بحـث
سحابة الكلمات الدلالية
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
هدى من الله | ||||
لولو حسن | ||||
روز | ||||
هنا سيد | ||||
توتى بدر | ||||
fola | ||||
روضة البدر | ||||
ام دهب و مصطفى | ||||
امة الرحمن | ||||
لولا |
شرح حديث (وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم ؟ ..
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
شرح حديث (وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم ؟ ..
شرح حديث (وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم ؟ ..
================
عن معاذ - رضي الله عنه - قال : قلت : يا رسول الله ، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار . قال : " لقد سألت عن أمر عظيم ، وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه : تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان " ، ثم قال : " ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ، وصلاة الرجل في جوف الليل " ثم تلا : ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع ) حتى بلغ ( يعملون ) ، ثم قال : " ألا أدلك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟ " قلت : بلى يا رسول الله ، قال : " رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد " ، ثم قال : " ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ " قلت : بلى يا نبي الله ، فأخذ بلسانه فقال : " كف عليك هذا . فقلت : يا نبي الله ، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ قال : ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم ؟ " رواه أحمد ، والترمذي ، وابن ماجه
( عن معاذ ) أي ابن جبل ( رضي الله عنه قال : قلت ) وفي رواية قال : بينما نحن نخرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك وقد أصابنا الحر ، فتفرق القوم ، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقربهم مني فدنوت منه وقلت : ( يا رسول الله ، أخبرني بعمل ) التنوين للتعظيم أو للنوع ، أي عمل عظيم أو معتبر في الشرع ، فلا يرد ما ذكره المظهر من أنه إذا جعل " يدخلني " جواب الأمر يبقى " بعمل " نكرة غير موصوفة ، وهي لا تفيد . ( يدخلني الجنة ) بالرفع على أنه صفة عمل إما مخصصة ، أو مادحة ، أو كاشفة ، فإن العمل إذا لم يكن بهذه الحيثية كأنه لا عمل ، وبالجزم جزاء شرط محذوف هو صفته أي أخبرني بعمل إن أعمله يدخلني الجنة ، وقيل : جزم باعتبار أنه جواب الأمر ، أي أخبرني بعمل إن تخبرني يدخلني الجنة ، يعني أنه الخبر وسيلة إلى العمل ، والعمل إلى الإدخال ، وإسناد الإدخال إلى العمل إسناد إلى السبب أو شبه العمل لكونه سببا للمطلوب بالفاعل الحقيقي ، أو المعنى يدخلني لا لذاته بل لفضل الله يجعله سببا لدخولها ، وقيل : الجزم غير صحيح رواية ودراية . أقول : فكأنه نظر في عدم صحته دراية أن الإخبار ليس سببا لدخول الجنة ، بل العمل وفيه نظر ؛ لأن إخباره - عليه الصلاة والسلام - وسيلة إلى فعل ذلك العمل الذي هو ذريعة إلى دخول الجنة ، فالإخبار سبب بوجه ما لإدخال الجنة ، ومن ثم جعل ابن الحاجب " يقيموا " في ( قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة ) وغيره " يغفر لكم " في ( هل أدلكم على تجارة تنجيكم ) الآية - هو الجزاء ؛ لأن المؤمن الكامل لما كان مظنة للامتثال نزل منزلة المحقق منه ذلك . ( ويباعدني من النار ) : عطف على يدخلني [ ص: 104 ] بالوجهين ، وقول ابن مالك هنا بالرفع فقط مع تجويزه الوجهين أولا في غاية من السقوط ، ثم العطف يفيد أن مراده دخول الجنة من غير سابقة عذاب ، ويؤيده أنه أخرج على صيغة المغالبة للمبالغة . ( قال ) أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( لقد سألت ) أي مني ( عن عظيم ) أي شيء عظيم ، أو سؤال عظيم متعسر الجواب ؛ لأن الدخول والتباعد أمر عظيم ، فسببه الذي هو اجتناب كل محظور وامتثال كل مأمور أيضا كذلك ، أو لأن معرفة العمل المدخل