بحـث
سحابة الكلمات الدلالية
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
هدى من الله | ||||
لولو حسن | ||||
روز | ||||
هنا سيد | ||||
توتى بدر | ||||
fola | ||||
روضة البدر | ||||
ام دهب و مصطفى | ||||
امة الرحمن | ||||
لولا |
مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
صفحة 2 من اصل 2
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
رد: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
قدوم جعفر بن أبي طالب وصحبه من الحبشة
وفي هذه الغزوة قدم عليه ابن عمه جعفر بن أبي طالب وأصحابه . ومعهم الأشعريون : أبو موسى ، وأصحابه .
قال أبو موسى بلغنا مخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ونحن باليمن . فخرجنا مهاجرين إليه - أنا وأخوان لي - في بضع وخمسين رجلا من قومي . فركبنا سفينة . فألقتنا إلى النجاشي ، فوافقنا جعفر وأصحابه عنده - ص 188 - فقال إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بعثنا وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا . فأقمنا حتى قدمنا فتح خيبر . وكان ناس يقولون لنا : سبقناكم بالهجرة . فدخلت أسماء بنت عميس على حفصة . فدخل عليها عمر وعندها أسماء . فقال من هذه ؟ قالت أسماء . قال الحبشية هذه ؟ البحرية هذه ؟ قالت أسماء نعم قال سبقناكم بالهجرة . نحن أحق برسول الله منكم . فغضبت وقالت كلا والله لقد كنتم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم . وكنا في أرض البعداء البغضاء . وذلك في ذات الله وفي رسوله وأيم الله لا أطعم طعاما ، ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - . فلما جاء النبي -صلى الله عليه وسلم - ذكرت له ذلك . فقال ما قلت له ؟ قالت قلت له كذا وكذا . قال ليس بأحق بي منكم له ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم - يا أهل السفينة - هجرتان .
فكان أبو موسى وأصحاب السفينة يأتونها أرسالا ، يسألونها عن الحديث ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم - .
محاصرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بعض اليهود بوادي القرى
ثم انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم - من خيبر إلى وادي القرى وكان به جماعة من اليهود ، وانضاف إليهم جماعة من العرب .
فلما نزلوا استقبلتهم يهود بالرمي وهم على غير تعبئة . فقتل مدعم - عبد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - . كان رفاعة بن زيد الجذامي وهبه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - فقال الناس هنيئا له الجنة . فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - كلا ، والذي نفسي بيده . إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها القسمة - ص 189 - لتشتعل عليه نارا فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين . فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - شراك من نار أو شراكان من نار .
فعبأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أصحابه للقتال وصفهم ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا . وبرز رجل منهم . فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله . ثم برز آخر فبرز إليه علي فقتله . حتى قتل منهم أحد عشر رجلا . فقاتلهم حتى أمسوا . ثم غدا عليهم . فلم ترتفع الشمس قدر رمح حتى افتتحها عنوة . وأصابوا أثاثا ومتاعا كثيرا . فقسمه في أصحابه .
وترك الأرض والنخل بأيدي اليهود وعاملهم عليها .
ولما رجع إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم من النخيل .
قالت عائشة -رضي الله عنها- لما فتحت خيبر قلنا الآن نشبع من التمر .
بعث سرية إلى الحرقات
ثم بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم - سرية إلى الحرقات من جهينة . فلما دنوا منهم بعث الأمير الطلائع . فلما رجعوا بخبرهم أقبل حتى دنا منهم ليلا ، وقد هدءوا ، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله . ثم قال أوصيكم بتقوى الله وحده لا شريك له وأن تطيعوني ولا تعصوني ، ولا تخالفوا أمري . فإنه لا رأي لمن لا يطاع . ثم رتبهم . فقال يا فلان أنت وفلان ويا فلان أنت وفلان لا يفارق كل منكم صاحبه وزميله وإياكم أن يرجع أحد منكم فأقول . أين صاحبك ؟ فيقول لا أدري . فإذا كبرت فكبروا . وجردوا السيوف . ثم كبروا وحملوا حملة واحدة . وأحاطوا بالقوم وأخذتهم سيوف الله .
- ص 190 - عمرة القضية
فلما كان في ذي القعدة من السنة السابعة خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم - معتمرا عمرة القضية . حتى إذا بلغ يأجج وضع الأداة كلها ، إلا الجحف والمجان والنبل والرماح . ودخلوا بسلاح الراكب - السيوف - وبعث جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة بنت الحارث يخطبها . فجعلت أمرها إلى العباس . فزوجه إياها .
فلما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه أن يكشفوا عن المناكب ويسعوا في الطواف ليرى المشركون قوتهم - وكان يكايدهم بكل ما استطاع - فوقف أهل مكة - الرجال والنساء والصبيان - ينظرون إليه وإلى أصحابه وهم يطوفون بالبيت . وعبد الله بن رواحة آخذ بخطام ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يرتجز يقول :
خـلوا بنـي الكفـار عن سبيله خـلوا فكـل الخـير فـي رسوله
قــد أنـزل الرحـمن فـي تنزيلـه في صحف تتلى على رسوله
بــأن خـير القتـل فـي سـبيله يـــا رب إنـــي مـــؤمن بقيلــه
إنــي رأيـت الحـق فـي قبولـه اليــوم نضــربكم علــى تأويلـه
كمــا ضربنــاكم علــى تنزيلــه ضربـا يـزيل الهـام عـن مقيلـه
ويذهل الخليل عن خليله
فأقام بمكة ثلاثا . ثم أتاه سهيل بن عمرو ، وحويطب بن عبد العزى . فصاح حويطب نناشدك الله والعقد لما خرجت من أرضنا . فقد مضت - ص 191 - الثلاث فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أبا رافع فأذن بالرحيل .
ثم دخلت السنة الثامنة فكانت فيها غزوة مؤتة
وسببها : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بعث الحارث بن عمير بكتاب إلى ملك الروم - أو بصرى - فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني . فقتله - ولم يقتل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - رسول غيره - فاشتد ذلك عليه فبعث البعوث . واستعمل عليهم زيد بن حارثة ، وقال إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس وإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة فتجهزوا . وهم ثلاثة آلاف .
فلما حضر خروجهم . ودع الناس أمراء رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وسلموا عليهم . فبكى عبد الله بن رواحة . فقالوا ما يبكيك ؟ فقال أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم . ولكني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ولست أدري كيف لي بالصدور بعد الورود ؟ فقال المسلمون صحبكم الله ودفع عنكم . وردكم إلينا صالحين .
فقال ابن رواحة :
لكــنني أسـأل الرحـمن مغفـرة وضربــة ذات فــرع تقــذف الزبـدا
أو طعنــة بيــدي حــران مجـهزة بحربــة تنفــذ الأحشـاء والكبـدا
حتى يقال إذا مروا على جدثي يـا أرشد الله من غاز وقد رشدا
.
- ص 192 - ثم مضوا حتى نزلوا معان . فبلغهم أن هرقل بالبلقاء في مائة ألف من الروم وانضم إليه من لخم وجذام وبلي وغيرهم مائة ألف . فأقاموا ليلتين ينظرون في أمرهم .
وقالوا : نكتب إلى رسول الله فنخبره . فإما أن يمدنا ، وإما أن يأمرنا بأمره فشجعهم عبد الله بن رواحة ، وقال والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم تطلبون الشهادة . وما نقاتل الناس بقوة ولا كثرة وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظفر . وإما شهادة .
فمضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم الجموع . فانحاز المسلمون إلى مؤتة . ثم اقتتلوا عندها والراية في يد زيد . فلم يزل يقاتل بها حتى شاط في رماح القوم . فأخذها جعفر فقاتل بها . حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه فعقرها . ثم قاتل حتى قطعت يمينه . فأخذ الراية بيساره فقطعت يساره . فاحتضن الراية حتى قتل . وله ثلاث وثلاثون سنة . -رضي الله عنهم- .
ثم أخذها عبد الله بن رواحة . فتقدم بها ، وهو على فرسه فجعل يستنزل نفسه ويقول :
أقســـــم باللـــــه لتنزلنـــــه لتـــــــــنزلن أو لتكرهنـــــــــه
يـا طالمـا قـد كـنت مطمئنـه إن أجلب الناس وشدوا الرنه
مالي أراك تكرهين الجنه ؟
ويقول أيضا :
- ص 193 -
يا نفس إن لم تقتلي تموتي هـذا حمـام المـوت قد صليت
ومـــا تمنيـــت فقــد أعطيــت إن تفعلـــي فعلهمـــا هــديت
ثم نزل . فأتاه فناداه ابن عم له بعرق من لحم . فقال : شد بهذا صلبك ، فإنك لقيت في أيامك هذه ما لقيت . فأخذها فانتهس منها نهسة ثم سمع الحطمة في ناحية الناس . فقال : وأنت في الدنيا ؟ فألقاها من يده وتقدم . فقاتل حتى قتل .
ثم أخذ الراية خالد بن الوليد . فدافع القوم وخاشى بهم ثم انحازوا ، وانصرف الناس .
وقال ابن عمر : وجدنا ما بين صدر جعفر ومنكبه ، وما أقبل منه تسعين جراحة .
وقال زيد بن أرقم : كنت يتيما لعبد الله بن رواحة . فخرج بي في سفره ذلك مردفي على حقيبة رحله . فوالله أنه ليسير ذات ليلة ، إذ سمعته وهو ينشد شعرا :
إذا أديتنــي وحــملت رحــلي مســيرة أربــع بعــد الحسـام
فشــأنك فــانعمي , وخـلاك ذم ولا أرجــع إلـى أهلـي ورائـي
وجــاء المسـلمون وغـادروني بأرض الشام مستنهي الثواء
وردك كـــل ذي نســب قــريب إلـى الرحـمن منقطـع الإخـاء
- ص 194 - هنــالك لا أبــالي طلــع بعــل ولا نخــــل أســـافلها ورائـــي
قال : فبكيت . فخفقني بالسوط ، وقال : ما عليك يا لكع ، أن يرزقني الله الشهادة ، وترجع بين شعبتي الرحل ؟ .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
قدوم جعفر بن أبي طالب وصحبه من الحبشة
وفي هذه الغزوة قدم عليه ابن عمه جعفر بن أبي طالب وأصحابه . ومعهم الأشعريون : أبو موسى ، وأصحابه .
قال أبو موسى بلغنا مخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ونحن باليمن . فخرجنا مهاجرين إليه - أنا وأخوان لي - في بضع وخمسين رجلا من قومي . فركبنا سفينة . فألقتنا إلى النجاشي ، فوافقنا جعفر وأصحابه عنده - ص 188 - فقال إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بعثنا وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا . فأقمنا حتى قدمنا فتح خيبر . وكان ناس يقولون لنا : سبقناكم بالهجرة . فدخلت أسماء بنت عميس على حفصة . فدخل عليها عمر وعندها أسماء . فقال من هذه ؟ قالت أسماء . قال الحبشية هذه ؟ البحرية هذه ؟ قالت أسماء نعم قال سبقناكم بالهجرة . نحن أحق برسول الله منكم . فغضبت وقالت كلا والله لقد كنتم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم . وكنا في أرض البعداء البغضاء . وذلك في ذات الله وفي رسوله وأيم الله لا أطعم طعاما ، ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - . فلما جاء النبي -صلى الله عليه وسلم - ذكرت له ذلك . فقال ما قلت له ؟ قالت قلت له كذا وكذا . قال ليس بأحق بي منكم له ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم - يا أهل السفينة - هجرتان .
فكان أبو موسى وأصحاب السفينة يأتونها أرسالا ، يسألونها عن الحديث ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم - .
محاصرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بعض اليهود بوادي القرى
ثم انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم - من خيبر إلى وادي القرى وكان به جماعة من اليهود ، وانضاف إليهم جماعة من العرب .
فلما نزلوا استقبلتهم يهود بالرمي وهم على غير تعبئة . فقتل مدعم - عبد لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - . كان رفاعة بن زيد الجذامي وهبه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - فقال الناس هنيئا له الجنة . فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - كلا ، والذي نفسي بيده . إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها القسمة - ص 189 - لتشتعل عليه نارا فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين . فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - شراك من نار أو شراكان من نار .
فعبأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أصحابه للقتال وصفهم ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا . وبرز رجل منهم . فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله . ثم برز آخر فبرز إليه علي فقتله . حتى قتل منهم أحد عشر رجلا . فقاتلهم حتى أمسوا . ثم غدا عليهم . فلم ترتفع الشمس قدر رمح حتى افتتحها عنوة . وأصابوا أثاثا ومتاعا كثيرا . فقسمه في أصحابه .
وترك الأرض والنخل بأيدي اليهود وعاملهم عليها .
ولما رجع إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم من النخيل .
قالت عائشة -رضي الله عنها- لما فتحت خيبر قلنا الآن نشبع من التمر .
بعث سرية إلى الحرقات
ثم بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم - سرية إلى الحرقات من جهينة . فلما دنوا منهم بعث الأمير الطلائع . فلما رجعوا بخبرهم أقبل حتى دنا منهم ليلا ، وقد هدءوا ، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله . ثم قال أوصيكم بتقوى الله وحده لا شريك له وأن تطيعوني ولا تعصوني ، ولا تخالفوا أمري . فإنه لا رأي لمن لا يطاع . ثم رتبهم . فقال يا فلان أنت وفلان ويا فلان أنت وفلان لا يفارق كل منكم صاحبه وزميله وإياكم أن يرجع أحد منكم فأقول . أين صاحبك ؟ فيقول لا أدري . فإذا كبرت فكبروا . وجردوا السيوف . ثم كبروا وحملوا حملة واحدة . وأحاطوا بالقوم وأخذتهم سيوف الله .
- ص 190 - عمرة القضية
فلما كان في ذي القعدة من السنة السابعة خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم - معتمرا عمرة القضية . حتى إذا بلغ يأجج وضع الأداة كلها ، إلا الجحف والمجان والنبل والرماح . ودخلوا بسلاح الراكب - السيوف - وبعث جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة بنت الحارث يخطبها . فجعلت أمرها إلى العباس . فزوجه إياها .
فلما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه أن يكشفوا عن المناكب ويسعوا في الطواف ليرى المشركون قوتهم - وكان يكايدهم بكل ما استطاع - فوقف أهل مكة - الرجال والنساء والصبيان - ينظرون إليه وإلى أصحابه وهم يطوفون بالبيت . وعبد الله بن رواحة آخذ بخطام ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يرتجز يقول :
خـلوا بنـي الكفـار عن سبيله خـلوا فكـل الخـير فـي رسوله
قــد أنـزل الرحـمن فـي تنزيلـه في صحف تتلى على رسوله
بــأن خـير القتـل فـي سـبيله يـــا رب إنـــي مـــؤمن بقيلــه
إنــي رأيـت الحـق فـي قبولـه اليــوم نضــربكم علــى تأويلـه
كمــا ضربنــاكم علــى تنزيلــه ضربـا يـزيل الهـام عـن مقيلـه
ويذهل الخليل عن خليله
فأقام بمكة ثلاثا . ثم أتاه سهيل بن عمرو ، وحويطب بن عبد العزى . فصاح حويطب نناشدك الله والعقد لما خرجت من أرضنا . فقد مضت - ص 191 - الثلاث فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أبا رافع فأذن بالرحيل .
ثم دخلت السنة الثامنة فكانت فيها غزوة مؤتة
وسببها : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بعث الحارث بن عمير بكتاب إلى ملك الروم - أو بصرى - فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني . فقتله - ولم يقتل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - رسول غيره - فاشتد ذلك عليه فبعث البعوث . واستعمل عليهم زيد بن حارثة ، وقال إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس وإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة فتجهزوا . وهم ثلاثة آلاف .
فلما حضر خروجهم . ودع الناس أمراء رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وسلموا عليهم . فبكى عبد الله بن رواحة . فقالوا ما يبكيك ؟ فقال أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم . ولكني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ولست أدري كيف لي بالصدور بعد الورود ؟ فقال المسلمون صحبكم الله ودفع عنكم . وردكم إلينا صالحين .
فقال ابن رواحة :
لكــنني أسـأل الرحـمن مغفـرة وضربــة ذات فــرع تقــذف الزبـدا
أو طعنــة بيــدي حــران مجـهزة بحربــة تنفــذ الأحشـاء والكبـدا
حتى يقال إذا مروا على جدثي يـا أرشد الله من غاز وقد رشدا
.
- ص 192 - ثم مضوا حتى نزلوا معان . فبلغهم أن هرقل بالبلقاء في مائة ألف من الروم وانضم إليه من لخم وجذام وبلي وغيرهم مائة ألف . فأقاموا ليلتين ينظرون في أمرهم .
وقالوا : نكتب إلى رسول الله فنخبره . فإما أن يمدنا ، وإما أن يأمرنا بأمره فشجعهم عبد الله بن رواحة ، وقال والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم تطلبون الشهادة . وما نقاتل الناس بقوة ولا كثرة وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظفر . وإما شهادة .
فمضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم الجموع . فانحاز المسلمون إلى مؤتة . ثم اقتتلوا عندها والراية في يد زيد . فلم يزل يقاتل بها حتى شاط في رماح القوم . فأخذها جعفر فقاتل بها . حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه فعقرها . ثم قاتل حتى قطعت يمينه . فأخذ الراية بيساره فقطعت يساره . فاحتضن الراية حتى قتل . وله ثلاث وثلاثون سنة . -رضي الله عنهم- .
ثم أخذها عبد الله بن رواحة . فتقدم بها ، وهو على فرسه فجعل يستنزل نفسه ويقول :
أقســـــم باللـــــه لتنزلنـــــه لتـــــــــنزلن أو لتكرهنـــــــــه
يـا طالمـا قـد كـنت مطمئنـه إن أجلب الناس وشدوا الرنه
مالي أراك تكرهين الجنه ؟
ويقول أيضا :
- ص 193 -
يا نفس إن لم تقتلي تموتي هـذا حمـام المـوت قد صليت
ومـــا تمنيـــت فقــد أعطيــت إن تفعلـــي فعلهمـــا هــديت
ثم نزل . فأتاه فناداه ابن عم له بعرق من لحم . فقال : شد بهذا صلبك ، فإنك لقيت في أيامك هذه ما لقيت . فأخذها فانتهس منها نهسة ثم سمع الحطمة في ناحية الناس . فقال : وأنت في الدنيا ؟ فألقاها من يده وتقدم . فقاتل حتى قتل .
ثم أخذ الراية خالد بن الوليد . فدافع القوم وخاشى بهم ثم انحازوا ، وانصرف الناس .
وقال ابن عمر : وجدنا ما بين صدر جعفر ومنكبه ، وما أقبل منه تسعين جراحة .
وقال زيد بن أرقم : كنت يتيما لعبد الله بن رواحة . فخرج بي في سفره ذلك مردفي على حقيبة رحله . فوالله أنه ليسير ذات ليلة ، إذ سمعته وهو ينشد شعرا :
إذا أديتنــي وحــملت رحــلي مســيرة أربــع بعــد الحسـام
فشــأنك فــانعمي , وخـلاك ذم ولا أرجــع إلـى أهلـي ورائـي
وجــاء المسـلمون وغـادروني بأرض الشام مستنهي الثواء
وردك كـــل ذي نســب قــريب إلـى الرحـمن منقطـع الإخـاء
- ص 194 - هنــالك لا أبــالي طلــع بعــل ولا نخــــل أســـافلها ورائـــي
قال : فبكيت . فخفقني بالسوط ، وقال : ما عليك يا لكع ، أن يرزقني الله الشهادة ، وترجع بين شعبتي الرحل ؟ .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ام دهب و مصطفى- عضو برونزى
- عدد المساهمات : 2052
تاريخ التسجيل : 08/02/2013
رد: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
غزوة الفتح الأعظم
وكانت سنة ثمان في رمضان .
وسببها : أن بكرا عدت على خزاعة في مائهم " الوتير " فبيتوهم ، وقتلوا منهم . وكان في صلح الحديبية : " أن من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش فعل " فدخلت بنو بكر في عقد قريش ، ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم إن بني بكر وثبوا على خزاعة ليلا بماء ، يقال له : الوتير ، قريبا من مكة . وأعانت قريش بني بكر بالسلاح . وقاتل معهم بعضهم مستخفيا ليلا ، حتى لجأت خزاعة إلى الحرم .
فلما انتهوا إليه قالت بنو بكر لنوفل بن معاوية الديلي وكان يومئذ قائدهم : يا نوفل ، إنا قد دخلنا الحرم إلهك إلهك . فقال كلمة عظيمة لا إله له اليوم يا بني بكر ، أصيبوا ثأركم . فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم . أفلا تصيبون ثأركم فيه ؟
فخرج عمرو بن سالم الخزاعي ، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة . فوقف عليه وهو جالس في المسجد بين ظهراني أصحابه ، فقال :
يـــا رب إنــي ناشــد محــمدا حـــلف أبينـــا وأبيـــه الأتلـــدا
قــد كنتمــو ولــدا وكنــا والــدا ثمــت أسـلمنا ولـم نـنزع يـدا
- ص 195 - فــانصر هــداك اللـه نصـرا أيـدا وادع عبـــاد اللــه يــأتوا مــددا
فيهــم رسـول اللـه , قـد تجـردا أبيـض مثل البدر , يسمو صعدا
إن سـيم خسـفا وجهـه تربدا في فيلق كالبحر يجري مزبدا
إن قريشــا أخــلفوك الموعـدا ونقضــــوا ميثــــاقك المؤكـــدا
وجــعلوا لـي فـي كـداء رصـدا وزعمــوا أن لسـت أدعـو أحدا
وهــــــم أذل وأقــــــل عـــــددا هــــم بيتونـــا بــالوتير هجــدا
وقتلونا ركعا وسجدا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نصرت يا عمرو بن سالم . ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة ، حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأخبروه بما أصيب منهم ، وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس : كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد ، ويزيد في المدة . بعثته قريش . وقد رهبوا للذي صنعوا .
ثم قدم أبو سفيان . فدخل على ابنته أم حبيبة . فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه . فقال : يا بنية ، ما أدري : أرغبت بي عن هذا الفراش ، أم رغبت به عني ؟ قالت : بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت مشرك نجس . فقال : والله لقد أصابك بعدي شر . ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فكلمه فلم يرد عليه شيئا ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه في أن يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما أنا بفاعل . ثم أتى عمر فقال : أنا أشفع لكم ؟ والله لو لم أجد إلا الذر ، لجاهدتكم به . ثم دخل على علي ، وعنده فاطمة - والحسن غلام يدب بين يديها - فقال : يا علي ، إنك أمس - ص 196 - القوم بي رحما ، وإني جئت في حاجة ، فلا أرجعن خائبا . اشفع لي إلى محمد . فقال : قد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ، ما نستطيع أن نكلمه فيه . فقال لفاطمة : هل لك أن تأمري ابنك هذا ، فيجير بين الناس . فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر ؟ فقالت : ما يبلغ ابني ذلك . وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقال : يا أبا الحسن ، إني رأيت الأمور قد اشتدت علي ، فانصحني .
قال : والله ما أعلم شيئا يغني عنك ، ولكنك سيد بني كنانة ، فقم وأجر بين الناس ، ثم الحق بأرضك .
فقال : أوترى ذلك مغنيا عني شيئا ؟ قال : لا ، والله ما أظنه ، ولكن ما أجد لك غير ذلك .
فقام أبو سفيان في المسجد ، فقال : يا أيها الناس ، إني قد أجرت بين الناس . ثم ركب بعيره ، وانصرف عائدا إلى مكة .
فلما قدم على قريش قالوا : ما وراءك ؟ قال : جئت محمدا فكلمته ، فوالله ما رد علي شيئا . ثم جئت ابن أبي قحافة . فلم أجد فيه خيرا . ثم جئت عمر بن الخطاب ، فوجدته أدنى العدو - يعني : أعدى العدو - ثم جئت عليا فوجدته ألين القوم . وقد أشار علي بكذا وكذا . ففعلت . قالوا : فهل أجاز ذلك محمد ؟ قال : لا . قالوا : ويلك ، والله إن زاد الرجل على أن لعب بك .
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز ، وقال : اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش ، حتى نبغتها في بلادها .
- ص 197 - فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش كتابا ، يخبرهم فيه بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم . ودفعه إلى سارة - مولاة لبني عبد المطلب - فجعلته في رأسها . ثم فتلت عليه قرونها . وأتى الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من السماء . فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا والزبير إلى المرأة ، فأدركاها بروضة خاخ . فأنكرت . ففتشا رحلها ، فلم يجدا فيه شيئا . فهدداها . فأخرجته من قرون رأسها . فأتيا به رسول الله صلى الله عليه وسلم . فدعا حاطبا . فقال : ما هذا يا حاطب ؟ " فقال : لا تعجل علي يا رسول الله . والله إني لمؤمن بالله ورسوله . وما ارتددت ولا بدلت ، ولكني كنت امرءا ملصقا في قريش ، لست من أنفسهم . ولي فيهم أهل وعشيرة وولد . وليس لي فيهم قرابة يحمونهم . وكان من معك لهم قرابات يحمونهم . فأحببت أن أتخذ عندهم يدا . قد علمت أن الله مظهر رسوله ، ومتم له أمره .
فقال عمر : يا رسول الله ، دعني أضرب عنقه ، فإنه قد خان الله ورسوله . وقد نافق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه قد شهد بدرا وما يدريك يا عمر ؟ لعل الله اطلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم . فقد غفرت لكم .
فذرفت عينا عمر ، وقال : الله ورسوله أعلم .
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعمى الله الأخبار عن قريش ، لكنهم على وجل . فكان أبو سفيان يتجسس ، هو وحكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء .
وكان العباس قد خرج قبل ذلك بأهله وعياله مسلما مهاجرا . فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة . فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران نزل العشاء ، - ص 198 - فأمر الجيش فأوقدوا النيران . فأوقد أكثر من عشرة آلاف نارا . فركب العباس بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وخرج يلتمس ، لعله يجد بعض الحطابة ، أو أحدا يخبر قريشا ، ليخرجوا يستأمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخلها عنوة .
قال : فوالله إني لأسير عليها ، إذ سمعت كلام أبي سفيان ، وبديل ، يتراجعان ، يقول أبو سفيان : ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا .
قال : يقول بديل : هذه والله خزاعة ، حمشتها الحرب .
قال : يقول أبو سفيان : خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها .
فقلت : أبا حنظلة ؟ فعرف صوتي ، فقال : أبا الفضل ؟ قلت : نعم . قال : ما لك ، فداك أبي وأمي ؟ قال : قلت : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس واصباح قريش والله ، قال : فما الحيلة ؟ .
قلت : والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك . فاركب في عجز هذه البغلة ، حتى آتيه بك ، فأستأمنه لك . فركب خلفي . ورجع صاحباه . فجئت به . فكلما مررت بنار من نيران المسلمين ، قالوا : من هذا ؟ فإذا رأونا قالوا : عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته . حتى مررت بنار عمر ، فقال : من هذا ؟ وقام إلي . فلما رأى أبا سفيان قال : عدو الله ؟ الحمد لله الذي أمكن الله منك بغير عقد ولا عهد .
ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم . وركضت البغلة فسبقته ، واقتحمت عنها . فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخل عليه عمر . فقال : يا رسول الله هذا أبو سفيان ، قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد ، فدعني أضرب عنقه . فقلت : يا رسول الله ، إني قد أجرته .
- ص 199 - فلما أكثر عمر ، قلت : مهلا يا عمر . فوالله لو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا . قال : مهلا يا عباس . فوالله لإسلامك كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم . وما بي إلا أني عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهب به يا عباس إلى رحلك . فإذا أصبحت فائتني به .
ففعلت . ثم غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن أن تعلم : ألا إله إلا الله ؟ " قال : بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ! ! والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئا بعد . قال : ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم : أني رسول الله ؟ " قال : بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك . أما هذه ففي النفس حتى الآن منها شيء .
فقال له العباس : ويحك . وأسلم قبل أن يضرب عنقك . قال : فشهد شهادة الحق ، فأسلم .
فقال العباس : إن أبا سفيان رجل يحب الفخر ، فاجعل له شيئا ، قال : نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن .
فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عباس ، احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل ، حتى تمر به جنود الله فيراها قال : فخرجت حتى حبسته . ومرت القبائل على راياتها . حتى مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء - لكثرة الحديد وظهوره فيها - فيها المهاجرون والأنصار ، لا يرى منهم إلا الحدق . فقال : سبحان الله ! يا عباس . من هؤلاء ؟ قلت : هذا - ص 200 - رسول في المهاجرين والأنصار . قال : ما لأحد بهؤلاء طاقة .
وكانت راية الأنصار مع سعد بن عبادة ، فلما مر بأبي سفيان ، قال : اليوم يوم الملحمة . اليوم تستحل الحرمة . اليوم أذل الله قريشا . فذكره أبو سفيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال كذب سعد . ولكن هذا اليوم يوم تعظم فيه الكعبة ، اليوم أعز الله قريشا ثم نزع اللواء من سعد . ودفعه إلى قيس ابنه .
ومضى أبو سفيان . فلما جاء قريشا صرخ بأعلى صوته . هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن . قالوا : قاتلك الله ، وما تغني عنا دارك ؟ قال : ومن أغلق عليه بابه فهو آمن . ومن دخل المسجد فهو آمن .
فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد .
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل مكة من أعلاها ، وأمر خالد بن الوليد فدخلها من أسفلها ، وقال : إن عرض لكم أحد من قريش فاحصدوهم حصدا ، حتى توافوني على الصفا . فما عرض لهم أحد إلا أناموه .
وتجمع سفهاء قريش عكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أمية ، وسهيل بن عمرو ، بالخندمة ليقاتلوا . وكان حماس بن قيس يعد سلاحا قبل مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالت له امرأته : والله ما يقوم لمحمد وأصحابه شيء فقال : والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم ، ثم قال :
إن يقبلوا اليوم فمالي علة
هذا سلاح كامل وإله
وذو غرارين سريع السله
- ص 201 - ثم شهد الخندمة . فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد بن الوليد ، ناوشوهم شيئا من قتال ، فأصيب من المشركين اثنا عشر ، ثم انهزموا . فدخل حماس على امرأته ، فقال : اغلقي علي بابي . فقالت : وأين ما كنت تقول ؟ فقال :
إنــك لــو شـهدت يـوم الخندمـه إذ فــــر صفــــوان وفـــر عكرمـــه
وأبــــو يزيــــد قـــائم كالمؤتمـــه واستقبلتنا بالسيوف المسلمه
يقطـــن كــل ســاعد وجمجمــه ضربـــا فلا يســـمع إلا غمغمـــه
لهـــم نهيــت خلفنــا وهمهمــه لـم تنطقـي بـاللوم أدنـى كلمه
وقال أبو هريرة : أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم . فدخل مكة . فبعث الزبير على إحدى المجنبتين . وبعث خالدا على المجنبة الأخرى . وبعث أبا عبيدة بن الجراح على الحسر . فأخذوا بطن الوادي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته . وقد وبشت قريش أوباشها ، وقالوا : نقدم هؤلاء . فإذا كان لهم شيء كنا معهم ، وإن أصيبوا أعطيناه الذي سألنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا هريرة " ، فقلت : لبيك يا رسول الله . قال : " اهتف لي بالأنصار . ولا يأتيني إلا أنصاري " فهتفت بهم ، فجاءوا . فأطافوا برسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : " أترون إلى أوباش قريش وأتباعهم ؟ - ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى - احصدوهم حصدا ، حتى توافوني على الصفا قال أبو هريرة : فانطلقنا . فما يشاء أحد منا أن يقتل منهم ما شاء إلا قتل . وركزت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجون عند مسجد الفتح . ثم نهض والمهاجرون والأنصار بين يديه وخلفه وحوله ، حتى دخل المسجد . فأقبل إلى الحجر فاستلمه . ثم طاف بالبيت . وفي يده قوس ، وحول البيت وعليه ، ثلاثمائة وستون صنما . فجعل يطعنها بالقوس ، ويقول : جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا - ص 202 - جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد والأصنام تتساقط على وجوهها .
وكان طوافه على راحلته ، ولم يكن محرما يومئذ ، فاقتصر على الطواف .
فلما أكمله دعا عثمان بن طلحة ، فأخذ منه مفتاح الكعبة . فأمر بها ففتحت . فدخلها . فرأى فيها الصور ، ورأى صورة إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام . فقال : قاتلهم الله ، والله إن استقسما بها قط وأمر بالصور فمحيت . ثم أغلق عليه الباب ، هو وأسامة وبلال . فاستقبل الجدار الذي يقابل الباب . حتى إذا كان بينه وبينه قدر ثلاثة أذرع وقف وصلى هناك . ثم دار في البيت ، وكبر في نواحيه ، ووحد الله . ثم فتح الباب ، وقريش قد ملأت المسجد صفوفا ، ينظرون ماذا يصنع بهم ؟ فأخذ بعضاتي الباب وهم تحته . فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له . صدق وعده . ونصر عبده . وأعز جنده . وهزم الأحزاب وحده . ألا كل مأثرة ، أو مال ، أو دم ، فهو تحت قدمي هاتين ، إلا سدانة البيت ، وسقاية الحاج . ألا وقتل الخطأ شبه العمد - السوط والعصا - ففيه الدية مغلظة ، مائة من الإبل ، أربعون منها في بطونها أولادها ، يا معشر قريش ، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية ، وتعظمها بالآباء . الناس من آدم ، وآدم من تراب " ثم تلا هذه الآية : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير . - ص 203 - ثم قال : يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل بكم ؟ قالوا : خيرا ، أخ كريم ، وابن أخ كريم . قال : فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته : لا تثريب عليكم اليوم ، اذهبوا فأنتم الطلقاء .
ثم جلس في المسجد ، فقام إليه علي - ومفتاح الكعبة في يده - فقال : يا رسول الله ، اجمع لنا الحجابة مع السقاية . صلى الله عليك . فقال صلى الله عليه وسلم : أين عثمان بن طلحة " ؟ فدعي له ، فقال : " هاك مفتاحك يا عثمان ، اليوم يوم بر ووفاء .
وأمر بلالا أن يصعد على الكعبة فيؤذن - وأبو سفيان بن حرب ، وعتاب بن أسيد ، والحارث بن هشام ، وأشراف قريش جلوس بفناء الكعبة - فقال عتاب : لقد أكرم الله أسيدا ألا يكون سمع هذا . فقال الحارث : أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته . فقال أبو سفيان : لا أقول شيئا ، لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصباء . فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم . فقال : قد علمت الذي قلتم ثم ذكر ذلك لهم . فقال الحارث وعتاب : نشهد أنك رسول الله . والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا . فنقول : أخبرك .
ثم دخل صلى الله عليه وسلم دار أم هانئ فاغتسل . وصلى ثمان ركعات ، صلاة الفتح . وكان أمراء الإسلام إذا فتحوا بلدا صلوا هذه الصلاة .
ولما استقر الفتح : أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس كلهم ، إلا تسعة نفر . فأنه أمر بقتلهم ، وإن وجدوا تحت أستار الكعبة : عبد الله بن أبي سرح ، وعكرمة بن أبي جهل ، وعبد العزى بن خطل ، والحارث بن نفيل ، ومقيس بن صبابة ، وهبار بن الأسود ، وقينتان لابن خطل ، وسارة مولاة لبني عبد المطلب .
- ص 204 - فأما ابن أبي سرح : فجاء فارا إلى عثمان . فاستأمن له رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقبل منه ، بعد أن أمسك عنه ، رجاء أن يقوم إليه بعض أصحابه فيقتله .
وأما عكرمة : فاستأمنت له امرأته بعد أن هرب ، وعادت به ، فأسلم وحسن إسلامه .
وأما ابن خطل ، ومقيس ، والحارث ، وإحدى القينتين : فقتلوا .
وأما هبار : ففر ثم جاء فأسلم . وحسن إسلامه .
واستؤمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لسارة ، ولإحدى القينتين . فأسلمتا .
فلما كان الغد من يوم الفتح : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس خطيبا . فحمد الله وأثنى عليه . ثم قال : أيها الناس ، إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض . فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر : أن يسفك بها دما ، أو يعضد بها شجرة ، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا له : إن الله أذن لرسوله . ولم يأذن لك . وإنما أحلت لي ساعة من نهار .
وهم فضالة بن عمير بن الملوح الليثي أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يطوف . فلما دنا منه ، قال " أفضالة ؟ " قال : نعم فضالة يا رسول الله ، قال : " ماذا تحدث به نفسك ؟ " قال : لا شيء . كنت أذكر الله ، فضحك صلى الله عليه وسلم . ثم قال : " استغفر الله " ثم وضع يده على صدره ، فسكن قلبه . وكان فضالة يقول : والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه ، قال فضالة : فرجعت إلى أهلي . فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها ، فقالت : هلم إلى الحديث . فقال : لا . وانبعث فضالة يقول :
- ص 205 -
قالت : هلم إلى الحديث . فقلت : لا يــــأبى الإلـــه عليــك والإســلام
لـــو قـــد رأيــت محــمدا وقبيلــه بـــالفتح يـــوم تكســـر الأصنــام
لــرأيت ديــن اللــه أضحــى بينــا والشــرك يغشـى وجهـه الإظلام
وفر يومئذ صفوان بن أمية ، وعكرمة بن أبي جهل . فاستأمن عمير بن وهب رسول الله لصفوان ، فلحقه . وهو يريد أن يركب البحر فرده .
واستأمنت أم حكيم بنت الحارث بن هشام لزوجها عكرمة ، فلحقت به باليمن فردته .
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد الخزاعي فجدد أنصاب الحرم .
وبعث صلى الله عليه وسلم سراياه إلى الأوثان التي حول مكة فكسرت كلها ، منها اللات والعزى ومناة . ونادى مناديه بمكة : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر : فلا يدع في بيته صنما إلا كسره .
هدم عمرو بن العاص صنم سواع
وبعث عمرو بن العاص في شهر رمضان إلى سواع - وهو لهذيل - قال : فأتيته وعنده السادن ، فقال : ما تريد ؟ قلت : أهدمه قال : لا تقدر على ذلك ، قلت : لم ؟ قال : تمنع . قلت : حتى الآن أنت على الباطل ؟ ويحك . وهل يسمع أو يبصر ؟ فدنوت منه فكسرته . وأمرت أصحابي فهدموا بيت خزانته . فلم نجد فيه شيئا . فقلت للسادن : كيف رأيت ؟ قال : أسلمت لله .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
غزوة الفتح الأعظم
وكانت سنة ثمان في رمضان .
وسببها : أن بكرا عدت على خزاعة في مائهم " الوتير " فبيتوهم ، وقتلوا منهم . وكان في صلح الحديبية : " أن من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش فعل " فدخلت بنو بكر في عقد قريش ، ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم إن بني بكر وثبوا على خزاعة ليلا بماء ، يقال له : الوتير ، قريبا من مكة . وأعانت قريش بني بكر بالسلاح . وقاتل معهم بعضهم مستخفيا ليلا ، حتى لجأت خزاعة إلى الحرم .
فلما انتهوا إليه قالت بنو بكر لنوفل بن معاوية الديلي وكان يومئذ قائدهم : يا نوفل ، إنا قد دخلنا الحرم إلهك إلهك . فقال كلمة عظيمة لا إله له اليوم يا بني بكر ، أصيبوا ثأركم . فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم . أفلا تصيبون ثأركم فيه ؟
فخرج عمرو بن سالم الخزاعي ، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة . فوقف عليه وهو جالس في المسجد بين ظهراني أصحابه ، فقال :
يـــا رب إنــي ناشــد محــمدا حـــلف أبينـــا وأبيـــه الأتلـــدا
قــد كنتمــو ولــدا وكنــا والــدا ثمــت أسـلمنا ولـم نـنزع يـدا
- ص 195 - فــانصر هــداك اللـه نصـرا أيـدا وادع عبـــاد اللــه يــأتوا مــددا
فيهــم رسـول اللـه , قـد تجـردا أبيـض مثل البدر , يسمو صعدا
إن سـيم خسـفا وجهـه تربدا في فيلق كالبحر يجري مزبدا
إن قريشــا أخــلفوك الموعـدا ونقضــــوا ميثــــاقك المؤكـــدا
وجــعلوا لـي فـي كـداء رصـدا وزعمــوا أن لسـت أدعـو أحدا
وهــــــم أذل وأقــــــل عـــــددا هــــم بيتونـــا بــالوتير هجــدا
وقتلونا ركعا وسجدا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نصرت يا عمرو بن سالم . ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة ، حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأخبروه بما أصيب منهم ، وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس : كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد ، ويزيد في المدة . بعثته قريش . وقد رهبوا للذي صنعوا .
ثم قدم أبو سفيان . فدخل على ابنته أم حبيبة . فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه . فقال : يا بنية ، ما أدري : أرغبت بي عن هذا الفراش ، أم رغبت به عني ؟ قالت : بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت مشرك نجس . فقال : والله لقد أصابك بعدي شر . ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فكلمه فلم يرد عليه شيئا ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه في أن يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما أنا بفاعل . ثم أتى عمر فقال : أنا أشفع لكم ؟ والله لو لم أجد إلا الذر ، لجاهدتكم به . ثم دخل على علي ، وعنده فاطمة - والحسن غلام يدب بين يديها - فقال : يا علي ، إنك أمس - ص 196 - القوم بي رحما ، وإني جئت في حاجة ، فلا أرجعن خائبا . اشفع لي إلى محمد . فقال : قد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ، ما نستطيع أن نكلمه فيه . فقال لفاطمة : هل لك أن تأمري ابنك هذا ، فيجير بين الناس . فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر ؟ فقالت : ما يبلغ ابني ذلك . وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقال : يا أبا الحسن ، إني رأيت الأمور قد اشتدت علي ، فانصحني .
قال : والله ما أعلم شيئا يغني عنك ، ولكنك سيد بني كنانة ، فقم وأجر بين الناس ، ثم الحق بأرضك .
فقال : أوترى ذلك مغنيا عني شيئا ؟ قال : لا ، والله ما أظنه ، ولكن ما أجد لك غير ذلك .
فقام أبو سفيان في المسجد ، فقال : يا أيها الناس ، إني قد أجرت بين الناس . ثم ركب بعيره ، وانصرف عائدا إلى مكة .
فلما قدم على قريش قالوا : ما وراءك ؟ قال : جئت محمدا فكلمته ، فوالله ما رد علي شيئا . ثم جئت ابن أبي قحافة . فلم أجد فيه خيرا . ثم جئت عمر بن الخطاب ، فوجدته أدنى العدو - يعني : أعدى العدو - ثم جئت عليا فوجدته ألين القوم . وقد أشار علي بكذا وكذا . ففعلت . قالوا : فهل أجاز ذلك محمد ؟ قال : لا . قالوا : ويلك ، والله إن زاد الرجل على أن لعب بك .
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز ، وقال : اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش ، حتى نبغتها في بلادها .
- ص 197 - فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش كتابا ، يخبرهم فيه بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم . ودفعه إلى سارة - مولاة لبني عبد المطلب - فجعلته في رأسها . ثم فتلت عليه قرونها . وأتى الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من السماء . فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا والزبير إلى المرأة ، فأدركاها بروضة خاخ . فأنكرت . ففتشا رحلها ، فلم يجدا فيه شيئا . فهدداها . فأخرجته من قرون رأسها . فأتيا به رسول الله صلى الله عليه وسلم . فدعا حاطبا . فقال : ما هذا يا حاطب ؟ " فقال : لا تعجل علي يا رسول الله . والله إني لمؤمن بالله ورسوله . وما ارتددت ولا بدلت ، ولكني كنت امرءا ملصقا في قريش ، لست من أنفسهم . ولي فيهم أهل وعشيرة وولد . وليس لي فيهم قرابة يحمونهم . وكان من معك لهم قرابات يحمونهم . فأحببت أن أتخذ عندهم يدا . قد علمت أن الله مظهر رسوله ، ومتم له أمره .
فقال عمر : يا رسول الله ، دعني أضرب عنقه ، فإنه قد خان الله ورسوله . وقد نافق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه قد شهد بدرا وما يدريك يا عمر ؟ لعل الله اطلع على أهل بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم . فقد غفرت لكم .
فذرفت عينا عمر ، وقال : الله ورسوله أعلم .
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعمى الله الأخبار عن قريش ، لكنهم على وجل . فكان أبو سفيان يتجسس ، هو وحكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء .
وكان العباس قد خرج قبل ذلك بأهله وعياله مسلما مهاجرا . فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة . فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران نزل العشاء ، - ص 198 - فأمر الجيش فأوقدوا النيران . فأوقد أكثر من عشرة آلاف نارا . فركب العباس بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وخرج يلتمس ، لعله يجد بعض الحطابة ، أو أحدا يخبر قريشا ، ليخرجوا يستأمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخلها عنوة .
قال : فوالله إني لأسير عليها ، إذ سمعت كلام أبي سفيان ، وبديل ، يتراجعان ، يقول أبو سفيان : ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا .
قال : يقول بديل : هذه والله خزاعة ، حمشتها الحرب .
قال : يقول أبو سفيان : خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها .
فقلت : أبا حنظلة ؟ فعرف صوتي ، فقال : أبا الفضل ؟ قلت : نعم . قال : ما لك ، فداك أبي وأمي ؟ قال : قلت : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس واصباح قريش والله ، قال : فما الحيلة ؟ .
قلت : والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك . فاركب في عجز هذه البغلة ، حتى آتيه بك ، فأستأمنه لك . فركب خلفي . ورجع صاحباه . فجئت به . فكلما مررت بنار من نيران المسلمين ، قالوا : من هذا ؟ فإذا رأونا قالوا : عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته . حتى مررت بنار عمر ، فقال : من هذا ؟ وقام إلي . فلما رأى أبا سفيان قال : عدو الله ؟ الحمد لله الذي أمكن الله منك بغير عقد ولا عهد .
ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم . وركضت البغلة فسبقته ، واقتحمت عنها . فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخل عليه عمر . فقال : يا رسول الله هذا أبو سفيان ، قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد ، فدعني أضرب عنقه . فقلت : يا رسول الله ، إني قد أجرته .
- ص 199 - فلما أكثر عمر ، قلت : مهلا يا عمر . فوالله لو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا . قال : مهلا يا عباس . فوالله لإسلامك كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم . وما بي إلا أني عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهب به يا عباس إلى رحلك . فإذا أصبحت فائتني به .
ففعلت . ثم غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن أن تعلم : ألا إله إلا الله ؟ " قال : بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ! ! والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئا بعد . قال : ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم : أني رسول الله ؟ " قال : بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك . أما هذه ففي النفس حتى الآن منها شيء .
فقال له العباس : ويحك . وأسلم قبل أن يضرب عنقك . قال : فشهد شهادة الحق ، فأسلم .
فقال العباس : إن أبا سفيان رجل يحب الفخر ، فاجعل له شيئا ، قال : نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن .
فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عباس ، احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل ، حتى تمر به جنود الله فيراها قال : فخرجت حتى حبسته . ومرت القبائل على راياتها . حتى مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء - لكثرة الحديد وظهوره فيها - فيها المهاجرون والأنصار ، لا يرى منهم إلا الحدق . فقال : سبحان الله ! يا عباس . من هؤلاء ؟ قلت : هذا - ص 200 - رسول في المهاجرين والأنصار . قال : ما لأحد بهؤلاء طاقة .
وكانت راية الأنصار مع سعد بن عبادة ، فلما مر بأبي سفيان ، قال : اليوم يوم الملحمة . اليوم تستحل الحرمة . اليوم أذل الله قريشا . فذكره أبو سفيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال كذب سعد . ولكن هذا اليوم يوم تعظم فيه الكعبة ، اليوم أعز الله قريشا ثم نزع اللواء من سعد . ودفعه إلى قيس ابنه .
ومضى أبو سفيان . فلما جاء قريشا صرخ بأعلى صوته . هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن . قالوا : قاتلك الله ، وما تغني عنا دارك ؟ قال : ومن أغلق عليه بابه فهو آمن . ومن دخل المسجد فهو آمن .
فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد .
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل مكة من أعلاها ، وأمر خالد بن الوليد فدخلها من أسفلها ، وقال : إن عرض لكم أحد من قريش فاحصدوهم حصدا ، حتى توافوني على الصفا . فما عرض لهم أحد إلا أناموه .
وتجمع سفهاء قريش عكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أمية ، وسهيل بن عمرو ، بالخندمة ليقاتلوا . وكان حماس بن قيس يعد سلاحا قبل مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالت له امرأته : والله ما يقوم لمحمد وأصحابه شيء فقال : والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم ، ثم قال :
إن يقبلوا اليوم فمالي علة
هذا سلاح كامل وإله
وذو غرارين سريع السله
- ص 201 - ثم شهد الخندمة . فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد بن الوليد ، ناوشوهم شيئا من قتال ، فأصيب من المشركين اثنا عشر ، ثم انهزموا . فدخل حماس على امرأته ، فقال : اغلقي علي بابي . فقالت : وأين ما كنت تقول ؟ فقال :
إنــك لــو شـهدت يـوم الخندمـه إذ فــــر صفــــوان وفـــر عكرمـــه
وأبــــو يزيــــد قـــائم كالمؤتمـــه واستقبلتنا بالسيوف المسلمه
يقطـــن كــل ســاعد وجمجمــه ضربـــا فلا يســـمع إلا غمغمـــه
لهـــم نهيــت خلفنــا وهمهمــه لـم تنطقـي بـاللوم أدنـى كلمه
وقال أبو هريرة : أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم . فدخل مكة . فبعث الزبير على إحدى المجنبتين . وبعث خالدا على المجنبة الأخرى . وبعث أبا عبيدة بن الجراح على الحسر . فأخذوا بطن الوادي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته . وقد وبشت قريش أوباشها ، وقالوا : نقدم هؤلاء . فإذا كان لهم شيء كنا معهم ، وإن أصيبوا أعطيناه الذي سألنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا هريرة " ، فقلت : لبيك يا رسول الله . قال : " اهتف لي بالأنصار . ولا يأتيني إلا أنصاري " فهتفت بهم ، فجاءوا . فأطافوا برسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : " أترون إلى أوباش قريش وأتباعهم ؟ - ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى - احصدوهم حصدا ، حتى توافوني على الصفا قال أبو هريرة : فانطلقنا . فما يشاء أحد منا أن يقتل منهم ما شاء إلا قتل . وركزت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجون عند مسجد الفتح . ثم نهض والمهاجرون والأنصار بين يديه وخلفه وحوله ، حتى دخل المسجد . فأقبل إلى الحجر فاستلمه . ثم طاف بالبيت . وفي يده قوس ، وحول البيت وعليه ، ثلاثمائة وستون صنما . فجعل يطعنها بالقوس ، ويقول : جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا - ص 202 - جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد والأصنام تتساقط على وجوهها .
