحمته. وقيل: « يؤوس » من إجابة الدعاء « قنوط » بسوء الظن بربه. وقيل: « يؤوس » أي يئس من زوال ما به من المكروه « قنوط » أي يظن أنه يدوم؛ والمعنى متقارب.
قوله تعالى: « ولئن أذقناه رحمة منا » عاقبة ورخاء وغنى « من بعد ضراء مسته » ضر وسقم وشدة وفقر. « ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة » أي هذا شيء استحقه على الله لرضاه بعملي، فيرى النعمة حتما واجبا على الله تعالى، ولم يعلم أنه ابتلاه بالنعمة والمحنة؛ ليتبين شكره وصبره. وقال ابن عباس: « هذا لي » أي هذا من عندي. « ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى » أي الجنة، واللام للتأكيد. يتمنى الأماني بلا عمل. قال الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب: للكافر أمنيتان أما في الدنيا فيقول: « لئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى » ، وأما في الآخرة فيقول: « يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين » [ الأنعام: 27 ] و « يا ليتني كنت ترابا » [ النبأ: 40 ] . « فلننبئن الذين كفروا بما عملوا » أي لنجزينهم. قسم أقسم الله عليه. « ولنذيقنهم من عذاب غليظ » أي شديد.
قوله تعالى: « وإذا أنعمنا على الإنسان » يريد الكافر وقال ابن عباس: يريد عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف أعرضوا عن الإسلام وتباعدوا عنه. « أعرض ونأى بجانبه » « نأى بجانبه » أي ترفع عن الانقياد إلى الحق وتكبر على أنبياء الله. وقيل: « نأى » تباعد. يقال: نأيته ونأيت عنه نأيا بمعنى تباعدت عنه، وأنأيته فانتأى: أبعدته فبعد، وتناؤوا تباعدوا، والمنتأى الموضع البعيد؛ قال النابغة:

فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع

وقرأ يزيد بن القعقاع و « ناء بجانبه » بالألف قبل الهمزة. فيجوز أن يكون من « ناء » إذا نهض. ويجوز أن يكون على قلب الهمزة بمعنى الأول. « وإذا مسه الشر » أي أصابه المكروه « فذو دعاء عريض » أي كثير، والعرب تستعمل الطول والعرض في الكثرة. يقال: أطال فلان في الكلام وأعرض في الدعاء إذا أكثر. وقال ابن عباس: « فذو دعاء عريض » فذو تضرع واستغاثة. والكافر يعرف ربه في البلاء ولا يعرفه في الرخاء.

الآيات: 52 - 54 ( قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد، سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد، ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط )
قوله تعالى: « قل أرأيتم » أي قل لهم يا محمد « أرأيتم » يا معشر المشركين. « إن كان من عند الله ثم كفرتم به » « إن كان » هذا القرآن « من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد » أي فأي الناس أضل، أي لا أحد أضل منكم لفرط شقاقكم وعداوتكم. وقيل: قوله: « إن كان من عند الله » يرجع إلى الكتاب المذكور في قوله: « آتينا موسى الكتاب » [ البقرة: 53 ] والأول أظهر وهو قول ابن عباس.
قوله تعالى: « سنريهم آياتنا » أي علامات وحدانيتنا وقدرتنا « في الآفاق » يعني خراب منازل الأمم الخالية « وفي أنفسهم » بالبلايا والأمراض. وقال ابن زيد: « في الآفاق » آيات السماء « وفي أنفسهم » حوادث الأرض. وقال مجاهد: « في الآفاق » فتح القرى؛ فيسر الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم وللخلفاء من بعده وأنصار دينه في آفاق الدنيا وبلاد المشرق والمغرب عموما، وفي ناحية المغرب خصوصا من الفتوج التي لم يتيسر أمثالها لأحد من خلفاء الأرض قبلهم، ومن الإظهار على الجبابرة والأكاسرة وتغليب قليلهم على كثيرهم، وتسليط ضعفائهم على أقويائهم، وإجرائه على أيديهم أمورا خارجة عن المعهود خارقة للعادات « وفي أنفسهم » فتح مكة. وهذا اختيار الطبري. وقال المنهال بن عمرو والسدي. وقال قتادة والضحاك: « في الآفاق » وقائع الله في الأمم « وفي أنفسهم » يوم بدر. وقال عطاء وابن زيد أيضا « في الآفاق » يعني أقطار السموات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والرياح والأمطار والرعد والبرق والصواعق والنبات والأشجار والجبال والبحار وغيرها. وفي الصحاح: الآفاق النواحي، واحدها أفق وأفق مثل عسر وعسر، ورجل أفقي بفتح الهمزة والفاء: إذا كان من آفاق الأرض. حكاه أبو نصر. وبعضهم يقول: أفقي بضمها وهو القياس. وأنشد غير الجوهري:

أخذنا بآفاق السماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع

« وفي أنفسهم » من لطيف الصنعة وبديع الحكمة حتى سبيل الغائط والبول؛ فإن الرجل يشرب ويأكل من مكان واحد ويتميز ذلك من مكانين، وبديع صنعة الله وحكمته في عينيه اللتين هما قطرة ماء ينظر بهما من السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام، وفي أذنيه اللتين يفرق بهما بين الأصوات المختلفة. وغير ذلك من بديع حكمة الله فيه. وقيل: « وفي أنفسهم » من كونهم نطفا إلى غير ذلك من انتقال أحوالهم كما تقدم في « المؤمنون » بيانه. وقيل: المعنى سيرون ما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن وأخبار الغيب « حتى يتبين لهم أنه الحق » فيه أربعة أوجه:

أحدها: أنه القرآن. الثاني: الإسلام جاءهم به الرسول ودعاهم إليه. الثالث: أن ما يريهم الله ويفعل من ذلك هو الحق. الرابع: أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو الرسول الحق. « أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد » « أو لم يكف بربك » في موضع رفع بأنه فاعل « بيكف » و « أنه » بدل من « ربك » فهو رفع إن قدرته بدلا على الموضع، وجر « إن » قدرته بدلا على اللفظ. ويجوز أن يكون نصبا بتقدير حذف اللام، والمعنى أو لم يكفهم ربك بما دلهم عليه من توحيده؛ لأنه « على كل شيء شهيد » وإذا شهده جازى عليه. وقيل: المعنى « أو لم يكف بربك » في معاقبته الكفار. وقيل: المعنى « أو لم يكف بربك » يا محمد أنه شاهد على أعمال الكفار. وقيل: « أو لم يكف بربك » شاهدا على أن القرآن من عند الله. وقيل: « أو لم يكف بربك أنه على كل شيء » مما يفعله العبد « شهيد » والشهيد بمعنى العالم؛ أو هو من الشهادة التي هي الحضور « ألا إنهم في مرية » أي في شك « من لقاء ربهم » في الآخرة. وقال السدي: أي من البعث. « ألا إنه بكل شيء محيط » أي أحاط علمه بكل شيء. قاله السدي. وقال الكلبي: أحاطت قدرته بكل شيء. وقال الخطابي: هو الذي أحاطت قدرته بجميع خلقه، وهو الذي أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا. وهذا الاسم أكثر ما يجيء في معرض الوعيد، وحقيقته الإحاطة بكل شيء، واستئصال المحاط به، وأصله محيط نقلت حركة الياء إلى الحاء فسكنت. يقال منه: أحاط يحيط إحاطة وحيطة؛ ومن ذلك حائط الدار، يحوطها أهلها. وأحاطت الخيل بفلان: إذا أخذ مأخذا حاصرا من كل جهة، ومنه قوله تعالى: « وأحيط بثمره » [ الكهف: 42 ] والله أعلم بصواب ذلك.
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله السبت أغسطس 31, 2013 1:38 am

تفسير سورة الشورى للقرطبى
=========

المقدمة
مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر. وقال ابن عباس وقتادة: إلا أربع آيات منها أنزلت بالمدينة: « قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى » إلى آخرها. وهي ثلاث وخمسون آية.

الآيات: 1 - 4 ( حم، عسق، كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم، له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي العظيم )
قوله تعالى: « حم. عسق » قال عبدالمؤمن: سألت الحسين بن الفضل: لم قطع « حم » من « عسق » ولم تقطع « كهيعص » و « المر » و « المص » ؟ فقال: لأن « حم. عسق » بين سور أولها « حم » فجرت مجرى نظائرها قبلها وبعدها؛ فكأن « حم » مبتدأ و « عسق » خبره. ولأنها عدت آيتين، وعدت أخواتها اللواتي كتبت جملة آية واحدة. وقيل: إن الحروف المعجمة كلها في معنى واحد، من حيث إنها أس البيان وقاعدة الكلام؛ ذكره الجرجاني. وكتبت « حم. عسق » منفصلا و « كهيعص » متصلا لأنه قيل: حم؛ أي حم ما هو كائن، ففصلوا بين ما يقدر فيه فعل وبين ما لا يقدر. ثم لو فصل هذا ووصل ذا لحجاز؛ حكاه القشيري. وفي قراءة سبن مسعود وابن عباس « حم. سق » قال سبن عباس: وكان علي رضي الله عنه يعرف الفتن بها. وقال أرطاة بن المنذر، قال رجل لابن عباس وعنده حذيفة بن اليمان: أخبرني عن تفسير قوله تعالى: « حم. عسق » ؟ فأعرض عنه حتى عاد عليه ثلاثا فأعرض عنه. فقال حذيفة بن اليمان: أنا أنبئك بها، قد عرفت لم تركها؛ نزلت في رجل من أهل بيته يقال له عبدالإله أو عبدالله؛ ينزل على نهر من أنهار المشرق، يبني عليه مدينتين يشق النهر بينهما شقا، فإذا أراد الله زوال ملكهم وانقطاع دولتهم، بعث على إحداهما نارا ليلا فتصبح سوداء مظلمة، فتحرق كلها كأنها لم تكن مكانها؛ فتصبح صاحبتها متعجبة، كيف قلبت! فما هو إلا بياض يومها حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد، ثم يخسف الله بها وبهم جميعا؛ فذلك قوله: « حم. عسق » أي عزمة من عزمات الله، وفتنة وقضاء حم: حم. « ع » : عدلا منه، « س » : سيكون، « ق » : واقع في هاتين المدينتين.

ونظير هذا التفسير ما روى جرير بن عبدالله البجلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( تبنى مدينة بين دجلة ودجيل وقُطْرَبُلْ والصراة، يجتمع فيها جبابرة الأرض تجبى إليها الخزائن يخسف بها - وفي رواية بأهلها - فلهي أسرع ذهابا في الأرض من الوتد الجيد في الأرض الرخوة ) . وقرأ ابن عباس: « حم. سق » بغير عين. وكذلك هو في مصحف عبدالله بن مسعود؛ حكاه الطبري. وروى نافع عن ابن عباس: « الحاء » حلمه، و « الميم » مجده، و « العين » علمه، و « السين » سناه، و « القاف » قدرته؛ أقسم الله بها. وعن محمد بن كعب: أقسم الله بحلمه ومجده وعلوه وسناه وقدرته ألا يعذب من عاذ بلا إله إلا الله مخلصا من قلبه. وقال جعفر بن محمد وسعيد بن جبير: « الحاء » من الرحمن، والميم « من المجيد » ، و « العين » من، و « السين » من القدوس، و « القاف » من القاهر. وقال مجاهد: فواتح السور. وقال عبدالله بن بريدة: إنه اسم الجبل المحيط بالدنيا. وذكر القشيري، واللفظ للثعلبي: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية عرفت الكآبة في وجه؛ فقيل له: يا رسول الله، ما أحزنك؟ قال: ( أخبرت ببلايا تنزل بأمتي من خسف وقذف ونار تحشرهم وريح تقذفهم في البحر وآيات متتابعات متصلات بنزول عيسى وخروج الدجال ) . والله أعلم. وقيل: هذا في شأن النبي صلى الله عليه وسلم فـ « الحاء » حوضه المورود، و « الميم » ملكه الممدود، و « العين » عزه الموجود، و « السين » سناه المشهود، و « القاف » قيامه في المقام المحمود، وقربه في الكرامة من الملك المعبود. وقال ابن عباس: ليس من نبي صاحب كتاب إلا وقد أوحي إليه: « حم. عسق » ؛ فلذلك قال: « يوحي إليك وإلى الذين من قبلك » المهدوي: وقد جاء في الخبر أن ( « حم. عسق » معناه أوحيت إلى الأنبياء المتقدمين ) . وقرأ ابن محيصن وابن كثير ومجاهد « يوحى » ( بفتح الحاء ) على ما لم يسم فاعله؛ وروي عن ابن عمر. فيكون الجار والمجرور في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل، ويجوز أن يكون اسم ما لم يسم فاعله مضمرا؛ أي يوحى إليك القرآن الذي تضمنه هذه السورة، ويكون اسم الله مرفوعا بإضمار فعل، التقدير: يوحيه الله إليك؛ كقراءة ابن عامر وأبي بكر « يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال » [ النور: 36 ] أي يسبحه رجال. وأنشد سيبوبه:

ليبك يزيد ضارع بخصومة وأشعث ممن طوحته الطوائح

فقال: لبيك يزيد، ثم بين من ينبغي أن يبكيه، فالمعنى يبكيه ضارع. ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف؛ كأنه قال: الله يوحيه. أوعلى تقدير إضمار مبتدأ أي الموحي الله. أويكون مبتدأ والخبر « العزيز الحكيم » . وقرأ الباقون « يوحي إليك » بكسر الحاء، ورفع الاسم على أنه الفاعل. « له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي العظيم » تقدم في غير موضع.

الآية: 5 ( تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم )
قوله تعالى: « تكاد السماوات » قراءة العامة بالتاء. وقرأ نافع وابن وثاب والكسائي بالياء. « يتفطرن » قرأ نافع وغيره بالياء والتاء والتشديد في الطاء، وهي قراءة العامة. وقرأ أبو عمرو وأبو بكر والمفضل وأبو عبيد « ينفطرن » من الانفطار؛ كقوله تعالى: « إذا السماء انفطرت » [ الانفطار: 1 ] وقد مضى في سورة « مريم » بيان هذا. وقال ابن عباس: « تكاد السماوات يتفطرن » أي تكاد كل واحدة منها تنفطر فوق التي تليها؛ من قول المشركين: « اتخذ الله ولدا » [ البقرة: 116 ] . وقال الضحاك والسدي: « يتفطرن » أي يتشقق من عظمة الله وجلاله فوقهن. وقيل: « فوقهن » : فوق الأرضين من خشية الله لوكن مما يعقل.
قوله تعالى: « والملائكة يسبحون بحمد ربهم » أي ينزهونه عما لا يجوز في وصفه، وما لا يليق بجلال. وقيل يتعجبون من جرأة المشركين؛ فيذكر التسبيح في موضع التعجب. وعن علي رضي الله عنه: أن تسبيحهم تعجب مما يرون من تعرضهم لسخط الله. وقال ابن عباس: تسبيحهم خضوع لما يرون من عظمة الله. ومعنى « بحمد ربه » : بأمر ربهم؛ قال السدي. « ويستغفرون لمن في الأرض » قال الضحاك: لمن في الأرض من المؤمنين؛ وقال السدي. بيانه في سورة غافر: « ويستغفرون للذين آمنوا » [ غافر: 7 ] . وعلى هذا تكون الملائكة هنا حملة العرش. وقيل: جميع ملائكة السماء؛ وهو الظاهر من قول الكلبي. وقال وهب بن منبه: هو منسوخ بقوله: « ويستغفرون للذين آمنوا » . قال المهدوي: والصحيح أنه ليس بمنسوخ؛ لأنه خبر، وهو خاص للمؤمنين. وقال أبو الحسن الماوردي عن الكلبي: إن الملائكة لما رأت الملكين اللذين اختبرا وبعثا إلى الأرض ليحكما بينهم، فافتتنا بالزهرة وهربا إلى إدريس - وهو جد أبي نوح عليهما السلام - وسألاه أن يدعو لهما، سبحت الملائكة بحمد ربهم واستغفرت لبني آدم. قال أبو الحسن بن الحصار: وقد ظن بعض من جهل أن هذه الآية نزلت بسبب هاروت وماروت، وأنها منسوخة بالآية التي في المومن، وما علموا أن حملة العرش مخصوصون بالاستغفار للمؤمنين خاصة، ولله ملائكة أخر يستغفرون لمن في الأرض. الماوردي: وفي استغفارهم لهم قولان: أحدهما: من الذنوب والخطايا؛ وهو ظاهر قول مقاتل. الثاني: أنه طلب الرزق لهم والسعه عليهم؛ قاله الكلبي.

قلت: وهو أظهر، لأن الأرض تعم الكافر وغيره، وعلى قول مقاتل لا يدخل فيه الكافر. وقد روي في هذا الباب خبر رواه عاصم الأحول عن أبي عثمان عن سلمان قال: إن العبد إذا كان يذكر الله في السراء فنزلت به الضراء قالت الملائكة: صوت معروف من آدمي ضعيف، كان يذكر الله تعالى في السراء فنزلت به الضراء؛ فيستغفرون له. فإذا كان لا يذكر الله في السراء فنزلت به الضراء قالت الملائكة: صوت منكر من آدمي كان لا يذكر الله في السراء فنزلت به الضراء فلا يستغفرون الله له. وهذا يدل على أن الآية في الذاكر لله تعالى في السراء والضراء، فهي خاصة ببعض من في الأرض من المؤمنين. والله أعلم. يحتمل أن يقصدوا بالاستغفار طلب الحلم والغفران في قوله تعالى: « إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا » [ فاطر: 41 ] - إلى أن قال إن كان حليما غفورا « ، وقوله تعالى: » وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم « [ الرعد: 6 ] . والمراد الحلم عنهم وألا يعالجهم بالانتقام؛ فيكون عاما؛ قال الزمخشري. وقال مطرف: وجدنا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة، ووجدنا أغشى عباد الله لعباد الله الشياطين. وقد تقدم. » ألا إن الله هو الغفور الرحيم « قال بعض العلماء: هيب وعظم جل وعز في الابتداء، وألطف وبشر في الانتهاء.»

الآية: 6 ( والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل )
قوله تعالى: « والذين اتخذوا من دونه أولياء » يعني أصناما يعبدونها. « الله حفيظ عليهم » أي يحفظ أعمالهم ليجازيهم بها. « وما أنت عليهم بوكيل » وهذه منسوخة بآية السيف. وفي الخبر: ( أطت السماء وحق لها أن تئط ) أي صوتت من ثقل سكانها لكثرتهم، فهم مع كثرتهم لا يفترون عن عبادة الله؛ وهؤلاء الكفار يشركون به.

الآية: 7 ( وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير )
قوله تعالى: « وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا » أي وكما أوحينا إليك وإلى من قبلك هذه المعاني فكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا بيناه بلغة العرب. قيل: أي أنزلنا عليك قرآنا عربيا بلسان قومك؛ كما أرسلنا كل رسول بلسان قومه. والمعنى واحد. « لتنذر أم القرى » يعني مكة. قيل لمكة أم القرى لأن الأرض دحيت من تحها. « ومن حولها » من سائر الخلق. « وتنذر يوم الجمع » أي بيوم الجمع، وهو يوم القيامة. « لا ريب فيه » لا شك فيه. « فريق في الجنة وفريق في السعير » ابتداء وخبر. وأجاز الكسائي النصب على تقدير: لتنذر فريقا في الجنة وفريقا في السعير.

الآية: 8 ( ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير )
قوله تعالى: « ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة » قال الضحاك: أهل دين واحد؛ أو أهل ضلالة أو أهل هدى. « ولكن يدخل من يشاء في رحمته » قال أنس بن مالك: في الإسلام. « والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير » « والظالمون » رفع على الابتداء، والخبر « ما لهم من ولي ولا نصير » عطف على اللفظ. ويجوز « ولا نصير » بالرفع على الموضع و « من » زائدة

الآية: 9 ( أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير )
قوله تعالى: « أم اتخذوا » أي بل اتخذوا. « من دونه أولياء » يعني أصناما. « فالله هو الولي » أي وليك يا محمد وولي من اتبعك، لا ولي سواه. « وهو يحيي الموتى » يريد عند البعث. « وهو على كل شيء قدير » وغيره من الأولياء لا يقدر على شيء.

الآية: 10 ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب )
قوله تعالى: « وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله » حكاية قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين؛ أي وما خالفكم فيه الكفار من أهل الكتاب والمشركين من أمر الدين، فقولوا لهم حكمه إلى الله لا إليكم، وقد حكم أن الدين هو الإسلام لا غيره. وأمور الشرائع إنما تتلقى من بيان الله. « ذلكم الله ربي » أي الموصوف بهذه الصفات هو ربي وحده؛ وفيه إضمار: أي قل لهم يا محمد ذلكم الله الذي يحيي الموتى ويحكم بين المختلفين هو ربي. « عليه توكلت » اعتمدت. « وإليه أنيب » أرجع.
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الأحد سبتمبر 01, 2013 8:49 am

تابع تفسير القرطبى لسورة الشورى
============


الآية: 11 ( فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )
قوله تعالى: « فاطر السماوات والأرض » بالرفع على النعت لاسم الله، أو على تقدير هو فاطر. ويجوز النصب على النداء، والجر على البدل من الهاء في « عليه » . والفاطر: المبدع والخالق. وقد تقدم. « جعل لكم من أنفسكم أزواجا » قيل معناه إناثا. وإنما قال: « من أنفسكم » لأنه خلق حواء من ضلع آدم. وقال مجاهد: نسلا بعد نسل. « ومن الأنعام أزواجا » يعني الثمانية التي ذكرها في « الأنعام » ذكور الإبل والبقر والضأن والمعز وإناثها. « يذرؤكم فيه » أي يخلقكم وينشئكم « فيه » أي في الرحم. وقيل: في البطن. وقال الفراء وابن كيسان: « فيه » بمعنى به. وكذلك قال الزجاج: معنى « يذرؤكم فيه يكثركم به؛ أي يكثركم يجعلكم أزواجا، أي حلائل؛ لأنهن سبب النسل. وقيل: إن الهاء في « فيه » للجعل؛ ودل عليه » جعل « ؛ فكأنه قال: يخلقكم ويكثركم في الجعل. ابن قتيبة: « يذرؤكم فيه » أي في الزوج؛ أي يخلقكم في بطون الإناث. وقال: ويكون « فيه » في الرحم، وفيه بعد؛ لأن الرحم مؤنثة ولم يتقدم لها ذكر. » ليس كمثله شيء وهو السميع البصير « قيل: إن الكاف زائدة للتوكيد؛ أي ليس مثله شيء. قال: »

وصاليات ككما يؤثفين

فأدخل على الكاف كافا تأكيدا للتشبيه. وقيل: المثل زائدة للتوكيد؛ وهو قول ثعلب: ليس كهو شيء؛ نحو قوله تعالى: « فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا » . [ البقرة: 137 ] . وفي حرف ابن مسعود « فان آمنوا بما آمنتم به فقد اهتدوا » قال أوس بن حجر:

وقتلى كمثل جذوع النخـ ـيل يغشاهم مطر منهمر

أي كجذوع. والذي يعتقد في هذا الباب أن الله جل اسمه في عظمته وكبريائه وملكوته وحسنى أسمائه وعليّ صفاته، لا يشبه شيئا من مخلوقاته ولا يشبه به، وإنما جاء مما أطلقه الشرع على الخالق والمخلوق، فلا تشابه بينهما في المعنى الحقيقي؛ إذ صفات القديم جل وعز بخلاف صفات المخلوق؛ إذ صفاتهم لا تنفك عن الأغراض والأعراض، وهو تعالى منزه عن ذلك؛ بل لم يزل بأسمائه وبصفاته على ما بيناه في ( الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى ) ، وكفى في هذا قوله الحق: « ليس كمثله شيء » . وقد قال بعض العلماء المحققين: التوحيد إثبات ذات غير مشبهة للذوات ولا معطلة من الصفات. وزاد الواسطي رحمه الله بيانا فقال: ليس كذاته ذات، ولا كاسمه اسم، ولا كفعله فعل، ولا كصفته صفة إلا من جهة موافقة اللفظ؛ وجلت الذات القديمة أن يكون لها صفة حديثة؛ كما استحال أن يكون للذات المحدثة صفة قديمة. وهذا كله مذهب أهل الحق والسنة والجماعة. رضي الله عنهم !

الآية: 12 ( له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم )
قوله تعالى: « له مقاليد السماوات والأرض » تقدم في « الزمر » بيانه. النحاس: والذي يملك المفاتيح يملك الخزائن؛ يقال للمفاتيح: إقليد، وجمعه على غير قياس؛ كمحاسن والواحد حسن. « يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم » تقدم.

الآيات: 13 - 14 ( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب، وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب )
قوله تعالى: « شرع لكم من الدين » أي الذي له مقاليد السماوات والأرض شرع لكم من الدين ما شرع لقوم نوج وإبراهيم وموسى وعيسى؛ ثم بين ذلك بقوله تعالى: « أن أقيموا الدين » وهو توحيد الله وطاعته، والإيمان برسله وكتبه وبيوم الجزاء، وبسائر ما يكون الرجل بإقامته مسلما. ولم يرد الشرائع التي هي مصالح الأمم على حسن أحوالها، فإنها مختلفة متفاوتة؛ قال الله تعالى: « لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا » [ المائدة: 48 ] وقد تقدم القول فيه. ومعنى « شرع » أي نهج وأوضح وبين المسالك. وقد شرع لهم يشرع شرعا أي سن. والشارع: الطريق الأعظم. وقد شرع المنزل إذا كان على طريق نافذ. وشرعت الإبل إذا أمكنتها من الشريعة. وشرعت الأديم إذا سلخته. وقال يعقوب: إذا شققت ما بين الرجلين، قال: وسمعته من أم الحمارس البكرية. وشرعت في هذا الأمر شروعا أي خضت. « أن أقيموا الدين » « أن » في محل رفع، على تقدير والذي وصى به نوحا أن أقيموا الدين،ويوقف على هذا الوجه على « عيسى » . وقيل: هو نصب، أي شرع لكم إقامة الدين. وقيل: هو جر بدلا من الهاء في « به » ؛ كأنه قال: به أقيموا الدين. ولا يوقف على « عيسى » على هذين الوجهين. ويجوز أن تكون « أن » مفسرة؛ مثل: أن امشوا، فلا يكون لها محل من الإعراب.
قال القاضي أبو بكر بن العربي: ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث الشفاعة الكبير المشهور: ( ولكن ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض فيأتون نوحا فيقولون له أنت أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض... ) وهذا صحيح لا إشكال فيه، كما أن آدم أول نبي بغير إشكال؛ لأن آدم لم يكن معه إلا نبوة، ولم تفرض له الفرائض ولا شرعت له المحارم، وإنما كان تنبيها على بعض الأمور واقتصارا على ضرورات المعاش، وأخذا بوظائف الحياة والبقاء؛ واستقر المدى إلى نوح فبعثه الله بتحريم الأمهات والبنات والأخوات، ووظف عليه الواجبات وأوضح له الآداب في الديانات، ولم يزل ذلك يتأكد بالرسل يتناصر بالأنبياء - صلوات الله عليهم - واحدا بعد واحد وشريعة إثر شريعة، حتى ختمها الله بخير الملل ملتنا على لسان أكرم الرسل نبينا محمد صلى صلى الله عليه وسلم؛ فكان المعنى أوصيناك يا محمد ونوحا دينا واحدا؛ يعني في الأصول التي لا تختلف فيها الشريعة، وهى التوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج، والتقرب إلى الله بصالح الأعمال، والزلف إليه بما يرد القلب والجارحة إليه، والصدق والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة وصلة الرحم، وتحريم الكفر والقتل والزنى والأذية للخلق كيفما تصرفت، والاعتداء على الحيوان كيفما دار، واقتحام الدناءات وما يعود بخرم المروآت؛ فهذا كله مشروع دينا واحدا وملة متحدة، لم تختلف على ألسنة الأنبياء وإن اختلفت أعدادهم؛ وذلك قوله تعالى: « أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه » أي اجعلوه قائما؛ يريد دائما مستمرا محفوظا مستقرا من غير خلاف فيه ولا أضطراب؛ فمن الخلق من وفى بذلك ومنهم من نكث؛ « فمن نكث فإنما ينكث على نفسه » [ الفتح: 10 ] . واختلفت الشرائع وراء هذا في معان حسبما أراده الله مما اقتضت المصلحة وأوجبت الحكمة وضعه في الأزمنة على الأمم. والله أعلم. قال مجاهد: لم يبعث الله نبيا قط إلا وصاه بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإقرار لله بالطاعة، فذلك دينه الذي شرع لهم؛ وقال الوالبي عن ابن عباس، وهو قول الكلبي. وقال قتادة: يعني تحليل الحلال وتحريم الحرام. وقال الحكم: تحريم الأمهات والأخوات والبنات. وما ذكره القاضي يجمع هذه الأقوال ويزيد عليها. وخصى نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى بالذكر لأنهم أرباب الشرائع.
قوله تعالى: « كبر على المشركين » « كبر على المشركين » أي عظم عليهم. « ما تدعوهم إليه » « ما تدعوهم إليه » من التوحيد ورفض الأوثان. قال قتادة: كبر على المشركين فاشتد عليهم شهادة أن لا إله إلا الله، وضاق بها إبليس وجنوده، فأبى الله عز وجل إلا أن ينصرها ويعليها ويظهرها عل من ناوأها. « الله يجتبي إليه من يشاء » « الله يجتبي إليه من يشاء » أي يختار. والاجتباء الاختبار؛ أي يختار للتوحيد من يشاء. « ويهدي إليه من ينيب » ويهدي إليه من ينيب « أي يستخلص لدينه من رجع إليه. » وما تفرقوا « قال ابن عباس: يعني قريشا. » إلا من بعد ما جاءهم العلم « محمد صلى الله عليه وسلم؛ وكانوا يتمنون أن يبعث إليهم نبي؛ دليله قوله تعالى في سورة فاطر: » وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير « [ فاطر: 42 ] يريد نبيا. وقال في سورة البقرة: » فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به « [ البقرة: 89 ] على ما تقدم بيانه هناك. وقيل: أمم الأنبياء المتقدمين؛ فإنهم فيما بينهم اختلفوا لما طال بهم المدى، فأمن قوم وكفر قوم. وقال ابن عباس أيضا: يعني أهل الكتاب؛ دليله في سورة المنفكين: » وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة « [ البينة: 4 ] . فالمشركون قالوا: لم خُص بالنبوة! واليهود حسدوه لما بعث؛ وكذا النصارى. » بغيهم بينهم « أي بغيا من بعضهم على بعض طلبا للرياسة، فليس تفرقهم لقصوره في البيان والحجج، ولكن للبغي والظلم والاشتغال بالدنيا. » ولولا كلمة سبقت من ربك « في تأخير العقاب عن هؤلاء. » إلى أجل مسمى « قيل: القيامة؛ لقوله تعالى: » بل الساعة موعدهم « [ القمر: 46 ] . وقيل: إلى الأجل الذي قضي فيه بعذابهم. » لقضي بينهم « أي بين من آمن وبين من كفر بنزول العذاب. » وإن الذين أورثوا الكتاب « يريد اليهود والنصارى. » من بعدهم « أي من بعد المختلفين في الحق. » لقي شك منه مريب « من الذي أوصى به الأنبياء. والكتاب هنا التوراة والإنجيل. وقيل: » إن الذين أورثوا الكتاب « قريش. » من بعدهم « من بعد اليهود النصارى. » لفي شك « من القرآن أو من محمد. وقال مجاهد: معنى » من بعدهم « من قبلهم؛ يعني من قبل مشركي مكة، وهم اليهود والنصارى.»

الآية: 15 ( فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير )
قوله تعالى: « فلذلك فادع واستقم كما أمرت » لما أجاز أن يكون الشك لليهود والنصارى، أو لقريش قيل له: « فلذلك فادع » أي فتبينت شكهم فادع إلى الله؛ أي إلى ذلك الدين الذي شرعه الله للأنبياء ووصاهم به. فاللام بمعنى إلى؛ كقوله تعالى: « بأن ربك أوحى لها » [ الزلزلة: 5 ] أي إليها. و « ذلك » بمعنى هذا. وقد تقدم أول « البقرة » . والمعنى فلهذا القرآن فادع. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير؛ والمعنى كبر على المشركين ما تدعوهم إليه فلذلك فادع. وقيل: إن اللام على بابها؛ والمعنى: فمن أجل ذلك الذي تقدم ذكره فادع واستقم. قال ابن عباس: أي إلى القرآن فادع الخلق. « واستقم » خطاب له عليه السلام. قال قتادة: أي استقم على أمر الله. وقال سفيان: أي استقم على القرآن. وقال الضحاك: استقم على تبليغ الرسالة. « ولا تتبع أهواءهم » أي لا تنظر إلى خلاف من خالفك. « وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم » أي أن أعدل؛ كقوله تعالى: « وأمرت أن أسلم لرب العالمين » [ غافر: 66 ] . وقيل: هي لام كي، أي لكي أعدل. قال ابن عباس وأبو العالية: لأسوي بينكم في الدين فأومن بكل كتاب وبكل رسول. وقال غيرهما: لأعدل في جميع الأحوال وقيل: هذا العدل هو العدل في الأحكام. وقيل في التبليغ. « الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم » قال ابن عباس ومجاهد: الخطاب لليهود؛ أي لنا ديننا ولكم دينكم. قال: نسخت بقوله: « قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر » [ التوبة: 29 ] الآية. قال مجاهد: ومعنى « لاحجة بيننا وبينكم » لا خصومة بيننا وبينكم. وقيل: ليس بمنسوخ، لأن البراهين قد ظهرت، والحجج قد قامت، فلم يبق إلا العناد، وبعد العناد لا حجة ولا جدال. قال النحاس: ويجوز أن يكون معنى « لاحجة بيننا وبينكم » على ذلك القول: لم يؤمر أن يحتج عليكم يقاتلكم؛ ثم نسخ هذا. كما أن قائلا لو قال من قبل أن تحول القبلة: لا تصل إلى الكعبة، ثم. حول الناس بعد؛ لجاز أن يقال نسخ ذلك. « الله يجمع بيننا » يريد يوم القيامة. « وإليه المصير » أي فهو يحكم بيننا إذا صرنا إليه، ويجازي كلا بما كان عليه. وقيل: إن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة، وقد سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع عن دعوته ودينه إلى دين قريش، على أن يعطيه الوليد نصف ماله ويزوجه شيبة بابنته.