من علم الغيب ، والأولى أن يقال عن عمل عظيم فعله على النفوس ؛ ليطابق السابق واللاحق ، والعظيم ضد الحقير ، كالكبير نقيض الصغير ، وكما أن الحقير دون الصغير فكذلك العظيم فوق الكبير ، ويستعملان في الصور والمعاني ، تقول : رجل عظيم وكبير أي جثته أو قدره ( وأنه ) أي جوابه أو فعله ( ليسير ) أي هين وسهل ( على من يسره الله ) وفي نسخة : ( تعالى ) أي جعله سهلا ( عليه : تعبد الله ) إما بمعنى الأمر وكذا ما بعده ، وإما خبر مبتدأ محذوف تعويلا على أقوى الدليلين ، أي هو أن تعبد أي العمل الذي يدخلك الجنة عبادتك الله بحذف أن ، أو تنزيل الفعل منزلة المصدر ، وعدل عن صيغة الأمر تنبيها على أن المأمور كأنه متسارع إلى الامتثال ، وهو يخبر عنه إظهارا لرغبته في وقوعه ، وفصله عن الجملة الأولى لكونه بيانا أو استئنافا ، وفيه براعة الاستهلال لدلالته على مضمون الكلام بطريق الإجمال كما أن قوله : كف عليك يدل على حسن القطع ، والعبادة أقصى غاية الخضوع ، والمراد به التوحيد ؛ لقوله : ( ولا تشرك به شيئا ) أو الأعم منه ليعم امتثال كل مأمور واجتناب كل محظور ، والضمير في به إما أن يعود إلى الله أو إلى العبادة ، والثاني هو الأولى ؛ لأنه إذا لم يشرك في العبادة فلأن لا يشرك بالله أولى ، والتنوين في شيئا للإفراد شخصا ، كما أن في قوله : " عظيم " للتعظيم ، وفي يسير للتقليل ( وتقيم الصلاة ) : من باب عطف الخاص على العام تنبيها على إنافته إن عمم العبادة ، والمراد بها المكتوبة . وهذا الحكم ليس مخصوصا بمعاذ ، بل يعم كل مؤمن ؛ إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، ثم توقف دخول الجنة على الأعمال إنما هو بقيد الدخول الأولى كما سبقت الإشارة إليه فلا مستمسك للمعتزلة والخوارج لديه . ( وتؤتي الزكاة ) أي المفروضة ( وصوم رمضان ) أي الأيام المعدودة ( وتحج البيت ) أي بالأفعال المعلومة على شرط الاستطاعة في العمر مرة . ( ثم قال ) أي - عليه الصلاة والسلام - زيادة على الإفادة بالحث على النوافل لتحصيل الدرجات العالية ، أو لتكميل العبادات البدنية والمالية ( ألا أدلك ) الهمزة للاستفهام الإنكاري ، ولا للنفي وهو لتحقيق ما بعدها ، ولعل قوله قلت : بلى كان موجودا هنا أيضا كما في الموضعين بعده ، فنسي الراوي ، كذا قيل . وقيل : المعنى لا ينبغي لي ألا أدلك مع أني المرشد الكامل ، والأظهر أنه للتنبيه لئلا ينسب الرواة إلى النسيان مع أن الجواب ليس بلازم ؛ لأنه أمر ظاهر معلوم مطلوبية لدلالته ، أو يقال : وإنما لم يتوقف - عليه الصلاة والسلام - حتى يقول معاذ " بلى " هنا ، تنبيها على أنه لا ينبغي أن ينتظر تصديقه اهتماما بمضمونه ( على أبواب الخير ؟ ) أي الطرق الموصلة به ، شبه الخير بدار فيها كل ما يتمناه النفس ، واللام فيه للجنس ، جعل الأمور الآتية أبواب الخير ؛ لأن الصوم شديد على النفس ، وكذا إخراج المال في الصدقة لا سيما الزيادة على الزكاة ، وكذا الصلاة في جوف الليل الذي محل راحة النفس ، والبعد من الرياء ، فمن اعتادها يسهل عليه كل خير ؛ لأن المشقة في دخول الدار تكون بفتح الباب . ( الصوم جنة ) أي ستر ، وإنما جعل الصوم جنة من النار أو من الشيطان ؛ لأن في الجوع سد مجاري الشيطان ، فإذا سد مجاريه لم يدخل فلم يكن سببا للعصيان الذي هو سبب لدخول النار . قيل : التقدير صوم النفل ، فاللام تدل على المضاف إليه . قال بعض المحققين من شراح الأربعين : ولعل قائله كوفي ، قال في الكشاف في قوله تعالى : ( فإن الجحيم هي المأوى ) أي مأواه ، فإن اللام ليس يدل على المضاف إليه بل للتعريف العهدي ؛ لأنه لما علم أن الطاغي صاحب المأوى تركت الإضافة ، فكذا هاهنا ؛ لأنه لما ذكر الفرائض أولا علم أن المذكور بعدها من النوافل ، فاللام للعهد الخارجي ، ولا يجب فيه تقدم المعهود كما ظن ، بل قد يستغنى عنه لعلم المخاطب بالقرائن ، كقولك لمن دخل البيت : أغلق الباب ، وكم مثلها . قوله : ( جنة ) أي وقاية من سورة الشهوة في الدنيا ، والنار في [ ص: 105 ] العقبى كالجنة ، ففيه تشبيه المعقول بالمحسوس عند المتكلمين ، واختار بعض الأفاضل أن مثله استعارة ، فمن كان الصوم جنته سد طرق الشياطين عن قلبه فيكشف بعد إزالة ظلمتهم ، يرى بنور الغيب خزائن لطائف حكم الصفات فيستتر بأنوارها عن جميع المخالفات والآفات . ( والصدقة تطفئ الخطيئة ) أي التي تجر إلى النار . يعني تذهبها وتمحو أثرها أي إذا كانت متعلقة بحق الله تعالى ، وإذا كانت من حقوق العباد فتدفع تلك الحسنة إلى خصمه عوضا عن مظلمته ( كما يطفئ الماء النار ) لتنافي آثارهما بإيجاد الله تعالى سبحانه ، إذ الأشياء لا تعمل بطبعها ، فلا الماء يروى ، ولا الخبز يشبع ، ولا النار تحرق . ( وصلاة الرجل ) مبتدأ خبره محذوف أي وصلاة الرجل ( في جوف الليل ) كذلك ، أي تطفئ الخطيئة ، أو هي من أبواب الخير ، والأول أظهر . قال القاضي : وقيل : الأظهر أن يقدر الخبر شعار الصالحين كما في جامع الأصول ( ثم تلا ) أي قرأ - عليه الصلاة والسلام - ( تتجافى جنوبهم ) أي تتباعد ، وفي النسبة مبالغة لا تخفى ( عن المضاجع ) أي المفارش والمراقد ، والجمهور على أن المراد صلاة التهجد ، وقال بعضهم : المراد إحياء ما بين العشاءين ( يدعون ربهم ) بالصلاة ، والذكر ، والقراءة ، والدعاء ( خوفا ) من سخطه ( وطمعا ) في رحمته ( ومما رزقناهم ) وبعض ما أعطيناهم ( ينفقون ) يصرفون في وجوه الخير أي أنهم جامعون بين العبادات البدنية والمالية ، عابدون زاهدون ( فلا تعلم نفس ) أي لا ملك ولا نبي ( ما أخفي لهم ) جمهور القراء على أنه ماض مجهول ، وقرئ بهمزة على المتكلم المعلوم ( من قرة أعين ) من اللذات التي تقر أعينهم ، وتشتهيه أنفسهم ، وفي الحديث القدسي : ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ) ( حتى بلغ يعملون ) وهو قوله تعالى : ( جزاء بما كانوا يعملون ) أي جوزوا جزاء بسبب أعمالهم وبمقابلة أفعالهم وموافقة لأحوالهم . ( ثم قال ) أي عليه الصلاة والسلام (ألا أدلك برأس الأمر ) أي مخبرا بأصل كل أمر ( وعموده ) بفتح أوله ، أي ما يقوم به ويعتمد عليه ( وذروة سنامه ؟ ) : الذروة بكسر الذال وهو الأشهر ، وبضمها ، وحكي فتحها - أعلى الشيء ، والسنام - بالفتح - ما ارتفع من ظهر الجمل قريب عنقه ( قلت : بلى يا رسول الله ، قال : رأس الأمر ) أي أمر الدين ( الإسلام ) يعني الشهادتين ، وهو من باب التشبيه المقلوب ؛ إذ المقصود تشبيه الإسلام برأس الأمر ؛ ليشعر بأنه من سائر الأعمال بمنزلة الرأس من الجسد في احتياجه إليه وعدم بقائه دونه ( وعموده الصلاة ) : يأت الإسلام هو أصل الدين إلا أنه ليس له قوة وكمال كالبيت الذي ليس له عمود ، فإذا صلى وداوم قوي دينه ولم يكن له رفعة ، فإذا جاهد حصل لدينه رفعة ، وهو معنى قوله : ( وذروة سنامه الجهاد ) وفيه إشعار إلى صعوبة الجهاد وعلو أمره وتفوقه على سائر الأعمال ، والجهاد من الجهد - بالفتح - وهو المشقة ، أو بالضم وهو الطاقة ؛ لأنه يبذل الطاقة في قتال العدو عند فعل العدو مثل ذلك ، أو بضم جهده إلى جهد أخيه في نصرة دين الله كالمساعدة ، وهي ضم ساعده إلى ساعد أخيه لتحصيل القوة ، وله أنواع من جهاد الأعداء ليكون الدين كله لله ، وجهاد النفس بحملها على اتباع الأحكام ، وترك الحظوظ ، وتكليف الخصلة المذمومة المفرطة خلاف مقتضاها ، والعمل بنقيض موجبها حتى اعتدلت وتناسقت قوة العلم والغضب والشهوة والعدل ، وهو أشد من الأول ؛ ولذا ورد : ( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الأكبر ) ؛ لأن النفس كالملك في داخل الإنسان ، وعسكره الروح الحيوانية والطبيعية والهوى والشهوة ، وهي في نفسها عمياء لا تبصر المهالك ، ولا تميز الخير من الشر إلى أن ينور الله بلطيف حكمته بصيرتها ، فتبصر الأعداء والمعارف ، وتجد البنيان الإنساني مملوءا من خنازير الحرص ، وتكالب الكلب ، ونمر الغضب ، والشهوة الحمارية ، وحية الشيطان ، فكنستها من الرذائل وزينتها بالفضائل ، وأما جهاد القلب فتصفيته وقطع تعلقه عن الأغيار ، وجهاد الروح بإفناء الوجود في وجود الواحد القهار .