وكان طوافه على راحلته ، ولم يكن محرما يومئذ ، فاقتصر على الطواف .
فلما أكمله دعا عثمان بن طلحة ، فأخذ منه مفتاح الكعبة . فأمر بها ففتحت . فدخلها . فرأى فيها الصور ، ورأى صورة إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام . فقال : قاتلهم الله ، والله إن استقسما بها قط وأمر بالصور فمحيت . ثم أغلق عليه الباب ، هو وأسامة وبلال . فاستقبل الجدار الذي يقابل الباب . حتى إذا كان بينه وبينه قدر ثلاثة أذرع وقف وصلى هناك . ثم دار في البيت ، وكبر في نواحيه ، ووحد الله . ثم فتح الباب ، وقريش قد ملأت المسجد صفوفا ، ينظرون ماذا يصنع بهم ؟ فأخذ بعضاتي الباب وهم تحته . فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له . صدق وعده . ونصر عبده . وأعز جنده . وهزم الأحزاب وحده . ألا كل مأثرة ، أو مال ، أو دم ، فهو تحت قدمي هاتين ، إلا سدانة البيت ، وسقاية الحاج . ألا وقتل الخطأ شبه العمد - السوط والعصا - ففيه الدية مغلظة ، مائة من الإبل ، أربعون منها في بطونها أولادها ، يا معشر قريش ، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية ، وتعظمها بالآباء . الناس من آدم ، وآدم من تراب " ثم تلا هذه الآية : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير . - ص 203 - ثم قال : يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل بكم ؟ قالوا : خيرا ، أخ كريم ، وابن أخ كريم . قال : فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته : لا تثريب عليكم اليوم ، اذهبوا فأنتم الطلقاء .
ثم جلس في المسجد ، فقام إليه علي - ومفتاح الكعبة في يده - فقال : يا رسول الله ، اجمع لنا الحجابة مع السقاية . صلى الله عليك . فقال صلى الله عليه وسلم : أين عثمان بن طلحة " ؟ فدعي له ، فقال : " هاك مفتاحك يا عثمان ، اليوم يوم بر ووفاء .
وأمر بلالا أن يصعد على الكعبة فيؤذن - وأبو سفيان بن حرب ، وعتاب بن أسيد ، والحارث بن هشام ، وأشراف قريش جلوس بفناء الكعبة - فقال عتاب : لقد أكرم الله أسيدا ألا يكون سمع هذا . فقال الحارث : أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته . فقال أبو سفيان : لا أقول شيئا ، لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصباء . فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم . فقال : قد علمت الذي قلتم ثم ذكر ذلك لهم . فقال الحارث وعتاب : نشهد أنك رسول الله . والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا . فنقول : أخبرك .
ثم دخل صلى الله عليه وسلم دار أم هانئ فاغتسل . وصلى ثمان ركعات ، صلاة الفتح . وكان أمراء الإسلام إذا فتحوا بلدا صلوا هذه الصلاة .
ولما استقر الفتح : أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس كلهم ، إلا تسعة نفر . فأنه أمر بقتلهم ، وإن وجدوا تحت أستار الكعبة : عبد الله بن أبي سرح ، وعكرمة بن أبي جهل ، وعبد العزى بن خطل ، والحارث بن نفيل ، ومقيس بن صبابة ، وهبار بن الأسود ، وقينتان لابن خطل ، وسارة مولاة لبني عبد المطلب .
- ص 204 - فأما ابن أبي سرح : فجاء فارا إلى عثمان . فاستأمن له رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقبل منه ، بعد أن أمسك عنه ، رجاء أن يقوم إليه بعض أصحابه فيقتله .
وأما عكرمة : فاستأمنت له امرأته بعد أن هرب ، وعادت به ، فأسلم وحسن إسلامه .
وأما ابن خطل ، ومقيس ، والحارث ، وإحدى القينتين : فقتلوا .
وأما هبار : ففر ثم جاء فأسلم . وحسن إسلامه .
واستؤمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لسارة ، ولإحدى القينتين . فأسلمتا .
فلما كان الغد من يوم الفتح : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس خطيبا . فحمد الله وأثنى عليه . ثم قال : أيها الناس ، إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض . فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر : أن يسفك بها دما ، أو يعضد بها شجرة ، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا له : إن الله أذن لرسوله . ولم يأذن لك . وإنما أحلت لي ساعة من نهار .
وهم فضالة بن عمير بن الملوح الليثي أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يطوف . فلما دنا منه ، قال " أفضالة ؟ " قال : نعم فضالة يا رسول الله ، قال : " ماذا تحدث به نفسك ؟ " قال : لا شيء . كنت أذكر الله ، فضحك صلى الله عليه وسلم . ثم قال : " استغفر الله " ثم وضع يده على صدره ، فسكن قلبه . وكان فضالة يقول : والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه ، قال فضالة : فرجعت إلى أهلي . فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها ، فقالت : هلم إلى الحديث . فقال : لا . وانبعث فضالة يقول :
- ص 205 -
قالت : هلم إلى الحديث . فقلت : لا يــــأبى الإلـــه عليــك والإســلام
لـــو قـــد رأيــت محــمدا وقبيلــه بـــالفتح يـــوم تكســـر الأصنــام
لــرأيت ديــن اللــه أضحــى بينــا والشــرك يغشـى وجهـه الإظلام
وفر يومئذ صفوان بن أمية ، وعكرمة بن أبي جهل . فاستأمن عمير بن وهب رسول الله لصفوان ، فلحقه . وهو يريد أن يركب البحر فرده .
واستأمنت أم حكيم بنت الحارث بن هشام لزوجها عكرمة ، فلحقت به باليمن فردته .
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد الخزاعي فجدد أنصاب الحرم .
وبعث صلى الله عليه وسلم سراياه إلى الأوثان التي حول مكة فكسرت كلها ، منها اللات والعزى ومناة . ونادى مناديه بمكة : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر : فلا يدع في بيته صنما إلا كسره .
هدم عمرو بن العاص صنم سواع
وبعث عمرو بن العاص في شهر رمضان إلى سواع - وهو لهذيل - قال : فأتيته وعنده السادن ، فقال : ما تريد ؟ قلت : أهدمه قال : لا تقدر على ذلك ، قلت : لم ؟ قال : تمنع . قلت : حتى الآن أنت على الباطل ؟ ويحك . وهل يسمع أو يبصر ؟ فدنوت منه فكسرته . وأمرت أصحابي فهدموا بيت خزانته . فلم نجد فيه شيئا . فقلت للسادن : كيف رأيت ؟ قال : أسلمت لله .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ام دهب و مصطفى- عضو برونزى
- الجنس :
عدد المساهمات : 2052
نقاط : 2812
تاريخ التسجيل : 08/02/2013
رد: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
بعث سعد بن زيد لهدم مناة
ثم بعث سعد بن زيد بن مالك بن عبد بن كعب بن عبد الأشهل ، - ص 206 - الأشهلي الأنصاري ، في شهر رمضان إلى مناة . وكانت عند قديد بالمشلل ، للأوس والخزرج وغسان وغيرهم .
فخرج في عشرين فارسا ، حتى انتهى إليها . وعندها سادنها ، فقال : ما تريد ؟ قال : هدمها . قال : أنت وذاك . فأقبل سعد يمشي إليها ، وتخرج إليه امرأة عريانة سوداء ، ثائرة الرأس ، تدعو بالويل ، وتضرب صدرها .
فقال لها السادن : مناة ، دونك بعض عصاتك . فضربها سعد فقتلها ، وأقبل إلى الصنم فهدمه . ولم يجدوا في خزانتها شيئا .
غزوة حنين
قال ابن إسحاق : لما سمعت هوازن بالفتح ، جمعها مالك بن عوف النصري مع هوازن ثقيف كلها .
فلما أجمع مالك السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ساق مع الناس أموالهم ونساءهم وذراريهم . فلما نزل بأوطاس ، اجتمعوا إليه . وفيهم دريد بن الصمة الجشمي ، وهو شيخ كبير ، ليس فيه إلا رأيه ، وكان شجاعا مجربا .
فقال : بأي واد أنتم ؟ قالوا : بأوطاس . قال : نعم مجال الخيل . لا حزن ضرس ، ولا سهل دهس ، ما لي أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير . ويعار الشاء ؟ قالوا : ساق مالك مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم .
قال : أين مالك ؟ فدعي له ، فقال : إنك أصبحت رئيس قومك . وإن هذا يوم له ما بعده من الأيام . فلم فعلت هذا ؟ قال : أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ، ليقاتل عنهم . قال : راعي ضأن والله ، وهل يرد - ص 207 - المنهزم شيء ؟ إنها إن كانت لك : لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه . وإن كانت عليك : فضحت في أهلك ومالك . ثم قال : ما فعلت كعب وكلاب ؟ قالوا : لم يشهدها منهم أحد . قال : غاب الحد والجد ، لو كان يوم علاء ورفعة لم يغيبوا . ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب . فمن شهدها ؟ قالوا عمرو بن عامر ، وعوف بن عامر . قال : ذانك الجذعان من عامر ، لا ينفعان ولا يضران . يا مالك ، إنك لم تصنع بتقديم البيضة - بيضة هوازن - إلى نحور الخيل شيئا . ارفعهم إلى ممتنع بلادهم ، وعلياء قومهم . ثم الق الصبا على متون الجيل . فإن كانت لك : لحق بك من وراءك . وإن كانت عليك : ألفاك ذاك وقد أحرزت أهلك ومالك .
قال : والله لا أفعل إنك قد كبرت وكبر عقلك . والله لتطيعنني يا معشر هوازن ، أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري ، وكره أن يكون لدريد فيها ذكر ، أو رأي .
قالوا : أطعناك . فقال دريد : هذا يوم لم أشهده ، ولم يفتني .
يا ليتني فيها جذع أخــب فيهــا وأضــع
أقــود وطفـاء الـزمع كأنهــا شــاة صـدع
ثم قال مالك : إذا رأيتموهم ، فاكسروا جفون سيوفكم ، ثم شدوا شدة رجل واحد .
ثم بعث عيونا من رجاله ، فأتوه وقد تفرقت أوصالهم من الرعب - ص 208 - والهلع . فقال لهم : ويلكم ، ما شأنكم ؟ قالوا : رأينا رجالا بيضا على خيل بلق . والله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى . فوالله ما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد .
ولما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي . وأمره أن يداخلهم حتى يعلم علمهم . فانطلق . فداخلهم حتى علم ما هم عليه . فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره الخبر .
فلما أراد المسير ، ذكر له : أن عند صفوان بن أمية أدراعا وسلاحا - وهو يومئذ مشرك - فقال له : يا أبا أمية ، أعرنا سلاحك هذا ، نلق فيه عدونا غدا فقال : أغصبا يا محمد ؟ قال : بل عارية مضمونة ، حتى نؤديها إليك فأعطاه مائة درع بما يكفيها السلاح . فخرج صلى الله عليه وسلم . ومعه ألفان من أهل مكة ، وعشرة آلاف من أصحابه الذين فتح الله بهم مكة . فكانوا اثني عشر ألفا . واستعمل عتاب بن أسيد على مكة .
فلما استقبلوا وادي حنين ، انحدروا في واد من أودية تهامة أجوف في عماية الصبح . قال جابر : وكانوا قد سبقونا إليه ، فكمنوا في شعابه ومضايقه . قد تهيئوا . فوالله ما راعنا إلا الكتائب ، قد شدوا علينا شدة رجل واحد ، فانشمر الناس راجعين لا يلوي أحد على أحد ، وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ، ثم قال : يا أيها الناس : هلموا إلي ، أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبد الله .
وبقي معه نفر من المهاجرين ، وأهل بيته ، فاجتلد الناس . فوالله ما رجعت الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسرى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكانوا حين رأوا كثرتهم قالوا : " لن نغلب اليوم عن قلة " فوقع بهم ما - ص 209 - وقع ابتلاء من الله لقولهم ذلك .
قال ابن إسحاق : ولما وقعت الهزيمة : تكلم رجال من جفاة أهل مكة بما في أنفسهم من الضغن ، فقال أبو سفيان ، لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، وصرخ جبلة بن الحنبل : ألا بطل السحر اليوم . فقال له أخوه صفوان بن أمية - وكان بعد مشركا - اسكت ، فض الله فاك . فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن .
وذكر ابن إسحاق عن شيبة بن عثمان الحجبي . قال : لما كان يوم الفتح قلت : أسير مع قريش إلى هوازن ، لعلي أصيب من محمد غرة . فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها ، وأقول : لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا تبعه ، ما اتبعته أبدا . فلما اختلط الناس ، اقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغلته وأصلت السيف ، فدنوت أريد ما أريد ، ورفعت سيفي حتى كدت أسوره . فرفع لي شواظ من نار كالبرق ، كاد أن يمحشني فوضعت يدي على بصري خوفا عليه . فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فناداني يا شيب ، ادن " فدنوت ، فمسح صدري . ثم قال : " اللهم أعذه من الشيطان فوالله لهو كان ساعتئذ أحب إلي من سمعي وبصري ونفسي . ثم قال : ادن ، فقاتل فتقدمت أمامه أضرب بسيفي . الله يعلم أني أحب أن أقيه بنفسي . لو لقيت تلك الساعة أبي لأوقعت به السيف . فجعلت ألزمه فيمن لزمه ، حتى تراجع الناس ، وكروا كرة رجل واحد . وقربت بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فاستوى عليها . وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهم حتى تفرقوا ، في كل وجه . ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معسكره ، فدخل خباءه . فدخلت عليه ، ما دخل عليه غيري ، حبا لرؤية وجهه ، وسرورا به . فقال : يا شيب ، الذي أراد الله لك ، خير من الذي أردت لنفسك .
- ص 210 - قال العباس : إني لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكنت امرءا جسيما شديد الصوت - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - حين رأى ما رأى من الناس - إلي أيها الناس ، أنا النبي لا كذب . أنا ابن عبد المطلب فلم أر الناس يلوون على شيء . فقال : أي عباس ، اهتف بأصحاب السمرة " فناديت : يا أصحاب السمرة ، يا أصحاب سورة البقرة . فكان الرجل يريد أن يرد بعيره فلا يقدر . فيأخذ سلاحه ، ويقتحم عن بعيره ، ويخلي سبيله . ويؤم الصوت ، فأتوا من كل ناحية : لبيك ، لبيك . حتى إذا اجتمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة استقبلوا الناس ، فاقتتلوا . فكانت الدعوة أولا : " يا للأنصار ، يا للأنصار " ، ثم خلصت الدعوة : " يا لبني الحارث بن الخزرج " ، وكانوا صبرا عند الحرب .
وفي صحيح مسلم : ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات . فرمى بها وجوه القوم . ثم قال : انهزموا ، ورب محمد . فما هو إلا أن رماهم ، فما زلت أرى حدهم كليلا ، وأمرهم مدبرا .
ولما انهزم المشركون أتوا الطائف ، ومعهم مالك بن عوف . وعسكر بعضهم بأوطاس . وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثر من توجه نحو أوطاس أبا عامر الأشعري ، فأدرك بعضهم فناوشوه القتال ، فهزمهم الله تعالى . وقتل أبو عامر . فأخذ الراية أبو موسى الأشعري . فلما بلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اللهم اغفر لأبي عامر . واجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك .
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبي والغنائم أن يجمع . وكان السبي ستة آلاف رأس ، والإبل : أربعة وعشرين ألفا ، والغنم أربعين ألف شاة ، وأربعة آلاف أوقية فضة .
- ص 211 - فاستأنى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقدموا موالين مسلمين ، بضعة عشر ليلة . ثم بدأ بالأموال فقسمها : وأعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس فأعطى أبا سفيان مائة من الإبل . وأربعين أوقية . وأعطى ابنه يزيد مثل ذلك . وأعطى ابنه معاوية مثل ذلك . وأعطى حكيم بن حزام مائة من الإبل . ثم سأله مائة أخرى فأعطاه .
وذكر ابن إسحاق أصحاب المائة وأصحاب الخمسين .
ثم أمر زيد ثابت بإحصاء الغنائم والناس ، ثم فضها على الناس .
قال ابن إسحاق : حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعطى من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب ، ولم يكن في الأنصار منها شيء ، وجدت الأنصار في أنفسهم . حتى كثرت منهم القالة ، حتى قال قائلهم : لقي والله رسول الله قومه . فدخل عليه سعد بن عبادة ، فذكر له ذلك . فقال : " فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ " قال : يا رسول الله ، ما أنا إلا من قومي . قال : " فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة " فجاء رجال من المهاجرين . فتركهم فدخلوا . وجاء آخرون فردهم فلما اجتمعوا ، أتاه سعد فأخبره . فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله ، وأثنى عليه بما هو أهله . ثم قال : " يا معشر الأنصار ، ما مقالة بلغتني عنكم ؟ وجدة وجدتموها في أنفسكم ؟ ألم آتكم ضلالا . فهداكم الله بي ؟ وعالة فأغناكم الله بي وأعداء فألف الله بين قلوبكم بي ؟ " .
قالوا الله ورسوله أمن وأفضل .
ثم قال : ألا تجيبوني يا معشر الأنصار ؟ " .
- ص 212 - قالوا : بماذا نجيبك يا رسول الله ؟ ولله ولرسوله المن والفضل .
قال : أحمد (3/77). أما والله ، لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم ، أتيتنا مكذبا فصدقناك ، ومخذولا فنصرناك ، وطريدا فآويناك ، وعائلا فآسيناك . أوجدتم علي يا معشر الأنصار في أنفسكم لعاعة من الدنيا ، تألفت بها قوما ليسلموا ، ووكلتكم إلى إسلامكم ؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار : أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعون أنتم برسول الله إلى رحالكم ؟ فوالذي نفس محمد بيده ، لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به ، ولولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار . ولو سلك الناس شعبا وواديا ، وسلكت الأنصار شعبا وواديا ، لسلكت شعب الأنصار وواديها . الأنصار شعار . والناس دثار . اللهم ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار .
قال : فبكى القوم ، حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا : رضينا برسول الله قسما وحظا . ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا .
وقدمت الشيماء بنت الحارث - أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة - فقالت : يا رسول الله ، أنا أختك ، فبسط لها رداءه . وأجلسها عليه . وقال : إن أحببت فعندي مكرمة ، وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك فقالت : بل تمتعني ، وتردني إلى قومي . ففعل وأسلمت . فأعطاها ثلاثة أعبد وجارية ونعماء وشاء .
المن على سبي هوازن
وقدم وفد هوازن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم أربعة عشر رجلا . فسألوه : - ص 213 - أن يمن عليهم بالسبي والأموال ، فقال : إن معي من ترون ، وإن أحب الحديث إلي أصدقه . فأبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم ، أم أموالكم ؟ ، فقالوا : ما كنا نعدل بالأحساب شيئا . فقال : إذا صليت الغداة فقوموا ، فقولوا : إنا نستشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم على المؤمنين ، وبالمؤمنين على رسول الله أن يرد إلينا سبينا .
فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغداة قاموا ، فقالوا ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما ما كان لي ولبني عبد المطلب : فهو لكم ، وسأسأل لكم الناس .
فقال المهاجرون والأنصار : ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال الأقرع بن حابس : أما أنا وبنو تميم فلا . وقال عيينة بن حصن : أما أنا وبنو فزارة فلا . وقال عباس بن مرداس : أما أنا وبنو سليم فلا فقالت بنو سليم : ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال العباس : وهنتموني .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هؤلاء القوم قد جاءوا مسلمين . وقد استأنيت بسببهم ، وقد خيرتهم ، فلم يعدلوا بالأبناء والنساء شيئا . فمن كان عنده شيء فطابت نفسه بأن يرده ، فسبيل ذلك . ومن أحب أن يستمسك بحقه فليرده عليهم ، وله بكل فريضة ست فرائض من أول ما يفيء الله علينا فقال الناس : قد طيبنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : إنا لا نعرف من رضي منكم ممن لم يرض ، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم . فردوا عليهم أبناءهم ونساءهم ، وكسا النبي صلى الله عليه وسلم السبي قبطية قبطية .
- ص 214 - فصل
لما أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه فتح مكة : اقتضت حكمة الله أن أمسك قلوب هوازن عن الإسلام ، لتكون غنائمهم شكرانا لأهل الفتح ، وليظهر حزبه على الشوكة التي لم يلق المسلمون مثلها . فلا يقاومهم أحد بعد من العرب . وأذاق المسلمين أولا مرارة الكسرة ، مع قوة شوكتهم ، ليطامن رؤوسا رفعت بالفتح ، ولم تدخل حرمه كما دخله رسوله صلى الله عليه وسلم واضعا رأسه ، منحنيا على فرسه ، حتى إن ذقنه ليكاد يمس قربوس سرجه تواضعا لربه . وليبين سبحانه - لمن قال : " لن نغلب اليوم عن قلة " - إن النصر إنما هو من عنده سبحانه ، وأن من يخذله فلا ناصر له غيره . وأنه سبحانه الذي تولى نصر دينه ، لا كثرتكم . فلما انكسرت قلوبهم ، أرسل إليها خلع الجبر مع بريد النصر : ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وقد اقتضت حكمته أن خلع النصر إنما تفيض على أهل الانكسار : ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين .
غزوة الطائف
ولما أراد المسير إلى الطائف - وكانت في شوال سنة ثمان - بعث الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفين - صنم عمرو بن حممة الدوسي - يهدمه ، وأمره أن يستمد قومه يوافيه بالطائف - فخرج سريعا ، فهدمه وجعل يحثو النار في وجهه ويقول : -
- ص 215 -
يا ذا الكفين , لست من عبادكا
ميلادنا أكبر من ميلادكا
إني حشوت النار في فؤادكا
وانحدر معه من قومه أربعمائة سراعا . فوافوا النبي صلى الله عليه وسلم بالطائف - بعد مقدمه بأربعة أيام - وقدم بدبابة ومنجنيق .
قال ابن سعد : لما انهزموا من أوطاس دخلوا حصنهم ، وتهيئوا للقتال . وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم . فنزل قريبا من حصن الطائف . وعسكر هناك . فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا ، كأنه رجل جراد ، حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة . وقتل منهم اثنا عشر رجلا . فارتفع صلى الله عليه وسلم إلى موضع مسجد الطائف اليوم . فحاصرهم ثمانية عشر يوما . ونصب عليهم المنجنيق - وهو أول من رمى به في الإسلام - وأمر بقطع أعناب ثقيف . فوقع الناس فيها يقطعون ، فسألوه : أن يدعها لله وللرحم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإني أدعها لله وللرحم .
ونادى مناديه : " أيما عبد نزل من الحصن ، وخرج إلينا . فهو حر " فخرج منهم بضعة عشر رجلا ، فيهم أبو بكرة بن مسروج ، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودفع كل منهم إلى رجل من المسلمين يمونه .
ولم يأذن في فتح الطائف . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فأذن بالرحيل ، فضج الناس من ذلك ، وقالوا : نرحل ، ولم يفتح علينا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فاغدوا على القتال فغدوا ، فأصابهم جراحات . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنا قافلون إن شاء الله فسروا بذلك . وجعلوا يرحلون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك .
فلما ارتحلوا واستقلوا قال : قولوا : آيبون ، تائبون ، عابدون ، لربنا - ص 216 - حامدون وقيل : يا رسول الله ، ادع الله على ثقيف ، فقال : اللهم اهد ثقيفا وائت بهم .
ثم خرج إلى الجعرانة . فدخل منها إلى مكة محرما بعمرة فقضاها . ثم رجع إلى المدينة .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
بعث سعد بن زيد لهدم مناة
ثم بعث سعد بن زيد بن مالك بن عبد بن كعب بن عبد الأشهل ، - ص 206 - الأشهلي الأنصاري ، في شهر رمضان إلى مناة . وكانت عند قديد بالمشلل ، للأوس والخزرج وغسان وغيرهم .
فخرج في عشرين فارسا ، حتى انتهى إليها . وعندها سادنها ، فقال : ما تريد ؟ قال : هدمها . قال : أنت وذاك . فأقبل سعد يمشي إليها ، وتخرج إليه امرأة عريانة سوداء ، ثائرة الرأس ، تدعو بالويل ، وتضرب صدرها .
فقال لها السادن : مناة ، دونك بعض عصاتك . فضربها سعد فقتلها ، وأقبل إلى الصنم فهدمه . ولم يجدوا في خزانتها شيئا .
غزوة حنين
قال ابن إسحاق : لما سمعت هوازن بالفتح ، جمعها مالك بن عوف النصري مع هوازن ثقيف كلها .
فلما أجمع مالك السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ساق مع الناس أموالهم ونساءهم وذراريهم . فلما نزل بأوطاس ، اجتمعوا إليه . وفيهم دريد بن الصمة الجشمي ، وهو شيخ كبير ، ليس فيه إلا رأيه ، وكان شجاعا مجربا .
فقال : بأي واد أنتم ؟ قالوا : بأوطاس . قال : نعم مجال الخيل . لا حزن ضرس ، ولا سهل دهس ، ما لي أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير . ويعار الشاء ؟ قالوا : ساق مالك مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم .
قال : أين مالك ؟ فدعي له ، فقال : إنك أصبحت رئيس قومك . وإن هذا يوم له ما بعده من الأيام . فلم فعلت هذا ؟ قال : أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ، ليقاتل عنهم . قال : راعي ضأن والله ، وهل يرد - ص 207 - المنهزم شيء ؟ إنها إن كانت لك : لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه . وإن كانت عليك : فضحت في أهلك ومالك . ثم قال : ما فعلت كعب وكلاب ؟ قالوا : لم يشهدها منهم أحد . قال : غاب الحد والجد ، لو كان يوم علاء ورفعة لم يغيبوا . ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب . فمن شهدها ؟ قالوا عمرو بن عامر ، وعوف بن عامر . قال : ذانك الجذعان من عامر ، لا ينفعان ولا يضران . يا مالك ، إنك لم تصنع بتقديم البيضة - بيضة هوازن - إلى نحور الخيل شيئا . ارفعهم إلى ممتنع بلادهم ، وعلياء قومهم . ثم الق الصبا على متون الجيل . فإن كانت لك : لحق بك من وراءك . وإن كانت عليك : ألفاك ذاك وقد أحرزت أهلك ومالك .
قال : والله لا أفعل إنك قد كبرت وكبر عقلك . والله لتطيعنني يا معشر هوازن ، أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري ، وكره أن يكون لدريد فيها ذكر ، أو رأي .
قالوا : أطعناك . فقال دريد : هذا يوم لم أشهده ، ولم يفتني .
يا ليتني فيها جذع أخــب فيهــا وأضــع
أقــود وطفـاء الـزمع كأنهــا شــاة صـدع
ثم قال مالك : إذا رأيتموهم ، فاكسروا جفون سيوفكم ، ثم شدوا شدة رجل واحد .
ثم بعث عيونا من رجاله ، فأتوه وقد تفرقت أوصالهم من الرعب - ص 208 - والهلع . فقال لهم : ويلكم ، ما شأنكم ؟ قالوا : رأينا رجالا بيضا على خيل بلق . والله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى . فوالله ما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد .
ولما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي . وأمره أن يداخلهم حتى يعلم علمهم . فانطلق . فداخلهم حتى علم ما هم عليه . فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره الخبر .
فلما أراد المسير ، ذكر له : أن عند صفوان بن أمية أدراعا وسلاحا - وهو يومئذ مشرك - فقال له : يا أبا أمية ، أعرنا سلاحك هذا ، نلق فيه عدونا غدا فقال : أغصبا يا محمد ؟ قال : بل عارية مضمونة ، حتى نؤديها إليك فأعطاه مائة درع بما يكفيها السلاح . فخرج صلى الله عليه وسلم . ومعه ألفان من أهل مكة ، وعشرة آلاف من أصحابه الذين فتح الله بهم مكة . فكانوا اثني عشر ألفا . واستعمل عتاب بن أسيد على مكة .
فلما استقبلوا وادي حنين ، انحدروا في واد من أودية تهامة أجوف في عماية الصبح . قال جابر : وكانوا قد سبقونا إليه ، فكمنوا في شعابه ومضايقه . قد تهيئوا . فوالله ما راعنا إلا الكتائب ، قد شدوا علينا شدة رجل واحد ، فانشمر الناس راجعين لا يلوي أحد على أحد ، وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ، ثم قال : يا أيها الناس : هلموا إلي ، أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبد الله .
وبقي معه نفر من المهاجرين ، وأهل بيته ، فاجتلد الناس . فوالله ما رجعت الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسرى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكانوا حين رأوا كثرتهم قالوا : " لن نغلب اليوم عن قلة " فوقع بهم ما - ص 209 - وقع ابتلاء من الله لقولهم ذلك .
قال ابن إسحاق : ولما وقعت الهزيمة : تكلم رجال من جفاة أهل مكة بما في أنفسهم من الضغن ، فقال أبو سفيان ، لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، وصرخ جبلة بن الحنبل : ألا بطل السحر اليوم . فقال له أخوه صفوان بن أمية - وكان بعد مشركا - اسكت ، فض الله فاك . فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن .
وذكر ابن إسحاق عن شيبة بن عثمان الحجبي . قال : لما كان يوم الفتح قلت : أسير مع قريش إلى هوازن ، لعلي أصيب من محمد غرة . فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها ، وأقول : لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا تبعه ، ما اتبعته أبدا . فلما اختلط الناس ، اقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغلته وأصلت السيف ، فدنوت أريد ما أريد ، ورفعت سيفي حتى كدت أسوره . فرفع لي شواظ من نار كالبرق ، كاد أن يمحشني فوضعت يدي على بصري خوفا عليه . فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فناداني يا شيب ، ادن " فدنوت ، فمسح صدري . ثم قال : " اللهم أعذه من الشيطان فوالله لهو كان ساعتئذ أحب إلي من سمعي وبصري ونفسي . ثم قال : ادن ، فقاتل فتقدمت أمامه أضرب بسيفي . الله يعلم أني أحب أن أقيه بنفسي . لو لقيت تلك الساعة أبي لأوقعت به السيف . فجعلت ألزمه فيمن لزمه ، حتى تراجع الناس ، وكروا كرة رجل واحد . وقربت بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فاستوى عليها . وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهم حتى تفرقوا ، في كل وجه . ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معسكره ، فدخل خباءه . فدخلت عليه ، ما دخل عليه غيري ، حبا لرؤية وجهه ، وسرورا به . فقال : يا شيب ، الذي أراد الله لك ، خير من الذي أردت لنفسك .
- ص 210 - قال العباس : إني لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكنت امرءا جسيما شديد الصوت - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - حين رأى ما رأى من الناس - إلي أيها الناس ، أنا النبي لا كذب . أنا ابن عبد المطلب فلم أر الناس يلوون على شيء . فقال : أي عباس ، اهتف بأصحاب السمرة " فناديت : يا أصحاب السمرة ، يا أصحاب سورة البقرة . فكان الرجل يريد أن يرد بعيره فلا يقدر . فيأخذ سلاحه ، ويقتحم عن بعيره ، ويخلي سبيله . ويؤم الصوت ، فأتوا من كل ناحية : لبيك ، لبيك . حتى إذا اجتمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة استقبلوا الناس ، فاقتتلوا . فكانت الدعوة أولا : " يا للأنصار ، يا للأنصار " ، ثم خلصت الدعوة : " يا لبني الحارث بن الخزرج " ، وكانوا صبرا عند الحرب .
وفي صحيح مسلم : ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات . فرمى بها وجوه القوم . ثم قال : انهزموا ، ورب محمد . فما هو إلا أن رماهم ، فما زلت أرى حدهم كليلا ، وأمرهم مدبرا .
ولما انهزم المشركون أتوا الطائف ، ومعهم مالك بن عوف . وعسكر بعضهم بأوطاس . وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثر من توجه نحو أوطاس أبا عامر الأشعري ، فأدرك بعضهم فناوشوه القتال ، فهزمهم الله تعالى . وقتل أبو عامر . فأخذ الراية أبو موسى الأشعري . فلما بلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اللهم اغفر لأبي عامر . واجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك .
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبي والغنائم أن يجمع . وكان السبي ستة آلاف رأس ، والإبل : أربعة وعشرين ألفا ، والغنم أربعين ألف شاة ، وأربعة آلاف أوقية فضة .
- ص 211 - فاستأنى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقدموا موالين مسلمين ، بضعة عشر ليلة . ثم بدأ بالأموال فقسمها : وأعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس فأعطى أبا سفيان مائة من الإبل . وأربعين أوقية . وأعطى ابنه يزيد مثل ذلك . وأعطى ابنه معاوية مثل ذلك . وأعطى حكيم بن حزام مائة من الإبل . ثم سأله مائة أخرى فأعطاه .
وذكر ابن إسحاق أصحاب المائة وأصحاب الخمسين .
ثم أمر زيد ثابت بإحصاء الغنائم والناس ، ثم فضها على الناس .
قال ابن إسحاق : حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعطى من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب ، ولم يكن في الأنصار منها شيء ، وجدت الأنصار في أنفسهم . حتى كثرت منهم القالة ، حتى قال قائلهم : لقي والله رسول الله قومه . فدخل عليه سعد بن عبادة ، فذكر له ذلك . فقال : " فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ " قال : يا رسول الله ، ما أنا إلا من قومي . قال : " فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة " فجاء رجال من المهاجرين . فتركهم فدخلوا . وجاء آخرون فردهم فلما اجتمعوا ، أتاه سعد فأخبره . فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله ، وأثنى عليه بما هو أهله . ثم قال : " يا معشر الأنصار ، ما مقالة بلغتني عنكم ؟ وجدة وجدتموها في أنفسكم ؟ ألم آتكم ضلالا . فهداكم الله بي ؟ وعالة فأغناكم الله بي وأعداء فألف الله بين قلوبكم بي ؟ " .
قالوا الله ورسوله أمن وأفضل .
ثم قال : ألا تجيبوني يا معشر الأنصار ؟ " .
- ص 212 - قالوا : بماذا نجيبك يا رسول الله ؟ ولله ولرسوله المن والفضل .
قال : أحمد (3/77). أما والله ، لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم ، أتيتنا مكذبا فصدقناك ، ومخذولا فنصرناك ، وطريدا فآويناك ، وعائلا فآسيناك . أوجدتم علي يا معشر الأنصار في أنفسكم لعاعة من الدنيا ، تألفت بها قوما ليسلموا ، ووكلتكم إلى إسلامكم ؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار : أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعون أنتم برسول الله إلى رحالكم ؟ فوالذي نفس محمد بيده ، لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به ، ولولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار . ولو سلك الناس شعبا وواديا ، وسلكت الأنصار شعبا وواديا ، لسلكت شعب الأنصار وواديها . الأنصار شعار . والناس دثار . اللهم ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار .
قال : فبكى القوم ، حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا : رضينا برسول الله قسما وحظا . ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا .
وقدمت الشيماء بنت الحارث - أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة - فقالت : يا رسول الله ، أنا أختك ، فبسط لها رداءه . وأجلسها عليه . وقال : إن أحببت فعندي مكرمة ، وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك فقالت : بل تمتعني ، وتردني إلى قومي . ففعل وأسلمت . فأعطاها ثلاثة أعبد وجارية ونعماء وشاء .
المن على سبي هوازن
وقدم وفد هوازن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم أربعة عشر رجلا . فسألوه : - ص 213 - أن يمن عليهم بالسبي والأموال ، فقال : إن معي من ترون ، وإن أحب الحديث إلي أصدقه . فأبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم ، أم أموالكم ؟ ، فقالوا : ما كنا نعدل بالأحساب شيئا . فقال : إذا صليت الغداة فقوموا ، فقولوا : إنا نستشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم على المؤمنين ، وبالمؤمنين على رسول الله أن يرد إلينا سبينا .
فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغداة قاموا ، فقالوا ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما ما كان لي ولبني عبد المطلب : فهو لكم ، وسأسأل لكم الناس .
فقال المهاجرون والأنصار : ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال الأقرع بن حابس : أما أنا وبنو تميم فلا . وقال عيينة بن حصن : أما أنا وبنو فزارة فلا . وقال عباس بن مرداس : أما أنا وبنو سليم فلا فقالت بنو سليم : ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال العباس : وهنتموني .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هؤلاء القوم قد جاءوا مسلمين . وقد استأنيت بسببهم ، وقد خيرتهم ، فلم يعدلوا بالأبناء والنساء شيئا . فمن كان عنده شيء فطابت نفسه بأن يرده ، فسبيل ذلك . ومن أحب أن يستمسك بحقه فليرده عليهم ، وله بكل فريضة ست فرائض من أول ما يفيء الله علينا فقال الناس : قد طيبنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : إنا لا نعرف من رضي منكم ممن لم يرض ، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم . فردوا عليهم أبناءهم ونساءهم ، وكسا النبي صلى الله عليه وسلم السبي قبطية قبطية .
- ص 214 - فصل
لما أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه فتح مكة : اقتضت حكمة الله أن أمسك قلوب هوازن عن الإسلام ، لتكون غنائمهم شكرانا لأهل الفتح ، وليظهر حزبه على الشوكة التي لم يلق المسلمون مثلها . فلا يقاومهم أحد بعد من العرب . وأذاق المسلمين أولا مرارة الكسرة ، مع قوة شوكتهم ، ليطامن رؤوسا رفعت بالفتح ، ولم تدخل حرمه كما دخله رسوله صلى الله عليه وسلم واضعا رأسه ، منحنيا على فرسه ، حتى إن ذقنه ليكاد يمس قربوس سرجه تواضعا لربه . وليبين سبحانه - لمن قال : " لن نغلب اليوم عن قلة " - إن النصر إنما هو من عنده سبحانه ، وأن من يخذله فلا ناصر له غيره . وأنه سبحانه الذي تولى نصر دينه ، لا كثرتكم . فلما انكسرت قلوبهم ، أرسل إليها خلع الجبر مع بريد النصر : ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وقد اقتضت حكمته أن خلع النصر إنما تفيض على أهل الانكسار : ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين .
غزوة الطائف
ولما أراد المسير إلى الطائف - وكانت في شوال سنة ثمان - بعث الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفين - صنم عمرو بن حممة الدوسي - يهدمه ، وأمره أن يستمد قومه يوافيه بالطائف - فخرج سريعا ، فهدمه وجعل يحثو النار في وجهه ويقول : -
- ص 215 -
يا ذا الكفين , لست من عبادكا
ميلادنا أكبر من ميلادكا
إني حشوت النار في فؤادكا
وانحدر معه من قومه أربعمائة سراعا . فوافوا النبي صلى الله عليه وسلم بالطائف - بعد مقدمه بأربعة أيام - وقدم بدبابة ومنجنيق .
قال ابن سعد : لما انهزموا من أوطاس دخلوا حصنهم ، وتهيئوا للقتال . وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم . فنزل قريبا من حصن الطائف . وعسكر هناك . فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا ، كأنه رجل جراد ، حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة . وقتل منهم اثنا عشر رجلا . فارتفع صلى الله عليه وسلم إلى موضع مسجد الطائف اليوم . فحاصرهم ثمانية عشر يوما . ونصب عليهم المنجنيق - وهو أول من رمى به في الإسلام - وأمر بقطع أعناب ثقيف . فوقع الناس فيها يقطعون ، فسألوه : أن يدعها لله وللرحم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإني أدعها لله وللرحم .
ونادى مناديه : " أيما عبد نزل من الحصن ، وخرج إلينا . فهو حر " فخرج منهم بضعة عشر رجلا ، فيهم أبو بكرة بن مسروج ، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودفع كل منهم إلى رجل من المسلمين يمونه .
ولم يأذن في فتح الطائف . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فأذن بالرحيل ، فضج الناس من ذلك ، وقالوا : نرحل ، ولم يفتح علينا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فاغدوا على القتال فغدوا ، فأصابهم جراحات . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنا قافلون إن شاء الله فسروا بذلك . وجعلوا يرحلون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك .
فلما ارتحلوا واستقلوا قال : قولوا : آيبون ، تائبون ، عابدون ، لربنا - ص 216 - حامدون وقيل : يا رسول الله ، ادع الله على ثقيف ، فقال : اللهم اهد ثقيفا وائت بهم .
ثم خرج إلى الجعرانة . فدخل منها إلى مكة محرما بعمرة فقضاها . ثم رجع إلى المدينة .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ام دهب و مصطفى- عضو برونزى
- الجنس :
عدد المساهمات : 2052
نقاط : 2812
تاريخ التسجيل : 08/02/2013
رد: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
- ص 217 - فصل
قال ابن إسحاق : وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك في رمضان . وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف .
وكان من حديثهم : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم " اتبع أثره عروة بن مسعود ، حتى أدركه قبل أن يدخل المدينة . فأسلم ، وسأله : أن يرجع إلى قومه بالإسلام ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن فيهم نخوة الامتناع فقال : يا رسول الله ، أنا أحب إليهم من أبكارهم . وكان فيهم كذلك محببا مطاعا .
فخرج يدعوهم إلى الإسلام ، رجاء ألا يخالفوه ، لمنزلته فيهم . فلما أشرف لهم على علية - وقد دعاهم إلى الإسلام - رموه بالنبل من كل وجه . فأصابه سهم فقتله ، فقيل له : ما ترى في دمك ؟ فقال : كرامة أكرمني الله بها ، وشهادة ساقها الله إلي . فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم . فادفنوني معهم ، فدفنوه معهم . فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن مثله في قومه كمثل صاحب ياسين في قومه .
ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة شهرا . ثم ائتمروا بينهم . ورأوا أنهم لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب ، وقد أسلموا وبايعوا . فأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ، كما أرسلوا عروة .
فكلموا عبد ياليل بن عمرو ، وعرضوا عليه ذلك . فأبى ، وخشي أن يصنع به كما صنع بعروة . فقال : لست فاعلا حتى ترسلوا معي رجالا . - ص 218 - فأجمعوا أن يرسلوا معه رجلين من الأحلاف وثلاثة من بني مالك ، منهم عثمان بن أبي العاص . فلما دنوا من المدينة ونزلوا قناة ، ألفوا بها المغيرة بن شعبة . فاشتد ليبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم . فلقيه أبو بكر ، فقال : أقسمت عليك بالله ، لا تسبقني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى أكون أنا أحدثه ، ففعل . ثم خرج المغيرة إلى أصحابه ، فروح الظهر معهم . وعلمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية . فضرب عليهم قبة في ناحية المسجد .
وكان فيما سألوه : أن يدع لهم اللات لا يهدمها ثلاث سنوات ، فأبى . فما برحوا يسألونه سنة ، فيأبى . حتى سألوه شهرا واحدا . فأبى عليهم أن يدعها شيئا مسمى . وإنما يريدون بذلك - فيما يظهرون - أن يسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم ، ويكرهون أن يروعوهم بهدمها ، حتى يدخلهم الإسلام . فأبى إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة يهدمانها .
فلما أسلموا أمر عليهم عثمان بن أبي العاص - وكان من أحدثهم سنا - وذلك : أنه كان من أحرصهم على التفقه في الدين ، وتعلم القرآن .
فلما توجهوا راجعين بعث معهم أبا سفيان والمغيرة بن شعبة ، حتى إذا قدموا الطائف أراد المغيرة : أن يقدم أبا سفيان ، فأبى ، وقال : ادخل أنت على قومك . وأقام أبو سفيان بماله بذي الهدم . فلما دخل المغيرة علاها يضربها بالمعول . وقام دونه بنو مغيث ، خشية أن يرمى ، كما فعل بعروة ، وخرج نساء ثقيف حسرا يبكين عليها . فلما هدمها أخذ مالها وحليها وأرسل به إلى أبي سفيان .
- ص 219 - ما في غزوة الطائف من الفقه
فيها من الفقه : جواز القتال في الأشهر الحرم . ونسخ تحريم ذلك .
وفيها : أنه لا يجوز إبقاء مواضع الطواغيت والشرك بعد القدرة عليها يوما واحدا . فإنها شعائر الكفر . وهي أعظم المنكرات . وهكذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثانا تعبد من دون الله ، وكذلك الأحجار والأشجار التي تقصد للتعظيم والتبرك والنذر لها وكثير منها بمنزلة اللات والعزى ، أو أعظم شركا عندها ، وبها .
ولم يكن أحد من أرباب هذه الطواغيت يعتقد أنها تخلف وترزق ، وتميت وتحيي . وإنما كانوا يفعلون عندها ما يفعله إخوانهم من المشركين اليوم عند طواغيتهم ، فاتبع هؤلاء سنن من كان قبلهم . وغلب الشرك على أكثر النفوس لظهور الجهل وخفاء العلم ، وغلبة التقاليد . وصار المعروف منكرا ، والمنكر معروفا ، والسنة بدعة والبدعة سنة ، ونشأ في ذلك الصغير وهرم عليه الكبير . وطمست الأعلام . واشتدت غربة الإسلام .
ولكن لا تزال طائفة من العصابة المحمدية بالحق قائمين ، ولأهل الشرك والبدع مجاهدين ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين .
وفيها : صرف الإمام الأموال التي تصير إلى هذه المشاهد من عابديها . فيجب على الإمام أن يصرفها في الجهاد ومصالح المسلمين وكذلك أوقافها تصرف في مصالح المسلمين .
- ص 220 - فصل
حوادث سنة تسع
ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، ودخلت سنة تسع ، بعث المصدقين يأخذون الصدقات من الأعراب .
وفيها : بعث عليا رضي الله عنه إلى صنم طيئ ليهدمه . فشنوا الغارة على محلة آل حاتم مع الفجر . فهدموه . وملئوا أيديهم من السبي والنعم والشاء . وفي السبي سفانة أخت عدي بن حاتم ، وهرب عدي إلى الشام . ووجدوا في خزانته ثلاثة أسياف ، وثلاثة أدرع . وقسم علي الغنائم في الطريق ، ولم يقسم السبي من آل حاتم حتى قدم بهم المدينة .
قال عدي : ما كان رجل من العرب أشد كراهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني ، حين سمعت به . وكنت رجلا شريفا نصرانيا . وكنت أسير في قومي بالمرباع . وكنت في نفسي على دين . فقلت لغلام لي راع لإبلي : اعدد لي من إبلي أجمالا ذللا سمانا . فإذا سمعت بجيش محمد قد وطئ هذه البلاد فآذني . فأتاني ذات غداة ، فقال : ما كنت صانعا إذا غشيتك خيل محمد فاصنع الآن . فإني قد رأيت رايات ، فسألت عنها ؟ فقالوا : هذه جيوش محمد . قلت : قرب لي أجمالي . فاحتملت بأهلي وولدي ، ثم قلت : ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام ، وخلفت بنتا لحاتم في الحاضرة . فلما قدمت الشام أقمت بها ، وتخالفني خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتصيب ابنة حاتم ، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا من طيئ .
وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشام . فمر بها . فقالت : يا رسول - ص 221 - الله ، غاب الوافد ، وانقطع الوالد ، وأنا عجوز كبيرة ما بي من خدمة ، فمن علي . من الله عليك . فقال : " من وافدك ؟ . قالت : عدي بن حاتم ، قال : " الذي فر من الله ورسوله ؟ " - وكررت عليه القول ثلاثة أيام - قالت : فمن علي ، وسألته الحملان ، فأمر لها به وكساها وحملها وأعطاها نفقة .
فأتتني . فقالت : لقد فعل فعلة ما كان أبوك يفعلها . ائته راغبا أو راهبا ، فقد أتاه فلان فأصاب منه ، وأتاه فلان فأصاب منه . قال : فأتيته ، وهو جالس في المسجد . فقال القوم : هذا عدي بن حاتم - وجئت بغير أمان ولا كتاب - فأخذ بيدي - وكان قبل ذلك قال : " إني لأرجو أن يجعل الله يده في يدي " - فقام إلي ، فلقيت امرأة ومعها صبي . فقالا : إن لنا إليك حاجة . فقام معهما حتى قضى حاجتهما . ثم أخذ بيدي حتى أتى داره . فألقت له الوليدة وسادة . فجلس عليها ، وجلست بين يديه . فحمد الله وأثنى عليه . ثم قال : ما يفرك ؟ أيفرك أن يقال : " لا إله إلا الله ؟ " فهل تعلم من إله سوى الله ؟ " فقلت : لا . فتكلم ساعة . ثم قال : " أيفرك أن يقال : الله أكبر ؟ وهل تعلم شيئا أكبر من الله ؟ " قلت : لا ، قال : " فإن اليهود مغضوب عليهم . والنصارى ضالون " ، فقلت : فإني حنيف مسلم . فرأيت وجهه ينبسط فرحا .
ثم أمر بي فأنزلت عند رجل من الأنصار . وجعلت آتيه طرفي النهار . فبينا أنا عنده ، إذ جاءه قوم في ثياب من صوف من هذه الثمار ، فصلى ثم قام . فحث بالصدقة عليهم ، وقال : أيها الناس ، ارضخوا من الفضل ولو بصاع ، ولو بنصف صاع ، ولو بقبضة ، ولو ببعض قبضة ، يقي أحدكم - ص 222 - وجهه حر جهنم - أو النار - ولو بتمرة ، ولو بشق تمرة . فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة . فإن أحدكم لاق الله ، فقائل له أقول لكم : ألم أجعل لك مالا وولدا ؟ فيقول : بلى ، فيقول : أين ما قدمت لنفسك ؟ فلينظر قدامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله . فلا يجد شيئا يقي به وجهه حر جهنم ، ليق أحدكم وجهه النار ، ولو بشق تمرة ، فإن لم يجد فكلمة طيبة . فإني لا أخاف عليكم الفاقة . فإن الله ناصركم ومعطيكم ، حتى تسير الظعينة ما بين يثرب والحيرة ، ما تخاف على مطيتها السرق .
فجعلت أقول : فأين لصوص طيئ ؟ .
قصة كعب بن زهير
قال ابن إسحاق : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف كتب بجير بن زهير إلى أخيه كعب : يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه ، وأن من بقي من شعراء قريش - ابن الزبعرى ، وهبيرة بن أبي وهب - قد هربوا في كل وجه . فإن كان لك في نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا ، وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجائبك . وكان قد قال : -
ألا بلغـــا عنـــي بجـــيرا رســالة فهل لك فيما قلت ؛ ويحك هل لكا ؟
فبيـن لنـا , إن كـنت لست بفاعل علـى أي شـيء غـير ذلـك دلكـا ؟
- ص 223 - علـى خـلق لـم تلـف أمـا ولا أبا عليــه . ولــم تلـق عليـه أخـا لكـا
فإن أنت لم تفعل . فلست بآسف ولا قــــائل , إمــــا عـــثرت : لعالكـــا
سـقاك بهـا المـأمون كأسـا روية وأنهلــك المــأمون منهــا وعلكــا
فلما أتت بجيرا كره أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سقاك بها المأمون ، صدق والله . وأنه لكذوب ، أنا المأمون " ولما سمع " على خلق لم تلف أما ولا أبا عليه " قال : " أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه .
ثم قال بجير بن زهير : -
مــن مبلـغ كعبا , فهل لك في التي تلـــوم عليهــا بــاطلا , وهــي أحـزم ؟
إلـى اللـه - لا العـزى ولا اللات - وحده فتنجــــو إذا كــان النجــاء وتســلم
لــدى يـوم لا ينجـو , وليس بمفلـت مـن الناس إلا طاهر القلب مسلم
فـــدين زهــير - وهـو لا شـيء - دينـه وديـــن أبـي سـلمى علـي محـرم
- ص 224 - فلما بلغ كعبا ضاقت عليه الأرض . وأشفق على نفسه ، فلما لم يجد من شيء بدا ، قال قصيدته التي مدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج حتى قدم المدينة . فنزل على رجل كان بينه وبينه معرفة . فغدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذكر لي أنه قام فجلس إليه - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرفه - فقال : يا رسول الله ، إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمنك تائبا مسلما ، فهل أنت قابل منه ، إن أنا جئتك به ؟ قال : " نعم " : قال : أنا كعب بن زهير .
فحدثني عاصم بن عمرو : أنه وثب عليه رجل من الأنصار . فقال : يا رسول الله ، دعني وعدو الله أضرب عنقه . فقال : " دعه عنك ، فقد جاء تائبا نازعا عما كان عليه فغضب كعب على هذا الحي من الأنصار ، وذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير . فقال قصيدته التي أولها : -
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيــم إثرهــا لــم يفــد مكبــول
ومنها :
أمسـت سعاد بأرض لا يبلغها إلا العتاق النجيبات المراسيل
إلى أن قال :
تسـعى الغواة جنابيها , وقولهمو : إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول
وقال
كــــــل صـــــديق كـــــنت آملـــــه لا ألهينـــك إنــي عنــك مشـغول
فقلــت : خـلوا سبيلي لا أبا لكمو فكـــل مــا قــدر الرحــمن مفعـول
نبئــت أن رســول اللــه أوعـدني والعفــو عنـد رسـول اللـه مـأمول
- ص 225 - مـهلا , هداك الذي أعطاك نافلة ال قــــرآن فيهـــا مــواعيظ وتفصيــل
لا تـــأخذني بـأقوال الوشـاة . ولـم أذنـــب , وإن كــثرت فــي الأقــاويل
إلى أن قال :
إن الرســـــول لنـــــور يســـــتضاء بــــه وصـــارم مـــن ســـيوف اللــه مســلول
فـــي فتيــة مــن قــريش قــال قــائلهم ببطــــن مكــــة - لمــــا أســـلموا - زولـــوا
زالـــــوا . فمــــا زال إنكـــاس ولا كشـــف عنــــــد اللقـــــاء , ولا ميـــــل معـــــازيل
يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم ضـــــرب إذا عــــرد الســــود التنــــابيل
شــــم العــــرانين , أبطــــال لبوســـهمو مــن نســج داود فــي الهيجـا سـرابيل
ليســـوا مفـــاريح إن نــالت رمــاحهمو قومــــا , وليســــوا مجازيعــــا إذا نيلــــوا
لا يقــــع الطعــــن إلا فـــي نحـــورهمو ومــا لهــم عــن حيـاض المـوت تهليـل
قال عاصم بن عمرو : فلما قال : إذا عرد السود التنابيل ، وإنما عنانا معشر الأنصار ، فقال بعد أن أسلم يمدح الأنصار : -
- ص 226 -
من سره كرم الحياة فلا يزل في مقنب من صالح الأنصار
ورثـوا المكـارم كابرا عن كابر إن الخيـار همـو بني الأخيار
الذائدين الناس عن أديانهم بالمشـرفي وبالقنـا الخطـار
والبـائعين نفوسـهم لنبيهم يــوم الهيــاج وفتنــة الكفــار
والنــاظرين بــأعين محــمرة كــالجمر غـير كليلـة الإبصـار
والبـاذلين نفوسـهم لنبيهم للمــوت يــوم تعــانق وكــرار
يتطهـرون , يرونـه نسـكا لهـم بدمـاء مـن علقوا من الكفار
قـوم إذا خـوت النجوم فإنهم للطــارقين النـازلين مقـاري
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
- ص 217 - فصل
قال ابن إسحاق : وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك في رمضان . وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف .
وكان من حديثهم : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم " اتبع أثره عروة بن مسعود ، حتى أدركه قبل أن يدخل المدينة . فأسلم ، وسأله : أن يرجع إلى قومه بالإسلام ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن فيهم نخوة الامتناع فقال : يا رسول الله ، أنا أحب إليهم من أبكارهم . وكان فيهم كذلك محببا مطاعا .
فخرج يدعوهم إلى الإسلام ، رجاء ألا يخالفوه ، لمنزلته فيهم . فلما أشرف لهم على علية - وقد دعاهم إلى الإسلام - رموه بالنبل من كل وجه . فأصابه سهم فقتله ، فقيل له : ما ترى في دمك ؟ فقال : كرامة أكرمني الله بها ، وشهادة ساقها الله إلي . فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم . فادفنوني معهم ، فدفنوه معهم . فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن مثله في قومه كمثل صاحب ياسين في قومه .
ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة شهرا . ثم ائتمروا بينهم . ورأوا أنهم لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب ، وقد أسلموا وبايعوا . فأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ، كما أرسلوا عروة .
فكلموا عبد ياليل بن عمرو ، وعرضوا عليه ذلك . فأبى ، وخشي أن يصنع به كما صنع بعروة . فقال : لست فاعلا حتى ترسلوا معي رجالا . - ص 218 - فأجمعوا أن يرسلوا معه رجلين من الأحلاف وثلاثة من بني مالك ، منهم عثمان بن أبي العاص . فلما دنوا من المدينة ونزلوا قناة ، ألفوا بها المغيرة بن شعبة . فاشتد ليبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم . فلقيه أبو بكر ، فقال : أقسمت عليك بالله ، لا تسبقني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى أكون أنا أحدثه ، ففعل . ثم خرج المغيرة إلى أصحابه ، فروح الظهر معهم . وعلمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية . فضرب عليهم قبة في ناحية المسجد .
وكان فيما سألوه : أن يدع لهم اللات لا يهدمها ثلاث سنوات ، فأبى . فما برحوا يسألونه سنة ، فيأبى . حتى سألوه شهرا واحدا . فأبى عليهم أن يدعها شيئا مسمى . وإنما يريدون بذلك - فيما يظهرون - أن يسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم ، ويكرهون أن يروعوهم بهدمها ، حتى يدخلهم الإسلام . فأبى إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة يهدمانها .
فلما أسلموا أمر عليهم عثمان بن أبي العاص - وكان من أحدثهم سنا - وذلك : أنه كان من أحرصهم على التفقه في الدين ، وتعلم القرآن .
فلما توجهوا راجعين بعث معهم أبا سفيان والمغيرة بن شعبة ، حتى إذا قدموا الطائف أراد المغيرة : أن يقدم أبا سفيان ، فأبى ، وقال : ادخل أنت على قومك . وأقام أبو سفيان بماله بذي الهدم . فلما دخل المغيرة علاها يضربها بالمعول . وقام دونه بنو مغيث ، خشية أن يرمى ، كما فعل بعروة ، وخرج نساء ثقيف حسرا يبكين عليها . فلما هدمها أخذ مالها وحليها وأرسل به إلى أبي سفيان .
- ص 219 - ما في غزوة الطائف من الفقه
فيها من الفقه : جواز القتال في الأشهر الحرم . ونسخ تحريم ذلك .
وفيها : أنه لا يجوز إبقاء مواضع الطواغيت والشرك بعد القدرة عليها يوما واحدا . فإنها شعائر الكفر . وهي أعظم المنكرات . وهكذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثانا تعبد من دون الله ، وكذلك الأحجار والأشجار التي تقصد للتعظيم والتبرك والنذر لها وكثير منها بمنزلة اللات والعزى ، أو أعظم شركا عندها ، وبها .
ولم يكن أحد من أرباب هذه الطواغيت يعتقد أنها تخلف وترزق ، وتميت وتحيي . وإنما كانوا يفعلون عندها ما يفعله إخوانهم من المشركين اليوم عند طواغيتهم ، فاتبع هؤلاء سنن من كان قبلهم . وغلب الشرك على أكثر النفوس لظهور الجهل وخفاء العلم ، وغلبة التقاليد . وصار المعروف منكرا ، والمنكر معروفا ، والسنة بدعة والبدعة سنة ، ونشأ في ذلك الصغير وهرم عليه الكبير . وطمست الأعلام . واشتدت غربة الإسلام .
ولكن لا تزال طائفة من العصابة المحمدية بالحق قائمين ، ولأهل الشرك والبدع مجاهدين ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين .
وفيها : صرف الإمام الأموال التي تصير إلى هذه المشاهد من عابديها . فيجب على الإمام أن يصرفها في الجهاد ومصالح المسلمين وكذلك أوقافها تصرف في مصالح المسلمين .
- ص 220 - فصل
حوادث سنة تسع
ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، ودخلت سنة تسع ، بعث المصدقين يأخذون الصدقات من الأعراب .
وفيها : بعث عليا رضي الله عنه إلى صنم طيئ ليهدمه . فشنوا الغارة على محلة آل حاتم مع الفجر . فهدموه . وملئوا أيديهم من السبي والنعم والشاء . وفي السبي سفانة أخت عدي بن حاتم ، وهرب عدي إلى الشام . ووجدوا في خزانته ثلاثة أسياف ، وثلاثة أدرع . وقسم علي الغنائم في الطريق ، ولم يقسم السبي من آل حاتم حتى قدم بهم المدينة .
قال عدي : ما كان رجل من العرب أشد كراهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني ، حين سمعت به . وكنت رجلا شريفا نصرانيا . وكنت أسير في قومي بالمرباع . وكنت في نفسي على دين . فقلت لغلام لي راع لإبلي : اعدد لي من إبلي أجمالا ذللا سمانا . فإذا سمعت بجيش محمد قد وطئ هذه البلاد فآذني . فأتاني ذات غداة ، فقال : ما كنت صانعا إذا غشيتك خيل محمد فاصنع الآن . فإني قد رأيت رايات ، فسألت عنها ؟ فقالوا : هذه جيوش محمد . قلت : قرب لي أجمالي . فاحتملت بأهلي وولدي ، ثم قلت : ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام ، وخلفت بنتا لحاتم في الحاضرة . فلما قدمت الشام أقمت بها ، وتخالفني خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتصيب ابنة حاتم ، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا من طيئ .
وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشام . فمر بها . فقالت : يا رسول - ص 221 - الله ، غاب الوافد ، وانقطع الوالد ، وأنا عجوز كبيرة ما بي من خدمة ، فمن علي . من الله عليك . فقال : " من وافدك ؟ . قالت : عدي بن حاتم ، قال : " الذي فر من الله ورسوله ؟ " - وكررت عليه القول ثلاثة أيام - قالت : فمن علي ، وسألته الحملان ، فأمر لها به وكساها وحملها وأعطاها نفقة .
فأتتني . فقالت : لقد فعل فعلة ما كان أبوك يفعلها . ائته راغبا أو راهبا ، فقد أتاه فلان فأصاب منه ، وأتاه فلان فأصاب منه . قال : فأتيته ، وهو جالس في المسجد . فقال القوم : هذا عدي بن حاتم - وجئت بغير أمان ولا كتاب - فأخذ بيدي - وكان قبل ذلك قال : " إني لأرجو أن يجعل الله يده في يدي " - فقام إلي ، فلقيت امرأة ومعها صبي . فقالا : إن لنا إليك حاجة . فقام معهما حتى قضى حاجتهما . ثم أخذ بيدي حتى أتى داره . فألقت له الوليدة وسادة . فجلس عليها ، وجلست بين يديه . فحمد الله وأثنى عليه . ثم قال : ما يفرك ؟ أيفرك أن يقال : " لا إله إلا الله ؟ " فهل تعلم من إله سوى الله ؟ " فقلت : لا . فتكلم ساعة . ثم قال : " أيفرك أن يقال : الله أكبر ؟ وهل تعلم شيئا أكبر من الله ؟ " قلت : لا ، قال : " فإن اليهود مغضوب عليهم . والنصارى ضالون " ، فقلت : فإني حنيف مسلم . فرأيت وجهه ينبسط فرحا .
ثم أمر بي فأنزلت عند رجل من الأنصار . وجعلت آتيه طرفي النهار . فبينا أنا عنده ، إذ جاءه قوم في ثياب من صوف من هذه الثمار ، فصلى ثم قام . فحث بالصدقة عليهم ، وقال : أيها الناس ، ارضخوا من الفضل ولو بصاع ، ولو بنصف صاع ، ولو بقبضة ، ولو ببعض قبضة ، يقي أحدكم - ص 222 - وجهه حر جهنم - أو النار - ولو بتمرة ، ولو بشق تمرة . فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة . فإن أحدكم لاق الله ، فقائل له أقول لكم : ألم أجعل لك مالا وولدا ؟ فيقول : بلى ، فيقول : أين ما قدمت لنفسك ؟ فلينظر قدامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله . فلا يجد شيئا يقي به وجهه حر جهنم ، ليق أحدكم وجهه النار ، ولو بشق تمرة ، فإن لم يجد فكلمة طيبة . فإني لا أخاف عليكم الفاقة . فإن الله ناصركم ومعطيكم ، حتى تسير الظعينة ما بين يثرب والحيرة ، ما تخاف على مطيتها السرق .
فجعلت أقول : فأين لصوص طيئ ؟ .
قصة كعب بن زهير
قال ابن إسحاق : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف كتب بجير بن زهير إلى أخيه كعب : يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه ، وأن من بقي من شعراء قريش - ابن الزبعرى ، وهبيرة بن أبي وهب - قد هربوا في كل وجه . فإن كان لك في نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا ، وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجائبك . وكان قد قال : -
ألا بلغـــا عنـــي بجـــيرا رســالة فهل لك فيما قلت ؛ ويحك هل لكا ؟
فبيـن لنـا , إن كـنت لست بفاعل علـى أي شـيء غـير ذلـك دلكـا ؟
- ص 223 - علـى خـلق لـم تلـف أمـا ولا أبا عليــه . ولــم تلـق عليـه أخـا لكـا
فإن أنت لم تفعل . فلست بآسف ولا قــــائل , إمــــا عـــثرت : لعالكـــا
سـقاك بهـا المـأمون كأسـا روية وأنهلــك المــأمون منهــا وعلكــا
فلما أتت بجيرا كره أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سقاك بها المأمون ، صدق والله . وأنه لكذوب ، أنا المأمون " ولما سمع " على خلق لم تلف أما ولا أبا عليه " قال : " أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه .
ثم قال بجير بن زهير : -
مــن مبلـغ كعبا , فهل لك في التي تلـــوم عليهــا بــاطلا , وهــي أحـزم ؟
إلـى اللـه - لا العـزى ولا اللات - وحده فتنجــــو إذا كــان النجــاء وتســلم
لــدى يـوم لا ينجـو , وليس بمفلـت مـن الناس إلا طاهر القلب مسلم
فـــدين زهــير - وهـو لا شـيء - دينـه وديـــن أبـي سـلمى علـي محـرم
- ص 224 - فلما بلغ كعبا ضاقت عليه الأرض . وأشفق على نفسه ، فلما لم يجد من شيء بدا ، قال قصيدته التي مدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج حتى قدم المدينة . فنزل على رجل كان بينه وبينه معرفة . فغدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذكر لي أنه قام فجلس إليه - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرفه - فقال : يا رسول الله ، إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمنك تائبا مسلما ، فهل أنت قابل منه ، إن أنا جئتك به ؟ قال : " نعم " : قال : أنا كعب بن زهير .
فحدثني عاصم بن عمرو : أنه وثب عليه رجل من الأنصار . فقال : يا رسول الله ، دعني وعدو الله أضرب عنقه . فقال : " دعه عنك ، فقد جاء تائبا نازعا عما كان عليه فغضب كعب على هذا الحي من الأنصار ، وذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير . فقال قصيدته التي أولها : -
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيــم إثرهــا لــم يفــد مكبــول
ومنها :
أمسـت سعاد بأرض لا يبلغها إلا العتاق النجيبات المراسيل
إلى أن قال :
تسـعى الغواة جنابيها , وقولهمو : إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول
وقال
كــــــل صـــــديق كـــــنت آملـــــه لا ألهينـــك إنــي عنــك مشـغول
فقلــت : خـلوا سبيلي لا أبا لكمو فكـــل مــا قــدر الرحــمن مفعـول
نبئــت أن رســول اللــه أوعـدني والعفــو عنـد رسـول اللـه مـأمول
- ص 225 - مـهلا , هداك الذي أعطاك نافلة ال قــــرآن فيهـــا مــواعيظ وتفصيــل
لا تـــأخذني بـأقوال الوشـاة . ولـم أذنـــب , وإن كــثرت فــي الأقــاويل
إلى أن قال :
إن الرســـــول لنـــــور يســـــتضاء بــــه وصـــارم مـــن ســـيوف اللــه مســلول
فـــي فتيــة مــن قــريش قــال قــائلهم ببطــــن مكــــة - لمــــا أســـلموا - زولـــوا
زالـــــوا . فمــــا زال إنكـــاس ولا كشـــف عنــــــد اللقـــــاء , ولا ميـــــل معـــــازيل
يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم ضـــــرب إذا عــــرد الســــود التنــــابيل
شــــم العــــرانين , أبطــــال لبوســـهمو مــن نســج داود فــي الهيجـا سـرابيل
ليســـوا مفـــاريح إن نــالت رمــاحهمو قومــــا , وليســــوا مجازيعــــا إذا نيلــــوا
لا يقــــع الطعــــن إلا فـــي نحـــورهمو ومــا لهــم عــن حيـاض المـوت تهليـل
قال عاصم بن عمرو : فلما قال : إذا عرد السود التنابيل ، وإنما عنانا معشر الأنصار ، فقال بعد أن أسلم يمدح الأنصار : -
- ص 226 -
من سره كرم الحياة فلا يزل في مقنب من صالح الأنصار
ورثـوا المكـارم كابرا عن كابر إن الخيـار همـو بني الأخيار
الذائدين الناس عن أديانهم بالمشـرفي وبالقنـا الخطـار
والبـائعين نفوسـهم لنبيهم يــوم الهيــاج وفتنــة الكفــار
والنــاظرين بــأعين محــمرة كــالجمر غـير كليلـة الإبصـار
والبـاذلين نفوسـهم لنبيهم للمــوت يــوم تعــانق وكــرار
يتطهـرون , يرونـه نسـكا لهـم بدمـاء مـن علقوا من الكفار
قـوم إذا خـوت النجوم فإنهم للطــارقين النـازلين مقـاري
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ام دهب و مصطفى- عضو برونزى
- الجنس :
عدد المساهمات : 2052
نقاط : 2812
تاريخ التسجيل : 08/02/2013
رد: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
- ص 227 - فصل
في غزوة تبوك
قال ابن إسحاق : كانت في زمان عسرة من الناس ، وجدب من البلاد ، حين طابت الثمار ، فالناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم . وكان صلى الله عليه وسلم قلما يخرج في غزوة إلا ورى بغيرها ، إلا ما كان منها ، فإنه جلاها للناس لبعد الشقة ، وشدة الزمان .
فقال ذات يوم - وهو في جهازه - للجد بن قيس هل لك في جلاد بني الأصفر ؟ " فقال : يا رسول الله ، أوتأذن لي ولا تفتني ؛ فقد عرف قومي أنه ما من رجل أشد عجبا بالنساء مني ، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ، ألا أصبر ، فقال : " قد أذنت لك ففيه نزلت : ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني الآية .
وقال قوم من المنافقين ، بعضهم لبعض : لا تنفروا في الحر ، فنزل : وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا الآية .
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حض أهل الغنى على النفقة . فحمل رجال من أهل الغنى واحتسبوا . وأنفق عثمان ثلاثمائة بعير بأحلاسها ، وأقتابها وعدتها ، وألف دينار عينا .
وجاء البكاءون - وهم سبعة - يستحملون رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : لا - ص 228 - أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون .
وقام علبة بن يزيد ، فصلى من الليل وبكى . ثم قال : اللهم إنك أمرت بالجهاد ، ورغبت فيه ، ثم لم تجعل عندي ما أتقوى به مع رسولك ، ولم تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه ، وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها : من مال ، أو جسد أو عرض ، ثم أصبح مع الناس . فقال النبي صلى الله عليه وسلم أين المتصدق هذه الليلة ؟ فلم يقم أحد ، ثم قال : أين المتصدق ؟ فلم يقم . فقام إليه فأخبره ، فقال صلى الله عليه وسلم : أبشر ، فوالذي نفس محمد بيده ، لقد كتبت في الزكاة المتقبلة " .
وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم ، فلم يعذرهم .
واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري . فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تخلف عبد الله بن أبي ومن كان معه ، وتخلف نفر من المسلمين من غير شك ولا ارتياب ، منهم الثلاثة - كعب بن مالك . وهلال بن أمية . ومرارة بن الربيع - وأبو خيثمة السالمي ، وأبو ذر . . . ثم لحقاه . وشهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثين ألفا من الناس ، والخيل عشرة آلاف فرس . وأقام بها عشرين ليلة يقصر الصلاة ، وهرقل يومئذ بحمص .
قال ابن إسحاق : ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف عليا على أهله . فقال المنافقون : ما خلفه إلا استثقالا له ، وتخففا منه ، فأخذ سلاحه ولحق به بالجرف ، فقال : يا نبي الله : زعم المنافقون : أنك ما خلفتني إلا استثقالا ، فقال : " كذبوا ، ولكني خلفتك لما تركت ورائي ، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ، أولا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ إلا أنه لا نبي - ص 229 - بعدي فرجع .
ودخل أبو خيثمة إلى أهله في يوم حار ، بعد ما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما ، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائط ، قد رشت كل واحدة منهما عريشها ، وبردت له ماء ، وهيأت له طعاما . فلما دخل قام على باب العريش ، فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا . فقال : رسول الله في الضح والريح والحر ، وأبو خيثمة في ظل بارد ، وطعام مهيأ ، وامرأة حسناء ؟ ما هذا بالنصف . ثم قال : والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم . فهيئا لي زادا ، ففعلتا . ثم قدم ناضحه فارتحله ، ثم خرج حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل تبوك .
وقد كان عمير بن وهب الجمحي أدرك أبا خيثمة ، في الطريق فترافقا ، حتى إذا دنوا من تبوك ، قال أبو خيثمة له : إن لي ذنبا . فلا عليك أن تتخلف عني حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففعل . حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الناس : هذا راكب على الطريق مقبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كن أبا خيثمة " قالوا : يا رسول الله ، هو والله ، هو والله أبو خيثمة . فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له : " أولى لك يا أبا خيثمة " فأخبره الخبر ، فقال له خيرا ، ودعا له .
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما مر بالحجر - من ديار ثمود - قال : " لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين ، إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم ، لا يصيبكم مثل ما أصابهم وقال : لا تشربوا من مائها شيئا ، ولا تتوضئوا منه للصلاة وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئا ، وأمرهم أن يهرقوا الماء ، وأن يستقوا من - ص 230 - البئر التي كانت تردها الناقة .
وفي صحيح مسلم عن أبي حميد الساعدي قال : انطلقنا حتى قدمنا تبوك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ستهب عليكم الليلة ريح شديدة . فلا يقم أحد منكم . فمن كان له بعير فليشد عقاله . فهبت ريح شديدة ، فقام رجل . فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيئ .
قال ابن إسحاق : وأصبح الناس ولا ماء معهم . فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا الله . فأرسل الله سحابة . فأمطرت حتى ارتوى الناس واحتملوا حاجتهم من الماء .
ثم سار حتى إذا كان ببعض الطريق جعلوا يقولون : تخلف فلان ، فيقول : دعوه ، فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه " . .
وتلوم على أبي ذر بعيره . فلما أبطأ عليه أخذ متاعه على ظهره ، ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا .
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض منازله . فنظر ناظر من المسلمين فقال : يا رسول الله ، إن هذا الرجل يمشي على الطريق . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كن أبا ذر " فلما تأملوه . قالوا : يا رسول الله ، هو والله أبو ذر . فقال : " رحم الله أبا ذر . يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده .
وفي صحيح ابن حبان عن أم ذر قالت " لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت ، فقال : ما يبكيك ؟ فقلت : وما لي لا أبكي ، وأنت تموت بفلاة من الأرض ، وليس عندي ثوب يسعك كفنا ، ولا يدان لي في تغيبك ؟ فقال : أبشري ولا تبكي ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر - وأنا فيهم - : ليموتن - ص 231 - رجل منكم بفلاة من الأرض ، يشهده عصابة من المسلمين . وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة ، فأنا ذلك الرجل ، فوالله ما كذبت ولا كذبت . فأبصري الطريق . فكنت أشتد إلى الكثيب أتبصر ، ثم أرجع فأمرضه . فبينا أنا وهو كذلك ، إذا أنا برجال على رحالهم ، كأنهم الرخم ، تخب بهم رواحلهم ، قالت : فأشرت إليهم . فأسرعوا إلي حتى وقفوا علي . فقالوا : يا أمة الله ، ما لك ؟ قلت : امرؤ من المسلمين يموت تكفنونه . قالوا : من هو ؟ قلت : أبو ذر ، قالوا : صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : نعم ، ففدوه بآبائهم وأمهاتهم ، وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه . فقال لهم : أبشروا ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم - وذكر الحديث - ثم قال : وإنه لو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي ولامرأتي لم أكفن إلا في ثوب هو لي ، أو لها . فإني أنشدكم الله ألا يكفنني رجل منكم كان أميرا أو عريفا ، أو بريدا أو نقيبا . وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد قارف بعض ما قال إلا فتى من الأنصار ، قال : يا عم ، أنا أكفنك في ردائي هذا . وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي ، قال : فأنت تكفنني ، فكفنه الأنصاري ، وأقاموا عليه ودفنوه في نفر كلهم يمان " .
ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك ، أتاه صاحب أيلة ، فصالحه وأعطاه الجزية ، وأتاه أهل جربا وأذرح ، فأعطوه الجزية ، وكتب لهم كتابا . فهو عندهم .
ثم بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة ، وقال لخالد : إنك تجده يصيد البقر فخرج خالد ، حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة - وهو على سطح له - فبانت البقر تحك بقرونها باب القصر . فقالت له امرأته : هل رأيت مثل هذا قط ؟ قال : لا والله . قالت : فمن يترك مثل - ص 232 - هذه ؟ قال : لا أحد . ثم نزل فأمر بفرسه فأسرج له ، وركب معه نفر من أهل بيته . فلما خرجوا ، تلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذته وقتلوا أخاه . وقدم به خالد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحقن له دمه . وصالحه على الجزية ، ثم خلى سبيله . فرجع إلى قريته .
قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة . ثم انصرف إلى المدينة . قال : وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التميمي : أن ابن مسعود كان يحدث ، قال : " قمت من جوف الليل ، وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر ، فاتبعتها أنظر إليها . فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر . وإذا عبد الله ذو البجادين - والبجاد الكساء الأسود - المزني قد مات ، وإذا هم قد حفروا له ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته ، وأبو بكر وعمر ، يدليانه إليه . وهو يقول : أدليا إلي أخاكما . فأدلياه إليه . فلما هيأه لشقه ، قال : اللهم إني قد أمسيت راضيا عنه ، فارض عنه " قال : يقول عبد الله بن مسعود : " يا ليتني كنت صاحب الحفرة " .
وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك ، حتى كان بينه وبين المدينة ساعة . وكان أصحاب مسجد الضرار أتوه - وهو يتجهز إلى تبوك - فقالوا : يا رسول الله ، إنا بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة ، والليلة المطيرة . وإنا نحب أن تصلي فيه . فقال : " إني على جناح سفر ، ولو قدمنا إن شاء الله لأتيناكم " .
فلما نزل بذي أوان ، جاءه خبر المسجد من السماء فدعا مالك بن الدخشم ومعن بن عدي . فقال : " انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله ، - ص 233 - فاهدماه ، وحرقاه " فخرجا مسرعين حتى أتيا بني سالم بن عوف - وهم رهط مالك بن الدخشم - فقال لمعن أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي فدخل إلى أهله فأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا ثم خرجا يشتدان حتى دخلاه ، وفيه أهله ، فحرقاه وهدماه ، وأنزل الله سبحانه والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين إلى قوله والله عليم حكيم .
قال ابن عباس في الآية : هم أناس من الأنصار ابتنوا مسجدا ، فقال لهم أبو عامر الفاسق : ابنوا مسجدكم ، واستعدوا ما استطعتم من قوة ومن سلاح . فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم ، فآت بجند من الروم ، فأخرج محمدا وأصحابه . فلما فرغوا من بنائه : أتوا النبي صلى الله عليه وسلم . فقالوا : إنا قد فرغنا من بناء مسجدنا . ونحب أن تصلي فيه ، وتدعو بالبركة . فأنزل الله عز وجل : لا تقم فيه أبدا إلى قوله : لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم يعني الشك إلا أن تقطع قلوبهم يعني بالموت .
ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ، خرج الناس لتلقيه ، والنساء والصبيان والولائد يقلن :
طلــع البـدر علينـا مـن ثنيـات الـوداع
وجب الشكر علينا مـــا دعــا للــه داع
وكانت غزوة تبوك آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه . وأنزل الله فيها سورة براءة .
- ص 234 - وكانت تسمى في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده " المبعثرة " لما كشفت من سرائر المنافقين وخبايا قلوبهم .
وفي غزوة تبوك : كانت قصة تخلف كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية الواقفي . ممن شهدوا بدرا . ولم يكن لهم عذر في التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، جاء المعذرون من الأعراب من المنافقين ، يحلفون أنهم كانوا معذورين . فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأرجأ كعب بن مالك وصاحبيه حتى أنزل الله في شأنهم وفي توبتهم - وكانوا من خيار المؤمنين - : لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا الآيتين . خلفهم الله وأخر توبتهم ليمحصهم ويطهرهم من ذنب تأخرهم . لأنهم كانوا من الصادقين .
وفود العرب إلى رسول الله
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك ، وأسلمت ثقيف . ضربت إليه أكباد الإبل ، تحمل وفود العرب من كل وجه ، في سنة تسع . وكانت تسمى : سنة الوفود .
قال ابن إسحاق : وإنما كانت العرب تربص بالإسلام أمر هذا الحي من قريش ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وذلك : أن قريشا كانوا إمام الناس وهداتهم ، وأهل البيت والحرم ، وصريح ولد إسماعيل عليه السلام ، وقادة العرب لا ينكرون ذلك . وكانت - ص 235 - قريش هي التي نصبت لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما افتتحت مكة ، ودانت له قريش . عرفت العرب : ألا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولا عداوته ، فدخلوا في دين الله أفواجا . كما قال تعالى : إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا .
وفد بني تميم
فقدم عليه عطارد بن حاجب التميمي ، في أشراف من بني تميم ، جاءوا في أسرى بني تميم ، الذين أخذتهم سرية عيينة بن حصن الفزاري في المحرم من هذه السنة . وكان عيينة قد أخذ أحد عشر رجلا ، وإحدى وعشرين امرأة ، وثلاثين صبيا . وساقهم إلى المدينة . فقدم رؤساء بني تميم فيهم . فلما دخلوا المسجد ، نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات - وهو في بيته - أن اخرج إلينا . فآذى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأنزل الله فيهم : إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم .
فلما خرج إليهم قالوا : جئنا لنفاخرك ، فائذن لشاعرنا وخطيبنا . قال : " أذنت لخطيبكم " فقام عطارد . فخطب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس : " قم ، فأجب الرجل " فقام ثابت فخطب وأجابه . وقام الزبرقان بن بدر فقال :
نحــن الكــرام , فلا حــي يعادلنــا منـا الملـوك وفينـا تنصـب البيـع
- ص 236 - وكـم قسـرنا مـن الأجياد كلهمو عنــد النهــاب , وفضــل العـز يتبـع
ونحن يطعم عند القحط مطعمنا مـن الشـواء إذا لم يؤنس القزع .
إلى أن قال : -
إنـا أبينـا , ولا يأبى لنا أحد إنا كذلك عند الفخر نرتفع
في أبيات ذكرها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان : " قم ، فأجب الرجل " فقام ، فقال :
إن الــــذوائب مـــن فهـــر وإخـــوتهم قــــد بينـــوا ســـننا للنـــاس تتبـــع
يـرضى بهـا كـل مـن كـانت سـريرته تقـــوى الإلــه , وكــل الخــير يصطنــع
قــــوم إذا حـــاربوا ضـــروا عدوهمـــو أو حـاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
ســـجية , تلــك منهــم غــير , محدثــة إن الخــلائق - فــاعلم - شــرها البــدع
إن كان في الناس سباقون بعدهمو فكــل ســبق لأدنــى ســبقهم تبـع
- ص 237 - إلى أن قال : -
لا يبخـلون علـى جـار بفضلهمو ولا يمســهمو مـن مطمـع طبـع
لا يفخــــرون إذا نـــالوا عـــدوهم وإن أصيبـــوا فلا خـــور ولا هلــع
نسـمو إذا الحـرب نالتنا مخالبها إذا الزعانف من أظفارها خشعوا
إلى أن قال : -
أكرم بقوم رسول الله شيعتهم إذا تفـــرقت الأهـــواء والشـــيع
أهدى لهم مدحتي قلب , ووازره فيمـا أحـب : لسـان حـائك صنـع
وقال الزبرقان أيضا : -
أتينـاك كيمـا يعلـم النـاس فضلنا إذا احتفلوا عند احتضار المواسم
فإنـا ملـوك الناس في كل موطن وأن ليس في أرض الحجاز كدارم
وإنــا نــذود المعلميــن إذا انتخـوا ونضــرب رأس الأغيــد المتفـاخم
وأن لنــا المربــاع فــي كـل غـارة تغـــير بنجـــد , أو بــأرض الأعــاجم
- ص 238 - فأجابه حسان بن ثابت رضي الله عنه : -
هل المجد إلا السؤدد العود والندى وجـــاه الملــوك , واحتمــال العظــائم ؟
نصرنــــا وآوينــــا النبــــي محــــمدا علــى أنــف راض مــن معـد وراغـم
إلى أن قال : -
ونحــن ضربنـا النـاس حـتى تتـابعوا علــى دينــه بالمرهفــات الصــوارم
ونحـــن ولدنــا مـن قـريش عظيمهـا ولدنــا نبــي الخــير مـن آل هاشـم
بنــــي دارم , لا تفخـــروا . إن فخـــركم يعـــود وبـــالا عنـــد ذكـــر المكـــارم
هبلتــــم , علينــــا تفخـــرون ؟ وأنتـــم لنـــا خـــول . مــا بيــن ظــئر وخــادم
فــإن كنتمــو جـئتم لحـقن دمـائكم وأموالكم : أن تقسموا في المقاسم
فلا تجــــعلوا للــــه نــــدا . وأســـلموا ولا تلبســــوا زيـــا كـــزي الأعـــاجم
فلما فرغ حسان ، قال الأقرع بن حابس : إن هذا الرجل لمؤتى . - ص 239 - لخطيبه أخطب من خطيبنا ، ولشاعره أشعر من شاعرنا ، ولأصواتهم أحلى من أصواتنا . فلما فرغ القوم أسلموا ، وجوزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن جوائزهم .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
- ص 227 - فصل
في غزوة تبوك
قال ابن إسحاق : كانت في زمان عسرة من الناس ، وجدب من البلاد ، حين طابت الثمار ، فالناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم . وكان صلى الله عليه وسلم قلما يخرج في غزوة إلا ورى بغيرها ، إلا ما كان منها ، فإنه جلاها للناس لبعد الشقة ، وشدة الزمان .
فقال ذات يوم - وهو في جهازه - للجد بن قيس هل لك في جلاد بني الأصفر ؟ " فقال : يا رسول الله ، أوتأذن لي ولا تفتني ؛ فقد عرف قومي أنه ما من رجل أشد عجبا بالنساء مني ، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ، ألا أصبر ، فقال : " قد أذنت لك ففيه نزلت : ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني الآية .
وقال قوم من المنافقين ، بعضهم لبعض : لا تنفروا في الحر ، فنزل : وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا الآية .
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حض أهل الغنى على النفقة . فحمل رجال من أهل الغنى واحتسبوا . وأنفق عثمان ثلاثمائة بعير بأحلاسها ، وأقتابها وعدتها ، وألف دينار عينا .
وجاء البكاءون - وهم سبعة - يستحملون رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : لا - ص 228 - أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون .
وقام علبة بن يزيد ، فصلى من الليل وبكى . ثم قال : اللهم إنك أمرت بالجهاد ، ورغبت فيه ، ثم لم تجعل عندي ما أتقوى به مع رسولك ، ولم تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه ، وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها : من مال ، أو جسد أو عرض ، ثم أصبح مع الناس . فقال النبي صلى الله عليه وسلم أين المتصدق هذه الليلة ؟ فلم يقم أحد ، ثم قال : أين المتصدق ؟ فلم يقم . فقام إليه فأخبره ، فقال صلى الله عليه وسلم : أبشر ، فوالذي نفس محمد بيده ، لقد كتبت في الزكاة المتقبلة " .
وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم ، فلم يعذرهم .
واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري . فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تخلف عبد الله بن أبي ومن كان معه ، وتخلف نفر من المسلمين من غير شك ولا ارتياب ، منهم الثلاثة - كعب بن مالك . وهلال بن أمية . ومرارة بن الربيع - وأبو خيثمة السالمي ، وأبو ذر . . . ثم لحقاه . وشهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثين ألفا من الناس ، والخيل عشرة آلاف فرس . وأقام بها عشرين ليلة يقصر الصلاة ، وهرقل يومئذ بحمص .
قال ابن إسحاق : ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف عليا على أهله . فقال المنافقون : ما خلفه إلا استثقالا له ، وتخففا منه ، فأخذ سلاحه ولحق به بالجرف ، فقال : يا نبي الله : زعم المنافقون : أنك ما خلفتني إلا استثقالا ، فقال : " كذبوا ، ولكني خلفتك لما تركت ورائي ، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ، أولا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ إلا أنه لا نبي - ص 229 - بعدي فرجع .
ودخل أبو خيثمة إلى أهله في يوم حار ، بعد ما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما ، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائط ، قد رشت كل واحدة منهما عريشها ، وبردت له ماء ، وهيأت له طعاما . فلما دخل قام على باب العريش ، فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا . فقال : رسول الله في الضح والريح والحر ، وأبو خيثمة في ظل بارد ، وطعام مهيأ ، وامرأة حسناء ؟ ما هذا بالنصف . ثم قال : والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم . فهيئا لي زادا ، ففعلتا . ثم قدم ناضحه فارتحله ، ثم خرج حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل تبوك .
وقد كان عمير بن وهب الجمحي أدرك أبا خيثمة ، في الطريق فترافقا ، حتى إذا دنوا من تبوك ، قال أبو خيثمة له : إن لي ذنبا . فلا عليك أن تتخلف عني حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففعل . حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الناس : هذا راكب على الطريق مقبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كن أبا خيثمة " قالوا : يا رسول الله ، هو والله ، هو والله أبو خيثمة . فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له : " أولى لك يا أبا خيثمة " فأخبره الخبر ، فقال له خيرا ، ودعا له .
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما مر بالحجر - من ديار ثمود - قال : " لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين ، إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم ، لا يصيبكم مثل ما أصابهم وقال : لا تشربوا من مائها شيئا ، ولا تتوضئوا منه للصلاة وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئا ، وأمرهم أن يهرقوا الماء ، وأن يستقوا من - ص 230 - البئر التي كانت تردها الناقة .
وفي صحيح مسلم عن أبي حميد الساعدي قال : انطلقنا حتى قدمنا تبوك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ستهب عليكم الليلة ريح شديدة . فلا يقم أحد منكم . فمن كان له بعير فليشد عقاله . فهبت ريح شديدة ، فقام رجل . فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيئ .
قال ابن إسحاق : وأصبح الناس ولا ماء معهم . فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا الله . فأرسل الله سحابة . فأمطرت حتى ارتوى الناس واحتملوا حاجتهم من الماء .
ثم سار حتى إذا كان ببعض الطريق جعلوا يقولون : تخلف فلان ، فيقول : دعوه ، فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه " . .
وتلوم على أبي ذر بعيره . فلما أبطأ عليه أخذ متاعه على ظهره ، ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا .
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض منازله . فنظر ناظر من المسلمين فقال : يا رسول الله ، إن هذا الرجل يمشي على الطريق . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كن أبا ذر " فلما تأملوه . قالوا : يا رسول الله ، هو والله أبو ذر . فقال : " رحم الله أبا ذر . يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده .
وفي صحيح ابن حبان عن أم ذر قالت " لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت ، فقال : ما يبكيك ؟ فقلت : وما لي لا أبكي ، وأنت تموت بفلاة من الأرض ، وليس عندي ثوب يسعك كفنا ، ولا يدان لي في تغيبك ؟ فقال : أبشري ولا تبكي ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر - وأنا فيهم - : ليموتن - ص 231 - رجل منكم بفلاة من الأرض ، يشهده عصابة من المسلمين . وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة ، فأنا ذلك الرجل ، فوالله ما كذبت ولا كذبت . فأبصري الطريق . فكنت أشتد إلى الكثيب أتبصر ، ثم أرجع فأمرضه . فبينا أنا وهو كذلك ، إذا أنا برجال على رحالهم ، كأنهم الرخم ، تخب بهم رواحلهم ، قالت : فأشرت إليهم . فأسرعوا إلي حتى وقفوا علي . فقالوا : يا أمة الله ، ما لك ؟ قلت : امرؤ من المسلمين يموت تكفنونه . قالوا : من هو ؟ قلت : أبو ذر ، قالوا : صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : نعم ، ففدوه بآبائهم وأمهاتهم ، وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه . فقال لهم : أبشروا ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم - وذكر الحديث - ثم قال : وإنه لو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي ولامرأتي لم أكفن إلا في ثوب هو لي ، أو لها . فإني أنشدكم الله ألا يكفنني رجل منكم كان أميرا أو عريفا ، أو بريدا أو نقيبا . وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد قارف بعض ما قال إلا فتى من الأنصار ، قال : يا عم ، أنا أكفنك في ردائي هذا . وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي ، قال : فأنت تكفنني ، فكفنه الأنصاري ، وأقاموا عليه ودفنوه في نفر كلهم يمان " .
ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك ، أتاه صاحب أيلة ، فصالحه وأعطاه الجزية ، وأتاه أهل جربا وأذرح ، فأعطوه الجزية ، وكتب لهم كتابا . فهو عندهم .
ثم بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة ، وقال لخالد : إنك تجده يصيد البقر فخرج خالد ، حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة - وهو على سطح له - فبانت البقر تحك بقرونها باب القصر . فقالت له امرأته : هل رأيت مثل هذا قط ؟ قال : لا والله . قالت : فمن يترك مثل - ص 232 - هذه ؟ قال : لا أحد . ثم نزل فأمر بفرسه فأسرج له ، وركب معه نفر من أهل بيته . فلما خرجوا ، تلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذته وقتلوا أخاه . وقدم به خالد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحقن له دمه . وصالحه على الجزية ، ثم خلى سبيله . فرجع إلى قريته .
قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة . ثم انصرف إلى المدينة . قال : وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التميمي : أن ابن مسعود كان يحدث ، قال : " قمت من جوف الليل ، وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر ، فاتبعتها أنظر إليها . فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر . وإذا عبد الله ذو البجادين - والبجاد الكساء الأسود - المزني قد مات ، وإذا هم قد حفروا له ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته ، وأبو بكر وعمر ، يدليانه إليه . وهو يقول : أدليا إلي أخاكما . فأدلياه إليه . فلما هيأه لشقه ، قال : اللهم إني قد أمسيت راضيا عنه ، فارض عنه " قال : يقول عبد الله بن مسعود : " يا ليتني كنت صاحب الحفرة " .
وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك ، حتى كان بينه وبين المدينة ساعة . وكان أصحاب مسجد الضرار أتوه - وهو يتجهز إلى تبوك - فقالوا : يا رسول الله ، إنا بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة ، والليلة المطيرة . وإنا نحب أن تصلي فيه . فقال : " إني على جناح سفر ، ولو قدمنا إن شاء الله لأتيناكم " .
فلما نزل بذي أوان ، جاءه خبر المسجد من السماء فدعا مالك بن الدخشم ومعن بن عدي . فقال : " انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله ، - ص 233 - فاهدماه ، وحرقاه " فخرجا مسرعين حتى أتيا بني سالم بن عوف - وهم رهط مالك بن الدخشم - فقال لمعن أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي فدخل إلى أهله فأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا ثم خرجا يشتدان حتى دخلاه ، وفيه أهله ، فحرقاه وهدماه ، وأنزل الله سبحانه والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين إلى قوله والله عليم حكيم .
قال ابن عباس في الآية : هم أناس من الأنصار ابتنوا مسجدا ، فقال لهم أبو عامر الفاسق : ابنوا مسجدكم ، واستعدوا ما استطعتم من قوة ومن سلاح . فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم ، فآت بجند من الروم ، فأخرج محمدا وأصحابه . فلما فرغوا من بنائه : أتوا النبي صلى الله عليه وسلم . فقالوا : إنا قد فرغنا من بناء مسجدنا . ونحب أن تصلي فيه ، وتدعو بالبركة . فأنزل الله عز وجل : لا تقم فيه أبدا إلى قوله : لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم يعني الشك إلا أن تقطع قلوبهم يعني بالموت .
ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ، خرج الناس لتلقيه ، والنساء والصبيان والولائد يقلن :
طلــع البـدر علينـا مـن ثنيـات الـوداع
وجب الشكر علينا مـــا دعــا للــه داع
وكانت غزوة تبوك آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه . وأنزل الله فيها سورة براءة .
- ص 234 - وكانت تسمى في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده " المبعثرة " لما كشفت من سرائر المنافقين وخبايا قلوبهم .
وفي غزوة تبوك : كانت قصة تخلف كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية الواقفي . ممن شهدوا بدرا . ولم يكن لهم عذر في التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، جاء المعذرون من الأعراب من المنافقين ، يحلفون أنهم كانوا معذورين . فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأرجأ كعب بن مالك وصاحبيه حتى أنزل الله في شأنهم وفي توبتهم - وكانوا من خيار المؤمنين - : لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا الآيتين . خلفهم الله وأخر توبتهم ليمحصهم ويطهرهم من ذنب تأخرهم . لأنهم كانوا من الصادقين .
وفود العرب إلى رسول الله
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك ، وأسلمت ثقيف . ضربت إليه أكباد الإبل ، تحمل وفود العرب من كل وجه ، في سنة تسع . وكانت تسمى : سنة الوفود .
قال ابن إسحاق : وإنما كانت العرب تربص بالإسلام أمر هذا الحي من قريش ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وذلك : أن قريشا كانوا إمام الناس وهداتهم ، وأهل البيت والحرم ، وصريح ولد إسماعيل عليه السلام ، وقادة العرب لا ينكرون ذلك . وكانت - ص 235 - قريش هي التي نصبت لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما افتتحت مكة ، ودانت له قريش . عرفت العرب : ألا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولا عداوته ، فدخلوا في دين الله أفواجا . كما قال تعالى : إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا .
وفد بني تميم
فقدم عليه عطارد بن حاجب التميمي ، في أشراف من بني تميم ، جاءوا في أسرى بني تميم ، الذين أخذتهم سرية عيينة بن حصن الفزاري في المحرم من هذه السنة . وكان عيينة قد أخذ أحد عشر رجلا ، وإحدى وعشرين امرأة ، وثلاثين صبيا . وساقهم إلى المدينة . فقدم رؤساء بني تميم فيهم . فلما دخلوا المسجد ، نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات - وهو في بيته - أن اخرج إلينا . فآذى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأنزل الله فيهم : إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم .
فلما خرج إليهم قالوا : جئنا لنفاخرك ، فائذن لشاعرنا وخطيبنا . قال : " أذنت لخطيبكم " فقام عطارد . فخطب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس : " قم ، فأجب الرجل " فقام ثابت فخطب وأجابه . وقام الزبرقان بن بدر فقال :
نحــن الكــرام , فلا حــي يعادلنــا منـا الملـوك وفينـا تنصـب البيـع
- ص 236 - وكـم قسـرنا مـن الأجياد كلهمو عنــد النهــاب , وفضــل العـز يتبـع
ونحن يطعم عند القحط مطعمنا مـن الشـواء إذا لم يؤنس القزع .
إلى أن قال : -
إنـا أبينـا , ولا يأبى لنا أحد إنا كذلك عند الفخر نرتفع
في أبيات ذكرها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان : " قم ، فأجب الرجل " فقام ، فقال :
إن الــــذوائب مـــن فهـــر وإخـــوتهم قــــد بينـــوا ســـننا للنـــاس تتبـــع
يـرضى بهـا كـل مـن كـانت سـريرته تقـــوى الإلــه , وكــل الخــير يصطنــع
قــــوم إذا حـــاربوا ضـــروا عدوهمـــو أو حـاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
ســـجية , تلــك منهــم غــير , محدثــة إن الخــلائق - فــاعلم - شــرها البــدع
إن كان في الناس سباقون بعدهمو فكــل ســبق لأدنــى ســبقهم تبـع
- ص 237 - إلى أن قال : -
لا يبخـلون علـى جـار بفضلهمو ولا يمســهمو مـن مطمـع طبـع
لا يفخــــرون إذا نـــالوا عـــدوهم وإن أصيبـــوا فلا خـــور ولا هلــع
نسـمو إذا الحـرب نالتنا مخالبها إذا الزعانف من أظفارها خشعوا
إلى أن قال : -
أكرم بقوم رسول الله شيعتهم إذا تفـــرقت الأهـــواء والشـــيع
أهدى لهم مدحتي قلب , ووازره فيمـا أحـب : لسـان حـائك صنـع
وقال الزبرقان أيضا : -
أتينـاك كيمـا يعلـم النـاس فضلنا إذا احتفلوا عند احتضار المواسم
فإنـا ملـوك الناس في كل موطن وأن ليس في أرض الحجاز كدارم
وإنــا نــذود المعلميــن إذا انتخـوا ونضــرب رأس الأغيــد المتفـاخم
وأن لنــا المربــاع فــي كـل غـارة تغـــير بنجـــد , أو بــأرض الأعــاجم
- ص 238 - فأجابه حسان بن ثابت رضي الله عنه : -
هل المجد إلا السؤدد العود والندى وجـــاه الملــوك , واحتمــال العظــائم ؟
نصرنــــا وآوينــــا النبــــي محــــمدا علــى أنــف راض مــن معـد وراغـم
إلى أن قال : -
ونحــن ضربنـا النـاس حـتى تتـابعوا علــى دينــه بالمرهفــات الصــوارم
ونحـــن ولدنــا مـن قـريش عظيمهـا ولدنــا نبــي الخــير مـن آل هاشـم
بنــــي دارم , لا تفخـــروا . إن فخـــركم يعـــود وبـــالا عنـــد ذكـــر المكـــارم
هبلتــــم , علينــــا تفخـــرون ؟ وأنتـــم لنـــا خـــول . مــا بيــن ظــئر وخــادم
فــإن كنتمــو جـئتم لحـقن دمـائكم وأموالكم : أن تقسموا في المقاسم
فلا تجــــعلوا للــــه نــــدا . وأســـلموا ولا تلبســــوا زيـــا كـــزي الأعـــاجم
فلما فرغ حسان ، قال الأقرع بن حابس : إن هذا الرجل لمؤتى . - ص 239 - لخطيبه أخطب من خطيبنا ، ولشاعره أشعر من شاعرنا ، ولأصواتهم أحلى من أصواتنا . فلما فرغ القوم أسلموا ، وجوزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن جوائزهم .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ام دهب و مصطفى- عضو برونزى
- الجنس :
عدد المساهمات : 2052
نقاط : 2812
تاريخ التسجيل : 08/02/2013
رد: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
وفد طيئ
- وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد طيئ ، فيهم زيد الخيل - وهو سيدهم - فعرض عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلموا وحسن إسلامهم .