الآية: 16 ( والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد )
قوله تعالى: « والذين يحاجون في الله » رجع إلى المشركين. « من بعد ما استجيب له » قال مجاهد: من بعد ما أسلم الناس. قال: وهؤلاء قد توهموا أن الجاهلية تعود. وقال قتادة: الذين يحاجون في الله اليهود والنصارى، ومحاجتهم قولهم نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم؛ وكانوا يرون لأنفسهم الفضيلة بأنهم أهل الكتاب وأنهم أولاد الأنبياء. وكان المشركون يقولون: « أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا » [ مريم: 73 ] فقال الله تعالى: « والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم » أي لا ثبات لها كالشيء الذي يزل عن موضعه. والهاء في « له » يجوز أن يكون لله عز وجل؛ أي من بعد ما وحدوا الله وشهدوا له بالوحدانية. ويجوز أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم؛ أي من بعد ما استجيب محمد صلى الله عليه وسلم في دعوته من أهل بدر ونصر الله المؤمنين. يقال: دحضت حجته دحوضا بطلت. وأدحضها الله. والإدحاض: الإزلاق. ومكان دَحْضَ ودَحَض أيضا ( بالتحريك ) أي زلق. ودحضت رجله تدحض دحضا زلقت. ودحضت الشمس عن كبد السماء زالت. « وعليهم غضب » يريد في الدنيا. « ولهم عذاب شديد » يريد في الآخرة عذاب دائم.
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الإثنين سبتمبر 02, 2013 12:03 am

تابع تفسير القرطبى لسورة الشورى
===========


الآية: 17 ( الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب )
قوله تعالى: « الله الذي أنزل الكتاب » وما يريدك لعل الساعة قريب يعني القرآن وسائر الكتب المنزلة. « بالحق » أي بالصدق. « والميزان » أي العدل؛ قال ابن عباس وأكثر المفسرين. والعدل يسمى ميزانا؛ لأن الميزان آله الإنصاف والعدل. وقيل: الميزان ما بين في الكتب مما يجب على الإنسان أن يعمل به. وقال قتاده: الميزان العدل فيما أمر به ونهي عنه. وهذه الأقوال متقاربة المعنى. وقيل: هو الجزاء على الطاعة بالثواب وعلى المعصية بالعقاب. وقيل: إنه الميزان نفسه الذي يوزن به، أنزله من السماء وعلم العباد الوزن به؛ لئلا يكون بينهم تظالم وتباخس؛ قال الله تعالى: « لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط » [ الحديد: 25 ] . قال مجاهد: هو الذي يوزن به. ومعنى أنزل الميزان. هو إلهامه للخلق أن يعملوه ويعملوا به. وقيل: الميزان محمد صلى الله عليه وسلم يقضي بينكم بكتاب الله. « وما يدريك لعل الساعة قريب » فلم يخبره بها. يحضه على العمل بالكتاب والعدل والسوية، والعمل بالشرائع قبل أن يفاجئ اليوم الذي يكون فيه المحاسبة ووزن الأعمال، فيوفى لمن أوفى ويطفف لمن طفف. فـ « لعل الساعة قريب » أي منك وأنت لا تدري. وقال: « قريب » ولم يقل قريبة؛ لأن تأنيثها غير حقيقي لأنها كالوقت؛ قاله الزجاج. والمعنى: لعل البعث أو لعل مجيء الساعة قريب. وقال الكسائي: « قريب » نعت ينعت به المذكر والمؤنث والجمع بمعنى ولفظ واحد؛ قال الله تعالى: « إن رحمة الله قريب من المحسنين » [ الأعراف: 56 ] قال الشاعر:
وكنا قريبا والديار بعيدة فلما وصلنا نصب أعينهم غبنا

الآية: 18 ( يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد )

قوله تعالى: « يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها » يعني على طريق الاستهزاء، ظنا منهم أنها غير آتية، أو إيهاما للضعفة أنها لا تكون. « والذين آمنوا مشفقون منها » أي خائفون وجلون لاستقصارهم أنفسهم مع الجهد في الطاعة؛ كما قال: « والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون » [ المؤمنون: 60 ] . « ويعلمون أنها الحق » أي التي لا شك فيها. « ألا إن الذين يمارون في الساعة » أي يشكون ويخاصمون في قيام الساعة. « لفي ضلال بعيد » أي عن الحق وطريق الاعتبار؛ إذ لو تذكروا لعلموا أن الذي أنشأهم من تراب ثم من نطفة إلى أن بلغوا ما بلغوا، قادر على أن يبعثهم.

الآية: 19 ( الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز )
قوله تعالى: « الله لطيف بعباده » قال ابن عباس: حفي بهم. وقال عكرمة: بار بهم. وقال السدي: رفيق بهم. وقال مقاتل: لطيف بالبر والفاجر؛ حيث لم يقتلهم جوعا بمعاصيهم. وقال القرظي: لطيف، بهم في العرض والمحاسبة. قال:

غدا عند مولى الخلق للخلق موقف يسائلهم فيه الجليل ويلطف

وقال جعفر بن محمد بن علي بن الحسين: يلطف بهم في الرزق من وجهين: أحدهما: أنه جعل ورزقك من الطيبات. والثاني: أنه لم يدفعه إليك مرة واحدة فتبذوه. وقال الحسين بن الفضل: لطيف بهم في القرآن وتفصيله وتفسيره. وقال الجنيد: لطيف بأوليائه حتى عرفوه، ولو لطف بأعدائه لما جحدوه. وقال محمد بن علي الكتاني: اللطيف بمن لجأ إليه من عباده إذا يئس من الخلق توكل ورجع إليه، فحينئذ يقبله ويقبل عليه. وجاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تعالى يطلع على القبور الدوارس فيقول جل وعز امحت آثارهم واضمحلت صورهم وبقي عليهم العذاب وأنا اللطيف وأنا أرحم الراحمين خففوا عنهم العذاب فيخفف عنهم العذاب ) . قال أبو علي الثقفي رضي الله عنه:

أمر بأفناء القبور كأنني أخو فطنة والثواب فيه نحيف

ومن شق فاه الله قدر رزقه وربي بمن يلجأ إليه لطيف

وقيل: اللطيف الذي ينشر من عباده المناقب ويستر عليهم المثالب؛ وعلى هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا من أظهر الجميل وستر القبيح ) . وقيل: هو الذي يقبل القليل ويبذل الجزيل. وقيل: هو الذي يجبر الكسير وييسر العسير. وقيل: هو الذي لا يخاف إلا عدله ولا يرجى إلا فضله. وقيل: هو الذي يبذل لعبده النعمة فوق الهمة ويكفله الطاعة فوق الطاقة؛ قال تعالى: « وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها » [ النحل: 18 ] « وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة » [ لقمان: 20 ] ، وقال: « وما جعل عليكم في الدين من حرج » [ الحج:78 ] ، « يريد الله أن يخفف عنكم » [ النساء: 28 ] . وقيل: هو الذي يعين على الخدمة ويكثر المدحة. وقيل: هو الذي لا يعاجل من عصاه ولا يخيب من رجاه. وقيل: هو الذي لا يرد سائله يوئس آمله. وقيل: هو الذي يعفو عمن يهفو. وقيل: هو الذي يرحم من لا يرحم نفسه. وقيل. هو الذي أوقد في أسرار العارفين من المشاهدة سراجا، وجعل الصراط المستقيم لهم منهاجا، وأجزل لهم من سحائب بره ماء ثجاجا. وقد مضى في « الأنعام » قول أبي العالية والجنيد أيضا. وقد ذكرنا جميع هذا في ( الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى ) عند اسمه اللطيف، والحمد لله. « يرزق من يشاء » ويحرم من يشاء. وفي تفضيل قوم بالمال حكمة؛ ليحتاج البعض إلى البعض؛ كما قال: « ليتخذ بعضهم بعضا سخريا » [ الزخرف: 32 ] ، فكان هذا لطفا بالعباد. وأيضا ليمتحن الغني بالفقير والفقير بالغني؛ كما قال: « وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون » [ الفرقان: 20 ] على ما تقدم بيانه. « وهو القوي العزيز »

الآية: 20 ( من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب )
قوله تعالى: « من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه » الحرث العمل والكسب. ومنه قول عبدالله بن عمر: واحرث لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا. ومنه سمي الرجل حارثا. والمعنى أي من طلب بما رزقناه حرثا لآخرته، فأدى حقوق الله وأنفق في إعزاز الدين؛ فإنما نعطيه ثواب ذلك للواحد عشرا إلى سبعمائة فأكثر. « ومن كان يريد حرث الدنيا » أي طلب بالمال الذي آتاه الله رياسة الدنيا والصل إلى المحظورات، فإنا لا نحرمه الرزق أصلا، ولكن لا حظ به في الآخرة من ماله؛ قال الله تعالى: « من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا » [ الإسراء: 18 ] . وقيل: « نزد له في حرثه » نوفقه للعبادة ونسهلها عليه. وقيل: حرث الآخرة الطاعة؛ أي من أطاع فله الثواب. قيل: « نزد له في حرثه » أي نعطه الدنيا مع الآخرة. وقيل: الآية في الغزو؛ أي من أراد بغزوه الآخرة أوتى الثواب، ومن أراد بغزوه الغنيمة أوتي منها. قال القشيري: والظاهر أن الآية في الكافر؛ يوسع له في الدنيا؛ أي لا ينبغي له أن يغتر بذ لك لأن الدنيا لا تبقى. وقال قتادة: إن الله يعطي على نية الآخرة ما شاء من أمر الدنيا، ولا يعطي على نية الدنيا إلا الدنيا. وقال أيضا: يقول الله تعالى: ( من عمل لآخرته زدناه في عمله وأعطيناه من الدنيا ما كتبنا له ومن أثر دنياه على آخرته لم نجعل له نصيبا في الآخرة إلا النار ولم يصب من الدنيا إلا رزقا قد قسمناه له لا بد أن كان يؤتاه مع إيثار أو غير إيثار ) . وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: وقوله عز وجل: « من كان يريد حرث الآخرة » من كال من الأبرار يريد بعمله الصالح ثواب الآخرة « نزد له في حرثه » أي في حسناته. « ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب »

« ومن كان يريد حرث الدنيا » أي من كان من الفجار يريد بعمله الحسن الدنيا « نؤته منها » ثم نسخ ذلك في الإسراء: « من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد » [ الإسراء. 18 ] . والصواب أن هذا ليس بنسخ؛ لأن هذا خبر الأشياء كلها بإرادة الله عز وجل. ألا ترى أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ) . وقد قال قتادة ما تقدم ذكره، وهو يبين لك أن لا نسخ. وقد ذكرنا في « هود » أن هذا من باب المطلق والمقيد، وأن النسخ لا يدخل في الأخبار. والله المستعان.

مسألة: هذه الآية تبطل مذهب أبي حنيفة في قوله:إنه من توضأ تبردا أنه يجزيه عن فريضة الوضوء الموظف عليه؛ فإن فريضة الوضوء من حرث الآخرة والتبرد من حرث الدنيا، فلا يدخل أحدهما على الآخر، ولا تجزي نيته عنه بظاهر هذه الآية؛ قاله ابن العربي.
الآية: 21 ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم )
قوله تعالى: « أم لهم شركاء » والميم صلة والهمزة للتقريع. وهذا متصل بقوله: « شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا » [ الشورى: 13 ] ، وقوله تعالى: « الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان » [ الشورى: 17 ] كانوا لا يؤمنون به، فهل لهم آلهة شرعوا لهم الشرك الذي لم يأذن به الله! وإذا استحال هذا فالله لم يشرع الشرك، فمن أين يدينون به. « ولولا كلمة الفصل » القيامة حيث قال: « بل الساعة موعدهم » [ القمر: 46 ] . « لقضي بينهم » في الدنيا، فعاجل الظالم بالعقوبة وأثاب الطائع. « وإن الظالمين » أي المشركين. « لهم عذاب أليم » في الدنيا القتل والأسر والقهر، وفي الآخرة عذاب النار. وقرأ ابن هرمز « وأن » بفتح الهمزة على العطف « ولولا كلمة » والفصل بين المعطوف عليه بجواب « لولا » جائز. ويجوز أن يكون موضع « أن » رفعا على تقدير: وجب أن الظالمين لهم عذاب أليم، فيكون منقطعا مما قبله كقراءة الكسر؛ فاعلمه.

الآية: 22 ( ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير )
قوله تعالى: « ترى الظالمين مشفقين » أي خائفين « مما كسبوا » أي من جزاء ما كسبوا. والظالمون ها هنا الكافرون؛ بدليل التقسيم بين المؤمن والكافر. « وهو واقع بهم » أي نازل بهم. « والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات » الروضة: الموضع النزه الكثير الخضرة. وقد مضى في « الروم » . « لهم ما يشاؤون عند ربهم » أي من النعيم والثواب الجزيل. « ذلك هو الفضل الكبير » أي لا يوصف ولا تهتدي العقول إلى كنه صفته؛ لأن الحق إذا قال كبير فمن ذا الذي يقدر قدره.

الآية: 23 ( ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور )
قوله تعالى: « ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا » قرئ « يبشر » من بشره، « ويبشر » من أبشره، « يبشر » من بشره، وفيه حذف؛ أي يبشر الله به عباده المؤمنين ليتعجلوا السرور ويزدادوا منه وجدا في الطاعة.
قوله تعالى: « قل لا أسألكم عليه عليه أجرا » أي قل يا محمد لا أسألكم عل تبليغ الرسالة جعلا. « إلا المودة في القربى » قال الزجاج: « إلا المودة » استثناء ليس من الأول؛ أي إلا أن تودوني لقرابتي فتحفظوني. والخطاب لقريش خاصة؛ قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد وأبو مالك والشعبي وغيرهم. قال الشعبي: أكثر الناس علينا في هذه الآية فكتبنا إلى ابن عباس نسأله عنها؛ فكتب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أوسط الناس في قريش، فليس بطن من بطونهم إلا وقد ولده؛ فقال الله له: « قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى » إلا أن تودوني في قرابتي منكم؛ أي تراعوا ما بيني وبينكم فتصدقوني. فـ « القربى » ها هنا قرابة الرحم؛ كأنه قال: اتبعوني للقرابة إن لم تتبعوني للنبوة. قال عكرمة: وكانت قريش تصل أرحامها فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم قطعته؛ فقال: ( صلوني كما كنتم تفعلون ) . فالمعنى على هذا: قل لا أسألكم عليه أجرا لكن أذكركم قرابتي؛ على استئناء ليس من أول؛ ذكره النحاس. وفي البخاري عن طاوس عن ابن عباس أنه سئل عن قوله تعالى: « إلا المودة في القربى » فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد؛ فقال ابن عباس: عجت ! إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: إلا أن تصلوا ما بينكم من القرابة. فهذا قول. وقيل: القربى قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم، أي لا أسألكم أجرا إلا أن تودوا قرابتي وأهل بيتي، كما أمر بإعظامهم ذوي القربى. وهذا قول علي بن حسين وعمرو بن شعيب والسدي. وفي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس: لما أنزل الله عز وجل: « قل لا أسالكم عيه أجرا إلا المودة في القربي » قالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الذين نودهم ؟ قال: ( علي وفاطمة وأبناؤهما ) . ويدل عليه أيضا ما روي عن علي رضي الله عنه قال: شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم حسد الناس لي. فقال: ( أما ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذريتنا خلف أزواجنا ) . وعن النبي صلى الله عليه وسلم: ( حرمت الجنة على من ظلم أهل وآذاني في عترتي ومن أصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبدالمطلب ولم يجازه عليها فأنا أجازيه عليها غدا إذا لقيني يوم القيامة ) . وقال الحسن وقتادة: المعنى إلا أن يتوددوا إلى الله عز وجل ويتقربوا إليه بطاعته. فـ « القربى » على هذا بمعنى القربة. يقال: قربة وقربى بمعنى،؛ كالزلفة والزلفى. وروى قزعة بن سويد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( قل لا أسألكم على ما آتيتكم به أجرا إلا أن توادوا وتقربوا إليه بالطاعة ) .

وروى منصور وعوف عن الحسن « قل لا أسالكم عليه أجرا إلا المودة في القربى » قال: يتوددون إلى الله عز وجل ويتقربون منه بطاعته. وقال قوم: الآية منسوخة وإنما نزلت بمكة؛ وكان المشركون يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية، وأمرهم الله بمودة نبيه صلى الله عليه وسلم وصلة رحمه، فلما هاجر آوته الأنصار ونصروه، وأراد الله أن يلحقه بإخوانه من الأنبياء حيث قالوا: « وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين » [ الشعراء: 109 ] فأنزل الله تعالى: « قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله » [ سبأ: 47 ] فنسخت بهذه الآية وبقوله: « قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين » [ ص: 86 ] ، وقوله. « أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير » [ المؤمنون: 72 ] ، وقوله: « أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون » [ الطور: 40 ] قال الضحاك والحسين بن الفضل. ورواه جويبر عن الضحاك عن ابن عباس. قال الثعلبي: وليس بالقوي، وكفى قبحا بقول من يقول: إن التقرب إلى الله بطاعته ومودة نبيه صلى الله عليه وسلم وأهل بيته منسوخ؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من مات على حب آل محمد مات شهيدا. ومن مات على حب آل محمد جعل الله زوا في قبره الملائكة والرحمة. ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه أيس اليوم من رحمة الله. ومن مات على بغض آل محمد لم يرح رائحة الجنة. ومن مات على بغض آل بيتي فلا نصيب له في شفاعتي ) .

قلت: وذكر هذا الخبر الزمخشري في تفسيره بأطول من هذا فقال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من مات على حب آل محمد مات شهيدا ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الإيمان. ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك، الموت بالجنة ثم منكر ونكير. ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له قبره بابان إلى الجنة. ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة. ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة. ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله. ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافرا. ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة ) . قال النحاس: ومذهب عكرمة ليست بمنسوخة؛ قال: كانوا يصلون أرحامهم فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم قطعوه فقال: ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني وتحفظوني لقرابتي ولا تكذبوني ) .
قلت: وهذا هو معنى قول ابن عباس في البخاري والشعبي عنه بعينه؛ وعليه لا نسخ. قال النحاس: وقول الحسن حسن، ويدل على صحته الحديث المسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال أخبرنا الربيع بن سليمان المرادي قال أخبرنا أسد بن موسى قال حدثنا قزعة - وهو ابن يزيه البصري - قال حدثنا عبدالله بن أبي نجيع عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا أسألكم على ما أنبئكم به من البينات والهدى أجرأ إلا أن توادوا الله عز وجل وأن تتقربوا إليه بطاعته ) . فهذا المبين عن الله عز وجل قد قال هذا، وكذا قالت الأنبياء صلى الله عليه وسلم قبله: « إن أجري إلا على الله » [ سبأ: 47 ] .
واختلفوا في سبب نزولها؛ فقال ابن عباس: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانت تنوبه نوائب وحقوق لا يسعها ما في يديه؛ فقالت الأنصار: إن هذا الرجل هداكم الله به وهو ابن أخيكم، وتنوبه نوائب وحقوق لا يسعها ما في يديه فنجمع له؛ ففعلوا، ثم أتوه به فنزلت. وقال الحسن: نزلت حين تفاخرت الأنصار والمهاجرون، فقالت الأنصار نحن فعلنا، وفخرت المهاجرون بقرابتهم من رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم. روى مقسم عن ابن عباس قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فخطب فقال للأنصار: ( ألم تكونوا أذلاء فأعزكم الله بي. ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي. ألم تكونوا خائفين فأمنكم الله بي ألا تردون علي ) ؟ فقالوا: به نجيبك؟ قال. ( تقولون ألم يطردك قومك فآويناك. ألم يكذبك قومك فصدقناك... ) فعدد عليهم. قال فجثوا على ركبهم فقالوا: أنفسنا وأموالنا لك؛ فنزلت: « قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى » وقال قتادة: قال المشركون لعل محمد فيما يتعاطاه يطلب أجرا؛ فنزلت هذه الآية؛ ليحثهم على مودته ومودة أقربائه. قال الثعلبي: وهذا أشبه بالآية، لأن السورة مكية.
قوله تعالى: « ومن يقترف حسنة » أي يكتسب. وأصل القرف الكسب، يقال: فلان يقرف لعياله، أي يكسب. والاقتراف الاكتساب؛ وهو مأخوذ من قولهم رجل قرفة، إذا كان محتالا. وقد مضى في « الأنعام » القول فيه. وقال ابن عباس: « ومن يقترف حسنة » قال المودة لآل محمد صلى الله عليه وسلم. « نزد له فيها حسنا » أي نضاعف له الحسنة بعشر فصاعدا. « إن الله غفور شكور » قال قتادة: « غفور » للذنوب « شكور » للحسنات. وقال السدي: « غفور » لذنوب آل محمد عليه السلام، « شكور » لحسناتهم.
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الثلاثاء سبتمبر 03, 2013 12:12 am

تابع تفسير القرطبى لسورة الشورى
============

الآية: 24 ( أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور )
قوله تعالى: « أم يقولون افترى على الله كذبا » الميم صلة، والتقدير أيقولون افترى. واتصل الكلام بما قبل؛ لأن الله تعالى لما قال: « وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب » [ الشورى: 15 ] ، وقال: « الله الذي أنزل الكتاب بالحق » [ الشورى: 17 ] قال إتماما للبيان: « أم يقولون افترى على الله كذبا » يعني كفار قريش قالوا: إن محمدا اختلق الكذب على الله. « فإن يشأ الله » شرط وجوابه « يختم على قلبك » قال قتادة: يطبع على قلبك فينسيك القرآن؛ فأخبرهم الله أنه لو افترى عليه لفعل بمحمد ما أخبرهم به في هذه الآية. وقال مجاهد ومقاتل: « إن يشاء الله » يربط على قلبك بالصبر على أذاهم حتى لا يدخل قلبك مشقة من قولهم. وقيل: المعنى إن يشأ يزل تمييزك. وقيل: المعنى لو حدثت نفسك أن تفتري على الله كذبا لطبع على قلبك؛ قال ابن عيسى. وقيل: فإن يشأ الله يختم على قلوب الكفار وعلى ألسنتهم وعاجلهم بالعقاب. فالخطاب له والمراد الكفار؛ ذكره القشيري. ثم ابتدأ فقال: « ويمح الله الباطل » قال ابن الأنباري: « يختم على قلبك » تام. وقال الكسائي: فيه تقديم وتأخير؛ مجازه: والله يمحو الباطل؛ فحذف منه الواو في المصحف، وهو في موضع رفع. كما حذفت من قوله: « سندع الزبانية » ، [ العلق: 18 ] ، « ويدع الإنسان » [ الإسراء: 1 1 ] ولأنه عطف على قوله: « يختم على قلبك » . وقال الزجاج: قوله: « أم يقولون افترى على الله كذبا » تمام؛ وقوله: « ويمح الله الباطل » احتجاج على من أنكر ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي لوكان ما أتى به باطلا لمحاه كما جرت به عادته في المفترين. « ويحق الحق » أي الإسلام فيثبته « بكلماته إنه عليم بذات الصدور » أي بما أنزل من القرآن. « إنه عليم بذات الصدور » عام، أي بما في قلوب العباد. وقيل خاص. والمعنى أنك لو حدثت نفسك أن تفتري على الله كذبا لعلمه وطبع على قلبك.

الآية: 25 ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون )
قوله تعالى: « وهو الذي يقبل التوبة عن عباده » قال ابن عباس: لما نزل قوله تعالى « قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى » قال قوم في نفوسهم: ما يريد إلا أن يحثنا على أقاربه من بعده؛ فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم قد اتهموه فأنزل: « أم يقولون افترى على الله كدبا » الآية؛ فقال القوم: يا رسول الله، فإنا نشهد أنك صادق ونتوب. فنزلت: « وهو الذي يقبل التوبة عن عباده » . قال ابن عباس: أي عن أوليائه وأهل طاعته. والآية عامة. وقد مضى الكلام في معنى التوبة وأحكامها؛ ومضى هذا اللفظ في « التوبة » . « ويعفو عن السيئات » أي عن الشرك قبل الإسلام. « ويعلم ما تفعلون » أي من الخير والشر. وقرأ حمزة والكسائي وحفص وخلف بالتاء على الخطاب، وهى قراءة ابن مسعود وأصحابه. الباقون بالياء على الخبر، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم؛ لأنه بين خبرين: الأول « وهو الذي يقبل التوبة عن عبادة » والثاني « ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات » .

الآية: 26 ( ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد )
قوله تعالى: « الذين » في موضع نصب؛ أي ويستجيب الله الذين آمنوا، أي يقبل عبادة من أخلص له بقلبه وأطاع ببدنه. وقيل: يعطيهم مسألتهم إذا دعوه. وقيل: ويجيب دعاء المؤمنين بعضمهم لبعض؛ يقال: أجاب واستجاب بمعنى، وقد مضى في « البقرة » . وقال ابن عباس: « ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات » يشفعهم في إخوانهم. « ويزيد من فضله » قال: يشفعهم في إخوان إخوانهم. وقال المبرد: معنى « يستجيب الذين آمنوا » وليستدع الذين آمنوا الإجابة؛ هكذا حقيقة معنى استفعل. فـ « الذين » في موضع رفع. « والكافرون لهم عذاب شديد » .

الآية: 27 ( ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير )
قيل: إنها نزلت في قوم من أهل الصفة تمنوا سعة الرزق. وقال خاب بن الأرت: فينا نزلت؛ نظرنا إلى أموال بني النضير وقريظة وبني قينقاع فتمناها فنزلت. « لو بسط » معناه وسع. وبسط الشيء نشره. وبالصاد أيضا. « لبغوا في الأرض » طغوا وعصوا. وقال ابن عباس: بغيهم طلبهم منزلة بعد منزلة ودابة بعد دابة ومركبا بعد مركب وملبسا بعد ملبس. وقيل: أراد لو أعطاهم الكثير لطلبوا ما هو أكثر منه، لقوله: ( لوكان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليهما ثالثا ) وهذا هو البغي، وهو معنى قول ابن عباس. وقيل: لو جعلناهم سواء في المال لما انقاد بعضهم لبعض، ولتعطلت الصنائع. وقيل: أراد بالرزق المطر الذي هو سبب الرزق؛ أي لو أدام المطر لتشاغلوا به عن الدعاء، فيقبض تارة ليتضرعوا ويبسط أخرى ليشكروا. وقيل: كانوا إذا أخصبوا أغار بعضهم على بعض؛ فلا يبعد حمل البغي على هذا. الزمخشري: « لبغوا » من البغي وهو الظلم؛ أي لبغى هذا على ذاك وذاك على هذا؛ لأن الغنى مبطرة مأشرة، وكفى بقارون عبرة. ومنه قول عليه السلام: ( أخوف ما أخاف على أمتي زهرة الدنيا وكثرتها ) . ولبعض العرب:
وقد جعل الوسمي ينبت بيننا وبين بني دودان نبعا وشوحطا
يعني أنهم أحيوا فحدثوا أنفسهم بالبغي والتغابن. أومن البغي وهو البذخ والكبر؛ أي لتكبروا في الأرض وفعلوا ما يتبع الكبر من العلو فيها والفساد. « ولكن ينزل بقدر ما يشاء » أي ينزل أرزاقهم بقدر ما يشاء لكفايتهم وقال مقاتل: « ينزل بقدر ما يشاء » يجعل من يشاء غنيا ومن يشاء فقيرا.
قال علماؤنا: أفعال الرب سبحانه لا تخلو عن مصالح وإن لم يجب على الله الاستصلاح؛ فقد يعلم من حال عبد أنه لو بسط عليه قاده ذلك إلى الفساد فيزوي عنه الدنيا مصلحة له. فليس ضيق الرزق هوانا ولا سعة فضيلة؛ وهد أعطى أقواما مع علمه أنهم يستعملونه في الفساد، ولو فعل بهم خلاف ما فعل لكانوا أقرب إلى الصلاح. والأمر على الجملة مفوض إلى مشيئته، ولا يمكن التزام مذهب الاستصلاح في كل فعل من أفعال الله تعالى. وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: ( من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وإني لأسرع شيء إلى نصرة أوليائي وإني لأغضب لهم كما يغضب الليث الحرد. وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روج عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره إساءته ولا بد له منه. وما تقرب إلي عبدي المؤمن بمثل أداء ما افترضت عليه. وما يزال عبدي المؤمن يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فاذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ولسانا ويدا ومؤيدا فإن سألني أعطيته وإن دعاني أجبته. وإن من عبادي المؤمنين من يسألني الباب من العبادة وإني عليم أن لو أعطيته إياه لدخله العجب فأفسده. وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده الفقر. وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده الغنى. وإني لأدبر عبادي لعلمي بقلوبهم فإني عليم خبير ) . ثم قال أنس: اللهم إني من عبادك المؤمنين الذين لا يصلحهم إلا الغنى، فلا تفقرني برحمتك.
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الأربعاء سبتمبر 04, 2013 1:27 am

تابع تفسير القرطبى لسورة الشورى
===========


الآية: 28 ( وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد )
قرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد ومجاهد وأبو عمرو ويعقوب وابن وثاب والأعمش وغيرهما والكسائي « ينزل » مخففا. الباقون بالتشديد. وقرأ ابن وثاب أيضا والأعمش وغيرهما « قنطوا » بكسر النون؛ وقد تقدم جميع هذا. والغيث المطر؛ وسمي الغيث غيثا لأنه يغيث الخلق. وقد غاث الغيث الأرض أي أصابها. وغاث الله البلاد يغيثها غيثا. وغيثت الأرض تغاث غيثا فهي أرض مغيثة ومغيوثة. وعن الأصمعي قال: مررت ببعض قبائل العرب وقد مطروا فسألت عجوزا منهم: أتاكم المطر؟ فقالت: غثنا ما شئنا غيثا، أي مطرنا. وقال ذو الرمة: قاتل الله أمة بني فلان ما أفصحها ! قلت لها كيف كان المطر عندكم ؟ فقالت: غثنا ما شئنا. ذكر الأول الثعلبي والثاني الجوهري. وربما سمي السحاب والنبات غيثا. والقنوط الإياس؛ قاله قتادة وغيره. قال قتاده: ذكر أن رجلا قال لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين، قحط المطر وقل الغيث وقنط الناس؟ فقال: مطرتم إن شاء الله، ثم قرأ: « وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا » . والغيث ما كان نافعا في وقته، والمطر قد يكون نافعا وضارا في، وقته وغير وقته؛ قال الماوردي. « وينشر رحمته » قيل المطر؛ وهو قول السدي. وقيل ظهور الشمس بعد المطر؛ ذكره المهدوي. وقال مقاتل: نزلت في حبس المطر عن أهل مكة سبع سنين حتى قنطوا، ثم أنزل الله المطر. وقيل: نزلت في الأعرابي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المطر يوم الجمعة في خبر الاستسقاء؛ ذكره القشيري، والله أعلم. « وهو الولي الحميد » « الولي » الذي ينصر أولياءه. « الحميد » المحمود بكل لسان.

الآية: 29 ( ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير )

قوله تعالى: « ومن آياته خلق السماوات والأرض » أي علاماته الدالة على قدرته. « وما بث فيهما من دابة » قال مجاهد: يدخل في هذا الملائكة والناس، وقد قال تعالى: « ويخلق ما لا تعلمون » [ النحل: 8 ] . وقال الفراء أراد ما بث في الأرض دون السماء؛ كقوله: « يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان » [ الرحمن: 22 ] إنما يخرج من الملح دون العذب. وقال أبو علي: تقديره وما بث في أحدهما؛ فحذف المضاف. وقوله: « يخرج منهما » أي من أحدهما. « وهو على جمعهم إذا يشاء قدير » أي يوم القيامة.

الآيات: 30 - 31 ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير، وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير )
قوله تعالى: « وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم » قرأ نافع وابن عامر « بما كسبت » بغير فاء. الباقون « فبما » بالفاء، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم للزيادة في الحرف والأجر. قال المهدوي: إن قدرت أن « ما » الموصولة جاز حذف الفاء وإثباتها، والإثبات أحسن. وإن قدرتها التي للشرط لم يجز الحذف عند سيبويه، وأجازه الأخفش واحتج بقوله تعالى: « وإن أطعتموهم إنكم لمشركون » [ الأنعام: 121 ] . والمصيبة هنا الحدود على المعاصى؛ قاله الحسن. وقال الضحاك: ما تعلم رجل القرآن ثم نسيه إلا بذنب؛ قال الله تعالى: « وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم » ثم قال: وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن؛ ذكره ابن المبارك عن عبدالعزيز بن أبي رواد. قال أبو عبيد: إنما هذا على الترك، فأما الذي هو دائب في تلاوته حريص على حفظه إلا أن النسيان يغلبه فليس من ذلك في شيء. ومما يحقق ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينسى الشيء من القرآن حتى يذكره؛ من ذلك حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: سمع قراءة رجل في المسجد فقال: ( ما له رحمه الله ! لقد أذكرني آيات كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا ) . وقيل: « ما » بمعنى الذي، والمعنى الذي أصابكم فيما مضى بما كسبت أيديكم. وقال علي رضي الله عنه: هذه الآية أرجى آية في كتاب الله عز وجل. وإذا كان يكفر عني بالمصائب ويعفو عن كثير فما يبقى بعد كفارته وعفوه ! وقد روي هذا المعنى مرفوعا عنه رضي الله عنه، قال على بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله حدثنا بها النبي صلى الله عليه وسلم: « وما من مصيبة فبما كسبت أيديكم » الآية: ( يا علي ما أصابكم من مرض أوعقوبة أوبلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم. والله أكرم من أن يثني عليكم العقوبة في الآخرة وما عفا عنه في الدنيا فالله أحلم من أن يعاقب به بعد عفوه ) . وقال الحسن: لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما من اختلاج عرق ولا خدش عود ولا نكبة حجر إلا بذنب ولما يعفو الله عنه أكثر ) . وقال الحسن: دخلنا على عمران بن حصين فقال رجل: لا بد أن أسألك عما أرى بك من الوجع؛ فقال عمران: يا أخي لا تفعل ! فوالله إني لأحب الوجع ومن أحبه كان أحب الناس إلى الله، قال الله تعالى: « وما أصابكم من مصيبة فبما كسبتم أيديكم ويعفو عن كثير » فهذا مما كسبت يدي، وعفو ربي عما بقي أكثر.

وقال مُرَّة الهمذاني: رأيت على ظهر كف شريح قرحه فقلت: يا أبا أمية، ما هذا؟ قال: هذا بما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير. وقال ابن عون: إن محمد بن سيرين لما ركبه الدين اغتم لذلك فقال: إني لا أعرف هذا الغم، هذا بذنب أصبته منذ أربعين سنة. وقال أحمد بن أبي الحواري قيل لأبى سليمان الداراني: ما بال العقلاء أزالوا اللوم عمن أساء إليهم ؟ فقال: لأنهم علموا أن الله تعالى إنما ابتلاهم بذنوبهم، قال الله تعالى: « وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير » . وقال عكرمة: ما من نكبة أصابت عبدا فما فوقها إلا بذنب لم يكن الله ليغفره له إلا بها أو لينال درجة لم يكن يوصله إليها إلا بها. وروي أن رجلا قال لموسى: يا موسى، سل الله لي حاجة يقضيها لي هو أعلم بها؛ ففعل موسى؛ فلما نزل إذ هو بالرجل قد مزق السبع لحمه وقتله؛ فقال موسى: ما بال هذا يا رب؟ فقال الله تبارك وتعالى له: ( يا موسى انه سألني درجة علمت أنه لم يبلغها بعمله فأصبته بما ترى لأجعلها وسيلة له في نيل تلك الدرجة ) . فكان أبو سليمان الداراني إذا ذكر هذا الحديث يقول: سبحان من كان قادرا على أن ينيله تلك الدرجة بلا بلوى ! ولكنه يفعل ما يشاء.