( ثم قال ) أي - عليه الصلاة والسلام - : ( ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ ) : الملاك ما به إحكام الشيء أو تقويته ، من ملك العجين إذا أحسن عجنه وبالغ فيه ، وأهل اللغة يكسرون الميم ويفتحونها ، والرواية بالكسر ، وذلك إشارة إلى ما ذكر من أول الحديث إلى هذا من العبادات ، وأكده بقوله : " كله " ؛ لئلا يظن خلاف الشمول ، أي بما تقوم به تلك [ ص: 106 ] العبادات جميعها . ( قلت : بلى يا نبي الله ) لا يخفى مناسبة نبي الله بالإخبار كمناسبة الرسالة بالدلالة ( فأخذ ) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ( بلسانه ) الباء زائدة ، والضمير راجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل : الباء لتضمين معنى التعلق ( وقال : كف ) الرواية بفتح الفاء المشددة أي امنع ( عليك هذا ) : إشارة إلى اللسان أي لسانك المشافه له ، وتقديم المجرور على المنصوب للاهتمام به ، وتعديته بـ " على " للتضمين أو بمعنى " عن " ، وإيراد اسم الإشارة لمزيد التعيين أو للتحقير ، وهو مفعول كف ، وإنما أخذ - عليه الصلاة والسلام - بلسانه وأشار إليه من غير اكتفاء بالقول تنبيها على أن أمر اللسان صعب ، والمعنى : لا تتكلم بما لا يعنيك ؛ فإن من كثر كلامه كثر سقطه ، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ، ولكثرة الكلام مفاسد لا تحصى ، ومن أراد الاستقصاء فعليه بالإحياء ، ولذا قال الصديق : ليتني كنت أخرس إلا عن ذكر الله . ( قلت : يا نبي الله ) : أتقول هذا ؟ . ( وإنا لمؤاخذون ) بالهمزة ويبدل ، أي هل يؤاخذنا ويعاقبنا أو يحاسبنا ربنا ( بما نتكلم به ؟ ) : يعني بجميعه ، إذ لا يخفى على معاذ المؤاخذة ببعض الكلام ( قال ) أي عليه الصلاة والسلام ( ثكلتك أمك ) : بكسر العين ( يا معاذ ) أي فقدتك ، وهو دعاء عليه بالموت على ظاهره ، ولا يراد وقوعه ، بل هو تأديب وتنبيه من الغفلة ، وتعجيب وتعظيم للأمر ، ( وهل يكب ) بفتح الياء وضم الكاف من كبه ، إذا صرعه على وجهه ، بخلاف أكب ، فإن معناه سقط على وجهه ، وهو من النوادر ، وهو عطف على مقدر ، أي : هل تظن غير ما قلت ؟ وهل يكب ( الناس ) أي يلقيهم ويسقطهم ويصرعهم ( في النار على وجوههم ، أو على مناخرهم ) شك من الراوي ، والمنخر - بفتح الميم وكسر الخاء وفتحها - ثقب الأنف ، والمراد هنا الأنف ، والاستفهام للنفي ، خصهما بالكب لأنهما أول الأعضاء سقوطا ( إلا حصائد ألسنتهم ) أي محصوداتها ، شبه ما يتكلم به الإنسان بالزرع المحصود بالمنجل ، وهو من بلاغة النبوة ، فكما أن المنجل يقطع ولا يميز الرطب واليابس والجيد والرديء ، فكذلك لسان بعض الناس يتكلم بكل نوع من الكلام حسنا وقبيحا ، والمعنى لا يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم من الكفر ، والقذف ، والشتم ، والغيبة ، والنميمة ، والبهتان ، ونحوها . والاستثناء مفرغ ، وهذا الحكم وارد على الأغلب أي على الأكثر ; لأنك إذا جربت لم تجد أحدا حفظ لسانه عن السوء ، ولا يصدر عنه شيء يوجب دخول النار إلا نادرا ، ولعمرك إن هذه الخاتمة فاتحة السعادة الكبرى ، فائحة منها نسائم الكرامة العظمى ؛ لأنه إذا نظر إلى الشريعة فكف اللسان نعم العون على حفظها ، وإذا نظر إلى الطريقة فهو الركن المشار إليه والقطب المدار عليه ; لأنه إذا سكت اللسان نطق القلب ، ويحصل له المسامرة مع الرب ، ويمطر عليه سحائب الرحمة بقطرات النور ، ويمتلئ من الخيور والحبور ، ولو نظر إلى الحقيقة فهو نهاية مراتب السالكين وغاية منازل السائرين ؛ ولذا ورد : من عرف الله كل لسانه ، أي عن ذكر غير الله ، وهو في مقام المراقبة ، وكل لسانه عن مقام الدعوى ، وهو في مقام الهيبة ، وكل لسانه عن نشر حالة وبيان مقامه ، وهو مقام صولة المحبة ، وعن وصف الله وثنائه ، وهو مقام الحيرة في المعرفة ، كما قال - عليه الصلاة والسلام - في أقصى الدنو لما رأى الحق بالحق ، وفنى عن الصفات في الذات ، ووجد معنى من معاني البقاء : ( لا أحصي ثناء عليك ) ؛ لأن ثناءه يصدر عن الحدوثية ، وثناء الخليقة لا يليق إلا بهم ، ثم قطع لسان الثناء بمقراض التنزيه عجزا في جلال الأبد ، وأضاف ثناءه تعالى إليه ؛ لأنه لا يعرف الله إلا هو ، فقال : ( أنت كما أثنيت على نفسك ) ، وفي معنى الحديث أنشد الشافعي :
احفظ لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه
كانت تهاب لقاءه الشجعان
( رواه أحمد ، والترمذي ، وابن ماجه ) ورواه النسائي ، وقال الترمذي : حسن صحيح .