قال ابن إسحاق : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما حدثني من لا أتهم من رجال طيئ - " ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ، ثم جاءني ، إلا رأيته دون ما يقال فيه ، إلا زيد الخيل . فأنه لم يبلغ كل ما فيه .
ثم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم " زيد الخير " وأقطعه " فيدا " وأرضين معه ، وكتب له بذلك كتابا . فخرج من عنده راجعا إلى قومه ، فلما انتهى إلى ماء من مياه نجد - يقال له " فردة " - أصابته الحمى بها فمات . فعمدت امرأته إلى ما كان معه من الكتب التي أقطع له بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحرقتها بالنار .
وفد عبد القيس
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الجارود العبدي في وفد عبد القيس ، وكان نصرانيا ، فقال : يا رسول الله ، إني على ديني . وإني تارك ديني لدينك ، فتضمن لي بما فيه ؟ قال : " نعم . أنا ضامن لذلك ، إن الذي أدعوك إليه خير من الذي كنت عليه " فأسلم وأسلم أصحابه . فكان حسن الإسلام صلبا في دينه ، حتى هلك ، وقد أدرك الردة . وكان في الوفد " الأشج " الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن فيك لخصلتين يحبهما الله : الحلم - ص 240 - والأناة " . .
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث العلاء بن الحضرمي - قبل فتح مكة - إلى المنذر بن ساوى العبدي ، فأسلم وحسن إسلامه . ثم هلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي ردة أهل البحرين . والعلاء عنده أمير الرسول صلى الله عليه وسلم على البحرين .
وفد بني حنيفة ، فيهم مسيلمة
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني حنيفة ، فيهم مسيلمة الكذاب ، فأتوه وخلفوا مسيلمة في رحالهم ، فلما أسلموا ذكروا مكانه ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا يحفظها لنا . فأمر له بمثل ما أمر به للقوم ، وقال : " أما أنه ليس بشركم مكانا يعني لحفظه ضيعة أصحابه . ثم انصرفوا فلما انتهوا إلى اليمامة ، ارتد عدو الله وتنبأ ، وقال : إني أشركت في الأمر معه . وقال للوفد : ألم يقل لكم : " أما أنه ليس بشركم مكانا ؟ " ما ذاك إلا لما كان يعلم أني أشركت في الأمر معه . ثم جعل يسجع لهم السجعات ، مضاهاة للقرآن ، وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالنبوة .
وكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم : من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ، أما بعد . فإني أشركت في الأمر معك . وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ، ولكن قريشا قوم لا يعدلون .
فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : من محمد رسول الله ، إلى مسيلمة الكذاب ، السلام على من اتبع الهدى . أما بعد ، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين " .
- ص 241 - وقال للرجلين اللذين أتيا بكتابه : ما تقولان أنتما ؟ فقالا : نقول كما قال . فقال : " أما والله ، لولا أن الرسل لا تقتل ، لضربت رقابكما وذلك في آخر سنة عشر .
حجة أبي بكر بالناس
ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من تبوك - بقية رمضان وشوالا وذا القعدة - ثم بعث أبا بكر رضي الله عنه أميرا على الحج ليقيم للناس حجهم . وأهل الشرك على دينهم ومنازلهم من حجهم . فخرج أبو بكر في ثلاثمائة من المدينة . وبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرين بدنة . قلدها وأشعرها بيده . ثم نزلت سورة براءة في نقض ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من العهد الذي كانوا عليه . فأرسل بها علي بن أبي طالب على ناقته العضباء ، ليقرأ براءة على الناس . وينبذ إلى كل ذي عهد عهده . فلما لقي أبا بكر قال له : " أمير أو مأمور ؟ فقال علي : بل مأمور " فلما كان يوم النحر قام علي بن أبي طالب . فقال : " يا أيها الناس ، لا يدخل الجنة كافر ، ولا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان . ومن كان له عهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو إلى مدته "
- ص 242 - حجة الوداع
فلما دخل ذو القعدة ، تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم للحج ، وأمر الناس بالجهاز له . وأمرهم أن يلقوه . فخرج معه من كان حول المدينة وقريبا منها . وخرج المسلمون من القبائل القريبة والبعيدة حتى لقوه في الطريق ، وفي مكة ، وفي منى وعرفات ، وجاء علي من اليمن مع أهل اليمن . وهي حجة الوداع .
فخرج لها لخمس بقين من ذي القعدة في آخر سنة عشر . فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وساق معه الهدي . فأرى الناس مناسكهم ، وعلمهم سنن حجهم . وهو صلى الله عليه وسلم يقول لهم ويكرر عليهم " أيها الناس خذوا عني مناسككم . فلعلكم لا تلقوني بعد عامكم هذا .
ولما كان بمنى خطب الناس خطبته التي بين فيها ما بين : " فحمد الله وأثنى عليه . ثم قال : أيها الناس : اسمعوا قولي : فإني لا أدري ، لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا . أيها الناس ، إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم . وكل ربا موضوع . وأول ربا أضعه : ربا العباس بن عبد المطلب . فأنه موضوع كله . وإن كل دم في الجاهلية موضوع ، وأول دم أضعه : دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب . وإني تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لم تضلوا - كتاب الله - ، وأنتم مسئولون عني . فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت ، وأديت ، ونصحت . فجعل يرفع إصبعه إلى السماء ، وينكبها إليهم ، ويقول اللهم اشهد - ثلاث مرات .
- ص 243 - وكانت هذه الحجة تسمى " حجة الوداع " لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحج بعدها .
فلما انقضى حجه ، رجع إلى المدينة . فأقام صلى الله عليه وسلم بقية ذي الحجة والمحرم وصفر .
ثم ابتدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه الذي مات فيه في آخر صفر .
بعث أسامة بن زيد إلى البلقاء
ولما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة . أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالتهيؤ لغزو الروم . فلما كان من الغد دعا أسامة بن زيد . وأمره أن يسير إلى موضع مقتل أبيه زيد بن حارثة ، وأن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين . فتجهز الناس ، وأوعب مع أسامة المهاجرون والأنصار .
ثم استبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في بعث أسامة - وهو في وجعه - فخرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر ، وكان المنافقون قد قالوا في إمارة أسامة : أمر غلاما حدثا على جلة المهاجرين والأنصار . فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا . وخرج عاصبا رأسه - وكان قد بدأ به الوجع - فصعد المنبر " فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، أنفذوا بعث أسامة ، فلئن طعنتم في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه . وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة . وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة ، وإن كان أبوه لمن أحب الناس إلي . وإن هذا لمن أحب الناس إلي من بعده " ثم نزل .
- ص 244 - وانكمش الناس في جهازهم . فاشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه . وخرج أسامة بجيشه ، فعسكر بالجرف ، وتتام إليه الناس . فأقاموا لينظروا ما الله تبارك وتعالى قاض في رسوله صلى الله عليه وسلم .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
وفد طيئ
- وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد طيئ ، فيهم زيد الخيل - وهو سيدهم - فعرض عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلموا وحسن إسلامهم .
قال ابن إسحاق : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما حدثني من لا أتهم من رجال طيئ - " ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ، ثم جاءني ، إلا رأيته دون ما يقال فيه ، إلا زيد الخيل . فأنه لم يبلغ كل ما فيه .
ثم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم " زيد الخير " وأقطعه " فيدا " وأرضين معه ، وكتب له بذلك كتابا . فخرج من عنده راجعا إلى قومه ، فلما انتهى إلى ماء من مياه نجد - يقال له " فردة " - أصابته الحمى بها فمات . فعمدت امرأته إلى ما كان معه من الكتب التي أقطع له بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحرقتها بالنار .
وفد عبد القيس
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الجارود العبدي في وفد عبد القيس ، وكان نصرانيا ، فقال : يا رسول الله ، إني على ديني . وإني تارك ديني لدينك ، فتضمن لي بما فيه ؟ قال : " نعم . أنا ضامن لذلك ، إن الذي أدعوك إليه خير من الذي كنت عليه " فأسلم وأسلم أصحابه . فكان حسن الإسلام صلبا في دينه ، حتى هلك ، وقد أدرك الردة . وكان في الوفد " الأشج " الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن فيك لخصلتين يحبهما الله : الحلم - ص 240 - والأناة " . .
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث العلاء بن الحضرمي - قبل فتح مكة - إلى المنذر بن ساوى العبدي ، فأسلم وحسن إسلامه . ثم هلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي ردة أهل البحرين . والعلاء عنده أمير الرسول صلى الله عليه وسلم على البحرين .
وفد بني حنيفة ، فيهم مسيلمة
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني حنيفة ، فيهم مسيلمة الكذاب ، فأتوه وخلفوا مسيلمة في رحالهم ، فلما أسلموا ذكروا مكانه ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا يحفظها لنا . فأمر له بمثل ما أمر به للقوم ، وقال : " أما أنه ليس بشركم مكانا يعني لحفظه ضيعة أصحابه . ثم انصرفوا فلما انتهوا إلى اليمامة ، ارتد عدو الله وتنبأ ، وقال : إني أشركت في الأمر معه . وقال للوفد : ألم يقل لكم : " أما أنه ليس بشركم مكانا ؟ " ما ذاك إلا لما كان يعلم أني أشركت في الأمر معه . ثم جعل يسجع لهم السجعات ، مضاهاة للقرآن ، وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالنبوة .
وكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم : من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ، أما بعد . فإني أشركت في الأمر معك . وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ، ولكن قريشا قوم لا يعدلون .
فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : من محمد رسول الله ، إلى مسيلمة الكذاب ، السلام على من اتبع الهدى . أما بعد ، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين " .
- ص 241 - وقال للرجلين اللذين أتيا بكتابه : ما تقولان أنتما ؟ فقالا : نقول كما قال . فقال : " أما والله ، لولا أن الرسل لا تقتل ، لضربت رقابكما وذلك في آخر سنة عشر .
حجة أبي بكر بالناس
ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من تبوك - بقية رمضان وشوالا وذا القعدة - ثم بعث أبا بكر رضي الله عنه أميرا على الحج ليقيم للناس حجهم . وأهل الشرك على دينهم ومنازلهم من حجهم . فخرج أبو بكر في ثلاثمائة من المدينة . وبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرين بدنة . قلدها وأشعرها بيده . ثم نزلت سورة براءة في نقض ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من العهد الذي كانوا عليه . فأرسل بها علي بن أبي طالب على ناقته العضباء ، ليقرأ براءة على الناس . وينبذ إلى كل ذي عهد عهده . فلما لقي أبا بكر قال له : " أمير أو مأمور ؟ فقال علي : بل مأمور " فلما كان يوم النحر قام علي بن أبي طالب . فقال : " يا أيها الناس ، لا يدخل الجنة كافر ، ولا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان . ومن كان له عهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو إلى مدته "
- ص 242 - حجة الوداع
فلما دخل ذو القعدة ، تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم للحج ، وأمر الناس بالجهاز له . وأمرهم أن يلقوه . فخرج معه من كان حول المدينة وقريبا منها . وخرج المسلمون من القبائل القريبة والبعيدة حتى لقوه في الطريق ، وفي مكة ، وفي منى وعرفات ، وجاء علي من اليمن مع أهل اليمن . وهي حجة الوداع .
فخرج لها لخمس بقين من ذي القعدة في آخر سنة عشر . فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وساق معه الهدي . فأرى الناس مناسكهم ، وعلمهم سنن حجهم . وهو صلى الله عليه وسلم يقول لهم ويكرر عليهم " أيها الناس خذوا عني مناسككم . فلعلكم لا تلقوني بعد عامكم هذا .
ولما كان بمنى خطب الناس خطبته التي بين فيها ما بين : " فحمد الله وأثنى عليه . ثم قال : أيها الناس : اسمعوا قولي : فإني لا أدري ، لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا . أيها الناس ، إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم . وكل ربا موضوع . وأول ربا أضعه : ربا العباس بن عبد المطلب . فأنه موضوع كله . وإن كل دم في الجاهلية موضوع ، وأول دم أضعه : دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب . وإني تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لم تضلوا - كتاب الله - ، وأنتم مسئولون عني . فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت ، وأديت ، ونصحت . فجعل يرفع إصبعه إلى السماء ، وينكبها إليهم ، ويقول اللهم اشهد - ثلاث مرات .
- ص 243 - وكانت هذه الحجة تسمى " حجة الوداع " لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحج بعدها .
فلما انقضى حجه ، رجع إلى المدينة . فأقام صلى الله عليه وسلم بقية ذي الحجة والمحرم وصفر .
ثم ابتدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه الذي مات فيه في آخر صفر .
بعث أسامة بن زيد إلى البلقاء
ولما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة . أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالتهيؤ لغزو الروم . فلما كان من الغد دعا أسامة بن زيد . وأمره أن يسير إلى موضع مقتل أبيه زيد بن حارثة ، وأن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين . فتجهز الناس ، وأوعب مع أسامة المهاجرون والأنصار .
ثم استبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في بعث أسامة - وهو في وجعه - فخرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر ، وكان المنافقون قد قالوا في إمارة أسامة : أمر غلاما حدثا على جلة المهاجرين والأنصار . فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا . وخرج عاصبا رأسه - وكان قد بدأ به الوجع - فصعد المنبر " فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، أنفذوا بعث أسامة ، فلئن طعنتم في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه . وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة . وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة ، وإن كان أبوه لمن أحب الناس إلي . وإن هذا لمن أحب الناس إلي من بعده " ثم نزل .
- ص 244 - وانكمش الناس في جهازهم . فاشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه . وخرج أسامة بجيشه ، فعسكر بالجرف ، وتتام إليه الناس . فأقاموا لينظروا ما الله تبارك وتعالى قاض في رسوله صلى الله عليه وسلم .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ام دهب و مصطفى- عضو برونزى
- الجنس :
عدد المساهمات : 2052
نقاط : 2812
تاريخ التسجيل : 08/02/2013
رد: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق : حدثت عن أسامة قال : " لما ثقل برسول الله صلى الله عليه وسلم ، هبطت وهبط الناس معي إلى المدينة ، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أصمت ، فلا يتكلم . وجعل يرفع يده إلى السماء ثم يضعها علي . أعرف أنه يدعو لي .
قال ابن إسحاق : وحدثت عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل . فقال : يا أبا مويهبة ، قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع ، فانطلق معي . فانطلقت معه . فلما وقف عليهم قال : السلام عليكم يا أهل المقابر ، ليهن لكم ما أصبحتم فما أصبح الناس فيه . أقبلت الفتن مثل قطع الليل المظلم ، يتبع أخراها أولاها ، الآخرة شر من الأولى . ثم أقبل علي ، فقال : إني قد أعطيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها . فخيرت فيها بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة . فقلت : بأبي أنت وأمي ، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا وتخلد فيها ، ثم الجنة . قال : لا والله يا أبا مويهبة . قد اخترت لقاء ربي والجنة . ثم استغفر لأهل البقيع ، ثم انصرف .
فبدأ به وجعه . فلما استعز به ، دعا نساءه فاستأذنهن : أن يمرض في بيت عائشة رضي الله عنها ، فأذن له .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، - ص 245 - فقال : إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ذلك العبد ما عند الله . فبكى أبو بكر ، فتعجبنا لبكائه : أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير ! فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير . وكان أبو بكر أعلمنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من أمن الناس علي في صحبته وماله : أبو بكر . ولو كنت متخذا خليلا - غير ربي - لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن أخوة الإسلام ومودته . لا يبقين في المسجد باب إلا سد ، إلا باب أبي بكر .
وفي الصحيح : أن ابن عباس وأبا بكر مرا بمجلس للأنصار ، وهم يبكون . فقالا : ما يبكيكم ؟ قالوا : ذكرنا مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم منا . فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم . فأخبره بذلك . فخرج ، وقد عصب على رأسه بحاشية برد . فصعد المنبر - ولم يصعده بعد ذلك اليوم - فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : أوصيكم بالأنصار خيرا . فإنهم كرشي وعيبتي . وقد قضوا الذي عليهم . وبقي الذي لهم . فاقبلوا من محسنهم . وتجاوزوا عن مسيئهم .
وفي الصحيح عن أبي موسى الأشعري قال : اشتد مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : مروا أبا بكر ، فليصل بالناس ، قالت عائشة : يا رسول الله ، أنه رجل رقيق ، إذا قام مقامك لا يسمع الناس ، فلو أمرت عمر ؟ قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فعادت . فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فإنكن صواحب يوسف . فأتاه الرسول . فصلى بالناس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم . قالت : ووالله ما أقول إلا أني أحب أن يصرف ذلك عن أبي بكر ، وعرفت أن الناس لا يحبون رجلا قام مقامه أبدا ، وأن الناس سيتشاءمون به في كل حدث كان . فكنت أحب أن يصرف ذلك عن أبي بكر .
- ص 246 - موت رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الزهري : حدثني أنس ، قال : كان يوم الاثنين الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خرج إلى الناس ، وهم يصلون الصبح فرفع الستر وفتح الباب . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقام على باب عائشة . فكاد المسلمون يفتنون في صلاتهم - فرحا به ، حين رأوه ، وتفرجوا عنه - فأشار إليهم : أن اثبتوا على صلاتكم ، قال : وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سرورا ، ولما رأى من هيئتهم في صلاتهم . وما رؤي أحسن منه هيئة تلك الساعة . قال : ثم رجع ، وانصرف الناس ، وهم يرون أنه قد أفرق من وجعه . وخرج أبو بكر إلى أهله بالسنح . فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الضحى من ذلك اليوم .
قال ابن إسحاق : قال الزهري حدثني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : البخاري المناقب (3467) ، النسائي الجنائز (1841) ، ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1627) ، أحمد (6/220). لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عمر . فقال : إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما مات ، ولكنه قد ذهب إلى ربه ، كما ذهب موسى بن عمران . فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ، ثم رجع إليهم بعد أن قيل مات . ووالله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد حين ، كما رجع موسى ، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أنه قد مات . قال : وأقبل أبو بكر ، حتى نزل على باب المسجد . حين بلغه الخبر - وعمر يكلم الناس - فلم يلتفت إلى شيء ، حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى في ناحية البيت ، عليه برد حبرة . فأقبل حتى كشف عن وجهه . ثم أقبل عليه فقبله ثم قال : بأبي أنت وأمي ، أما الموتة التي كتبها الله عليك : فقد ذقتها ، ثم لن تصيبك بعدها موتة أبدا . ثم رد البرد على وجهه . وخرج - ص 247 - - وعمر يكلم الناس - فقال : على رسلك يا عمر ، أنصت . فأبى إلا أن يتكلم . فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس . فلما سمع الناس كلام أبي بكر أقبلوا عليه ، وتركوا عمر . فحمد الله تعالى ، وأثنى عليه . ثم قال : أيها الناس ، أنه من كان يعبد محمدا . فإن محمدا قد مات . ومن كان يعبد الله تعالى ، فإن الله حي لا يموت . قال : ثم تلا هذه الآية ؛ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين الآية .
قال : فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت ، حتى تلاها أبو بكر يومئذ ، قال : وأخذها الناس عن أبي بكر ، فإنما هي في أفواههم . قال أبو هريرة فقال عمر : فوالله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها . فعثرت حتى وقعت إلى الأرض ، ما تحملني رجلاي ، فاحتملني رجلان ، وعرفت أن رسول الله قد مات " .
حديث السقيفة
فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم : انحاز هذا الحي من الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة . واعتزل علي بن أبي طالب ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله في بيت فاطمة . وانحاز المهاجرون إلى أبي بكر وعمر ، ومعهم أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل . فأتى آت إلى أبي بكر وعمر ، فقال : إن هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة قد انحازوا إليه . فإن كان لكم بأمر الناس من حاجة ، - ص 248 - فأدركوا الناس قبل أن يتفاقم أمرهم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته لم يفرغ من أمره ، قد أغلق دونه الباب أهله . فقال عمر لأبي بكر : انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار ، حتى ننظر ما هم عليه .
قال ابن إسحاق : وكان من حديث السقيفة : أن عبد الله بن أبي بكر حدثني عن محمد بن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال : أخبرني عبد الرحمن بن عوف - وكنت في منزله بمنى أنتظره ، وهو عند عمر في آخر حجة حجها عمر - قال : فرجع عبد الرحمن من عند عمر ، فوجدني في منزله بمنى أنتظره ، وكنت أقرئه القرآن . فقال لي : لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين فقال : هل لك في فلان ؟ يقول : والله لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا . والله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت . فغضب عمر ، وقال : إني - إن شاء الله - لقائم العشية في الناس ، فمحذرهم من هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم ، قال عبد الرحمن : فقلت لا تفعل ، فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغائهم ، وإنهم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس . وإني أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها أولئك عنك كل مطير ، ولا يعوها ولا يضعوها على مواضعها . فأمهل ، حتى تقدم المدينة . فإنها دار السنة ، وتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت بالمدينة متمكنا ، فيعي أهل الفقه مقالتك ، ويضعوها على مواضعها . فقال عمر : أما والله - إن شاء الله - لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة .
قال ابن عباس : فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة . فلما كان يوم الجمعة ، عجلت الرواح حين زالت الشمس . فأجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر ، فجلست حذوه ، تمس ركبتاه ركبتيه ، - ص 249 - فلم أنشب أن خرج عمر .
فقلت لسعيد : ليقولن الساعة على هذا المنبر مقالة لم يقلها منذ استخلف . فأنكر علي سعيد ذلك . وقال : ما عسى أن يقول مما لم يقل قبله ؟ فجلس على المنبر .
فلما سكت المؤذن ، قام ، فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد ، فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها . ولا أدري : لعلها بين يدي أجلي ؟ فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته . ومن خشي ألا يعيها ، فلا أحل لأحد أن يكذب علي . إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل عليه : آية الرجم ، فقرأناها ووعيناها . وعقلناها . ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى - إن طال بالناس زمان - أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله . وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى ، إذا أحصن ، من الرجال والنساء ، إذا قامت البينة ، أو كان الحبل أو الاعتراف . ثم إنا قد كنا نقرأ فيما نقرأ من الكتاب : " لا ترغبوا عن آبائكم ، فأنه كفر بكم - أو كفر لكم - أن ترغبوا عن آبائكم " إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم . فإنما أنا عبد ، فقولوا : عبد الله ورسوله ثم أنه قد بلغني أن فلانا قال : لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلانا . فلا يغترن امرؤ يقول : إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت - ألا وإنها والله قد كانت كذلك ، إلا أن الله وقى شرها ، وليس فيكم من تنقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر . فمن بايع رجلا عن غير مشورة المسلمين . فأنه لا بيعة له هو ، ولا الذي بايعه ، تغرة أن يقتلا . أنه كان من خبرنا - حين توفى الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم - : أن الأنصار خالفونا ، - ص 250 - فاجتمعوا بأشرافهم في سقيفة بني ساعدة . وتخلف عنا علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ومن معهما . واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر . فقلت لأبي بكر : انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار . فانطلقنا نؤمهم ، حتى لقينا منهم رجلان صالحان . فذكرا لنا ما تمالأ عليه القوم . وقالا لنا : أين تريدون يا معاشر المهاجرين ؟ قلنا : نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار . فقالا : لا عليكم ، ألا تقربوهم يا معشر المهاجرين ، اقضوا أمركم . قال : قلت : والله لنأتينهم .
فانطلقنا ، حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة . فإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل ، فقلت : من هذا ؟ فقالوا : سعد بن عبادة . قلت : ما له ؟ قالوا : وجع . فلما جلسنا ، نشهد خطيبهم . فأثنى على الله عز وجل بما هو له أهل ، ثم قال : أما بعد ، فنحن أنصار الله ، وكتيبة الإسلام ، وأنتم يا معشر المهاجرين ، رهط منا . وقد دفت دافة من قومكم . قال : وإذا هم يريدون أن يحتازونا من أصلنا ، ويغتصبونا الأمر .
فلما سكت أردت أن أتكلم - وقد زورت في نفسي مقالة قد أعجبتني ، أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر . وكنت أداري منه بعض الحد .
فقال أبو بكر : على رسلك يا عمر ، فكرهت أن أعصيه . فتكلم - وهو كان أعلم مني وأحكم وأحلم وأوقر - فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني من - ص 251 - تزويري إلا قالها في بديهته ، أو أفضل . حتى سكت .
فقال : أما بعد ، فما ذكرتم فيكم من خير : فأنتم له أهل . ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش . هم أوسط العرب نسبا ودارا . وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين . فبايعوا الآن أيهما شئتم . فأخذ بيدي ، وبيد أبي عبيدة عامر بن الجراح - وهو جالس بيننا - فلم أكره شيئا مما قال غيرها ، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم ، أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر .
قال : فقال قائل من الأنصار أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير ، يا معشر قريش .
قال : فكثر اللغط ، وارتفعت الأصوات ، حتى خشينا الاختلاف .
فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر . فبسطها ، فبايعته . ثم بايعه المهاجرون . ثم بايعه الأنصار . ونزونا على سعد بن عبادة .
فقال قائل منهم : قتلتم سعد بن عبادة . قال : فقلت : قتل الله سعد بن عبادة .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق : حدثت عن أسامة قال : " لما ثقل برسول الله صلى الله عليه وسلم ، هبطت وهبط الناس معي إلى المدينة ، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أصمت ، فلا يتكلم . وجعل يرفع يده إلى السماء ثم يضعها علي . أعرف أنه يدعو لي .
قال ابن إسحاق : وحدثت عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل . فقال : يا أبا مويهبة ، قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع ، فانطلق معي . فانطلقت معه . فلما وقف عليهم قال : السلام عليكم يا أهل المقابر ، ليهن لكم ما أصبحتم فما أصبح الناس فيه . أقبلت الفتن مثل قطع الليل المظلم ، يتبع أخراها أولاها ، الآخرة شر من الأولى . ثم أقبل علي ، فقال : إني قد أعطيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها . فخيرت فيها بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة . فقلت : بأبي أنت وأمي ، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا وتخلد فيها ، ثم الجنة . قال : لا والله يا أبا مويهبة . قد اخترت لقاء ربي والجنة . ثم استغفر لأهل البقيع ، ثم انصرف .
فبدأ به وجعه . فلما استعز به ، دعا نساءه فاستأذنهن : أن يمرض في بيت عائشة رضي الله عنها ، فأذن له .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، - ص 245 - فقال : إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ذلك العبد ما عند الله . فبكى أبو بكر ، فتعجبنا لبكائه : أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير ! فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير . وكان أبو بكر أعلمنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من أمن الناس علي في صحبته وماله : أبو بكر . ولو كنت متخذا خليلا - غير ربي - لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن أخوة الإسلام ومودته . لا يبقين في المسجد باب إلا سد ، إلا باب أبي بكر .
وفي الصحيح : أن ابن عباس وأبا بكر مرا بمجلس للأنصار ، وهم يبكون . فقالا : ما يبكيكم ؟ قالوا : ذكرنا مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم منا . فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم . فأخبره بذلك . فخرج ، وقد عصب على رأسه بحاشية برد . فصعد المنبر - ولم يصعده بعد ذلك اليوم - فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : أوصيكم بالأنصار خيرا . فإنهم كرشي وعيبتي . وقد قضوا الذي عليهم . وبقي الذي لهم . فاقبلوا من محسنهم . وتجاوزوا عن مسيئهم .
وفي الصحيح عن أبي موسى الأشعري قال : اشتد مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : مروا أبا بكر ، فليصل بالناس ، قالت عائشة : يا رسول الله ، أنه رجل رقيق ، إذا قام مقامك لا يسمع الناس ، فلو أمرت عمر ؟ قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فعادت . فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فإنكن صواحب يوسف . فأتاه الرسول . فصلى بالناس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم . قالت : ووالله ما أقول إلا أني أحب أن يصرف ذلك عن أبي بكر ، وعرفت أن الناس لا يحبون رجلا قام مقامه أبدا ، وأن الناس سيتشاءمون به في كل حدث كان . فكنت أحب أن يصرف ذلك عن أبي بكر .
- ص 246 - موت رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الزهري : حدثني أنس ، قال : كان يوم الاثنين الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خرج إلى الناس ، وهم يصلون الصبح فرفع الستر وفتح الباب . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقام على باب عائشة . فكاد المسلمون يفتنون في صلاتهم - فرحا به ، حين رأوه ، وتفرجوا عنه - فأشار إليهم : أن اثبتوا على صلاتكم ، قال : وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سرورا ، ولما رأى من هيئتهم في صلاتهم . وما رؤي أحسن منه هيئة تلك الساعة . قال : ثم رجع ، وانصرف الناس ، وهم يرون أنه قد أفرق من وجعه . وخرج أبو بكر إلى أهله بالسنح . فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الضحى من ذلك اليوم .
قال ابن إسحاق : قال الزهري حدثني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : البخاري المناقب (3467) ، النسائي الجنائز (1841) ، ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1627) ، أحمد (6/220). لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عمر . فقال : إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما مات ، ولكنه قد ذهب إلى ربه ، كما ذهب موسى بن عمران . فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ، ثم رجع إليهم بعد أن قيل مات . ووالله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد حين ، كما رجع موسى ، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أنه قد مات . قال : وأقبل أبو بكر ، حتى نزل على باب المسجد . حين بلغه الخبر - وعمر يكلم الناس - فلم يلتفت إلى شيء ، حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى في ناحية البيت ، عليه برد حبرة . فأقبل حتى كشف عن وجهه . ثم أقبل عليه فقبله ثم قال : بأبي أنت وأمي ، أما الموتة التي كتبها الله عليك : فقد ذقتها ، ثم لن تصيبك بعدها موتة أبدا . ثم رد البرد على وجهه . وخرج - ص 247 - - وعمر يكلم الناس - فقال : على رسلك يا عمر ، أنصت . فأبى إلا أن يتكلم . فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس . فلما سمع الناس كلام أبي بكر أقبلوا عليه ، وتركوا عمر . فحمد الله تعالى ، وأثنى عليه . ثم قال : أيها الناس ، أنه من كان يعبد محمدا . فإن محمدا قد مات . ومن كان يعبد الله تعالى ، فإن الله حي لا يموت . قال : ثم تلا هذه الآية ؛ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين الآية .
قال : فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت ، حتى تلاها أبو بكر يومئذ ، قال : وأخذها الناس عن أبي بكر ، فإنما هي في أفواههم . قال أبو هريرة فقال عمر : فوالله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها . فعثرت حتى وقعت إلى الأرض ، ما تحملني رجلاي ، فاحتملني رجلان ، وعرفت أن رسول الله قد مات " .
حديث السقيفة
فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم : انحاز هذا الحي من الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة . واعتزل علي بن أبي طالب ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله في بيت فاطمة . وانحاز المهاجرون إلى أبي بكر وعمر ، ومعهم أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل . فأتى آت إلى أبي بكر وعمر ، فقال : إن هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة قد انحازوا إليه . فإن كان لكم بأمر الناس من حاجة ، - ص 248 - فأدركوا الناس قبل أن يتفاقم أمرهم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته لم يفرغ من أمره ، قد أغلق دونه الباب أهله . فقال عمر لأبي بكر : انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار ، حتى ننظر ما هم عليه .
قال ابن إسحاق : وكان من حديث السقيفة : أن عبد الله بن أبي بكر حدثني عن محمد بن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال : أخبرني عبد الرحمن بن عوف - وكنت في منزله بمنى أنتظره ، وهو عند عمر في آخر حجة حجها عمر - قال : فرجع عبد الرحمن من عند عمر ، فوجدني في منزله بمنى أنتظره ، وكنت أقرئه القرآن . فقال لي : لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين فقال : هل لك في فلان ؟ يقول : والله لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا . والله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت . فغضب عمر ، وقال : إني - إن شاء الله - لقائم العشية في الناس ، فمحذرهم من هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم ، قال عبد الرحمن : فقلت لا تفعل ، فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغائهم ، وإنهم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس . وإني أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها أولئك عنك كل مطير ، ولا يعوها ولا يضعوها على مواضعها . فأمهل ، حتى تقدم المدينة . فإنها دار السنة ، وتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت بالمدينة متمكنا ، فيعي أهل الفقه مقالتك ، ويضعوها على مواضعها . فقال عمر : أما والله - إن شاء الله - لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة .
قال ابن عباس : فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة . فلما كان يوم الجمعة ، عجلت الرواح حين زالت الشمس . فأجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر ، فجلست حذوه ، تمس ركبتاه ركبتيه ، - ص 249 - فلم أنشب أن خرج عمر .
فقلت لسعيد : ليقولن الساعة على هذا المنبر مقالة لم يقلها منذ استخلف . فأنكر علي سعيد ذلك . وقال : ما عسى أن يقول مما لم يقل قبله ؟ فجلس على المنبر .
فلما سكت المؤذن ، قام ، فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد ، فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها . ولا أدري : لعلها بين يدي أجلي ؟ فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته . ومن خشي ألا يعيها ، فلا أحل لأحد أن يكذب علي . إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل عليه : آية الرجم ، فقرأناها ووعيناها . وعقلناها . ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى - إن طال بالناس زمان - أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله . وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى ، إذا أحصن ، من الرجال والنساء ، إذا قامت البينة ، أو كان الحبل أو الاعتراف . ثم إنا قد كنا نقرأ فيما نقرأ من الكتاب : " لا ترغبوا عن آبائكم ، فأنه كفر بكم - أو كفر لكم - أن ترغبوا عن آبائكم " إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم . فإنما أنا عبد ، فقولوا : عبد الله ورسوله ثم أنه قد بلغني أن فلانا قال : لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلانا . فلا يغترن امرؤ يقول : إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت - ألا وإنها والله قد كانت كذلك ، إلا أن الله وقى شرها ، وليس فيكم من تنقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر . فمن بايع رجلا عن غير مشورة المسلمين . فأنه لا بيعة له هو ، ولا الذي بايعه ، تغرة أن يقتلا . أنه كان من خبرنا - حين توفى الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم - : أن الأنصار خالفونا ، - ص 250 - فاجتمعوا بأشرافهم في سقيفة بني ساعدة . وتخلف عنا علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ومن معهما . واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر . فقلت لأبي بكر : انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار . فانطلقنا نؤمهم ، حتى لقينا منهم رجلان صالحان . فذكرا لنا ما تمالأ عليه القوم . وقالا لنا : أين تريدون يا معاشر المهاجرين ؟ قلنا : نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار . فقالا : لا عليكم ، ألا تقربوهم يا معشر المهاجرين ، اقضوا أمركم . قال : قلت : والله لنأتينهم .
فانطلقنا ، حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة . فإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل ، فقلت : من هذا ؟ فقالوا : سعد بن عبادة . قلت : ما له ؟ قالوا : وجع . فلما جلسنا ، نشهد خطيبهم . فأثنى على الله عز وجل بما هو له أهل ، ثم قال : أما بعد ، فنحن أنصار الله ، وكتيبة الإسلام ، وأنتم يا معشر المهاجرين ، رهط منا . وقد دفت دافة من قومكم . قال : وإذا هم يريدون أن يحتازونا من أصلنا ، ويغتصبونا الأمر .
فلما سكت أردت أن أتكلم - وقد زورت في نفسي مقالة قد أعجبتني ، أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر . وكنت أداري منه بعض الحد .
فقال أبو بكر : على رسلك يا عمر ، فكرهت أن أعصيه . فتكلم - وهو كان أعلم مني وأحكم وأحلم وأوقر - فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني من - ص 251 - تزويري إلا قالها في بديهته ، أو أفضل . حتى سكت .
فقال : أما بعد ، فما ذكرتم فيكم من خير : فأنتم له أهل . ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش . هم أوسط العرب نسبا ودارا . وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين . فبايعوا الآن أيهما شئتم . فأخذ بيدي ، وبيد أبي عبيدة عامر بن الجراح - وهو جالس بيننا - فلم أكره شيئا مما قال غيرها ، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم ، أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر .
قال : فقال قائل من الأنصار أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير ، يا معشر قريش .
قال : فكثر اللغط ، وارتفعت الأصوات ، حتى خشينا الاختلاف .
فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر . فبسطها ، فبايعته . ثم بايعه المهاجرون . ثم بايعه الأنصار . ونزونا على سعد بن عبادة .
فقال قائل منهم : قتلتم سعد بن عبادة . قال : فقلت : قتل الله سعد بن عبادة .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ام دهب و مصطفى- عضو برونزى
- الجنس :
عدد المساهمات : 2052
نقاط : 2812
تاريخ التسجيل : 08/02/2013
رد: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
بيعة العامة لأبي بكر
ولما بويع أبو بكر في السقيفة ، وكان الغد ، جلس أبو بكر على المنبر . فقام عمر قبل أبي بكر فتكلم فحمد الله ، وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أيها الناس . إني قد قلت لكم بالأمس مقالة ، ما كانت وما وجدتها في كتاب الله . ولا كانت عهدا عهده إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولكني قد كنت - ص 252 - أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدبر أمرنا - يقول : يكون آخرنا - وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى رسوله صلى الله عليه وسلم . فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هدى له رسوله . إن الله قد جمعكم على خيركم - صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وثاني اثنين إذ هما في الغار - فقوموا فبايعوه . فبايع الناس أبا بكر البيعة العامة ، بعد بيعة السقيفة .
ثم تكلم أبو بكر رضي الله عنه . فحمد الله ، وأثنى عليه بالذي هو أهله . ثم قال : " أما بعد ، أيها الناس ، فإني قد وليت عليكم . ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني . وإن أسأت فقوموني . الصدق أمانة ، والكذب خيانة . والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله . والقوي فيكم ضعيف ، حتى آخذ الحق منه ، إن شاء الله . لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل . ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء . أطيعوني ما أطعت الله ورسوله . فإذا عصيت الله ورسوله ، فلا طاعة لي عليكم " .
فضيلة أبي بكر الصديق وخلافته الراشدة
وعن ربيعة - أحد الصحابة - رضي الله عنهم قال : قلت لأبي بكر رضي الله عنه : " ما حملك على أن تلي أمر الناس ، وقد نهيتني أن أتأمر على اثنين ؟ قال : لم أجد من ذلك بدا ، خشيت على أمة محمد الفرقة وفي رواية : تخوفت أن تكون فتنة ، تكون بعدها ردة " .
وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : " لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم اشرأب النفاق ، وارتدت العرب ، وانحازت الأنصار ، فلو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها . فما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بفضلها " .
- ص 253 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : والذي لا إله إلا هو ، لولا أن أبا بكر استخلف ، ما عبد الله - ثم قال الثانية ، ثم قال الثالثة - فقيل له : مه ، يا أبا هريرة . فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام . فلما نزل بذي خشب قبض رسول الله ، وارتدت العرب . واجتمع إليه الصحابة . فقالوا : رد هؤلاء ، توجه هؤلاء إلى الروم ، وقد ارتدت العرب حول المدينة ؟ فقال : والذي لا إله إلا هو ، لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما رددت جيشا وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا حللت لواء عقده . فوجه أسامة . فجعل لا يمر بقبائل يريدون الارتداد ، إلا قالوا : لولا أن لهؤلاء قوة ، ما خرج مثل هؤلاء من عندهم . ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم . فلقوا الروم ، فهزموهم . ورجعوا سالمين . فثبتوا على الإسلام - ولله الحمد .
قصة الردة . أعاذنا الله منها
قد تقدم من رسول الله صلى الله عليه وسلم إخباره بالفتن الكائنة بعده ، وإنذاره عنها ، وإخباره خاصة عن الردة .
من ذلك : ما في الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب . فكرهتهما . فنفختهما . فطارا فأولتهما كذابين يخرجان .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث من نجا منهن فقد نجا : من موتي ، ومن قتل خليفة مصطبر بالحق معطيه ، ومن الدجال .
- ص 254 - وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو بكر ، وكفر من كفر من العرب ، قال عمر لأبي بكر : كيف تقاتل الناس ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس ، حتى يقولوا : لا إله إلا الله . فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحقها فقال أبو بكر : فإن الزكاة من حقها . والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها . قال عمر : فما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال ، فعرفت أنه الحق . قال عمر : والله لرجح إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة جميعا في قتال أهل الردة " .
وذكر يعقوب بن سعيد بن عبيد ، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن جماعة قالوا : " كان أبو بكر أمير الشاكرين : الذين ثبتوا على دينهم وأمير الصابرين : الذين صبروا على جهاد عدوهم - وهم أهل الردة - وذلك : أن العرب افترقت في ردتها . فقالت فرقة : لو كان نبيا ما مات وقالت فرقة : انقضت النبوة بموته . فلا نطيع أحدا بعده . وفي ذلك يقول قائلهم :
أطعنـا رسول الله ما كان بيننا فيــا لعبـاد اللـه , مـا لأبـي بكـر ؟
أيورثهـــا بكــرا إذا مــات بعـده فتلــك لعمـر الله قاصمة الظهر
وقالت فرقة : نؤمن بالله . وقال بعضهم : نؤمن بالله ونشهد أن محمدا رسول الله ، ولكن لا نعطيكم أموالنا .
فجادل الصحابة أبا بكر رضي الله عنهم ، وقالوا : احبس جيش أسامة ، فيكون أمانا بالمدينة ، وارفق بالعرب حتى يتفرج هذا الأمر . فلو أن طائفة - ص 255 - ارتدت ، قلنا : قاتل بمن معك من ارتد . وقد أصفقت العرب على الارتداد . وقدم على أبي بكر عيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس في رجال من أشراف العرب . فدخلوا على رجال من المهاجرين ، فقالوا : أنه قد ارتد عامة من وراءنا عن الإسلام . وليس في أنفسهم أن يؤدوا إليكم ما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فإن تجعلوا لنا جعلا كفيناكم . فدخل الصحابة على أبي بكر ، فعرضوا عليه ذلك . وقالوا : نرى أن تطعم الأقرع وعيينة طعمة يرضيان بها ، ويكفيانك من وراءها ، حتى يرجع إلينا أسامة وجيشه ، ويشتد أمرك ، فإنا اليوم قليل في كثير .
فقال أبو بكر : فهل ترون غير ذلك ؟ قالوا : لا .
قال : قد علمتم أن من عهد نبيكم إليكم : المشورة فيما لم يمض فيه أمر من نبيكم ، ولا نزل به الكتاب عليكم . وأنا رجل منكم ، تنظرون فيما أشير به عليكم . وإن الله لن يجمعكم على ضلالة . فتجتمعون على الرشد في ذلك .
فأما أنا : فأرى أن ننبذ إلى عدونا . فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر . وألا ترشون على الإسلام ، فنجاهد عدوه كما جاهدهم . والله لو منعوني عقالا ، لرأيت أن أجاهدهم عليه حتى آخذه . وأما قدوم عيينة وأصحابه إليكم : فهذا أمر لم يغب عنه عيينة ، هو راضيه ، ثم جاءوا له . ولو رأوا ذباب السيف ، لعادوا إلى ما خرجوا منه ، أو أفناهم السيف ، فإلى النار . قتلناهم على حق منعوه وكفر اتبعوه . فبان للناس أمرهم .
فقالوا له : أنت أفضلنا رأيا ، ورأينا لرأيك تبع .
فأمر أبو بكر رضي الله عنه الناس بالتجهيز ، وأجمع على المسير بنفسه .
- ص 256 - وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - لما صدر من الحج سنة عشر - وقدم المدينة : أقام حتى رأى هلال المحرم سنة إحدى عشرة . فبعث المصدقين في العرب .
نفع الله طيئا بعدي بن حاتم
فلما بلغهم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم : اختلفوا . فمنهم من رجع . ومنهم من أدى إلى أبي بكر ، منهم عدي بن حاتم ، كانت عنده إبل عظيمة من صدقات قومه . فلما ارتد من ارتد وارتدت بنو أسد - وهم جيرانهم - اجتمعت طيئ إلى عدي . فقالوا : إن هذا الرجل قد مات ، وقد انتقض الناس بعده ، وقبض كل قوم ما كان في أيديهم من صدقاتهم ، فنحن أحق بأموالنا من شذاذ الناس .
فقال : ألم تعطوا العهد طائعين غير مكرهين ؟
قالوا : بلى ، ولكن حدث ما ترى ، وقد ترى ما صنع الناس .
فقال : والذي نفس عدي بيده ، لا أخيس بها أبدا . فإن أبيتم ، فوالله لأقاتلنكم . فليكونن أول قتيل يقتل على وفاء ذمته عدي بن حاتم ، أو يسلمها . فلا تطمعوا أن يسب حاتم في قبره ، وعدي ابنه من بعده . فلا يدعونكم غدر غادر إلى أن تغدروا . فإن للشيطان قادة عند موت كل نبي يستخف بها أهل الجهل ، حتى يحملهم على قلائص الفتنة . وإنما هي عجاجة لا ثبات لها ، ولا ثبات فيها . إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم خليفة من بعده يلي هذا الأمر . وإن لدين الله أقواما سينهضون به ويقومون ، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذؤابتيه في السماء . لئن فعلتم ليقارعنكم عن أموالكم ونسائكم بعد قتل عدي وغدركم ، فأي قوم أنتم عند ذلك ؟ .
فلما رأوا منه الجد كفوا عنه . وأسلموا له .
- ص 257 - فلما كان زمن عمر رأى من عمر جفوة . فقال له عدي ما أراك تعرفني ؟ قال عمر بلى والله ، والله يعرفك في السماء . أعرفك والله ، أسلمت إذ كفروا ، ووفيت إذ غدروا ، وأقبلت إذا أدبروا . وايم الله أعرفك .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
بيعة العامة لأبي بكر
ولما بويع أبو بكر في السقيفة ، وكان الغد ، جلس أبو بكر على المنبر . فقام عمر قبل أبي بكر فتكلم فحمد الله ، وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : أيها الناس . إني قد قلت لكم بالأمس مقالة ، ما كانت وما وجدتها في كتاب الله . ولا كانت عهدا عهده إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولكني قد كنت - ص 252 - أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدبر أمرنا - يقول : يكون آخرنا - وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى رسوله صلى الله عليه وسلم . فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هدى له رسوله . إن الله قد جمعكم على خيركم - صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وثاني اثنين إذ هما في الغار - فقوموا فبايعوه . فبايع الناس أبا بكر البيعة العامة ، بعد بيعة السقيفة .
ثم تكلم أبو بكر رضي الله عنه . فحمد الله ، وأثنى عليه بالذي هو أهله . ثم قال : " أما بعد ، أيها الناس ، فإني قد وليت عليكم . ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني . وإن أسأت فقوموني . الصدق أمانة ، والكذب خيانة . والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله . والقوي فيكم ضعيف ، حتى آخذ الحق منه ، إن شاء الله . لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل . ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء . أطيعوني ما أطعت الله ورسوله . فإذا عصيت الله ورسوله ، فلا طاعة لي عليكم " .
فضيلة أبي بكر الصديق وخلافته الراشدة
وعن ربيعة - أحد الصحابة - رضي الله عنهم قال : قلت لأبي بكر رضي الله عنه : " ما حملك على أن تلي أمر الناس ، وقد نهيتني أن أتأمر على اثنين ؟ قال : لم أجد من ذلك بدا ، خشيت على أمة محمد الفرقة وفي رواية : تخوفت أن تكون فتنة ، تكون بعدها ردة " .
وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : " لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم اشرأب النفاق ، وارتدت العرب ، وانحازت الأنصار ، فلو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها . فما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بفضلها " .
- ص 253 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : والذي لا إله إلا هو ، لولا أن أبا بكر استخلف ، ما عبد الله - ثم قال الثانية ، ثم قال الثالثة - فقيل له : مه ، يا أبا هريرة . فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام . فلما نزل بذي خشب قبض رسول الله ، وارتدت العرب . واجتمع إليه الصحابة . فقالوا : رد هؤلاء ، توجه هؤلاء إلى الروم ، وقد ارتدت العرب حول المدينة ؟ فقال : والذي لا إله إلا هو ، لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما رددت جيشا وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا حللت لواء عقده . فوجه أسامة . فجعل لا يمر بقبائل يريدون الارتداد ، إلا قالوا : لولا أن لهؤلاء قوة ، ما خرج مثل هؤلاء من عندهم . ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم . فلقوا الروم ، فهزموهم . ورجعوا سالمين . فثبتوا على الإسلام - ولله الحمد .
قصة الردة . أعاذنا الله منها
قد تقدم من رسول الله صلى الله عليه وسلم إخباره بالفتن الكائنة بعده ، وإنذاره عنها ، وإخباره خاصة عن الردة .
من ذلك : ما في الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب . فكرهتهما . فنفختهما . فطارا فأولتهما كذابين يخرجان .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث من نجا منهن فقد نجا : من موتي ، ومن قتل خليفة مصطبر بالحق معطيه ، ومن الدجال .