قلت: ونظير هذه الآية في المعنى قوله تعالى: « من يعمل سوءا يجز به » [ النساء: 123 ] وقد مضى القول فيه. قال علماؤنا: وهذا في حق المؤمنين، فأما الكافر فعقوبته مؤخرة إلى الآخرة. وقيل: هذا خطاب للكفار، وكان إذا أصابهم شر قالوا: هذا بشؤم محمد؛ فرد عليهم وقال بل ذلك بشؤم كفركم. والأول اكثر وأظهر وأشهر. وقال ثابت البناني: إنه كان يقال ساعات الأذى يذهبن ساعات الخطايا. ثم فيها قولان: احدهما: أنها خاصة في البالغين أن تكون عقوبة لهم، وفي الأطفال أن تكون مثوبة لهم. الثاني: أنها عقوبة عامة للبالغين في أنفسهم والأطفال في غيرهم من والد ووالدة. « ويعفو عن كثير » أي عن كثير من المعاصي ألا يكون عليها حدود؛ وهو مقتضى قول الحسن. وقيل: أي يعفو عن كثير من العصاة ألا يعجل عليهم بالعقوبة. « وما أنتم بمعجزين في الأرض » أي بفائتين الله؛ أي لن تعجزوه ولن تفوتوه « وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير » تقدم في غير موضع.

الآيات: 32 - 33 ( ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام، إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور )
قوله تعالى: « ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام » أي ومن علاماته الدالة على قدرته السفن الجارية في البحر كأنها من عظمها أعلام. والأعلام: الحبال، وواحد الجواري جارية، قال الله تعالى: « إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية » [ الحاقة: 11 ] . سميت جارية لأنها تجري في الماء. والجارية: هي المرأة الشابة؛ سميت بذلك لأنها يجري فيها ماء الشباب. وقال مجاهد: الأعلام القصور، واحدها علم؛ ذكره الثعلبي. وذكر الماوردي عنه أنها الجبال. وقال الخليل: كل شيء مرتفع عند العرب فهو علم. قالت الخنساء ترثي أخاها صخرا:

وإن صخرا لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار

« إن يشأ يسكن الريح » كذا قرأه أهل المدينة « الرياح » بالجمع. « فيظللن رواكد على ظهره » أي فتبقى السفن سواكن على ظهر البحر لا تجري. ركد الماء ركودا سكن. وكذلك الريح والسفينة، والسفينة، والشمس إذا قام قائم الظهيرة. وكل ثابت في مكان فهو راكد. وركد الميزان استوى. وركد القوم هدؤوا. والمراكد: المواضع التي يركد فيها الإنسان وغيره. وقرأ قتادة « فيظللن » بكسر اللام الأولى على أن يكون لغة، مثل ضللت أضل. وفتح اللام وهي اللغة المشهورة. « إن في ذلك لآيات » أي دلالات وعلامات « لكل صبار شكور » أي صبار على البلوى شكور على النعماء. قال قطرب: نعم العبد الصبار الشكور، الذي إذا أعطي شكر وإذا أبتلي صبر. قال عون بن عبدالله: فكم من منعم عليه غير شاكر، وكم من مبتلى غير صابر.

الآيات: 34 - 35 ( أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير، ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص )
قوله تعالى: « أو يوبقهن بما كسبوا » أي وإن يشأ يجعل الرياح عواصف فيوبق السفن أي يغرقهن بذنوب أهلها. وقيل: يوبق أهل السفن. « ويعف عن كثير » من أهلها فلا يغرقهم معها؛ حكاه الماوردي. وقيل: « ويعفو عن كثير » أي ويتجاوز عن كثير من الذنوب فينجيهم الله من الهلاك. قال القشري: والقراءة الفاشية « ويعف » بالجزم، وفيها إشكال؛ لأن المعنى: إن يشأ يسكن الريح فتبقى تلك السفن رواكد ويهلكها بذنوب أهلها، فلا يحسن عطف « يعف » على هذا لأنه يصير المعنى: إن يشأ يعف، وليس المعنى ذلك بل المعنى الإخبار عن العفو من غير شرط المشيئة فهو إذا عطف على المجزوم من حيث اللفظ لا من حيث المعنى. وقد قرأ قوم « ويعفو » بالرفع، وهي جيدة في المعنى. « ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص » يعني الكفار؛ أي إذا توسطوا البحر وغشيتهم الرياح من كل مكان أو بقيت السفن رواكد علموا أنه لا ملجأ له لهم سوى الله، ولا دافع لهم إن أراد الله إهلاكهم فيخلصون له العبادة وقد مضى هذا المعنى في غير موضع ومضى القول في ركوب البحر في « البقرة » وغيرها بما يغني عن إعادته. وقرأ نافع وابن عامر « ويعلم » بالرفع، الباقون بالنصب. فالرفع على الاستئناف بعد الشرط والجزاء؛ كقوله في سورة التوبة: « ويخزهم وينصركم عليهم » [ التوبة: 14 ] ثم قال: « ويتوب الله على من يشاء » [ التوبة: 15 ] رفعا. ونظيره في الكلام: إن تأتني أتك ومنطلق عبدالله. أو على أنه خبر ابتداء محذوف. والنصب على الصرف؛ كقوله تعالى: « ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين » [ آل عمران: 142 ] صرف من حال الجزم إلى النصب استخفافا كراهية لتوالي الجزم؛ كقول النابغة:

فإن يهلك أبو قابوس يهلك ربيع الناس والشهر الحرام

ويمسك بعده بذناب عيش أجب الظهر ليس سنام

وهذا معنى قول الفراء، قال: ولو جزم « ويعلم » جاز. وقال الزجاج: نصب على إضمار « أن » لأن قبلها جزما؛ تقول: ما تصنع أصنع مثله وإن شئت قلت. وأكرمك بالجزم. وفي بعض المصاحف « وليعلم » . وهذا يدل على أن النصب بمعنى: وليعلم أو لأن يعلم. وقال أبو علي والمبرد: النصب بإضمار « أن » على أن يجعل الأول في تقدير المصدر؛ أي ويكون منه عفو وأن يعلم فلما حمله. على الاسم أضمر أن، كما تقول: إن تأتني وتعطيني أكرمك، فتنصب تعطيني؛ أي إن يكن منك إتيان وأن تعطيني. ومعنى « من محيص » أي من فرار ومهرب؛ قاله قطرب السدي: من ملجأ وهو مأخوذ من قولهم: خاص به البعير حيصة إذا رمى به. ومنه قولهم: فلان يحيص عن الحق أي يميل عنه.

الآية: 36 ( فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون )
قوله تعالى: « فما أوتيتم من شيء » يريد من الغنى والسعة في الدنيا. « فمتاع الحياة الدنيا » أي فإنما هو متاع في أيام قليلة تمضى وتذهب؛ فلا ينبغي أن يتفاخر به. والخطاب للمشركين. « وما عند الله خير وأبقى » يريد من الثواب على الطاعة « للذين آمنوا » صدقوا ووحدوا « وعلى ربهم يتوكلون » نزلت في أبي بكر الصديق حين أنفق جميع ماله في طاعة الله فلامه الناس. وجاء في الحديث أنه: أنفق ثمانين ألفا.

الآية: 37 ( والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون )
قوله تعالى: « والذين يجتنبون » الذين في موضع جر معطوف على قوله: « خير وأبقى للذين آمنوا » أي وهو للذين يجتنبون « كبائر الإثم » قد مضى القول في الكبائر في « النساء » . وقرأ حمزة والكسائي « كبائر الإثم » والواحد قد يراد به الجمع عند الإضافة؛ كقوله تعالى: « وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها » [ النحل: 18 ] ، وكما جاء في الحديث: ( منعت العراق درهمها وقفيزها ) . الباقون بالجمع هنا وفي « النجم » . « والفواحش » قال السدي: يعني الزنى. وقال ابن عباس. وقال: كبير الإثم الشرك. وقال قوم: كبائر الإثم ما تقع على الصغائر مغفورة عند اجتنابها. والفواحش داخلة في الكبائر، ولكنها تكون أفحش وأشنع كالقتل بالنسبة إلى الجرج، والزنى بالنسبة إلى المراودة. وقيل: الفواحش والكبائر بمعنى واحد، فكرر لتعدد اللفظ؛ أي يجتنبون المعاصي لأنها كبائر وفواحش. وقال مقاتل: الفواحش موجبات الحدود. « وإذا ما غضبوا هم يغفرون » أي يتجاوزون ويحملون عمن ظلمهم. قيل: نزلت في عمر حين شتم بمكة. وقيل: في أبي بكر حين لامه الناس على إنفاق مال كله وحين شتم فحلم. وعن علي رضي الله عنه قال: اجتمع لأبي بكر مال مرة، فتصدق به كله في سبيل الخير؛ فلامه المسلمون وخطأه الكافرون فنزلت: « فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون - إلى قوله وإذا ما غضبوا هم يغفرون » . وقال ابن عباس: شتم رجل من المشركين أبا بكر فلم يرد عليه شيئا؛ فنزلت الآية. وهذه من محاسن الأخلاق؛ يشفقون على ظالمهم ويصفحون لمن جهل عليهم؛ يطلبون بذلك ثواب الله تعالى وعفوه؛ لقوله تعالى في آل عمران: « والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس » [ آل عمران: 134 ] . وهو أن يتناولك الرجل فتكظم غيظك عنه. وأنشد بعضهم:

إني عفوت لظالمي ظلمي ووهبت ذاك له على علمي

مازال يظلمني وأحرمه حتى بكيت له من الظلم
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الخميس سبتمبر 05, 2013 12:01 am

تابع تفسير القرطبى لسورة الشورى
===========


الآية: 38 ( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون )
قوله تعالى: « والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة » قال عبدالرحمن بن زيد: هم الأنصار بالمدينة؛ استجابوا إلى الإيمان بالرسول حين أنفذ إليهم اثنى عشر نقيبا منهم قبل الهجرة. « وأقاموا الصلاة » أي أدوها لمواقيتها بشروطها وهيئاتها. « وأمرهم شورى بينهم » أي يتشاورون في الأمور. والشورى مصدر شاورته؛ مئل البشرى والذكرى ونحوه. فكانت الأنصار قبل قدوم النبي صلى إليهم إذا أرادوا أمرا تشاوروا فيه ثم عملوا عليه؛ فمدحهم الله تعالى به؛ قاله النقاش. وقال الحسن: أي إنهم لانقيادهم إلى الرأي في أمورهم متفقون لا يختلفون؛ فمدحوا باتفاق كلمتهم. قال الحسن: ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم. وقال الضحاك: هو تشاورهم حين سمعوا بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم، وورد النقباء إليهم حتى اجتمع رأيهم في دار أبي أيوب على الإيمان به والنصرة له. وقيل تشاورهم فيما يعرض لهم؛ فلا يستأثر بعضهم بخبر دون بعض. وقال ابن العربي: الشورى ألفة للجماعة ومسبار للعقول وسبب إلى الصواب، وما تشاور قوم إلا هدوا. وقد قال الحكيم:

إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن برأي لبيب أومشورة حازم

ولا تجعل الشورى عليك غضاضة فإن الخوافي قوة للقوادم

فمدح الله المشاورة في الأمور بمدح القوم الذين كانوا يمتثلون ذلك. وقد كان النبي صلى الله سبحانه يشاور أصحابه في الآراء المتعلقة بمصالح الحروب؛ وذلك في الآراء كثير. ولم يكن يشاورهم في الأحكام؛ لأنها منزلة من عند الله على جميع الأقسام من الفرض والندب والمكروه والمباح والحرام. فأما الصحابة بعد استئثار الله تعالى به علينا فكانوا يتشاورون في الأحكام ويستنبطونها من الكتاب والسنة. وأول ما تشاور فيه الصحابة الخلافة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص عليها حتى كان فيها بين أبي بكر والأنصار ما سبق بيانه. وقال عمر رضي الله عنه: نرضى لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا وتشاوروا في أهل الردة فاستقر رأي أبي بكر على القتال. وتشاوروا في الجد وميراثه، وفي حد الخمر وعدده. وتشاوروا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحروب؛ حتى شاور عمر الهرمزان حين وفد عليه مسلما في المغازي، فقال له الهرمزان: مثلها ومئل من فيها من الناس من عدو المسلمين مثل طائر له ريش وله جناح فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرجلان بجناح والرأس وإن كسر الجناح الآخر نهضت الرجلان والرأس وإن شدخ الرأس ذهب الرجلان والجناحان. والرأس كسرى والجناح الواحد قيصر والآخر فارس؛؛ فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى... وذكر الحديث. وقال بعض العقلاء: ما أخطأت قط ! إذا حزبني أمر شاورت قومي ففعلت الذي يرون؛ فإن أصبت فيهم المصيبون، وإن أخطأت فهم المخطئون.

قد مضى في « آل عمران » ما تضمنته الشورى من الأحكام عند قوله تعالى: « وشاورهم في الأمر » [ آل عمران: 159 ] والمشورة بركة. والمشورة: الشورى، وكذلك المشورة ( بضم الشين ) ؛ تقول منه: شاورته في الأمر واستشرته بمعنى. وروى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاءكم وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأموركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها ) . قال حديث غريب. « ومما رزقناهم ينفقون » أي ومما أعطيناهم يتصدقون. وقد تقدم في « البقرة » .

الآيات: 39 - 43 ( والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون، وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين، ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم، ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور )
قوله تعالى: « والذين إذا أصابهم البغي » أي أصابهم بغي المشركين. قال ابن عباس: وذلك أن المشركين بغوا على رسول الله صلى الله عيله وسلم وعلى أصحابه وآذوهم وأخرجوهم من مكة فأذن الله لهم بالخروج ومكن لهم في الأرض ونصرهم على من بغى عليهم؛ وذلك قوله في سورة الحج: « أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا... » [ الحج: 39 - 40 ] الآيات كلها. وقيل: هو عام في بغي كل باغ من كافر وغيره، أي إذا نالهم ظلم. من ظالم لم يستسلموا لظلمه. وهذه إشارة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود. قال ابن العربي: ذكر الله الانتصار في البغي في معرض المدح، وذكر العفو عن الجرم في موضع آخر في معرض المدح؛ فاحتمل أن يكون أحدهما رافعا للأخر، واحتمل أن يكون ذلك راجعا إلى حالتين؛ إحداهما أن يكون الباغي معلنا بالفجور؛ وقحا في الجمهور، مؤذيا للصغير والكبير؛ فيكون الانتقام منه أفضل. وفي مثله قال إبراهيم النخعي: كانوا يكوهون أن يذلوا أنفسهم فتجترئ عليهم الفساق. الثانية: أن تكون الفلتة، أو يقع ذلك ممن يعترف بالزلة ويسأل المغفرة؛ فالعفو ها هنا أفضل، وفي مثله نزلت: « وأن تعفوا أقرب للتقوى » [ البقرة: 237 ] . وقوله: « فمن تصدق به فهو كفارة له » [ المائدة: 45 ] . وقوله: « وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم » [ النور: 22 ] .

قلت: هذا حسن، وهكذا ذكر الكيا الطبري في أحكامه قال: قوله تعالى: « والذين إذا أصابهم البغي ينتصرون » يدل ظاهره على أن الانتصار في هذا الموضع أفضل؛ ألا ترى أنه قرنه إلى ذكر الاستجابة لله سبحانه وتعالى وإقام الصلاة؛ وهو محمول على ما ذكر إبراهيم النخعي أنهم كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلوا أنفسهم فتجترئ عليهم الفساق؛ فهذا فيمن تعدى وأصر على ذلك. والموضع المأمور فيه بالعفو إذا كان الجاني نادما مقلعا. وقد قال عقيب هذه الآية: « ولمن أنتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل » . ويقتضي ذلك إباحة الانتصار لا الأمر به، وقد عقبه بقوله: « ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور » . وهو محمول على الغفران عن غير المصر، فأما المصر على البغي والظلم فالأفضل الانتصار منه بدلالة الآية التي قبلها. وقيل: أي إذا أصابهم البغي تناصروا عليه حتى يزيلوه عنهم ويدفعوه؛ قال ابن بحر. وهو راجع إلى العموم على ما ذكرنا.
قوله تعالى: « وجزاء سيئة سيئة مثلها » قال العلماء: جعل الله المؤمنين صنفين؛ صنف يعفون عن الظالم فبدأ بذكرهم في قول « وإذا ما غضبوا هم يغفرون » [ الشورى: 37 ] . وصنف ينتصرون من ظالمهم. ثم بين حد الانتصار بقول: « وجزاء سيئة سيئة مثلها » فينتصر ممن ظلمه من غير أن يعتدي. قال مقاتل وهشام بن حجير: هذا في المجروج ينتقم من الجارج بالقصاص دون غيره من سب أوشتم. وقاله الشافعي وأبو حنيفة وسفيان. قال سفيان: وكان ابن شبرمة يقول: ليس بمكة مثل هشام. وتأول الشافعي في هذه الآية أن للإنسان أن يأخذ من مال من خانه مثل ما خانه من غير علمه؛ واستشهد في ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند زوج أبي سفيان: ( خذي من ماله ما يكفيك وولدك ) فأجاز لها أخذ ذلك بغير إذنه. وقد مضى الكلام في هذا مستوفى في « البقرة » . وقال ابن أبي نجيح: إنه محمول على المقابلة في الجراح. وإذا قال: أخزاه الله أو لعنه الله أن يقول مثله. ولا يقابل القذف بقذف ولا الكذب بكذب. وقال السدي: إنما مدح الله من انتصر ممن بغى عليه من غير اعتداء بالزيادة على مقدار ما فعل به؛ يعني كما كانت العرب تفعله. وسمي الجزاء سيئة لأنه في مقابلتها؛ فالأول ساء هذا في مال أو بدن، وهذا الاقتصاص يسوءه بمثل ذلك أيضا؛ وقد مضى هذا كله في « البقرة » مستوفى.
قوله تعالى: « فمن عفا وأصلح » قال ابن عباس: من ترك القصاص وأصلح بينه وبين الظالم بالعفو « فأجره على الله » أي إن الله يأجره على ذلك. قال مقاتل: فكان العفو من الأعمال الصالحة وقد مضى في « آل عمران » في هذا ما فيه كفاية، والحمد لله. وذكر أبو نعيم الحافظ عن علي بن الحسين رضي الله عنهم قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد أيكم أهل الفضل ؟ فيقوم ناس من الناس؛ فيقال: انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة؛ فيقولون إلى أين ؟ فيقولن إلى الجنة؛ قالوا قبل الحساب ؟ قالوا من أنتم ؟ قالوا أهل الفضل؛ قالوا وما كان فضلكم ؟ قالوا كنا إذا جهل علينا حلمنا وإذا ظلمنا صبرنا وإذا سيء إلينا عفونا؛ قالوا ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين. وذكر الحديث. « إنه لا يحب الظالمين » أي من بدأ بالظلم؛ قاله سعيد بن جبير. وقيل: لا يحب من يتعدى في الاقتصاص ويجاوز الحد؛ قاله ابن عيسى.
قوله تعالى: « ولمن انتصر بعد ظلمه » أي المسلم إذا انتصر من الكافر فلا سبيل إلى لومه، بل يحمد على ذلك مع الكافر. ولا لوم إن أنتصر الظالم من المسلم؛ فالانتصار من الكافر حتم، ومن المسلم مباح، والعفو مندوب « فأولئك ما عليهم من سبيل » دليل على أن له أن يستوفي ذلك بنفسه. وهذا ينقسم ثلاثة أقسام: أحدها: أن يكون قصاصا في بدن يستحقه آدمي، فلا حرج عليه إن استوفاه من غير عدوان وثبت حقه عند الحكام، لكن يزجره الإمام في تفوته بالقصاص لما فيه من الجرأة على سفك الدم. وإن كان حقه غير ثابت عند الحاكم فليس عليه فيما بينه وبين الله حرج؛ وهو الظاهر مطالب وبفعله مؤاخذ ومعاقب. القسم الثاني: أن يكون حد الله تعالى لاحق لآدمي فيه كحد الزنى وقطع السرقة؛ فإن لم يثبت ذلك عند حاكم أخذ به وعوقب عليه، وإن ثبت عند حاكم نظر، فإن كان قطعا في سرقة سقط به الحد لزوال العضو المستحق قطعه، ولم يجب عليه في ذلك حق لأن التعزير أدب، وإن كان جلدا لم يسقط به الحد لتعديه مع بقاء محله فكان مأخوذا بحكمه. القسم الثالث: أن يكون حقا في مال؛ فيجوز لصاحبه أن يغالب على حقه حتى يصل إليه إن كان ممن هو عالم به، لان كان غير عالم نظر، فإن أمكنه الوصول إليه عند المطالبة لم يكن له الاستسرار بأخذه. لان كان لا يصل إليه بالمطالبة لجحود من هو عليه من عدم بينة تشهد له ففي جواز استسراره بأخذه مذهبان: أحدهما: جوازه؛ وهو قول مالك والشافعي. الثاني: المنع؛ وهو قول أبي حنيفة.
قوله تعالى: « إنما السبيل على الذين يظلمون الناس » أي بعدوانهم عليهم؛ في قول أكثر العلماء. وقال ابن جريج: أي يظلمونهم بالشرك المخالف لدينهم. « ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم » أي في النفوس والأموال؛ في قول الأكثرين. وقال مقاتل: بغيهم عملهم بالمعاصي. وقال أبو مالك: هو ما يرجوه كفار قريش أن يكون بمكة غير الإسلام دينا. وعلى هذا الحد قال ابن زيد: إن هذا كله منسوخ بالجهاد، لان هذا للمشركين خاصة. وقول قتادة: إنه عام؛ وكذا يدل ظاهر الكلام. وقد بيناه والحمد لله.
قال ابن العربي: هذه الآية: في مقابلة الآية المتقدمة في « براءة » وهي قوله: « ما على المحسنين من سبيل » [ التوبة: 91 ] ؛ فكما نفى الله السبيل عمن أحسن فكذلك نفاها على من ظلم؛ واستوفى ببان القسمين.
واختلف علماؤنا في السلطان يضع على أهل بلد مالا معلوما بأخذهم به ويؤدونه على قدر أموالهم؛ هل لمن قدر على الخلاص من ذلك أن يفعل، وهو إذا تخلص أخذ سائر أهل البلد بتمام ما جعل عليهم. فقيل لا؛ وهو قول سحنون من علمائنا. وقيل: نعم، له ذلك إن قدر على الخلاص؛ وإليه ذهب أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي ثم المالكي. قال: ويدل عليه قول مالك في الساعي يأخذ من غنم أحد الخلطاء شاة وليس في جميعها نصاب إنها مظلمة على من أحذت له لا يرجع على أصحابه بشيء. قال: ولست آخذ بما روي عن سحنون؛ لأن الظلم لا أسوة فيه، ولا يلزم أحد أن يولج نفسه في ظلم مخافة أن يضاعف الظلم على غيره، والله سبحانه يقول: « إنما السبيل على الذين يظلمون الناس » .
واختلفت العلماء في التحليل؛ فكان ابن المسيب لا يحلل أحدا من عرض ولا مال. وكان سليمان بن يسار ومحمد بن سيرين يحللان من العرض والمال. ووأى مالك التحليل من المال دون العرض. روى ابن القاسم وابن وهب عن مالك وسئل عن قول سعيد بن المسيب « لا أحلل أحدا » فقال: ذلك يختلف؛ فقلت له يا أبا عبدالله، الرجل يسلف الرجل فيهلك ولا وفاء له؟ قال: أرى أن يحلله وهو أفضل عندي؛ فان الله تعالى: يقول: « الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه » [ الزمر: 18 ] . فقيل له: الرجل يظلم الرجل؟ فقال: لا أرى ذلك، هو عندي مخالف للأول، يقول الله تعالى: « إنما السبيل على الذين يظلمون الناس » ويقول تعالى: « ما على المحسنين من سبيل » التوبة: 91 ] فلا أرى أن يجعله من ظلمه في حل. قال ابن العربي: فصار في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: لا يحلله بحال؛ قال سعيد بن المسيب. الثاني: يحلله؛ قاله محمد بن سيرين. الثالث: إن كان مالا حلله وإن كان ظلما لم يحلله؛ وهو قول مالك. وجه الأول ألا يحلل ما حرم الله؛ فيكون كالتبديل لحكم الله. ووجه الثاني أنه حقه فله أن يسقط كما يسقط دمه وعرضه. ووجه الثالث الذي اختاره مالك هو أن الرجل إذا غلب على أداء حقك فمن الرفق به أن يتحلله، وإن كان ظالما فمن الحق ألا تتركه لئلا تغتر الظلمة ويسترسلوا في أفعالهم القبيحة. وفي صحيح مسلم حديث أبي اليسر الطويل وفيه أنه قال لغريمه: اخرج إلي، فقد علمت أين أنت؛ فخرج؛ فقال: ما حملك على أن اختبأت مني؟ قال: أنا والله أحدثك ثم لا أكذبك، خشيت والله أن أحدثك فأكذبك، وأن أعدك فأخلفك، وكنت صاحب رسول الله صلى صلى الله عليه وسلم، وكنت والله معسرا. قال قلت: آلله؟ قال الله؛ قال: فأتى بصحيفة فمحاها فقال: إن وجدت قضاء فأقض، وإلا فأنت في حل... وذكر الحديث. قال ابن العربي: وهذا في الحي الذي يرجى له الأداء لسلامة الذمة ورجاء التمحل، فكيف بالميت الذي لا محاللة له ولا ذمة معه. العاشرة: قال بعض العلماء: إن من ظلم وأخذ له مال فإنما له ثواب ما أحتبس عنه إلى موته، ثم يوجع الثواب إلى ورثته، ثم كذلك إلى آخرهم؛ لأن المال يصير بعده للوارث. قال أبو جعفر الداودي المالكي: هذا صحيح في النظر؛ وعلى هذا القول إن مات الظالم قبل من ظلمه ولم يترك شيئا أو ترك ما لم يعلم وارثه فيه بظلم لم تنتقل تباعة المظلوم إلى ورثة الظالم؛ لأنه لم يبق للظالم ما يستوجبه ورثة المظلوم.
قوله تعالى: « ولمن صبر وغفر » أي صبر على الأذى و « غفر » أي ترك الانتصار لوجه الله تعالى؛ وهذا فيمن ظلمه مسلم. ويمكى أن رجلا سب رجلا في مجلس الحسن رحمه الله فكان المسبوب يكظم ويعرق فيمسح العرق، ثم قام فتلا هذه الآية؛ فقال الحسن: عقلها والله ! وفهمها إذ ضيعها الجاهلون. وبالجملة العفو مندوب إليه، ثم قد ينعكس الأمر في بعض الأحوال فيرجع ترك العفو مندوبا إليه كما تقدم؛ وذلك إذا أحتيج إلى كف زيادة البغي وقطع مادة الأذى، وعن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل عليه، وهو أن زينب أسمعت عائشة رضي الله عنهما بحضرته فكان ينهاها فلا تنتهي، فقال لعائشة: ( دونك فانتصري ) خرجه مسلم في صحيحه بمعناه. وقيل: « صبر » عن المعاصي وستر على المساوئ. « إن ذلك لمن عزم الأمور » أي من عزائم الله التي أمر بها. وقيل: من عزائم الصواب التي وفق لها. وذكر الكلبي والفراء أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع ثلاث آيات قبلها، وقد شتمه بعض الأنصار فرد عليه ثم أمسك. وهي المدنيات من هذه السورة. وقيل: هذه الآيات في المشركين، وكان هذا في ابتداء الإسلام قبل الأمر بالقتال ثم نسختها آية القتال؛ وهو قول ابن زيد، وقد تقدم. وفي تفسير ابن عباس « ولمن انتصر بعد ظلمه » يريد حمزة بن عبدالمطلب، وعبيدة وعليا وجميع المهاجرين رضوان الله عليهم. « فأولئك ما عليهم من سبيل » يريد حمزة بن عبدالمطلب وعبيدة وعليا رضوان الله عليهم أجمعين. « إنما السبيل على، الذين يظلمون الناس » يريد عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأبا جهل والأسود، وكل من قاتل من المشركين يوم بدر. « ويبغون في الأرض » يريد بالظلم والكفر. « أولئك لهم عذاب أليم » يريد وجيع. « ولمن صبر وغفر » يريد أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح ومصعب بن عمير وجميع أهل بدر رضوان الله عليهم أجمعين. « إن ذلك من عزم الأمور » حيث قبلوا الفداء وصبروا على الأذى.
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الجمعة سبتمبر 06, 2013 1:02 am

تابع تفسير القرطبى لسورة الشورى
===========


الآية: 44 ( ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل )
قوله تعالى: « ومن يضلل الله » أي يخذله « فما له من ولي من بعده » هذا فيمن أعرض عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما دعاه إليه من الإيمان بالله والمودة في القربي، ولم يصدقه في البعث وأن متاع الدنيا قليل. أي من أضله الله عن هذه الأشياء فلا يهديه هاد. « وترى الظالمين » أي الكافرين. « لما رأوا العذاب » يعني جهنم. وقيل رأوا العذاب عند الموت. « يقولون هل إلى مرد من سبيل » يطلبون أن يردوا إلى الدنيا ليعملوا بطاعة الله فلا يجابون إلى ذلك.

الآية: 45 ( وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم )
قوله تعالى: « وتراهم يعرضون عليها » أي على النار لأنها عذابهم؛ فكنى عن العذاب المذكور بحرف التأنيث لأن ذلك العذاب هو النار إن شئت جهنم، ولو راعى اللفظ لقال عليه. ثم قيل: هم المشركون جميعا يعرضون على جهنم عند انطلاقهم إليها؛ قال الأكثرون. وقيل: آل فرعون خصوصا، تحبس أرواحهم في أجواف طير سود تغدو على جهنم وتروح؛ فهو عرضهم عليها؛ قاله ابن مسعود. وقيل: إنهم عامة المشركين، تعرض عليهم ذنوبهم في قبورهم، ويعرضون على العذاب في قبورهم؛ وهذا معنى قول أبي الحجاج. « خاشعين من الذل » ذهب بعض القراء إلى الوقف على « خاشعين » . وقوله: « من الذل » متعلق بـ « ينتظرون » . وقيل: متعلق بـ « خاشعين » . والخشوع الانكسار والتواضع. ومعنى « ينظرون من طرف خفي » أي لا يرفعون أبصارهم للنظر رفعا تاما؛ لأنهم ناكسو الرؤوس. والعرب تصف الذليل بغض الطرف، كما يستعملون في ضده حديد النظر إذا لم يتهم بريبة فيكون عليه منها غضاضة. وقال مجاهد: « من رف خفي » أي ذليل، قال: وإنما ينظرون بقلوبهم لأنهم يحشرون عميا، وعين القلب طرف خفي. وقال قتادة والسدي والقرظي ومعيد بن جبير: يسارقون النظر من شدة الخوف. وقيل: المعنى ينظرون من عين ضعيفة النظر. وقال يونس: « من » بمعنى الباء؛ أي ينظرون بطرف خفي، أي ضعيف من الذل والخوف، ونحوه عن الأخفش. وقال ابن عباس: بطرف ذابل ذليل. وقيل: أي يفزعون أن ينظروا إليها بجميع أبصارهم لما يرون من أصناف العذاب.
قوله تعالى: « وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة » أي يقول المؤمنون في الجنة لما عاينوا ما حل بالكفار إن الخسران في الحقيقة ما صار إليه هؤلاء فإنهم خسروا أنفسهم لأنهم في العذاب المخلد، وخسروا أهليهم لأن الأهل إن كانوا في النار فلا انتفاع بهم، وإن كانوا في الجنة فقد حيل بينه وبينهم. وقيل: خسران الأهل أنهم لو آمنوا لكان لهم أهل في الجنة من الحور العين. وفي سنن ابن ماجة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى صلى الله عليه وسلم: ( ما منكم من أحد إلا له منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فإذا مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله فذلك قوله تعالى: « أولئك هم الوارثون » [ المؤمنون: 10 ] . وقد تقدم. وفي مسند الدارمي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما من أحد يدخله الله الجنة إلا زوجه اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين وسبعين من ميراثه من أهل النار وما منهن واحدة إلا ولها قبل شهي وله ذكر لا ينثني ) . قال هشام بن خالد: ( من ميراثه من أهل النار ) يعني رجالا أدخلوا النار فورث أهل الجنة نساءهم كما ورثت امرأة فرعون. « ألا إن الظالمين في عذاب مقيم » أي دائم لا ينقطع. ثم يجوز أن يكون هذا من قول المؤمنين، ويجوز أن يكون ابتداء من الله تعالى

الآية: 46 ( وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل )
قوله تعالى: « وما كان لهم من أولياء » أي أعوانا ونصراء « ينصرونهم من دون الله » أي من عذابه « ومن يضلل الله فما له من سبيل » أي طريق يصل به إلى الحق في الدنيا والجنة في الآخرة لأنه قد سدت عليه طريق النجاة.

الآية: 47 ( استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير )
قوله تعالى: « استجيبوا لربكم » أي أجيبوه إلى ما دعاكم إليه من الإيمان به والطاعة. استجاب وأجاب بمعنى؛ وقد تقدم. « من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله » يريد يوم القيامة؛ أي لا يرده أحد بعد ما حكم الله به وجعله أجلا ووقتا. « ما لكم من ملجأ يومئذ » أي من ملجأ ينجيكم من العذاب. « وما لكم من نكير » أي من ناصر ينصركم؛ قال مجاهد. وقيل: النكير بمعنى المنكر؛ كالأليم بمعنى المؤلم؛ أي لا تجدون يومئذ منكرا لما ينزل بكم من العذاب؛ حكاه ابن أبى حاتم؛ وقال الكلبي. الزجاج: معناه أنهم لا يقدرون أن ينكروا الذنوب التي يوقفون عليها. وقيل: « من نكير » أي إنكار ما ينزل بكم من العذاب، والنكير والإنكار تغيير المنكر.

الآية: 48 ( فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور )
قوله تعالى: « فإن أعرضوا » أي عن الإيمان « فما أرسلناك عليهم حفيظا » أي حافظا لأعمالهم حتى تحاسبهم عليها. وقيل: موكلا بهم لا تفارقهم دون أن يؤمنوا؛ أي ليس لك إكراههم على الإيمان. « إن عليك إلا البلاغ » وقيل: نسخ هذا بآية القتال. « وإنا إذا أذقنا الإنسان » الكافر. « منا رحمة » رخاء وصحة. « فرح بها » بطر بها. « وإن تصبهم سيئة » بلاء وشدة. « بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور » أي لما تقدم من النعمة فيعدد المصائب وينسى النعم.

