فوائد دراسة السيرة النبوية:

انعقد إجماع الأمة في كل العصور على أهمية التعرف على جوانب حياته – صلى الله عليه وسلم – وفائدة الوقوف على ما يتعلق بشخصه , فقد عاصر الأصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – واكتحلت عيونهم بالنظر إلى وجهه الكريم , واستنارت قلوبهم إذ كانت وعاء لكلمه ونصحه , وأشرقت نفوسهم تلك التي تربت على يديه , ثم جاء أبناؤهم الذين لم يدركوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكذا إخوانهم من التابعين اللذين ليسوا من أبناء الصحابة , جاءوا جميعاً والأسى يملؤهم لفوت اللقاء ,فاشتاقت نفوسهم لسماع أحوال النبي – صلى الله عليه وسلم - , فقام الأصحاب بهذه المهمة خير قيام , فكانوا يعلمونهم مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كما تعلم السورة من القرآن , وتتابع الناس على ذلك وعرف ذلك الصنيع بعلم السيرة النبوية , ولقد أطبق الكاتبون في هذا العلم على أن له فوائد جمة , وأغراضاً شتى , وأهدافاً متعددة نذكر منها ما يلي:
1 – تلبية بعض الشوق الكامن في نفس كل مسلم آمن برسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولم يره فمن أحب إنساناً تعلق قلبه بسماع أخباره وأحواله , واشتاقت نفسه لمعرفة ما دق وما جل من خصاله وخلاله , وكما قال ابن خطيب داريا :
لم أسع في طلب الحديث لسمعة أو لاجتماع قديمه وحديثه
لكن إذا فات المحبَّ لقاءُ من يهوى تعلل باستماع حديثه
2- التأسي بصاحب القدوة المثلى ,والأسوة الحسنة لكل مسلم كما دل على ذلك القرآن الكريم في قوله تعالىقُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) , وفي قولهلَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)
قال الحافظ ابن كثير في تعليقه على هذه الآية: " هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي التَّأَسِّي بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ، وَلِهَذَا أَمرَ تبارك وتعالى النَّاسَ بِالتَّأَسِّي بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْأَحْزَابِ فِي صَبْرِهِ وَمُصَابَرَتِهِ وَمُرَابَطَتِهِ وَمُجَاهَدَتِهِ وَانْتِظَارِهِ الْفَرَجَ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ"
3- فهم كتاب الله تعالى , وإيضاح مقاصده , ومعرفة أسباب نزوله , والمتقدم والمتأخر منه, وهذه ضالة كل مسلم , ولا سبيل إلى تمام تحققها إلا من خلال الوقوف على دقائق حياة من نيط به بيان القرآن كما قال الله تعالىوَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) ، وقوله(وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)
ومما لا شك فيه أن معرفة أحوال المُبَيِّن تكشف كثيراً من أسرار المُبَيَّن , يجلي هذه الحقيقة حديث عائشة عند مسلم أنها سئلت عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ للسائل: «أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟» فقال: بَلَى، قَالَتْ: «فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ الْقُرْآنَ».
4- يتجمع لدى المسلم من خلال دراسته للسيرة أكبر قدر من الثقافة والمعارف الإسلامية الصحيحة , سواء ما كان منها متعلقاً بالعقيدة أو الأحكام أو الأخلاق , فحياته – صلى الله عليه وسلم – صورة مجسدة لمجموع مبادئ الإسلام وأحكامه , فينتفع بهذا القدر الثقافي والمعرفي المسلمون لا سيما الدعاة إلى الله عز وجل , وإننا لنحس أثر فهم السيرة وهضمها على خطاب الداعية وقدرته المؤثرة في مستمعيه .
5- الوقوف على السيرة النبوية يعطي الدليل الذي لا ريب فيه على صدق رسالته وصحة نبوته" " , فالقارئ لرسالته يجد نفسه أمام الإنسان الكامل ,الذي لا يمكن أن ينتقص في جانب من جوانب حياته , وأن كماله في إنسانيته تبع لكمال شريعته , فلا يمكن للمتأمل في سيرته أن يلحظ انفصاماً بين المنهج وحامله , وقد انعكس هذا التوافق والتناسق بين الرسالة والرسول على المدعوين , فما هي إلا ثلاث وعشرون سنة وظهرت دعوته في الجزيرة العربية كلها , وأيقن الناس أن محمداً رسول الله حقاً ,دون أدنى تأثير من إكراه أو قهر,ولكنهم آمنوا به وأذعنوا له لما رأوا من رجحان أدلته وقوة حجته وكمال إنسانيته.

قال تعالى "لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً"

جزاكم الله خيرا