- ص 254 - وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو بكر ، وكفر من كفر من العرب ، قال عمر لأبي بكر : كيف تقاتل الناس ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس ، حتى يقولوا : لا إله إلا الله . فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحقها فقال أبو بكر : فإن الزكاة من حقها . والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها . قال عمر : فما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال ، فعرفت أنه الحق . قال عمر : والله لرجح إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة جميعا في قتال أهل الردة " .
وذكر يعقوب بن سعيد بن عبيد ، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن جماعة قالوا : " كان أبو بكر أمير الشاكرين : الذين ثبتوا على دينهم وأمير الصابرين : الذين صبروا على جهاد عدوهم - وهم أهل الردة - وذلك : أن العرب افترقت في ردتها . فقالت فرقة : لو كان نبيا ما مات وقالت فرقة : انقضت النبوة بموته . فلا نطيع أحدا بعده . وفي ذلك يقول قائلهم :
أطعنـا رسول الله ما كان بيننا فيــا لعبـاد اللـه , مـا لأبـي بكـر ؟
أيورثهـــا بكــرا إذا مــات بعـده فتلــك لعمـر الله قاصمة الظهر
وقالت فرقة : نؤمن بالله . وقال بعضهم : نؤمن بالله ونشهد أن محمدا رسول الله ، ولكن لا نعطيكم أموالنا .
فجادل الصحابة أبا بكر رضي الله عنهم ، وقالوا : احبس جيش أسامة ، فيكون أمانا بالمدينة ، وارفق بالعرب حتى يتفرج هذا الأمر . فلو أن طائفة - ص 255 - ارتدت ، قلنا : قاتل بمن معك من ارتد . وقد أصفقت العرب على الارتداد . وقدم على أبي بكر عيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس في رجال من أشراف العرب . فدخلوا على رجال من المهاجرين ، فقالوا : أنه قد ارتد عامة من وراءنا عن الإسلام . وليس في أنفسهم أن يؤدوا إليكم ما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فإن تجعلوا لنا جعلا كفيناكم . فدخل الصحابة على أبي بكر ، فعرضوا عليه ذلك . وقالوا : نرى أن تطعم الأقرع وعيينة طعمة يرضيان بها ، ويكفيانك من وراءها ، حتى يرجع إلينا أسامة وجيشه ، ويشتد أمرك ، فإنا اليوم قليل في كثير .
فقال أبو بكر : فهل ترون غير ذلك ؟ قالوا : لا .
قال : قد علمتم أن من عهد نبيكم إليكم : المشورة فيما لم يمض فيه أمر من نبيكم ، ولا نزل به الكتاب عليكم . وأنا رجل منكم ، تنظرون فيما أشير به عليكم . وإن الله لن يجمعكم على ضلالة . فتجتمعون على الرشد في ذلك .
فأما أنا : فأرى أن ننبذ إلى عدونا . فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر . وألا ترشون على الإسلام ، فنجاهد عدوه كما جاهدهم . والله لو منعوني عقالا ، لرأيت أن أجاهدهم عليه حتى آخذه . وأما قدوم عيينة وأصحابه إليكم : فهذا أمر لم يغب عنه عيينة ، هو راضيه ، ثم جاءوا له . ولو رأوا ذباب السيف ، لعادوا إلى ما خرجوا منه ، أو أفناهم السيف ، فإلى النار . قتلناهم على حق منعوه وكفر اتبعوه . فبان للناس أمرهم .
فقالوا له : أنت أفضلنا رأيا ، ورأينا لرأيك تبع .
فأمر أبو بكر رضي الله عنه الناس بالتجهيز ، وأجمع على المسير بنفسه .
- ص 256 - وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - لما صدر من الحج سنة عشر - وقدم المدينة : أقام حتى رأى هلال المحرم سنة إحدى عشرة . فبعث المصدقين في العرب .
نفع الله طيئا بعدي بن حاتم
فلما بلغهم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم : اختلفوا . فمنهم من رجع . ومنهم من أدى إلى أبي بكر ، منهم عدي بن حاتم ، كانت عنده إبل عظيمة من صدقات قومه . فلما ارتد من ارتد وارتدت بنو أسد - وهم جيرانهم - اجتمعت طيئ إلى عدي . فقالوا : إن هذا الرجل قد مات ، وقد انتقض الناس بعده ، وقبض كل قوم ما كان في أيديهم من صدقاتهم ، فنحن أحق بأموالنا من شذاذ الناس .
فقال : ألم تعطوا العهد طائعين غير مكرهين ؟
قالوا : بلى ، ولكن حدث ما ترى ، وقد ترى ما صنع الناس .
فقال : والذي نفس عدي بيده ، لا أخيس بها أبدا . فإن أبيتم ، فوالله لأقاتلنكم . فليكونن أول قتيل يقتل على وفاء ذمته عدي بن حاتم ، أو يسلمها . فلا تطمعوا أن يسب حاتم في قبره ، وعدي ابنه من بعده . فلا يدعونكم غدر غادر إلى أن تغدروا . فإن للشيطان قادة عند موت كل نبي يستخف بها أهل الجهل ، حتى يحملهم على قلائص الفتنة . وإنما هي عجاجة لا ثبات لها ، ولا ثبات فيها . إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم خليفة من بعده يلي هذا الأمر . وإن لدين الله أقواما سينهضون به ويقومون ، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذؤابتيه في السماء . لئن فعلتم ليقارعنكم عن أموالكم ونسائكم بعد قتل عدي وغدركم ، فأي قوم أنتم عند ذلك ؟ .
فلما رأوا منه الجد كفوا عنه . وأسلموا له .
- ص 257 - فلما كان زمن عمر رأى من عمر جفوة . فقال له عدي ما أراك تعرفني ؟ قال عمر بلى والله ، والله يعرفك في السماء . أعرفك والله ، أسلمت إذ كفروا ، ووفيت إذ غدروا ، وأقبلت إذا أدبروا . وايم الله أعرفك .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ام دهب و مصطفى- عضو برونزى
- الجنس :
عدد المساهمات : 2052
نقاط : 2812
تاريخ التسجيل : 08/02/2013
رد: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
قتال أهل الردة
ولما كان من العرب ما كان ومنع من منع منهم الصدقة . جد بأبي بكر الجد في قتالهم . وأراه الله رشده فيهم . وعزم على الخروج بنفسه . فخرج في مائة من المهاجرين والأنصار ، وخالد يحمل اللواء حتى نزل بقعاء ، يريد أن يتلاحق الناس ويكون أسرع لخروجهم . ووكل بالناس محمد بن مسلمة يستحثهم . وأقام ببقعاء أياما ينتظر الناس . ولم يبق أحد من المهاجرين والأنصار إلا خرج .
فقال عمر : ارجع يا خليفة رسول الله تكن للمسلمين فئة ، فإنك إن تقتل يرتد الناس ويعلو الباطل الحق . فدعا زيد بن الخطاب ليستخلفه فقال : قد كنت أرجو أن أرزق الشهادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أرزقها . وأنا أرجو أن أرزقها في هذا الوجه . وإن أمير الجيش لا ينبغي أن يباشر القتال بنفسه .
فدعا أبا حذيفة بن عتبة فعرض عليه ذلك فقال مثلما قال زيد فدعا سالما مولى أبي حذيفة فأبى عليه . فدعا خالدا فأمره على الناس وكتب معه هذا الكتاب .
" بسم الله الرحمن الرحيم .
هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن الوليد حين بعثه لقتال من رجع عن الإسلام إلى ضلالة الجاهلية وأماني - ص 258 - الشيطان . وأمره أن يبين لهم الذي لهم في الإسلام والذي عليهم ، ويحرص على هداهم ، فمن أجابه قبل منه ، وإنما يقاتل من كفر بالله على الإيمان بالله . فإذا أجاب إلى الإيمان وصدق إيمانه لم يكن له عليه سبيل . وكان الله حسيبه بعد في عمله . ولا يقبل من أحد شيئا أعطاه إياه إلا الإسلام والدخول فيه والصبر به وعليه . ولا يدخل في أصحابه حشوا من الناس حتى يعرف علام اتبعوه وقاتلوا معه ؟ فإني أخشى أن يكون معكم ناس يتعوذون بكم ليسوا منكم ولا على دينكم . فيكونون عونا عليكم . وارفق بالمسلمين في مسيرهم ومنازلهم وتفقدهم ، ولا تعجل بعض الناس عن بعض في المسير ولا في الارتحال . واستوص بمن معك من الأنصار خيرا ، فإن فيهم ضيقا ومرارة وزعارة ، ولهم حق وفضيلة وسابقة ووصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم " .
ويروى أن أبا بكر كتب مع هذا كتابا آخر وأمر خالدا أن يقرأه في كل مجمع ، وهو :
كتاب أبي بكر لأمرائه
" بسم الله الرحمن الرحيم .
من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بلغه كتابي هذا ، من عامة الناس أو خاصتهم أقام على إسلام أو راجع عنه . سلام على من اتبع الهدى ، ولم يرجع بعد الهدى إلى الضلالة والعمى . فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ، وأشهد أن لا إله إلا هو ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الهادي غير المضل ، أرسله بالحق من عنده إلى خلقه بشيرا - ص 259 - ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، لينذر من كان حيا ، ويحق القول على الكافرين . فهدى الله بالحق من أجاب إليه وضرب بالحق من أدبر عنه حتى صاروا إلى الإسلام طوعا وكرها . ثم أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك أجله . وقد كان الله بين له ذلك لأهل الإسلام في الكتاب الذي أنزل عليه فقال : إنك ميت وإنهم ميتون وقال : وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون الآية وقال للمؤمنين : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل الآية فمن كان إنما يعبد محمدا ، فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله وحده لا شريك له فإن الله له بالمرصاد حي قيوم لا يموت ولا تأخذه سنة ولا نوم حافظ لأمره منتقم من عدوه ومجزيه ، وإني أوصيكم أيها الناس بتقوى الله . وأحضكم على حظكم ونصيبكم من الله وما جاء به نبيكم صلى الله عليه وسلم . وأن تهتدوا بهداه . وتعتصموا بدين الله . فإن كل من لم يحفظ الله ضائع وكل من لم يصدقه كاذب وكل من لم يسعده الله شقي وكل من لم يرزقه محروم وكل من لم ينصره الله مخذول . فاهتدوا بهدي الله ربكم . فإنه من يهد الله فهو المهتدي . ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا .
وإنه قد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام وعمل به اغترارا بالله ، وجهالة بأمر الله ، طاعة للشيطان . قال الله تعالى : إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير - ص 260 - وإني قد بعثت إليكم خالدا في المهاجرين والأنصار ، والتابعين لهم بإحسان ، وأمرته أن لا يقاتل أحدا حتى يدعوه إلى داعية الله ، فمن دخل في دين الله وعمل صالحا قبل ذلك منه ومن أبى فلا يبقي على أحد ، ويحرقهم بالنار ، ويسبي الذراري والنساء " .
وعن عروة بن الزبير قال : " جعل أبو بكر يوصي خالدا ، ويقول عليك بتقوى الله ، والرفق بمن معك . فإن معك أهل السابقة من المهاجرين والأنصار . فشاورهم . ثم لا تخالفهم . وقدم أمامك الطلائع ترتد لك المنازل . وسر في أصحابك على تعبئة جيدة . فإن أعطاك الله الظفر على أهل اليمامة ؛ فأقل البقيا عليهم إن شاء الله ، وإياك أن تلقاني غدا بما يضيق به صدري منك . اسمع عهدي ووصيتي ولا تغيرن على دار سمعت فيها أذانا ، حتى تعلم ما هم عليه " .
" واعلم أن الله يعلم من سريرتك ما يعلم من علانيتك ، واعلم أن رعيتك تعمل بما تراك تعمل " .
تعاهد جيشك ، وانههم عما لا يصلح لهم . فإنما تقاتلون من تقاتلون بأعمالكم . وبهذا نرجو لكم النصر على أعدائكم . سر على بركة الله تعالى " .
ذكر مسير خالد إلى بزاخة وغيرها
لما سار خالد إلى بزاخة كان عدي بن حاتم معه ، وقد انضم إليه - ص 261 - من طيء ألف ، فنزلوا بزاخة وكانت جديلة معرضة عن الإسلام - وهي بطن من طيء - وكان عدي بن حاتم رضي الله عنه من الغوث ، وقد همت جديلة أن ترتد فجاءهم مكنف بن زيد الخيل . فقال أتريدون أن تصيروا سبة على قومكم ؟ ولم يرجع رجل واحد من طيء وهذا عدي معه ألف رجل من طيء ، فكسرهم .
فلما نزل خالد بزاخة قال لعدي : ألا نسير إلى جديلة ؟ قال : يا أبا سليمان أقاتل معك بيدين أحب إليك ، أم بيد واحدة ؟ فقال بل بيدين . قال : فإن جديلة إحدى يدي فكف عنهم . فكف عنهم .
فجاءهم عدي . فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا . فحمد الله . وسار بهم إلى خالد . فلما رآهم صاح في أصحابه السلاح . فلما جاءوا حلوا ناحية ، فجاءهم خالد ورحب بهم . فاعتذروا إليه . وقالوا : نحن لك حيث شئت . فجزاهم خيرا . فلم يرتد من طيء رجل واحد .
فسار خالد على تعبئته ، وطلب إليه عدي أن يجعل قومه مقدمة أصحابه . فقال أخاف أن أقدمهم فإذا ألجمهم القتال انكشفوا ، فانكشف من معنا . ولكن دعني أقدم قوما صبرا ، لهم سوابق .
فقال عدي : الرأي ما رأيت ، فقدم المهاجرين والأنصار .
ولم يزل يقدم الطلائع منذ خرج من بقعاء حتى قدم اليمامة .
وأمر عيونه أن يختبروا كل من مروا بهم عند مواقيت الصلاة بالأذان لها ، فيكون ذلك دليلا على إسلامهم .
فلما انتهوا إلى طليحة الأسدي وجدوه وقد ضربت له قبة وأصحابه - ص 262 - حوله . فضرب خالد خيام عسكره على ميل أو نحوه ، وخرج يسير على فرس معه نفر من الصحابة . فوقف قريبا من العسكر . ودعا بطليحة فخرج إليه . فقال إن من عهد خليفتنا إلينا : أن ندعوك إلى الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن تعود إلى ما خرجت منه فأبى طليحة .
وكان عيينة بن حصن قد قال له : لا أبا لك ، هل أنت مرينا ؟ - يعني نبوتك - فقد رأيت ورأينا ما كان يأتي محمدا . قال : نعم فبعث عيونا له لما أقبل خالد إليهم قبل أن يسمع الناس بإقباله . فقال : إن بعثتم فارسين على فرسين أغرين محجلين من بني نصر بن قعين ، أتوكم من القوم بعين . فبعثوا كذلك فلقيا عينا لخالد . فأتوا به . فزادهم فتنة .
فلما أبى طليحة أن يجيب خالدا ، انصرف خالد إلى معسكره . فاستعمل تلك الليلة على حرسه مكنف بن زيد الخيل ، وعدي بن حاتم . فلما كان من السحر نهض خالد . فعبأ أصحابه ووضع ألويته مواضعها . ودفع اللواء الأعظم إلى زيد بن الخطاب . فتقدم به . وتقدم ثابت بن قيس بن شماس بلواء الأنصار ، وطلبت طيء لواء . فعقد لهم خالد لواء ودفعه إلى عدي .
فلما سمع طليحة الحركة عبأ أصحابه . حتى إذا استوت الصفوف زحف بهم خالد حتى دنا من طليحة . فأخرج طليحة أربعين غلاما جلدا ، فأقامهم في الميمنة ، وقال : اضربوا حتى تأتوا الميسرة . فتضعضع الناس . ولم يقتل أحد حتى أقامهم في الميسرة ففعلوا مثل ذلك وانهزم المسلمون .
- ص 263 - فقال خالد : يا معشر المسلمين ، الله الله . واقتحم وسط القوم وكر معه أصحابه . فاختلطت الصفوف ونادى يومئذ مناد من طيء عندما حمل أولئك الأربعون : يا خالد عليك - بسلمى وأجا - جبلي طيئ - فقال : بل إلى الله الملتجأ ، ثم حمل فما رجع حتى لم يبق من الأربعين رجل واحد . وتراد الناس بعد الهزيمة واشتد القتال . وأسر حبال بن أبي حبال فأرادوا أن يبعثوا به إلى أبي بكر . فقال اضربوا عنقي ، ولا تروني محمديكم هذا ، فضربوا عنقه .
ولما اشتد القتال تزمل طليحة بكساء له ، وهم ينتظرون أن ينزل عليه الوحي فلما طال ذلك على أصحابه وهدتهم الحرب جعل عيينة يقاتل ويذمر الناس حتى إذا ألح المسلمون عليهم السيف أتى طليحة وهو في كسائه . فقال : لا أبا لك ، هل أتاك جبريل بعد ؟ قال : لا والله . قال : تبا لك سائر اليوم . ثم رجع عيينة فقاتل ، وجعل يحض أصحابه على القتال وقد ضجوا من وقع السيوف . فلما طال ذلك عليهم . جاء إلى طليحة وهو متلفف بكسائه فجبذه جبذة شديدة جلس منها . وقال : قبح الله هذه من نبوة ، ما قيل لك بعد شيء ؟ قال : بلى ، قد قيل لي : إن لك رحى كرحاه وأمرا لن تنساه .
فقال عيينة : أظن أن قد علم الله أنه سيكون لك حديث لن تنساه يا بني فزارة هكذا - وأشار تحت الشمس - انصرفوا . هذا والله كذاب . ما بورك لنا ولا له فيما يطلب . فانصرفت فزارة وذهب عيينة وأخوه في آثارهما . فأدرك عيينة فأسر . وأفلت أخوه .
ولما رأى طليحة ما فعل أصحابه خرج منهزما . فجعل أصحابه يقولون : - ص 264 - ماذا تأمرنا ؟ وقد كان أعد فرسه وهيأ امرأته . فوثب على فرسه وحمل امرأته وراءه . ثم ولى هاربا . وقال : من استطاع منكم أن يفعل هكذا فليفعل ثم هرب حتى قدم الشام .
وذكر أنه قال لأصحابه لما رأى انهزامهم : ويلكم ما يهزمكم ؟ فقال له رجل : أنا أخبرك ، إنه ليس منا رجل إلا وهو يحب أن صاحبه يموت قبله ، وإنا نلقى قوما كلهم يحب أن يموت قبل صاحبه .
ولما ولى طليحة هاربا ، تبعه عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم . وكان طليحة قد أعطى الله عهدا : أن لا يسأله أحد النزول إلا فعل . فلما أدبر ناداه عكاشة بن محصن يا طليحة ، فعطف عليه فقتل عكاشة ثم أدركه ثابت فقتله أيضا طليحة ، ثم لحق المسلمون أصحاب طليحة فقتلوا وأسروا . وصاح خالد لا يطبخن رجل قدرا ، ولا يسخنن ماء إلا وأثفيته رأس رجل .
- ص 265 - وتلطف رجل من بني أسد حتى وثب على عجز راحلة خالد ، فقال : أنشدك الله أن لا يكون هلاك مضر على يدك ، يا خالد حكمك في بني أسد . فنادى خالد : من قام فهو آمن . فقام الناس كلهم .
وسمعت بذلك بنو عامر . فأعلنوا الإسلام .
وأمر خالد بالحظائر أن تبنى ، ثم أوقد فيها النار . ثم أمر بالأسرى فألقيت فيها . وألقي فيها يومئذ حامية بن سبيع الذي استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات قومه .
وأخذت أم طليحة فعرض عليها الإسلام ، فوثبت . وأخذت فحمة من النار وهي تقول : يا موت عم صباحا ، كافحته كفاحا ، إذ لم أجد براحا .
وذكر الواقدي : أن خالدا جمع الأسرى في الحظائر . ثم أضرمها عليهم فاحترقوا أحياء . ولم يحرق أحدا من فزارة .
فقيل لبعض أهل العلم : لم حرق هؤلاء من بين أهل الردة ؟ فقال بلغته عنهم مقالة سيئة وثبتوا على ردتهم .
وعن ابن عمر قال : شهدت بزاخة مع خالد . فأظفرنا الله على طليحة . وكنا كلما أغرنا على قوم سبينا الذراري واقتسمنا الأموال .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
قتال أهل الردة
ولما كان من العرب ما كان ومنع من منع منهم الصدقة . جد بأبي بكر الجد في قتالهم . وأراه الله رشده فيهم . وعزم على الخروج بنفسه . فخرج في مائة من المهاجرين والأنصار ، وخالد يحمل اللواء حتى نزل بقعاء ، يريد أن يتلاحق الناس ويكون أسرع لخروجهم . ووكل بالناس محمد بن مسلمة يستحثهم . وأقام ببقعاء أياما ينتظر الناس . ولم يبق أحد من المهاجرين والأنصار إلا خرج .
فقال عمر : ارجع يا خليفة رسول الله تكن للمسلمين فئة ، فإنك إن تقتل يرتد الناس ويعلو الباطل الحق . فدعا زيد بن الخطاب ليستخلفه فقال : قد كنت أرجو أن أرزق الشهادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أرزقها . وأنا أرجو أن أرزقها في هذا الوجه . وإن أمير الجيش لا ينبغي أن يباشر القتال بنفسه .
فدعا أبا حذيفة بن عتبة فعرض عليه ذلك فقال مثلما قال زيد فدعا سالما مولى أبي حذيفة فأبى عليه . فدعا خالدا فأمره على الناس وكتب معه هذا الكتاب .
" بسم الله الرحمن الرحيم .
هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن الوليد حين بعثه لقتال من رجع عن الإسلام إلى ضلالة الجاهلية وأماني - ص 258 - الشيطان . وأمره أن يبين لهم الذي لهم في الإسلام والذي عليهم ، ويحرص على هداهم ، فمن أجابه قبل منه ، وإنما يقاتل من كفر بالله على الإيمان بالله . فإذا أجاب إلى الإيمان وصدق إيمانه لم يكن له عليه سبيل . وكان الله حسيبه بعد في عمله . ولا يقبل من أحد شيئا أعطاه إياه إلا الإسلام والدخول فيه والصبر به وعليه . ولا يدخل في أصحابه حشوا من الناس حتى يعرف علام اتبعوه وقاتلوا معه ؟ فإني أخشى أن يكون معكم ناس يتعوذون بكم ليسوا منكم ولا على دينكم . فيكونون عونا عليكم . وارفق بالمسلمين في مسيرهم ومنازلهم وتفقدهم ، ولا تعجل بعض الناس عن بعض في المسير ولا في الارتحال . واستوص بمن معك من الأنصار خيرا ، فإن فيهم ضيقا ومرارة وزعارة ، ولهم حق وفضيلة وسابقة ووصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم " .
ويروى أن أبا بكر كتب مع هذا كتابا آخر وأمر خالدا أن يقرأه في كل مجمع ، وهو :
كتاب أبي بكر لأمرائه
" بسم الله الرحمن الرحيم .
من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بلغه كتابي هذا ، من عامة الناس أو خاصتهم أقام على إسلام أو راجع عنه . سلام على من اتبع الهدى ، ولم يرجع بعد الهدى إلى الضلالة والعمى . فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ، وأشهد أن لا إله إلا هو ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الهادي غير المضل ، أرسله بالحق من عنده إلى خلقه بشيرا - ص 259 - ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، لينذر من كان حيا ، ويحق القول على الكافرين . فهدى الله بالحق من أجاب إليه وضرب بالحق من أدبر عنه حتى صاروا إلى الإسلام طوعا وكرها . ثم أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك أجله . وقد كان الله بين له ذلك لأهل الإسلام في الكتاب الذي أنزل عليه فقال : إنك ميت وإنهم ميتون وقال : وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون الآية وقال للمؤمنين : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل الآية فمن كان إنما يعبد محمدا ، فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله وحده لا شريك له فإن الله له بالمرصاد حي قيوم لا يموت ولا تأخذه سنة ولا نوم حافظ لأمره منتقم من عدوه ومجزيه ، وإني أوصيكم أيها الناس بتقوى الله . وأحضكم على حظكم ونصيبكم من الله وما جاء به نبيكم صلى الله عليه وسلم . وأن تهتدوا بهداه . وتعتصموا بدين الله . فإن كل من لم يحفظ الله ضائع وكل من لم يصدقه كاذب وكل من لم يسعده الله شقي وكل من لم يرزقه محروم وكل من لم ينصره الله مخذول . فاهتدوا بهدي الله ربكم . فإنه من يهد الله فهو المهتدي . ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا .
وإنه قد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام وعمل به اغترارا بالله ، وجهالة بأمر الله ، طاعة للشيطان . قال الله تعالى : إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير - ص 260 - وإني قد بعثت إليكم خالدا في المهاجرين والأنصار ، والتابعين لهم بإحسان ، وأمرته أن لا يقاتل أحدا حتى يدعوه إلى داعية الله ، فمن دخل في دين الله وعمل صالحا قبل ذلك منه ومن أبى فلا يبقي على أحد ، ويحرقهم بالنار ، ويسبي الذراري والنساء " .
وعن عروة بن الزبير قال : " جعل أبو بكر يوصي خالدا ، ويقول عليك بتقوى الله ، والرفق بمن معك . فإن معك أهل السابقة من المهاجرين والأنصار . فشاورهم . ثم لا تخالفهم . وقدم أمامك الطلائع ترتد لك المنازل . وسر في أصحابك على تعبئة جيدة . فإن أعطاك الله الظفر على أهل اليمامة ؛ فأقل البقيا عليهم إن شاء الله ، وإياك أن تلقاني غدا بما يضيق به صدري منك . اسمع عهدي ووصيتي ولا تغيرن على دار سمعت فيها أذانا ، حتى تعلم ما هم عليه " .
" واعلم أن الله يعلم من سريرتك ما يعلم من علانيتك ، واعلم أن رعيتك تعمل بما تراك تعمل " .
تعاهد جيشك ، وانههم عما لا يصلح لهم . فإنما تقاتلون من تقاتلون بأعمالكم . وبهذا نرجو لكم النصر على أعدائكم . سر على بركة الله تعالى " .
ذكر مسير خالد إلى بزاخة وغيرها
لما سار خالد إلى بزاخة كان عدي بن حاتم معه ، وقد انضم إليه - ص 261 - من طيء ألف ، فنزلوا بزاخة وكانت جديلة معرضة عن الإسلام - وهي بطن من طيء - وكان عدي بن حاتم رضي الله عنه من الغوث ، وقد همت جديلة أن ترتد فجاءهم مكنف بن زيد الخيل . فقال أتريدون أن تصيروا سبة على قومكم ؟ ولم يرجع رجل واحد من طيء وهذا عدي معه ألف رجل من طيء ، فكسرهم .
فلما نزل خالد بزاخة قال لعدي : ألا نسير إلى جديلة ؟ قال : يا أبا سليمان أقاتل معك بيدين أحب إليك ، أم بيد واحدة ؟ فقال بل بيدين . قال : فإن جديلة إحدى يدي فكف عنهم . فكف عنهم .
فجاءهم عدي . فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا . فحمد الله . وسار بهم إلى خالد . فلما رآهم صاح في أصحابه السلاح . فلما جاءوا حلوا ناحية ، فجاءهم خالد ورحب بهم . فاعتذروا إليه . وقالوا : نحن لك حيث شئت . فجزاهم خيرا . فلم يرتد من طيء رجل واحد .
فسار خالد على تعبئته ، وطلب إليه عدي أن يجعل قومه مقدمة أصحابه . فقال أخاف أن أقدمهم فإذا ألجمهم القتال انكشفوا ، فانكشف من معنا . ولكن دعني أقدم قوما صبرا ، لهم سوابق .
فقال عدي : الرأي ما رأيت ، فقدم المهاجرين والأنصار .
ولم يزل يقدم الطلائع منذ خرج من بقعاء حتى قدم اليمامة .
وأمر عيونه أن يختبروا كل من مروا بهم عند مواقيت الصلاة بالأذان لها ، فيكون ذلك دليلا على إسلامهم .
فلما انتهوا إلى طليحة الأسدي وجدوه وقد ضربت له قبة وأصحابه - ص 262 - حوله . فضرب خالد خيام عسكره على ميل أو نحوه ، وخرج يسير على فرس معه نفر من الصحابة . فوقف قريبا من العسكر . ودعا بطليحة فخرج إليه . فقال إن من عهد خليفتنا إلينا : أن ندعوك إلى الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن تعود إلى ما خرجت منه فأبى طليحة .
وكان عيينة بن حصن قد قال له : لا أبا لك ، هل أنت مرينا ؟ - يعني نبوتك - فقد رأيت ورأينا ما كان يأتي محمدا . قال : نعم فبعث عيونا له لما أقبل خالد إليهم قبل أن يسمع الناس بإقباله . فقال : إن بعثتم فارسين على فرسين أغرين محجلين من بني نصر بن قعين ، أتوكم من القوم بعين . فبعثوا كذلك فلقيا عينا لخالد . فأتوا به . فزادهم فتنة .
فلما أبى طليحة أن يجيب خالدا ، انصرف خالد إلى معسكره . فاستعمل تلك الليلة على حرسه مكنف بن زيد الخيل ، وعدي بن حاتم . فلما كان من السحر نهض خالد . فعبأ أصحابه ووضع ألويته مواضعها . ودفع اللواء الأعظم إلى زيد بن الخطاب . فتقدم به . وتقدم ثابت بن قيس بن شماس بلواء الأنصار ، وطلبت طيء لواء . فعقد لهم خالد لواء ودفعه إلى عدي .
فلما سمع طليحة الحركة عبأ أصحابه . حتى إذا استوت الصفوف زحف بهم خالد حتى دنا من طليحة . فأخرج طليحة أربعين غلاما جلدا ، فأقامهم في الميمنة ، وقال : اضربوا حتى تأتوا الميسرة . فتضعضع الناس . ولم يقتل أحد حتى أقامهم في الميسرة ففعلوا مثل ذلك وانهزم المسلمون .
- ص 263 - فقال خالد : يا معشر المسلمين ، الله الله . واقتحم وسط القوم وكر معه أصحابه . فاختلطت الصفوف ونادى يومئذ مناد من طيء عندما حمل أولئك الأربعون : يا خالد عليك - بسلمى وأجا - جبلي طيئ - فقال : بل إلى الله الملتجأ ، ثم حمل فما رجع حتى لم يبق من الأربعين رجل واحد . وتراد الناس بعد الهزيمة واشتد القتال . وأسر حبال بن أبي حبال فأرادوا أن يبعثوا به إلى أبي بكر . فقال اضربوا عنقي ، ولا تروني محمديكم هذا ، فضربوا عنقه .
ولما اشتد القتال تزمل طليحة بكساء له ، وهم ينتظرون أن ينزل عليه الوحي فلما طال ذلك على أصحابه وهدتهم الحرب جعل عيينة يقاتل ويذمر الناس حتى إذا ألح المسلمون عليهم السيف أتى طليحة وهو في كسائه . فقال : لا أبا لك ، هل أتاك جبريل بعد ؟ قال : لا والله . قال : تبا لك سائر اليوم . ثم رجع عيينة فقاتل ، وجعل يحض أصحابه على القتال وقد ضجوا من وقع السيوف . فلما طال ذلك عليهم . جاء إلى طليحة وهو متلفف بكسائه فجبذه جبذة شديدة جلس منها . وقال : قبح الله هذه من نبوة ، ما قيل لك بعد شيء ؟ قال : بلى ، قد قيل لي : إن لك رحى كرحاه وأمرا لن تنساه .
فقال عيينة : أظن أن قد علم الله أنه سيكون لك حديث لن تنساه يا بني فزارة هكذا - وأشار تحت الشمس - انصرفوا . هذا والله كذاب . ما بورك لنا ولا له فيما يطلب . فانصرفت فزارة وذهب عيينة وأخوه في آثارهما . فأدرك عيينة فأسر . وأفلت أخوه .
ولما رأى طليحة ما فعل أصحابه خرج منهزما . فجعل أصحابه يقولون : - ص 264 - ماذا تأمرنا ؟ وقد كان أعد فرسه وهيأ امرأته . فوثب على فرسه وحمل امرأته وراءه . ثم ولى هاربا . وقال : من استطاع منكم أن يفعل هكذا فليفعل ثم هرب حتى قدم الشام .
وذكر أنه قال لأصحابه لما رأى انهزامهم : ويلكم ما يهزمكم ؟ فقال له رجل : أنا أخبرك ، إنه ليس منا رجل إلا وهو يحب أن صاحبه يموت قبله ، وإنا نلقى قوما كلهم يحب أن يموت قبل صاحبه .
ولما ولى طليحة هاربا ، تبعه عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم . وكان طليحة قد أعطى الله عهدا : أن لا يسأله أحد النزول إلا فعل . فلما أدبر ناداه عكاشة بن محصن يا طليحة ، فعطف عليه فقتل عكاشة ثم أدركه ثابت فقتله أيضا طليحة ، ثم لحق المسلمون أصحاب طليحة فقتلوا وأسروا . وصاح خالد لا يطبخن رجل قدرا ، ولا يسخنن ماء إلا وأثفيته رأس رجل .
- ص 265 - وتلطف رجل من بني أسد حتى وثب على عجز راحلة خالد ، فقال : أنشدك الله أن لا يكون هلاك مضر على يدك ، يا خالد حكمك في بني أسد . فنادى خالد : من قام فهو آمن . فقام الناس كلهم .
وسمعت بذلك بنو عامر . فأعلنوا الإسلام .
وأمر خالد بالحظائر أن تبنى ، ثم أوقد فيها النار . ثم أمر بالأسرى فألقيت فيها . وألقي فيها يومئذ حامية بن سبيع الذي استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات قومه .
وأخذت أم طليحة فعرض عليها الإسلام ، فوثبت . وأخذت فحمة من النار وهي تقول : يا موت عم صباحا ، كافحته كفاحا ، إذ لم أجد براحا .
وذكر الواقدي : أن خالدا جمع الأسرى في الحظائر . ثم أضرمها عليهم فاحترقوا أحياء . ولم يحرق أحدا من فزارة .
فقيل لبعض أهل العلم : لم حرق هؤلاء من بين أهل الردة ؟ فقال بلغته عنهم مقالة سيئة وثبتوا على ردتهم .
وعن ابن عمر قال : شهدت بزاخة مع خالد . فأظفرنا الله على طليحة . وكنا كلما أغرنا على قوم سبينا الذراري واقتسمنا الأموال .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ام دهب و مصطفى- عضو برونزى
- الجنس :
عدد المساهمات : 2052
نقاط : 2812
تاريخ التسجيل : 08/02/2013
رد: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
ذكر رجوع بني عامر وغيرهم إلى الإسلام
ولما أوقع الله ببني أسد وفزارة ما أوقع ببزاخة بث خالد السرايا ، ليصيبوا من قدروا عليه ممن هو على ردته . وجعلت العرب تسير إلى - ص 266 - خالد ، رغبة في الإسلام وخوفا من السيف .
فمنهم من أصابته السرية فيقول : جئت راغبا في الإسلام وقد رجعت إلى ما خرجت منه .
ومنهم من يقول ما رجعنا ، ولكن منعنا أموالنا ، فقد سلمناها ، فليأخذ منها حقه .
ومنهم من مضى إلى أبي بكر ولم يقرب خالدا .
ثم عمد خالد إلى جبلي طيء - أجا وسلمى - فأتته عامر وغطفان يدخلون الإسلام ويسألونه الأمان على مياههم وبلادهم . وأظهروا التوبة . وأقاموا الصلاة . وأقروا بالزكاة .
فأمنهم خالد . وأخذ عليهم العهود والمواثيق : لتبايعن على ذلك أبناءكم ونساءكم آناء الليل وآناء النهار .
فقالوا : نعم ، نعم .
وبعث بعيينة إلى أبي بكر مجموعة يداه في وثاقه فجعل غلمان المدينة ينخسونه بالجريد ، ويضربونه . ويقولون : أي عدو الله أكفرت بالله بعد إيمانك ؟ فيقول والله ما كنت آمنت بالله قط .
وأخذ خالد من بني عامر وغيرهم من أهل الردة - ممن بايعه على الإسلام - كل ما ظهر من سلاحهم واستحلفهم على ما غيبوا منه فإذا حلفوا تركهم ، وإن أبوا شدهم أسرى حتى أتوا بما عندهم . فأخذ منهم سلاحا كثيرا . فأعطاه أقواما يحتاجون إليه في قتال عدوهم ، وكتبه عليهم ثم ردوه بعد .
- ص 267 - وحدث يزيد بن أبي شريك الفزاري عن أبيه قال : قدمت مع أسد وغطفان على أبي بكر وافدا ، حين فرغ خالد منهم . فقال أبو بكر : " اختاروا بين خصلتين حرب مجلية أو سلم مخزية . فقال خارجة بن حصن : هذه الحرب المجلية قد عرفناها ، فما السلم المخزية ؟ قال : تشهدون أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار . وأن تردوا علينا ما أخذتم منا ، ولا نرد عليكم ما أخذنا منكم . وأن تدوا قتلانا ، كل قتيل مائة بعير منها أربعون في بطونها أولادها . ولا ندي قتلاكم . ونأخذ منكم الحلقة والكراع وتلحقون بأذناب الإبل حتى يرى الله خليفة نبيه والمؤمنين ما شاء فيكم ، أو يرى منكم إقبالا لما خرجتم منه .
فقال خارجة : نعم ، يا خليفة رسول الله .
فقال أبو بكر : عليكم عهد الله وميثاقه أن تقوموا بالقرآن آناء الليل وآناء النهار . وتعلمون أولادكم ونساءكم ولا تمنعوا فرائض الله في أموالكم . قالوا : نعم " .
قال عمر : يا خليفة رسول الله كل ما قلت كما قلت ، إلا أن يدوا من قتل منا ، فإنهم قوم قتلوا في سبيل الله .
فتتابع الناس على قول عمر .
فقبض أبو بكر كل ما قدر عليه من الحلقة والكراع .
فلما توفي رأى عمر أن الإسلام قد ضرب بجرانه . فدفعه إلى أهله وإلى ورثة من مات منهم .
ص 268 - مسير خالد إلى اليمامة
فلما فرغ خالد من بزاخة وبني عامر أظهر أن أبا بكر عهد إليه أن يسير إلى أرض بني تميم ، وإلى اليمامة ، فقال ثابت بن قيس - وهو على الأنصار ، وخالد على جماعة المسلمين - ما عهد إلينا ذلك وليس بنا قوة . وقد كل المسلمون وعجف كراعهم . فقال خالد : لا أستكره أحدا ، وسار بمن تبعه .
وأقامت الأنصار يوما أو يومين ثم تلاومت فيما بينها . وقالت والله ما صنعنا شيئا . والله لئن أصيب القوم ليقولن خذلتموهم وإنها لمسبة عارها باق إلى آخر الدهر ولئن أصابوا فتحا ، إنه لخير منعتموه . فابعثوا إلى خالد يقيم حتى تلحقوه . فبعثوا إليه فأقام حتى لحقوه . فاستقبلهم في كثرة من المسلمين حتى نزلوا .
وساروا جميعا حتى انتهوا إلى البطاح ، من أرض بني تميم فلم يجدوا بها جمعا . ففرق خالد السرايا في نواحيها . فأتت سرية منهم بني حنظلة - وسيدهم مالك بن نويرة - وكان قد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مصدقا على قومه . فجمع صدقاتهم . فلما بلغته وفاة النبي صلى الله عليه وسلم جفل إبل الصدقة - أي ردها إلى أهلها فلذلك سمي الجفول - وجمع قومه فقال : إن هذا الرجل قد هلك فإن قام قائم بعده رضي منكم أن تدخلوا في أمره ولم يطلب ما مضى ، ولم تكونوا أعطيتم الناس أموالكم . فتسارع إليه جمهورهم .
فقام فيهم قعنب - سيد بني يربوع - فقال يا بني تميم ، لا ترجعوا في صدقاتكم فيرجع الله في نعمه عليكم ولا تتجردوا للبلاء وقد ألبسكم الله العافية ولا تستشعروا خوف الكفر وأنتم في أمن الإسلام . إنكم - ص 269 - أعطيتم قليلا من كثير . والله مذهب الكثير بالقليل . ومسلط على أموالكم غدا من يأخذها على غير الرضا ، وإن منعتموها قتلتم . فأطيعوا الله واعصوا مالكا .
فقام مالك ، فقال : يا بني تميم ، إنما رددت عليكم أموالكم إكراما لكم . وإنه لا يزال يقوم منكم قائم يخطئني . والله ما أنا بأحرصكم على المال ولا بأجزعكم من الموت ولا بأخفاكم شخصا إن أقمت ، ولا بأخفاكم رحلة إن هربت . فترضوه عند ذلك وأسندوا أمرهم إليه وأبى الله إلا أن يتم أمره فيهم . وقال مالك في ذلك :
وقــال رجــال ســدد اليـوم مـالك وقـــال رجــال مــالك لــم يســدد
فقلـــت : دعــوني لا أبــا لأبيكمــو فلـم أخـط رأيا في المعاد ولا البد
فدونكموهـــــا . إنهــــا صدقــــاتكم مصــــررة أخلافهــــا لــــم تجــــرد
سأجعل نفسي دون ما تحذرونه فــأرهنكم يومــا بمــا قلـت يـدي
فــإن قــام بــالأمر المجــرد قــائم أطعنــا وقلنــا : الـدين ديـن محـمد
ولما بلغ ذلك أبا بكر والمسلمين حنقوا عليه . وعاهد الله خالد لئن أخذه ليجعلن هامته أثفية للقدر .
فلما وصلتهم السرية - مع طلوع الشمس - فزعوا إلى السلاح . وقالوا : من أنتم ؟ قالوا : نحن عباد الله المسلمون قالوا : ونحن عباد الله المسلمون . قالوا : فضعوا السلاح . ففعلوا . فأخذوهم . وجاءوا بهم إلى خالد .
- ص 270 - فقال له أبو قتادة : - وهو مع السرية - أقاتل أنت هؤلاء ؟ قال : نعم . قال : إنهم اتقونا بالإسلام أذنا فأذنوا ، وصلينا فصلوا . وكان من عهد أبي بكر " أيما دار غشيتموها فسمعتم الأذان فيها بالصلاة فأمسكوا عن أهلها حتى تسألوهم ماذا نقموا ؟ وماذا يبغون ؟ وإن لم تسمعوا الأذان فشنوا عليها الغارة فاقتلوا وحرقوا " . فأمر بهم خالد فقتلوا ، وأمر برأس مالك فجعل أثفية للقدر ورثاه أخوه متمم بقصائد كثيرة .
وروي أن " عمر قال له : " لوددت أن رثيت أخي زيدا بمثل ما رثيت به أخاك مالكا " فقال متمم : لو علمت أن أخي صار حيث صار أخوك ما رثيته . فقال عمر : " ما عزاني أحد عن أخي بمثل تعزيته " .
سابق تالي
ذكر ردة أهل اليمامة مفتونين بمسيلمة الكذاب
عن رافع بن خديج قال : " قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وفود العرب ، فلم يقدم علينا وفد أقسى قلوبا ، ولا أحرى أن لا يكون الإسلام يقر في قلوبهم - من بني حنيفة وكان مسيلمة مع الوفد " .
فلما انصرفوا إلى اليمامة ادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم أشركه في النبوة ، وكتب إليه : من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ، أما بعد فإني أشركت في الأمر معك وإنا لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ، ولكن قريش قوم يعتدون . فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- ص 271 - بسم الله الرحمن الرحيم . من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب . أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده . والعاقبة للمتقين .
وجد بعدو الله ضلاله بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأصفقت معه بنو حنيفة على ذلك ، إلا أفذاذا من ذوي عقولهم .
وكان من أعظم ما فتن به قومه شهادة الرجال بن عنفوة له بإشراك النبي صلى الله عليه وسلم إياه في الأمر . وكان الرجال من الوفد الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم . فقرأ القرآن وتعلم السنن . قال ابن عمر : " وكان من أفضل الوفد عندنا ، فكان أعظم فتنة على أهل اليمامة من غيره لما كان يعرف به " .
قال رافع بن خديج : " كان بالرجال من الخشوع ولزوم قراءة القرآن والخير - فيما يرى - شيء عجيب " وكان ابن عمر اليشكري من أشرافهم وكان صديقا للرجال . وكان مسلما يكتم إسلامه . فقال شعرا . فشا في اليمامة حتى كانت الوليدة والصبي ينشدونه :
يـــا ســعاد الفــؤاد بنــت أثــال طـــال ليلـــي بفتنـــة الرجــال
إنهـا يـا سـعاد مـن حـدث الده ر عليكـــــم كفتنــــة الدجــــال
فتــن القــوم بالشــهادة والــل ه عزيــــــز ذو قـــــوة ومحـــــال
لا يسـاوي الذي يقول من الأم ر قبــالا ومـا احـتذى مـن قبـال
إن ديني دين النبي وفي القو م رجـال علـى الهـدى أمثالي
- ص 272 - أهلـك القـوم محكم بن طفيل ورجـــال ليســـوا لنـــا برجـــال
بـــز أمـــرهم مســـيلمة اليـــو م فلـن يرجـعوه أخـرى الليالي
قلـت للنفس إذ تعاظمهـا الص بـــر وســـاءت مقالـــة الأنــذال
ربمــا تجـزع النفـوس مـن الأم ر لــــه فرجـــة كحـــل العقـــال
إن تكن منيتي على فطرة الل ه حنيفــــا فــــإنني لا أبــــالي
فبلغ ذلك مسيلمة ومحكم وأشرافهم فطلبوه ففاتهم . ولحق بخالد . فأخبره بحالهم . ودله على عوراتهم .
وعظمت فتنة بني حنيفة بكذابهم . إذ كانوا يدعو لمريضهم ويبرك على مولودهم . ولا ينهاهم عن الاغترار به ما يريهم الله ما يحل به من الخيبة والخسران .
جاءه رجل بمولود فمسح رأسه . فقرع . وقرع كل مولود له .
وجاءه آخر فقال إني ذو مال . وليس لي مولود يبلغ سنتين حتى يموت إلا هذا المولود وهو ابن عشر سنين . ولي مولود ولد أمس . فأحب أن تبارك فيه وتدعو أن يطيل الله عمره . قال سأطلب لك . فرجع الرجل إلى منزله مسرورا . فوجد الأكبر قد تردى في بئر ووجد الأصغر في نزع الموت . فلم يمس ذلك اليوم حتى ماتا جميعا . وتقول أمهما : لا والله ما لأبي ثمامة عند إلهه منزلة محمد .
وحفرت بنو حنيفة بئرا فاستعذبوها ، فأتوا مسيلمة . وطلبوا أن يبارك فيها ، فبصق فيها فعادت ملحا أجاجا .
وكان الصديق رضي الله عنه قد عهد إلى خالد - إذا فرغ من أسد - ص 273 - وغطفان والضاحية - أن يقصد اليمامة ، وأكد عليه في ذلك . فلما أظفر الله خالدا بهم تسلل بعضهم إلى المدينة ، يسألون أبا بكر أن يبايعهم على الإسلام . فقال بيعتي إياكم وأماني لكم أن تلحقوا بخالد . فمن كتب إلى خالد أنه حضر معه اليمامة فهو آمن . وليبلغ شاهدكم غائبكم . ولا تقدموا علي .
قال ابن الجهم : أولئك الذين لحقوا به : هم الذين انكسروا بالمسلمين يوم اليمامة ثلاث مرات وكانوا على المسلمين بلاء .
قال شريك الفزاري كنت ممن شهد بزاخة مع عيينة بن حصن . ثم رزقني الله الإنابة فجئت أبا بكر . فأمرني بالمسير إلى خالد . وكتب معي إليه .
" أما بعد فقد جاءني كتابك ، تذكر ما أظفرك الله بأسد وغطفان . وأنك سائر إلى اليمامة . فاتق الله وحده لا شريك له . وعليك بالرفق بمن معك من المسلمين كن لهم كالوالد . وإياك يا ابن الوليد ونخوة بني المغيرة . فإني عصيت فيك من لم أعصه في شيء قط ، فانظر بني حنيفة . فإنك لم تلق قوما يشبهونهم . كلهم عليك . ولهم بلاد واسعة . فإذا قدمت فباشر الأمر بنفسك . واستشر من معك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . واعرف لهم فضلهم . فإذا لقيت القوم . فأعد للأمور أقرانها . فإن أظفرك الله بهم فإياك والإبقاء عليهم . أجهز على جريحهم واطلب مدبرهم ، واحمل أسيرهم على السيف . وهول فيهم القتل . وحرقهم بالنار . وإياك أن تخالف أمري . والسلام " .
ولما اتصل بأهل اليمامة مسير خالد إليهم بعد الذي صنع بأمثالهم ، - ص 274 - حيرهم ذلك . وجزع له محكم بن طفيل سيدهم . وهم أن يرجع إلى الإسلام . ثم استمر على ضلالته . وكان صديقا لزياد بن لبيد الأنصاري .
فقال له خالد : لو ألقيت إليه شيئا تكسره به ؟ فإنه سيدهم وطاعتهم بيده . فبعث إليه هذه الأبيات :
يــا محـكم بـن طفيـل قـد أتيح لكم للـــــه در أبيكـــــم حيــــة الــــوادي
يـــا محــكم بــن طفيــل إنكــم نفـر كالشـــاء أســلمها الــراعي لآسـاد
مـا في مسيلمة الكذاب من عوض مـــــــن دار قـــــوم وإخـــــوان وأولاد
فـــاكفف حنيفــة عنــه قبــل نائحـة تعفـي فـوارس قـوم شـجوها بادي
لا تــــأمنوا خـــالدا بـــالبرد معتجــرا تحت العجاجة مثل الأغطف العادي
ويــــل اليمامـــة ويـــل لا فــراق لــه إن جالت الخيل فيها بالقنا الصادي
واللــــه لا تنثنـــي عنكـــم أعنتهـــا حــتى تكونـوا كـأهل الحجـر أو عـاد
- ص 275 - ووردت على محكم وقيل له هذا خالد في المسلمين .
فقال رضي خالد أمرا ، ورضينا غيره . وما ينكر خالد أن يكون في بني حنيفة من أشرك في الأمر ؟ فسيرى - إن قدم علينا - يلق قوما ليسوا كمن لقي .
ثم خطبهم فقال إنكم تلقون قوما يبذلون أنفسهم دون صاحبهم فابذلوا نفوسكم دون صاحبكم . وكان عمير بن ضابئ في أصحاب خالد . ولم يكن من أهل حجر كان من أهل ملهم . فقال له خالد : تقدم إلى قومك فاكسرهم .
فأتاهم فقال : " يا أهل اليمامة ، أظلكم خالد في المهاجرين والأنصار . قد تركت القوم والله يتبايعون على فتح اليمامة . قد قضوا وطرا من أسد وغطفان ، وأنتم في أكفهم . وقولهم " لا قوة إلا بالله " إني رأيت أقواما إن غلبتموهم بالصبر غلبوكم بالنصر . وإن غلبتموهم على الحياة غلبوكم على الموت . وإن غلبتموهم بالعدد غلبوكم بالمدد . لستم والقوم سواء . الإسلام مقبل والشرك مدبر . وصاحبهم نبي وصاحبكم كذاب . ومعهم السرور ومعكم الغرور . فالآن - والسيف في غمده والنبل في جفيره - قبل أن يسل السيف ويرمى بالسهم " فكذبوه واتهموه .