الآيات: 49 - 50 ( لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير )
قوله تعالى: « لله ملك السماوات والأرض » ابتداء وخبر. « يخلق ما يشاء » من الخلق. « يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور » قال أبو عبيدة وأبو مالك ومجاهد والحسن والضحاك: يهب لمن يشاء إناثا لا ذكور معهن، ويهب لمن يشاء ذكورا لا إناثا معهم؛ وأدخل الألف واللام على الذكور دون الإناث لأنهم أشرف فميزهم بسمة التعريف. وقال واثلة بن الأسقع: إن من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر، وذلك أن الله تعالى قال: « يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور » فبدأ بالإناث. « أو يزوجهم ذكرانا وإناثا » قال مجاهد: هو أن تلد المرأة غلاما ثم تلد جارية ثم تلد غلاما ثم تلد جارية. وقال محمد ابن الحنفية: هو أن تلد توأما، غلاما وجارية، أو يزوجهم ذكرانا وإناثا. قال القتبي: التزويج ها هنا هو الجمع ببن البنين والبنات؛ تقول العرب: زوجت إبلي إذا جمعت بين الكبار والصغار. « ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير » أي لا يولد له؛ يقال: رجل عقيم، وامرأة عقيم. وعقمت المرأة تعقم عقما؛ مثل حمد يحمد. وعقمت تعقيم، مثل عظم يعظم. وأصله القطع، ومنه الملك العقيم، أي تقطع فيه الأرحام بالقتل والعقوق خوفا على الملك. وريح عقيم؛ أي لا تلقح سحابا ولا شجرا. ويوم القيامة يوم عقيم؛ لأنه لا يوم بعده. ويقال: نساء عقم وعقم؛ قال الشاعر:

عقم النساء فما يلدن شبيهه إن النساء بمثله عقم

وحكى النقاش أن هذه الآية نزلت في الأنبياء خصوصا وإن عم حكمها. وهب للوط الإناث ليس معهن ذكر، ووهب لإبراهيم الذكور ليس معهم أنثى، ووهب لإسماعيل وإسحاق الذكور والإناث، وجعل عيسى ويحيى عقيمين؛ ونحوه عن ابن عباس وإسحاق بن بشر. قال إسحاق: نزلت في الأنبياء، ثم عمت. « يهب لمن يشاء إناثا » يعني لوطا عليه السلام، لم يولد له ذكر وإنما ولد له ابنتان. « ويهب لمن يشاء الذكور » يعني إبراهيم عليه السلام لم يولد له أنثى بل ولد له ثمانية ذكور. « أو يزوجهم ذكرانا وإناثا » يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد له أربعة بنين وأربع بنات. « ويجعل من يشاء عقيما » يعني يحيى بن زكريا عليهما السلام؛ لم يذكر عيسى. ابن العربي: قال علماؤنا « يهب لمن يشاء إناثا » يعني لوطا كان له بنات ولم يكن له ابن. « ويهب لمن يشاء الذكور » يعني إبراهيم، كان له بنون ولم يكن له بنت. وقول: « أو يزوجهم ذكرانا وإناثا » يعني آدم، كانت حواء تلد له في كل بطن توأمين ذكرا وأنثى. ويزوج الذكر من هذا البطن من الأنثى من البطن الآخر، حتى أحكم الله التحريم في شرع نوح صلى الله عليه وسلم. وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم كان له ذكور وإناث من الأولاد: القاسم والطيب والطاهر وعبدالله وزينب وأم كلثوم ورقية وفاطمة؛ وكلهم من خديجة رضي الله عنها، وإبراهيم وهو من مارية القبطية. وكذلك قسم الله الخلق من لدن آدم إلى زماننا هذا، إلى أن تقوم الساعة، على هذا التقدير المحدود بحكمته البالغة ومشيئته النافذة؛ ليبقى النسل، ويتمادى الخلق، وينفذ الوعد، ويحق الأمر، وتعمر الدنيا، وتأخذ الجنة وجهنم كل واحدة ما يملؤها ويبقى. ففي الحديث: ( إن النار لن تمتلئ حتى يضع الجبار فيها قدمه، فتقول قط قط. وأما الجنة فيبقى منها فينشئ الله لها خلقا آخر ) .
قال ابن العربي: إن الله تعالى لعموم قدرته وشديد قوته يخلق الخلق ابتداء من غير شيء، وبعظيم لطفه وبالغ حكمته يخلق شيئا من شيء لا عن حاجة؛ فإنه قدوس عن الحاجات سلام عن الآفات، كما قال القدوس السلام؛ فخلق آدم من الأرض وخلق حواء من آدم وخلق النشأة من بينهما منهما مرتبا على الوطء كائنا عن الحمل موجودا في الجنين بالوضع؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أذكرا وإذا. سبق ماء المرأة ماء الرجل آنثا ) . وكذلك في الصحيح أيضا: ( إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أشبه الولد أعمامه وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه الولد أخواله ) .

قلت: وهذا معنى حديث عائشة لا لفظه خرجه مسلم من حديث عروة بن الزبير عنها أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تغتسل المرأة إذا احتلمت وأبصرت الماء؟ فقال: ( نعم ) فقالت لها عائشة: تربت يداك وألت؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( دعيها وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك. إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه ) . قال علماؤنا: فعلى مقتضى هذا الحديث أن العلو يقتضي الشبه؛ وقد جاء في حديث ثوبان خرجه مسلم أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لليهودي: ( ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله... ) الحديث. فجعل في هذا الحديث أيضا العلو يقتضي الذكورة والأنوثة؛ فعلى مقتضى الحديثين يلزم اقتران الشبه للأعمال والذكورة إن علا مني الرجل، وكذلك يلزم إن علا مني المرأة اقتران الشبه للأخوال والأنوثة؛ لأنهما معلولا علة واحدة، وليس الأمر كذلك بل الوجود بخلاف ذلك؛ لأنا نجد الشبه للأخوال والذكورة والشبه للأعمام والأنوثة فتعين تأويل أحد الحديثين. والذي يتعين تأويله الذي في حديث ثوبان فيقال: إن ذلك العلو معناه سبق الماء إلى الرحم، ووجه أن العلو لما كان معناه الغلبة من قولهم سابقني فلان فسبقته أي غلبته؛ ومنه قوله تعالى: « وما نحن بمسبوقين » [ الواقعة: 60 ] أي بمغلوبين، قيل عليه علا. ويؤيد هذا التأويل قوله في الحديث: ( إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أذكرا وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل آنثا ) . وقد بنى القاضي أبو بكر بن العربي على هذه الأحاديث بناء فقال: إن للماءين أربعة أحوال: الأول: أن يخرج ماء الرجل أولا، الثاني: أن يخرج ماء المرأة أولا، الثالث: أن يخرج ماء الرجل أولا ويكون أكثر، الرابع: أن يخرج ماء المرأة أولا ويكون أكثر. ويتم التقسيم بأن يخرج ماء الرجل أولا ثم يخرج ماء المرأة بعده ويكون أكثر أو بالعكس؛ فإذا خرج ماء الرجل أولا وكان أكثر جاء الولد ذكرا بحكم السبق وأشبه الولد أعمامه بحكم الكثرة. وإن خرج ماء المرأة أولا وكان أكثر جاء الولد أنثى بحكم السبق وأشبه أخواله بحكم الغلبة. وإن خرج ماء الرجل أولا لكن لما خرج ماء المرأة بعده كان أكثر كان الولد ذكرا بحكم السبق وأشبه أخواله بحكم غلبة ماء المرأة، وإن سبق ماء المرأة لكن لما خرج ماء الرجل كان أعلى من ماء المرأة، كان الولد أنثى بحكم سبق ماء المرأة وأشبه أعمامه بحكم غلبة ماء الرجل. قال: وبانتظام هذه الأقسام يستتب الكلام ويرتفع التعارض عن الأحاديث، فسبحان الخالق العليم
قال علماؤنا: كانت الخلقة مستمرة ذكرا وأنثى إلى أن وقع في الجاهلية الأولى الخنثى فأتي به فريض العرب ومعمرها عامر بن الظرب فلم يدر ما يقول فيه وأرجأهم عنه؛ فلما جن عليه الليل تنكر موضعه، وأقض عليه مضجعه، وجعل يتقلب ويتقلب، وتجيء به الأفكار وتذهب، إلى أن أنكرت خادمه حاله فقالت: ما بك؟ قال لها: سهرت لأمر قصدت به فلم أدر ما أقول فيه ؟ فقالت ما هو؟ قال لها: رجل له ذكر وفرج كيف يكون حاله في الميراث ؟ قالت له الأمة: ورثه من حيث يبول؛ فعقلها وأصبح فعرضها عليهم وانقلبوا بها راضين. وجاء الإسلام على ذلك فلم تنزل إلا في عهد علي رضي الله عنه فقضى فيها. وقد روى الفرضيون عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن مولود له قبل وذكر من أين يورث ؟ قال: من حيث يبول. وروي أنه أتى بخنثى من الأنصار فقال: ( ورثوه من أول ما يبول ) . وكذا روى محمد ابن الحنفية عن علي، ونحوه عن ابن عباس، وبه قال ابن المسيب وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد، وحكاه المزني عن الشافعي. وقال قوم: لا دلالة في البول؛ فإن خرج البول منهما جميعا قال أبو يوسف: يحكم بالأكثر. وأنكره أبو حنيفة وقال: أتكيله ! ولم يجعل أصحاب الشافعي للكثرة حكما. وحكي عن علي والحسن أنهما قالا: تعد أضلاعه، فإن المرأة تزيد على الرجل بضلع واحد. وقد مضى ما للعلماء في هذا في آية المواريث في « النساء » مجودا والحمد لله.
قال القاضي أبو بكر بن العربي: وقد أنكر قوم من رؤوس العوام وجود الخنثى، لأن الله تعالى قسم الخلق إلى ذكر وأنثى. قلنا: هذا جهل باللغة، وغباوة عن مقطع الفصاحة، وقصور عن معرفة سعة القدرة. أما قدرة الله سبحانه فإنه واسع عليم، وأما ظاهر القرآن فلا ينفي وجود الخنثى؛ لأن الله تعالى قال: « لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء » . فهذا عموم مدح فلا يجوز تحصيصه؛ لأن القدرة تقتضيه. وأما قوله: « يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور. أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما » فهذا إخبار عن الغالب في الموجودات، وسكت عن ذكر النادر لدخول تحت عموم الكلام الأول، والوجود يشهد له والعيان يكذب منكره، وقد كان يقرأ معنا برباط أبي سعيد على الإمام الشهيد من بلاد المغرب خنثى ليس له لحية وله ثديان وعنده جارية؛ فربك أعلم به، ومع طول الصحبة عقلني الحياء عن سؤال، وبودي اليوم لو كاشفته عن حاله.
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله السبت سبتمبر 07, 2013 12:05 am

تابع تفسير القرطبى لسورة الشورى
==========


الآية: 51 ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم )
قوله تعالى: « وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا » سبب ذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى ونظر إليه؛ فإنا لن نؤمن لك حتى تفعل ذلك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن موسى لن ينظر إليه ) فنزل قوله: « وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا » ؛ ذكره النقاش والواحدي والثعلبي. « وحيا » قال مجاهد: نفث ينفث في قلبه فيكون إلهاما؛ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن روح القدس نفث في روعي إن نفسا لن تموت حتى تستكمل، رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب. خذوا ما حل ودعوا ما حرم ) . « أو من وراء حجاب » كما كلم موسى. « أو يرسل رسولا » كإرساله جبريل عليه السلام. وقيل: « إلا وحيا » رؤيا يراها في منامه؛ قال محمد بن زهير. « أو من وراء حجاب » كما كلم موسى. « أو يرسل رسولا » قال زهير: هو جبريل عليه السلام. « فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم » وهذا الوحي من الرسل خطاب منهم للأنبياء يسمعونه نطقا ويرونه عيانا. وهكذا كانت حال جبريل عليه السلام إذا نزل بالوحي على النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس: نزل جبريل عليه السلام على كل نبي فلم يره منهم إلا محمد وعيسى وموسى وزكريا عليهم السلام. فأما غيرهم فكان وحيا إلهاما في المنام. وقل: « إلا وحيا » بإرسال جبريل « أومن وراء حجاب » كما كلم موسى. « أو يرسل رسولا » إلى الناس كافة. وقرأ الزهري وشيبة ونافع « أو يرسل رسولا فيوحي » برفع الفعلين. الباقون بنصبهما. فالرفع على الاستئناف؛ أي وهو يرسل. وقيل: « يرسل » بالرفع في موضع الحال؛ والتقدير إلا موحيا أومرسلا. ومن نصب عطفوه على محل الوحي؛ لأن معناه وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحي أويرسل. ويجوز أن يكون النصب على تقدير حذف الجار من أن المضمرة. ويكون في موضع الحال؛ التقدير أو بأن يرسل رسولا. ولا يجوز أن يعطف « أو يرسل » بالنصب على « أن الكلمة » لفساد المعنى؛ لأنه يصير: ما كان لبشر أن يرسله أو أن يرسل إليه رسولا، وهو قد أرسل الرسل من البشر وأرسل إليهم.
احتج بهذه الآية من رأى فيمن حلف ألا يكلم رجلا فأرسل إليه رسولا أنه حانث، لأن المرسل قد سمي فيها مكلما للمرسل إليه؛ إلا أن ينوي الحالف المواجهة بالخطاب. قال ابن المنذر: واختلفوا في الرجل يحلف ألا يكلم فلانا فكتب إليه كتابا أوأرسل إليه رسولا؛ فقال الثوري: الرسول ليس بكلام. وقال الشافعي: لا يبين أن يحنث. وقال النخعي: والحكم في الكتاب يحنث. وقل له مالك: يحنث في الكتاب والرسول. وقال مرة: الرسول أسهل من الكتاب. وقال أبو عبيد: الكلام سوى الخط والإشارة. وقال أبو ثور: لا يحنث في الكتاب. قال ابن المنذر: لا يحنث في الكتاب والرسول.

قلت: وهو قول مالك. قال أبو عمر: ومن حلف ألا يكلم رجلا فسلم عليه عامدا أو ساهيا، أو سلم على جماعة هو فيهم فقد حنث في ذلك كله عند مالك. وإن أرسل إليه رسولا أو سلم عليه في الصلاة لم يحنث.

قلت: يحنث في الرسول إلا أن ينوي المشافهة؛ للآية، وهو قول مالك وابن الماجشون. وقد مضى في أول « سورة مريم » هذا المعنى عن علمائنا مستوفى، والحمد لله.

الآيات: 52 - 53 ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور )
قوله تعالى: « وكذلك أوحينا إليك » أي وكالذي أوحينا إلى الأنبياء من قبلك أوحينا إليك « روحا » أي نبوة؛ قاله ابن عباس. الحسن وقتادة: رحمة من عندنا. السدي: وحيا. الكلبي: كتابا. الربيع: هو جبريل. الضحاك: هو القرآن. وهو قول مالك بن دينار. وسماه روحا لأن فيه حياة من موت الجهل. وجعله من أمره بمعنى أنزل كما شاء على من يشاء من النظم المعجز والتأليف المعجب. ويمكن أن يحمل قوله: « ويسألونك عن الروح » [ الإسراء: 85 ] على القرآن أيضا « قل الروح من أمر ربي » [ الإسراء: 85 ] أي يسألونك من أين لك هذا القرآن، قل إنه من أمر الله أنزل علي معجزا؛ ذكره القشيري. وكان مالك بن دينار يقول: يا أهل القرآن، ماذا زرع القرآن في قلوبكم ؟ فإن القرآن ربيع القلوب كما أن الغيث ربيع الأرض.
قوله تعالى: « ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان » أي لم تكن تعرف الطريق إلى الإيمان. وظاهر هذا يدل على أنه ما كان قبل الإيحاء متصفا بالإيمان. قال القشيري: وهو من مجوزات العقول، والذي صار إليه المعظم أن الله ما بعث نبيا إلا كان مؤمنا به قبل البعثة. وفيه تحكم، إلا أن يثبت ذلك بتوقيف مقطوع به. قال القاضي أبو الفضل عياض وأما عصمتهم من هذا الفن قبل النبوة فللناس فيه خلاف؛ والصواب أنهم معصومون قبل النبوة من الجهل بالله وصفاته والتشكك في شيء من ذلك. وقد تعاضدت الأخبار والآثار عن الأنبياء بتنزيههم عن هذه النقيصة منذ ولدوا؛ ونشأتهم على التوحيد والإيمان، بل على إشراق أنوار المعارف ونفحات ألطاف السعادة، ومن طالع سيرهم منذ صباهم إلى مبعثهم حقق ذلك؛ كما عرف من حال موسى وعيسى ويحيى وسليمان وغيرهم عليهم السلام. قال الله تعالى: « وآتيناه الحكم صبيا » [ مريم: 12 ] قال المفسرون: أعطي يحيى العلم بكتاب الله في حال صباه. قال معمر: كان ابن سنتين أوثلاث؛ فقال له الصبيان: لم لا تلعب ! فقال: أللعب خلقت ! وقيل في قوله: « مصدقا بكلمة من الله » [ آل عمران: 39 ] صدق يحيى بعيسى وهو بن ثلاث سنين، فشهد له أنه كلمة الله وروحه وقيل: صدقه وهو في بطن أمه؛ فكانت أم يحيى تقول لمريم إني أجد ما في بطني يسجد لما في بطنك تحية له. وقد نص الله على كلام عيسى لأمه عند ولآدتها إياه بقول: « ألا تحزني » [ مريم: 24 ] على قراءة من قرأ « من تحتها » ، وعلى قول من قال: إن المنادى عيسى ونص على كلامه في مهده فقال: « إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا » [ مريم: 30 ] . وقال « ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما » [ الأنبياء: 79 ] وقد ذكر من حكم سليمان وهو صبي يلعب في قصة المرجومة وفي قصة الصبي ما اقتدى به أبوه داود. وحكى الطبري أن عمره كان حين أوتي الملك اثني عشر عاما. وكذلك قصة موسى عليه السلام مع فرعون وأخذه بلحيته وهو طفل. وقال المفسرون في قوله تعالى: « ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل » [ الأنبياء: 51 ] : أي هديناه صغيرا؛ قال مجاهد وغيره. وقال ابن عطاء: اصطفاه قبل إبداء خلقه.

وقال بعضهم: لما ولد إبراهيم بعث الله إليه ملكا يأمره عن الله تعالى أن يعرفه بقلبه ويذكره بلسانه فقال: قد فعلت؛ ولم يقل أفعل؛ فذلك رشده. وقيل: إن إلقاء إبراهيم في النار ومحنته كانت وهو ابن ست عشره سنة. وإن ابتلاء إسحاق بالذبح وهو ابن سبع سنين. وأن استدلال إبراهيم بالكوكب والقمر والشمس كان وهو ابن خمس عشرة سنة. وقيل أوحي إلى يوسف وهو صبي عند ما هم إخوته بإلقائه في الجب بقوله تعالى: « وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا » [ يوسف: 15 ] الآية؛ إلى غير ذلك من أخبارهم. وقد حكى أهل السير أن أمنة بنت وهب أخبرت أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم ولد حين ولد باسطا يديه إلى الأرض رافعا رأسه إلى السماء، وقال في حديثه صلى الله عليه وسلم: ( لما نشأت بغضت إلي الأوثان وبغض إلي الشعر ولم أهم بشيء مما كانت الجاهلية تفعله إلا مرتين فعصمني الله منهما ثم لم أعد ) . ثم يتمكن الأمر لهم، وتترادف نفحات الله تعالى عليهم، وتشرق أنوار المعارف في قلوبهم حتى يصلوا الغاية ويبلغوا باصطفاء الله تعالى لهم بالنبوة في تحصيل الخصال الشريفة النهاية دون، ممارسة ولا رياضة. قال الله تعالى: « ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما » [ يوسف: 22 ] . قال القاضي: ولم ينقل أحد من أهل الأخبار أن أحدا نبئ واصطفي ممن عرف بكفر وإشراك قبل ذلك. ومستند هذا الباب النقل. وقد استدل بعضهم بأن القلوب تنفر عمن كانت هذه سبيله. فال القاضي: وأنا أقول إن قريشا قد رمت نبينا عليه السلام بكل ما افترته، وعير كفار الأمم أنبياءها بكل ما أمكنها واختلقته، مما نص الله عليه أو نقلته إلينا الرواة، ولم نجد في شيء من ذلك تعييرا لواحد منهم برفضه آلهتهم وتقريعه بذمه بترك ما كان قد جامعهم عليه. ولوكان هذا لكانوا بذلك مبادرين، وبتلونه في معبوده محتجين، ولكان توبيخهم له بنهيهم عما كان يعبد قبل أفظع وأقطع في الحجة من توبيخه بنهيهم عن تركه آلهتهم وما كان يعبد آباؤهم من قبل؛ ففي إطباقهم على الإعراض عنه دليل على أنهم لم يجدوا سبيلا إليه؛ إذ لو كان لنقل وما سكتوا عنه كما لم يسكتوا عن تحويل القبلة وقالوا: « ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها » [ البقرة: 142 ] كما حكاه الله عنهم.
وتكلم العلماء في نبينا صلى الله عليه وسلم؛ هل كان متعبدا بدين قبل الوحي أم لا؛ فمنهم من منع ذلك مطلقا وأحاله عقلا. قالوا: لأنه مبعد أن يكون متبوعا من عرف تابعا، وبنوا هذا على التحسين والتقبيح. وقالت فرقة أخرى: بالوقف في أمره عليه السلام وترك قطع الحكم عليه بشيء في ذلك، إذ لم يحل الوجهين منهما العقل ولا استبان عندها في أحدهما طريق النقل، وهذا مذهب أبي المعالي. وقالت فرقة ثالثة: إنه كان متعبدا بشرع من قبله وعاملا به؛ ثم اختلف هؤلاء في التعيين، فذهبت طائفة إلى أنه كان على دين عيسى فإنه ناسخ لجميع الأديان والملل قبلها؛ فلا يجوز أن يكون النبي على دين منسوخ. وذهبت طائفة إلى أنه كان على دين إبراهيم؛ لأنه من ولده وهو أبو الأنبياء. وذهبت طائفة إلى أنه كان على دين موسى؛ لأنه أقدم الأديان. وذهبت المعتزلة إلى أنه لا بد أن يكون على دين ولكن عين الدين غير معلومة عندنا. وقد أبطل هذه الأقوال كلها أئمتنا؛ إذ هي أقوال متعارضة وليس فيها دلالة قاطعة،وإن كان العقل يجوز ذلك كله. والذي يقطع به أنه عليه السلام لم يكن منسوبا إلى واحد من الأنبياء نسبة تقتضي أن يكون واحدا من أمته ومخاطبا بكل شريعته؛ بل شريعته مستقلة بنفسها مفتتحة من عند الله الحاكم جل وعز وأنه صلى الله عليه وسلم كان مؤمنا بالله عز وجل، ولا سجد لصنم، ولا أشرك بالله، ولا زنى ولا شرب الخمر، ولا شهد السامر ولا حضر حلف المطر ولا حلف المطيبين؛ بل نزهه الله وصانه عن ذلك. فإن قيل: فقد روى عثمان بن أبي شيبة حديثا بسنده عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يشهد مع المشركين مشاهدهم، فسمع ملكين خلفه أحدهما يقول لصاحبه: أذهب حتى تقوم خلفه، فقال الآخر: كيف أقوم خلفه وعهده باستلام الأصنام فلم يشهدهم بعد؟ فالجواب أن هذا حديث أنكره الإمام أحمد بن حنبل جدا وقال: هذا موضوع أوشبيه بالموضوع. وقال الدارقطني: إن عثمان وهم في إسناده، والحديث بالجملة منكر غير متفق على إسناده فلا يلتفت إليه، والمعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه عند أهل العلم من قوله: ( بغضت إلي الأصنام ) وقوله في قصة بحيرا حين استحلف النبي صلى الله عليه وسلم باللات والعزى إذ لقيه بالشام في سفرته مع عمه أبي طالب وهو صبي، ورأى فيه علامات النبوة فاختبره بذلك؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تسألني بهما فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما ) فقال له بحيرا: فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، فقال: ( سل عما بدا لك ) . وكذلك المعروف من سيرته عليه السلام وتوفيق الله إياه له أنه كان قبل نبوته يخالف المشركين في وقوفهم بمزدلفة في الحج، وكان يقف هو بعرفة، لأنه كان موقف إبراهيم عليه السلام. فإن قيل: فقد قال الله تعالى: « قل بل ملة إبراهيم » [ البقرة: 135 ] وقال: « أن اتبع ملة إبراهيم » [ النحل: 12 ] وقال: « شرع لكم من الدين » [ الشورى: 13 ] الآية. وهذا يقتضي أن يكون متعبدا بشرع. فالجواب أن ذلك فيما لا تختلف فيه الشرائع من التوحيد وإقامة الدين؛ على ما تقدم بيانه في غير موضع وفي هذه السورة عند قوله: « شرع لكم من الدين » [ الشورى: 13 ] والجمد لله.
إذا تقرر هذا فاعلم أن العلماء اختلفوا في تأويل قوله تعالى: « ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان » . فقال جماعة: معنى الإيمان في هذه الآية شرائع الإيمان ومعالمه؛ ذكره الثعلبي. وقيل: تفاصيل هذا الفرع؛ أي كنت غافلا عن هذه التفاصيل. ويجوز إطلاق لفظ الإيمان على تفاصيل الشرع؛ ذكره القشيري: وقيل: ما كنت تدري قبل الوحي أن تقرأ القرآن، ولا كيف تدعو الخلق إلى الإيمان؛ ونحوه عن أبي العالية. وقال بكر القاضي: ولا الإيمان الذي هو الفرائض والأحكام. قال: وكان قبل مؤمنا بتوحيده ثم نزلت الفرائض التي لم يكن يدريها قبل؛ فزاد بالتكليف إيمانا. وهذه الأقوال الأربعة متقاربة. وقال ابن خزيمة: عنى بالإيمان الصلاة؛ لقوله تعالى: « وما كان الله ليضيع إيمانكم » [ البقرة: 143 ] أي صلاتكم إلى بيت المقدس؛ فيكون اللفظ عاما والمراد الخصوصي. وقال الحسين بن الفضل: أي ما كنت تدري ما الكتاب ولا أهل الإيمان. وهو من باب حذف المضاف؛ أي من الذي يؤمن ؟ أبو طالب أو العباس أوغيرهما. وقيل: ما كنت تدري شيئا إذ كنت في المهد وقبل البلوغ. وحكى الماوردي نحوه عن علي بن عيسى قال: ما كنت تدري ما الكتاب لولا الرسالة، ولا الإيمان لولا البلوغ. وقيل: ما كنت تدري ما الكتاب لولا إنعامنا عليك، ولا الإيمان لولا هدايتنا لك، وهو محتمل. وفي هذا الإيمان وجهان: أحدهما: أنه الإيمان بالله، وهذا يعرفه بعد بلوغه وقبل نبوته. والثاني: أنه دين الإسلام، وهذا لا يعرفه إلا بعد النبوة.

قلت: الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان مؤمنا بالله عز وجل من حين نشأ إلى حين بلوغه؛ على ما تقدم. وقيل: « ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان » أي كنت من قوم أميين لا يعرفون الكتاب ولا الإيمان، حتى تكون قد أخذت ما جئتهم به عمن كان يعلم ذلك منهم؛ وهو كقوله تعالى: « وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون » [ العنكبوت: 48 ] روي معناه عن ابن عباس رضي الله عنهما. « ولكن جعلناه » قال ابن عباس والضحاك: يعني الإيمان. السدي: القرآن وقيل الوحي؛ أي جعلنا هذا الوحي « نورا نهدي به من نشاء من عبادنا » أي من نختاره للنبوة؛ كقوله تعالى: « يختص برحمته من يشاء » [ آل عمران: 74 ] . ووحد الكتابة لأن الفعل في كثرة أسمائه بمنزلة الفعل في الاسم الواحد؛ ألا ترى أنك تقول: إقبالك وإدبارك يعجبني؛ فتوحد، وهما اثنان. « وإنك لتهدي » أي تدعو وترشد « إلى صراط مستقيم » دين قويم لا اعوجاج فيه. وقال علي: إلى كتاب مستقيم. وقرأ عاصم الجحدري وحوشب « وإنك لتهدى » غير مسمى الفاعل؛ أي لتدعى. الباقون « لتهدي » مسمى الفاعل. وفي قراءة أبي « وإنك لتدعو » . قال النحاس: وهذا لا يقرأ به؛ لأنه مخالف للسواد، وإنما يحمل ما كان مثله على أنه من قائله على جهة التفسير؛ كما قال: « وإنك لتهدي » أي لتدعو. وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى: « وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم » قال: « ولكل قوم هاد » [ الرعد: 7 ] . « صراط الله » بدل من الأول بدل المعرفة من النكرة. قال على: هو القرآن. وقيل الإسلام. ورواه النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم. « الذي له ما في السماوات وما في الأرض » ملكا وعبدا وخلقا. « ألا إلى الله تصير الأمور » وعيد بالبعث والجزاء. قال سهل بن أبي الجعد: احترق مصحف فلم يبق إلا قوله: « ألا إلى الله تصير الأمور » وغرق مصحف فأمحى كله إلا قوله: « ألا إلى الله تصير الأمور » . والحمد لله وحده.
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الأحد سبتمبر 08, 2013 12:03 am

تفسير سورة الزخرف للقرطبى
========

مقدمة السورة
مكية بإجماع. وقال مقاتل: إلا قوله: « واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا » [ الزخرف: 45 ] . وهي تسع وثمانون آية.

الآيات: 1 - 3 ( حم، والكتاب المبين، إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون )
قوله تعالى: « حم، والكتاب المبين » تقدم. وقيل: « حم » قسم. « والكتاب المبين » قسم ثان؛ ولله أن يقسم بما شاء. والجواب « إنا جعلناه » . وقال ابن الأنباري: من جعل جواب « والكتاب » « حم » - كما تقول نزل والله وجب والله - وقف على « الكتاب المبين » . ومن جعل جواب القسم « إنا جعلناه » لم يقف على « الكتاب المبين » . ومعنى: « جعلناه » أي سميناه ووصفناه؛ ولذلك تعدى إلى مفعولين؛ كقوله تعالى: « ما جعل الله من بحيرة » [ المائدة: 103 ] . وقال السدي: أي أنزلناه قرآنا. مجاهد: قلناه الزجاج وسفيان الثوري: بيناه. « عربيا » أي أنزلناه بلسان العرب؛ لأن كل نبي أنزل كتابه بلسان قومه؛ قال سفيان الثوري وغيره. وقال مقاتل: لأن لسان أهل السماء عربي. وقيل: المراد بالكتاب جميع الكتب المنزلة على الأنبياء؛ لأن الكتاب اسم جنس فكأنه أقسم بجميع ما أنزل من الكتب أنه جعل القرآن عربيا.

والكناية في قوله: « جعلناه » ترجع إلى القرآن وإن لم يجر له ذكر في هذه السورة؛ كقوله تعالى: « إنا أنزلناه في ليلة القدر » . [ القدر: 1 ] . « لعلكم تعقلون » أي تفهمون أحكامه ومعانيه. فعلى هذا القول يكون خاصا للعرب دون العجم؛ قال ابن عيسى.

وقال ابن زيد: المعنى لعلكم تتفكرون؛ فعلى هذا يكون خطابا عاما للعرب والعجم. ونعت الكتاب بالمبين لأن الله بين فيه أحكامه وفرائضه؛ على ما تقدم في غير موضع.

الآية: 4 ( وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم )
قوله تعالى: « وإنه في أم الكتاب » يعني القرآن في اللوح المحفوظ « لدينا » عندنا

« لعلي حكيم » أي رفيع محكم لا يوجد فيه اختلاف ولا تناقض؛ قال الله تعالى: « إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون » [ الواقعة:78 ] وقال تعالى: « بل هو قرآن مجيد. في لوح محفوظ » [ البروج:22 ] . وقال ابن جريج: المراد بقوله تعالى: « وإنه » أي أعمال الخلق من إيمان وكفر وطاعة ومعصية. « لعلي » أي رفيع عن أن ينال فيبدل « حكيم » أي محفوظ من نقص أو تغيير. وقال ابن عباس: أول ما خلق الله القلم فأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق؛ فالكتاب عنده؛ ثم قرأ « وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم » . وكسر الهمزة من « أم الكتاب » حمزة والكسائي. وضم الباقون، وقد تقدم.

الآية: 5 ( أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين )
قوله تعالى: « أفنضرب عنكم الذكر صفحا » يعني: القرآن؛ عن الضحاك وغيره. وقيل: المراد بالذكر العذاب؛ أي أفنضرب عنكم العذاب ولا نعاقبكم على إسرافكم وكفركم؛ قال مجاهد وأبو صالح والسدي، ورواه العوفي عن ابن عباس. وقال ابن عباس: المعنى أفحسبتم أن نصفح عنكم العذاب ولما تفعلوا ما أمرتم به. وعنه أيضا أن المعنى أتكذبون بالقرآن ولا تعاقبون. وقال السدي أيضا: المعنى أفنترككم سدى فلا نأمركم ولا ننهاكم. وقال قتادة: المعنى أفنهلككم ولا نأمركم ولا ننهاكم. وعنه أيضا: أفنمسك عن إنزال القرآن من قبل أنكم لا تؤمنون به فلا ننزله عليكم. وقال ابن زيد. قال قتادة: والله لو كان هذا القرآن رفع حين رددته أوائل هذه الأمة لهلكوا، ولكن الله ردده وكرره عليهم برحمته. وقال الكسائي: أفنطوي عنكم الذكر طيا فلا توعظون ولا تؤمرون. وقيل: الذكر التذكر؛ فكأنه قال: أنترك تذكيركم لأن كنتم قوما مسرفين؛ في قراءة من فتح. ومن كسر جعلها للشرط وما قبلها جوابا لها؛ لأنها لم تعمل في اللفظ. ونظيره: « وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين » [ البقرة: 278 ] وقيل: الجواب محذوف دل عليه تقدم؛ كما تقول: أنت ظالم إن فعلت. ومعنى الكسر عند الزجاج الحال؛ لأن في الكلام معنى التقرير والتوبيخ. ومعنى « صفحا » إعراضا؛ يقال صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه. وقد ضربت عنه صفحا إذا أعرضت عنه وتركته. والأصل، فيه صفحة العنق؛ يقال: أعرضت عنه أي وليته صفحه عنقي. قال الشاعر:

صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة فمن مل منها ذلك الوصل ملت

وانتصب « صفحا » على المصدر لأن معنى أفنضرب « أفنصفح. وقيل: التقدير أفنضرب عنكم الذكر صافحين، كما يقال: جاء فلان مشيا. ومعنى: » مسرفين « مشركين. واختار أبو عبيدة الفتح في » أن « وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وابن عامر، قال: لأن الله تعالى عاتبهم على ما كان منهم، وعلمه قبل ذلك من فعلهم.»

الآيات: 6 - 8 ( وكم أرسلنا من نبي في الأولين، وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون، فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين )
قوله تعالى: « وكم أرسلنا من نبي في الأولين » « كم » هنا خبرية والمراد بها التكثير؛ والمعنى ما أكثر ما أرسلنا من الأنبياء. كما قال: « كم تركوا من جنات وعيون » [ الدخان: 25 ] أي ما أكثر ما تركوا. « وما يأتيهم من نبي » أي لم يكن يأتيهم نبي « إلا كانوا به يستهزؤون » كاستهزاء قومك بك. يعزي نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ويسليه. « فأهلكنا أشد منهم بطشا » أي قوما أشد منهم قوة. والكناية في « منهم » ترجع إلى المشركين المخاطبين بقوله: « أفنضرب عنكم الذكر صفحا » فكنى عنهم بعد أن خاطبهم. و « أشد » نصب على الحال. وقيل: هو مفعول؛ أي فقد أهلكنا أقوى من هؤلاء المشركين في أبدانهم وأتباعهم. « ومضى مثل الأولين » أي عقوبتهم؛ عن قتادة وقيل: صفحة الأولين؛ فخبرهم بأنهم أهلكوا على كفرهم؛ حكاه النقاش والمهدوي. والمثل: الوصف والخبر.