منقول : اسلام ويب
================
عن معاذ - رضي الله عنه - قال : قلت : يا رسول الله ، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار . قال : " لقد سألت عن أمر عظيم ، وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه : تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان " ، ثم قال : " ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ، وصلاة الرجل في جوف الليل " ثم تلا : ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع ) حتى بلغ ( يعملون ) ، ثم قال : " ألا أدلك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟ " قلت : بلى يا رسول الله ، قال : " رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد " ، ثم قال : " ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ " قلت : بلى يا نبي الله ، فأخذ بلسانه فقال : " كف عليك هذا . فقلت : يا نبي الله ، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ قال : ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم ؟ " رواه أحمد ، والترمذي ، وابن ماجه
( عن معاذ ) أي ابن جبل ( رضي الله عنه قال : قلت ) وفي رواية قال : بينما نحن نخرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك وقد أصابنا الحر ، فتفرق القوم ، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقربهم مني فدنوت منه وقلت : ( يا رسول الله ، أخبرني بعمل ) التنوين للتعظيم أو للنوع ، أي عمل عظيم أو معتبر في الشرع ، فلا يرد ما ذكره المظهر من أنه إذا جعل " يدخلني " جواب الأمر يبقى " بعمل " نكرة غير موصوفة ، وهي لا تفيد . ( يدخلني الجنة ) بالرفع على أنه صفة عمل إما مخصصة ، أو مادحة ، أو كاشفة ، فإن العمل إذا لم يكن بهذه الحيثية كأنه لا عمل ، وبالجزم جزاء شرط محذوف هو صفته أي أخبرني بعمل إن أعمله يدخلني الجنة ، وقيل : جزم باعتبار أنه جواب الأمر ، أي أخبرني بعمل إن تخبرني يدخلني الجنة ، يعني أنه الخبر وسيلة إلى العمل ، والعمل إلى الإدخال ، وإسناد الإدخال إلى العمل إسناد إلى السبب أو شبه العمل لكونه سببا للمطلوب بالفاعل الحقيقي ، أو المعنى يدخلني لا لذاته بل لفضل الله يجعله سببا لدخولها ، وقيل : الجزم غير صحيح رواية ودراية . أقول : فكأنه نظر في عدم صحته دراية أن الإخبار ليس سببا لدخول الجنة ، بل العمل وفيه نظر ؛ لأن إخباره - عليه الصلاة والسلام - وسيلة إلى فعل ذلك العمل الذي هو ذريعة إلى دخول الجنة ، فالإخبار سبب بوجه ما لإدخال الجنة ، ومن ثم جعل ابن الحاجب " يقيموا " في ( قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة ) وغيره " يغفر لكم " في ( هل أدلكم على تجارة تنجيكم ) الآية - هو الجزاء ؛ لأن المؤمن الكامل لما كان مظنة للامتثال نزل منزلة المحقق منه ذلك . ( ويباعدني من النار ) : عطف على يدخلني [ ص: 104 ] بالوجهين ، وقول ابن مالك هنا بالرفع فقط مع تجويزه الوجهين أولا في غاية من السقوط ، ثم العطف يفيد أن مراده دخول الجنة من غير سابقة عذاب ، ويؤيده أنه أخرج على صيغة المغالبة للمبالغة . ( قال ) أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( لقد سألت ) أي مني ( عن عظيم ) أي شيء عظيم ، أو سؤال عظيم متعسر الجواب ؛ لأن الدخول والتباعد أمر عظيم ، فسببه الذي هو اجتناب كل محظور وامتثال كل مأمور أيضا كذلك ، أو لأن معرفة العمل المدخل من علم الغيب ، والأولى أن يقال عن عمل عظيم فعله على النفوس ؛ ليطابق السابق واللاحق ، والعظيم ضد الحقير ، كالكبير نقيض الصغير ، وكما أن الحقير دون الصغير فكذلك العظيم فوق الكبير ، ويستعملان في الصور والمعاني ، تقول : رجل عظيم وكبير أي جثته أو قدره ( وأنه ) أي جوابه أو فعله ( ليسير ) أي هين وسهل ( على من يسره الله ) وفي نسخة : ( تعالى ) أي جعله سهلا ( عليه : تعبد الله ) إما بمعنى الأمر وكذا ما بعده ، وإما خبر مبتدأ محذوف تعويلا على أقوى الدليلين ، أي هو أن تعبد أي العمل الذي يدخلك الجنة عبادتك الله بحذف أن ، أو تنزيل الفعل منزلة المصدر ، وعدل عن صيغة الأمر تنبيها على أن المأمور كأنه متسارع إلى الامتثال ، وهو يخبر عنه إظهارا لرغبته في وقوعه ، وفصله عن الجملة الأولى لكونه بيانا أو استئنافا ، وفيه براعة الاستهلال لدلالته على مضمون الكلام بطريق الإجمال كما أن قوله : كف عليك يدل على حسن القطع ، والعبادة أقصى غاية الخضوع ، والمراد به التوحيد ؛ لقوله : ( ولا تشرك به شيئا ) أو الأعم منه ليعم امتثال كل مأمور واجتناب كل محظور ، والضمير في