وقام ثمامة بن أثال فيهم . فقال : " اسمعوا مني وأطيعوا أمري ، ترشدوا . إنه لا يجتمع نبيان بأمر واحد . إن محمدا لا نبي بعده ولا نبي - ص 276 - يرسل معه . ثم قرأ : بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير هذا كلام الله عز وجل . أين هذا من : يا ضفدع يا ضفدعين . نقي كم تنقين ؟ نصفك في الماء ونصفك في الطين . لا الشراب تمنعين ولا الماء تكدرين ولا الطين تفارقين . لنا نصف الأرض ولقريش نصفها . ولكن قريشا قوم يعتدون . والله إنكم لترون هذا ما يخرج من إل . وقد استحق محمد أمرا أذكره به خرجت معترا ، فأخذتني رسله في غير عهد ولا ذمة . فعفا عن دمي . فأسلمت وأذن لي في الخروج إلى بيت الله . فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقام بهذا الأمر رجل من بعده هو أفقههم في أنفسهم . لا تأخذه في الله لومة لائم . ثم بعث إليكم رجلا ، لا يسمى باسمه . ولا باسم أبيه يقال له : " سيف الله " معه سيوف الله كثيرة ، فانظروا في أمركم " .
فآذاه القوم جميعا ، أو من آذاه منهم . وقال ثمامة في ذلك :
مســـيلمة ارجـــع ولا تمحـــك فـــإنك فــي الأمــر لــم تشـرك
كــذبت علــى اللـه فـي وحيـه وكــــان هـــواك هـــوى الأنــوك
ومنــــاك قــــومك أن يمنعـــوك وإن يـــــــأتهم خـــــالد تـــــترك
فما لك من مصعد في السماء ومـا لك في الأرض من مسلك
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
ذكر رجوع بني عامر وغيرهم إلى الإسلام
ولما أوقع الله ببني أسد وفزارة ما أوقع ببزاخة بث خالد السرايا ، ليصيبوا من قدروا عليه ممن هو على ردته . وجعلت العرب تسير إلى - ص 266 - خالد ، رغبة في الإسلام وخوفا من السيف .
فمنهم من أصابته السرية فيقول : جئت راغبا في الإسلام وقد رجعت إلى ما خرجت منه .
ومنهم من يقول ما رجعنا ، ولكن منعنا أموالنا ، فقد سلمناها ، فليأخذ منها حقه .
ومنهم من مضى إلى أبي بكر ولم يقرب خالدا .
ثم عمد خالد إلى جبلي طيء - أجا وسلمى - فأتته عامر وغطفان يدخلون الإسلام ويسألونه الأمان على مياههم وبلادهم . وأظهروا التوبة . وأقاموا الصلاة . وأقروا بالزكاة .
فأمنهم خالد . وأخذ عليهم العهود والمواثيق : لتبايعن على ذلك أبناءكم ونساءكم آناء الليل وآناء النهار .
فقالوا : نعم ، نعم .
وبعث بعيينة إلى أبي بكر مجموعة يداه في وثاقه فجعل غلمان المدينة ينخسونه بالجريد ، ويضربونه . ويقولون : أي عدو الله أكفرت بالله بعد إيمانك ؟ فيقول والله ما كنت آمنت بالله قط .
وأخذ خالد من بني عامر وغيرهم من أهل الردة - ممن بايعه على الإسلام - كل ما ظهر من سلاحهم واستحلفهم على ما غيبوا منه فإذا حلفوا تركهم ، وإن أبوا شدهم أسرى حتى أتوا بما عندهم . فأخذ منهم سلاحا كثيرا . فأعطاه أقواما يحتاجون إليه في قتال عدوهم ، وكتبه عليهم ثم ردوه بعد .
- ص 267 - وحدث يزيد بن أبي شريك الفزاري عن أبيه قال : قدمت مع أسد وغطفان على أبي بكر وافدا ، حين فرغ خالد منهم . فقال أبو بكر : " اختاروا بين خصلتين حرب مجلية أو سلم مخزية . فقال خارجة بن حصن : هذه الحرب المجلية قد عرفناها ، فما السلم المخزية ؟ قال : تشهدون أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار . وأن تردوا علينا ما أخذتم منا ، ولا نرد عليكم ما أخذنا منكم . وأن تدوا قتلانا ، كل قتيل مائة بعير منها أربعون في بطونها أولادها . ولا ندي قتلاكم . ونأخذ منكم الحلقة والكراع وتلحقون بأذناب الإبل حتى يرى الله خليفة نبيه والمؤمنين ما شاء فيكم ، أو يرى منكم إقبالا لما خرجتم منه .
فقال خارجة : نعم ، يا خليفة رسول الله .
فقال أبو بكر : عليكم عهد الله وميثاقه أن تقوموا بالقرآن آناء الليل وآناء النهار . وتعلمون أولادكم ونساءكم ولا تمنعوا فرائض الله في أموالكم . قالوا : نعم " .
قال عمر : يا خليفة رسول الله كل ما قلت كما قلت ، إلا أن يدوا من قتل منا ، فإنهم قوم قتلوا في سبيل الله .
فتتابع الناس على قول عمر .
فقبض أبو بكر كل ما قدر عليه من الحلقة والكراع .
فلما توفي رأى عمر أن الإسلام قد ضرب بجرانه . فدفعه إلى أهله وإلى ورثة من مات منهم .
ص 268 - مسير خالد إلى اليمامة
فلما فرغ خالد من بزاخة وبني عامر أظهر أن أبا بكر عهد إليه أن يسير إلى أرض بني تميم ، وإلى اليمامة ، فقال ثابت بن قيس - وهو على الأنصار ، وخالد على جماعة المسلمين - ما عهد إلينا ذلك وليس بنا قوة . وقد كل المسلمون وعجف كراعهم . فقال خالد : لا أستكره أحدا ، وسار بمن تبعه .
وأقامت الأنصار يوما أو يومين ثم تلاومت فيما بينها . وقالت والله ما صنعنا شيئا . والله لئن أصيب القوم ليقولن خذلتموهم وإنها لمسبة عارها باق إلى آخر الدهر ولئن أصابوا فتحا ، إنه لخير منعتموه . فابعثوا إلى خالد يقيم حتى تلحقوه . فبعثوا إليه فأقام حتى لحقوه . فاستقبلهم في كثرة من المسلمين حتى نزلوا .
وساروا جميعا حتى انتهوا إلى البطاح ، من أرض بني تميم فلم يجدوا بها جمعا . ففرق خالد السرايا في نواحيها . فأتت سرية منهم بني حنظلة - وسيدهم مالك بن نويرة - وكان قد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم مصدقا على قومه . فجمع صدقاتهم . فلما بلغته وفاة النبي صلى الله عليه وسلم جفل إبل الصدقة - أي ردها إلى أهلها فلذلك سمي الجفول - وجمع قومه فقال : إن هذا الرجل قد هلك فإن قام قائم بعده رضي منكم أن تدخلوا في أمره ولم يطلب ما مضى ، ولم تكونوا أعطيتم الناس أموالكم . فتسارع إليه جمهورهم .
فقام فيهم قعنب - سيد بني يربوع - فقال يا بني تميم ، لا ترجعوا في صدقاتكم فيرجع الله في نعمه عليكم ولا تتجردوا للبلاء وقد ألبسكم الله العافية ولا تستشعروا خوف الكفر وأنتم في أمن الإسلام . إنكم - ص 269 - أعطيتم قليلا من كثير . والله مذهب الكثير بالقليل . ومسلط على أموالكم غدا من يأخذها على غير الرضا ، وإن منعتموها قتلتم . فأطيعوا الله واعصوا مالكا .
فقام مالك ، فقال : يا بني تميم ، إنما رددت عليكم أموالكم إكراما لكم . وإنه لا يزال يقوم منكم قائم يخطئني . والله ما أنا بأحرصكم على المال ولا بأجزعكم من الموت ولا بأخفاكم شخصا إن أقمت ، ولا بأخفاكم رحلة إن هربت . فترضوه عند ذلك وأسندوا أمرهم إليه وأبى الله إلا أن يتم أمره فيهم . وقال مالك في ذلك :
وقــال رجــال ســدد اليـوم مـالك وقـــال رجــال مــالك لــم يســدد
فقلـــت : دعــوني لا أبــا لأبيكمــو فلـم أخـط رأيا في المعاد ولا البد
فدونكموهـــــا . إنهــــا صدقــــاتكم مصــــررة أخلافهــــا لــــم تجــــرد
سأجعل نفسي دون ما تحذرونه فــأرهنكم يومــا بمــا قلـت يـدي
فــإن قــام بــالأمر المجــرد قــائم أطعنــا وقلنــا : الـدين ديـن محـمد
ولما بلغ ذلك أبا بكر والمسلمين حنقوا عليه . وعاهد الله خالد لئن أخذه ليجعلن هامته أثفية للقدر .
فلما وصلتهم السرية - مع طلوع الشمس - فزعوا إلى السلاح . وقالوا : من أنتم ؟ قالوا : نحن عباد الله المسلمون قالوا : ونحن عباد الله المسلمون . قالوا : فضعوا السلاح . ففعلوا . فأخذوهم . وجاءوا بهم إلى خالد .
- ص 270 - فقال له أبو قتادة : - وهو مع السرية - أقاتل أنت هؤلاء ؟ قال : نعم . قال : إنهم اتقونا بالإسلام أذنا فأذنوا ، وصلينا فصلوا . وكان من عهد أبي بكر " أيما دار غشيتموها فسمعتم الأذان فيها بالصلاة فأمسكوا عن أهلها حتى تسألوهم ماذا نقموا ؟ وماذا يبغون ؟ وإن لم تسمعوا الأذان فشنوا عليها الغارة فاقتلوا وحرقوا " . فأمر بهم خالد فقتلوا ، وأمر برأس مالك فجعل أثفية للقدر ورثاه أخوه متمم بقصائد كثيرة .
وروي أن " عمر قال له : " لوددت أن رثيت أخي زيدا بمثل ما رثيت به أخاك مالكا " فقال متمم : لو علمت أن أخي صار حيث صار أخوك ما رثيته . فقال عمر : " ما عزاني أحد عن أخي بمثل تعزيته " .
سابق تالي
ذكر ردة أهل اليمامة مفتونين بمسيلمة الكذاب
عن رافع بن خديج قال : " قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وفود العرب ، فلم يقدم علينا وفد أقسى قلوبا ، ولا أحرى أن لا يكون الإسلام يقر في قلوبهم - من بني حنيفة وكان مسيلمة مع الوفد " .
فلما انصرفوا إلى اليمامة ادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم أشركه في النبوة ، وكتب إليه : من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ، أما بعد فإني أشركت في الأمر معك وإنا لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ، ولكن قريش قوم يعتدون . فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- ص 271 - بسم الله الرحمن الرحيم . من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب . أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده . والعاقبة للمتقين .
وجد بعدو الله ضلاله بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأصفقت معه بنو حنيفة على ذلك ، إلا أفذاذا من ذوي عقولهم .
وكان من أعظم ما فتن به قومه شهادة الرجال بن عنفوة له بإشراك النبي صلى الله عليه وسلم إياه في الأمر . وكان الرجال من الوفد الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم . فقرأ القرآن وتعلم السنن . قال ابن عمر : " وكان من أفضل الوفد عندنا ، فكان أعظم فتنة على أهل اليمامة من غيره لما كان يعرف به " .
قال رافع بن خديج : " كان بالرجال من الخشوع ولزوم قراءة القرآن والخير - فيما يرى - شيء عجيب " وكان ابن عمر اليشكري من أشرافهم وكان صديقا للرجال . وكان مسلما يكتم إسلامه . فقال شعرا . فشا في اليمامة حتى كانت الوليدة والصبي ينشدونه :
يـــا ســعاد الفــؤاد بنــت أثــال طـــال ليلـــي بفتنـــة الرجــال
إنهـا يـا سـعاد مـن حـدث الده ر عليكـــــم كفتنــــة الدجــــال
فتــن القــوم بالشــهادة والــل ه عزيــــــز ذو قـــــوة ومحـــــال
لا يسـاوي الذي يقول من الأم ر قبــالا ومـا احـتذى مـن قبـال
إن ديني دين النبي وفي القو م رجـال علـى الهـدى أمثالي
- ص 272 - أهلـك القـوم محكم بن طفيل ورجـــال ليســـوا لنـــا برجـــال
بـــز أمـــرهم مســـيلمة اليـــو م فلـن يرجـعوه أخـرى الليالي
قلـت للنفس إذ تعاظمهـا الص بـــر وســـاءت مقالـــة الأنــذال
ربمــا تجـزع النفـوس مـن الأم ر لــــه فرجـــة كحـــل العقـــال
إن تكن منيتي على فطرة الل ه حنيفــــا فــــإنني لا أبــــالي
فبلغ ذلك مسيلمة ومحكم وأشرافهم فطلبوه ففاتهم . ولحق بخالد . فأخبره بحالهم . ودله على عوراتهم .
وعظمت فتنة بني حنيفة بكذابهم . إذ كانوا يدعو لمريضهم ويبرك على مولودهم . ولا ينهاهم عن الاغترار به ما يريهم الله ما يحل به من الخيبة والخسران .
جاءه رجل بمولود فمسح رأسه . فقرع . وقرع كل مولود له .
وجاءه آخر فقال إني ذو مال . وليس لي مولود يبلغ سنتين حتى يموت إلا هذا المولود وهو ابن عشر سنين . ولي مولود ولد أمس . فأحب أن تبارك فيه وتدعو أن يطيل الله عمره . قال سأطلب لك . فرجع الرجل إلى منزله مسرورا . فوجد الأكبر قد تردى في بئر ووجد الأصغر في نزع الموت . فلم يمس ذلك اليوم حتى ماتا جميعا . وتقول أمهما : لا والله ما لأبي ثمامة عند إلهه منزلة محمد .
وحفرت بنو حنيفة بئرا فاستعذبوها ، فأتوا مسيلمة . وطلبوا أن يبارك فيها ، فبصق فيها فعادت ملحا أجاجا .
وكان الصديق رضي الله عنه قد عهد إلى خالد - إذا فرغ من أسد - ص 273 - وغطفان والضاحية - أن يقصد اليمامة ، وأكد عليه في ذلك . فلما أظفر الله خالدا بهم تسلل بعضهم إلى المدينة ، يسألون أبا بكر أن يبايعهم على الإسلام . فقال بيعتي إياكم وأماني لكم أن تلحقوا بخالد . فمن كتب إلى خالد أنه حضر معه اليمامة فهو آمن . وليبلغ شاهدكم غائبكم . ولا تقدموا علي .
قال ابن الجهم : أولئك الذين لحقوا به : هم الذين انكسروا بالمسلمين يوم اليمامة ثلاث مرات وكانوا على المسلمين بلاء .
قال شريك الفزاري كنت ممن شهد بزاخة مع عيينة بن حصن . ثم رزقني الله الإنابة فجئت أبا بكر . فأمرني بالمسير إلى خالد . وكتب معي إليه .
" أما بعد فقد جاءني كتابك ، تذكر ما أظفرك الله بأسد وغطفان . وأنك سائر إلى اليمامة . فاتق الله وحده لا شريك له . وعليك بالرفق بمن معك من المسلمين كن لهم كالوالد . وإياك يا ابن الوليد ونخوة بني المغيرة . فإني عصيت فيك من لم أعصه في شيء قط ، فانظر بني حنيفة . فإنك لم تلق قوما يشبهونهم . كلهم عليك . ولهم بلاد واسعة . فإذا قدمت فباشر الأمر بنفسك . واستشر من معك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . واعرف لهم فضلهم . فإذا لقيت القوم . فأعد للأمور أقرانها . فإن أظفرك الله بهم فإياك والإبقاء عليهم . أجهز على جريحهم واطلب مدبرهم ، واحمل أسيرهم على السيف . وهول فيهم القتل . وحرقهم بالنار . وإياك أن تخالف أمري . والسلام " .
ولما اتصل بأهل اليمامة مسير خالد إليهم بعد الذي صنع بأمثالهم ، - ص 274 - حيرهم ذلك . وجزع له محكم بن طفيل سيدهم . وهم أن يرجع إلى الإسلام . ثم استمر على ضلالته . وكان صديقا لزياد بن لبيد الأنصاري .
فقال له خالد : لو ألقيت إليه شيئا تكسره به ؟ فإنه سيدهم وطاعتهم بيده . فبعث إليه هذه الأبيات :
يــا محـكم بـن طفيـل قـد أتيح لكم للـــــه در أبيكـــــم حيــــة الــــوادي
يـــا محــكم بــن طفيــل إنكــم نفـر كالشـــاء أســلمها الــراعي لآسـاد
مـا في مسيلمة الكذاب من عوض مـــــــن دار قـــــوم وإخـــــوان وأولاد
فـــاكفف حنيفــة عنــه قبــل نائحـة تعفـي فـوارس قـوم شـجوها بادي
لا تــــأمنوا خـــالدا بـــالبرد معتجــرا تحت العجاجة مثل الأغطف العادي
ويــــل اليمامـــة ويـــل لا فــراق لــه إن جالت الخيل فيها بالقنا الصادي
واللــــه لا تنثنـــي عنكـــم أعنتهـــا حــتى تكونـوا كـأهل الحجـر أو عـاد
- ص 275 - ووردت على محكم وقيل له هذا خالد في المسلمين .
فقال رضي خالد أمرا ، ورضينا غيره . وما ينكر خالد أن يكون في بني حنيفة من أشرك في الأمر ؟ فسيرى - إن قدم علينا - يلق قوما ليسوا كمن لقي .
ثم خطبهم فقال إنكم تلقون قوما يبذلون أنفسهم دون صاحبهم فابذلوا نفوسكم دون صاحبكم . وكان عمير بن ضابئ في أصحاب خالد . ولم يكن من أهل حجر كان من أهل ملهم . فقال له خالد : تقدم إلى قومك فاكسرهم .
فأتاهم فقال : " يا أهل اليمامة ، أظلكم خالد في المهاجرين والأنصار . قد تركت القوم والله يتبايعون على فتح اليمامة . قد قضوا وطرا من أسد وغطفان ، وأنتم في أكفهم . وقولهم " لا قوة إلا بالله " إني رأيت أقواما إن غلبتموهم بالصبر غلبوكم بالنصر . وإن غلبتموهم على الحياة غلبوكم على الموت . وإن غلبتموهم بالعدد غلبوكم بالمدد . لستم والقوم سواء . الإسلام مقبل والشرك مدبر . وصاحبهم نبي وصاحبكم كذاب . ومعهم السرور ومعكم الغرور . فالآن - والسيف في غمده والنبل في جفيره - قبل أن يسل السيف ويرمى بالسهم " فكذبوه واتهموه .
وقام ثمامة بن أثال فيهم . فقال : " اسمعوا مني وأطيعوا أمري ، ترشدوا . إنه لا يجتمع نبيان بأمر واحد . إن محمدا لا نبي بعده ولا نبي - ص 276 - يرسل معه . ثم قرأ : بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير هذا كلام الله عز وجل . أين هذا من : يا ضفدع يا ضفدعين . نقي كم تنقين ؟ نصفك في الماء ونصفك في الطين . لا الشراب تمنعين ولا الماء تكدرين ولا الطين تفارقين . لنا نصف الأرض ولقريش نصفها . ولكن قريشا قوم يعتدون . والله إنكم لترون هذا ما يخرج من إل . وقد استحق محمد أمرا أذكره به خرجت معترا ، فأخذتني رسله في غير عهد ولا ذمة . فعفا عن دمي . فأسلمت وأذن لي في الخروج إلى بيت الله . فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقام بهذا الأمر رجل من بعده هو أفقههم في أنفسهم . لا تأخذه في الله لومة لائم . ثم بعث إليكم رجلا ، لا يسمى باسمه . ولا باسم أبيه يقال له : " سيف الله " معه سيوف الله كثيرة ، فانظروا في أمركم " .
فآذاه القوم جميعا ، أو من آذاه منهم . وقال ثمامة في ذلك :
مســـيلمة ارجـــع ولا تمحـــك فـــإنك فــي الأمــر لــم تشـرك
كــذبت علــى اللـه فـي وحيـه وكــــان هـــواك هـــوى الأنــوك
ومنــــاك قــــومك أن يمنعـــوك وإن يـــــــأتهم خـــــالد تـــــترك
فما لك من مصعد في السماء ومـا لك في الأرض من مسلك
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ام دهب و مصطفى- عضو برونزى
- الجنس :
عدد المساهمات : 2052
نقاط : 2812
تاريخ التسجيل : 08/02/2013
رد: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
- ص 277 - ذكر تقديم خالد الطلائع من البطاح
لما سار خالد من البطاح ، وجاء أرض بني تميم قدم مائتي فارس عليهم معن بن عدي . وقدم عينين له أمامه .
وذكر الواقدي : أن خالدا لما قدم العرض قدم مائتي فارس وقال : من أصبتم من الناس فخذوه .
فانطلقوا . فأخذوا مجاعة بن مرارة في ثلاثة وعشرين رجلا من قومه خرجوا في طلب رجل أصاب فيهم دما ، وهم لا يشعرون بإقبال خالد . فسألوهم ممن أنتم ؟ فقالوا : من بني حنيفة . فقالوا : ما تقولون في صاحبكم ؟ فشهدوا أنه رسول الله . فقالوا لمجاعة ما تقول أنت ؟ فقال ما كنت أقر بمسيلمة . وقد قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت . وما غيرت ولا بدلت . فضرب خالد أعناقهم . حتى إذا بقي سارية بن عامر قال : يا خالد إن كنت تريد بأهل اليمامة خيرا أو شرا ، فاستبق مجاعة . وكان مجاعة شريفا ، فلم يقتله . وترك أيضا سارية . وأمر بهما فأوثقا في جوامع من حديد .
وكان يدعو مجاعة - وهو كذلك - فيتحدث معه وهو يظن أن خالدا يقتله . فقال يا ابن المغيرة إن لي إسلاما ، والله ما كفرت . وأعاد كلامه الأول .
فقال خالد : إن بين القتل والترك منزلة وهي الحبس حتى يقضي الله في حربنا ما هو قاض . ودفعه إلى أم متمم زوجته . وأمرها أن تحسن إساره . فظن مجاعة أن خالدا يريد حبسه لأجل أن يخبره عن عدوه ويشير عليه .
فقال يا خالد . لقد علمت أني قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته على الإسلام . وأنا اليوم على ما كنت عليه أمس . فإن يكن كذاب - ص 278 - خرج فينا ، فإن الله يقول : ولا تزر وازرة وزر أخرى .
فقال : يا مجاعة ، تركت اليوم ما كنت عليه بالأمس . وكان رضاك بأمر هذا الكذاب وسكوتك عنه - وأنت أعز أهل اليمامة ، وقد بلغك مسيري - إقرارا له ورضا بما جاء به فهلا أبديت عذرا ، فتكلمت فيمن تكلم ؟ فقد تكلم ثمامة . فرد وأنكر وتكلم اليشكري . فإن قلت : أخاف قومي ، فهلا عمدت إلي أو بعثت إلي رسولا ؟ .
فقال إن رأيت يا ابن المغيرة أن تعفو عن هذا كله ؟ .
فقال : قد عفوت عن دمك ، ولكن في نفسي من تركك حرج .
فقال له ذات يوم : أخبرني عن صاحبك ، ما الذي يقرئكم ؟ هل تحفظ منه شيئا ؟ قال : نعم فذكر له شيئا من رجزه ، فضرب خالد بإحدى يديه على الأخرى ، وقال : يا معشر المسلمين اسمعوا إلى عدو الله كيف يعارض القرآن ؟ .
فقال : ويحك ، يا مجاعة أراك سيدا عاقلا ، تسمع إلى كتاب الله . ثم انظر كيف عارضه عدو الله ؟ فقرأ عليه خالد : بسم الله الرحمن الرحيم سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى الآيتان .
ثم قال خالد : أفما كان في هذا لكم ناه ولا زاجر ؟ ثم قال هات من كذب الخبيث . فذكر له بعض رجزه .
فقال خالد : وقد كان عندكم حقا ، وكنتم تصدقونه ؟ .
- ص 279 - فقال : لو لم يكن عندنا حقا ، لما لقيك غدا أكثر من عشرة آلاف سيف ، يضاربونك حتى يموت الأعجل .
فقال خالد : إذا يكفيناهم الله ، ويقر دينه فإياه يعبدون ، ودينه يؤيدون .
قال عبيد الله بن عبد الله : لما أشرف خالد ، وأجمع أن ينزل عقرباء ، ودفع الطلائع أمامه ، فرجعوا إليه . فأخبروه أن مسيلمة ومن معه قد نزلوا عقرباء فشاور أصحابه أن يمضي إلى اليمامة ، أو ينتهي إلى عقرباء . فأجمعوا أن ينتهي إلى عقرباء . فزحف خالد بالمسلمين إليها . وكان المسلمون يسألون عن الرجال بن عنفوة فإذا الرجال على مقدمة مسيلمة فلعنوه وشتموه .
فلما فرغ خالد من ضرب عسكره - وبنو حنيفة تسوي صفوفها - نهض خالد إلى صفوفه فصفها . وقدم رايته مع زيد بن الخطاب ، ودفع راية الأنصار إلى ثابت بن قيس بن شماس . فتقدم بها .
وجعل على ميمنته أبا حذيفة بن عتبة وعلى ميسرته شجاع بن وهب واستعمل على الخيل البراء بن مالك ، ثم عزله . واستعمل أسامة بن زيد .
فأقبل بنو حنيفة ، وقد سلوا السيوف . فقال خالد : " يا معشر المسلمين أبشروا فقد كفاكم الله أمر عدوكم " ما سلو السيوف من بعد إلا ليرهبوا .
فقال مجاعة : كلا يا أبا سليمان ولكنها الهندوانية ، خشوا تحطمها ، وهي غداة باردة فأبرزوها للشمس لتسخن متونها . فلما دنوا من المسلمين - ص 280 - نادوا : إنا نعتذر إليكم من سلنا سيوفنا . والله ما سللناها ترهيبا ، ولكن غداة باردة فخشينا تحطمها ، فأردنا أن تسخن متونها إلى أن نلقاكم فسترون .
فاقتتلوا قتالا شديدا . وصبر الفريقان صبرا طويلا . حتى كثر القتل والجراح في الفريقين .
واستحر القتل في المسلمين وحملة القرآن حتى فنوا إلا قليلا . وهزم كل من الفريقين حتى دخل المسلمون عسكر المشركين والمشركون عسكر المسلمين مرارا . وجعل زيد بن الخطاب - ومعه الراية - يقول اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به مسيلمة . وأعتذر إليك من فرار أصحابي . وجعل يشتد بالراية في نحور العدو . ثم ضارب بسيفه حثى قتل . رحمه الله ورضي عنه .
فأخذ الراية سالم مولى أبي حذيفة فقال المسلمون إنا نخاف أن نؤتى من قبلك . فقال بئس حامل القرآن أنا ، إذا أتيتم من قبلي .
ونادت الأنصار ثابت بن قيس - ومعه رايتهم - : الزمها . فإنها ملاك القوم فتقدم سالم فحفر لرجليه حتى بلغ أنصاف ساقيه وحفر ثابت لرجليه مثل ذلك ثم لزما رايتهما .
ولقد كان الناس يتفرقون في كل وجه وإن سالما وثابتا لقائمان حتى قتل سالم وقتل أبو حذيفة مولاه .
قال وحشي بن حرب : اقتتلنا قتالا شديدا ، حتى رأيت شهب النار تخرج من خلال السيوف حتى سمعت لها صوتا كالأجراس .
- ص 281 - وقال ضمرة بن سعيد المازني - وذكر ردة بني حنيفة - لم يلق المسلمون عدوا أشد نكاية منهم ، لقوهم بالموت الناقع ، والسيوف قد أصلتوها قبل النبل وقبل الرماح . فكان المعول يومئذ على أهل السوابق .
وقال ثابت بن قيس يومئذ : يا معشر الأنصار ، الله الله في دينكم ، علمنا هؤلاء أمرا ما كنا نحسبه . ثم أقبل على المسلمين وقال أف لكم ولما تصنعون .
ثم قال : خلوا بيننا وبينهم أخلصونا . فأخلصت الأنصار . فلم تكن لهم ناهية حتى انتهوا إلى محكم بن طفيل فقتلوه . ثم انتهوا إلى الحديقة فدخلوها ، فقاتلوا أشد القتال حتى اختلطوا فيها .
ثم صاح ثابت صيحة : يا أصحاب سورة البقرة .
وأوفى عباد بن بشر على نشز . فصاح بأعلى صوته : أنا عباد بن بشر يا للأنصار . أنا عباد ، إلي إلي . فأجابوا لبيك لبيك حتى توافوا عنده . فقال فداكم أبي وأمي ، حطموا جفون السيوف . ثم حطم جفن سيفه فألقاه . وحطمت الأنصار جفون سيوفها . ثم قال : حملة صادقة اتبعوني . فخرج أمامهم حتى ساقوا بني حنيفة منهزمين ، حتى انتهوا إلى الحديقة فأغلق عليهم . ثم إن الله فتح الحديقة فاقتحم عليهم المسلمون .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " دخلنا الحديقة حين جاء وقت الظهر واستحر القتل ، فأمر خالد المؤذن فأذن على جدار الحديقة بالظهر . والقوم مقبلون على القتل حتى انقطعت الحرب بعد العصر . فصلى بنا خالد الظهر والعصر .
ثم بعث السقاة يطوفون على القتلى . فطفت معهم . فمررت بعامر بن - ص 282 - ثابت وإلى جنبه رجل من بني حنيفة به جراح فسقيت عامرا . فقال الحنفي : اسقني فدى لك أبي وأمي . فقلت : لا ، ولا كرامة ولكن أجهز عليك . قال : أحسنت ، أسألك مسألة لا شيء عليك فيها . قلت : ما هي ؟ قال أبو ثمامة ما فعل ؟ قلت ، والله قتل ، قال : نبي ضيعه قومه .
ولما قتل منهم من قتل وكانت لهم أيضا في المسلمين مقتلة عظيمة قد أبيح أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل : لا تغمدوا السيوف وفينا وفيهم عين تطرف . وكان فيمن بقي من المسلمين جراحات كثيرة .
فلما أمسى مجاعة أرسل إلى قومه ليلا : أن البسوا السلاح والذرية ثم إذا أصبحتم فقوموا مستقبلي الشمس على حصونكم حتى يأتيكم أمري . وبات المسلمون يدفنون قتلاهم . فلما فرغوا ، جعلوا يتكمدون بالنار من الجراح .
فلما أصبحوا أمر خالد ، فسيق مجاعة في الحديد يعرفهم القتلى فمر برجل وسيم ، فقال : يا مجاعة أهو هذا ؟ قال هذا أكرم منه هذا محكم بن الطفيل . إن الذي تبتغون لرجل أصيفر أخينس . فوجدوه ، فوقف عليه خالد . فحمد الله كثيرا ، وأمر به فألقي في البئر التي كان يشرب منها .
وكان خالد يرى أنه لم يبق منهم أحد إلا من لا عتاد عنده . فقال : يا مجاعة هذا صاحبكم الذي فعل بكم الأفاعيل . ما رأيت عقولا أضعف من عقول أصحابك ، مثل هذا فعل بكم ما فعل ؟ .
فقال مجاعة : قد كان ذلك ولا تظن أن الحرب انقطعت وإن قتلته . إن جماعة من الناس وأهل البيوتات لفي الحصون فانظر . فرفع خالد رأسه .
- ص 283 - فإذا السلاح والخلق الكثير على الحصون فرأى أمرا غمه ثم استند ساعة . ثم أدركته الرجولة . فقال لأصحابه : يا خيل الله اركبي . يا صاحب الراية قدمها .
فقال مجاعة : إني لك ناصح . وإن السيف قد أفناك . فتعال أصالحك على قومي . وقد أخل بخالد مصاب أهل السابقة ومن كان يعرف عنده الغناء . فقد رق وأحب الموادعة مع عجف الكراع .
فاصطلحوا على الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع ونصف السبي .
ثم قال مجاعة : إني آت القوم فعارض عليهم ما صنعت . قال فانطلق . فذهب ثم رجع . فأخبره أنهم أجازوه .
فلما بان لخالد أنما هم النساء والصبيان قال : ويلك يا مجاعة خدعتني . فقال : قومي ، فما أصنع ؟ وما وجدت من ذلك بدا .
وقال أسيد بن حضير وغيره لخالد : اتق الله ولا تقبل الصلح . فقال إنه قد أفناكم السيف . قالوا : وأفنى غيرنا أيضا . قال : ومن بقي منكم جريح . قالوا : ومن بقي من القوم جرحى ، لا ندخل في الصلح أبدا . اغد بنا عليهم حتى يظفرنا الله بهم أو نبيد عن آخرنا . احملنا على كتاب أبي بكر " إن أظفرك الله بهم فلا تبق منهم أحدا " .
فبينما هم على ذلك إذ جاء كتاب أبي بكر يقطر الدم وفيه " إن أظفرك الله بهم فلا تستبق رجلا مرت عليه الموسى " .
فتكلمت الأنصار في ذلك وقالوا : أمر أبي بكر فوق أمرك .
فقال : إني والله ما ابتغيت في ذلك إلا الذي هو خير . رأيت أهل - ص 284 - السابقة وأهل القرآن قد قتلوا . ولم يبق معي إلا من لا بقاء له على السيف لو لج عليهم فقبلت الصلح ، مع أنهم قد أظهروا الإسلام واتقوا بالراح .
وتم الصلح . وكتب إلى أبي بكر يعتذر إليه .
فتكلم عمر في شأن خالد بكلام غليظ . فقال أبو بكر : دع عنك هذا . فقال : سمعا وطاعة . وقال أبو بكر : ليته حملهم على السيف . فلن يزالوا من كذابهم في بلية إلى يوم القيامة إلا أن يعصمهم الله .
وكانت وقعة اليمامة في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة .
وذكر عمر يوما وقعة اليمامة ، ومن قتل فيها من أهل السابقة . فقال : " ألحت السيوف على أهل السوابق ، ولم يكن المعول يومئذ إلا عليهم . خافوا على الإسلام أن يكسر بابه فيدخل منه إن ظهر مسيلمة . فمنع الله الإسلام بهم حتى قتل عدوه . وأظهر كلمته وقدموا - رحمهم الله - على ما يسرون به من ثواب جهادهم من كذب على الله وعلى رسوله . فاستحر بهم القتل . فرحم الله تلك الوجوه " .
وقال يعقوب بن سعيد بن عبيد والزهري : قتل من بني حنيفة أكثر من سبعة آلاف وكان داؤهم خبيثا ، والطارئ منهم على الإسلام عظيما . فاستأصل الله شأفتهم والحمد لله رب العالمين .
ذكر ردة بني سليم
ذكر الواقدي - من حديث سفيان بن أبي العرجاء السلمي . وكان عالما بردة قومه - قال : أهدى ملك من ملوك غسان إلى النبي صلى الله عليه وسلم لطيمة فيها مسك وعنبر وخيل . فخرجت بها الرسل حتى إذا كانت بأرض بني - ص 285 - سليم بلغتهم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم . فتشجع بعض بني سليم على أخذها والردة وأبى بعضهم من ذلك وقال إن كان محمد قد مات ، فإن الله حي لا يموت . فانتهب الذين ارتدوا منهم اللطيمة .
فلما ولي أبو بكر رضي الله عنه كتب إلى معن بن حاجر فاستعمله على من أسلم من بني سليم . وكان قد قام في ذلك قياما حسنا ، ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر الناس ما قال الله لنبيه : إنك ميت وإنهم ميتون وقال : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل مع آي من كتاب الله . فاجتمع إليه بشر من بني سليم . وانحاز أهل الردة منهم فجعلوا يغيرون على الناس .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
- ص 277 - ذكر تقديم خالد الطلائع من البطاح
لما سار خالد من البطاح ، وجاء أرض بني تميم قدم مائتي فارس عليهم معن بن عدي . وقدم عينين له أمامه .
وذكر الواقدي : أن خالدا لما قدم العرض قدم مائتي فارس وقال : من أصبتم من الناس فخذوه .
فانطلقوا . فأخذوا مجاعة بن مرارة في ثلاثة وعشرين رجلا من قومه خرجوا في طلب رجل أصاب فيهم دما ، وهم لا يشعرون بإقبال خالد . فسألوهم ممن أنتم ؟ فقالوا : من بني حنيفة . فقالوا : ما تقولون في صاحبكم ؟ فشهدوا أنه رسول الله . فقالوا لمجاعة ما تقول أنت ؟ فقال ما كنت أقر بمسيلمة . وقد قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت . وما غيرت ولا بدلت . فضرب خالد أعناقهم . حتى إذا بقي سارية بن عامر قال : يا خالد إن كنت تريد بأهل اليمامة خيرا أو شرا ، فاستبق مجاعة . وكان مجاعة شريفا ، فلم يقتله . وترك أيضا سارية . وأمر بهما فأوثقا في جوامع من حديد .
وكان يدعو مجاعة - وهو كذلك - فيتحدث معه وهو يظن أن خالدا يقتله . فقال يا ابن المغيرة إن لي إسلاما ، والله ما كفرت . وأعاد كلامه الأول .
فقال خالد : إن بين القتل والترك منزلة وهي الحبس حتى يقضي الله في حربنا ما هو قاض . ودفعه إلى أم متمم زوجته . وأمرها أن تحسن إساره . فظن مجاعة أن خالدا يريد حبسه لأجل أن يخبره عن عدوه ويشير عليه .
فقال يا خالد . لقد علمت أني قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته على الإسلام . وأنا اليوم على ما كنت عليه أمس . فإن يكن كذاب - ص 278 - خرج فينا ، فإن الله يقول : ولا تزر وازرة وزر أخرى .
فقال : يا مجاعة ، تركت اليوم ما كنت عليه بالأمس . وكان رضاك بأمر هذا الكذاب وسكوتك عنه - وأنت أعز أهل اليمامة ، وقد بلغك مسيري - إقرارا له ورضا بما جاء به فهلا أبديت عذرا ، فتكلمت فيمن تكلم ؟ فقد تكلم ثمامة . فرد وأنكر وتكلم اليشكري . فإن قلت : أخاف قومي ، فهلا عمدت إلي أو بعثت إلي رسولا ؟ .
فقال إن رأيت يا ابن المغيرة أن تعفو عن هذا كله ؟ .
فقال : قد عفوت عن دمك ، ولكن في نفسي من تركك حرج .
فقال له ذات يوم : أخبرني عن صاحبك ، ما الذي يقرئكم ؟ هل تحفظ منه شيئا ؟ قال : نعم فذكر له شيئا من رجزه ، فضرب خالد بإحدى يديه على الأخرى ، وقال : يا معشر المسلمين اسمعوا إلى عدو الله كيف يعارض القرآن ؟ .
فقال : ويحك ، يا مجاعة أراك سيدا عاقلا ، تسمع إلى كتاب الله . ثم انظر كيف عارضه عدو الله ؟ فقرأ عليه خالد : بسم الله الرحمن الرحيم سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى الآيتان .
ثم قال خالد : أفما كان في هذا لكم ناه ولا زاجر ؟ ثم قال هات من كذب الخبيث . فذكر له بعض رجزه .
فقال خالد : وقد كان عندكم حقا ، وكنتم تصدقونه ؟ .
- ص 279 - فقال : لو لم يكن عندنا حقا ، لما لقيك غدا أكثر من عشرة آلاف سيف ، يضاربونك حتى يموت الأعجل .
فقال خالد : إذا يكفيناهم الله ، ويقر دينه فإياه يعبدون ، ودينه يؤيدون .
قال عبيد الله بن عبد الله : لما أشرف خالد ، وأجمع أن ينزل عقرباء ، ودفع الطلائع أمامه ، فرجعوا إليه . فأخبروه أن مسيلمة ومن معه قد نزلوا عقرباء فشاور أصحابه أن يمضي إلى اليمامة ، أو ينتهي إلى عقرباء . فأجمعوا أن ينتهي إلى عقرباء . فزحف خالد بالمسلمين إليها . وكان المسلمون يسألون عن الرجال بن عنفوة فإذا الرجال على مقدمة مسيلمة فلعنوه وشتموه .
فلما فرغ خالد من ضرب عسكره - وبنو حنيفة تسوي صفوفها - نهض خالد إلى صفوفه فصفها . وقدم رايته مع زيد بن الخطاب ، ودفع راية الأنصار إلى ثابت بن قيس بن شماس . فتقدم بها .
وجعل على ميمنته أبا حذيفة بن عتبة وعلى ميسرته شجاع بن وهب واستعمل على الخيل البراء بن مالك ، ثم عزله . واستعمل أسامة بن زيد .
فأقبل بنو حنيفة ، وقد سلوا السيوف . فقال خالد : " يا معشر المسلمين أبشروا فقد كفاكم الله أمر عدوكم " ما سلو السيوف من بعد إلا ليرهبوا .
فقال مجاعة : كلا يا أبا سليمان ولكنها الهندوانية ، خشوا تحطمها ، وهي غداة باردة فأبرزوها للشمس لتسخن متونها . فلما دنوا من المسلمين - ص 280 - نادوا : إنا نعتذر إليكم من سلنا سيوفنا . والله ما سللناها ترهيبا ، ولكن غداة باردة فخشينا تحطمها ، فأردنا أن تسخن متونها إلى أن نلقاكم فسترون .
فاقتتلوا قتالا شديدا . وصبر الفريقان صبرا طويلا . حتى كثر القتل والجراح في الفريقين .
واستحر القتل في المسلمين وحملة القرآن حتى فنوا إلا قليلا . وهزم كل من الفريقين حتى دخل المسلمون عسكر المشركين والمشركون عسكر المسلمين مرارا . وجعل زيد بن الخطاب - ومعه الراية - يقول اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به مسيلمة . وأعتذر إليك من فرار أصحابي . وجعل يشتد بالراية في نحور العدو . ثم ضارب بسيفه حثى قتل . رحمه الله ورضي عنه .
فأخذ الراية سالم مولى أبي حذيفة فقال المسلمون إنا نخاف أن نؤتى من قبلك . فقال بئس حامل القرآن أنا ، إذا أتيتم من قبلي .
ونادت الأنصار ثابت بن قيس - ومعه رايتهم - : الزمها . فإنها ملاك القوم فتقدم سالم فحفر لرجليه حتى بلغ أنصاف ساقيه وحفر ثابت لرجليه مثل ذلك ثم لزما رايتهما .
ولقد كان الناس يتفرقون في كل وجه وإن سالما وثابتا لقائمان حتى قتل سالم وقتل أبو حذيفة مولاه .
قال وحشي بن حرب : اقتتلنا قتالا شديدا ، حتى رأيت شهب النار تخرج من خلال السيوف حتى سمعت لها صوتا كالأجراس .
- ص 281 - وقال ضمرة بن سعيد المازني - وذكر ردة بني حنيفة - لم يلق المسلمون عدوا أشد نكاية منهم ، لقوهم بالموت الناقع ، والسيوف قد أصلتوها قبل النبل وقبل الرماح . فكان المعول يومئذ على أهل السوابق .
وقال ثابت بن قيس يومئذ : يا معشر الأنصار ، الله الله في دينكم ، علمنا هؤلاء أمرا ما كنا نحسبه . ثم أقبل على المسلمين وقال أف لكم ولما تصنعون .
ثم قال : خلوا بيننا وبينهم أخلصونا . فأخلصت الأنصار . فلم تكن لهم ناهية حتى انتهوا إلى محكم بن طفيل فقتلوه . ثم انتهوا إلى الحديقة فدخلوها ، فقاتلوا أشد القتال حتى اختلطوا فيها .
ثم صاح ثابت صيحة : يا أصحاب سورة البقرة .
وأوفى عباد بن بشر على نشز . فصاح بأعلى صوته : أنا عباد بن بشر يا للأنصار . أنا عباد ، إلي إلي . فأجابوا لبيك لبيك حتى توافوا عنده . فقال فداكم أبي وأمي ، حطموا جفون السيوف . ثم حطم جفن سيفه فألقاه . وحطمت الأنصار جفون سيوفها . ثم قال : حملة صادقة اتبعوني . فخرج أمامهم حتى ساقوا بني حنيفة منهزمين ، حتى انتهوا إلى الحديقة فأغلق عليهم . ثم إن الله فتح الحديقة فاقتحم عليهم المسلمون .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " دخلنا الحديقة حين جاء وقت الظهر واستحر القتل ، فأمر خالد المؤذن فأذن على جدار الحديقة بالظهر . والقوم مقبلون على القتل حتى انقطعت الحرب بعد العصر . فصلى بنا خالد الظهر والعصر .
ثم بعث السقاة يطوفون على القتلى . فطفت معهم . فمررت بعامر بن - ص 282 - ثابت وإلى جنبه رجل من بني حنيفة به جراح فسقيت عامرا . فقال الحنفي : اسقني فدى لك أبي وأمي . فقلت : لا ، ولا كرامة ولكن أجهز عليك . قال : أحسنت ، أسألك مسألة لا شيء عليك فيها . قلت : ما هي ؟ قال أبو ثمامة ما فعل ؟ قلت ، والله قتل ، قال : نبي ضيعه قومه .
ولما قتل منهم من قتل وكانت لهم أيضا في المسلمين مقتلة عظيمة قد أبيح أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل : لا تغمدوا السيوف وفينا وفيهم عين تطرف . وكان فيمن بقي من المسلمين جراحات كثيرة .
فلما أمسى مجاعة أرسل إلى قومه ليلا : أن البسوا السلاح والذرية ثم إذا أصبحتم فقوموا مستقبلي الشمس على حصونكم حتى يأتيكم أمري . وبات المسلمون يدفنون قتلاهم . فلما فرغوا ، جعلوا يتكمدون بالنار من الجراح .
فلما أصبحوا أمر خالد ، فسيق مجاعة في الحديد يعرفهم القتلى فمر برجل وسيم ، فقال : يا مجاعة أهو هذا ؟ قال هذا أكرم منه هذا محكم بن الطفيل . إن الذي تبتغون لرجل أصيفر أخينس . فوجدوه ، فوقف عليه خالد . فحمد الله كثيرا ، وأمر به فألقي في البئر التي كان يشرب منها .
وكان خالد يرى أنه لم يبق منهم أحد إلا من لا عتاد عنده . فقال : يا مجاعة هذا صاحبكم الذي فعل بكم الأفاعيل . ما رأيت عقولا أضعف من عقول أصحابك ، مثل هذا فعل بكم ما فعل ؟ .
فقال مجاعة : قد كان ذلك ولا تظن أن الحرب انقطعت وإن قتلته . إن جماعة من الناس وأهل البيوتات لفي الحصون فانظر . فرفع خالد رأسه .
- ص 283 - فإذا السلاح والخلق الكثير على الحصون فرأى أمرا غمه ثم استند ساعة . ثم أدركته الرجولة . فقال لأصحابه : يا خيل الله اركبي . يا صاحب الراية قدمها .
فقال مجاعة : إني لك ناصح . وإن السيف قد أفناك . فتعال أصالحك على قومي . وقد أخل بخالد مصاب أهل السابقة ومن كان يعرف عنده الغناء . فقد رق وأحب الموادعة مع عجف الكراع .
فاصطلحوا على الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع ونصف السبي .
ثم قال مجاعة : إني آت القوم فعارض عليهم ما صنعت . قال فانطلق . فذهب ثم رجع . فأخبره أنهم أجازوه .
فلما بان لخالد أنما هم النساء والصبيان قال : ويلك يا مجاعة خدعتني . فقال : قومي ، فما أصنع ؟ وما وجدت من ذلك بدا .
وقال أسيد بن حضير وغيره لخالد : اتق الله ولا تقبل الصلح . فقال إنه قد أفناكم السيف . قالوا : وأفنى غيرنا أيضا . قال : ومن بقي منكم جريح . قالوا : ومن بقي من القوم جرحى ، لا ندخل في الصلح أبدا . اغد بنا عليهم حتى يظفرنا الله بهم أو نبيد عن آخرنا . احملنا على كتاب أبي بكر " إن أظفرك الله بهم فلا تبق منهم أحدا " .
فبينما هم على ذلك إذ جاء كتاب أبي بكر يقطر الدم وفيه " إن أظفرك الله بهم فلا تستبق رجلا مرت عليه الموسى " .
فتكلمت الأنصار في ذلك وقالوا : أمر أبي بكر فوق أمرك .
فقال : إني والله ما ابتغيت في ذلك إلا الذي هو خير . رأيت أهل - ص 284 - السابقة وأهل القرآن قد قتلوا . ولم يبق معي إلا من لا بقاء له على السيف لو لج عليهم فقبلت الصلح ، مع أنهم قد أظهروا الإسلام واتقوا بالراح .
وتم الصلح . وكتب إلى أبي بكر يعتذر إليه .
فتكلم عمر في شأن خالد بكلام غليظ . فقال أبو بكر : دع عنك هذا . فقال : سمعا وطاعة . وقال أبو بكر : ليته حملهم على السيف . فلن يزالوا من كذابهم في بلية إلى يوم القيامة إلا أن يعصمهم الله .
وكانت وقعة اليمامة في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة .
وذكر عمر يوما وقعة اليمامة ، ومن قتل فيها من أهل السابقة . فقال : " ألحت السيوف على أهل السوابق ، ولم يكن المعول يومئذ إلا عليهم . خافوا على الإسلام أن يكسر بابه فيدخل منه إن ظهر مسيلمة . فمنع الله الإسلام بهم حتى قتل عدوه . وأظهر كلمته وقدموا - رحمهم الله - على ما يسرون به من ثواب جهادهم من كذب على الله وعلى رسوله . فاستحر بهم القتل . فرحم الله تلك الوجوه " .
وقال يعقوب بن سعيد بن عبيد والزهري : قتل من بني حنيفة أكثر من سبعة آلاف وكان داؤهم خبيثا ، والطارئ منهم على الإسلام عظيما . فاستأصل الله شأفتهم والحمد لله رب العالمين .
ذكر ردة بني سليم
ذكر الواقدي - من حديث سفيان بن أبي العرجاء السلمي . وكان عالما بردة قومه - قال : أهدى ملك من ملوك غسان إلى النبي صلى الله عليه وسلم لطيمة فيها مسك وعنبر وخيل . فخرجت بها الرسل حتى إذا كانت بأرض بني - ص 285 - سليم بلغتهم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم . فتشجع بعض بني سليم على أخذها والردة وأبى بعضهم من ذلك وقال إن كان محمد قد مات ، فإن الله حي لا يموت . فانتهب الذين ارتدوا منهم اللطيمة .