الآية: 9 ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم )
قوله تعالى: « ولئن سألتهم » يعني المشركين. « من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم » فأقروا له بالخلق والإيجاد، ثم عبدوا معه غيره جهلا منهم.

الآية: 10 ( الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون )
قوله تعالى: « الذي جعل لكم الأرض مهادا » وصف نفسه سبحانه بكمال القدرة. وهذا ابتداء إخبار منه عن نفسه، ولو كان هذا إخبارا عن قول الكفار لقال الذي جعل لنا الأرض « مهادا » فراشا وبساطا. وقد تقدم. وقرأ الكوفيون « مهدا » « وجعل لكم فيها سبلا » أي معايش. وقيل طرقا، لتسلكوا منها إلى حيث أردتم.
قوله تعالى: « لعلكم تهتدون » فتستدلون بمقدوراته على قدرته. وقيل: « لعلكم تهتدون » في أسفاركم؛ قال ابن عيسى. وقيل: لعلكم تعرفون نعمة الله عليكم؛ قاله سعيد بن جبير. وقيل: تهتدون إلى معايشكم.

الآية: 11 ( والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون )
قوله تعالى: « والذي نزل من السماء ماء بقدر » قال ابن عباس: أي لا كما أنزل على قوم نوح بغير قدر حتى أغرقهم، بل هو بقدر لا طوفان مغرق ولا قاصر عن الحاجة، حتى يكون معاشا لكم ولأنعامكم. « فأنشرنا » أي أحيينا. « به » أي بالماء.

« بلدة ميتا » أي مقفرة من النبات. « كذلك تخرجون » أي من قبوركم؛ لأن من قدر على هذا قدر على ذلك. وقد مضى في « الأعراف » مجودا. وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي وابن ذكوان عن ابن عامر « يخرجون » بفتح الياء وضم الراء. الباقون على الفعل المجهول.

الآيات: 12 - 14 ( والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون، لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون )
قوله تعالى: « والذي خلق الأزواج » أي والله الذي خلق الأزواج. قال سعيد بن جبير: أي الأصناف كلها. وقال الحسن: الشتاء والصيف والليل والنهار والسموات والأرض والشمس والقمر والجنة والنار. وقيل: أزواج الحيوان من ذكر وأنثى؛ قال ابن عيسى. وقيل: أراد أزواج النبات؛ كما قال تعالى: « وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج » [ ق: 7 ] و « من كل زوج كريم » [ لقمان: 10 ] . وقيل: ما يتقلب فيه الإنسان من خير وشر، وإيمان وكفر، ونفع وضر، وفقر وغنى، وصحة وسقم.

قلت: وهذا القول يعم الأقوال كلها ويجمعها بعمومه.
قوله تعالى: « وجعل لكم من الفلك » السفن « والأنعام » الإبل « ما تركبون » في البر والبحر. « لتستووا على ظهوره » ذكر الكناية لأنه رده إلى ما في قوله: « ما تركبون » ؛ قال أبو عبيد. وقال الفراء: أضاف الظهور إلى واحد لأن المراد به الجنس، فصار الواحد في معنى الجمع بمنزلة الجيش والجند؛ فلذلك ذكر، وجمع الظهور، أي على ظهور هذا الجنس.
قال سعيد بن جبير: الأنعام هنا الإبل والبقر. وقال أبو معاذ: الإبل وحدها؛ وهو الصحيح لقوله عليه السلام: بينما رجل راكب بقرة إذ قالت له لم أخلق لهذا إنما خلقت للحرث فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( آمنت بذلك أنا وأبو بكر وعمر ) . وما هما في القوم. وقد مضى هذا.
قوله تعالى: « لتستووا على ظهوره » يعني به الإبل خاصة بدليل ما ذكرنا. ولأن الفلك إنما تركب بطونها، ولكنه ذكرهما جميعا في أول الآية وعطف أخرها على أحدهما. ويحتمل أن يجعل ظاهرها باطنها؛ لأن الماء غمره وستره وباطنها ظاهرا؛ لأنه أنكشف الظاهرين وظهر للمبصرين.
قوله تعالى: « ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه » أي ركبتم عليه وذكر النعمة هو الحمد لله على تسخير ذلك لنا في البر والبحر. « وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين » « وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا » أي ذلل لنا هذا المركب. وفي قراءة علي بن أبي طالب « سبحان من سخر لنا هذا » . « وما كنا له مقرنين » أي مطيقين؛ في قول ابن عباس والكلبي. وقال الأخفش وأبو عبيدة: « مقرنين » ضابطين. وقيل: مماثلين في الأيد والقوة؛ من قولهم: هو قرن فلان إذا كان مثله في القوة. ويقال: فلان مقرن لفلان أي ضابط له. وأقرنت كذا أي أطقته. وأقرن له أي أطاقه وقوي عليه؛ كأنه صار له قرنا. قال الله تعالى: « وما كنا له مقرنين » أي مطيقين. وأنشد قطرب قول عمرو بن معد يكرب:
لقد علم القبائل ما عقيل لنا في النائبات بمقرنينا

وقال آخر:
وكبتم صعبتي أشرا وحيفا ولستم للصعاب بمقرنينا
والمقرن أيضا: الذي غلبته ضيعته؛ يكون له إبل أو غنم ولا معين له عليها، أو يكون يسقي إبله ولا ذائد له يذودها. قال ابن السكيت: وفي أصله قولان: أحدهما: أنه مأخوذ من الإقران؛ يقال: أقرن يقرن إقرانا إذا أطاق. وأقرنت كذا إذا أطقته وحكمته؛ كأنه جعله في قرن - وهو الحبل - فأوثقه به وشده. والثاني: أنه مأخوذ من المقارنة وهو أن يقرن بعضها ببعض في السير؛ يقال: قرنت كذا بكذا إذا ربطته به وجعلته قرينه.
علمنا الله سبحانه ما نقول إذا ركبنا الدواب، وعرفنا في آية أخرى على لسان نوح عليه السلام ما نقول إذا ركبنا السفن؛ وهي قوله تعالى: « وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم » [ هود: 41 ] فكم من راكب دابة عثرت به أو شمست أو تقحمت أو طاح من ظهرها فهلك. وكم من راكبين في سفينة أنكسرت بهم فغرقوا. فلما كان الركوب مباشرة أمر محظور واتصالا بأسباب من أسباب التلف أمر ألا ينسى عند أتصال به يومه، وأنه هالك لا محالة فمنقلب إلى الله عز وجل غير منفلت من قضائه. ولا يدع ذكر ذلك بقلبه ولسانه حتى يكون مستعدا للقاء الله بإصلاحه من نفسه. والحذر من أن يكون وركوبه ذلك من أسباب موته في علم الله وهو غافل عنه. حكى سليمان بن يسار أن قوما في سفر فكانوا إذا ركبوا قالوا: « سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين » وكان فيهم رجل على ناقة له رازم - وهي التي لا تتحرك هزالا، الرازم من الإبل: الثابت على الأرض لا يقوم من الهزال. أو قد رزمت الناقة ترزم وترزم رزوما ورزاما: قامت من الإعياء والهزال فلم تتحرك؛ فهي رازم. قال الجوهري في الصحاح. فقال: أما أنا فاني لهذه لمقرن، قال: فقمصت به فدقت عنقه. وروي أن أعرابيا ركب قعودا له وقال إني لمقرن له فركضت به القعود حتى صرعته فاندقت عنقه. ذكر الأول الماوردي والثاني ابن العربي. قال: وما ينبغي لعبد أن يدع قول هذا وليس بواجب ذكره باللسان؛ فيقول متى ركب وخاصة في السفر إذا تذكر: « سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له بمقرنين. وإنا إلى ربنا لمنقلبون » اللهم أنت الصاحب في السفر، والحليفة في الأهل والمال، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والجور بعد الكور، وسوء المنظر في الأهل والمال؛ يعني بـ « الجور بعد الكور » تشتت أمر الرجل بعد اجتماعه. وقال عمرو بن دينار: ركبت مع أبي جعفر إلى أرض له نحو حائط يقال لها مدركة، فركب على جمل صعب فقلت له: أبا جعفر ! أما تخاف أن يصرعك ؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( على سنام كل بعير شيطان إذا ركبتموها فاذكروا اسم الله كما أمركم ثم أمتهنوها لأنفسكم فإنما يحمل الله ) . وقال علي بن ربيعة: شهدت علي بن أبي طالب ركب دابة يوما فلما وضع رجله في الركاب قال: باسم الله، فلما استوى على الدابة قال الحمد لله، ثم قال: « سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. وإنا إلى ربنا لمنقلبون » ثم قال: الحمد لله والله أكبر - ثلاثا - اللهم لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لى إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت؛ ثم ضحك فقلت له: ما أضحكك ؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت، وقال كما قلت؛ ثم ضحك فقلت له ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ( العبد - أو قال - عجبا لعبد أن يقول اللهم لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيره ) . خرجه أبو داود الطيالسي في مسنده، وأبو عبدالله محمد بن خويزمنداد في أحكامه. وذكر الثعلبي له نحوه مختصرا عن علي رضي الله عنه، ولفظه عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع رجله في الركاب قال: ( باسم الله - فإذا استوى قال - الحمد لله على كل حال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون وإذا نزلتم من الفلك والأنعام فقولوا اللهم أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ) . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: من ركب ولم يقل « سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين » قال له الشيطان تغنه؛ فإن لم يحسن قال له تمنه؛ ذكره النحاس. ويستعيذ بالله من مقام من يقول لقرنائه: تعالوا نتنزه على الخيل أوفي بعض الزوارق؛ فيركبون حاملين مع أنفسهم أواني الخمر والمعازف، فلا يزالون يستقون حتى تمل طلاهم وهم على ظهور الدواب أو في بطون السفن وهي تجري بهم؛ لا يذكرون إلا الشيطان، ولا يمتثلون إلا أوامره. الزمخشري: ولقد بلغني أن بعض السلاطين ركب وهو يشرب الخمر من بلد إلى بلد بينهما مسيرة شهر، فلم يصح إلا بعد ما أطمأنت به الدار، فلم يشعر بمسيره ولا أحس به؛ فكيف بين فعل أولئك الراكبين وبين ما أمر به في هذه الآية ! ؟
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الإثنين سبتمبر 09, 2013 1:18 am

تابع تفسير القرطبى لسورة الزخرف
==========


الآية: 15 ( وجعلوا له من عباده جزء إن الإنسان لكفور مبين )
قوله تعالى: « وجعلوا له من عباده جزءا » أي عدلا؛ عن قتادة. يعني ما عبد من دون الله عز وجل. الزجاج والمبرد: الجزء ها هنا البنات؛ عجب المؤمنين من جهلهم إذا أقروا بأن خالق السموات والأرض هو الله ثم جعلوا له شريكا أو ولدا، ولم يعلموا أن من قدر على خلق السموات والأرض لا يحتاج إلى شيء يعتضد به أو: يستأنس به؛ لأن هذا من صفات النقص. قال الماوردي: والجزء عند أهل العربية البنات؛ يقال: قد أجزأت المرأة إذا ولدت البنات؛ قال الشاعر:

إن أجزأت المرأة يوما فلا عجب قد تجزئ الحرة المذكار أحيانا

الزمخشري: ومن بدع التفاسير تفسير الجزء بالإناث، وادعاء أن الجزء في لغة العرب اسم للإناث، وما هو إلا كذب على العرب ووضع مستحدث متحول، ولم يقنعهم ذلك حتى اشتقوا منه: أجزأت المرأة، ثم صنعوا بيتا، وبيتا:

إن أجزأت حرة يوما فلا عجب

زوجتها من بنات الأوس مجزئة

وإنما قوله: « وجعلوا له من عباده جزاء » متصل بقوله: « ولئن سألتهم » أي ولئن سألتهم عن خالق السموات والأرض ليعترفن به؛ وقد جعلوا له مع ذلك الاعتراف من عباده جزءا فوصفوه بصفات المخلوقين. ومعنى « من عباده جزءا » أن قالوا الملائكة بنات الله؛ فجعلوهم جزءا له وبعضا، كما يكون الولد بضعة من والده وجزءا له. وقرئ « جزؤا » بضمتين. « إن الإنسان » يعني الكافر. « لكفور مبين » قال الحسن: يعد المصائب وينسى النعم. « مبين » مظهر الكفر.

الآية: 16 ( أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين )
قوله تعالى: « أم اتخذ مما يخلق بنات » الميم صلة؛ تقديره أتخذ مما يخلق بنات كما زعمتم أن الملائكة بنات الله؛ فلفظه الاستفهام ومعناه التوبيخ. « وأصفاكم بالبنين » أي اختصكم وأخلصكم بالبنين؛ يقال: أصفيته بكذا؛أي آثرته به. وأصفيته الود أخلصته له. وتصافينا تخالصنا. عجب من إضافتهم إلى الله اختيار البنات مع اختيارهم لأنفسهم البنين، وهو مقدس عن أن يكون له ولد إن توهم جاهل أنه اتخذ لنفسه ولدا فهلا أضاف إليه أرفع الجنسين ! ولم جعل هؤلاء لأنفسهم أشرف الجنسين وله الأخس ؟ وهذا كما قال تعالى: « ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى » [ النجم:22 ] .

الآية: 17 ( وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم )
قوله تعالى: « وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا » أي بأنه ولدت له بنت « ظل وجهه » أي صار وجهه « مسودا » قيل ببطلان مثله الذي ضربه. وقيل: بما بشر به من الأنثى؛ دليله في سورة النحل: « وإذا بشر أحدهم بالأنثى » [ النحل: 58 ] . ومن حالهم أن أحدهم إذا قيل له قد ولدت له أنثى اغتم وأربد وجهه غيظا وتأسفا وهو مملوء من الكرب. وعن بعض العرب أن امرأته وضعت أنثى فهجر البيت الذي فيه المرأة فقالت:

ما لأبي حمزة لا يأتينا يظل في البيت الذي يلينا

غضبان ألا نلد البنينا وإنما نأخذ ما أعطينا

وقرئ « مسودٌ، ومسوادٌ » . وعلى قراءة الجماعة يكون وجهه اسم « ظل » و « مسودا » خبر « ظل » . ويجوز أن يكون في « ظل » ضمير عائد على أحد وهو اسمها، و « وجهه » بدل من الضمير، و « مسودا » خبر « ظل » . ويجوز أن يكون رفع « وجهه » بالابتداء ويرفع « مسودا » على أنه خبره، وفي « ظل » اسمها والجملة خبرها. « وهو كظيم » أي حزين؛ قال قتادة. وقيل مكروب؛ قال عكرمة وقيل ساكت؛ قال ابن أبي حاتم؛ وذلك لفساد مثله وبطلان حجته. ومن أجاز أن تكون الملائكة بنات الله فقد جعل الملائكة شبها لله؛ لأن الولد من جنس الوالد وشبهه. ومن أسود وجهه بما يضاف إليه مما لا يرضى، أولى من أن يسود وجهه بإضافة مثل ذلك إلى من هو أجل منه؛ فكيف إلى الله عز وجل ! وقد مضى في « النحل » في معنى هذه الآية ما فيه كفاية.

الآيات: 18 - 19 ( أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين، وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون )
قوله تعالى: « أومن ينشأ » أي يربى ويشب. والنشوء: التربية؛ يقال: نشأت في بني فلان نشأ ونشوءا إذا شببت فيهم. ونشئ وأنشئ بمعنى. وقرأ ابن عباس والضحاك وابن وثاب وحفص وحمزة والكسائي وخلف « ينشأ » بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين؛ أي يربى ويكبر في الحلية. واختاره أبو عبيد، لأن الإسناد أيها أعلى. وقرأ الباقون « ينشأ » بفتح الياء وإسكان النون، واختاره أبو حاتم، أي يرسخ وينبت، وأصله من نشأ أي ارتفع، قال الهروي. فـ « ينشأ » متعد، و « ينشأ » لازم.
قوله تعالى: « في الحلية » أي في الزينة. قال ابن عباس وغيره: هن الجواري زيهن غير زي الرجال. قال مجاهد: رخص للنساء في الذهب والحرير؛ وقرأ هذه الآية. قال الكيا: فيه دلالة على إباحة الحلي للنساء، والإجماع منعقد عليه والأخبار فيه لا تحصى.

قلت: روي عن أبي هريرة أنه كان يقول لابنته: يا بنية، إياك والتحلي بالذهب ! فإني أخاف عليك اللهب.
قوله تعالى: « وهو في الخصام غير مبين » أي في المجادلة والإدلاء بالحجة. قال قتادة، ما تكلمت امرأة ولها حجة إلا جعلتها على نفسها. وفي مصحف عبدالله « وهو في الكلام غير مبين » . ومعنى الآية: أيضاف إلى الله من هذا وصفه! أي لا يجوز ذلك. وقيل: المنشأ في الحلية أصنامهم التي صاغوها من ذهب وفضة وحلوها؛ قال ابن زيد والضحاك. ويكون معنى « وهو في الخصام غير مبين » على هذا القول: أي ساكت عن الجواب. و « من » في محل نصب، أي اتخذوا لله من ينشأ في الحلية. ويجوز أن يكون رفعا على الابتداء والخبر مضمر؛ قال الفراء. وتقديره: أو من كان على هذه الحالة يستحق العبادة. وإن شئت قلت خفض ردا إلى أول الكلام وهو قوله: « بما ضرب » أو على « ما » في قوله: « مما يخلق بنات » . وكون البدل في هذين الموضعين ضعيف لكون ألف الاستفهام حائلة بين البدل والمبدل منه. « وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا » قرأ الكوفيون « عباد » بالجمع. واختاره أبو عبيد؛ لأن الإسناد فيها أعلى، ولأن الله تعالى إنما كذبهم في قولهم إنهم بنات الله، فأخبرهم أنهم عبيد وأنهم ليسوا ببناته. وعن ابن عباس أنه قرأ « عباد الرحمن » ، فقال سعيد بن جبير: إن في مصحفي « عبدالرحمن » فقال: أمحها واكتبها « عباد الرحمن » . وتصديق هذه القراءة قوله تعالى: « بل عباد مكرمون » [ الأنبياء: 26 ] . وقوله تعالى: « فحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء » [ الكهف: 102 ] . وقوله تعالى: « إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم » [ الأعراف: 194 ] وقرأ الباقون « عند الرحمن » بنون ساكنة واختاره أبو حاتم. وتصديق هذه القراءة قوله تعالى: « إن الذين عند ربك » وقوله: « وله من في السماوات والأرض ومن عنده » [ الأنبياء: 19 ] . والمقصود إيضاح كذبهم وبيان جهلهم في نسبة الأولاد إلى الله سبحانه، ثم في تحكمهم بأن الملائكة إناث وهم بنات الله. وذكر العباد مدج لهم؛ أي كيف عبدوا من هو نهاية العبادة، ثم كيف حكموا بأنهم إناث من غير دليل. والجعل هنا بمعنى القول والحكم؛ تقول: جعلت زيدا أعلم الناس؛ أي حكمت له بذلك. « أشهدوا خلقهم » أي أحضروا حالة خلقهم حتى حكموا بأنهم إناث. وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم وقال: [ فما يدريكم أنهم إناث ] ؟ فقالوا: سمعنا بذلك من آبائنا ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا في أنهم إناث، فقال الله تعالى: « ستكتب شهادته ويسألون » أي يسألون عنها في الآخرة. وقرأ نافع « أوشْهدوا » بهمزة استفهام داخلة على همزة مضمومة مسهلة، ولا يمد سوى ما روى المسيبي عنه أنه يمد. وروى المفضل عن عاصم مثل ذلك وتحقق الهمزتين. والباقون « أشهدوا » بهمزة واحدة للاستفهام.

وروي عن الزهري « أُشْهِدوا خلقهم » على الخبر، « ستكتب » قراءة العامة بضم التاء على الفعل المجهول « شهادتهم » رفعا. وقرأ السلمى وابن السميقع وهبيرة عن حفص « سنكتب » بنون، « شهادتهم » نصبا بتسمية الفاعل. وعن أبي رجاء « ستكتب شهاداتهم » بالجمع.

الآية: 20 ( وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون )
قوله تعالى: « وقالوا لوشاء الرحمن » يعني قال المشركون على طريق الاستهزاء والسخرية: لوشاء الرحمن على زعمكم ما عبدنا هذه الملائكة. وهذا منهم كلمة حق أريد بها باطل. وكل شيء بإرادة الله، وإرادته تجب وكذا علمه فلا يمكن الاحتجاج بها؛ وخلاف المعلوم والمراد مقدور وإن لم يقع. ولو عبدوا الله بدل الأصنام لعلمنا أن الله أراد منهم ما حصل منهم. وقد مضى هذا المعنى في الأنعام عند قوله: « سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا » [ الأنعام: 148 ] وفي « يس » : « أنطعم من لو يشاء الله أطعمه » [ يس: 47 ] . وقوله: « ما لهم بذلك من علم » مردود إلى قوله « وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا » [ الزخرف: 19 ] أي ما لهم بقولهم: الملائكة بنات الله - من علم قال قتادة ومقاتل والكلبى. وقال مجاهد وابن جريج: يعني الأوثان؛ أي ما لهم بعبادة الأوثان من علم. « من » صلة. « إن هم إلا يخرصون » أي يحدسون ويكذبون؛ فلا عذر لهم في عبادة غير الله عز وجل. وكان من، ضمن كلامهم أن الله أمرنا لم بهذا أو أرضى ذلك منا، ولهذا لم ينهنا ولم يعاجلنا بالعقوبة.

الآية: 21 ( أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون )
هذا معادل لقوله: « أشهدوا خلقهم » . والمعنى: أحضروا خلقهم أم آتيناهم كتابا من قبله؛ أي من قبل القرآن بما ادعوه؛ فهم به متمسكون يعملون بما فيه.

الآيات: 22 - 23 ( بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون، وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون )
قوله تعالى: « بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة » أي على طريقة ومذهب؛ قال عمر بن عبدالعزيز. وكان يقرأ هو ومجاهد وقتادة « على إمة » بكسر الألف. والأمة الطريقة. وقال الجوهري: والإمة ( بالكسر ) . النعمة. والإمة أيضا لغة في الأمة، وهي الطريقة والدين؛ عن أبي عبيدة. قال عدي بن زيد في النعمة:

ثم بعد الفلاح والملك والأ مة وارتهم هناك القبور

عن غير الجوهري. وقال قتادة وعطية: « على أمة » على دين؛ ومنه قول قيس بن الخطيم:

كنا على أمة أبائنا ويقتدي الآخر بالأول

قال الجوهري: والأمة الطريقة والدين، يقال: فلان لا أمة له؛ أي لا دين له ولا نحلة. قال الشاعر:

وهل يستوي ذو أمة وكفور

وقال مجاهد وقطرب: على دين على ملة. وفي بعض المصاحف « قالوا إنا وجدنا أباءنا على ملة » وهذه الأقوال متقاربة. وحكي عن الفراء على ملة على قبلة. الأخفش: على استقامة، وأنشد قول النابغة:

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع
قوله تعالى: « وإنا على آثارهم مهتدون » أي نهتدي بهم. وفي الآية الأخرى « مقتدون » أي نقتدي بهم، والمعنى واحد. قال قتادة: مقتدون متبعون. وفي هذا دليل على إبطال التقليد؛ لذمه إياهم على تقليد آبائهم وتركهم النظر فيما دعاهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد مضى القول في هذا في « البقرة » مستوفى. وحكى مقاتل أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة وأبي سفيان وأبي جهل وعتبة وشيبة بني ربيعة من قريش؛ أي وكما قال هؤلاء فقد قال من قبلهم أيضا. يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم؛ ونظيره: « ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك » [ فصلت: 43 ] . والمترف: المنعم، والمراد هنا الملوك والجبابرة.
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الثلاثاء سبتمبر 10, 2013 12:14 am

تابع تفسير القرطبى لسورة الزخرف
============


الآية: 24 ( قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون )
قوله تعالى: « قل أولو جئتكم بأهدى » أي قل يا محمد لقومك: أوليس قد جئتكم من عند الله بأهدى؛ يريد بأرشد. « مما وجدتم عليه آبائكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون » يعني بكل ما أرسل به الرسل. فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولفظه لفظ الجمع؛ لأن تكذيبه تكذيب لمن سواه. وقرئ « قل وقال وجئتكم وجئناكم » يعني أتتبعون آباءكم ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم ؟ قالوا: إنا ثابتون على دين آبائنا لا ننفك عنه وإن جئتنا بما هو أهدى. وقد مضى في « البقرة » القول في التقليد وذمه فلا معنى لإعادته. وقراءة العامة « قل أو لو جئتكم » وقرأ ابن عامر وحفص « قال أو لو » على الخبر عن النذير أنه قال لهم هذه المقالة. وقرأ أبو جعفر « قل أولو جئناكم » بنون وألف؛ على أن المخاطبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جميع الرسل.

الآية: 25 ( فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين )

قوله تعالى: « فانتقمنا منهم » بالقحط والقتل والسبي « فانظر كيف كان عاقبه المكذبين » آخر أمر من كذب الرسل.

الآيات: 26 - 27 ( وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون، إلا الذي فطرني فإنه سيهدين )
قوله تعالى: « وإذ قال » أي ذكرهم إذ قال. « إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون » البراء يستعمل للواحد فما فوقه فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث؛ لأنه مصدر وضع موضع النعت؛ لا يقال: البراءان والبراؤون، لأن المعنى ذو البراء وذوو البراء. قال الجوهري: وتبرأت من كذا، وأنا منه براء، وخلاء منه لا يثنى ولا يجمع لأنه مصدر في الأصل؛ مثل: سمع سماعا. فإذا قلت: أنا بريء منه وخلي ثنيت وجمعت وأنثت، وقلت في الجمع: نحن منه براء مثل فقيه وفقهاء، وبراء أيضا مثل كريم وكرام، وأبراء مثل شريف وأشراف، وأبرياء مثل نصيب وأنصباء، وبريئون. وامرأة بريئة بريئتان وهن بريئات وبرايا. ورجل بريء وبراء مثل عجيب وعجاب.

والبراء ( بالفتح ) أول ليلة من الشهر، سميت بذلك لتبرؤ القمر من الشمس. « إلا الذي فطرني » استئناء متصل، لأنهم عبدوا الله مع آلهتهم. قال قتادة: كانوا يقولون الله ربنا؛ مع عبادة الأوثان. ويجوز أن يكون منقطعا؛ أي لكن الذي فطرني فهو يهدين. قال ذلك ثقة بالله وتنبيها لقومه أن الهداية من ربه.

الآية: 28 ( وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون )
قوله تعالى: « وجعلها كلمة باقية » الضمير في « جعلها » عائد على قوله: « إلا الذي فطرني » . وضمير الفاعل في « جعلها » لله عز وجل؛ أي وجعل الله هذه الكلمة والمقالة باقية في عقبه، وهم ولده وولد ولده؛ أي إنهم توارثوا البراءة عن عبادة غير الله، وأوصى بعضهم بعضا في ذلك. والعقب من يأتي بعده. وقال السدي: هم آل محمد صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس: قوله: « في عقبه » أي في خلقه. وفي الكلام تقديم وتأخير؛ المعنى فإنه سيهدين لعلهم يرجعون وجعلها كلمة باقية في عقبه. أي قال لهم ذلك لعلهم يتوبون عن عبادة غير الله. قال مجاهد وقتادة: الكلمة لا إله إلا الله. قال قتادة: لا يزال من عقبه من يعبد الله إلى يوم القيامة. وقال الضحاك: الكلمة أن لا تعبدوا إلا الله. عكرمة: الإسلام؛ لقوله تعالى: « هو سماكم المسلمين من قبل » [ الحج: 78 ] . القرظي: وجعل وصية إبراهيم التي وصى بها بنيه وهو قوله: « يا بني إن الله اصطفى، لكم الدين » . [ البقرة: 132 ] الآية المذكورة في البقرة - كلمة باقية في ذريته وبنيه. وقال ابن زيد: الكلمة قوله: « أسلمت لرب العالمين » [ البقرة: 131 ] وقرأ « سماكم المسلمين من قبل » . وقيل: الكلمة النبوة. قال ابن العربي: ولم تزل النبوة باقية في ذرية إبراهيم. والتوحيد هم أصله وغيرهم فيه تبع لهم.

قال ابن العربي: إنما كانت لإبراهيم في الأعقاب موصولة بالأحقاب بدعوتيه المجابتين؛ إحداهما في قوله: « إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين » [ البقرة: 124 ] فقد قال نعم إلا من ظلم منهم فلا عهد. ثانيهما قوله: « واجنبني وبني أن نعبد الأصنام » [ إبراهيم: 35 ] . وقيل: بل الأولى قوله: « واجعل لي لسان صدق في الآخرين » [ الشعراء: 84 ] فكل أمة تعظمه، بنوه وغيرهم ممن يجتمع معه في سام أو نوح.

قال ابن العربي: جرى ذكر العقب ها هنا موصولا في المعنى، وذلك مما يدخل في الأحكام وترتب عليه عقود العمرى والتحبيس. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أيما رجل أعمر عمرى له واعقبه فإنها للذي أعطيها لا ترجع إلى الذي أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث ) . وهي ترد على أحد عشر لفظا: اللفظ الأول: الولد، وهو عند الإطلاق عبارة عمن وجد من الرجل وامرأته في الإناث والذكور. وعن ولد الذكور دون الإناث لغة وشرعا؛ ولذلك وقع الميراث على الولد المعين وأولاد الذكور من المعين دون ولد الإناث لأنه من قوم آخرين، ولذلك لم يدخلوا في الحبس بهذا اللفظ، قاله مالك في المجموعة وغيرها.

قلت: هذا مذهب مالك وجميع أصحابه المتقدمين، ومن حجتهم على ذلك الإجماع على أن ولد البنات لا ميراث لهم مع قوله تعالى: « يوصيكم الله في أولادكم » [ النساء: 11 ] . وقد ذهب جماعة من العلماء إلى أن ولد البنات من الأولاد والأعقاب يدخلون في الأحباس؛ يقول المحبس: حبست على ولدي أو على عقبي. وهذا اختيار أبي عمر بن عبدالبر وغيره؛ واحتجوا بقول الله جل وعز: « حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم » [ النساء: 23 ] . قالوا: فلما حرم الله البنات فحرمت بذلك بنت البنت بإجماع علم أنها بنت ووجب أن تدخل في حبس أبيها إذا حبس على ولده أوعقبه. وقد مضى هذا المعنى في « الأنعام » مستوفى.

اللفظ الثاني: البنون؛ فإن قال: هذا حبس عل ابني؛ فلا يتعدى الولد المعين ولا يتعدد. ولو قال ولدي، لتعدى وتعدد في كل من ولد. وإن قال على بني، دخل فيه الذكور والإناث. قال مالك: من تصدق على بنيه وبني بنيه فإن بناته وبنات بناته يدخلن في ذلك. روى عيسى عن ابن القاسم فيمن حبس على بناته فإن بنات بنته يدخلن في ذلك مع بنات صلبه. والذي عليه جماعة أصحابه أن ولد البنات لا يدخلون في البنين. فإن قيل: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحسن ابن ابنته ( إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ) . قلنا: هذا مجاز، وإنما أشار به إلى تشريفه وتقديمه؛ ألا ترى أنه يجوز نفيه عنه فيقول الرجل في ولد بنته ليس بابني؛ ولو كان حقيقة ما جاز نفيه عنه؛ لأن الحقائق لا تنفى عن منتسباتها. ألا ترى أنه ينتسب إلى أبيه دون أمه؛ ولذلك قيل في عبدالله بن عباس: إنه هاشمي وليس بهلالي وإن كانت أمه هلالية.

قلت: هذا الاستدلال غير صحيح، بل هو ولد على الحقيقة في اللغة لوجود معنى الولادة فيه، ولأن أهل العلم قد أجمعوا على تحريم بنت البنت من قول الله تعالى: « حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم » [ النساء: 23 ] . وقال تعالى: « ومن ذريته داود وسليمان » إلى قوله « من الصالحين » [ الأنعام: 84 - 85 ] فجعل عيسى من ذريته وهو ابن بنته على ما تقدم بيانه هناك. فإن قيل فقد قال الشاعر:

بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد

قيل لهم: هذا لا دليل فيه؛ لأن معنى قوله: إنما هو ولد بنيه الذكران هم الذين لهم حكم بنيه في الموارثة والنسب، وإن ولد بناته ليس لهم حكم بناته في ذلك؛ إذ ينتسبون إلى غيره فأخبر بافتراقهم بالحكم مع اجتماعهم في التسمية ولم ينف عن ولد البنات اسم الولد لأنه ابن؛ وقد يقول الرجل في ولده ليس هو بابني إذ لا يطيعني ولا يرى لي حقا، ولا يريد بذلك نفي اسم الولد عنه، وإنما يريد أن ينفي عنه حكمه. ومن استدل بهذا البيت على أن ولد البنت لا يسمى ولدا فقد أفسد معناه وأبطل فائدته، وتأول على قائله ما لا يصح، إذ لا يمكن أن يسمى ولد الابن في اللسان العربي ابنا، ولا يسمى ولد الابنة ابنا؛ من اجل أن معنى الولادة التي اشتق منها اسم الولد فيه أبين وأقوى لأن ولد الابنة هو ولدها بحقيقة الولادة، وولد الابن إنما هو ولده بمال مما كان سببا للولادة. ولم يخرج مالك رحمه الله أولاد البنات من حبس على ولده من أجل أن اسم الولد غير واقع عليه عنده في اللسان، وإنما أخرجهم منه قياسا على الموارثة. وقد مضى هذا في « الأنعام » والحمد لله.

اللفظ الثالث: الذرية؛ وهي مأخوذة من ذرأ الله الخلق؛ فيدخل فيه ولد البنات لقوله: « ومن ذريته داود وسليمان » إلى أن قال « وزكريا ويحيى وعيسى » [ الأنعام: 84 - 85 ] . وإنما كان من ذريته من قبل أمه. وقد مضى في « البقرة » اشتقاق الذرية وفي « الأنعام » الكلام على « ومن ذريته » [ الأنعام: 84 ] الآية؛ فلا معنى للإعادة.

اللفظ الرابع: العقب؛ وهو في اللغة عبارة عن شيء بعد شيء كان من جنسه أو من غير جنسه؛ يقال: أعقب الله بخير؛ أي جاء بعد الشدة بالرخاء. وأعقب الشيب السواد. وعقب يعقب عقوبا وعقبا إذا جاء شيئا بعد شيء؛ ولهذا قيل لولد الرجل: عقبه. والمعقاب من النساء: التي تلد ذكرا بعد أنثى، هكذا أبدا وعقب الرجل: ولده وولد ولده الباقون بعده. والعاقبة الولد؛ قال يعقوب: في القرآن « وجعلها كلمة باقية في عقبه » وقيل: بل الورثة كلهم عقب. والعاقبة الولد؛ ولذلك فسره مجاهد هنا. وقال ابن زيد: ها هنا هم الذرية. وقال ابن شهاب: هم الولد وولد الولد. وقيل غيره على ما تقدم عن السدي. وفي الصحاح والعقب ( بكسر القاف ) مؤخر القدم وهي مؤنثة. وعقب الرجل أيضا ولده وولد ولده. وفيه لغتان: عقب وعقب ( بالتسكين ) وهي أيضا مؤنثة، عن الأخفش. وعقب الرجل أيضا ولده وولد ولده. وعقب فلان مكان أبيه عاقبة أي خلفه؛ وهو اسم جاء بمعنى المصدر كقوله تعالى: « ليس لوقعتها كاذبة » [ الواقعة: 2 ] . ولا فرق عند احد من العلماء بين لفظ العقب والولد في المعنى. واختلف في الذرية والنسل فقيل انهما بمنزلة الولد والعقب؛ لا يدخل ولد البنات فيهما على مذهب مالك. وقيل: إنهم يدخلون فيهما. وقد مضى الكلام في الذرية هنا وفي « الأنعام » .