به إما أن يعود إلى الله أو إلى العبادة ، والثاني هو الأولى ؛ لأنه إذا لم يشرك في العبادة فلأن لا يشرك بالله أولى ، والتنوين في شيئا للإفراد شخصا ، كما أن في قوله : " عظيم " للتعظيم ، وفي يسير للتقليل ( وتقيم الصلاة ) : من باب عطف الخاص على العام تنبيها على إنافته إن عمم العبادة ، والمراد بها المكتوبة . وهذا الحكم ليس مخصوصا بمعاذ ، بل يعم كل مؤمن ؛ إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، ثم توقف دخول الجنة على الأعمال إنما هو بقيد الدخول الأولى كما سبقت الإشارة إليه فلا مستمسك للمعتزلة والخوارج لديه . ( وتؤتي الزكاة ) أي المفروضة ( وصوم رمضان ) أي الأيام المعدودة ( وتحج البيت ) أي بالأفعال المعلومة على شرط الاستطاعة في العمر مرة . ( ثم قال ) أي - عليه الصلاة والسلام - زيادة على الإفادة بالحث على النوافل لتحصيل الدرجات العالية ، أو لتكميل العبادات البدنية والمالية ( ألا أدلك ) الهمزة للاستفهام الإنكاري ، ولا للنفي وهو لتحقيق ما بعدها ، ولعل قوله قلت : بلى كان موجودا هنا أيضا كما في الموضعين بعده ، فنسي الراوي ، كذا قيل . وقيل : المعنى لا ينبغي لي ألا أدلك مع أني المرشد الكامل ، والأظهر أنه للتنبيه لئلا ينسب الرواة إلى النسيان مع أن الجواب ليس بلازم ؛ لأنه أمر ظاهر معلوم مطلوبية لدلالته ، أو يقال : وإنما لم يتوقف - عليه الصلاة والسلام - حتى يقول معاذ " بلى " هنا ، تنبيها على أنه لا ينبغي أن ينتظر تصديقه اهتماما بمضمونه ( على أبواب الخير ؟ ) أي الطرق الموصلة به ، شبه الخير بدار فيها كل ما يتمناه النفس ، واللام فيه للجنس ، جعل الأمور الآتية أبواب الخير ؛ لأن الصوم شديد على النفس ، وكذا إخراج المال في الصدقة لا سيما الزيادة على الزكاة ، وكذا الصلاة في جوف الليل الذي محل راحة النفس ، والبعد من الرياء ، فمن اعتادها يسهل عليه كل خير ؛ لأن المشقة في دخول الدار تكون بفتح الباب . ( الصوم جنة ) أي ستر ، وإنما جعل الصوم جنة من النار أو من الشيطان ؛ لأن في الجوع سد مجاري الشيطان ، فإذا سد مجاريه لم يدخل فلم يكن سببا للعصيان الذي هو سبب لدخول النار . قيل : التقدير صوم النفل ، فاللام تدل على المضاف إليه . قال بعض المحققين من شراح الأربعين : ولعل قائله كوفي ، قال في الكشاف في قوله تعالى : ( فإن الجحيم هي المأوى ) أي مأواه ، فإن اللام ليس يدل على المضاف إليه بل للتعريف العهدي ؛ لأنه لما علم أن الطاغي صاحب المأوى تركت الإضافة ، فكذا هاهنا ؛ لأنه لما ذكر الفرائض أولا علم أن المذكور بعدها من النوافل ، فاللام للعهد الخارجي ، ولا يجب فيه تقدم المعهود كما ظن ، بل قد يستغنى عنه لعلم المخاطب بالقرائن ، كقولك لمن دخل البيت : أغلق الباب ، وكم مثلها . قوله : ( جنة ) أي وقاية من سورة الشهوة في الدنيا ، والنار في [ ص: 105 ] العقبى كالجنة ، ففيه تشبيه المعقول بالمحسوس عند المتكلمين ، واختار بعض الأفاضل أن مثله استعارة ، فمن كان الصوم جنته سد طرق الشياطين عن قلبه فيكشف بعد إزالة ظلمتهم ، يرى بنور الغيب خزائن لطائف حكم الصفات فيستتر بأنوارها عن جميع المخالفات والآفات . ( والصدقة تطفئ الخطيئة ) أي التي تجر إلى النار . يعني تذهبها وتمحو أثرها أي إذا كانت متعلقة بحق الله تعالى ، وإذا كانت من حقوق العباد فتدفع تلك الحسنة إلى خصمه عوضا عن مظلمته ( كما يطفئ الماء النار ) لتنافي آثارهما بإيجاد الله تعالى سبحانه ، إذ الأشياء لا تعمل بطبعها ، فلا الماء يروى ، ولا الخبز يشبع ، ولا النار تحرق . ( وصلاة الرجل ) مبتدأ خبره محذوف أي وصلاة الرجل ( في جوف الليل ) كذلك ، أي تطفئ الخطيئة ، أو هي من أبواب الخير ، والأول أظهر . قال القاضي : وقيل : الأظهر أن يقدر الخبر شعار الصالحين كما في جامع الأصول ( ثم تلا ) أي قرأ - عليه الصلاة والسلام - ( تتجافى جنوبهم ) أي تتباعد ، وفي النسبة مبالغة لا تخفى ( عن المضاجع ) أي المفارش والمراقد ، والجمهور على أن المراد صلاة التهجد ، وقال بعضهم : المراد إحياء ما بين العشاءين ( يدعون ربهم ) بالصلاة ، والذكر ، والقراءة ، والدعاء ( خوفا ) من سخطه ( وطمعا ) في رحمته ( ومما رزقناهم ) وبعض ما أعطيناهم ( ينفقون ) يصرفون في وجوه الخير أي أنهم جامعون بين العبادات البدنية والمالية ، عابدون زاهدون ( فلا تعلم نفس ) أي لا ملك ولا نبي ( ما أخفي لهم ) جمهور القراء على أنه ماض مجهول ، وقرئ بهمزة على المتكلم المعلوم ( من قرة أعين ) من اللذات التي تقر أعينهم ، وتشتهيه أنفسهم ، وفي الحديث القدسي : ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ) ( حتى بلغ يعملون ) وهو قوله تعالى : ( جزاء بما كانوا يعملون ) أي جوزوا جزاء بسبب أعمالهم وبمقابلة أفعالهم وموافقة لأحوالهم . ( ثم قال ) أي عليه الصلاة والسلام (ألا أدلك برأس الأمر ) أي مخبرا بأصل كل أمر ( وعموده ) بفتح أوله ، أي ما يقوم به ويعتمد عليه ( وذروة سنامه ؟ ) : الذروة بكسر الذال وهو الأشهر ، وبضمها ، وحكي فتحها - أعلى الشيء ، والسنام - بالفتح - ما ارتفع من ظهر الجمل قريب عنقه ( قلت : بلى يا رسول الله ، قال : رأس الأمر ) أي أمر الدين ( الإسلام ) يعني الشهادتين ، وهو من باب التشبيه المقلوب ؛ إذ المقصود تشبيه الإسلام برأس الأمر ؛ ليشعر بأنه من سائر الأعمال بمنزلة الرأس من الجسد في احتياجه إليه وعدم بقائه دونه ( وعموده الصلاة ) : يأت الإسلام هو أصل الدين إلا أنه ليس له قوة وكمال كالبيت الذي ليس له عمود ، فإذا صلى وداوم قوي دينه ولم يكن له رفعة ، فإذا جاهد حصل لدينه رفعة ، وهو معنى قوله : ( وذروة سنامه الجهاد ) وفيه إشعار إلى صعوبة الجهاد وعلو أمره وتفوقه على سائر الأعمال ، والجهاد من الجهد - بالفتح - وهو المشقة ، أو بالضم وهو الطاقة ؛ لأنه يبذل الطاقة في قتال العدو عند فعل العدو مثل ذلك ، أو بضم جهده إلى جهد أخيه في نصرة دين الله كالمساعدة ، وهي ضم ساعده إلى ساعد أخيه لتحصيل القوة ، وله أنواع من جهاد الأعداء ليكون الدين كله لله ، وجهاد النفس بحملها على اتباع الأحكام ، وترك الحظوظ ، وتكليف الخصلة المذمومة المفرطة خلاف مقتضاها ، والعمل بنقيض موجبها حتى اعتدلت وتناسقت قوة العلم والغضب والشهوة والعدل ، وهو أشد من الأول ؛ ولذا ورد : ( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الأكبر ) ؛ لأن النفس كالملك في داخل الإنسان ، وعسكره الروح الحيوانية والطبيعية والهوى والشهوة ، وهي في نفسها عمياء لا تبصر المهالك ، ولا تميز الخير من الشر إلى أن ينور الله بلطيف حكمته بصيرتها ، فتبصر الأعداء والمعارف ، وتجد البنيان الإنساني مملوءا من خنازير الحرص ، وتكالب الكلب ، ونمر الغضب ، والشهوة الحمارية ، وحية الشيطان ، فكنستها من الرذائل وزينتها بالفضائل ، وأما جهاد القلب فتصفيته وقطع تعلقه عن الأغيار ، وجهاد الروح بإفناء الوجود في وجود الواحد القهار .
( ثم قال ) أي - عليه الصلاة والسلام - : ( ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ ) : الملاك ما به إحكام الشيء أو تقويته ، من ملك العجين إذا أحسن عجنه وبالغ فيه ، وأهل اللغة يكسرون الميم ويفتحونها ، والرواية بالكسر ، وذلك إشارة إلى ما ذكر من أول الحديث إلى هذا من العبادات ، وأكده بقوله : " كله " ؛ لئلا يظن خلاف الشمول ، أي بما تقوم به تلك [ ص: 106 ] العبادات جميعها . ( قلت : بلى يا نبي الله ) لا يخفى مناسبة نبي الله بالإخبار كمناسبة الرسالة بالدلالة ( فأخذ ) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ( بلسانه ) الباء زائدة ، والضمير راجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل : الباء لتضمين معنى التعلق ( وقال : كف ) الرواية بفتح الفاء المشددة أي امنع ( عليك هذا ) : إشارة إلى اللسان أي لسانك المشافه له ، وتقديم المجرور على المنصوب للاهتمام به ، وتعديته بـ " على " للتضمين أو بمعنى " عن " ، وإيراد اسم الإشارة لمزيد التعيين أو للتحقير ، وهو مفعول كف ، وإنما أخذ - عليه الصلاة والسلام - بلسانه وأشار إليه من غير اكتفاء بالقول تنبيها على أن أمر اللسان صعب ، والمعنى : لا تتكلم بما لا يعنيك ؛ فإن من كثر كلامه كثر سقطه ، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ، ولكثرة الكلام مفاسد لا تحصى ، ومن أراد الاستقصاء فعليه بالإحياء ، ولذا قال الصديق : ليتني كنت أخرس إلا عن ذكر الله . ( قلت : يا نبي الله ) : أتقول هذا ؟ . ( وإنا لمؤاخذون ) بالهمزة ويبدل ، أي هل يؤاخذنا ويعاقبنا أو يحاسبنا ربنا ( بما نتكلم به ؟ ) : يعني بجميعه ، إذ لا يخفى على معاذ المؤاخذة ببعض الكلام ( قال ) أي عليه الصلاة والسلام ( ثكلتك أمك ) : بكسر العين ( يا معاذ ) أي فقدتك ، وهو دعاء عليه بالموت على ظاهره ، ولا يراد وقوعه ، بل هو تأديب وتنبيه من الغفلة ، وتعجيب وتعظيم للأمر ، ( وهل يكب ) بفتح الياء وضم الكاف من كبه ، إذا صرعه على وجهه ، بخلاف أكب ، فإن معناه سقط على وجهه ، وهو من النوادر ، وهو عطف على مقدر ، أي : هل تظن غير ما قلت ؟ وهل يكب ( الناس ) أي يلقيهم ويسقطهم ويصرعهم ( في النار على وجوههم ، أو على مناخرهم ) شك من الراوي ، والمنخر - بفتح الميم وكسر الخاء وفتحها - ثقب الأنف ، والمراد هنا الأنف ، والاستفهام للنفي ، خصهما بالكب لأنهما أول الأعضاء سقوطا ( إلا حصائد ألسنتهم ) أي محصوداتها ، شبه ما يتكلم به الإنسان بالزرع المحصود بالمنجل ، وهو من بلاغة النبوة ، فكما أن المنجل يقطع ولا يميز الرطب واليابس والجيد والرديء ، فكذلك لسان بعض الناس يتكلم بكل نوع من الكلام حسنا وقبيحا ، والمعنى لا يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم من الكفر ، والقذف ، والشتم ، والغيبة ، والنميمة ، والبهتان ، ونحوها . والاستثناء مفرغ ، وهذا الحكم وارد على الأغلب أي على الأكثر ; لأنك إذا جربت لم تجد أحدا حفظ لسانه عن السوء ، ولا يصدر عنه شيء يوجب دخول النار إلا نادرا ، ولعمرك إن هذه الخاتمة فاتحة السعادة الكبرى ، فائحة منها نسائم الكرامة العظمى ؛ لأنه إذا نظر إلى الشريعة فكف اللسان نعم العون على حفظها ، وإذا نظر إلى الطريقة فهو الركن المشار إليه والقطب المدار عليه ; لأنه إذا سكت اللسان نطق القلب ، ويحصل له المسامرة مع الرب ، ويمطر عليه سحائب الرحمة بقطرات النور ، ويمتلئ من الخيور والحبور ، ولو نظر إلى الحقيقة فهو نهاية مراتب السالكين وغاية منازل السائرين ؛ ولذا ورد : من عرف الله كل لسانه ، أي عن ذكر غير الله ، وهو في مقام المراقبة ، وكل لسانه عن مقام الدعوى ، وهو في مقام الهيبة ، وكل لسانه عن نشر حالة وبيان مقامه ، وهو مقام صولة المحبة ، وعن وصف الله وثنائه ، وهو مقام الحيرة في المعرفة ، كما قال - عليه الصلاة والسلام - في أقصى الدنو لما رأى الحق بالحق ، وفنى عن الصفات في الذات ، ووجد معنى من معاني البقاء : ( لا أحصي ثناء عليك ) ؛ لأن ثناءه يصدر عن الحدوثية ، وثناء الخليقة لا يليق إلا بهم ، ثم قطع لسان الثناء بمقراض التنزيه عجزا في جلال الأبد ، وأضاف ثناءه تعالى إليه ؛ لأنه لا يعرف الله إلا هو ، فقال : ( أنت كما أثنيت على نفسك ) ، وفي معنى الحديث أنشد الشافعي :
احفظ لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه
كانت تهاب لقاءه الشجعان
( رواه أحمد ، والترمذي ، وابن ماجه ) ورواه النسائي ، وقال الترمذي : حسن صحيح .
منقول : اسلام ويب
fola- عضو برونزى
- الجنس :
عدد المساهمات : 2194
نقاط : 2722
تاريخ التسجيل : 27/07/2012
رد: شرح حديث (وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم ؟ ..
جزاكى الله خيرا فلة
لولا- عضو مميز
- الجنس :
عدد المساهمات : 1873
نقاط : 2461
تاريخ التسجيل : 27/07/2012
رد: شرح حديث (وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم ؟ ..
شكرا فلة
فعلا اللسان السبب فى معظم الآثام
اللهم انت العفو تحب العفو اعفو عنا
فعلا اللسان السبب فى معظم الآثام
اللهم انت العفو تحب العفو اعفو عنا
ابرار محمد- عضو نشيط
- الجنس :
عدد المساهمات : 687
نقاط : 767
تاريخ التسجيل : 23/07/2013
مواضيع مماثلة
» وهل يكب الناس علي وجوههم في النار الا حصائد السنتهم!!
» الجمع بين حديث من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ، وبين خلود المشركين في النار
» تفسير قوله تعالى " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا "
» الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل (173)
» عارفين ليه الكيبورد هيدخل النار !!
» الجمع بين حديث من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ، وبين خلود المشركين في النار
» تفسير قوله تعالى " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا "
» الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل (173)
» عارفين ليه الكيبورد هيدخل النار !!
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء ديسمبر 06, 2016 4:24 pm من طرف fola
» د. شريف الصفتى عالم الكيمياء المصرى النابغة
الثلاثاء ديسمبر 06, 2016 4:05 pm من طرف هدى من الله
» قصة سيدنا عزير
الإثنين نوفمبر 14, 2016 11:15 am من طرف سجدة
» ** قصة أبيار على **
الإثنين نوفمبر 14, 2016 10:58 am من طرف بهيرة
» خلو المكان ومرارة الغياب !!!
الإثنين نوفمبر 14, 2016 10:48 am من طرف هدى من الله
» يا حلاوة اللوبيا والارز بالشعرية
الإثنين نوفمبر 14, 2016 10:08 am من طرف بسملة
» طريقة عمل القراقيش المقرمشة و الهشة
الإثنين نوفمبر 14, 2016 10:07 am من طرف هدى من الله
» إعجاز بناء الكعبة
الإثنين نوفمبر 14, 2016 9:43 am من طرف روز
» صفات اليهود فى القرآن الكريم
الإثنين نوفمبر 14, 2016 9:42 am من طرف هدى من الله