فلما ولي أبو بكر رضي الله عنه كتب إلى معن بن حاجر فاستعمله على من أسلم من بني سليم . وكان قد قام في ذلك قياما حسنا ، ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر الناس ما قال الله لنبيه : إنك ميت وإنهم ميتون وقال : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل مع آي من كتاب الله . فاجتمع إليه بشر من بني سليم . وانحاز أهل الردة منهم فجعلوا يغيرون على الناس .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ام دهب و مصطفى- عضو برونزى
- الجنس :
عدد المساهمات : 2052
نقاط : 2812
تاريخ التسجيل : 08/02/2013
رد: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
قتل الفجاءة وتحريقه
فلما بدا لأبي بكر أن يوجه خالدا ، كتب إلى معن أن يلحق بخالد ، ويستعمل على عمله أخاه طريفة بن حاجر ففعل . وأقام طريفة يكالب من ارتد بمن معه من المسلمين إذ قدم الفجاءة - واسمه إياس بن عبد الله بن عبد ياليل - على أبي بكر . فقال : إني مسلم وقد أردت جهاد من ارتد فاحملني ، فلو كان عندي قوة لم أقدم عليك .
فسر أبو بكر بمقدمه ، وحمله على ثلاثين بعيرا . وأعطاه سلاحا . فخرج يستعرض المسلم والكافر يقتلهم ويأخذ أموالهم . ويصيب من امتنع منهم . ومعه رجل من بني الشريد . يقال له : نجبة بن أبي الميثاء مع قوم من أهل الردة . فلما بلغ أبا بكر خبره كتب إلى طريفة بن حاجر :
- ص 286 - " بسم الله الرحمن الرحيم . من أبي بكر إلى طريفة ، سلام عليك . أما بعد فإن عدو الله الفجاءة أتاني . فزعم أنه مسلم وسألني : أن أقويه على قتال من ارتد عن الإسلام . فحملته وسلحته وقد انتهى إلي من يقين الخبر أن عدو الله قد استعرض الناس المسلم والمرتد ، يأخذ أموالهم ويقتل من خالفه منهم . فسر إليه بمن معك من المسلمين حتى تقتله أو تأخذه . فتأتيني به " .
فقرأ طريفة الكتاب على قومه . فحشدوا إلى الفجاءة . فقدم عليه ابن المثنى ، فقتل نجبة وهرب منه إلى الفجاءة . ثم زحف طريفة إلى الفجاءة فتصادما . فلما رأى الفجاءة الخلل في أصحابه قال : يا طريفة والله ما كفرت . وإني لمسلم . وما أنت بأولى بأبي بكر مني ، أنت أميره وأنا أميره . قال طريفة : إن كنت صادقا فألق السلاح ، ثم انطلق إلى أبي بكر فأخبره خبرك ، فوضع السلاح فأوثقه طريفة في جامعة ، فقال : لا تفعل ، فقال طريفة : هذا كتاب أبي بكر إلي ، فقال الفجاءة : سمعا وطاعة ، فبعث به في جامعته مع عشرة من بني سليم . فأرسل به أبو بكر إلى بني جشم فحرقته بالنار .
وقدم على أبي بكر - رضي الله عنه - قبيصة - أحد بني الظربان - فذكر أنه مسلم . ولم يرتد فأمره أن يقاتل بمن معه من ارتد فرجع قبيصة . فاجتمع إليه ناس كثير . فخرج يتبع بهم أهل الردة ، يقتلهم حيث وجدهم حتى مر ببيت حميضة بن الحكم الشريدي . فوجده غائبا يجمع أهل الردة . ووجد جارا له مرتدا . فقتله واستاق ماله .
- ص 287 - فلما أتى حميضة أخبره أهله بخبر جاره . فخرج في طلبهم . فأدركهم . فقال قبيصة : قتلت جاري ؟ فقال إن جارك ارتد عن الإسلام .
فقال أمن بين من كفر تعدو على جار لجأ إلي لأمنعه ؟ .
فقال قبيصة : قد كان ذلك . فطعنه حميضة بالرمح . فوقع عن بعيره ثم قتله . وكان قبيصة قد فرق أصحابه قبل أن يلحقه حميضة .
وكتب أبو بكر رضي الله عنه إلى خالد : " إن أظفرك الله ببني حنيفة فأقل اللبث فيهم ، حتى تنحدر إلى بني سليم ، فتطأهم وطأة يعرفون بها ما منعوا . فإنه ليس بطن من العرب أنا أغيظ عليه مني عليهم ، فإن أظفرك الله بهم فلا آلوك فيهم أن تحرقهم بالنار وهول فيهم القتل حتى يكون نكالا لهم " .
وسمعت بنو سليم بإقبال خالد . فاجتمع منهم بشر كثير . واستجلبوا من بقي من العرب ، مرتدا وكان الذي جمعهم أبو شجرة بن عبد العزى فانتهى خالد إلى جمعهم مع الصبح . فصاح خالد في أصحابه وأمرهم بلبس السلاح . ثم صفهم . وصفت بنو سليم . وقد كل المسلمون وعجف كراعهم وخفهم . وجعل خالد يلي القتال بنفسه حتى أثخن فيهم القتل . ثم حمل عليهم حملة واحدة ، فانهزموا . وأسر منهم بشر كثير . ثم حظر لهم الحظائر وحرقهم فيها .
وجرح أبو شجرة يومئذ في المسلمين جراحات كثيرة . وقال في ذلك أبياتا ، منها :
- ص 288 - فرويت رمحي من كتيبة خالد وإني لأرجو بعدها أن أعمرا ثم أسلم ، وجعل يعتذر . ويجحد أن يكون قال البيت المتقدم .
فلما كان زمن عمر رضي الله عنه قدم المدينة ، وأناخ راحلته بصعيد بني قريظة ثم أتى عمر - وهو يقسم بين الفقراء - فقال يا أمير المؤمنين أعطني . فإني ذو حاجة . فقال من أنت ؟ قال أنا أبو شجرة . قال يا عدو الله ألست الذي تقول : فرويت رمحي - البيت ؟ عمر سوء . والله ما عشت لك يا خبيث . ثم جعل يعلوه بالدرة على رأسه حتى سبقه عدوا ، وعمر في طلبه حتى أتى راحلته فارتحلها . ثم اشتد بها في حرة شوران فما استطاع أن يقرب عمر حتى توفي .
وكان إسلامه لا بأس به . وكان إذا ذكر عمر ترحم عليه ويقول : ما رأيت أحدا أهيب من عمر رضي الله عنه .
ذكر ردة أهل البحرين
قال عيسى بن طلحة : لما ارتدت العرب - بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال كسرى : من يكفيني أمر العرب ؟ فقد مات صاحبهم وهم الآن يختلفون بينهم إلا أن يريد الله بقاء ملكهم فيجتمعون على أفضلهم .
قالوا : ندلك على أكمل الرجال مخارق بن النعمان ليس في الناس مثله . وهو من أهل بيت دانت لهم العرب ، وهؤلاء جيرانك ، بكر بن وائل .
فأرسل إليهم . وأخذ منهم ستمائة الأشرف فالأشرف .
وارتد أهل هجر عن الإسلام . فقام الجارود بن المعلى في قومه فقال : - ص 289 - ألستم تعلمون ما كنت عليه من النصرانية ؟ وإني لم آتكم قط إلا بخير وإن الله تعالى بعث نبيه ونعى له نفسه فقال : إنك ميت وإنهم ميتون وقال : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل - الآية .
وفي لفظ أنه قال : ما شهادتكم على موسى ؟ قالوا : نشهد أنه رسول الله . قال : فما شهادتكم على عيسى ؟ قالوا : نشهد أنه رسول الله قال وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله . عاش كما عاشوا ، ومات كما ماتوا . وأتحمل شهادة من أبى أن يشهد على ذلك منكم . فلم يرتد من عبد القيس أحد .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استعمل أبان بن سعيد على البحرين . وعزل العلاء ابن الحضرمي . فقال : أبلغوني مأمني فأشهد أمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأحيا بحياتهم وأموت بموتهم .
فقالوا : لا تفعل فأنت أعز الناس علينا ، وهذا علينا وعليك فيه مقالة يقال : فر من القتال . فأبى . وانطلق في ثلاثمائة رجل يبلغونه المدينة .
فقال له أبو بكر رضي الله عنه : ألا ثبت مع قوم لم يبدلوا ولم يرتدوا ؟ .
فقال : ما كنت لأعمل لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فدعا أبو بكر العلاء بن الحضرمي . فبعثه إلى البحرين في ستة عشر راكبا ، وقال امض فإن أمامك عبد القيس فسار . ومر بثمامة بن أثال فأمده برجال من قومه بني سحيم ثم لحق به .
فنزل العلاء بحصن يقال له جواثا ، وكان مخارق قد نزل بمن معه من بكر ابن وائل حصن المشقر - حصن عظيم لعبد القيس - فسار إليهم العلاء ، فيمن اجتمع إليه . فقاتلهم قتالا شديدا ، حتى كثر القتلى في - ص 290 - الفريقين والجارود بن المعلى بالخط يبعث البعوث إلى العلاء .
وبعث مخارق الحطم بن شريح - أحد بني قيس بن ثعلبة - مرزبان الخط يستمده فأمده بالأساورة . فنزل الحطم ردم القداح - وكان حلف أن لا يشرب الخمر حتى يرى هجرا - وأخذ المرزبان الجارود رهينة عنده .
وسار الحطم وأبجر العجلي حتى حصروا العلاء بجواثا . فقال عبد الله بن حذف ، وكان من صالحي المسلمين :
ألا أبلــــــغ أبـــــا بكـــــر رســـــولا وســـــكان المدينـــــة أجمعينـــــا
فهـــل لكمـــو إلـــى نفـــر يســير قعــــود فــــي جواثــــا محصرينـــا
كـــأن دمـــاءهم فـــي كـــل فـــج شعاع الشمس يغشى الناظرينا
توكلنـــــا علــــى الرحــــمن إنــــا وجدنــــــا النصــــــر للمتوكلينـــــا
فمكثوا على ذلك محصورين فسمع العلاء وأصحابه ذات ليلة لغطا في العسكر فقالوا : لو علمنا أمرهم ؟ فقال عبد الله بن حذف : أنا أعلم لكم علمهم فدلوه بحبل . فأقبل حتى يدخل على أبجر العجلي - وأمه منهم - قال ما جاء بك ؟ لا أنعم الله بك عينا .
قال جاء بي الضر والجوع وأردت اللحاق بأهلي ، فزودني . فقال أفعل على أني أظنك والله غير ذلك . بئس ابن الأخت أنت سائر الليلة . فزوده وأعطاه نعلين . وأخرجه من العسكر وخرج حتى برز . فمضى كأنه لا يريد الحصن حتى أبعد . ثم عطف . فأخذ بالحبل فصعد .
- ص 291 - فقالوا : ما وراءك ؟ قال : تركتهم سكارى ، وقد نزل بهم تجار معهم خمر ، فاشتروا منهم . فإن كان لكم بهم حاجة فالليلة .
فنزلوا إليهم . فبيتوهم فقتلوهم . فلم يفلت منهم أحد .
ووثب الحطم فوضع رجله في الركابات وجعل يقول : من يحملني ؟ فسمعه عبد الله بن حذف . فأقبل يقول : أبا ضبيعة ؟ قال : نعم . قال : أنا أحملك ، فلما دنا منه قتله . وقطعت رجل أبجر العجلي . فمات منها .
وانهزم فلهم فاعتصموا بمفروق الشيباني .
ثم سار العلاء إلى مدينة دارين فقاتلهم قتالا شديدا ، وضيق عليهم . فلما رأى ذلك مخارق ومن معه قالوا : إن خلوا عنا رجعنا من حيث جئنا .
فشاور العلاء أصحابه فأشاروا بتخليتهم . فخرجوا فلحقوا ببلادهم . وطلب أهل دارين الصلح . فصالحهم العلاء على ثلث ما في أيديهم من أموالهم وما كان خارجا منها فهو له .
وطفقت بكر بن وائل تنادي : يا عبد القيس أتاكم مفروق في جماعة بكر بن وائل . فقال عبد الله بن حذف :
لا توعدونــــا بمفــــروق وأســـرته إن يأتنــا يلـق منـا سـنة الحـطم
فــالنخل ظاهرهــا خـيل وباطنهـا خيل تكدس بالفرسان في النعم
وإن ذا الحــي مـن بكـر وإن كـثروا لأمـــة داخــلون النــار فــي أمــم
- ص 292 - ثم سار العلاء إلى الخط ، حتى نزل إلى الساحل فجاءه نصراني فقال ما لي إن دللتك على مخاضة تخوض منها الخيل إلى دارين ؟ قال وما تسألني ؟ قال أهل بيت بدارين قال . هم لك .
فخاض به . فظفر بهم عنوة وسبى أهلها .
وقيل : حبس لهم البحر خاضوه وكانت تجري فيه السفن قبل . ثم جرت بعد .
ويروى : أن العلاء وأصحابه جأروا إلى الله وتضرعوا إليه في حبس البحر فأجاب الله دعاءهم . وكان دعاؤهم " يا أرحم الراحمين . يا كريم يا حليم يا أحد يا صمد يا حي يا محيي الموتى ، يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت يا ربنا " فأجازوا ذلك الخليج بإذن الله جميعا يمشون على مثل رملة . فقال عفيف بن المنذر في ذلك :
ألـــم تـــر أن اللـــه ذلــل بحــره وأنـــزل بالكفـار إحـدى الجـلائل
دعونـا الذي شق البحار فجاءنا بــأعظم من فلق البحار الأوائل
ولما رأى ذلك أهل الردة من أهل البحرين ، صالحوا على ما صالح عليه أهل هجر .
ولما ظهر العلاء على أهل الردة والمجوس : بعث رجالا من عبد القيس إلى أبي بكر رضي الله عنه . فنزلوا على طلحة والزبير رضي الله عنهما . وأخبروهما بقيامهم في أهل الردة . ثم دخلوا على أبي بكر وحضر طلحة والزبير . فقالوا : يا خليفة رسول الله ، إنا قوم أهل إسلام . وليس شيء أحب إلينا من رضاك . ونحن نحب أن تعطينا أرضا من البحر وطواحين .
- ص 293 - وكلمه في ذلك طلحة والزبير ، فأجاب .
وقالوا : اكتب لنا كتابا ، فكتب .
فانطلقوا بالكتاب إلى عمر رضي الله عنه . فلما قرأه : تفل في الكتاب ومحاه .
ودخل طلحة والزبير فقالا : والله ما ندري ، أنت الخليفة أم عمر ؟ . فقال أبو بكر : وما ذاك ؟ فأخبروه . فقال أبو بكر لئن كان عمر كره شيئا من ذلك ، فإني لا أفعله .
فبينما هم على ذلك إذ جاء عمر .
فقال له أبو بكر ما كرهت من هذا ؟
قال : كرهت أن تعطي الخاصة دون العامة . وأنت تقسم على الناس ، فتأبى أن تفضل أهل السابقة وتعطي هؤلاء قيمة عشرين ألفا دون الناس .
فقال أبو بكر : وفقك الله وجزاك خيرا هذا هو الحق .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
قتل الفجاءة وتحريقه
فلما بدا لأبي بكر أن يوجه خالدا ، كتب إلى معن أن يلحق بخالد ، ويستعمل على عمله أخاه طريفة بن حاجر ففعل . وأقام طريفة يكالب من ارتد بمن معه من المسلمين إذ قدم الفجاءة - واسمه إياس بن عبد الله بن عبد ياليل - على أبي بكر . فقال : إني مسلم وقد أردت جهاد من ارتد فاحملني ، فلو كان عندي قوة لم أقدم عليك .
فسر أبو بكر بمقدمه ، وحمله على ثلاثين بعيرا . وأعطاه سلاحا . فخرج يستعرض المسلم والكافر يقتلهم ويأخذ أموالهم . ويصيب من امتنع منهم . ومعه رجل من بني الشريد . يقال له : نجبة بن أبي الميثاء مع قوم من أهل الردة . فلما بلغ أبا بكر خبره كتب إلى طريفة بن حاجر :
- ص 286 - " بسم الله الرحمن الرحيم . من أبي بكر إلى طريفة ، سلام عليك . أما بعد فإن عدو الله الفجاءة أتاني . فزعم أنه مسلم وسألني : أن أقويه على قتال من ارتد عن الإسلام . فحملته وسلحته وقد انتهى إلي من يقين الخبر أن عدو الله قد استعرض الناس المسلم والمرتد ، يأخذ أموالهم ويقتل من خالفه منهم . فسر إليه بمن معك من المسلمين حتى تقتله أو تأخذه . فتأتيني به " .
فقرأ طريفة الكتاب على قومه . فحشدوا إلى الفجاءة . فقدم عليه ابن المثنى ، فقتل نجبة وهرب منه إلى الفجاءة . ثم زحف طريفة إلى الفجاءة فتصادما . فلما رأى الفجاءة الخلل في أصحابه قال : يا طريفة والله ما كفرت . وإني لمسلم . وما أنت بأولى بأبي بكر مني ، أنت أميره وأنا أميره . قال طريفة : إن كنت صادقا فألق السلاح ، ثم انطلق إلى أبي بكر فأخبره خبرك ، فوضع السلاح فأوثقه طريفة في جامعة ، فقال : لا تفعل ، فقال طريفة : هذا كتاب أبي بكر إلي ، فقال الفجاءة : سمعا وطاعة ، فبعث به في جامعته مع عشرة من بني سليم . فأرسل به أبو بكر إلى بني جشم فحرقته بالنار .
وقدم على أبي بكر - رضي الله عنه - قبيصة - أحد بني الظربان - فذكر أنه مسلم . ولم يرتد فأمره أن يقاتل بمن معه من ارتد فرجع قبيصة . فاجتمع إليه ناس كثير . فخرج يتبع بهم أهل الردة ، يقتلهم حيث وجدهم حتى مر ببيت حميضة بن الحكم الشريدي . فوجده غائبا يجمع أهل الردة . ووجد جارا له مرتدا . فقتله واستاق ماله .
- ص 287 - فلما أتى حميضة أخبره أهله بخبر جاره . فخرج في طلبهم . فأدركهم . فقال قبيصة : قتلت جاري ؟ فقال إن جارك ارتد عن الإسلام .
فقال أمن بين من كفر تعدو على جار لجأ إلي لأمنعه ؟ .
فقال قبيصة : قد كان ذلك . فطعنه حميضة بالرمح . فوقع عن بعيره ثم قتله . وكان قبيصة قد فرق أصحابه قبل أن يلحقه حميضة .
وكتب أبو بكر رضي الله عنه إلى خالد : " إن أظفرك الله ببني حنيفة فأقل اللبث فيهم ، حتى تنحدر إلى بني سليم ، فتطأهم وطأة يعرفون بها ما منعوا . فإنه ليس بطن من العرب أنا أغيظ عليه مني عليهم ، فإن أظفرك الله بهم فلا آلوك فيهم أن تحرقهم بالنار وهول فيهم القتل حتى يكون نكالا لهم " .
وسمعت بنو سليم بإقبال خالد . فاجتمع منهم بشر كثير . واستجلبوا من بقي من العرب ، مرتدا وكان الذي جمعهم أبو شجرة بن عبد العزى فانتهى خالد إلى جمعهم مع الصبح . فصاح خالد في أصحابه وأمرهم بلبس السلاح . ثم صفهم . وصفت بنو سليم . وقد كل المسلمون وعجف كراعهم وخفهم . وجعل خالد يلي القتال بنفسه حتى أثخن فيهم القتل . ثم حمل عليهم حملة واحدة ، فانهزموا . وأسر منهم بشر كثير . ثم حظر لهم الحظائر وحرقهم فيها .
وجرح أبو شجرة يومئذ في المسلمين جراحات كثيرة . وقال في ذلك أبياتا ، منها :
- ص 288 - فرويت رمحي من كتيبة خالد وإني لأرجو بعدها أن أعمرا ثم أسلم ، وجعل يعتذر . ويجحد أن يكون قال البيت المتقدم .
فلما كان زمن عمر رضي الله عنه قدم المدينة ، وأناخ راحلته بصعيد بني قريظة ثم أتى عمر - وهو يقسم بين الفقراء - فقال يا أمير المؤمنين أعطني . فإني ذو حاجة . فقال من أنت ؟ قال أنا أبو شجرة . قال يا عدو الله ألست الذي تقول : فرويت رمحي - البيت ؟ عمر سوء . والله ما عشت لك يا خبيث . ثم جعل يعلوه بالدرة على رأسه حتى سبقه عدوا ، وعمر في طلبه حتى أتى راحلته فارتحلها . ثم اشتد بها في حرة شوران فما استطاع أن يقرب عمر حتى توفي .
وكان إسلامه لا بأس به . وكان إذا ذكر عمر ترحم عليه ويقول : ما رأيت أحدا أهيب من عمر رضي الله عنه .
ذكر ردة أهل البحرين
قال عيسى بن طلحة : لما ارتدت العرب - بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال كسرى : من يكفيني أمر العرب ؟ فقد مات صاحبهم وهم الآن يختلفون بينهم إلا أن يريد الله بقاء ملكهم فيجتمعون على أفضلهم .
قالوا : ندلك على أكمل الرجال مخارق بن النعمان ليس في الناس مثله . وهو من أهل بيت دانت لهم العرب ، وهؤلاء جيرانك ، بكر بن وائل .
فأرسل إليهم . وأخذ منهم ستمائة الأشرف فالأشرف .
وارتد أهل هجر عن الإسلام . فقام الجارود بن المعلى في قومه فقال : - ص 289 - ألستم تعلمون ما كنت عليه من النصرانية ؟ وإني لم آتكم قط إلا بخير وإن الله تعالى بعث نبيه ونعى له نفسه فقال : إنك ميت وإنهم ميتون وقال : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل - الآية .
وفي لفظ أنه قال : ما شهادتكم على موسى ؟ قالوا : نشهد أنه رسول الله . قال : فما شهادتكم على عيسى ؟ قالوا : نشهد أنه رسول الله قال وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله . عاش كما عاشوا ، ومات كما ماتوا . وأتحمل شهادة من أبى أن يشهد على ذلك منكم . فلم يرتد من عبد القيس أحد .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استعمل أبان بن سعيد على البحرين . وعزل العلاء ابن الحضرمي . فقال : أبلغوني مأمني فأشهد أمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأحيا بحياتهم وأموت بموتهم .
فقالوا : لا تفعل فأنت أعز الناس علينا ، وهذا علينا وعليك فيه مقالة يقال : فر من القتال . فأبى . وانطلق في ثلاثمائة رجل يبلغونه المدينة .
فقال له أبو بكر رضي الله عنه : ألا ثبت مع قوم لم يبدلوا ولم يرتدوا ؟ .
فقال : ما كنت لأعمل لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فدعا أبو بكر العلاء بن الحضرمي . فبعثه إلى البحرين في ستة عشر راكبا ، وقال امض فإن أمامك عبد القيس فسار . ومر بثمامة بن أثال فأمده برجال من قومه بني سحيم ثم لحق به .
فنزل العلاء بحصن يقال له جواثا ، وكان مخارق قد نزل بمن معه من بكر ابن وائل حصن المشقر - حصن عظيم لعبد القيس - فسار إليهم العلاء ، فيمن اجتمع إليه . فقاتلهم قتالا شديدا ، حتى كثر القتلى في - ص 290 - الفريقين والجارود بن المعلى بالخط يبعث البعوث إلى العلاء .
وبعث مخارق الحطم بن شريح - أحد بني قيس بن ثعلبة - مرزبان الخط يستمده فأمده بالأساورة . فنزل الحطم ردم القداح - وكان حلف أن لا يشرب الخمر حتى يرى هجرا - وأخذ المرزبان الجارود رهينة عنده .
وسار الحطم وأبجر العجلي حتى حصروا العلاء بجواثا . فقال عبد الله بن حذف ، وكان من صالحي المسلمين :
ألا أبلــــــغ أبـــــا بكـــــر رســـــولا وســـــكان المدينـــــة أجمعينـــــا
فهـــل لكمـــو إلـــى نفـــر يســير قعــــود فــــي جواثــــا محصرينـــا
كـــأن دمـــاءهم فـــي كـــل فـــج شعاع الشمس يغشى الناظرينا
توكلنـــــا علــــى الرحــــمن إنــــا وجدنــــــا النصــــــر للمتوكلينـــــا
فمكثوا على ذلك محصورين فسمع العلاء وأصحابه ذات ليلة لغطا في العسكر فقالوا : لو علمنا أمرهم ؟ فقال عبد الله بن حذف : أنا أعلم لكم علمهم فدلوه بحبل . فأقبل حتى يدخل على أبجر العجلي - وأمه منهم - قال ما جاء بك ؟ لا أنعم الله بك عينا .
قال جاء بي الضر والجوع وأردت اللحاق بأهلي ، فزودني . فقال أفعل على أني أظنك والله غير ذلك . بئس ابن الأخت أنت سائر الليلة . فزوده وأعطاه نعلين . وأخرجه من العسكر وخرج حتى برز . فمضى كأنه لا يريد الحصن حتى أبعد . ثم عطف . فأخذ بالحبل فصعد .
- ص 291 - فقالوا : ما وراءك ؟ قال : تركتهم سكارى ، وقد نزل بهم تجار معهم خمر ، فاشتروا منهم . فإن كان لكم بهم حاجة فالليلة .
فنزلوا إليهم . فبيتوهم فقتلوهم . فلم يفلت منهم أحد .
ووثب الحطم فوضع رجله في الركابات وجعل يقول : من يحملني ؟ فسمعه عبد الله بن حذف . فأقبل يقول : أبا ضبيعة ؟ قال : نعم . قال : أنا أحملك ، فلما دنا منه قتله . وقطعت رجل أبجر العجلي . فمات منها .
وانهزم فلهم فاعتصموا بمفروق الشيباني .
ثم سار العلاء إلى مدينة دارين فقاتلهم قتالا شديدا ، وضيق عليهم . فلما رأى ذلك مخارق ومن معه قالوا : إن خلوا عنا رجعنا من حيث جئنا .
فشاور العلاء أصحابه فأشاروا بتخليتهم . فخرجوا فلحقوا ببلادهم . وطلب أهل دارين الصلح . فصالحهم العلاء على ثلث ما في أيديهم من أموالهم وما كان خارجا منها فهو له .
وطفقت بكر بن وائل تنادي : يا عبد القيس أتاكم مفروق في جماعة بكر بن وائل . فقال عبد الله بن حذف :
لا توعدونــــا بمفــــروق وأســـرته إن يأتنــا يلـق منـا سـنة الحـطم
فــالنخل ظاهرهــا خـيل وباطنهـا خيل تكدس بالفرسان في النعم
وإن ذا الحــي مـن بكـر وإن كـثروا لأمـــة داخــلون النــار فــي أمــم
- ص 292 - ثم سار العلاء إلى الخط ، حتى نزل إلى الساحل فجاءه نصراني فقال ما لي إن دللتك على مخاضة تخوض منها الخيل إلى دارين ؟ قال وما تسألني ؟ قال أهل بيت بدارين قال . هم لك .
فخاض به . فظفر بهم عنوة وسبى أهلها .
وقيل : حبس لهم البحر خاضوه وكانت تجري فيه السفن قبل . ثم جرت بعد .
ويروى : أن العلاء وأصحابه جأروا إلى الله وتضرعوا إليه في حبس البحر فأجاب الله دعاءهم . وكان دعاؤهم " يا أرحم الراحمين . يا كريم يا حليم يا أحد يا صمد يا حي يا محيي الموتى ، يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت يا ربنا " فأجازوا ذلك الخليج بإذن الله جميعا يمشون على مثل رملة . فقال عفيف بن المنذر في ذلك :
ألـــم تـــر أن اللـــه ذلــل بحــره وأنـــزل بالكفـار إحـدى الجـلائل
دعونـا الذي شق البحار فجاءنا بــأعظم من فلق البحار الأوائل
ولما رأى ذلك أهل الردة من أهل البحرين ، صالحوا على ما صالح عليه أهل هجر .
ولما ظهر العلاء على أهل الردة والمجوس : بعث رجالا من عبد القيس إلى أبي بكر رضي الله عنه . فنزلوا على طلحة والزبير رضي الله عنهما . وأخبروهما بقيامهم في أهل الردة . ثم دخلوا على أبي بكر وحضر طلحة والزبير . فقالوا : يا خليفة رسول الله ، إنا قوم أهل إسلام . وليس شيء أحب إلينا من رضاك . ونحن نحب أن تعطينا أرضا من البحر وطواحين .
- ص 293 - وكلمه في ذلك طلحة والزبير ، فأجاب .
وقالوا : اكتب لنا كتابا ، فكتب .
فانطلقوا بالكتاب إلى عمر رضي الله عنه . فلما قرأه : تفل في الكتاب ومحاه .
ودخل طلحة والزبير فقالا : والله ما ندري ، أنت الخليفة أم عمر ؟ . فقال أبو بكر : وما ذاك ؟ فأخبروه . فقال أبو بكر لئن كان عمر كره شيئا من ذلك ، فإني لا أفعله .
فبينما هم على ذلك إذ جاء عمر .
فقال له أبو بكر ما كرهت من هذا ؟
قال : كرهت أن تعطي الخاصة دون العامة . وأنت تقسم على الناس ، فتأبى أن تفضل أهل السابقة وتعطي هؤلاء قيمة عشرين ألفا دون الناس .
فقال أبو بكر : وفقك الله وجزاك خيرا هذا هو الحق .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ام دهب و مصطفى- عضو برونزى
- الجنس :
عدد المساهمات : 2052
نقاط : 2812
تاريخ التسجيل : 08/02/2013
رد: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
ذكر ردة أهل دبا وأزد عمان
وذلك : أنهم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمين . فبعث إليهم مصدقا يقال له : حذيفة بن محصن البارقي ثم الأزدي . من أهل دبا . وأمره " أن يأخذ الصدقة من أغنيائهم . ويردها على فقرائهم " ففعل ذلك حذيفة .
- ص 294 - فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم منعوا الصدقة وارتدوا . فدعاهم حذيفة إلى التوبة . فأبوا . وجعلوا يرتجزون :
لقد أتانا خبر ردي
أمست قريش كلها نبي
ظلم لعمر الله عبقري
فكتب حذيفة إلى أبي بكر بأمرهم . فاغتاظ غيظا شديدا ، وقال " من لهؤلاء ؟ ويل لهم " .
ثم بعث إليهم عكرمة بن أبي جهل - وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد استعمله على سفلي بني عامر بن صعصعة مصدقا - فلما بلغته وفاة النبي صلى الله عليه وسلم انحاز إلى تبالة في أناس من العرب ، ثبتوا على الإسلام . وكان مقيما بتبالة في أرض كعب بن ربيعة .
فجاءه كتاب أبي بكر : " سر فيمن قبلك من المسلمين إلى أهل دبا " .
فسار عكرمة في نحو ألفين من المسلمين . وكان رأس أهل الردة : لقيط بن مالك الأزدي فلما بلغه مسير عكرمة ، بعث ألف رجل من الأزد يلقونه . وبلغ عكرمة : أنهم جموع كثيرة . فبعث طليعة . وكان للعدو أيضا طليعة . فالتقت الطليعتان . فتناوشوا ساعة ثم انكشف أصحاب لقيط . وقتل منهم نحو مائة رجل . وبعث أصحاب عكرمة فارسا بخبره . فأسرع عكرمة حتى لحق طليعته . ثم زحفوا جميعا . وسار على تعبئة حتى أدرك القوم . فاقتتلوا ساعة . ثم هزمهم عكرمة ، وأكثر فيهم القتل . ورجع فلهم إلى لقيط بن مالك ، فأخبروه أن عكرمة مقبل .
- ص 295 - فقوي جانب حذيفة ومن معه من المسلمين فناهضهم . وجاء عكرمة . فقاتل معهم . فانهزم العدو حتى دخلوا مدينة دبا . فحصرهم المسلمون شهرا . وشق عليهم الحصار إذ لم يكونوا قد أخذوا له أهبة .
فأرسلوا إلى حذيفة . يسألونه الصلح . فقال : لا ، إلا بين حرب مجلية أو سلم مخزية . قالوا : أما الحرب المجلية ، فقد عرفناها ، فما السلم المخزية ؟ قال : تشهدون أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ، وأن كل ما أخذناه منكم فهو لنا ، وما أخذتموه فهو رد لنا . وأنا على حق وأنتم على باطل وكفر ، ونحكم فيكم بما رأينا . فأقروا بذلك .
فقال : اخرجوا عزلا ، لا سلاح معكم ففعلوا . فدخل المسلمون حصنهم . فقال حذيفة : إني قد حكمت فيكم ، أن أقتل أشرافكم وأسبي ذراريكم .
فقتل من أشرافهم مائة رجل وسبى ذراريهم .
وقدم حذيفة بسبيهم المدينة . وهم ثلاثمائة من المقاتلة وأربعمائة من الذرية والنساء .
وأقام عكرمة بدبا عاملا عليها لأبي بكر .
فلما قدم حذيفة بسبيهم أنزلهم أبو بكر رضي الله عنه دار رملة بنت الحارث ، وهو يريد أن يقتل من بقي من المقاتلة . والقوم يقولون : والله ما رجعنا عن الإسلام ولكن شححنا على أموالنا ، فيأبى أبو بكر أن يدعهم بهذا القول . وكلمه فيهم عمر . وكان الرأي أن لا يسبوا .
فلم يزالوا موقوفين في دار رملة حتى مات أبو بكر . فدعاهم عمر ، - ص 296 - فقال : انطلقوا إلى أي بلاد شئتم . فأنتم قوم أحرار .
فخرجوا حتى نزلوا البصرة .
وكان فيهم أبو صفرة - والد الملهب - وهو غلام يومئذ .
ولما قدم غزو أهل دبا أعطاهم أبو بكر خمسة دنانير خمسة دنانير .
ص 297 - السنة الثانية عشرة
مسير خالد إلى العراق
ولما دخلت السنة الثانية من خلافة أبي بكر رضي الله عنه وهي سنة اثني عشر من الهجرة كتب إلى خالد : " إذا فرغت من اليمامة فسر إلى العراق ، فقد وليتك حرب فارس " .
فسار إليه في بضعة وثلاثين ألفا . فصالح أهل السواد . ثم سار إلى الأبلة . وخرج كسرى في مائة وعشرين ألفا . فالتقى مع خالد فهزم الله المشركين من الفرس . وكتب خالد إلى كسرى : " أما بعد ، فأسلموا تسلموا ، وإلا فأدوا الجزية وإلا فقد جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة " فصالحوه .
وفيها حج أبو بكر رضي الله عنه بالناس ثم رجع إلى المدينة .
حوادث السنة الثالثة عشرة
ثم دخلت سنة ثلاث عشرة .
فبعث أبو بكر رضي الله عنه الجنود إلى الشام . وأمر عليهم يزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة عامر بن الجراح ، وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص . ونزلت الروم بأعلى فلسطين في سبعين ألفا .
فكتبوا إلى أبي بكر يخبرونه ويستمدونه . فأمر خالدا - وهو بالحيرة - أن يمد أهل الشام بمن معه من أهل القوة ويستخلف على ضعفة الناس رجلا منهم .
- ص 298 - فسار خالد بأهل القوة ورد الضعفة إلى المدينة .
واستخلف على من أسلم بالعراق المثنى بن حارثة .
وسار حتى وصل إلى الشام ، ففتحوا بصرى . وهي أول مدينة فتحت .
ثم اجتمع المشركون من الروم ، فانحاز المسلمون إلى أجنادين ، فكانت الوقعة المشهورة وكان النصر للمسلمين .
موت الصديق رضي الله عنه
وفي هذه السنة مات الصديق ، ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة مضت من جمادى الآخرة .
وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر واثنتين وعشر ليال .
واستخلف على الناس عمر بن الخطاب . وقال : " اللهم إني وليتهم خيرهم ولم أرد بذلك إلا إصلاحهم ، ولم أرد محاباة عمر . فاخلفني فيهم . فهم عبادك ، ونواصيهم بيدك ، أصلح لهم واليهم واجعله من خلفائك الراشدين يتبع هدي نبيه صلى الله عليه وسلم . وأصلح له رعيته " .
ثم دعاه . فقال : " يا عمر ، إن لله حقا في الليل لا يقبله في النهار ، وحقا في النهار لا يقبله في الليل . وإنها لا تقبل نافلة حتى تؤدى فريضة . وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه باتباعهم الحق وثقله عليهم . وحق لميزان لا يوضع فيه غير الحق غدا أن يكون ثقيلا . فإذا حفظت وصيتي ، لم يكن غائب أحب إليك من الموت . وهو نازل بك . وإن ضيعتها ، فلا غائب أكره إليك منه ولست تعجزه " .
وورث منه أبوه أبو قحافة السدس .
- ص 299 - ولما ورد كتاب أبي بكر رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد باستخلاف عمر بايعوه .
ثم ساروا إلى " فحل " بناحية الأردن . وقد اجتمع بها الروم . فكانت وقعة " فحل " المشهورة ونصر الله المسلمين . وانحاز المشركون إلى دمشق .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
ذكر ردة أهل دبا وأزد عمان
وذلك : أنهم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمين . فبعث إليهم مصدقا يقال له : حذيفة بن محصن البارقي ثم الأزدي . من أهل دبا . وأمره " أن يأخذ الصدقة من أغنيائهم . ويردها على فقرائهم " ففعل ذلك حذيفة .
- ص 294 - فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم منعوا الصدقة وارتدوا . فدعاهم حذيفة إلى التوبة . فأبوا . وجعلوا يرتجزون :
لقد أتانا خبر ردي
أمست قريش كلها نبي
ظلم لعمر الله عبقري
فكتب حذيفة إلى أبي بكر بأمرهم . فاغتاظ غيظا شديدا ، وقال " من لهؤلاء ؟ ويل لهم " .
ثم بعث إليهم عكرمة بن أبي جهل - وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد استعمله على سفلي بني عامر بن صعصعة مصدقا - فلما بلغته وفاة النبي صلى الله عليه وسلم انحاز إلى تبالة في أناس من العرب ، ثبتوا على الإسلام . وكان مقيما بتبالة في أرض كعب بن ربيعة .
فجاءه كتاب أبي بكر : " سر فيمن قبلك من المسلمين إلى أهل دبا " .
فسار عكرمة في نحو ألفين من المسلمين . وكان رأس أهل الردة : لقيط بن مالك الأزدي فلما بلغه مسير عكرمة ، بعث ألف رجل من الأزد يلقونه . وبلغ عكرمة : أنهم جموع كثيرة . فبعث طليعة . وكان للعدو أيضا طليعة . فالتقت الطليعتان . فتناوشوا ساعة ثم انكشف أصحاب لقيط . وقتل منهم نحو مائة رجل . وبعث أصحاب عكرمة فارسا بخبره . فأسرع عكرمة حتى لحق طليعته . ثم زحفوا جميعا . وسار على تعبئة حتى أدرك القوم . فاقتتلوا ساعة . ثم هزمهم عكرمة ، وأكثر فيهم القتل . ورجع فلهم إلى لقيط بن مالك ، فأخبروه أن عكرمة مقبل .
- ص 295 - فقوي جانب حذيفة ومن معه من المسلمين فناهضهم . وجاء عكرمة . فقاتل معهم . فانهزم العدو حتى دخلوا مدينة دبا . فحصرهم المسلمون شهرا . وشق عليهم الحصار إذ لم يكونوا قد أخذوا له أهبة .
فأرسلوا إلى حذيفة . يسألونه الصلح . فقال : لا ، إلا بين حرب مجلية أو سلم مخزية . قالوا : أما الحرب المجلية ، فقد عرفناها ، فما السلم المخزية ؟ قال : تشهدون أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ، وأن كل ما أخذناه منكم فهو لنا ، وما أخذتموه فهو رد لنا . وأنا على حق وأنتم على باطل وكفر ، ونحكم فيكم بما رأينا . فأقروا بذلك .
فقال : اخرجوا عزلا ، لا سلاح معكم ففعلوا . فدخل المسلمون حصنهم . فقال حذيفة : إني قد حكمت فيكم ، أن أقتل أشرافكم وأسبي ذراريكم .
فقتل من أشرافهم مائة رجل وسبى ذراريهم .
وقدم حذيفة بسبيهم المدينة . وهم ثلاثمائة من المقاتلة وأربعمائة من الذرية والنساء .
وأقام عكرمة بدبا عاملا عليها لأبي بكر .
فلما قدم حذيفة بسبيهم أنزلهم أبو بكر رضي الله عنه دار رملة بنت الحارث ، وهو يريد أن يقتل من بقي من المقاتلة . والقوم يقولون : والله ما رجعنا عن الإسلام ولكن شححنا على أموالنا ، فيأبى أبو بكر أن يدعهم بهذا القول . وكلمه فيهم عمر . وكان الرأي أن لا يسبوا .
فلم يزالوا موقوفين في دار رملة حتى مات أبو بكر . فدعاهم عمر ، - ص 296 - فقال : انطلقوا إلى أي بلاد شئتم . فأنتم قوم أحرار .
فخرجوا حتى نزلوا البصرة .
وكان فيهم أبو صفرة - والد الملهب - وهو غلام يومئذ .
ولما قدم غزو أهل دبا أعطاهم أبو بكر خمسة دنانير خمسة دنانير .
ص 297 - السنة الثانية عشرة
مسير خالد إلى العراق
ولما دخلت السنة الثانية من خلافة أبي بكر رضي الله عنه وهي سنة اثني عشر من الهجرة كتب إلى خالد : " إذا فرغت من اليمامة فسر إلى العراق ، فقد وليتك حرب فارس " .
فسار إليه في بضعة وثلاثين ألفا . فصالح أهل السواد . ثم سار إلى الأبلة . وخرج كسرى في مائة وعشرين ألفا . فالتقى مع خالد فهزم الله المشركين من الفرس . وكتب خالد إلى كسرى : " أما بعد ، فأسلموا تسلموا ، وإلا فأدوا الجزية وإلا فقد جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة " فصالحوه .
وفيها حج أبو بكر رضي الله عنه بالناس ثم رجع إلى المدينة .
حوادث السنة الثالثة عشرة
ثم دخلت سنة ثلاث عشرة .
فبعث أبو بكر رضي الله عنه الجنود إلى الشام . وأمر عليهم يزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة عامر بن الجراح ، وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص . ونزلت الروم بأعلى فلسطين في سبعين ألفا .
فكتبوا إلى أبي بكر يخبرونه ويستمدونه . فأمر خالدا - وهو بالحيرة - أن يمد أهل الشام بمن معه من أهل القوة ويستخلف على ضعفة الناس رجلا منهم .
- ص 298 - فسار خالد بأهل القوة ورد الضعفة إلى المدينة .
واستخلف على من أسلم بالعراق المثنى بن حارثة .
وسار حتى وصل إلى الشام ، ففتحوا بصرى . وهي أول مدينة فتحت .
ثم اجتمع المشركون من الروم ، فانحاز المسلمون إلى أجنادين ، فكانت الوقعة المشهورة وكان النصر للمسلمين .
موت الصديق رضي الله عنه
وفي هذه السنة مات الصديق ، ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة مضت من جمادى الآخرة .
وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر واثنتين وعشر ليال .
واستخلف على الناس عمر بن الخطاب . وقال : " اللهم إني وليتهم خيرهم ولم أرد بذلك إلا إصلاحهم ، ولم أرد محاباة عمر . فاخلفني فيهم . فهم عبادك ، ونواصيهم بيدك ، أصلح لهم واليهم واجعله من خلفائك الراشدين يتبع هدي نبيه صلى الله عليه وسلم . وأصلح له رعيته " .
ثم دعاه . فقال : " يا عمر ، إن لله حقا في الليل لا يقبله في النهار ، وحقا في النهار لا يقبله في الليل . وإنها لا تقبل نافلة حتى تؤدى فريضة . وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه باتباعهم الحق وثقله عليهم . وحق لميزان لا يوضع فيه غير الحق غدا أن يكون ثقيلا . فإذا حفظت وصيتي ، لم يكن غائب أحب إليك من الموت . وهو نازل بك . وإن ضيعتها ، فلا غائب أكره إليك منه ولست تعجزه " .
وورث منه أبوه أبو قحافة السدس .
- ص 299 - ولما ورد كتاب أبي بكر رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد باستخلاف عمر بايعوه .
ثم ساروا إلى " فحل " بناحية الأردن . وقد اجتمع بها الروم . فكانت وقعة " فحل " المشهورة ونصر الله المسلمين . وانحاز المشركون إلى دمشق .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ام دهب و مصطفى- عضو برونزى
- الجنس :
عدد المساهمات : 2052
نقاط : 2812
تاريخ التسجيل : 08/02/2013
رد: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
وادث السنة الرابعة عشرة
ثم دخلت السنة الرابعة عشرة :
وفيها : ساروا إلى دمشق وعليهم خالد . فأتى كتاب عمر رضي الله عنه بعزل خالد وتأمير أبي عبيدة بن الجراح .
وفيها : أمر عمر بصلاة التراويح جماعة وقدم جرير بن عبد الله في ركب من بجيلة ، فأشار عليه عمر بالخروج إلى العراق ، فسار بهم جرير إلى العراق . فلما قرب من المثنى بن حارثة كتب إليه : " أقبل فإنما أنت مدد لي " .
فقال جرير : أنت أمير وأنا أمير . ثم اجتمعا . فكانت وقعة البويب المشهورة .
ثم إن عمر أمر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه على العراق ، وكتب له وأوصاه فقال : " يا سعد بن وهيب لا يغرنك من الله أن قيل خال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه . فإن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن . وإن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا بطاعته . فالناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء . الله ربهم وهم عباده . يتفاضلون بالعافية . ويدركون ما عند الله بالطاعة . فانظر الأمر الذي رأيت عليه - ص 300 - رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بعث إلى أن فارقنا . فالزمه . فإنه الأمر " وكتب إلى المثنى وجرير : أن يجتمعا إليه ، فسار سعد بمن معه . فنزل بشراف واجتمع إليه الناس .
حوادث السنة الخامسة عشرة
ثم دخلت السنة الخامسة عشرة .
فتح القادسية
فلما انحسر الشتاء سار سعد إلى القادسية ، وكتب إلى عمر يستمده . فبعث إليه المغيرة بن شعبة ، في جيش من أهل المدينة . وكتب إلى أبي عبيدة أن يمده بألف .
وسمع بذلك رستم بن الفرخزاد . فخرج بنفسه في مائة وعشرين ألفا ، سوى التبع والرقيق حتى نزل القادسية . وبينه وبين المسلمين جسر القادسية ، وقيل : كانوا ثلاثمائة ألف ومعهم ثلاثة وثلاثون فيلا . واجتمع المسلمون حتى صاروا ثلاثين ألفا . فكانت وقعة القادسية المشهورة التي نصر الله فيها المسلمين . وهزم المشركين .
فلما هزم الله الفرس ، كتب عمر إلى سعد " أن أعد للمسلمين دار هجرة . وإنه لا يصلح للعرب إلا حيث يصلح للبعير والشاه وفي منابت العشب . فانظر فلاة إلى جانب بحر " .
فبعث سعد عثمان بن حنيف فارتاد لهم موضع الكوفة اليوم فنزلها سعد بالناس . ثم كتب عمر إلى سعد " أن ابعث إلى أرض الهند - يريد البصرة - جندا فلينزلوها " .
- ص 301 - فبعث إليها عتبة بن غزوان في ثلاثمائة رجل حتى نزلوها . وهو الذي بصر البصرة .
وفي هذه السنة كانت وقعة اليرموك المشهورة بالشام .
وخرج عمر إلى الشام ، ونزل الجابية . فصالح نصارى بيت المقدس - وكانوا قد أبوا أن يجيبوا إلى الصلح مع أبي عبيدة ، حتى يكون عمر يعقدون الصلح معه - فصالحهم . واشترط عليهم إجلاء الروم إلى ثلاث . واجتمع إليه أمراء الأجناد .
فلما رجع إلى المدينة وضع الديوان . فأعطى العطايا على مقدار السابقة . فبدأ بالعباس حرمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم بالأقرب فالأقرب .
حوادث السنة السادسة عشرة
ثم دخلت السنة السادسة عشرة .
فيها كتب عمر التاريخ . واستشار الصحابة في مبدئه . فمنهم من قال نبدأ من بدء النبوة . ومنهم من قال من الوفاة ، ومنهم من قال من الهجرة . فجعله من الهجرة .
حوادث السنة السابعة عشرة
ثم دخلت السنة السابعة عشرة :
فكان فيها فتوح كثيرة شرقا وغربا .
وفيها فتحت تستر ، التي وجد فيها جسد دانيال عليه السلام . وكان المشركون يستسقون به .
- ص 302 - وفيها : تزوج عمر أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهم طلبا لصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حوادث السنة الثامنة عشرة
ثم دخلت السنة الثامنة عشرة :
فيها : أصاب الناس مجاعة شديدة . وتسمى عام الرمادة لكثرة ما هلك فيها من الناس والبهائم جوعا . فاستسقى عمر بالناس . وسأل العباس أن يدعو الله ويؤمن عمر والناس على دعائه . فأزال الله القحط .
وفيها وقع طاعون عمواس بالشام وقد هلك فيه خمسة وعشرون ألفا . ومات فيه أبو عبيدة عامر بن الجراح ومعاذ بن جبل ويزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهم .
فلما بلغ عمر موتهم أمر على الشام معاوية بن أبي سفيان .
حوادث السنة التاسعة عشرة
ثم دخلت السنة التاسعة عشرة :
فتح فيها فتوح كثيرة شرقا وغربا .
حوادث السنة العشرين
ثم دخلت السنة العشرون :
وفيها : فتحت مصر والإسكندرية .
وفيها : أجلى عمر رضي الله عنه اليهود من الحجاز إلى أذرعات وغيرها .
- ص 303 - حوادث السنة الحادية والعشرين
ثم دخلت السنة الحادية والعشرون :
وفيها كان فتح نهاوند وأميرها النعمان بن مقرن ، وقتل يومئذ .
وفيها : مات خالد بن الوليد رضي الله عنه بحمص .
وفيها : مات عمرو بن معدي كرب ، وطليحة بن خويلد الأسدي - الذي كان تنبأ . ثم أسلم وحسن إسلامه ، وأبلى في قتال الفرس بلاء حسنا - قتلا مع النعمان بن مقرن بنهاوند .
حوادث السنة الثانية والعشرين
ثم دخلت السنة الثانية والعشرون :
وفيها : دخل الأحنف بن قيس خراسان ، وحارب يزدجرد آخر ملوك الفرس . فهزمه الله فيها .
وفيها : اعتمر عمر . فتلقاه نافع بن الحارث - وكان عامله على مكة - فقال له عمر من خلفت ؟ قال ابن أبزى ، قال عمر : ومن ابن أبزى ؟ قال مولى لنا . قال ومولى أيضا ؟ قال : إنه قارئ للقرآن عالم بالفرائض . فقال عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله يرفع بهذا القرآن أقواما ويضع به آخرين .
حوادث السنة الثالثة والعشرين
ثم دخلت السنة الثالثة والعشرون :
وفيها : قتل عمر رضي الله عنه . في صلاة الصبح من يوم الأربعاء لأربع - ص 304 - ليال بقين من ذي الحجة . ودفن يوم الأحد هلال المحرم سنة أربع وعشرين .
ولما رجع من الحج في آخرها قام خطيبا . فقال : " إني رأيت كأن ديكا أحمر نقرني نقرتين أو ثلاثا ، ولا أرى في ذلك إلا حضور أجلي " .
ثم خرج إلى السوق فلقيه أبو لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة . وكان صانعا يعمل الأرحاء . فقال له : ألا تكلم مولاي يضع عني من خراجي ؟ قال : وكم خراجك ؟ قال : دينار قال إنك لعامل محسن ، فقال : وسع الناس عدلك وضاق بي ، وأضمر قتل عمر . فاصطنع له خنجرا ذا حدين وشحذه وسمه . ثم أتى به الهرمزان . فقال كيف ترى هذا ؟ قال أرى أنك لا تضرب به أحدا إلا قتله .
فلما كبر عمر رضي الله عنه في صلاة الصبح طعنه ثلاث طعنات . وقصة مقتله في الصحيحين .
وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر وأربع ليال أو خمس ، وبموته انفتح باب الفتنة إلى اليوم .
وقال عبد الله بن سلام لعمر رضي الله عنهما : إني أرى في التوراة : أنك باب من أبواب جهنم ، قال : فسر لي قال : أنت باب من أبوابها مغلقا ، لئلا يقتحمها الناس فإذا مت انفتح .
وفتح الله على يديه من بلاد الكفار ألفا وستة وثلاثين مدينة ، وخرب أربعة آلاف بيعة وكنيسة ، وبنى أربعة آلاف مسجد ، ودون الدواوين ، ومصر الأمصار ووضع الخراج وأرخ التاريخ .
وله الفضائل المشهورة والسوابق المأثورة . رحمه الله ورضي عنه .
- ص 305 - حوادث سنة أربع وعشرين
ثم دخلت السنة الرابعة والعشرون :
فاستخلف فيها عثمان بن عفان رضي الله عنه . لغرة هلال المحرم - أو لثلاث من المحرم - بعد دفن عمر بثلاثة أيام .
أسلم قديما . وكان من ذوي السابقة ومن ذوي الشرف والعلم . هاجر الهجرتين ، وصلى القبلتين ، وزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الابنتين . ولم ينكح ابنتي نبي من آدم إلى قيام الساعة غيره . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدمه ويستحي منه ، ويقول : ما لي لا أستحي ممن تستحي منه ملائكة السماء .
وفي هذه السنة توفي سراقة بن مالك ، وأم الفضل زوجة العباس وأم أيمن بركة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ورضي الله عنهم .
حوادث سنة خمس وعشرين
ثم دخلت السنة الخامسة والعشرون .
فتوفي فيها عبد الله بن أم مكتوم المؤذن ، وعمير بن وهب بن خلف الجمحي الذي حزر المسلمين يوم بدر . ثم تعاهد هو وصفوان بن خلف الجمحي على اغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذهب إلى المدينة بدعوى افتداء ابنه وهب الذي كان أسر يوم بدر . فلما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قص عليه رسول الله ما تعاهد هو وصفوان عليه . فشهد شهادة الحق وأسلم .
وفيها توفي عروة بن حزام العاشق .
- ص 306 - حوادث سنة ست وعشرين
ثم دخلت السنة السادسة والعشرون :
وفيها غزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح إفريقية ومعه العبادلة - عبد الله بن نافع بن قيس ، وعبد الله بن نافع بن الحصين وعبد الله بن الزبير - فلقي جرجس ملك البربر في مائتي ألف . فقتل جرجس قتله عبد الله بن الزبير . وفتح الله على المسلمين .
وفيها : مات خارجة بن زيد الأنصاري الذي تكلم بعد الموت . وكان من كلامه : خلت ليلتان . وبقيت أربع ، بئر أريس وما بئر أريس ؟ .
وفيها اعتمر عثمان فكلمه أهل مكة أن يحول الساحل إلى جدة . وقالوا : هي أقرب إلى مكة وأوسع . وكانوا يرسون قبل ذلك في الشعيبة . فخرج عثمان إلى جدة فرآها ، وحول الساحل إليها .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
وادث السنة الرابعة عشرة
ثم دخلت السنة الرابعة عشرة :
وفيها : ساروا إلى دمشق وعليهم خالد . فأتى كتاب عمر رضي الله عنه بعزل خالد وتأمير أبي عبيدة بن الجراح .
وفيها : أمر عمر بصلاة التراويح جماعة وقدم جرير بن عبد الله في ركب من بجيلة ، فأشار عليه عمر بالخروج إلى العراق ، فسار بهم جرير إلى العراق . فلما قرب من المثنى بن حارثة كتب إليه : " أقبل فإنما أنت مدد لي " .
فقال جرير : أنت أمير وأنا أمير . ثم اجتمعا . فكانت وقعة البويب المشهورة .
ثم إن عمر أمر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه على العراق ، وكتب له وأوصاه فقال : " يا سعد بن وهيب لا يغرنك من الله أن قيل خال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه . فإن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن . وإن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا بطاعته . فالناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء . الله ربهم وهم عباده . يتفاضلون بالعافية . ويدركون ما عند الله بالطاعة . فانظر الأمر الذي رأيت عليه - ص 300 - رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بعث إلى أن فارقنا . فالزمه . فإنه الأمر " وكتب إلى المثنى وجرير : أن يجتمعا إليه ، فسار سعد بمن معه . فنزل بشراف واجتمع إليه الناس .
حوادث السنة الخامسة عشرة
ثم دخلت السنة الخامسة عشرة .
فتح القادسية
فلما انحسر الشتاء سار سعد إلى القادسية ، وكتب إلى عمر يستمده . فبعث إليه المغيرة بن شعبة ، في جيش من أهل المدينة . وكتب إلى أبي عبيدة أن يمده بألف .
وسمع بذلك رستم بن الفرخزاد . فخرج بنفسه في مائة وعشرين ألفا ، سوى التبع والرقيق حتى نزل القادسية . وبينه وبين المسلمين جسر القادسية ، وقيل : كانوا ثلاثمائة ألف ومعهم ثلاثة وثلاثون فيلا . واجتمع المسلمون حتى صاروا ثلاثين ألفا . فكانت وقعة القادسية المشهورة التي نصر الله فيها المسلمين . وهزم المشركين .
فلما هزم الله الفرس ، كتب عمر إلى سعد " أن أعد للمسلمين دار هجرة . وإنه لا يصلح للعرب إلا حيث يصلح للبعير والشاه وفي منابت العشب . فانظر فلاة إلى جانب بحر " .
فبعث سعد عثمان بن حنيف فارتاد لهم موضع الكوفة اليوم فنزلها سعد بالناس . ثم كتب عمر إلى سعد " أن ابعث إلى أرض الهند - يريد البصرة - جندا فلينزلوها " .
- ص 301 - فبعث إليها عتبة بن غزوان في ثلاثمائة رجل حتى نزلوها . وهو الذي بصر البصرة .
وفي هذه السنة كانت وقعة اليرموك المشهورة بالشام .
وخرج عمر إلى الشام ، ونزل الجابية . فصالح نصارى بيت المقدس - وكانوا قد أبوا أن يجيبوا إلى الصلح مع أبي عبيدة ، حتى يكون عمر يعقدون الصلح معه - فصالحهم . واشترط عليهم إجلاء الروم إلى ثلاث . واجتمع إليه أمراء الأجناد .
فلما رجع إلى المدينة وضع الديوان . فأعطى العطايا على مقدار السابقة . فبدأ بالعباس حرمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم بالأقرب فالأقرب .
حوادث السنة السادسة عشرة
ثم دخلت السنة السادسة عشرة .
فيها كتب عمر التاريخ . واستشار الصحابة في مبدئه . فمنهم من قال نبدأ من بدء النبوة . ومنهم من قال من الوفاة ، ومنهم من قال من الهجرة . فجعله من الهجرة .
حوادث السنة السابعة عشرة
ثم دخلت السنة السابعة عشرة :
فكان فيها فتوح كثيرة شرقا وغربا .
وفيها فتحت تستر ، التي وجد فيها جسد دانيال عليه السلام . وكان المشركون يستسقون به .
- ص 302 - وفيها : تزوج عمر أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهم طلبا لصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حوادث السنة الثامنة عشرة
ثم دخلت السنة الثامنة عشرة :
فيها : أصاب الناس مجاعة شديدة . وتسمى عام الرمادة لكثرة ما هلك فيها من الناس والبهائم جوعا . فاستسقى عمر بالناس . وسأل العباس أن يدعو الله ويؤمن عمر والناس على دعائه . فأزال الله القحط .
وفيها وقع طاعون عمواس بالشام وقد هلك فيه خمسة وعشرون ألفا . ومات فيه أبو عبيدة عامر بن الجراح ومعاذ بن جبل ويزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهم .
فلما بلغ عمر موتهم أمر على الشام معاوية بن أبي سفيان .
حوادث السنة التاسعة عشرة
ثم دخلت السنة التاسعة عشرة :
فتح فيها فتوح كثيرة شرقا وغربا .
حوادث السنة العشرين
ثم دخلت السنة العشرون :
وفيها : فتحت مصر والإسكندرية .
وفيها : أجلى عمر رضي الله عنه اليهود من الحجاز إلى أذرعات وغيرها .
- ص 303 - حوادث السنة الحادية والعشرين
ثم دخلت السنة الحادية والعشرون :
وفيها كان فتح نهاوند وأميرها النعمان بن مقرن ، وقتل يومئذ .
وفيها : مات خالد بن الوليد رضي الله عنه بحمص .
وفيها : مات عمرو بن معدي كرب ، وطليحة بن خويلد الأسدي - الذي كان تنبأ . ثم أسلم وحسن إسلامه ، وأبلى في قتال الفرس بلاء حسنا - قتلا مع النعمان بن مقرن بنهاوند .
حوادث السنة الثانية والعشرين
ثم دخلت السنة الثانية والعشرون :
وفيها : دخل الأحنف بن قيس خراسان ، وحارب يزدجرد آخر ملوك الفرس . فهزمه الله فيها .
وفيها : اعتمر عمر . فتلقاه نافع بن الحارث - وكان عامله على مكة - فقال له عمر من خلفت ؟ قال ابن أبزى ، قال عمر : ومن ابن أبزى ؟ قال مولى لنا . قال ومولى أيضا ؟ قال : إنه قارئ للقرآن عالم بالفرائض . فقال عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله يرفع بهذا القرآن أقواما ويضع به آخرين .
حوادث السنة الثالثة والعشرين
ثم دخلت السنة الثالثة والعشرون :
وفيها : قتل عمر رضي الله عنه . في صلاة الصبح من يوم الأربعاء لأربع - ص 304 - ليال بقين من ذي الحجة . ودفن يوم الأحد هلال المحرم سنة أربع وعشرين .
ولما رجع من الحج في آخرها قام خطيبا . فقال : " إني رأيت كأن ديكا أحمر نقرني نقرتين أو ثلاثا ، ولا أرى في ذلك إلا حضور أجلي " .
ثم خرج إلى السوق فلقيه أبو لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة . وكان صانعا يعمل الأرحاء . فقال له : ألا تكلم مولاي يضع عني من خراجي ؟ قال : وكم خراجك ؟ قال : دينار قال إنك لعامل محسن ، فقال : وسع الناس عدلك وضاق بي ، وأضمر قتل عمر . فاصطنع له خنجرا ذا حدين وشحذه وسمه . ثم أتى به الهرمزان . فقال كيف ترى هذا ؟ قال أرى أنك لا تضرب به أحدا إلا قتله .
فلما كبر عمر رضي الله عنه في صلاة الصبح طعنه ثلاث طعنات . وقصة مقتله في الصحيحين .
وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر وأربع ليال أو خمس ، وبموته انفتح باب الفتنة إلى اليوم .
وقال عبد الله بن سلام لعمر رضي الله عنهما : إني أرى في التوراة : أنك باب من أبواب جهنم ، قال : فسر لي قال : أنت باب من أبوابها مغلقا ، لئلا يقتحمها الناس فإذا مت انفتح .
وفتح الله على يديه من بلاد الكفار ألفا وستة وثلاثين مدينة ، وخرب أربعة آلاف بيعة وكنيسة ، وبنى أربعة آلاف مسجد ، ودون الدواوين ، ومصر الأمصار ووضع الخراج وأرخ التاريخ .
وله الفضائل المشهورة والسوابق المأثورة . رحمه الله ورضي عنه .
- ص 305 - حوادث سنة أربع وعشرين
ثم دخلت السنة الرابعة والعشرون :
فاستخلف فيها عثمان بن عفان رضي الله عنه . لغرة هلال المحرم - أو لثلاث من المحرم - بعد دفن عمر بثلاثة أيام .
أسلم قديما . وكان من ذوي السابقة ومن ذوي الشرف والعلم . هاجر الهجرتين ، وصلى القبلتين ، وزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الابنتين . ولم ينكح ابنتي نبي من آدم إلى قيام الساعة غيره . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدمه ويستحي منه ، ويقول : ما لي لا أستحي ممن تستحي منه ملائكة السماء .
وفي هذه السنة توفي سراقة بن مالك ، وأم الفضل زوجة العباس وأم أيمن بركة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ورضي الله عنهم .
حوادث سنة خمس وعشرين
ثم دخلت السنة الخامسة والعشرون .
فتوفي فيها عبد الله بن أم مكتوم المؤذن ، وعمير بن وهب بن خلف الجمحي الذي حزر المسلمين يوم بدر . ثم تعاهد هو وصفوان بن خلف الجمحي على اغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذهب إلى المدينة بدعوى افتداء ابنه وهب الذي كان أسر يوم بدر . فلما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قص عليه رسول الله ما تعاهد هو وصفوان عليه . فشهد شهادة الحق وأسلم .
وفيها توفي عروة بن حزام العاشق .
- ص 306 - حوادث سنة ست وعشرين
ثم دخلت السنة السادسة والعشرون :
وفيها غزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح إفريقية ومعه العبادلة - عبد الله بن نافع بن قيس ، وعبد الله بن نافع بن الحصين وعبد الله بن الزبير - فلقي جرجس ملك البربر في مائتي ألف . فقتل جرجس قتله عبد الله بن الزبير . وفتح الله على المسلمين .
وفيها : مات خارجة بن زيد الأنصاري الذي تكلم بعد الموت . وكان من كلامه : خلت ليلتان . وبقيت أربع ، بئر أريس وما بئر أريس ؟ .
وفيها اعتمر عثمان فكلمه أهل مكة أن يحول الساحل إلى جدة . وقالوا : هي أقرب إلى مكة وأوسع . وكانوا يرسون قبل ذلك في الشعيبة . فخرج عثمان إلى جدة فرآها ، وحول الساحل إليها .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ام دهب و مصطفى- عضو برونزى
- الجنس :
عدد المساهمات : 2052
نقاط : 2812
تاريخ التسجيل : 08/02/2013
رد: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
حوادث سنة سبع وعشرين
ثم دخلت السنة السابعة والعشرون .
وفيها - على قول ابن جرير - كان فتح إفريقية والأندلس على يد عبد الله بن سعد بن أبي سرح .
وفيها : عزل عثمان رضي الله عنه عمرو بن العاص عن مصر ، وولى عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح .
وفيها : مات عبد الله بن كعب بن عمرو رضي الله عنه . وكان من أهل بدر .
- ص 307 - حوادث سنة ثمان وعشرين
ثم دخلت السنة الثامنة والعشرون .
فيها غزا معاوية بن أبي سفيان البحر ومعه عبادة بن الصامت ، وامرأته أم حرام بنت ملحان - أخت أم سليم - فسقطت عن دابة لها فهلكت . وهي التي نام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها وقت قيلولة . فاستيقظ وهو يضحك فسألته ؟ فقال : ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله ، يركبون ثبج البحر ملوكا على الأسرة - أو كالملوك على الأسرة - فقالت : ادع الله أن يجعلني منهم . فقال : أنت منهم . ثم نام . ثم استيقظ وهو يضحك فسألته ؟ فقال مثل قوله . فقالت : ادع الله أن يجعلني منهم . فقال : أنت من الأولين .
وفيها : غزا معاوية قبرس . فصالحه أهلها .
حوادث سنة تسع وعشرين
ثم دخلت السنة التاسعة والعشرون .
فيها : شكا الناس إلى عثمان رضي الله عنه ضيق مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر بتوسعته وبناه بالحجارة المنقوشة والقصة - وهي الجص - وفيها وسع المسجد الحرام كذلك .
وفيها : مات سليمان بن ربيعة الباهلي رضي الله عنه . وكان عمر رضي الله عنه ولاه قضاء المدائن ، فمكث أربعين يوما لم يختصم إليه اثنان .
حوادث سنة ثلاثين
ثم دخلت سنة ثلاثين .
- ص 308 - وفيها وقع خاتم رسول الله من يد عثمان بن عفان رضي الله عنه في بئر أريس فنزحت ولم يوجد . فحزن لذلك أشد الحزن . فوقع من الرعية الخلل على عثمان بعدها .
وفيها : غزا سعيد بن العاص من الكوفة خراسان ، ومعه حذيفة بن اليمان ، والحسن ، والحسين ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم .
وفيها : كان ما كان من أمر أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وشدة إنكاره على معاوية وأهل الشام في الاستمتاع بما أنعم الله عليهم والتوسع فيما أباح لهم وأفاء عليهم من الأموال . وأنه يرى : أن لا يبيت أحد من المسلمين وعنده درهم ولا دينار وإلا كان من الذين يكنزون الذهب والفضة .
فكتب معاوية في شأنه إلى عثمان . فكتب عثمان بإشخاص أبي ذر إلى المدينة ، ومحاولة بعض دعاة الفتنة الالتفاف حول أبي ذر . فهرب منهم إلى الربذة بإذن عثمان وفي طاعته . وأقام بها حتى مات رضي الله عنه .
وفيها : زاد عثمان النداء الثالث يوم الجمعة على الزوراء حين كثر الناس . فثبت الأمر على ذلك إلى اليوم . والزوراء دار كانت له بالمدينة . وفيها : مات أبي بن كعب : سيد القراء وأحد القراء الأربعة .
حوادث سنة إحدى وثلاثين
ثم دخلت السنة الحادية والثلاثون .
- ص 309 - وفيها : قتل يزدجرد آخر ملوك الفرس ، وهو الذي مزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دعاه فيه إلى الإسلام . فدعا عليه أن يمزق الله ملكه . وفيها : فتح حبيب بن مسلمة الفهري أرمينية .
وقال الواقدي : كان في هذه السنة غزوة الصواري في البحر . وكان فيها : محمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أبي بكر . فأظهرا عيب عثمان وما غير وما خالف أبا بكر وعمر . ويقولان دمه حلال .
حوادث سنة اثنتين وثلاثين
ثم دخلت السنة الثانية والثلاثون .
فيها : غزا معاوية بلاد الروم ، حتى بلغ مضيق القسطنطينية . وفيها : مات عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود ، وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري - جندب بن جنادة - والعباس بن عبد المطلب ، وأبو سفيان بن حرب رضي الله عنهم .
سابق تالي
حوادث سنة ثلاث وثلاثين
ثم دخلت السنة الثالثة والثلاثون .
وفيها : ذكر أهل العراق عثمان بالسوء وتكلموا فيه بكلام خبيث في مجلس سعيد بن عامر فكتب في أمرهم إلى عثمان . فكتب يأمره بإجلائهم إلى الشام . فلما قدموا على معاوية أكرمهم وتألفهم . ونصحهم . فأجابه متكلمهم بكلام فيه شناعة . ثم نصحهم فتمادوا في غيهم - ص 310 - وجهالتهم وشرهم . فنفاهم معاوية عن الشام ، وكانوا عشرة : كميل بن زياد ، والأشتر النخعي - مالك بن يزيد - ، وعلقمة بن قيس النخعي ، وثابت بن قيس النخعي ، وجندب بن زهير العامري ، وجندب بن كعب الأزدي ، وعروة بن الجعد ، وعمرو بن الحمق الخزاعي ، وصعصعة بن صوحان ، وأخوه زيد بن صوحان ، وابن الكواء . فأووا إلى الجزيرة . واستقروا بحمص حتى كانت الفتنة التي قادوها لقتل عثمان .
وفيها : مات المقداد بن عمرو رضي الله عنه .
حوادث سنة أربع وثلاثين
ثم دخلت السنة الرابعة والثلاثون :
فيها : تكاتب المنحرفون عن عثمان - وكان جمهورهم من أهل الكوفة - وتواعدوا أن يجتمعوا لمناظرته فيما نقموا عليه . فبعثوا إليه منهم من يناظره فيما فعل من تولية من ولى وعزل من عزل . حتى شق عليه ذلك جدا ، فبعث إلى أمراء الأجناد فأحضرهم عنده . واستشارهم . فكل أشار برأي ثم انتهى الأمر بأن قرر عماله على ما كانوا عليه . وتألف قلوب هؤلاء ، وأمر بهم أن يبعثوا إلى الغزو وإلى الثغور . فلم يمنعهم ذلك من التمادي في غيهم .
وفيها : توفي أبو طلحة الأنصاري ، وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما .
حوادث سنة خمس وثلاثين
ثم دخلت السنة الخامسة والثلاثون .
وفيها : مات من الصحابة عمار بن ربيعة أسلم قديما وشهد بدرا رضي الله عنه .
- ص 311 - وفيها : كان خروج جماعة من أهل مصر ومن وافقهم على عثمان . وأصل الفتنة ومنبعها : كان من عبد الله بن سبأ - رجل يهودي من أهل صنعاء ، أظهر الإسلام ليخفي به حقده عليه وكفره به في زمن عثمان - وكان ينتقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم . فبدأ بالحجاز ، ثم البصرة ، ثم الكوفة ثم الشام . فلم يقدر على ما يريد . فأخرجوه حتى أتى مصر فغمز على عثمان وقاد الفتنة . وأشعل نارها ، محادة لله ولرسوله حتى كانت البلية الكبرى بمحاصرة عثمان رضي الله عنه واغتياله وهو يتلو كتاب الله تعالى ، وكان بيد أولئك المجرمين الخوارج في ذي الحجة من هذه السنة . رضي الله عنه .
وبقتله وقعت الفتنة العظيمة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والناس في بقايا من شرها إلى اليوم .
ويروى : أن عثمان رضي الله عنه صلى في الليلة التي حوصر فيها ونام ، فأتاه آت في منامه فقال له : قم فاسأل أن يعيذك من الفتنة التي أعاذ منها صالحي عباده . فقام فصلى ، ودعاه . فاشتكى . فما خرج إلا جنازته .
قال أهل السير : لما كان من أمر عثمان ما كان قعد علي بن أبي طالب في بيته فأتاه الناس وهم يقولون : علي أمير المؤمنين . فقال : ليس ذلك إليكم إنما هو إلى أهل بدر . فأتاه أهل بدر . فلما رأى ذلك علي خرج فبايعه الناس . ولم يدخل في طاعته معاوية وأهل الشام . فهم علي بالشخوص إليهم
- ص 312 - حوادث سنة ست وثلاثين
وقعة الجمل
وبلغ الخبر عائشة - وهي حاجة - ومعها طلحة ، والزبير . فخرجوا إلى البصرة يريدون الإصلاح بين الناس واجتماع الكلمة . وأرسل علي عمار بن ياسر وابنه الحسن بن علي إلى الكوفة يستنفرون الناس ليكونوا مع علي فاستنفروهم . فنفروا .
وخرج علي من المدينة في ستمائة رجل . فالتقى - هو والحسن - بذي قار ثم التقوا - هم وطلحة والزبير - قرب البصرة وكان في العسكرين ناس من الخوارج . فخافوا من تمالؤ العسكرين عليهم . فتحيلوا حتى أثاروا الحرب بينهما من غير رأي . فكانت وقعة الجمل المشهورة لأن عائشة كانت في هودج . على جمل . وعقر الجمل ذلك اليوم . فأمر علي بحمل الهودج فحمله محمد بن أبي بكر ، وعمار بن ياسر . فأدخل محمد يده في الهودج فقالت من ذا الذي يتعرض لحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أحرقه الله بالنار . فقال : يا أختاه قولي بنار الدنيا . فقالت : بنار الدنيا ، فكان الأمر كذلك .
وكانت وقعة الجمل في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين .
ثم التقى علي وعائشة . فاعتذر كل منهما للآخر . ثم جهزها إلى - ص 313 - المدينة . وأمر لها بكل شيء ينبغي لها . وأرسل معها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات .
وفي هذه السنة : مات حذيفة بن اليمان ، وأبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدامة بن مظعون رضي الله عنهم .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
حوادث سنة سبع وعشرين
ثم دخلت السنة السابعة والعشرون .
وفيها - على قول ابن جرير - كان فتح إفريقية والأندلس على يد عبد الله بن سعد بن أبي سرح .
وفيها : عزل عثمان رضي الله عنه عمرو بن العاص عن مصر ، وولى عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح .
وفيها : مات عبد الله بن كعب بن عمرو رضي الله عنه . وكان من أهل بدر .
- ص 307 - حوادث سنة ثمان وعشرين
ثم دخلت السنة الثامنة والعشرون .
فيها غزا معاوية بن أبي سفيان البحر ومعه عبادة بن الصامت ، وامرأته أم حرام بنت ملحان - أخت أم سليم - فسقطت عن دابة لها فهلكت . وهي التي نام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها وقت قيلولة . فاستيقظ وهو يضحك فسألته ؟ فقال : ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله ، يركبون ثبج البحر ملوكا على الأسرة - أو كالملوك على الأسرة - فقالت : ادع الله أن يجعلني منهم . فقال : أنت منهم . ثم نام . ثم استيقظ وهو يضحك فسألته ؟ فقال مثل قوله . فقالت : ادع الله أن يجعلني منهم . فقال : أنت من الأولين .
وفيها : غزا معاوية قبرس . فصالحه أهلها .
حوادث سنة تسع وعشرين
ثم دخلت السنة التاسعة والعشرون .
فيها : شكا الناس إلى عثمان رضي الله عنه ضيق مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر بتوسعته وبناه بالحجارة المنقوشة والقصة - وهي الجص - وفيها وسع المسجد الحرام كذلك .
وفيها : مات سليمان بن ربيعة الباهلي رضي الله عنه . وكان عمر رضي الله عنه ولاه قضاء المدائن ، فمكث أربعين يوما لم يختصم إليه اثنان .
حوادث سنة ثلاثين
ثم دخلت سنة ثلاثين .
- ص 308 - وفيها وقع خاتم رسول الله من يد عثمان بن عفان رضي الله عنه في بئر أريس فنزحت ولم يوجد . فحزن لذلك أشد الحزن . فوقع من الرعية الخلل على عثمان بعدها .
وفيها : غزا سعيد بن العاص من الكوفة خراسان ، ومعه حذيفة بن اليمان ، والحسن ، والحسين ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم .
وفيها : كان ما كان من أمر أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وشدة إنكاره على معاوية وأهل الشام في الاستمتاع بما أنعم الله عليهم والتوسع فيما أباح لهم وأفاء عليهم من الأموال . وأنه يرى : أن لا يبيت أحد من المسلمين وعنده درهم ولا دينار وإلا كان من الذين يكنزون الذهب والفضة .
فكتب معاوية في شأنه إلى عثمان . فكتب عثمان بإشخاص أبي ذر إلى المدينة ، ومحاولة بعض دعاة الفتنة الالتفاف حول أبي ذر . فهرب منهم إلى الربذة بإذن عثمان وفي طاعته . وأقام بها حتى مات رضي الله عنه .
وفيها : زاد عثمان النداء الثالث يوم الجمعة على الزوراء حين كثر الناس . فثبت الأمر على ذلك إلى اليوم . والزوراء دار كانت له بالمدينة . وفيها : مات أبي بن كعب : سيد القراء وأحد القراء الأربعة .
حوادث سنة إحدى وثلاثين
ثم دخلت السنة الحادية والثلاثون .
- ص 309 - وفيها : قتل يزدجرد آخر ملوك الفرس ، وهو الذي مزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دعاه فيه إلى الإسلام . فدعا عليه أن يمزق الله ملكه . وفيها : فتح حبيب بن مسلمة الفهري أرمينية .
وقال الواقدي : كان في هذه السنة غزوة الصواري في البحر . وكان فيها : محمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أبي بكر . فأظهرا عيب عثمان وما غير وما خالف أبا بكر وعمر . ويقولان دمه حلال .
حوادث سنة اثنتين وثلاثين
ثم دخلت السنة الثانية والثلاثون .
فيها : غزا معاوية بلاد الروم ، حتى بلغ مضيق القسطنطينية . وفيها : مات عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود ، وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري - جندب بن جنادة - والعباس بن عبد المطلب ، وأبو سفيان بن حرب رضي الله عنهم .
سابق تالي
حوادث سنة ثلاث وثلاثين
ثم دخلت السنة الثالثة والثلاثون .
وفيها : ذكر أهل العراق عثمان بالسوء وتكلموا فيه بكلام خبيث في مجلس سعيد بن عامر فكتب في أمرهم إلى عثمان . فكتب يأمره بإجلائهم إلى الشام . فلما قدموا على معاوية أكرمهم وتألفهم . ونصحهم . فأجابه متكلمهم بكلام فيه شناعة . ثم نصحهم فتمادوا في غيهم - ص 310 - وجهالتهم وشرهم . فنفاهم معاوية عن الشام ، وكانوا عشرة : كميل بن زياد ، والأشتر النخعي - مالك بن يزيد - ، وعلقمة بن قيس النخعي ، وثابت بن قيس النخعي ، وجندب بن زهير العامري ، وجندب بن كعب الأزدي ، وعروة بن الجعد ، وعمرو بن الحمق الخزاعي ، وصعصعة بن صوحان ، وأخوه زيد بن صوحان ، وابن الكواء . فأووا إلى الجزيرة . واستقروا بحمص حتى كانت الفتنة التي قادوها لقتل عثمان .
وفيها : مات المقداد بن عمرو رضي الله عنه .
حوادث سنة أربع وثلاثين
ثم دخلت السنة الرابعة والثلاثون :
فيها : تكاتب المنحرفون عن عثمان - وكان جمهورهم من أهل الكوفة - وتواعدوا أن يجتمعوا لمناظرته فيما نقموا عليه . فبعثوا إليه منهم من يناظره فيما فعل من تولية من ولى وعزل من عزل . حتى شق عليه ذلك جدا ، فبعث إلى أمراء الأجناد فأحضرهم عنده . واستشارهم . فكل أشار برأي ثم انتهى الأمر بأن قرر عماله على ما كانوا عليه . وتألف قلوب هؤلاء ، وأمر بهم أن يبعثوا إلى الغزو وإلى الثغور . فلم يمنعهم ذلك من التمادي في غيهم .
وفيها : توفي أبو طلحة الأنصاري ، وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما .
حوادث سنة خمس وثلاثين
ثم دخلت السنة الخامسة والثلاثون .
وفيها : مات من الصحابة عمار بن ربيعة أسلم قديما وشهد بدرا رضي الله عنه .
- ص 311 - وفيها : كان خروج جماعة من أهل مصر ومن وافقهم على عثمان . وأصل الفتنة ومنبعها : كان من عبد الله بن سبأ - رجل يهودي من أهل صنعاء ، أظهر الإسلام ليخفي به حقده عليه وكفره به في زمن عثمان - وكان ينتقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم . فبدأ بالحجاز ، ثم البصرة ، ثم الكوفة ثم الشام . فلم يقدر على ما يريد . فأخرجوه حتى أتى مصر فغمز على عثمان وقاد الفتنة . وأشعل نارها ، محادة لله ولرسوله حتى كانت البلية الكبرى بمحاصرة عثمان رضي الله عنه واغتياله وهو يتلو كتاب الله تعالى ، وكان بيد أولئك المجرمين الخوارج في ذي الحجة من هذه السنة . رضي الله عنه .
وبقتله وقعت الفتنة العظيمة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والناس في بقايا من شرها إلى اليوم .
ويروى : أن عثمان رضي الله عنه صلى في الليلة التي حوصر فيها ونام ، فأتاه آت في منامه فقال له : قم فاسأل أن يعيذك من الفتنة التي أعاذ منها صالحي عباده . فقام فصلى ، ودعاه . فاشتكى . فما خرج إلا جنازته .
قال أهل السير : لما كان من أمر عثمان ما كان قعد علي بن أبي طالب في بيته فأتاه الناس وهم يقولون : علي أمير المؤمنين . فقال : ليس ذلك إليكم إنما هو إلى أهل بدر . فأتاه أهل بدر . فلما رأى ذلك علي خرج فبايعه الناس . ولم يدخل في طاعته معاوية وأهل الشام . فهم علي بالشخوص إليهم
- ص 312 - حوادث سنة ست وثلاثين
وقعة الجمل
وبلغ الخبر عائشة - وهي حاجة - ومعها طلحة ، والزبير . فخرجوا إلى البصرة يريدون الإصلاح بين الناس واجتماع الكلمة . وأرسل علي عمار بن ياسر وابنه الحسن بن علي إلى الكوفة يستنفرون الناس ليكونوا مع علي فاستنفروهم . فنفروا .
وخرج علي من المدينة في ستمائة رجل . فالتقى - هو والحسن - بذي قار ثم التقوا - هم وطلحة والزبير - قرب البصرة وكان في العسكرين ناس من الخوارج . فخافوا من تمالؤ العسكرين عليهم . فتحيلوا حتى أثاروا الحرب بينهما من غير رأي . فكانت وقعة الجمل المشهورة لأن عائشة كانت في هودج . على جمل . وعقر الجمل ذلك اليوم . فأمر علي بحمل الهودج فحمله محمد بن أبي بكر ، وعمار بن ياسر . فأدخل محمد يده في الهودج فقالت من ذا الذي يتعرض لحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أحرقه الله بالنار . فقال : يا أختاه قولي بنار الدنيا . فقالت : بنار الدنيا ، فكان الأمر كذلك .
وكانت وقعة الجمل في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين .
ثم التقى علي وعائشة . فاعتذر كل منهما للآخر . ثم جهزها إلى - ص 313 - المدينة . وأمر لها بكل شيء ينبغي لها . وأرسل معها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات .
وفي هذه السنة : مات حذيفة بن اليمان ، وأبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدامة بن مظعون رضي الله عنهم .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ام دهب و مصطفى- عضو برونزى
- الجنس :
عدد المساهمات : 2052
نقاط : 2812
تاريخ التسجيل : 08/02/2013
رد: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
حوادث سنة سبع وثلاثين
ثم دخلت السنة السابعة والثلاثون .
فسار علي رضي الله عنه والتقى هو وأهل الشام بصفين لسبع بقين من المحرم - وصفين اسم موضع بين الشام والعراق - فكانت به الوقعة المشهورة . فلما اشتد البلاء على الفريقين وطال أياما ، وكثر القتلى بينهم رفع أهل الشام المصاحف على رؤوس الرماح ونادوا " ندعوكم إلى كتاب الله " فسر الناس وأنابوا إلى الحكومة .
فحكم أهل الشام عمرو بن العاص . وحكم علي بن أبي طالب أبا موسى الأشعري رضي الله عنهما . وكتبوا بينهم العهود بالرضى بما يحكم به الحكمان .
فلما حل الموعد في رمضان توافوا بأذرح ، بدومة الجندل . فلم يتفق الحكمان على شيء .
وانصرف علي رضي الله عنه إلى العراق ، ومعاوية رضي الله عنه إلى الشام .
فلما وصل علي الكوفة خرجت عليه الخوارج ; وكفروه حيث رضي بالتحكيم . وقالوا : لا حكم إلا لله . واجتمعوا بحروراء - اسم موضع - ص 314 - بالعراق - فسموا الحرورية ، فأرسل علي إليهم عبد الله بن عباس فأتاهم . قال : " فلم أر قوما أسمد اجتهادا منهم ولا أكثر عبادة " فقال ما تنقمون ؟ قالوا : ثلاث .
إحداهن : أنه حكم الرجال في أمر الله وقد قال الله تعالى إن الحكم إلا لله .
والثانية : أنه قاتل ولم يسب ولم يغنم . فإن كانوا مؤمنين ، فما حل لنا قتالهم ، وإن كانوا كافرين فقد حلت لنا أموالهم وسبيهم .
والثالثة : أنه محا نفسه من أمير المؤمنين . فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين .
فقال لهم : أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله الحكم ، وحدثتكم من سنة نبيكم ما لا تنكرون أترجعون ؟ قالوا : نعم .
فقلت : أما قولكم : إنه حكم الرجال في دين الله ، فإن الله تعالى يقول : يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم - إلى قوله - يحكم به ذوا عدل منكم وقال تعالى وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها أنشدكم الله أفتحكيم الرجال في إصلاح ذات بينهم وحقن دمائهم وأموالهم أحق ، أم في أرنب ثمنها ربع درهم أو بضع امرأة ؟ فقالوا : اللهم بلى ، في حقن دمائهم وإصلاح ذات بينهم . فقلت : أخرجت من هذه ؟ فقالوا : اللهم نعم .
- ص 315 - وأما قولكم : إنه قاتل ولم يسب ولم يغنم أفتسبون أمكم وتستحلون منها ما تستحلونه من غيرها ؟ فإن قلتم : نعم فقد كفرتم . وإن زعمتم أنها ليست لكم بأم فقد كفرتم ؛ لأن الله يقول : وأزواجه أمهاتهم فإن كنتم تترددون بين ضلالتين فاختاروا أيتهما شئتم . أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم .
قال : وأما قولكم : إنه محا نفسه من " أمير المؤمنين " فإن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية - أراد أن يكتب بينه وبين قريش في الصلح . فقال لعلي " اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ، فقالوا : لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ، ولا قاتلناك ، ولكن اكتب : محمد بن عبد الله . فقال امح يا علي . واكتب محمد بن عبد الله . فقال : والله لا أمحوك أبدا . قال : فأرني موضعه فأراه ذلك . فمحاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده " فوالله لرسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من علي . أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم " .
فرجع منهم أربعة آلاف ، وخرج عليه باقيهم . فقاتلوه فقتل منهم مقتلة عظيمة . وأمر بالتماس المخدج ذي الثدية . فلما وجده سجد لله شكرا .
وفي هذه السنة مات خباب بن الأرت ، وخزيمة ذو الشهادتين وسفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن سعد بن أبي السرح رضي الله عنهم .
حوادث سنة ثمان وثلاثين
ثم دخلت السنة الثامنة والثلاثون .
فيها : قتل محمد بن أبي بكر وأحرق . - ص 316 - وفيها : مات سهل بن حنيف ، وصهيب الرومي .
حوادث سنة أربعين
وفيها : كتب معاوية إلى علي : " أما إذا شئت فلك العراق . ولي الشام . ونكف السيف عن هذه الأمة . ولا نهريق دماء المسلمين " ففعل . وتراضيا رضي الله عنهما على ذلك .
وفيها : قتل علي رضي الله عنه . قتله ابن ملجم - رجل من الخوارج - لما خرج لصلاة الصبح لثلاث عشرة ليلة بقيت من رمضان .
فبايع الناس ابنه الحسن . فبقي خليفة نحو سبعة أشهر . ثم سار إلى معاوية . فلما التقى الجمعان علم الحسن أن لن تغلب إحدى الفئتين حتى يذهب أكثر الأخرى . فصالح معاوية . وترك الأمر له وبايعه على أشياء اشترطها . فأعطاه معاوية إياها وأضعافها .
وجرى مصداق ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحسن : إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين .
وصح عنه أنه قال في الخوارج : " يخرجون على حين فرقة بين الناس تقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق " .
وصح عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة أنه نهى عن القتال في الفتنة . وأخبر صلى الله عليه وسلم بوقوعها . وحذر منها .
فحصل بمجموع ما ذكرنا : أن الصواب مع سعد بن أبي وقاص ، وابن عمر ، وأسامة بن زيد ، وأكثر الصحابة الذين قعدوا واعتزلوا الطائفتين .
- ص 317 - وأن علي بن أبي طالب وأصحابه أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه . وأن الفريقين كلهم لم يخرجوا من الإيمان .
وأن الذين خرجوا من الإيمان إنما هم أهل النهروان .
وأن ما فعل الحسن بن علي رضي الله عنهما : أحب إلى الله مما فعل أبوه علي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمدحه على ترك واجب أو مستحب .
وأجمع أهل السنة على السكوت عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم . ولا يقال فيهم إلا الحسنى . فمن تكلم في معاوية أو غيره من الصحابة فقد خرج عن الإجماع . والله سبحانه وتعالى أعلم .
وكان هذا العام يسمى عام الجماعة لاجتماع المسلمين فيه على إمام واحد بعد الفرقة . وهو عام إحدى وأربعين في ربيع الأول . فاجتمعوا على معاوية رضي الله عنه ودعي من يومئذ أمير المؤمنين . ورجع الحسن بن علي رضي الله عنهما إلى المدينة .
ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين
فيها مات عمرو بن العاص رضي الله عنه بمصر ، وهو واليها .
ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين
فيها مات عبد الله بن سلام رضي الله عنه .
ثم دخلت سنة أربع وأربعين
فماتت فيها أم حبيبة بنت أبي سفيان أم المؤمنين رضي الله عنهما .
ثم دخلت سنة خمس وأربعين
- ص 318 - فماتت فيها حفصة بنت عمر أم المؤمنين ، وزيد بن ثابت رضي الله عنهما .
ثم دخلت سنة ست وأربعين
فمات فيها محمد بن مسلمة ، رضي الله عنه .
ثم دخلت سنة سبع وأربعين
فمات فيها قيس بن عاصم رضي الله عنه .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
======
المصدر : وزارة الشئون الاسلامية والاوقاف و الدعوة و الارشاد .. المملكة العربية السعوديه
حوادث سنة سبع وثلاثين
ثم دخلت السنة السابعة والثلاثون .
فسار علي رضي الله عنه والتقى هو وأهل الشام بصفين لسبع بقين من المحرم - وصفين اسم موضع بين الشام والعراق - فكانت به الوقعة المشهورة . فلما اشتد البلاء على الفريقين وطال أياما ، وكثر القتلى بينهم رفع أهل الشام المصاحف على رؤوس الرماح ونادوا " ندعوكم إلى كتاب الله " فسر الناس وأنابوا إلى الحكومة .
فحكم أهل الشام عمرو بن العاص . وحكم علي بن أبي طالب أبا موسى الأشعري رضي الله عنهما . وكتبوا بينهم العهود بالرضى بما يحكم به الحكمان .
فلما حل الموعد في رمضان توافوا بأذرح ، بدومة الجندل . فلم يتفق الحكمان على شيء .
وانصرف علي رضي الله عنه إلى العراق ، ومعاوية رضي الله عنه إلى الشام .
فلما وصل علي الكوفة خرجت عليه الخوارج ; وكفروه حيث رضي بالتحكيم . وقالوا : لا حكم إلا لله . واجتمعوا بحروراء - اسم موضع - ص 314 - بالعراق - فسموا الحرورية ، فأرسل علي إليهم عبد الله بن عباس فأتاهم . قال : " فلم أر قوما أسمد اجتهادا منهم ولا أكثر عبادة " فقال ما تنقمون ؟ قالوا : ثلاث .
إحداهن : أنه حكم الرجال في أمر الله وقد قال الله تعالى إن الحكم إلا لله .
والثانية : أنه قاتل ولم يسب ولم يغنم . فإن كانوا مؤمنين ، فما حل لنا قتالهم ، وإن كانوا كافرين فقد حلت لنا أموالهم وسبيهم .
والثالثة : أنه محا نفسه من أمير المؤمنين . فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين .
فقال لهم : أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله الحكم ، وحدثتكم من سنة نبيكم ما لا تنكرون أترجعون ؟ قالوا : نعم .
فقلت : أما قولكم : إنه حكم الرجال في دين الله ، فإن الله تعالى يقول : يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم - إلى قوله - يحكم به ذوا عدل منكم وقال تعالى وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها أنشدكم الله أفتحكيم الرجال في إصلاح ذات بينهم وحقن دمائهم وأموالهم أحق ، أم في أرنب ثمنها ربع درهم أو بضع امرأة ؟ فقالوا : اللهم بلى ، في حقن دمائهم وإصلاح ذات بينهم . فقلت : أخرجت من هذه ؟ فقالوا : اللهم نعم .
- ص 315 - وأما قولكم : إنه قاتل ولم يسب ولم يغنم أفتسبون أمكم وتستحلون منها ما تستحلونه من غيرها ؟ فإن قلتم : نعم فقد كفرتم . وإن زعمتم أنها ليست لكم بأم فقد كفرتم ؛ لأن الله يقول : وأزواجه أمهاتهم فإن كنتم تترددون بين ضلالتين فاختاروا أيتهما شئتم . أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم .
قال : وأما قولكم : إنه محا نفسه من " أمير المؤمنين " فإن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية - أراد أن يكتب بينه وبين قريش في الصلح . فقال لعلي " اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ، فقالوا : لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ، ولا قاتلناك ، ولكن اكتب : محمد بن عبد الله . فقال امح يا علي . واكتب محمد بن عبد الله . فقال : والله لا أمحوك أبدا . قال : فأرني موضعه فأراه ذلك . فمحاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده " فوالله لرسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من علي . أخرجت من هذه ؟ قالوا : اللهم نعم " .
فرجع منهم أربعة آلاف ، وخرج عليه باقيهم . فقاتلوه فقتل منهم مقتلة عظيمة . وأمر بالتماس المخدج ذي الثدية . فلما وجده سجد لله شكرا .
وفي هذه السنة مات خباب بن الأرت ، وخزيمة ذو الشهادتين وسفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن سعد بن أبي السرح رضي الله عنهم .
حوادث سنة ثمان وثلاثين
ثم دخلت السنة الثامنة والثلاثون .
فيها : قتل محمد بن أبي بكر وأحرق . - ص 316 - وفيها : مات سهل بن حنيف ، وصهيب الرومي .
حوادث سنة أربعين
وفيها : كتب معاوية إلى علي : " أما إذا شئت فلك العراق . ولي الشام . ونكف السيف عن هذه الأمة . ولا نهريق دماء المسلمين " ففعل . وتراضيا رضي الله عنهما على ذلك .
وفيها : قتل علي رضي الله عنه . قتله ابن ملجم - رجل من الخوارج - لما خرج لصلاة الصبح لثلاث عشرة ليلة بقيت من رمضان .
فبايع الناس ابنه الحسن . فبقي خليفة نحو سبعة أشهر . ثم سار إلى معاوية . فلما التقى الجمعان علم الحسن أن لن تغلب إحدى الفئتين حتى يذهب أكثر الأخرى . فصالح معاوية . وترك الأمر له وبايعه على أشياء اشترطها . فأعطاه معاوية إياها وأضعافها .
وجرى مصداق ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحسن : إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين .
وصح عنه أنه قال في الخوارج : " يخرجون على حين فرقة بين الناس تقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق " .
وصح عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة أنه نهى عن القتال في الفتنة . وأخبر صلى الله عليه وسلم بوقوعها . وحذر منها .
فحصل بمجموع ما ذكرنا : أن الصواب مع سعد بن أبي وقاص ، وابن عمر ، وأسامة بن زيد ، وأكثر الصحابة الذين قعدوا واعتزلوا الطائفتين .
- ص 317 - وأن علي بن أبي طالب وأصحابه أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه . وأن الفريقين كلهم لم يخرجوا من الإيمان .
وأن الذين خرجوا من الإيمان إنما هم أهل النهروان .
وأن ما فعل الحسن بن علي رضي الله عنهما : أحب إلى الله مما فعل أبوه علي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمدحه على ترك واجب أو مستحب .
وأجمع أهل السنة على السكوت عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم . ولا يقال فيهم إلا الحسنى . فمن تكلم في معاوية أو غيره من الصحابة فقد خرج عن الإجماع . والله سبحانه وتعالى أعلم .
وكان هذا العام يسمى عام الجماعة لاجتماع المسلمين فيه على إمام واحد بعد الفرقة . وهو عام إحدى وأربعين في ربيع الأول . فاجتمعوا على معاوية رضي الله عنه ودعي من يومئذ أمير المؤمنين . ورجع الحسن بن علي رضي الله عنهما إلى المدينة .
ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين
فيها مات عمرو بن العاص رضي الله عنه بمصر ، وهو واليها .
ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين
فيها مات عبد الله بن سلام رضي الله عنه .
ثم دخلت سنة أربع وأربعين
فماتت فيها أم حبيبة بنت أبي سفيان أم المؤمنين رضي الله عنهما .
ثم دخلت سنة خمس وأربعين
- ص 318 - فماتت فيها حفصة بنت عمر أم المؤمنين ، وزيد بن ثابت رضي الله عنهما .
ثم دخلت سنة ست وأربعين
فمات فيها محمد بن مسلمة ، رضي الله عنه .
ثم دخلت سنة سبع وأربعين
فمات فيها قيس بن عاصم رضي الله عنه .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ام دهب و مصطفى- عضو برونزى
- الجنس :
عدد المساهمات : 2052
نقاط : 2812
تاريخ التسجيل : 08/02/2013
صفحة 2 من اصل 2 • 1, 2
مواضيع مماثلة
» هكذا حج الرسول صلى الله عليه وسلم
» مشروب الرسول صلى الله عليه وسلم؟
» الرسول صلى الله عليه وسلم زوجاً
» قصة بحيرا الراهب مع الرسول صلى الله عليه وسلم
» أقوال المستشرقين على الرسول صلى الله عليه وسلم
» مشروب الرسول صلى الله عليه وسلم؟
» الرسول صلى الله عليه وسلم زوجاً
» قصة بحيرا الراهب مع الرسول صلى الله عليه وسلم
» أقوال المستشرقين على الرسول صلى الله عليه وسلم
صفحة 2 من اصل 2
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء ديسمبر 06, 2016 4:24 pm من طرف fola
» د. شريف الصفتى عالم الكيمياء المصرى النابغة
الثلاثاء ديسمبر 06, 2016 4:05 pm من طرف هدى من الله
» قصة سيدنا عزير
الإثنين نوفمبر 14, 2016 11:15 am من طرف سجدة
» ** قصة أبيار على **
الإثنين نوفمبر 14, 2016 10:58 am من طرف بهيرة
» خلو المكان ومرارة الغياب !!!
الإثنين نوفمبر 14, 2016 10:48 am من طرف هدى من الله
» يا حلاوة اللوبيا والارز بالشعرية
الإثنين نوفمبر 14, 2016 10:08 am من طرف بسملة
» طريقة عمل القراقيش المقرمشة و الهشة
الإثنين نوفمبر 14, 2016 10:07 am من طرف هدى من الله
» إعجاز بناء الكعبة
الإثنين نوفمبر 14, 2016 9:43 am من طرف روز
» صفات اليهود فى القرآن الكريم
الإثنين نوفمبر 14, 2016 9:42 am من طرف هدى من الله