اللفظ الخامس: نسلي؛ وهو عند علمائنا كقول: ولدي وولد ولدي؛ فإنه يدخل فيه ولد البنات. ويجب أن يدخلوا؛ لأن نسل به بمعنى خرج، وولد البنات قد خرجوا منه بوجه، ولم يقترن به ما يخصه كما أقترن بقول عقبي ما تناسلوا. وقال بعض علمائنا: إن النسل بمنزلة الولد والعقب لا يدخل فيه والد البنات؛ إلا أن يقول المحبس نسلي ونسل نسلي، كما إذا قال: عقبي وعقب عقبي، وأما إذا قال ولدي أوعقبي مفردا فلا يدخل فيه البنات.

اللفظ السادس: الآل؛ وهم الأهل؛ وهو اللفظ السابع. قال ابن القاسم: هما سواء، وهم العصبة والإخوة والبنات والعمات؛ ولا يدخل فيه الخالات. وأصل أهل الاجتماع يقال: مكان أهل إذا كان فيه جماعة، وذلك بالعصبة ومن دخل في القعدد من النساء والعصبة مشتقة منه وهي أخصى به. وفي حديث الإفك: يا رسول الله، أهلك ! ولا نعلم إلا خيرا؛ يعني عائشة. ولكن لا تدخل فيه الزوجة بإجماع وإن كانت أصل التأهل؛ لأن ثبوتها ليس بيقين إذ قد يتبدل ربطها وينحل بالطلاق. وقد. قال مالك: آل محمد كل تقي؛ وليس من هذا الباب. وإنما أراد أن الإيمان أخصى من القرابة فاشتملت عليه الدعوة وقصد بالرحمة. وقد قال أبو إسحاق التونسي: يدخل في لأهل كل من كان من جهة الأبوين، فوفى الاشتقاق حقه وغفل عن العرف ومطلق الاستعمال. وهذه المعاني إنما تبغى على الحقيقة أو على العرف المستعمل عند الإطلاق، فهذان لفظان.
اللفظ الثامن: قرابة، فيه أربعة أقوال: الأول: قال مالك في كتاب محمد بن عبدوس: إنهم الأقرب فالأقرب بالاجتهاد؛ ولا يدخل فيه ولد البنات ولا ولد الخالات. الثاني: يدخل فيه أقاربه من قبل أبيه وأمه؛ قال علي بن زياد. الثالث: قال أشهب: يدخل فيه كل رحم من الرجال والنساء. الرابع: قال ابن كنانة: يدخل فيه الأعمام والعمات والأخوال والخالات وبنات الأخت. وقد قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى: « قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى » [ الشورى: 23 ] قال: إلا أن تصلوا قرابة ما بيني وبينكم. وقال: لم يكن بطن من قريش إلا كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم قرابة؛ فهذا يضبطه والله أعلم.

اللفظ التاسع: العشيرة؛ ويضبطه الحديث الصحيح: إن الله تعالى لما أنزل: « وأنذر عشيرتك الأقربين » [ الشعراء: 214 ] دعا النبي صلى الله عليه وسلم بطون قريش وسماهم - كما تقدم ذكره - وهم العشيرة الأقربون؛ وسواهم عشيرة في الإطلاق. واللفظ يحمل على الأخص الأقرب بالاجتهاد، كما تقدم من قول علمائنا.

اللفظ العاشر: القوم؛ يحمل ذلك على الرجال خاصة من العصبة دون النساء. والقول يشمل الرجال والنساء؛ وإن كان الشاعر قد قال:

وما أدري وسوف إخال أدري أقوم آل حصن أم نساء

ولكنه أراد أن الرجل إذا دعا قومه للنصرة عنى الرجال، وإذا دعاهم للحرمة دخل فيهم الرجال والنساء؛ فتعممه الصفة وتخصصه القرينة.

اللفظ الحادي عشر: الموالي؛ قال مالك: يدخل فيه موالي أبيه وابنه مع مواليه. وقال ابن وهب: يدخل فيه أولاد مواليه. قال ابن العربي: والذي يتحصل منه أنه يدخل فيه من يرثه بالولاء؛ قال: وهذه فصول الكلام وأصول المرتبطة بظاهر القرآن والسنة المبينة له؛ والتفريع والتتميم في كتاب المسائل، والله أعلم.
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الأربعاء سبتمبر 11, 2013 12:28 am

تابع تفسير القرطبى لسورة الزخرف
==========


الآيات: 29 - 32 ( بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين، ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون، وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم، أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون )
قوله تعالى: « بل متعت » وقرئ « بل متعنا » . « هؤلاء وآبائهم » أي في الدنيا بالإمهال. « حتى جاءهم الحق » أي محمد صلى الله عليه وسلم بالتوحيد والإسلام الذي هو اصل دين إبراهيم؛ وهو الكلمة التي بقاها الله في عقبه. « ورسول مبين » أي يبين لهم ما بهم إليه حاجة. « ولما جاءهم الحق » يعني القرآن. « قالوا هذا سحر وإنا به كافرون » جاحدون. « وقالوا لولا نزل » أي هلا نزل « هذا القرآن على رجل » وقرئ « على رجل » بسكون الجيم. « من القريتين عظيم » أي من إحدى القريتين؛ كقوله تعالى: « يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان » [ الرحمن: 22 ] أي من أحدهما. أو على أحد رجلين من القريتين. القريتان: مكة والطائف. والرجلان: الوليد بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم عم أبي جهل. والذي من الطائف أبو مسعود عروة بن مسعود الثقفي؛ قاله قتادة. وقيل: عمير بن عبد ياليل الثقفي من الطائف، وعتبة بن ربيعة من مكة؛ وهو قول مجاهد. وعن ابن عباس: أن عظيم الطائف حبيب بن عمرو الثقفي. وقال السدي: كنانة بن عبد بن عمرو. روي أن الوليد بن المغيرة - وكان يسمى ريحانة قريش كان يقول: لو كان ما يقول محمد حقا لنزل علي أو على أبي مسعود؛ فقال الله تعالى: « أهم يقسمون رحمة ربك » يعني النبوة فيضعونها حيث شاؤوا. « نحن قسمنا ببنهم معيشتهم في الحياة الدنيا » أي أفقرنا قوما وأغنينا قوما؛ فإذا لم يكن أمر الدنيا إليهم فكيف يفوض أمر النبوة إليهم. قال قتادة: تلقاه ضعيف القوة قليل الحيلة عيي اللسان وهو مبسوط له، ونلقاه شديد الحيلة بسيط اللسان وهو مقتر عليه. وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن محيصن في رواية عنه « معايشهم » . وقيل: أي نحن أعطينا عظيم القريتين ما أعطينا لا لكرامتهما علي وأنا قادر على نزع النعمة عنهما؛ فأي فضل وقدر لهما. « ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات » أي فاضلنا بينهم فمن فاضل ومفضول ورئيس ومرؤوس؛ قال مقاتل. وقيل: بالحرية والرق؛ فبعضهم مالك وبعضهم مملوك. وقيل: بالغنى والفقر؛ فبعضهم غني وبعضهم فقير. وقيل: بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. « ليتخذ بعضهم بعضا سخريا » قال السدي وابن زيد: خولا وخداما، يسخر الأغنياء الفقراء فيكون به بعضهم سببا لمعاش بعض. وقال قتادة والضحاك: يعني ليملك بعضهم بعضا. وقيل: هو من السخرية التي بمعنى الاستهزاء؛ أي ليستهزئ الغني بالفقير. قال الأخفش: سخرت به وسخرت منه، وضحكت منه وضحكت به، وهزئت منه وبه؛ كل يقال، والاسم السخرية ( بالضم ) . والسخري والسخري ( بالضم والكسر ) . وكل الناس ضموا « سخريا » إلا ابن محيصن ومجاهد فإنهما قرآ « سخريا » « ورحمة ربك خير مما يجمعون » أي أفضل مما يجمعون من الدنيا. ثم قيل: الرحمة النبوة، وقيل الجنة. وقيل: تمام الفرائض خير مم كثير النوافل. وقيل: ما يتفضل به عليهم خير مما يجازيهم عليه من أعمالهم.

الآية: 33 ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون )
قال العلماء: ذكر حقارة الدنيا وقلة خطرها، وأنها عنده من الهوان بحيث كان يجعل بيوت الكفرة ودرجها ذهبا وفضة لولا غلبة حب الدنيا على القلوب؛ فيحمل ذلك على الكفر. قال الحسن: المعنى لولا أن يكفر الناس جميعا بسبب ميلهم إلى الدنيا وتركهم الآخرة لأعطيناهم في الدنيا ما وصفناه؛ لهوان الدنيا عند الله عز وجل. وعلى هذا أكثر المفسرين ابن عباس والسدي وغيرهم. وقال ابن زيد: « ولولا أن يكون الناس أمة واحدة » في طلب الدنيا واختيارها على الآخرة « لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة » . وقال الكسائي: المعنى لولا أن يكون في الكفار غني وفقير وفي المسلمين مثل ذلك لأعطينا الكفار من الدنيا هذا لهوانها.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو « سقفا » بفتح السين وإسكان القاف على الواحد ومعناه الجمع؛ اعتبارا بقوله تعالى: « فخر عليهم السقف من فوقهم » [ النحل: 26 ] . وقرأ الباقون بضم السين والقاف على الجمع؛ مثل رهن ورهن. قال أبو عبيد: ولا ثالث لهما. وقيل: هو جمع سقيف؛ مثل كثيب وكثب، ورغيف ورغف؛ قاله الفراء. وقيل: هو جمع سقوف؛ فيصير جمع الجمع: سقف وسقوف، نحو فلس وفلوس. ثم جعلوا فعولا كأنه اسم واحد فجمعوه على فعل. وروي عن مجاهد « سقفا » بإسكان القاف. وقيل: اللام في « لبيوتهم » بمعنى على؛ أي على بيوتهم. وقيل: بدل؛ كما تقول: فعلت هذا لزيد لكرامته؛ قال الله تعالى: « ولأبويه لكل واحد منهما السدس » [ النساء: 11 ] كذلك قال هنا: « لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم » .
قوله تعالى: « ومعارج » يعني الدرج؛ قال ابن عباس وهو قول الجمهور. واحدها معراج، والمعراج السلم؛ ومنه ليلة المعراج. والجمع معارج ومعاريج؛ مثل مفاتح ومفاتيح؛ لغتان. « ومعاريج » قرأ أبو رجاء العطاردي وطلحة بن مصرف؛ وهي المراقي والسلاليم. قال الأخفش: إن شئت جعلت الواحد معرج ومعرج؛ مثل مرقاة ومرقاة. « عليها يظهرون » أي على المعارج يرتقون ويصعدون؛ يقال: ظهرت على البيت أي علوت سطحه. وهذا لأن من علا شيئا وارتفع عليه ظهر للناظرين. ويقال: ظهرت على الشيء أي علمته. وظهرت على العدو أي غلبته.
وأنشد نابغة بني جعدة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:
علونا السماء عزة ومهابة وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
أي مصعدا؛ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: [ إلى أين ] ؟ قال إلى الجنة؛ قال: [ أجل إن شاء الله ] . قال الحسن: والله لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل ذلك ! فكيف لو فعل ؟!
استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن السقف لا حق فيه لرب العلو؛ لأن الله تعالى جعل السقوف للبيوت كما جعل الأبواب لها. وهذا مذهب مالك رحمه الله.

قال ابن العربي: وذلك لأن البيت عبارة عن قاعة وجدار وسقف وباب، فمن له البيت فله أركانه. ولا خلاف أن العلول إلى السماء. واختلفوا في السفل؛ فمنهم من قال هو له، ومنهم من قال ليس له في باطن الأرض شيء. وفي مذهبنا القولان.
وقد بين حديث الإسرائيلي الصحيح فيما تقدم: أن رجلا باع من رجل دارا فبناها فوجد فيها جرة من ذهب، فجاء بها إلى البائع فقال: إنما اشتريت الدار دون الجرة، وقال البائع: إنما بعت الدار بما فيها؛ وكلهم تدافعها فقضى بينهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوج أحدهما ولده من بنت الآخر ويكون المال لهما. والصحيح أن العلو والسفل له إلا أن يخرج عنهما بالبيع؛ فإذا باع أحدهما أحد الموضعين فله منه ما ينتفع به وباقيه للمبتاع منه.
من أحكام العلو والسفل. إذا كان العلو والسفل بين رجلين فيعتل السفل أو يريد صاحبه هدمه؛ فذكر سحنون عن أشهب أنه قال: إذا أراد صاحب السفل أن يهدم، أو أراد صاحب العلو أن يبني علوه فليس لصاحب السفل أن يهدم إلا من ضرورة، ويكون هدمه له أرفق لصاحب العلو؛ لئلا ينهدم بانهدامه العلو، وليس لرب العلو أن يبني على علوه شيئا لم يكن قبل ذلك إلا الشيء الخفيف الذي لا يضر بصاحب السفل. ولو انكسرت خشبة من سقف العلو لأدخل مكانها خشبة ما لم تكن أثقل منها ويخاف ضررها على صاحب السفل. قال أشهب: وباب الدار على صاحب السفل. قال: ولو أنهدم السفل أجبر صاحبه على بنائه، وليس على صاحب العلو أن يبني السفل؛ فإن أبى صاحب السفل من البناء قيل له بع ممن يبني. وروى ابن القاسم عن مالك في السفل لرجل والعلو لآخر فأعتل السفل، فإن صلاحه على رب السفل وعليه تعليق العلو حتى يصلع سفله؛ لأن عليه إما أن يحمله على بنيان أو على تعليق، وكذلك لو كان على العلو فتعليق العلو الثاني على صاحب الأوسط. وقد قيل: إن تعليق العلو الثاني على رب العلو حتى يبني الأسفل. وحديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لوأنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا ] - أصل في هذا الباب. وهو حجة لمالك وأشهب. وفيه دليل على أن صاحب السفل ليس له أن يحدث على صاحب العلو ما يضربه، وأنه إن أحدث عليه ضررا لزمه إصلاحه دون صاحب العلو، وأن لصاحب العلو منعه من الضرر؛ لقوله عليه السلام: [ فإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا ] ولا يجوز الأخذ إلا على يد الظالم أو من هو ممنوع من إحداث ما لا يجوز له في السنة. وفيه دليل على استحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وقد مضى في « الأنفال » . وفيه دليل على جواز القرعة واستعمالها، وقد مضى في « آل عمران » فتأمل كلا في موضعه تجده مبينا، والحمد لله.

الآيات: 34 - 35 ( ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون، وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين )
قوله تعالى: « ولبيوتهم أبوابا وسررا » « ولبيوتهم أبوابا » أي ولجعلنا لبيوتهم. وقيل: « لبيوتهم » بدل اشتمال من قوله: « لمن يكفر بالرحمن » . « أبوابا » أي من فضة.

« وسررا » كذلك؛ وهو جمع السرير. وقيل: جمع الأسرة، والأسرة جمع السرير؛ فيكون جمع الجمع. « عليها يتكئون » الاتكاء والتوكؤ: التحامل على الشيء؛ ومنه، « أتوكأ عليها » . ورجل تكأة؛ مثال همزة؛ كثير الاتكاء. والتكأة أيضا: ما يتكأ عليه. وأتكأ على الشيء فهو متكئ؛ والموضع متكأ. وطعنه حتى أتكأه ( على أفعله ) أي ألقاه على هيئة المتكئ. وتوكأت على العصا. وأصل التاء في جميع ذلك واو، ففعل به ما فعل باتزن واتعد. « وزخرفا » الزخرف هنا الذهب؛ عن ابن عباس وغيره. نظيره: « أو يكون لك بيت من زخرف » [ الإسراء: 93 ] وقد تقدم. وقال ابن زيد: هو ما يتخذه الناس في منازلهم من الأمتعة والأثاث. وقال الحسن: النقوش؛ وأصله الزينة. يقال: زخرفت الدار؛ أي زينتها. وتزخرف فلان؛ أي تزبن. واتصب « زخرفا » على معنى وجعلنا لهم مع ذلك زخرفا. وقيل: ينزع الخافض؛ والمعنى فجعلنا لهم سقفا وأبوابا وسررا من فضة ومن ذهب؛ فلما حذف « من » قال: « وزخرفا » فنصب. « وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا » قرأ عاصم وحمزة وهشام عن ابن عامر « وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا » بالتشديد. الباقون بالتخفيف؛ وقد ذكر هذا. وروي عن أبي رجاء كسر اللام من « لما » ؛ فـ « ما » عنده بمنزلة الذي، والعائد عليها محذوف؛ والتقدير: وإن كل ذلك للذي هو متاع الحياة الدنيا، وحذف الضمير ها هنا كحذفه في قراءة من قرأ « مثلا ما بعوضة فما فوقها » [ البقرة: 26 ] و « تماما على الذي أحسن » [ الأنعام: 154 ] . أبو الفتح: ينبغي أن يكون « كل » على هذه القراءة منصوبة؛ لأن « إن » مخففة من الثقيلة، وهي إذا خففت وبطل عملها لزمتها اللام في آخر الكلام للفرق بينها وبين « إن » النافية التي بمعنى ما؛ نحو إن زيد لقائم، ولا لام هنا سوى الجارة. « والآخرة عند ربك للمتقين » يريد الجنة لمن اتقى وخاف. وقال كعب: إني لأجد في بعض كتب الله المنزلة: لولا أن يحزن عبدي المؤمن لكللت رأس عبدي الكافر بالإكليل، ولا يتصدع ولا ينبض منه عرق بوجع. وفي صحيح الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ] .

وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء ) . وفي الباب عن أبي هريرة، وقال: حديث حسن غريب. وأنشدوا:
فلو كانت الدنيا جزاء لمحسن إذاً لم يكن فيها معاش لظالم
لقد جاع فيها الأنبياء كرامة وقد شبعت فيها بطون البهائم

وقال آخر:
تمتع من الأيام إن كنت حازما فإنك فيها بين ناه وآمر
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه فما فاته منها فليس بضائر
فلا تزن الدنيا جناح بعوضة ولا وزن رَقٌّ من جناح لطائر
فلم يرض بالدنيا ثوابا لمحسن ولا رضي الدنيا عقابا لكافر
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الخميس سبتمبر 12, 2013 1:47 pm

تابع تفسير القرطبى لسورة الزخرف
===========


الآيات: 36 - 38 ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين، وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون، حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين )
قوله تعالى: « ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين » وقرأ ابن عباس وعكرمة « ومن يعش » بفتح الشين، ومعناه يعمى؛ يقال منه عشي يعشى عشا إذا عمي. ورجل أعشى وامرأة عشواء إذا كان لا يبصر؛ ومنه قول الأعشى:

رأت رجلا غائب الوافدَيـ ـن مختلفَ الخلق أعشى ضريرا

وقوله:

أن رأت رجلا أعشى أضر به ريب المنون ودهر مفند خَبِلُ

الباقون بالضم؛ من عشا يعشو إذا لحقه ما لحق الأعشى. وقال الخليل: العشو هو النظر ببصر ضعيف؛ وأنشد:

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موقد

وقال آخر:

لنعم الفتى يعشو إلى ضوء ناره إذا الريح هبت والمكان جديب

الجوهري: والعشا ( مقصور ) مصدر الأعشى وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار. والمرأة عشواء، وامرأتان عشواوان. وأعشاه الله فعشي ( بالكسر ) يعشى عشي، وهما يعشيان، ولم يقولوا يعشوان؛ لأن الواو لما صارت في الواحد ياء لكسرة ما قبلها تركت في التثنية على حالها. وتعاشى إذا أرى من نفسه أنه أعشى. والنسبة إلى أعشى أعشوي. وإلى العشية عشوى. والعشواء: الناقة التي لا تبصر أمامها فهي تخبط بيديها كل شيء. وركب فلان العشواء إذا خبط أمره على غير بصيرة. وفلان خابط خبط عشواء.

وهذه الآية تتصل بقول أول السورة: « أفنضرب عنكم الذكر صفحا » [ الزخرف: 5 ] أي نواصل لكم الذكر؛ فمن يعش عن ذلك الذكر بالإعراض عنه إلى أقاويل المضلين وأباطيلهم « نقيض له شيطانا » أي نسبب له شيطانا جزاء له على كفره « فهو له قرين » قيل في الدنيا، يمنعه يمنعه من الحلال، ويبعثه على الحرام، وينهاه عن الطاعة، ويأمره بالمعصية؛ وهو معنى قول ابن عباس. وقيل في الآخرة إذا قام من قبره؛ قال سعيد الجريري. وفي الخبر: أن الكافر إذا خرج من قبره يشفع بشيطان لا يزال معه حتى يدخل النار. وأن المؤمن يشفع بملك حتى يقضي الله بين خلقه؛ ذكره المهدوي. وقال القشيري: والصحيح فهو له قرين في الدنيا والآخرة. وقال أبو الهيثم والأزهري: عشوت إلى كذا أي قصدته. وعشوت عن كذا أي أعرضت عنه، فتفرق بين « إلى » و « عن » ؛ مثل: ملت إليه وملت عنه. وكذا قال قتادة: يعش، يعرض؛ وهو قول الفراء. النحاس: وهو غير معروف في اللغة. وقال القرظي: يولي ظهره؛ والمعنى واحد. وقال أبو عبيدة والأخفش: تظلم عينه. وأنكر العتبي عشوت بمعنى أعرضت؛ قال: وإنما الصواب تعاشيت. والقول قول أبي الهيثم والأزهري. وكذلك قال جميع أهل المعرفة. وقرأ السلمي وابن أبي إسحاق ويعقوب وعصمة عن عاصم وعن الأعمش « يقيض » ( بالياء ) لذكر « الرحمن » أولا؛ أي يقيض له الرحمن شيطانا. الباقون بالنون. وعن ابن عباس « يقيض له شيطان فهو له قرين » أي ملازم ومصاحب. قيل: « فهو » كناية عن الشيطان؛ على ما تقدم. وقيل عن الإعراض عن القرآن؛ أي هو قرين للشيطان. « وإنهم ليصدونهم عن السبيل » أي وإن الشياطين ليصدونهم عن سبيل الهدى؛ وذكر بلفظ الجمع لأن « من » في قوله: « ومن يعش » في معنى الجمع. « ويحسبون » أي ويحسب الكفار « أنهم مهتدون » وقيل: ويحسب الكفار إن الشياطين مهتدون فيطيعونهم.
قوله تعالى: « حتى إذا جاءنا » على التوحيد قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص يعني الكافر يوم القيامة. الباقون « جاءانا » على التثنية، يعني الكافر وقرينه وقد جعلا في سلسلة واحدة؛ فيقول الكافر: « يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين » أي مشرق الشتاء ومشرق الصيف، كما قال تعالى: « رب المشرقين ورب المغربين » [ الرحمن: 17 ] ونحوه قول مقاتل. وقراءة التوحيد وإن كان ظاهرها الإفراد فالمعنى لهما جميعا؛ لأنه قد عرف ذلك بما بعده؛ كما قال:

وعين لها حدرة بدرة شقت مآقيهما من أخر

قال مقاتل: يتمنى الكافر أن بينهما بعد المشرق أطول يوم في السنة إلى مشرق أقصر يوم في السنة، ولذلك قال: « بعد المشرقين » . وقال الفراء: أراد المشرق والمغرب فغلب اسم أحدهما، كما يقال: القمران للشمس والقمر، والعمران لأبي بكر وعمر، والبصرتان للكوفة والبصرة، والعصران للغداة والعصر. وقال الشاعر:

أخذنا بآفاق السماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع

وأنشد أبو عبيدة لجرير:

ما كان يرضى رسول الله فعلهم والعمران أبو بكر ولا عمر

وأنشد سيبويه:

قَدْنيَ من نصر الخُـبَيبين قَدِي

يريد عبدالله ومصعبا ابني الزبير،وإنما أبو خبيب عبدالله. « فبئس القرين » أي فبئس الصاحب أنت؛ لأنه يورده إلى النار. قال أبو سعيد الخدري: إذا بعث الكافر زوج بقرينه من الشياطين فلا يفارقه حتى يصير به إلى النار.

الآية: 39 ( ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون )
قوله تعالى: « ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم » « إذ » بدل من اليوم؛ أي يقول الله للكافر: لن ينفعكم اليوم إذ أشركتم في الدنيا هذا الكلام؛ وهو قول الكافر: « يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين » أي لا تنفع الندامة اليوم « إنكم » بالكسر « في العذاب مشتركون » وهي قراءة ابن عامر باختلاف عنه. الباقون بالفتح. وهي في موضع رفع تقديره: ولن ينفعكم اليوم اشتراككم في العذاب؛ لأن لكل واحد نصيبه الأوفر منه. أعلم الله تعالى أنه منع أهل النار التأسي كما يتأسى أهل المصائب في الدنيا، وذلك أن التأسي يستروحه أهل الدنيا فيقول أحدهم: لي في البلاء والمصيبة أسوة؛ فيسكن ذلك من حزنه؛ كما قالت الخنساء:

فلولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي

وما يبكون مثل أخي ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي

فإذا كان في الآخرة لم ينفعهم التأسي، شيئا لشغلهم بالعذاب. وقال مقاتل: لن ينفعكم الاعتذار والندم اليوم؛ لأن قرناءكم وأنتم في العذاب مشتركون كما اشتركتم في الكفر.



الآية: 40 ( أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين )
قوله تعالى: « أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي » يا محمد « ومن كان في ضلال مبين » أي ليس لك ذلك فلا يضيق صدرك إن كفروا؛ ففيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم. وفيه رد على القدرية وغيرهم، وأن الهدى والرشد والخذلان في القلب خلق الله تعالى، يضل من يشاء ويهدي من يشاء.

الآيات: 41 - 42 ( فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون، أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون )
قوله تعالى: « فإما نذهبن بك » يريد نخرجنك من مكة من أذى قريش. « فإنا منهم منتقمون. أو نريك الذي وعدناهم » وهو الانتقام منهم في حياتك. « فإنا عليهم مقتدرون » قال ابن عباس: قد أراه الله ذلك يوم بدر؛ وهو قول أكثر المفسرين.

وقال الحسن وقتادة: هي في أهل الإسلام؛ يريد ما كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن. و « نذهبن بك » على هذا نتوفينك. وقد كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم نقمة شديدة فأكرم الله نبيه صلى الله عليه وسلم وذهب به فلم يره في أمته إلا التي تقر به عينه وأبقى النقمة بعده، وليس من نبي إلا وقد أري النقمة في أمته. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أري ما لقيت أمته من بعده، فما زال منقبضا، ما انبسط ضاحكا حتى لقي، الله عز وجل. وعن ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أراد الله بأمة خيرا قبض نبيها قبلها فجعاه لها فرطا وسلفا. وإذا أراد الله بأمة عذابا عذبها ونبيها حي لتقر عينه لما كذبوه وعصوا أمره ) .

الآيات: 43 - 44 ( فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم، وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون )
قوله تعالى: « فاستمسك بالذي أوحي إليك » يريد القرآن، يريد القرآن، وإن كذب به من كذب؛ فـ « إنك على صراط مستقيم » يوصلك إلى الله ورضاه وثوابه. « وإنه لذكر لك ولقومك » يعني القرآن شرف لك ولقومك من قريش، إذ نزل بلغتهم وعلى رجل منهم؛ نظيره: « لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم » [ الأنبياء: 10 ] أي شرفكم. فالقرآن نزل بلسان قريش وإياهم خاطب؛ فاحتاج أهل اللغات كلها إلى لسانهم كل من آمن بذك فصاروا عيالا عليهم؛ لأن أهل كل لغة احتاجوا إلى أن يأخذوه من لغتهم حتى يقفوا على المعنى الذي عنى به من الأمر. والنهي وجميع ما فيه من الأنباء، فشرفوا بذلك على سائر أهل اللغات ولذلك سمي عربيا.

وقيل: بيان لك ولأمتك فيما بكم إليه حاجة. وقيل: تذكرة تذكرون به أمر الدين وتعملون به. وقيل: « وإنه لذكر لك ولقومك » يعني الخلافة فإنها في قريش لا تكون في غيرهم؛ قال النبي مصلى الله عليه وسلم: [ الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم ] . وقال مالك: هو قول الرجل حدثني أبي عن أبيه، حكاه ابن أبي سلمة عن أبيه عن مالك بن أنس فيما ذكر الماوردي والثعلبي وغيرهما. قال ابن العربي: ولم أجد في الإسلام هذه المرتبة لأحد إلا ببغداد فإن بني التميمي بها يقولون: حدثني أبي قال حدثني أبي، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وبذلك شرفت أقدارهم، وعظم الناس شأنهم، وتهممت الخلافة بهم. ورأيت بمدينة السلام ابني أبي محمد رزق الله بن عبدالوهاب أبي الفرج بن عبدالعزيز بن الحارث بن الأسد بن الليث آل سليمان بن أسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن عبدالله التميمي وكانا يقولان: سمعنا أبانا رزق الله يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت علي بن أبي طالب يقول وقد سئل عن الحنان المنان فقال: الحنان الذي يقبل على من أعرض عنه، والمنان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال. والقائل سمعت عليا: أكينة بن عبدالله جدهم الأعلى. والأقوى أن يكون المراد بقوله: « وإنه لذكر لك ولقومك » يعني القرآن؛ فعليه انبنى الكلام وإليه يرجع المصير، والله أعلم. قال الماوردي: « ولقومك » فيهم قولان: أحدهما: من اتبعك من أمتك؛ قاله قتادة وذكره الثعلبي عن الحسن. الثاني: لقومك من قريش؛ فيقال ممن هذا ؟ فيقال من العرب، فيقال من أي العرب ؟ فيقال من قريش؛ قال مجاهد.

قلت: والصحيح أنه شرف لمن عمل به، كان من قريش أومن غيرهم. روى ابن عباس قال: أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم من سرية أو غزاة فدعا فاطمة فقال: [ يا فاطمة اشتري نفسك من الله فإني لا أغني عنك من الله شيئا ] وقال مثل ذلك لنسوته، وقال مثل ذلك لعترته، ثم قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: [ ما بنو هاشم بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون، ولا قريش بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون، ولا الأنصار بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون، ولا الموالي بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون. إنما أنتم من رجل وامرأة وأنتم كجمام الصاع ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى ] . وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ لينتهين أقوام يفتخرون بفحم من فحم جهنم أو يكونون شرا عند الله من الجعلان التي تدفع النتن بأنفها، كلكم بنو آدم وآدم من تراب، إن الله أذهب عنكم عيبة الجاهلية وفخرها بالآباء الناس مؤمن تقي وفاجر شقي ] . خرجهما الطبري. وسيأتي لهذا مزيد بيان في الحجرات إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: « وسوف تسألون » أي عن الشكر عليه؛ قال مقاتل والفراء. وقال ابن جريج: أي تسألون أنت ومن معك على ما أتاك. وقيل: تسألون عما عملتم فيه؛ والمعنى متقارب.
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الجمعة سبتمبر 13, 2013 12:20 am

تابع تفسير القرطبى لسورة الزخرف
===========


الآية: 45 ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون )
قوله تعالى: « واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا » قال ابن عباس وابن زيد: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى - وهو مسجد بيت المقدس - بعث الله له آدم ومن ولد من المرسلين، وجبريل مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأذن جبريل صلى الله عليه وسلم ثم أقام الصلاة، ثم قال: يا محمد تقدم فصل بهم؛ فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال جبريل صلى الله عليه وسلم: [ سل يا محمد من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ] . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ لا أسأل قد اكتفيت ] . قال ابن عباس: وكانوا سبعين نبيا منهم إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام؛ فلم يسألهم لأنه كان أعلم بالله منهم. في غير رواية ابن عباس: فصلوا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة صفوف، المرسلون ثلاثة صفوف والنبيون أربعة؛ وكان يلي ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم خليل الله، وعلى يمينه إسماعيل وعلى يساره إسحاق ثم موسى ثم سائر المرسلين فأمهم ركعتين؛ فلما انفتل قام فقال: [ إن ربي أوحى إلي أن أسألكم هل أرسل أحد منكم يدعو إلى عبادة غير الله ] ؟ فقالوا: يا محمد، إنا نشهد إنا أرسلنا أجمعين بدعوة واحدة أن لا إله إلا الله وأن ما يعبدون من دونه باطل، وأنك خاتم النبيين وسيد المرسلين، قد استبان ذلك لنا بإمامتك إيانا، وأن لا نبي بعدك إلى يوم القيامة إلا عيسى ابن مريم فإنه مأمور أن يتبع أثرك ) .

وقال سعيد بن جبير في قوله تعالى: « واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا » قال: لقي الرسل ليلة أسري به. وقال الوليد بن مسلم في قوله تعالى: « واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا » قال: سألت عن ذلك وليد بن دعلج فحدثني عن قتادة قال: سألهم ليلة أسري به، لقي الأنبياء ولقي آدم ومالك خازن النار.

قلت: هذا هو الصحيح في تفسير هذه الآية. و « من » التي قبل « رسلنا » على هذا القول غير زائدة. وقال المبرد وجماعة من العلماء: إن المعنى واسأل أمم من قد أرسلنا من قبلك من رسلنا. وروي أن في قراءة ابن مسعود: « واسال الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا » . وهذه قراءة مفسرة؛ فـ « من » على هذا زائدة، وهو قول مجاهد والسدي والضحاك وقتادة وعطاء والحسن وابن عباس أيضا. أي واسأل مؤمني أهل الكتابين التوراة والإنجيل. وقيل: المعنى سلنا يا محسد عن الأنبياء الذين أرسلنا قبلك؛ فحذفت « عن » ، والوقف على « رسلنا » على هذا تام، ثم ابتدأ بالاستفهام على طريق الإنكار. وقيل: المعنى واسأل تباع من أرسلنا من قبلك من رسلنا، فحذف المضاف. والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته.
قوله تعالى: « أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون » أخبر عن الآلهة كما أخبر عمن يعقل فقال: « يعبدون » ولم يقل تعبد ولا يعبدن، لأن الآلهة جرت عندهم مجرى من يعقل فأجرى الخبر عنهم مجرى الخبر عمن يعقل.

وسبب هذا الأمر بالسؤال أن اليهود والمشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن ما جئت به مخالف لمن كان قبلك؛ فأمره الله بسؤال الأنبياء على جهة التوقيف والتقرير؛ لا لأنه كان في شك منه.

واختلف أهل التأويل في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لهم على قولين: أحدهما: أنه سألهم فقالت الرسل بعثنا بالتوحيد؛ قاله الواقدي. الثاني: أنه لم يسألهم ليقينه بالله عز وجل؛ حتى حكى ابن زيد أن ميكائيل قال لجبريل: ( هل سألك محمد عن ذلك ؟ فقال جبريل: هو أشد إيمانا وأعظم يقينا من أن يسأل عن ذلك ) . وقد تقدم هذا المعنى في الروايتين حسبما ذكرناه.


الآيات: 46 - 52 ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين، فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون، وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون، وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون، فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون، ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون، أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين )
قوله تعالى: « ولقد أرسلنا موسى بآياتنا » لما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه منتقم له من عدوه وأقام الحجة باستشهاد الأنبياء واتفاق الكل على التوحيد أكد ذلك قصة موسى وفرعون، وما كان من فرعون من التكذيب، وما نزل به وبقومه من الإغراق والتعذيب: أي أرسلنا موسى بالمعجزات وهي التسع الآيات فكذب؛ فجعلت العاقبة الجميلة له، فكذلك أنت. ومعنى: « يضحكون » استهزاء وسخرية؛ يوهمون أتباعهم أن تلك الآيات سحر وتخيل، وأنهم قادرون عليها. وقوله: « وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها » أي كانت آيات موسى من أكبر الآيات، وكانت كل واحدة أعظم مما قبلها. وقيل: « إلا وهي أكبر من أختها » لأن الأولى تقتضي علما والثانية تقتضي علما، فتضم الثانية إلى الأولى فيزداد الوضوح، ومعنى الأخوة المشاكلة المناسبة؛ كما يقال: هذه صاحبة هذه؛ أي قريبتان في المعنى. « وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون » أي على تكذيبهم بتلك الآيات؛ وهو كقوله تعالى: « ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات » [ الأعراف:130 ] . والطوفان والجراد والقمل والضفادع. وكانت هذه الآيات الأخيرة عذابا لهم وآيات لموسى. « لعلهم يرجعون » من كفرهم.
قوله تعالى: « وقالوا يا أيها الساحر » لما عاينوا العذاب قالوا يا أيها الساحر؛ نادوه بما كانوا ينادونه به من قبل ذلك على حسب عادتهم. وقيل: كانوا يسمون العلماء سحرة فنادوه بذلك على سبيل التعظيم. قال ابن عباس: « يا أيها الساحر » يا أيها العالم، وكان الساحر فيهم عظيما يوقرونه؛ ولم يكن السحر صفة ذم. وقيل: يا أيها الذي غلبنا بسحره؛ يقال: ساحرته فسحرته؛ أي غلبته بالسحر؛ كقول العرب: خاصمته فخصمته أي غلبته بالخصومة، وفاضلته ففضلته، ونحوها. ويحتمل أن يكون أرادوا به الساحر على الحقيقة على معنى الاستفهام، فلم يلمهم على ذلك رجاء أن يؤمنوا. وقرأ ابن عامر وأبو حيوة ويحيى بن ثابت « وأيهُ الساحر » بغير ألف والهاء مضمومة؛ وعلتها أن الهاء خلطت بما قبلها وألزمت ضم الياء الذي أوجبه النداء المفرد. وأنشد الفراء:

يأيه القلب اللجوج النفس أفق عن البيض الحسان اللعس

فضم الهاء حملا على ضم الياء؛ وقد مضى في « النور » معنى هذا. ووقف أبو عمرو وابن أبي إسحاق ويحيى والكسائي « أيها » بالألف على الأصل. الباقون بغير ألف؛ لأنها كذلك وقعت في المصحف. « ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون » « ادع لنا ربك بما عهد عندك » أي بما أخبرنا عن عهده إليك إنا إن آمنا كشف عنا؛ فسله يكشف عنا « إننا لمهتدون » أي فيما يستقبل. « فلما كشفنا عنهم العذاب » أي فدعا فكشفنا. « إذا هم ينكثون » أي ينقضون العهد على أنفسهم فلم يؤمنوا. وقيل:قولهم: « إننا لمهتدون » إخبار منهم عن أنفسهم بالإيمان؛ فلما كشف عنهم العذاب ارتدوا.
قوله تعالى: « ونادى فرعون في قومه » قيل: لما رأى تلك الآيات خاف ميل القوم إليه فجمع قومه فقال: فنادى بمعنى قال؛ قاله أبو مالك. فيجوز أن يكون عنده عظماء القبط فرفع صوته بذلك فيما بينهم ثم ينشر عنه في جموع القبط؛ وكأنه نودي بينهم. وقيل: إنه أمر من ينادي في قومه؛ قاله ابن جريج. « قال يا قوم أليس لي ملك مصر » أي لا ينازعني فيه أحد. قيل: إنه ملك منها أربعين فرسخا في مثلها؛ حكاه النقاش. وقيل أراد بالملك هنا الإسكندرية. « وهذه الأنهار تجري من تحتي » يعني أنهار النيل، ومعظمها أربعة: نهر الملك ونهر طولون ونهر دمياط ونهر تنيس. وقال قتادة: كانت جنانا وأنهارا تجري من تحت قصوره. وقيل: من تحت سريره. وقيل: « من تحتي » قال القشيري: ويجوز ظهور خوارق العادة على مدعي الربوبية؛ إذ لا حاجة في التمييز الإله من غير الإله إلى فعل خارق للعادة. وقيل معنى « وهذه الأنهار تجري من تحتي » أي القواد والرؤساء والجبابرة يسيرون من تحت لوائي؛ قاله الضحاك. وقيل: أراد بالأنهار الأموال، وعبر عنها بالأنهار لكثرتها وظهورها. وقوله: « تجري من تحتي » أي أفرقها على من يتبعني؛ لأن الترغيب والقدرة في الأموال دون الأنهار. « أفلا تبصرون » عظمتي وقوتي وضعف موسى. وقيل: قدرتي على نفقتكم وعجز موسى. والواو في « وهذه » يجوز أن تكون عاطفة للأنهار على « ملك مصر » و « تجري » نصب على الحال منها. ويجوز أن تكون واو الحال، واسم الإشارة مبتدأ، و « الأنهار » صفة لاسم الإشارة، و « تجري » خبر للمبتدأ. وفتح الياء من « تحتي » أهل المدينة والبزي وأبو عمرو، وأسكن الباقون. وعن الرشيد أنه لما قرأها قال: لأولينها أحسن عبيدي، فولاها الخصيب، وكان على وضوئه. وعن عبدالله بن طاهر أنه وليها فخرج إليها شارفها ووقع عليها بصره قال: أهذه القرية التي افتخر بها فرعون حتى قال: « أليس لي ملك مصر » ؟ ! والله لهي عندي أقل من أن أدخلها ! فثنى عنانه. ثم صرح بحاله فقال: « أم أنا خير » قال أبو عبيدة السدي: « أم » بمعنى « بل » وليست بحرف عطف؛ على قول أكثر المفسرين. والمعنى: قال فرعون لقومه بل أنا خير « من هذا الذي هو مهين » أي لا عزله فهو يمتهن نفسه في حاجاته لحقارته وضعفه « ولا يكاد يبين » يعني ما كان في لسانه من العقدة؛ على ما تقدم في « طه » وقال الفراء:في « أم » وجهان: إن شئت جعلتها من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله، وإن شئت جعلتها نسقا على قوله: « أليس لي ملك مصر » . وقيل: هي زائدة. وروى أبو زيد عن العرب أنهم يجعلون « أم » زائدة؛ والمعنى أنا خير من هذا الذي هو مهين. وقال الأخفش: في الكلام حذف، والمعنى: أفلا تبصرون أم تبصرون؛ كما قال:

أيا ظبية الوعساء بين جلاجل وبين النقا آأنت أم أم سالم

أي أنت أحسن أم أم سالم. ثم ابتداء فقال: ( أنا خير ) . وقال الخليل وسيبويه: المعنى « أفلا تبصرون » ، أم أنتم بصراء، فعطف بـ « أم » على « أفلا تبصرون » لأن معنى « أم أنا خير » أم أي تبصرون؛ وذلك أنهم إذا قالوا له أنت خير منه كانوا عنده بصراء.

وروي عن عيسى الثقفي ويعقوب الحضرمي أنهما وقفا على « أم » على أن يكون التقدير أفلا تبصرون أم تبصرون؛ فحذف تبصرون الثاني. وقيل من وقف على « أم » جعلها زائدة، وكأنه وقف على « تبصرون » من قوله: « أفلا تبصرون » . ولا يتم الكلام على « تبصرون » عند الخليل وسيبويه؛ لأن « أم » تقتضي الاتصال بما قبلها. وقال قوم: الوقف على قوله: « أفلا تبصرون » ثم ابتدأ « أم أنا خير » بمعنى بل أنا؛ وأنشد الفراء:

بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى وصورتها أم أنت في العين أملح

فمعناه: بل أنت أملح. وذكر الفراء أن بعض القراء قرأ « أما أنا خير » ؛ ومعنى هذا ألست خيرا. وروي عن مجاهد أنه وقف على « أم » ثم يبتدئ « أنا خير » وقد ذكر.

الآية: 53 ( فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين )
قوله تعالى: « فلولا » أي هلا « ألقي عليه أساورة من ذهب » إنما قال ذلك لأنه كان عادة الوقت وزي أهل الشرف. وقرأ حفص « أسورة » جمع سوار، كخمار وأخمرة. وقرأ أبي « أساور » جمع إسوار. وابن مسعود « أساوير » . الباقون « أساورة » جمع الأسورة فهو جمع الجمع. ويجوز أن يكون « أساورة » جمع « إسوار » وألحقت الهاء في الجمع عوضا من الياء؛ فهو مثل زناديق وزنادقة، وبطاريق وبطارقة، وشبهه. وقال أبو عمرو بن العلاء: واحد الأساورة والأساور والأساوير إسوار، وهي لغة في سوار. قال مجاهد: كانوا إذا سوروا رجلا سوروه بسوارين وطوقوه بطوق ذهب علامة لسيادته، فقال فرعون: هلا ألقى رب موسى عليه أساورة من ذهب إن كان صادقا ! « أو جاء معه الملائكة مقترنين » يعني متتابعين؛ في قول قتادة. مجاهد: يمشون معا. ابن عباس: يعاونونه على من خالفه؛ والمعنى: هلا ضم إليه الملائكة التي يزعم أنها عند ربه حتى يتكثر بهم ويصرفهم على أمره ونهيه؛ فيكون ذلك أهيب في القلوب. فأوهم قومه أن رسل الله ينبغي أن يكونوا كرسل الملوك في الشاهد، ولم يعلم أن رسل الله إنما أيدوا بالجنود السماوية؛ وكل عاقل يعلم أن حفظ الله موسى مع تفرده ووحدته من فرعون مع كثرة أتباعه، وإمداد موسى بالعصا واليد البيضاء كان أبلغ من أن يكون له أسورة أو ملائكة يكونون معه أعوانا - في قول مقاتل - أو دليلا على صدقه - في قول الكلبي - وليس يلزم هذا لأن الإعجاز كان، وقد كان في الجائز أن يكذب مع مجيء الملائكة كما كذب مع ظهور الآيات. وذكر فرعون الملائكة حكاية عن لفظ موسى؛ لأنه لا يؤمن بالملائكة من لا يعرف خالقهم.

الآية: 54 ( فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين )
قوله تعالى: « فاستخف قومه » قال ابن الأعرابي: المعنى فاستجهل قومه « فأطاعوه » لخفة أحلامهم وقلة عقولهم؛ يقال: استخفه الفرح أي أزعجه، واستخفه أي حمله على الجهل؛ ومنه: « ولا يستخفنك الذين لا يوقنون » [ الروم: 60 ] . وقيل: استفزهم بالقول فأطاعوه على، التكذيب. وقيل: استخف قومه أي وجدهم خفاف الأول. وهذا لا يدل على أنه يجب أن يطيعوه، فلا بد من إضمار بعيد تقديره وجدهم خفاف العقول فدعاهم إلى الغواية فأطاعوه. وقيل: استخف قومه وقهرهم حتى أتبعوه؛ يقال: استخفه خلاف استثقله، واستخف به أهانه. « إنهم كانوا قوما فاسقين » أي خارجين عن طاعة الله.

الآية: 55 ( فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين )
قوله تعالى: « فلما آسفونا انتقمنا منهم » روى الضحاك عن ابن عباس: أي غاظونا وأغضبونا. وروى عنه علي بن أبي طلحة: أي أسخطونا. قال الماوردي: ومعناها مختلف، والفرق بينهما أن السخط إظهار الكراهة. والغضب إرادة الانتقام. القشيري: والأسف ها هنا بمعنى الغضب؛ والغضب من الله إما إرادة العقوبة فيكون من صفات الذات، وإما عين العقوبة فيكون من صفات الفعل؛ وهو معنى قول الماوردي.

وقال عمر بن ذر: يا أهل معاصي الله، لا تغتروا بطول حلم الله عنكم، واحذروا أسفه؛ فإنه قال: « فلما آسفونا انتقمنا منهم » . وقيل: « آسفونا » أي أغضبوا رسلنا وأولياءنا المؤمنين؛ نحو السحرة وبني إسرائيل. وهو كقوله تعالى: « يؤذون الله » [ الأحزاب: 57 ] و « يحاربون الله » [ المائدة: 33 ] أي أولياءه ورسله.

الآية: 56 ( فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين )
قوله تعالى: « فجعلناهم سلفا » أي جعلنا قوم فرعون سلفا. قال أبو مِجْلَز: « سلفا » لمن عمل عملهم، و « مثلا » لمن يعمل عملهم. وقال مجاهد: « سلفا » إخبارا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، « ومثلا » أي عبرة لهم. وعنه أيضا « سلفا » لكفار قومك يتقدمونهم إلى النار. قتادة: « سلفا » إلى النار، « ومثلا » عظة لمن يأتي بعدهم. والسلف المتقدم؛ يقال: سلف يسلف سلفا؛ مثل طلب طلبا؛ أي تقدم ومضى. وسلف له عمل صالح أي تقدم. والقوم السلاف المتقدمون. وسلف الرجل: آباؤه المتقدمون؛ والجمع أسلاف وسلاف. وقراءة العامة « سلفا » ( بفتح السين واللام ) جمع سالف؛ كخادم وخدم، وراصد ورصد، وحارس وحرس. وقرأ حمزة والكسائي « سلفا » ( بضم السين واللام ) . قال الفراء هو جمع سليف، نحو سرير وسرر. وقال أبو حاتم: هو جمع سلف؛ نحو خشب وخشب، وثمر وثمر؛ ومعناهما واحد. وقرأ علي وابن مسعود وعلقمة وأبو وائل والنخعي وحميد بن قيس « سلفا » ( بضم السين وفتح اللام ) جمع سلفة، أي فرقة متقدمة. قال المؤرج والنضر بن شميل: « سلفا » جمع سلفة، نحو غرفة وغرف، وطرفة وطرف، وظلمة وظلم.
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله السبت سبتمبر 14, 2013 12:16 am

تابع تفسير القرطبى لسورة الزخرف
=========


الآية: 57 ( ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون )
لما قال تعالى: « وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون » [ الزخرف: 45 ] تعلق المشركون بأمر عيسى وقالوا: ما يريد محمد إلا أن نتخذه إلها كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم الها؛ قال قتادة. ونحوه عن مجاهد قال: إن قريشا قالت إن محمدا يريد أن نعبده كما عبد قوم عيسى عيسى؛ فأنزل الله هذه الآية. وقال ابن عباس: أراد به مناظرة عبدالله بن الزبعرى مع النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عيسى، وأن الضارب لهذا المثل هو عبدالله بن الزبعرى اسهمي حالة كفره لما قالت له قريش إن محمدا يتلو: « إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم » [ الأنبياء: 98 ] الآية، فقال: لو حضرته لرددت عليه؛ قالوا: وما كنت تقول له ؟ قال: كنت أقول له هذا المسيح تعبده النصارى، واليهود تعبد عزيرا، أفهما من حصب جهنم ؟ فعجبت قريش من مقالته ورأوا أنه قد خصم؛ وذلك معنى قوله: « يصدون » فما نزل الله تعالى: « إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون » [ الأنبياء: 101 ] . ولو تأمل ابن الزبعرى الآية ما أعترض عليها؛ لأنه قال: « وما تعبدون » ولم يقل ومن تعبدون وإنما أراد الأصنام ونحوها مما لا يعقل، ولم يرد المسيح ولا الملائكة وإن كانوا معبودين. وقد مضى هذا في آخر سورة « الأنبياء » .

وروى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقريش: [ يا معشر قريش لا خير في أحد يعبد من دون الله ] . قالوا: أليس تزعم أن عيسى كان عبدا نبيا وعبدا صالحا، فإن كان كما تزعم فقد كان يعبد من دون الله !. فأنزل الله تعالى: « ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك يصدون » أي يضجون كضجيج الإبل عند حمل الأثقال. وقرأ نافع وابن عامر والكسائي « يصدون » ( بضم الصاد ) ومعناه يعرضون؛ قاله النخعي، وكسر الباقون. قال الكسائي: هما لغتان؛ مثل يعرشون ويعرشون وينمون وينمون، ومعناه يضجون. قال الجوهري: وصد يصد صديدا؛ أي ضج. وقيل: إنه بالضم من الصدود وهو الإعراض، وبالكسر من الضجيج؛ قال قطرب. قال أبو عبيد: لو كانت من الصدود عن الحق لكانت: إذا قومك عنه يصدون. الفراء: هما سواء؛ منه وعنه. ابن المسيب: يصدون يضجون. الضحاك يعجون. ابن عباس: يضحكون. أبو عبيدة: من ضم فمعناه يعدلون؛ فيكون المعنى: من أجل الميل يعدلون. ولا يعدى « يصدون » بمن، ومن كسر فمعناه يضجون؛ فـ « من » متصلة بـ « يصدون » والمعنى يضجون منه.

الآية: 58 ( وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون )
قوله تعالى: « وقالوا أآلهتنا خير أم هو » أي ألهتنا خير أم عيسى ؟ قال السدي. وقال: خاصموه وقالوا إن كل من عبد من دون الله في النار، فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى والملائكة وعزير، فأنزل الله تعالى: « إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون » [ الأنبياء: 101 ] الآية. وقال قتادة: « أم هو » يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم. وفي قراءة ابن مسعود « ألهتنا خير أم هذا » . وهو يقوي قول قتادة، فهو استفهام تقرير في أن آلهتهم خير. وقرأ الكوفيون ويعقوب « أألهتنا » بتحقيق الهمزتين، ولين الباقون. وقد تقدم. « ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون » « ما ضربوه لك إلا جدلا » حال؛ أي جدلين. يعني ما ضربوا لك هذا المثل إلا إرادة الجدل؛ لأنهم علموا أن المراد بحصب جهنم ما اتخذوه من الموت « بل هم قوم خصمون » مجادلون بالباطل. وفي صحيح الترمذي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل - ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية - « ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون » ] .

الآيات: 59 - 60 ( إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل، ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون )
قوله تعالى: « إن هو إلا عبد أنعمنا عليه » أي ما عيسى إلا عبد أنعم الله عليه بالنبوة، وجعله مثلا لبني إسرائيل؛ أي آية وعبرة يستدل بها. على قدرة الله تعالى؛ فإن عيسى كان من غير أب، ثم جعل الله من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص والأسقام كلها ما لم يجعل لغيره في زمانه، مع أن بني إسرائيل كانوا يومئذ خير الخلق وأحبه إلى الله عز وجل، والناس دونهم، ليس أحد عند الله عز وجل مثلهم.

وقيل المراد بالعبد المنعم عليه محمد صلى الله عليه وسلم؛ والأول أظهر. « ولو نشاء لجعلنا منكم » أي بدلا منكم « ملائكة » يكونون خلفا عنكم؛ قال السدي. ونحوه عن مجاهد قال: ملائكة يعمرون الأرض بدلا منكم. وقال الأزهري: إن « من » قد تكون للبدل؛ بدليل هذه الآية.

قلت: قدم تقدم هذا المعنى في « التوبة » وغيرها. وقيل: لو نشاء لجعلنا من الإنس ملائكة وإن لم تجر العادة بذلك، والجواهر جنس واحد والاختلاف بالأوصاف؛ والمعنى: لو نشاء لأسكنا الأرض الملائكة، وليس في إسكاننا إياهم السماء شرف حتى يعبدوا، أو يقال لهم بنات الله. ومعنى « يخلفون » يخلف بعضهم بعضا؛ قاله ابن عباس.

الآيات: 61 - 62 ( وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم، ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين )
قوله تعالى: « وإنه لعلم للساعة » قال الحسن وقتادة وسعيد بن جببر: يريد القرآن؛ لأنه يدل على قرب مجيء الساعة، أو به تعلم الساعة وأهوالها وأحوالها.

وقال ابن عباس ومجاهد والضحاك والسدي وقتادة أيضا: إنه خروج عيسى عليه السلام، وذلك من أعلام الساعة. لأن الله ينزله من السماء قبيل قيام الساعة، كما أن خروج الدجال من أعلام الساعة. وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة ومالك بن دينار والضحاك « وإنه لعلم للساعة » ( بفتح العين واللام ) أي أمارة. وقد روي عن عكرمة « وإنه للعلم » ( بلامين ) وذلك خلاف للمصاحف. وعن عبدالله بن مسعود. قال: لما كان ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم لقي إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام فتذاكروا الساعة فبدؤوا بإبراهيم فسألوه عنها فلم يكن عنده منها علم، ثم سألوا موسى فلم يكن عنده منها علم؛ فرد الحديث إلى عيسى ابن مريم قال: قد عهد إلي فيما دون وجبتها فأت وجبتها فلا يعلمها إلا الله عز وجل؛ فذكر خروج الدجال - قال: فأنزل فأقتله. وذكر الحديث، خرجه ابن ماجة في سننه. وفي صحيح مسلم [ فبينما هو - يعني المسيح الدجال - إذ بعث الله المسيح بن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله... ] الحديث...

وذكر الثعلبي والزمخشري وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ ينزل عيسى بن مريم عليه السلام من السماء على ثنية من الأرض المقدسة يقال لها أفيق بين ممصرتين وشعر رأسه دهين وبيده حربة يقتل بها الدجال فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة العصر والإمام يؤم بهم فيتأخر الإمام فيقدمه عيسى ويصلي خلفه على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب ويخرب البيع والكنائس ويقتل النصارى إلا من آمن به ] . وروى خالد عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم إنه ليس بيني وبينه نبي وإنه أول نازل فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقاتل الناس على الإسلام ] . قال الماوردي: وحكى ابن عيسى عن قوم أنهم قالوا إذا نزل عيسى رفع التكليف لئلا يكون رسولا إلى ذلك الزمان يأمرهم عن الله تعالى وينهاهم. وهذا قول مردود لثلاثة أمور؛ منها الحديث، ولأن بقاء الدنيا يقتضي التكليف فيها، ولأنه ينزل آمرا بمعروف وناهيا عن منكر. وليس يستنكر أن يكون أمر الله تعالى له مقصورا على تأييد الإسلام والأمر به والدعاء إليه.

قلت: ثبت في صحيح مسلم وابن ماجة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ لينزلن عيسى بن مريم حكما عادلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد ] . وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ كيف أنتم إذا نزل،ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ] وفي رواية [ فأمكم منكم ] قال ابن أبي ذئب: تدري [ ما أمكم منكم ] ؟ قلت: تخبرني، قال: فأمكم بكتاب ربكم وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم. قال علماؤنا رحمة الله عليهم: فهذا نص على أنه ينزل مجددا لدين النبي صلى الله عليه وسلم للذي درس منه، لا بشرع مبتدأ والتكليف باق؛ على ما بيناه هنا وفي كتاب التذكرة.

وقيل: « وإنه لعلم للساعة » أي وإن إحياء عيسى الموتى دليل على الساعة وبعث الموتى؛ قال ابن إسحاق.

قلت: ويحتمل أن يكون المعنى « وإنه » وإن محمدا صلى الله عليه وسلم لعلم للساعة؛ بدليل قوله عليه السلام: [ بعثت أنا والساعة كهاتين ] وضم السبابة والوسطى؛ خرجه البخاري ومسلم. وقال الحسن: أول أشراطها محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: « فلا تمترن بها واتبعوني هذا صراط مستقيم » « فلا تمترون بها » فلا تشكون فيها؛ يعني في الساعة؛ قاله يحيى بن سلام. وقال السدي: فلا تكذبون بها، ولا تجادلون فيها فإنها كائنة لا محالة. « واتبعون » أي في التوحيد وفيما أبلغكم عن الله. « هذا صراط مستقيم » أي طريق قويم إلى الله، أي إلى جنته. وأثبت الياء يعقوب في قوله: « واتبعون » في الحالين، وكذلك « وأطيعون » . وأبو عمرو وإسماعيل عن نافع في الوصل دون الوقف، وحذف الباقون في الحالين. « ولا يصدنكم الشيطان » أي لا تغتروا بوساوسه وشبه الكفار. المجادلين؛ فإن شرائع الأنبياء لم تختلف في التوحيد ولا فيما أخبروا به من علم الساعة وغيرها بما تضمنته من جنه أو نار. « إنه لكم عدو مبين » تقدم.

الآيات: 63 - 64 ( ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون، إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم )
قوله تعالى: « ولما جاء عيسى بالبينات » قال ابن عباس: يريد إحياء الموتى وإبراء الأسقام، وخلق الطير، والمائدة وغيرها، والإخبار بكثير من الغيوب. وقال قتادة: البينات هنا الإنجيل. « قال قد جئتكم بالحكمة » أي النبوة؛ قاله السدي. ابن عباس: علم ما يؤدي إلى الجميل ويكف عن القبيح. وقيل الإنجيل؛ ذكره القشيري والماوردي. « ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه » قال مجاهد: من تبديل التوراة. الزجاج: المعنى لأبين لكم في الإنجيل بعض الذي تختلفون فيه من تبديل التوراة.

قال مجاهد: وبين لهم في غير الإنجيل ما احتاجوا إليه. وقيل: بين لهم بعض الذي اختلفوا فيه من أحكام التوراة على قدر ما سألوه. ويجوز أن يختلفوا في أشياء غير ذلك لم يسألوه عنها. وقيل: إن بني إسرائيل اختلفوا بعد موت موسى في أشياء من أمر دينهم وأشياء من أمر دنياهم فبين لهم أمر دينهم. ومذهب أبي عبيدة أن البعض بمعنى الكل؛ ومنه قوله تعالى: « يصبكم بعض الذي يعدكم » [ غافر: 28 ] . وأنشد الأخفش قول لبيد:

سراك أمكنة إذا لم أرضها وتعتلق بعض النفوس حمامها

والموت لا يعتلق بعض النفوس دون بعض. ويقال للمنية: علوق وعلاقة. قال المفضل البكري:

وسائلة بثعلبة بن سير وقد علقت بثعلبة العلوق

وقال مقاتل: هو كقول: « ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم » [ آل عمران: 50 ] . يعني ما أحل في الإنجيل مما كان محرما في التوراة؛ كلحم الإبل والشحم من كل حيوان وصيد السمك يوم السبت. « فاتقوا الله » أي اتقوا الشرك ولا تعبدوا إلا الله وحده؛ وإذا كان هذا قول عيسى فكيف يجوز أن يكون إلها أو ابن إله. « وأطيعون » فيما أدعوكم إليه من التوحيد وغيره. « إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم » أي عبادة الله صراط مستقيم، وما سواه معوج لا يؤدي سالكه إلى الحق.

الآيات: 65 - 66 ( فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم، هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون )
قوله تعالى: « فاختلف الأحزاب من بينهم » قال قتادة: يعني ما بينهم، وفيهم قولان: أحدهما: أنهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، خالف بعضهم بعضا، قال مجاهد والسدي. الثاني: فرق النصارى من النسطورية والملكية واليعاقبة، اختلفوا في عيسى؛ فقال النسطورية: هو ابن الله. وقالت اليعاقبة: هو الله. وقالت الملكية: ثالث ثلاثة أحدهم الله؛ قال الكلبي ومقاتل، وقد مضى هذا في سورة « مريم » . « فويل للذين ظلموا » أي كفروا وأشركوا؛ كما في سورة « مريم » . « من عذاب يوم أليم » أي أليم عذابه؛ مثله: ليل نائم؛ أي ينام فيه. « هل ينظرون » يريد الأحزاب لا ينتظرون. « إلا الساعة أن تأتيهم بغتة » « إلا الساعة » يريد القيامة. « أن تأتيهم بغتة » أي فجأة. « وهم لا يشعرون » يفطنون. وقد مضى في غير موضع. وقيل: المعنى لا ينتظر مشركو العرب إلا الساعة. ويكون « الأحزاب » على هذا، الذين تحزبوا على النبي صلى الله عليه وسلم وكذبوه من المشركين. ويتصل هذا بقوله تعالى: « ما ضربوه لك إلا جدلا » [ الزخرف: 58 ] .
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الأحد سبتمبر 15, 2013 8:54 am

تابع تفسير القرطبى لسورة الزخرف
===========


الآية: 67 ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين )
قوله تعالى: « الأخلاء يومئذ » يريد يوم القيامة. « بعضهم لبعض عدو » أي أعداء، يعادي بعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعضا. « إلا المتقين » فإنهم أخلاء في الدنيا والآخرة؛ قال معناه ابن عباس ومجاهد وغيرهما. وحكى النقاش أن هذه الآية نزلت في أمية بن خلف الجمحي وعقبة بن أبي معيط، كانا خليلين؛ وكان عقبة يجالس النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت قريش: قد صبأ عقبة بن أبي معيط؛ فقال له أمية: وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمدا ولم تتفل في وجهه؛ ففعل عقبة ذلك؛ فنذر النبي صلى الله عليه وسلم قتله فقتله يوم بدر صبرا، وقتل أمية في المعركة؛ وفيهم نزلت هذه الآية. وذكر الثعلبي رضي الله عنه في هذه الآية قال: كان خليلان مؤمنان وخليلان كافران، فمات أحد المؤمنين فقال: يا رب، إن فلانا كان يأمرني بطاعتك، وطاعة رسولك، وكان يأمرني بالخير وينهاني عن الشر. ويخبرني أني ملاقيك، يا رب فلا تضله بعدي، وأهده كما هديتني، وأكرمه كما أكرمتني. فإذا مات خليله المؤمن جمع الله ببنهما، فيقول الله تعالى: ليثن كل واحد منكما على صاحبه، فيقول: يا رب، إنه كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر، ويخبرني أني ملاقيك، فيقول الله تعالى: نعم الخليل ونعم الأخ ونعم الصاحب كان. قال: ويموت أحد الكافرين فيقول: يا رب، إن فلانا كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير، ويخبرني أني غير ملاقيك، فأسألك يا رب ألا تهده بعدي، وأن تضله كما أضللتني، وأن تهينه كما أهنتني؛ فإذا مات خليله الكافر قال الله تعالى لهما: لثين كل واحد منكما على صاحبه، فيقول: يا رب، إنه كان يأمرني بمعصيتك ومعصية رسولك، ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير ويخبرني أني غير ملاقيك، فأسألك أن تضاعف عليه العذاب؛ فيقول الله تعالى: بئس الصاحب والأخ والخليل كنت. فيلعن كل واحد منهما صاحبه.

قلت: والآية عامة في كل مؤمن ومتق وكافر ومضل.

الآية: 68 ( يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون )
قال مقاتل ورواه المعتمر بن سليمان عن أببه: ينادي مناد في العرصات « يا عبادي لا خوف عيكم اليوم » ، فيرفع أهل العرصة رؤوسهم، فيقول المنادي: « الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين » فينكس أهل الأديان رؤوسهم غير المسلمين.

وذكر المحاسبي في الرعاية: وقد روي في هذا الحديث أن المنادي ينادي يوم القيامة: « يا عبادي لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون » فيرفع الخلائق رؤوسهم، يقولون: نحن عباد الله. ثم ينادي الثانية: « الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين » فينكس الكفار رؤوسهم ويبقى الموحدون رافعي رؤوسهم. ثم ينادي الثالث: « الذين آمنوا وكانوا يتقون » [ يونس: 63 ] فينكس أهل الكبائر رؤوسهم، ويبقى أهل التقوى رافعي رؤوسهم، قد أزال عنهم الخوف والحزن كما وعدهم؛ لأنه أكرم الأكرمين، لا يخذل وليه ولا يسلمه عند الهلكة. وقرئ « يا عباد » . وقرأ أبو بكر وزر بن حبيش « يا عبادي » بفتح الياء وإثباتها في الحالين؛ ولذلك أثبتها نافع وابن عامر وأبو عمرو ورويس ساكنة في الحالين. وحذفها الباقون في الحالين؛ لأنهما وقعت مثبتة في مصاحف أهل الشام والمدينة لا غير.

الآيات: 69 - 70 ( الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين، ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون )
قال الزجاج: « الذين » نصب على النعت لـ « عبادي » لأن « عبادي » منادى مضاف. وقيل: « الذين آمنوا » خبر لمبتدأ محذوف أو ابتداء وخبره محذوف؛ تقديره هم الذين آمنوا، يقال لهم: « ادخلوا الجنة » أو يا عبادي الذين آمنوا ادخلوا الجنة. « أنتم وأزواجكم » المسلمات في الدنيا. وقيل: قرناؤكم من المؤمنين. وقيل: زوجاتكم من الحور العين. « تحبرون » تكرمون؛ قاله ابن عباس؛ والكرامة في المنزلة. الحسن: تفرحون. والفرح في القلب. قتادة: ينعمون؛ والنعيم في البدن. مجاهد؛ تسرون؛ والسرور في العين. ابن أبي نجيح: تعجبون؛ والعجب ها هنا درك ما يستطرف يحي بن أبي كثير: هو التلذذ بالسماع. وقد مضى.

الآية: 71 ( يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون )
قوله تعالى: « يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب » أي لهم في الجنة أطعمة وأشربة يطاف بها عليهم في صحاف من ذهب وأكواب. ولم يذكر الأطعمة والأشربة؛ لأنه يعلم أنه لا معنى للإطافة بالصحاف والأكواب عليهم من غير أن يكون فيها شيء. وذكر الذهب في الصحاف واستغنى به عن الإعادة في الأكواب؛ كقوله تعالى: « والذاكرين الله كثيرا والذاكرات » [ الأحزاب: 35 ] . وفي الصحيحين عن حذيفة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [ لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ] . وقد مضى في سورة « الحج » أن من أكل فيهما في الدنيا أو لبس الحرير في الدنيا ولم يتب حرم ذلك في الآخرة تحريما مؤيدا. والله أعلم. وقال المفسرون: يطوف على أدناهم في الجنة منزلة سبعون ألف غلام بسبعين ألف صحفة من ذهب، يغدى عليها بها، في كل واحدة منها لون ليس في صاحبتها، يأكل من آخرها كما يأكل من أولها، ويجد طعم آخرها كما يجد طعم أولها، لا يشبه بعضه بعضا، ويراح عليه بمثلها. ويطوف على أرفعهم درجة كل يوم سبعمائة ألف غلام، مع كل غلام صحفة من ذهب، فيها لون من الطعام ليس في صاحبتها، يأكل من آخرها كما يأكل من أولها، ويجد طعم آخرها كما يجد طعم أولها، لا يشبه بعضه بعضا.

« وأكواب » أي ويطاف عليهم بأكواب؛ كما قال تعالى: « ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب » [ الإنسان: 15 ] .

وذكر ابن المبارك قال: أخبرنا معمر عن رجل عن أبي قلابة قال: يؤتون بالطعام والشراب، فإذا كان في آخر ذلك أوتوا بالشراب الطهور فتضمر لذلك بطونهم، ويفيض عرقا من جلودهم أطيب من ريح المسك؛ ثم قرأ « شرابا طهورا » [ الإنسان: 21 ] . وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون قالوا فما بال الطعام ؟ قال: جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد والتكبير - في رواية - كما يلهمون النفس ] .
روى الأئمة من حديث أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ) وقال: ( لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها ) وهذا يقتضي التحريم، ولا خلاف في ذلك. واختلف الناس في استعمالها في غير ذلك. قال ابن العربي: والصحيح أنه لا يجوز للرجال استعمالها في شي لقول النبي صلى الله عليه وسلم الذهب والحرير: ( هذان حرام لذكور أمتي حل لإناثها ) . والنهي عن الأكل والشرب فيها يدل علن تحريم استعمالها؛ لأنه نوع من المتاع فلم يجز. أصله الأكل والشرب، ولأن العلة في ذلك استعجال أمر الآخرة، وذلك يستوي فيه الأكل والشرب وسائر أجزاء الانتفاع؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم قال: ( هي لهم في الدنيا ولنا في الآخرة ) فلم يجعل لنا فيها حظا في الدنيا.
إذا كان الإناء مضببا بهما أو فيه حلقة منهما؛ فقال مالك: لا يعجبني أن يشرب فيه، وكذلك المرأة تكون فيها الحلقة من الفضة ولا يعجبني أن ينظر فيها وجهه.

وقد كان عند أنس إناء مضبب بفضة وقال: لقد سقيت فيه النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن سيرين: كانت فيه حلقة حديد فأراد أنس أن يجعل فيه حلقة فضة؛ فقال أبو طلحة: لا أغير شيئا مما صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فتركه.
إذا لم يجز استعمالها لم يجز اقتناؤها؛ لأن ما لا يجوز استعماله لا يجوز اقتناؤه كالصنم والطنبور. وفي كتب علمائنا أنه يلزم الغرم في قيمتها لمن كسرها، وهو معنى فاسد، فإن كسره واجب فلا ثمن لقيمتها. ولا يجوز تقويمها في الزكاة بحال. وغير هذا لا يلتفت إليه.
قوله تعالى: « بصحاف » قال الجوهري: الصحفة كالقصعة والجمع صحاف. قال الكسائي: أعظم القصاع الجفنة ثم القصعة طيها تشبع العشرة، ثم الصحفة تشبع الخمسة، ثم المئكلة تشبع الرجلين والثلاثة، ثم الصحيفة تشبع الرجل. والصحيفة الكتاب والجمع صحف وصحائف. « وأكواب » قال الجوهري: الكوب كوز لا عروة له، والجمع أكواب قال الأعشى يصف الخمر:

صريفية طيب طعمها لها زبد بين كوب ودن

وقال آخر:

متكئا تصفق أبوابه يسعى عليه العبد بالكوب

وقال قتادة: الكوب المدور القصير العنق القصير العروة. والإبريق: المستطيل العنق الطويل العروة. وقال الأخفش: الأكواب الأباريق التي لا خراطيم لها. وهي الأباريق التي ليست لها عرى. وقال مجاهد: إنها الآنية المدورة الأفواه. السدي: هي التي لا آذان لها. ابن عزيز: « أكواب » أباريق لا عرى لها ولا خراطيم؛ واحدها كوب.

قلت: وهو معنى قول مجاهد والسدي، وهو مذهب أهل اللغة أنها التي لا آذان لها ولا عرى.
قوله تعالى: « وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين » روى الترمذي عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله،هل في الجنة من خيل ؟ قال: [ إن الله أدخلك الجنة فلا تشاء أن تحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء يطير بك في الجنة حيث شئت ] . قال: وسأله رجلا فقال يا رسول الله، هل في الجنة من إبل ؟ قال: فلم يقل له مثل ما قال لصاحبه قال: [ إن أدخلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك ] . وقرأ أهل المدينة، ابن عامر وأهل الشام « وفيها ما تشتهيه الأنفس » ، الباقون « تشتهي الأنفس » أي تشتهيه الأنفس؛ تقول الذي ضربت زيد، أي الذي ضربته زيد. « وتلذ الأعين » تقول: لذ الشيء يلذ لذاذا، ولذاذة. ولذذت. بالشيء ألذ ( بالكسر في الماضي والفتح في المستقبل ) لذاذا ولذاذة؛ أي وجدته لذيذا. والتذذت به وتلذذت به بمعنى. أي في الجنة ما تستلذه العين فكان حسن المنظر. وقال سعيد بن جبير: « وتلذ الأعين » النظر إلى الله عز وجل؛ كما في الخبر: [ أسألك لذة النظر إلى وجهك ] . « وأنتم فيها خالدون » باقون دائمون؛ لأنها لو انقطعت لتبغضت.

الآية: 72 ( وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون )
قوله تعالى: « وتلك الجنة » أي يقال لهم هذه تلك الجنة التي كانت توصف لكم في الدنيا. وقال ابن خالَويه: أشار تعالى إلى الجنة بتلك وإلى جهنم بهذه؛ ليخوف بجهنم ويؤكد التحذير منها. وجعلها بالإشارة القريبة كالحاضرة التي ينظر إليها. « التي أورثتموها بما كنتم تعملون » قال ابن عباس: خلق الله لكل نفس جنة ونارا؛ فالكافر يرث نار المسلم، والمسلم يرث جنة الكافر؛ وقد تقدم هذا مرفوعا في « قد أفلح المؤمنون » [ المؤمنون: 1 ] من حديث أبي هريرة، وفي « الأعراف » أيضا.

الآية: 73 ( لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون )

الفاكهة معروفة، وأجناسها الفواكه، والفاكِهاني الذي يبيعها. وقال ابن عباس: هي الثمار كلها، رطبها وطيبا؛ أي لهم في الجنة سوى الطعام والشراب فاكهة كثيرة يأكلون منها.

الآيات: 74 - 76 ( إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون، لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون، وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين )
قوله تعالى: « إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون » لما ذكر أحوال أهل الجنة ذكر أحوال أهل النار أيضا ليبين فضل المطيع على العاصي. « لا يفتر عنهم » أي لا يخفف عنهم ذلك العذاب. « وهم فيه ملبسون » أي آيسون من الرحمة. وقيل: ساكتون سكوت يأس؛ وقد مضى. « وما ظلمناهم » بالعذاب « ولكن كانوا هم الظالمين » أنفسهم بالشرك. ويجوز « ولكن كانوا هم الظالمون » بالرفع على الابتداء والخبر والجملة خبر كان.

الآية: 77 ( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون )
قوله تعالى: « ونادوا يا مالك » وهو خازن جهنم، خلقه لغضبه؛ إذا زجر النار زجرة أكل بعضها بعضا. وقرأ علي وابن مسعود رضي الله عنهما « ونادوا يا مالِ » وذلك خلاف المصحف. وقال أبو الدرداء وابن مسعود: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم « ونادوا يا مال » باللام خاصة؛ يعني رخم الاسم وحذف الكاف. والترخيم الحذف، ومنه ترخيم الاسم في النداء، وهو أن يحذف من آخره حرف أوكثر، فتقول في مالك: يا مال، وفي حارث: يا حار، وفي فاطمة: يا فاطم، وفي عائشة يا عائش وفي مروان: يا مرو، وهكذا. قال:

يا حار لا أرمين منكم به بداهية لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك

وقال امرؤ القيس:

أحار ترى برقا أريك وميضه كلمع اليدين في حبي مكلل

وقال أيضا:

أفاطم مهلا بعض هذا التدليل وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

وقال آخر:

يا مرو إن مطيتي محبوسة ترجو الحباء وربها لم ييأس

وفي صحيح الحديث ( أي فل، هلم ) . ولك في آخر الاسم المرخم وجهان: أحدهما: أن تبقيه على ما كان عليه قبل الحذف. والآخر: أن تبقيه على الضم؛ مثل: يا زيد؛ كأنك أنزلته منزلته ولم تراع المحذوف. وذكر أبو بكر الأنباري قال: حدثنا محمد بن يحيى المروزي قال حدثنا محمد - وهو ابن سعدان - قال حدثنا حجاج عن شعبة عن الحكم بن عيينة عن مجاهد قال: كنا لا ندري ما الزخرف حتى وجدناه في قراءة عبدالله « بيت من ذهب » ، وكنا لا ندري « ونادوا يا مالك » أو يا ملك ( بفتح اللام وكسرها ) حتى وجدناه في قراءة عبدالله « ونادوا يا مال » على الترخيم. قال أبو بكر: لا يعمل على هذا الحديث لأنه مقطوع لا يقبل مثله في الرواية عن الرسول عليه السلام؛ وكتاب الله أحق بأن يحتاط له وينفى عنه الباطل.

قلت: وفي صحيح البخاري عنه صفوان بن يعلى عن أبيه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر: « ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك » بإثبات الكاف.

وقال محمد بن كعب القرظي: بلغني - أو ذكر لي - أن أهل النار استغاثوا بالخزنة فقال الله تعالى: « وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب » [ غافر: 49 ] فسألوا يوما واحدا يخفف عنهم فيه العذاب؛ فردت عليهم: « قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال » [ غافر:50 ] قال: فلما يئسوا مما عند الخزنة نادوا مالكا؛ وهو عليهم وله مجلس في وسطها، وجسور تمر عليها ملائكة العذاب؛ فهو يرى أقصاها كما يرى أدناها فقالوا: « يا مالك ليقض علينا ربك » سألوا الموت، قال: فسكت عنهم لا يجيبهم ثمانين سنة، قال: والسنة ستون وثلاثمائة يوم، والشهر ثلاثون يوما، واليوم كألف سنة مما تعدون، ثم لحظ إليهم بعد الثمانين فقال: « إنكم ماكثون » وذكر الحديث؛ ذكره ابن المبارك. وفي حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ فيقولون ادعوا مالكا فيقولون يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون ] . قال الأعمش: نبئت أن بين دعائهم وبين إجابة مالك إياهم ألف عام؛ خرجه الترمذي. وقال ابن عباس: يقولون ذلك فلا يجيبهم ألف سنة، ثم يقول إنكم ماكثون. وقال مجاهد ونوف البكالي: بين ندائهم وإجابته إياهم مائة سنة. وقال عبدالله بن عمرو: أربعون سنة؛ ذكره ابن المبارك.

الآية: 78 ( لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون )
يحتمل أن يكون هذا من قول مالك لهم؛ أي إنكم ماكثون في النار لأنا جئناكم في الدنيا بالحق فلم تقبلوا. ويحتمل أن يكون من كلام الله لهم اليوم؛ أي بينا لكم الأدلة وأرسلنا إليكم الرسل. « ولكن أكثركم » قال ابن عباس: « ولكن أكثركم » أي ولكن كلكم. وقيل: أراد بالكثرة الرؤساء والقادة منهم؛ وأما الأتباع فما كان لهم أثر « للحق » أي للإسلام ودين الله « كارهون » .
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الإثنين سبتمبر 16, 2013 12:30 am

تابع تفسير القرطبى لسورة الزخرف
===========


الآية: 79 ( أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون )
قال مقاتل: نزلت في تدبيرهم المكر بالنبي صلى الله عليه وسلم في دار الندوة، حين استقر أمرهم على ما أشار به أبو جهل عليهم أن يبرز من كل قبيلة رجل ليشتركوا في قتله فتضعف المطالبة بدمه؛ فنزلت هذه الآية، وقتل الله جميعهم ببدر.

« أبرموا » أحكموا. والإبرام الإحكام. أبرمت الشيء أحكمته. وأبرم القتال إذا أحكم القتل، وهو القتل الثاني، والأول سحيل؛ كما قال:
. .. من سحيل ومبرم
فالمعنى: أم أحكموا كيدا فإنا محكمون لهم كيدا؛ قال ابن زيد ومجاهد. قتادة: أم أجمعوا على التكذيب فإنا مجمعون على الجزاء بالبعث. الكلبي: أم قضوا أمرا فإنا قاضون عليهم بالعذاب. وأم بمعنى بل. وقيل: « أم أبرموا » عطف على قوله: « أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون » [ الزخرف: 45 ] . وقيل: أي ولقد جئناكم بالحق فلم تسمعوا، أم سمعوا فأعرضوا لأنهم في أنفسهم أبرموا أمرا أمنوا به العقاب.

الآية: 80 ( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون )
قوله تعالى: « أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم » أي ما يسرونه في أنفسهم ويتناجون به بينهم. « بلى » نسمع ونعلم. « ورسلنا لديهم يكتبون » أي الحفظة عندهم يكتبون عليهم. وروي أن هذا نزل في ثلاثة نفر كانوا بين الكعبة وأستارها؛ فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع كلامنا ؟ وقال الثاني: إذا جهرتم سمع، وإذا أسررتم لم يسمع. وقال الثالث: إن كان يسمع إذا أعلنتم فهو يسمع إذا أسررتم؛ قاله محمد بن كعب القرظي، وقد مضى هذا المعنى عن ابن مسعود في سورة « فصلت » .

الآيات: 81 - 82 ( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين، سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون )
قوله تعالى: « قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين » اختلف في معناه؛ فقال ابن عباس والحسن والسدي: المعنى ما كان للرحمن ولد، فـ « إن » بمعنى ما، ويكون الكلام على هذا تاما، ثم تبتدئ: « فأنا أول العابدين » أي الموحدين من أهل مكة على أنه لا ولد له. والوقف على « العابدين » تام. وقيل: المعنى قل يا محمد إن ثبت لله ولد فأنا أول من يعبد ولده، ولكن يستحيل أن يكون له ولد؛ وهو كما تقول لمن تناظره: إن ثبت بالدليل فأنا أول من يعتقده؛ وهذا مبالغة في الاستبعاد؛ أي لا سبيل إلى اعتقاده. وهذا ترقيق في الكلام؛ كقوله: « وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين » [ سبأ: 24 ] . والمعنى على هذا: ترقيق في الكلام؛ كقول: « وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين » [ سبأ: 24 ] . والمعنى على هذا: فأنا أول العابدين لذلك الولد، لأن تعظيم الولد تعظيم للوالد. وقال مجاهد: المعنى إن كان للرحمن ولد فأنا أول من عبده وحده، على أنه لا ولد له. وقال السدي أيضا: المعنى لو كان له ولد كنت أول من عبده على أن له ولدا؛ ولكن لا ينبغي ذلك. قال المهدوي: فـ « إن » على هذه الأقوال للشرط، وهو الأجود، وهو اختيار الطبري، لأن كونها بمعنى ما يتوهم معه أن المعنى لم يكن له فيما مضى. وقيل: إن معنى « العابدين » الآنفين. وقال بعض العلماء: لو كان كذلك لكان العبدين. وكذلك قرأ أبو عبدالرحمن واليماني « فأنا أول العبدين » بغير ألف، يقال: عبد يعبد عبدا ( بالتحريك ) إذا أنف وغضب فهو عبد، والاسم العبدة مثل الأنفة، عن أبي زيد. قال الفرزدق:

أولئك أجلاسي فجئني بمثلهم واعبد أن أهجو كلبا بدارم

وينشد أيضا:

أولئك ناس إن هجوني هجوتهم وأعبد أن يهجى كليب بدارم

قال الجوهري: وقال أبو عمرو وقوله تعالى: « فأنا أول العابدين » من الأنف والغضب، وقال الكسائي والقتبي، حكاه الماوردي عنهما. وقال الهروي: وقوله تعالى: « فأنا أول العابدين » قيل هو من عبد يعبد؛ أي من الآنفين. وقال ابن عرفة: إنما يقال عبد يعبد فهو عبد؛ وقلما يقال عابد، والقرآن لا يأتي بالقليل من اللغة ولا الشاذ، ولكن المعنى فأنا أول من يعبد الله عز وجل على أنه واحد لا ولد له.

وروي أن امرأة دخلت على زوجها فولدت منه لستة أشهر، فذكر ذلك لعثمان رضي الله عنه فأمر برجمها؛ فقال له علي: قال الله تعالى: « وحمله وفصاله ثلاثون شهرا » [ الأحقاف:15 ] وقال في آية أخرى: « وفصاله في عامين » [ لقمان: 14 ] فوالله ما عَبِد عثمان أن بعث إليها تُرَدُّ. قال عبدالله بن وهب: يعني ما استنكف ولا أنف. وقال ابن الأعرابي « فأنا أول العابدين » أي الغضاب الآنفين وقيل: « فأنا أول العابدين » أي أنا أول من يعبده على الوحدانية مخالفا لكم. أبو عبيدة: معناه الجاحدين؛ وحكى: عبدني حقي أي جحدني. وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما « ولد » بضم الواو وإسكان اللام. الباقون وعاصم « ولد » وقد تقدم. « سبحان رب السماوات والأرض » أي تنزيها له وتقديسا. نزه نفسه عن كل ما يقتضي الحدوث، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتنزيه. « رب العرش عما يصفون » أي عما يقولون من، الكذب.

الآية: 83 ( فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون )
قوله تعالى: « فذرهم يخوضوا ويلعبوا » يعني كفار مكة حين كذبوا بعذاب الآخرة. أي اتركهم يخوضوا في باطلهم ويلعبوا في دنياهم « حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون » إما العذاب في الدنيا أو في الآخرة. وقيل: إن هذا منسوخ بآية السيف. وقيل: هو محكم، وإنما أخرج مخرج التهديد. وقرأ ابن محيصن ومجاهد وحميد وابن القعقاع وابن السميقع « حتى يلقوا » بفتح الياء وإسكان اللام من غير ألف؛ وفتح القاف هنا وفي « الطور » و « المعارج » . الباقون « يلاقوا » .

الآية: 84 ( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم )
قوله تعالى: « وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله » هذا تكذيب لهم في أن لله شريكا وولدا؛ أي هو المستحق للعبادة في السماء والأرض. وقال عمر رضي الله عنه وغيره: المعنى وهو الذي في السماء إله في الأرض؛ وكذلك قرأ. والمعنى أنه يعبد فيهما. وروي أنه قرأ هو وابن مسعود وغيرهما « وهو الذي في السماء الله وفي الأرض الله » وهذا خلاف المصحف. و « إله » رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي وهو الذي في السماء هو إله؛ قاله أبو علي. وحسن حذفه لطول الكلام. وقيل: « في » بمعنى على؛ كقوله تعالى: « ولأصلبنكم في جذوع النخل » [ طه: 71 ] أي على جذوع النخل؛ أي هو القادر على السماء والأرض. « وهو الحكيم العليم » تقدم.

الآية: 85 ( وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون )
قوله تعالى: « تبارك » تفاعل من البركة؛ وقد تقدم. « وعنده علم الساعة » أي وقت قيامها. « وإليه ترجعون » قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي « وإليه يرجعون » بالياء. الباقون بالتاء. وكان ابن محيصن وحميد ويعقوب وابن أبي إسحاق يفتحون أوله على أصولهم. وضم الباقون.

الآية: 86 ( ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون )
قوله تعالى: « إلا من شهد بالحق » في موضع الخفض. وأراد بـ « الذين يدعون من دونه » عيسى وعزيرا والملائكة. والمعنى ولا يملك هؤلاء الشفاعة إلا لمن شهد بالحق وآمن على علم وبصيرة؛ قال سعيد بن جبير وغيره. قال: وشهادة الحق لا إله إلا الله. وقيل: « من » في محل رفع؛ أي ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة؛ يعني الآلهة - في قول قتادة - أي لا يشفعون لعابديها إلا من شهد بالحق؛ يعني عزيرا وعيسى والملائكة فإنهم يشهدون بالحق والوحدانية لله. « وهم يعلمون » حقيقة ما شهدوا به. قيل: إنها نزلت بسبب أن النضر بن الحارث ونفرا من قريش قالوا: إن كان ما يقول محمد حقا فنحن نتولى الملائكة وهم أحق بالشفاعة لنا منه؛ فأنزل الله: « ولا يملك الذين، يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق » أي اعتقدوا أن الملائكة أو الأصنام أو الجن أو الشياطين تشفع لهم ولا شفاعة لأحد يوم القيامة.

« إلا من شهد بالحق » يعني المؤمنين إذا أذن لهم. قال ابن عباس: « إن من شهد بالحق » أي شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وقيل: أي لا يملك هؤلاء العابدون من دون الله أن يشفع لهم أحد إلا من شهد بالحق؛ فإن من شهد بالحق يشفع له ولا يشفع لمشرك. و « إلا » بمعنى لكن؛ أي لا ينال المشركون الشفاعة لكن ينال الشفاعة من شهد بالحق؛ فهو استئناء منقطع. ويجوز أن يكون متصلا؛ لأن في جملة « الذين يدعون من دونه » الملائكة. ويقال: شفعته وشفعت له؛ مثل كاته وكلت له.

وقيل: « إلا من شهد بالحق » إلا من تشهد له الملائكة بأنه كان على الحق في الدنيا، مع علمهم بذلك منه بأن يكون الله أخبرهم به، أو بأن شاهدوه على الإيمان.

قوله تعالى: « إلا من شهد بالحق وهم يعلمون » يدل على معنيين: أحدهما: أن الشفاعة بالحق غير نافعة إلا مع العلم، وأن التقليد لا يغني مع عدم العلم بصحة المقالة. والثاني: أن شرط سائر الشهادات في الحقوق وغيرها أن يكون الشاهد عالما بها. ونحوه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا رأيت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع ) . وقد مضى.

الآية: 87 ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون )
قوله تعالى: « ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله » أي لأقروا بأن الله خلقهم بعد أن لم يكونوا شيئا. « فأنى يؤفكون » أي كيف ينقلبون عن عبادته وينصرفون حتى أشركوا به غيره رجاء شفاعتهم له. يقال: أفكه يأفكه أفكا؛ أي قلبه وصرفه عن الشيء. ومنه قوله تعالى: « قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا » [ الأحقاف: 22 ] . وقيل: أي ولئن سألت الملائكة وعيسى « من خلقهم » لقالوا الله. « فأنى يؤفكون » أي فأنى يؤفك هؤلاء في ادعائهم إياهم آلهة.

الآية: 88 ( وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون )
قوله تعالى: « وقيله » فيه ثلاث قراءات: النصب، والجر، والرفع. فأما الجر فهي قراءة عاصم وحمزة. وبقية السبعة بالنصب. وأما الرفع فهي قراءة الأعرج وقتادة وابن هرمز ومسلم بن جندب. فمن جر حمله على معنى: وعنده علم الساعة وعلم قيله. ومن نصب فعلى معنى: وعنده علم الساعة ويعلم قيله؛ وهذا اختيار الزجاج.

وقال الفراء والأخفش: يجوز أن يكون « قيله » عطفا على قوله: « أنا لا نسمع سرهم ونجواهم » [ الزخرف: 80 ] . قال ابن الأنباري: سألت أبا العباس محمد بن يزيد المبرد بأي شيء تنصب القيل ؟ فقال: أنصبه على « وعنده علم الساعة ويعلم قيله » . فمن هذا الوجه لا يحسن الوقف على « ترجعون » ، ولا على « يعلمون » . ويحسن الوقف على « يكتبون » . وأجاز الفراء والأخفش أن ينصب القيل على معنى: لا نسمع سرهم ونجواهم وقيله؛ كما ذكرنا عنهما فمن هذا الوجه لا يحسن الوقف على « يكتبون » . وأجاز الفراء والأخفش أيضا: أن ينصب على المصدر؛ كأنه قال: وقال قيله، وشكا شكواه إلى الله عز وجل، كما قال كعب بن زهير:

تمشي الوشاة جنابيها وقيلهم إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول

أراد: ويقولون قيلهم. ومن رفع « قيله » فالتقدير: وعنده قيله، أوقيله مسموع، أوقيله هذا القول. الزمخشري: والذي قالوه ليس بقوي في المعنى مع وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما لا يحسن اعتراضا ومع تنافر النظم. وأقوى من ذلك وأوجه أن يكون الجر والنصب على إضمار حرف القسم وحذفه. والرفع على قولهم: ايمن الله وأمانة الله ويمين الله ولعمرك، ويكون قوله: « إن هؤلاء قوم لا يؤمنون » جواب القسم؛ كأنه قال: وأقسم بقيله يا رب، أو قيله يا رب قسمي، إن هؤلاء قوم لا يؤمنون. وقال ابن الأنباري: ويجوز في العربية « وقيله » بالرفع، على أن ترفعه بإن هؤلاء قوم لا يؤمنون. المهدوي: أويكون على تقدير وقيله قيله يا رب؛ فحذف قيله الثاني الذي هو خبر، وموضع « يا رب » نصب بالخبر المضمر، ولا يمتنع ذلك من حيث امتنع حذف بعض الموصول وبقي بعضه؛ لأن حذف القول قد كثر حتى صار بمنزلة المذكور. والهاء في « قيله » لعيسى، وقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم، وقد جرى ذكره إذ قال: « قل إن كان للرحمن ولد » [ الزخرف: 81 ] . وقرأ أبو قلابة « يا رب » بفتح الباء. والقيل مصدر كالقول؛ ومنه الخبر ( نهى عن قيل وقال ) . ويقال: قلت قولا وقيلا وقالا. وفي النساء « ومن أصدق من الله قيلا » [ النساء: 122 ] .

الآية: 89 ( فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون )
قال قتادة: أمر بالصفح عنهم ثم أمره بقتالهم؛ فصار الصفح منسوخا بالسيف. ونحوه عن ابن عباس قال: « فاصفح عنهم » أعرض عنهم. « وقل سلام » أي معروفا؛ أي قل المشركين أهل مكة « فسوف تعلمون » ثم نسخ هذا في سورة « التوبة » بقوله تعالى: « فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم » [ التوبة: 5 ] الآية. وقيل: هي محكمة لم تنسخ. وقراءة العامة « فسوف يعملون » ( بالباء ) على أنه خبر من الله تعالى لنبيه بالتهديد. وقرأ نافع وابن عامر « تعلمون » ( بالتاء ) على أنه من خطاب النبي صلى الله عليه وسلم المشركين بالتهديد. و « سلام » رفع بإضمار عليكم؛ قاله الفراء. ومعناه الأمر بتوديعهم بالسلام، ولم يجعله تحية لهم؛ حكاه النقاش. وروى شعيب بن الحبحاب أنه عرفه بذلك كيف السلام عليهم؛ والله أعلم
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى - صفحة 15 Empty رد: تفسير القرآن الكريم .. تفسير القرطبى

مُساهمة من طرف هدى من الله الثلاثاء سبتمبر 17, 2013 12:08 am

تفسير سورة الدخان للقرطبى
========


سورة الدخان مكية باتفاق، إلا قوله تعالى: « إنا كاشفوا العذاب قليلا » [ الدخان: 15 ] . وهي سبع وخمسون آية. وقيل تسع. وفي مسند الدارمي عن أبي رافع قال: ( من قرأ الدخان في ليلة الجمعة أصبح مغفورا له وزوج من الحور العين ) رفعه الثعلبي من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قرأ الدخان في ليلة الجمعة أصبح مغفورا له ) . وفي لفظ آخر عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قرأ الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك ) . وعن أبي أمامة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من قرأ حم الدخان ليلة الجمعة أو يوم الجمعة بنى الله له بيتا في الجنة ) .

الآيات: 1 - 3 ( حم، والكتاب المبين، إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين )
إن جعلت « حم » جواب القسم تم الكلام عند قوله: « المبين » ثم تبتدئ « إنا أنزلناه » . وإن جعلت « إنا كنا منذرين » جواب القسم الذي هو « الكتاب » وقفت على « منذرين » وابتدأت « فيها يفرق كل أمر حكيم » . وقيل: الجواب « إنا أنزلناه » ، وأنكره بعض النحويين من حيث كان صفة للمقسم به، ولا تكون صفة المقسم به جوابا للقسم، والهاء في « أنزلناه » للقرآن. ومن قال: أقسم بسائر الكتب فقوله: « إنا أنزلناه » كنى به عن غير القرآن، على ما تقدم بيانه في أول « الزخرف » والليلة المباركة ليلة القدر. ويقال: ليلة النصف من شعبان، ولها أربعة أسماء الليلة المباركة، وليلة البراءة، وليلة الصك، وليلة القدر. ووصفها بالبركة لما ينزل الله فيها على عباده من البركات والخيرات والثواب. وروى قتادة عن واثلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان وأنزلت الزبور لاثنتي عشرة من رمضان وأنزل الإنجيل لثمان عشرة خلت من رمضان وأنزل القرآن لأربع وعشرين مضت من رمضان ) . ثم قيل: أنزل القرآن كله إلى السماء الدنيا في هذه الليلة. ثم أنزل نجما نجما في سائر الأيام على حسب اتفاق الأسباب. وقيل: كان ينزل في كل ليلة القدر ما ينزل في سائر السنة. وقيل: كان ابتداء الإنزال في هذه الليلة. وقال عكرمة: الليلة المباركة ها هنا ليلة النصف من شعبان. والأول أصح لقوله تعالى: « إنا أنزلناه في ليلة القدر » [ القدر: 1 ] . قال قتادة وابن زيد: أنزل الله القرآن كله في ليلة القدر من أم الكتاب إلى بيت العزة في سماء الدنيا، ثم أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في الليالي والأيام في ثلاث وعشرين سنة. وهذا المعنى قد مضى في « البقرة » عند قوله تعالى: « شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن » [ البقرة: 185 ] ، ويأتي آنفا إن شاء الله تعالى.

الآية: 4 ( فيها يفرق كل أمر حكيم )
قال ابن عباس: يحكم الله أمر الدنيا إلى قابل في ليلة القدر ما كان من حياة أوموت أورزق. وقاله قتادة ومجاهد والحسن وغيرهم. وقيل: إلا الشقاء والسعادة فإنهما لا يتغيران، قاله ابن عمر. قال المهدوي: ومعنى هذا القول أمر الله عز وجل الملائكة بما يكون في ذلك العام ولم يزل ذلك في علمه عز وجل. وقال عكرمة: هي ليلة النصف من شعبان يبرم فيها أمر السنة وينسخ الأحياء من الأموات، ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد. وروى عثمان بن المغيرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى أن الرجل لينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى ) . وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلتها وصوموا نهارها فإن الله ينزل لغروب الشمس إلى سماء الدنيا يقول ألا مستغفر فأغفر له ألا مبتلى فأعافيه ألا مسترزق فأرزقه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر ) ذكره الثعلبي. وخرج الترمذي بمعناه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله عز وجل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب ) . وفي الباب عن أبي بكر الصديق قال أبو عيسى: حديث عائشة لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث الحجاج بن أرطاة عن يحيى بن أبي كثيرة عن عروة عن عائشة، وسمعت محمدا يضعف هذا الحديث، وقال: يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة، والحجاج بن أرطاة لم يسمع من يحيى بن أبي كثير.

قلت: وقد ذكر حديث عائشة مطولا صاحب كتاب العروس، واختار أن الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم ليلة النصف من شعبان، وأنها تسمى ليلة البراءة. وقد ذكرنا قوله والرد عليه في غير هذا الموضع، وأن الصحيح إنما هي ليلة القدر على ما بيناه. روى حماد بن سلمة قال أخبرنا ربيعة بن كلثوم قال: سأل رجل الحسن وأنا عنده فقال: يا أبا سعيد، أرأيت ليلة القدر أفي كل رمضان هي ؟ قال: أي والله الذي لا إله إلا هو، إنها في كل رمضان، إنها الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم، فيها يقضي الله كل خلق وأجل ورزق وعمل إلى مثلها. وقال ابن عباس: يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من موت وحياة ورزق ومطر حتى الحج؛ يقال: يحج فلان ويحج فلان. وقال في هذه الآية: إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى. وهزه الإبانة لإحكام السنة إنما هي للملائكة الموكلين بأسباب الخلق. وقد ذكرنا هذا المعنى آنفا. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: وجمهور العلماء على أنها ليلة القدر. ومنهم من قال: إنها ليلة النصف من شعبان؛ وهو باطل لأن الله تعالى قال في كتابه الصادق القاطع: « شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن » [ البقرة: 185 ] فنص على أن ميقات نزوله رمضان، ثم عين من زمانه الليل ها هنا بقوله: « في ليلة مباركة » فمن زعم أنه في غيره فقد أعظم الفرية على الله، وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يعول عليه لا في فضلها ولا في نسخ الآجال فيها فلا تلتفتوا إليها. الزمخشري: « وقيل يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة ويقع الفراغ في ليلة القدر؛ فتدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل، ونسخة الحروب إلى جبريل، وكذلك الزلازل والصواعق والخسف؛ ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا وهو ملك عظيم؛ ونسخة المصائب إلى ملك الموت. وعن بعضهم: يعطى كل عامل بركات أعماله؛ فيلقى على ألسنة الخلق مدحه، وعلى قلوبهم هيبته. وقرئ » نفرق « بالتشديد، و » يفرق « كل على بنائه للفاعل ونصب » كل « ، والفارق الله عز وجل. وقرأ زيد بن علي رضي الله عنه » نفرق « بالنون. » وكل أمر حكيم « كل شأن ذي حكمة؛ أي مفعول على ما تقتضيه الحكمة » .

الآيات: 5 - 6 ( أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين، رحمة من ربك إنه هو السميع العليم )
قوله تعالى: « أمرا من عندنا » قال النقاش: الأمر هو القرآن أنزله الله من عنده. وقال ابن عيسى: هو ما قضاه الله في الليلة المباركة من أحوال عباده. وهو مصدر في موضع الحال. وكذلك « رحمة ربك » وهما عند الأخفش حالان؛ تقديرهما: أنزلناه آمرين به وراحمين. المبرد: « أمرا » في موضع المصدر، والتقدير: أنزلناه إنزالا. الفراء والزجاج: « أمرا » نصب ن « يفرق » ، مثل قولك « يفرق فرقا » فأمر بمعنى فرق فهو مصدر، مثل قولك: يضرب ضربا. وقيل: « يفرق » يدل على يؤمر، فهو مصدر عمل فيه ما قبله. « إنا كنا مرسلين. رحمة من ربك » قال الفراء « رحمة » مفعول بـ « مرسلين » . والرحمة النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الزجاج: « رحمة » مفعول من أجله؛ أي أرسلناه للرحمة. وقيل: هي بدل من قول. « أمرا » وقيل: هي مصدر. الزمخشري: « أمرا » نصب على الاختصاص، جعل كل أمر جزلا فخما بأن وصفه بالحكيم، ثم زاده جزالة وكسبه فخامة بأن قال: أعنى بهذا الأمر أمرا حاصلا من عندنا، كائنا من لدنا، وكما اقتضاه علمنا وتدبيرنا. وفي قراءة زيد بن علي « أمر من عندنا » على هو أمر، وهي تنصر انتصابه على الاختصاص. وقرأ الحسن « رحمة » على تلك هي رحمة، وهي تنصر انتصابها بأنه مفعول له.
هدى من الله
هدى من الله
Admin
Admin

الجنس : انثى
عدد المساهمات : 10627
نقاط : 15580
تاريخ التسجيل : 24/07/2012

https://lolo1958.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

صفحة 15 من اصل 20 الصفحة السابقة  1 ... 9 ... 14, 15, 16 ... 20  الصفحة التالية

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى